منتدى الشهيد العظيم مارجرجس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى الشهيد العظيم مارجرجس


 
البوابةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5, 6  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:21 pm

v قفز إبليس إلى حيث كان المسيح، ونظر إلى الحجر وخاطب المسيح، قائلاً: "إن كنت ابن الله، فقلْ لهذا الحجر أن يصير خبزًا" (لو 4: 3). ترون أن إبليس يدنو من المسيح كإنسانٍ، كأحد القدِّيسين، ومع ذلك يرتاب في المسيح. لكن كيف سعى الشيطان ليتحقَّق من لاهوت المسيح؟ كان يعلم أنه لا يمكن تغيير طبيعة المادة إلى طبيعة أخرى تغايرها في الجوهر إلا بقوَّة إلهيَّة، فإما المسيح يُغيِّر المادة فيرتبك إبليس في أمره، أو يعجز عن القيام بهذا العمل، فيُسَر الشيطان لأنه لم يجد أمامه سوى إنسانًا ضعيفًا يمكن مقاومته.
علم السيِّد المسيح ما كان يجول بخُلد إبليس، فلم يغيِّر الخبز ولم يعلن عجزه عن تغييره. اِنتهر المسيح الشيطان بالقول: "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان" (لو 4: 5). ومعنى ذلك أنه إذا منح الله الإنسان القوَّة أمكنه أن يحيا بدون أكل، وعاش كما عاش موسى وإيليَّا بقوَّة أربعين يومًا ولم يذوقا شيئًا، فإذًا استطاع المسيح أن يعيش بدون طعام، فلم يحوِّل الحجر خبزًا إلا أن المسيح لم يقل قط أنه "لا يستطيع ذلك" حتى لا يتطرَّق الشك بأنه إنسان لا إله، ولم يقل أستطيع ذلكلئلا يتركه الشيطان وشأنه، وكان المسيح يريد تعليمنا دروسًا أخرى.
لاحظوا يا أحبائي كيف أن طبيعة المسيح نبذَت شراهة آدم ونهمه، فبأكل آدم غُلبنا، وبزهد المسيح انتصرنا.
الجسم يأكل ما تُخرجه الأرض من دسم، أما النفس العاقلة فطعامها كلمة الله الخالدة. فإن الخبز الذي تجود به الأرض يُغذي جسمًا عناصره هي عناصر الخبز الأرضي، أما الخبز السماوي الذي يبعث به الله من فوق يُغذِّي النفس الباقية. هذا هو الخبز السماوي الذي يتغذَّى به جمهور الملائكة.
القدِّيس كيرلس الكبير
v ينكشف لنا من هذه التجربة أن لإبليس ثلاثة سهام اعتاد أن يستخدمها ليجْرح قلب الإنسان: شهوة الأكل، المجد الباطل، الطمع! (يبدأ من حيث اِنتصر إبليس) هكذا تبدأ نُصرتي في المسيح من حيث غلبني إبليس في آدم...
يقول: "إن كنتَ ابن الله"، فقد كان إبليس يعلم تمامًا أنه ينبغي أن يأتي ابن الله، لكنه لم يكن يعتقد أنه يأتي في ضعف، لهذا أراد أن يتأكَّد ثم يُجرِّبه بعد ذلك...
انظروا أسلحة المسيح التي بها اِنتصر من أجلكم وليس لأجل نفسه، فإنه قادر أن يحوِّل العناصر (كما في عرس قانا الجليل)، لكنه يعلِّمنا ألا نطيع إبليس في شيء، ولا لإظهار قوَّتَك. لنعرف أيضًا من هذه التجربة مهارة إبليس الخادعة فهو يجُرِّب ليتأكَّد من الحقيقة ليخترق الإنسان ويُجرِّبه... ولم يستخدم الرب سلطانه كإله وإلا فإننا لم نكن نجني فائدة، إنما استخدم الإمكانيَّة العامة وهي استخدام كلام الله.
القدِّيس أمبروسيوس
v قل لهذا "الحجر"، أي حجر هو هذا؟ بلا شك الحجر الذي كان إبليس يريه إيّاه طالبًا أن يحوِّله إلى خبز. إذن ما هي التجربة؟...
الشيطان العدو المخادع يقدِّم حجرًا عوض الخبز (لو 11: 11). هذا ما يريده الشيطان أن يتحوَّل الحجر إلى خبز، فينمو الناس لا على الخبز، وإنما على الحجر الذي يُريه الشيطان على شكل خبز. وإنني اعتقد أن الشيطان لا يزال يُرينا الحجر ويقول لكل أحد: "قل لهذا الحجر أن يصير خبزًا..." فإن رأيت الهراطقة يأكلون تعاليمهم الكاذبة كخبزٍ، فاِعلم أن مناقشاتهم وتعاليمهم هي الحجر الذي يُظهره الشيطان لنأكله كخبز...
لنسهر إذن ولا نأكل حجارة الشيطان ظانِّين أننا ننمو بخبز الرب...
العلامة أوريجينوس
v يخضع الجسد لتجربة الجوع لتُعطى فرصة لإبليس كي يجُرِّبه.
القدِّيس جيروم
v تأكَّد تمامًا أن العدو يهاجم القلب عن طريق امتلاء البطن.
الأب يوحنا من كرونستادت
ب. تجربة الصليب
في التجربة السابقة أراد إبليس أن يقدِّم للسيِّد الحجر خبزًا، لكن السيِّد رفض تحويل الحجر خبزًا، مقدَّما نفسه "الخبز الحيّ النازل من السماء" شبعًا لمؤمنيه. والآن إذ كان إبليس يعلم أن المسّيا القادم يملك إلى الأبد خلال الصليب والألم. أراه ممالك العالم ليملُك، لكن ليس خلال الصليب، وإنما خلال الطريق السهل والباب الواسع وهو "السجود لإبليس نفسه". رفض المسيح بهذا الطريق الواسع الرحب بقوَّة، فتح لنا الباب لنملُك نحن أيضًا معه خلال آلامه لا خلال الشر.
v يريد ابن الله كما ضد المسيح أن يملُكا، لكن ضد المسيح يريد أن يملك ليُهلك من له، أما المسيح فيملُك ليخلِّص (بالصليب). فمن كان فينا أمينًا يملُك المسيح عليه بكلمته وبالحكمة والعدل والحق؛ أما إذا فضَّلنا الشهوة عن الله فتملُك الخطيَّة علينا، حيث يقول الرسول: "إذًا لا تملُكنَّ الخطيَّة في جسدكم المائت" (رو 6: 12).
إذن ملِكان يبادران لكي يملُكا، تملُك الخطيَّة أو الشيطان على الأشرار، ويملُك العدل أو المسيح على الأبرار.
إذ كان إبليس يعلم أن المسيح جاء ليغتصب ملكوته، ويُخضع لقوته وسلطانه أولئك الذي كانوا قبلاً خاضعين للمخادع، "أراه جميع ممالك المسكونة" وكل سكان العالم، أراه كيف يملك على الواحد بالشهوة، وعلى الآخر بالبُخل، وثالث بحب المجد الباطل، ويأسِر آخرين خلال جاذبيَّة الجمال... وكأن الشيطان يقول له: أتريد أن تملك على كل الخليقة؟! وأراه الجموع غير المحصية التي تخضع له، والحق يُقال لو قبلنا أن نعرف في بساطة بؤسنا ونُدرك مصيبتنا لوجدنا الشيطان يملك في معظم العالم، لذلك يسمِّيه الرب "رئيس هذا العالم" (يو 12: 31؛ 16: 11). وعندما يقول إبليس ليسوع: أترى جميع الشعب الخاضع لسلطاني؟ يكون قد أراه ذلك "في لحظة من الزمان"، إذ يحسب الوقت الحالي لحظة أن قورن بالأبديَّة... حينئذ قال إبليس للرب: أجئت لتصارع ضدِّي، وتنزع عنِّي كل الذين هم تحت سلطاني؟ لا، لا تحاول أن تقارن نفسك بي، ولا تعرض نفسك لصعاب هذه المعركة. انظر كل ما أطلبه منك، "إن سجدت أمامي يكون لك الجميع".
بدون شك يريد ربَّنا ومخلِّصنا أن يملك، لكن بالعدل والحق وكل فضيلة... لا يريد أن يكلَّل كملكٍ بدون تعب (الصليب)...
أجابه الرب قائلاً: "مكتوب للرب إلهك تسجد، وإيّاه وحده تعبد" (تث 6: 13). إرادتي هي أن يكون الكل لي يعبدونني، ولا يسجدون لغيري. هذه هي الرغبة الملوكيَّة. أتريدني أن أخطئ أنا الذي جئت لأبيد الخطيَّة وأُحرَّر الناس منها؟!
لنفرح ولنبتهج نحن إذ صرنا له، ولنُصَلِ إليه ليقتل الخطيَّة التي ملَكت في أجسادنا (رو 6: 6) فيملك وحده علينا.
العلامة أوريجينوس
v "وأراه جميع ممالك المسكونة" [5] كيف تجرؤ أيها الشيطان المارد اللعين فتُري السيِّد ممالك العالم وتخاطبه بالقول: "لك أعطي هذا السلطان كله ومجدهن... إن سجدتَ أمامي" (لو 4: 6)؟ كيف تعد بأن تهب ما ليس لك؟! من الذي نصَّبك وارثًا على مملكة الله؟! ؟إنك اِغتصبت هذه الممالك غشًا وزورًا، فرُد ما اغتصبته إلى الابن المتجسِّد رب العالم بأسره، واسمع ما يصرح به النبي إشعياء ضد إبليس وجنوده: "لأن تُفتة مرتَّبة منذ الأمس مهيَّأة، هي أيضًا للملِكِ عميقة واسعة، كومتها نار وحطب بكثرة، نفخة الرب كنهر كبريت توقدها" (إش 30: 33).
فكيف تتقدَّم أيها الشيطان، ونصيبك الهاويَّة السحيقة مِلكًا؟... وكيف يسجد السيِّد لك، والسيرافيم وجميع طغمات الملائكة لا يغفلون طرفة عين عن التسبيح لاسمه لأنه مكتوب: "للرب إلهك تسجد وإيّاه وحده تعبد" (لو 4: 8)؟!
حقًا لقد أصابت هذه الآية مقتلاً من إبليس لأنه كان قبل نزول المسيح ومجيئه يخدع كل الذين تظلِّلهم القبَّة الزرقاء، فتجثو له كل ركبة، أما وقد جاء المسيح فقد شاءت رحمته أن يرجع الناس عن غلوائهم ويقدِّموا له السجود والعبادة والإكرام.
القدِّيس كيرلس الكبير
v ليس العيب في السلطان في ذاته، وإنما في الطمع الباطل، وعلى هذا فإن تأسيس السلطان يأتي من قِِبل الله، ومن يستعمله يكون سفيرًا لله بكونه خادم الله للصلاح (رو 13: 3-4). العمل في ذاته ليس خطيَّة، لكن العيب في الذي ينفِّذه... يجب أن نميِّز بين الاستخدام الصالح للسلطان والاستخدام الطالح...
القدِّيس أمبروسيوس
v أراه مجد العالم على قمَّة جبل، هذا الذي يزول، أما المخلِّص فنزل إلى الأماكن السفليَّة ليهزم إبليس بالتواضع.
القدِّيس جيروم
v أعلن الرب أن الشيطان كذَّاب من البدء، وليس فيه الحق (يو 8: 44)، وبكونه كذَّابًا وليس فيه الحق فإنه لا ينطق بالحق بل بالكذب، عندما قال: "إليّ قد دُفع وأنا أعطيه لمن يريد" (لو 4: 6).
v لقد كذب الشيطان في البداية وبقي في كذبه حتى النهاية، فإنه ليس هو الذي يقيم ممالك هذا العالم بل الله إذ "قلْب الملك في يد الله" (أم 21: 1). كما يقول الكلمة خلال سليمان: "بي تملك الملوك وتقضي العظماء عدلاً، بي تترآس الرؤساء والشرفاء وكل قضاة (ملوك) الأرض" (أم 8: 15).
v لقد فضحه الرب كاشفًا حقيقة شخصيَّته، إذ قال له: "اذهب يا شيطان" [8]... مُظهرًا ذلك من ذات اسمه، فإن كلمة "شيطان" في العبريَّة تعني "مرتد".
القدِّيس إيريناؤس
ج. تجربة في المقدَّسات
إن كان عدو الخير إبليس قد حاول أن يُجرِّب "يسوع" في لقمة العيش بتحويل الحجر إلى خبزٍ، وقد فشل إذ قدَّم السيِّد المسيح نفسه خبزًا حقيقيًا يُنعش النفس وينزع عنها طبيعتها الحجريَّة، وفي التجربة السابقة أراد تحطيم هدفه بفتح طريق سهل وقصير لكي يملك دون الحاجة إلى صليب، لكن الرب أصرَّ ألا يقبل إلا أن يدخل دائرة الصليب. أما التجربة التي بين أيدينا فتمس العبادة ذاتها، إذ تمّت في أورشليم على جناح الهيكل، وقدَّم الشيطان عبارة من الكتاب المقدَّس: "لأنه مكتوب أنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظونك، وأنهم على أياديهم يحملونك، لكي لا تصدم بحجر رجلك" [10-11]، سائلاً إيّاه أن يطرح نفسه من جناح الهيكل إلى أسفل.
هذه التجربة يتعرَّض لها بالأكثر الرعاة والخدَّام والمتديِّنون، فإن عدو الخير يحاربهم في أورشليم في هيكل الرب، يقدِّم لهم كلمات الكتاب المقدَّس مشوَّهة سواء في بعض كلماتها أو في فهمها ليحوِّل عبادتهم إلى شكليَّات واستعراضات ورياء، طالبًا منهم عوض أن يصعدوا منطلقين نحو السماويَّات أن ينطرحوا من جناح الهيكل إلى أسفل، إذ يحدرهم الشكل أو الرياء عن غايتهم الحقَّة.
v لنلاحظ بداية هذا الإنجيل الذي سمعناه اليوم، ولنضع في النور الأمور المخفية فيه "جاء (إبليس) به إلى أورشليم"، الأمر الذي يبدو غير مُصدق أن إبليس يقود ابن الله، وهو يتبعه؛ فإنه يشبه المصارع الذي يذهب إلى التجربة ولا يخشاها، ولا يرهب مصيدة العدو المخادع للغاية وغير المحتملة، وكأنه يقول: ستجدني أقوى منك.
قاده إلى قمَّة الهيكل وطلب منه أن يطرح نفسه من فوق، وكان هذا العرض تحت ستار أنه يتم لمجد الله...
يتكلَّم الشيطان ويستند على الكتاب المقدَّس... لكن ليته لا يخدعني الشيطان حتى وإن استخدم الكتاب المقدَّس...
تأمَّل العبارة التي يعرضها إبليس على الرب: "مكتوب أن يوصي ملائكته بك لكي يحفظونك وعلى أيديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك". انظر كم هو مخادع حتى في اختياره للعبارات، فإنه يريد أن يقلِّل من مجد الرب، كما لو كان يسوع محتاجًا إلى معونة الملائكة؛ كما لو كان يمارس عملاً خاطئًا ما لم تسنده الملائكة. هكذا يقتبس إبليس عبارة من الكتاب لا تناسب المسيح ويطبِّقها عليه، إنما تناسب القدِّيسين بوجَّه عام... المسيح ليس بمحتاج لمعونة الملائكة، إذ هو أعظم منهم، ويرث اسمًا أعظم وأسمى: "لأنه لمن من الملائكة قال قط أنت ابني أنا اليوم ولدتك؟!" (عب 1: 5-7؛ مز 2: 7)...
بعد ما قال: "إنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك، وأنهم على أياديهم يحملونك لكي لا تصطدم بحجر رجليك"، يصمت إبليس عن التكملة وهي: "على الأسد والصل تطأ، الشبل والثعبان تدوس" (مز 91: 13). فلماذا تعبر على هذه العبارة بصمت أيها الشيطان؟! لأنك أنت هو الصل وملك كل الحيَّات. أنت تعرف أنك تحمل على جانبيك قوَّة عدوانيَّة أخرى تسمى "الأسد"، تخضع للأبرار تحت أقدامهم، لذلك لا تتكلَّم عن هذا الأمر.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:22 pm

أنت هو الشِبل والثعبان، حيث مكتوب: "لى الأسد والصل تطأ، الشِبل والثعبان تدوس". إن كنت تصمت ولا تذكر شيئًا ضدَّك، لكننا نحن إذ نقرأ الكتاب باستقامة ندرك تمامًا أن لدينا سلطانًا أن نطأك بالأقدام، هذا السلطان لم يوهب لنا في العهد القديم حيث كان المزمور يرنَّم به، وإنما أيضًا في العهد الجديد. ألم يقل المخلِّص: "ها أنا أعطيكم السلطان أن تدوسوا الحيَّات والعقارب وكل قوَّة العدو ولا يضرُّكم شيء؟!" (لو 10: 19). لنستند على هذا السلطان ونأخذ سلاحنا، ونطأ بسلوكنا الشِبل والثعبان...
العلامة أوريجينوس
v "إن كنت ابن الله فاطرح نفسك من هنا إلى أسفل" [9]. أما التجربة الثالثة فكان محورها الزَهْو والخيلاء "اطرح نفسك من هنا" حتى تثبت أمام المِلأ لاهوتك، إلا أن المسيح أجابه: "لا تجُرِّب الرب إلهك" (لو 4: 12) فإن الله لا يساعد من يجرؤ على تجربته ولم يُعط المسيح قط آية لمن جاءه بقصد تجربته، إذ ورد: "فأجاب وقال لهم جيل شرِّير وفاسق يطلب آية ولا يُعطى له آية إلا آية يونان النبي" (مت 12: 39).
لا غرابة أن يتقهقر أمام المسيح بعد هذه الثلاث تجارب، فيقدِّم لنا المسيح المنتصر إكليل الفوز والغلبة على حد قول الصادق: "ها أنا أعطيكم سلطانًا لتدوسوا الحيَّات والعقارب وكل قوَّة العدو ولا يضرُّكم شيء" (لو 10: 19).
"لأنه مكتوب أنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظونك" [10]
وانظروا كيف يقتبس إبليس من الأسفار الإلهيَّة ليستعين بها على تصويب سهمه الدنيء، لأن هذه الآية التي وردت في المزامير لا تشير إلى المسيح، لأن المسيح ليس في حاجة إلى ملائكة. أما جناح الهيكل فقصد به البناء المرتفع الذي أقيم بجوار الهيكل.
القدِّيس كيرلس الكبير
v هذا هو شيطان المجد الباطل، فعندما يظن الإنسان أنه قد ارتفع عاليًا ويشتهي القيام بالأعمال العظيمة يسقط في الهاوية.
قال له: "إن كنتَ ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل" لا ينطق بهذه الكلمات إلا الشيطان الذي يحاول أن يُحدر الروح الإنسانيَّة إلى أسفل من حيث سمت بفضائلها؟! هل شيء يوافق الشيطان إلا النصح بالانحدار إلى أسفل؟!...
لا يستطيع إبليس أن يؤذي إلا من يدفع نفسه إلى أسفل، أي يترك السماء ليختار الأرض...
القدِّيس أمبروسيوس
v هذه هي كلمات إبليس دائمًا إذ يتمنَّى السقوط للجميع.
القدِّيس جيروم
ختم حديثه عن التجربة "ولما أكمل إبليس كل تجاربه فارقه إلى حين" [13]. إن كان الشيطان لا يمِلّ عن المصارعة بالرغم من هزيمته المُرَّة في كل التجارب، إذ يقول "فارقه إلى حين"... فقد جاء بقيَّة السفر عبارة عن صراع مستمر بين السيِّد المسيح وإبليس بكل طريقة، سواء مباشرة أو خلال خدَّامه، لهذا يليق بنا ألا ننخدع إن تركنا العدو، فإنه يفارقنا إلى حين لكي يعود فيصارعنا.
v لما سمع إبليس اسم "الله" فارقه إلى حين، إذ جاء بعد ذلك لا ليُجربه وإنما ليُحاربه علانيَّة. والكتاب المقدَّس يُعرِّفك أنك في حرب ليس مع لحم ودم بل مع السلاطين والرؤساء مع أجناد الشر الروحيَّة (أف 6: 12).
اُنظر رِفعة المسيحي الذي يُحارب رؤساء العالم (الشياطين)، فمع أنه يعيش على الأرض لكنه يبسط قوَّته الروحيَّة أمام أرواح الشرّ في السماويَّات. ونحن لا نُكافأ بأمور أرضيَّة في حربنا من أجله إنما مكافآتنا روحيَّة هي ملكوت السماوات وميراث المسيح.
يليق بنا أن نجاهد بكل مقاومة لإبليس، فالإكليل مقدَّم لنا، ويلزمنا أن نقبل الدخول معه في حرب. لا يكلَّل أحد ما لم يَغلب، ولا يمكن له أن يغلب ما لم يحارِب (2 تي 2: 5). والإكليل يعظُم كلما كثر الألم، لأنه ضيق وكرب هو الطريق المؤدِّي للحياة، وقليلون هم الذين يجدونه، وواسع هو الطريق المؤدِّي للموت (مت 7: 13).
يليق بنا ألا نخشى تجارب هذه الحياة قط، فهي فرصة مقدَّمة للغلبة ومادة للنصرة...
المُضل يُكثر من جرح المجاهد، ومع ذلك فالمُجاهد في شجاعته لا يضطرب قلبه...
إن تعرَّضت للتجارب فاعلم أن الأكاليل تُعد!....
أُلقي يوسف في السجن كثمرة لطهارته، لكنه ما كان يشارك في حكم مصر لو لم يبعه إخوته.
القدِّيس أمبروسيوس
2. يسوع في الجليل
"ورجع يسوع بقوَّة الروح إلى الجليل،
وخرج خبر عنه في جميع الكورة المحيطة،
وكان يعلِّم في مجامعهم ممجَّدا من الجميع".
لم يحمل السيِّد المسيح "قوَّة الروح" كقوَّة جديدة لم تكن فيه من قبل، وإنما إذ ترك المدن واعتزل في البرِّيَّة وصام هناك وجُرِّب من إبليس وغلبه بعدما اعتمد، عاد إلى مدن الجليل ليُقدِّم ما فعله باسم البشريَّة، فتحمل به "قوَّة الروح". بمعنى آخر ما صنعه ربَّنا يسوع من انطلاق إلى البرِّيَّة وممارسة للصوم وغلبة على إبليس، هو رصيد يتمتَّع به كل من يوَد التلمذة له، فلا يليق أن ينطلق أحد للخدمة بغير هذا الرصيد من الغلبة والنصرة في الرب.
يعلِّق العلامة أوريجينوس على العبارة: "كان يعلِّم في مجامعهم، ممجَّدا من الجميع"، قائلاً: [احذروا من تطويب هؤلاء الذين كانوا يسمعون كلمات المسيح، وتحكموا على أنفسكم كأنكم محرومون من تعاليمه... فالرب لم يتكلَّم قديمًا فحسب في جماعة اليهود، وإنما إلى اليوم يتكلَّم في جماعتنا، ليس فقط عندنا، وإنما في الاجتماعات الأخرى في العالم أجمع. يسوع يُعلِّم ويطلب آلات يستخدمها لنقل تعليمه، صلُّوا لعلَّه يجدني مستعدًا لذلك وأترنَّم له... اليوم يسوع يتمجَّد من الجميع بالأكثر لأنه لم يعد معروفًا في مكان واحد فقط (الشعب اليهودي)!]
3.يسوع المرفوض من خاصته
قدَّم لنا لوقا البشير صورة حيَّة لعمل هذا الصديق العجيب، فقد جاء إلى الناصرة حيث تربَّى ليخدِم، ومع أن الجميع كانوا يشهدون له ويتعجَّبون من كلمات النعمة الخارجة من فمه لكنهم تعثَّروا فيه لأنهم حسبوه ابن يوسف. وحين بدأ يحدِّثهم عن انفتاح صداقته على الجميع - حتى الأمم - قرَّروا طرحه من حافة الجبل، أما هو فجاز في وسطهم ومضى.
نشأ السيِّد المسيح في الناصرة، ذاك الذي وهب العالم الخلاص والحياة، بينما حكمت مدينته على نفسها بالهلاك والموت. ما فعله أهل الناصرة هو جزء لا يتجزَّأ من خُطَّة الصليب.
"وجاء إلى الناصرة حيث كان قد تربَّى،
ودخل المجمع حسب عادته يوم السبت، وقام ليقرأ" [16].
v لما كان من الضروري ظهور المسيح للإسرائيليِّين حتى يعرفوا حقيقة التجسَّد إذ كانوا يجهلونه، وبما أن المسيح مسحه الله الآب مخلِّصًا للعالم بأسره، لزم من أجل كل ذلك أن يظهر المسيح نفسه للشعب اليهودي وغيره من الشعوب الأخرى ويكشف عن عمله الفدائي للشعوب قاطبة. إلا أن السيِّد المسيح أوْلى يهود الناصرة فضلاً عظيمًا بأن زارهم، وكان قد تربَّى كإنسانٍ في وسطهم.
وما أن دخل المسيح بلدة الناصرة أخذ مجلسه في مجمعها، وفتح السفر وقرأ فصلاً يشير إلى الفداء، وكيف أن المسيح الكلمة يظهر للعالم كإنسانٍ بقصد امتلائه وتخليصه. وإننا نعتقد بحقٍ أنه لم يكن هناك طريقة بها يمسح المسيح المسحة المقدَّسة سوى أن يأتي إلى العالم كإنسانٍ ويتَّخذ طبيعة إنسان.
كان المسيح إلهًا متأنِّسًا، وبصفته إلهًا يهب الروح القدس للخليقة بأسرها، وبصفته إنسانًا يتسلَّم الروح القدس من الله أبيه. بينما المسيح يقدِّس الخليقة قاطبة سواء كان ذلك بإشراق طلعته البهيَّة من المسكن الأعلى مسكن الله الآب، أم يمنح الروح القدس للعالم السماوي الذي يَدين به، وللعالم الأرضي الذي يعترف بتجسُّده.
القدِّيس كيرلس الكبير
"فدُفع إليه سفر إشعياء،
ولما فتح السفر وجد الموضع الذي كان مكتوبًا فيه:
روح الرب عليّ، لأنه مسحني لأُبشِّر المساكين" [17-18].
v لم يحدُث هذا على سبيل الصدفة، وإنما بتدخُّل النعمة الإلهيَّة، إذ بسط يسوع الكتاب ووجد الأصحاح الذي يتنبأ عنه... قرأ النص الذي يخص "سرّ المسيح": بدقَّة: "روح الرب عليّ، لأنه مسحني لأُبشِّر المساكين". فالنص يتحدَّث عن المسيح، وقد جاء ليس صدفة، بل حسب المشيئة الإلهيَّة والنعمة.
بهذه المناسبة لاحظوا هذه الكلمات وكيف طبَّقها يسوع على نفسه في المجمع.
"مسحني لأبشِّر المساكين" بالحق كانوا هم المساكين الذين لا يملكون قط لا الله ولا نبي ولا العدل ولا أية فضيلة، قد أُرسل لهذا السبب يسوع من أجل المساكين.
العلامة أوريجينوس
v يؤكِّد الرب نفسه أنه هو الذي تكلَّم في النبوَّات. لقد أخذ المسحة المقدَّسة والقوَّة السماويَّة... ليحل سبي الروح وينير ظلمة الفكر، ويكرز بسَنة الرب التي تمتد عبر السنين اللانهائيَّة، وتهب البشر استمراريَّة الحصاد والراحة الأبديَّة. لقد أغنى كل المهن واحتضنها، ولم يحتقر مهنة ما، بينما نحن الجنس الوضيع نرى جسده ونرفض الإيمان بلاهوته الذي يُعلن خلال معجزاته.
القدِّيس أمبروسيوس
v "وروح الرب علي، لأنه مسَحني لأبشِّر المساكين" [18]. يستنتج من هذه الكلمات أن المسيح أخلى نفسه من الأمجاد السماويَّة حبًا في خلاصنا، لأن الروح القدس بطبيعته في المسيح، فكيف ينزل على السيِّد من أعلى؟! كذلك في نهر الأردن نزل الروح القدس ليمسح يسوع، لا لسبب إلا لأن المسيح وطَّد نفسه على إسداء نعمة الخلاص لنا وتقديم الروح القدس لنا، فإننا كنا خالين من نعمة الروح القدس على حد قول الوحي: "فقال الرب لا يدين روحي في الإنسان إلى الأبد" (تك 6: 3). نطق المسيح المتجسِّد بهذه الكلمات لأنه إله حق من إله حق، وتجسَّد بدون أن يتغيَّر أي تغيير ومُسِح بدُهن الفرح والابتهاج، ونزل عليه الروح القدس على شكل حمامة. وإننا نعلم أن الملوك والكهنة مُسِحوا في الزمن القديم حتى تقدَّسوا بعض التقديس، أما المسيح فدُهِن بزيت التقديس الروحي، متسلِّمًا هذه المسْحة ليس من أجل نفسه، بل من أجلنا لأنه سبق أن حُرم الناس من الروح القدس، فخيَّمت سحابة الحزن والكآبة على وجّه الأرض.
القدِّيس كيرلس الكبير
"أرسلني لأشفي المنكسري القلوب،
لأُنادي للمأسورين بالإطلاق،
وللعُمي بالبَصر،
وأرسل المنسحقين في الحريَّة.
وأكرز بسَنة الرب المقبولة" [18-19].
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:23 pm

v كنا مأسورين في أسر إبليس وسجنه، وجاء يسوع ينادي للمأسورين بالإطلاق، وللعُمي بالبصر، إذ كلماته وبشارته تجعل العُمي يبصرون...
كان الإنسان مذنبًا وقاتلاً ومأسورًا قبلما يحصل على الحريَّة ويشفيه يسوع.
العلامة أوريجينوس
v نادى المسيح بإطلاق سراح الأسرى بأن قيَّد قدميّ الشيطان بالأغلال، وكان طاغية باغية يتسلَّط على رِقاب الناس، وسرق من المسيح رعيَّته وخليقته، فرَدَّ السيِّد ما نهبه إبليس ظُلمًا وعُدوانًا. أرسل المسيح ليهدي قلوبًا غواها الشيطان، فأسدل ستارة من الظلام الدامس، أما المسيح فبدَّد غشاوة الليل الحالك، وأصبحت رعيَّته تسير في الضوء الوهَّاج والنور الساطع، كما ورد في رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل تسالونيكي: "جميعكم أبناء نور وأبناء نهار، لسنا من ليل ولا من ظلمة" (1 تس 5: 5).
لقد أبصر العميان، وأُنيرت الطرق، ومُهِّدت المرتفعات، وذلك بمجيء المسيح المخلِّص الفادي: "أنا الرب دعوتك بالبر فأمسك بيدك وأحفظك وأجعلك عهدًا للشعب ونورًا للأمم" (إش 42: 6).
جاء المسيح فأعلن عهدًا جديدًا لإخوته الإسرائيليِّين، ولكن لم يحتكر اليهود هذا الضوء الوهَّاج، بل سطع نور المسيح البهي على الأمم، فأطلق المأسورين وحرَّر المنسحقين، وكل ذلك يدل على أن المسيح إله بطبيعته فهو إله حق من إله حق.
وما المراد بالقول: "أنادي المأسورين بالإطلاق"؟ تُشير هذه الآية إلى جمهور البؤساء التُعساء الذين أوقعهم الشيطان في حبائله.
وما معنى القول: "أكرز بسَنة الله المقبولة"؟ تُشير هذه الآية إلى جلال الأخبار المُفرحة التي تُعلن قدوم السيِّد المسيح، هذه هي السَنة المقبولة التي شاء المسيح فصُلب فيها نيابة عنَّا، لأن بصلبِه قبِلَنا الله الآب وكنَّا بعيدين عنه، إذ ورد: "وأنا إن اِرتفعت من الأرض أجذب إليّ الجميع" (يو 12: 32). حقًا قام المسيح في اليوم الثالث، منتصرًا على قوَّة الموت، ولذلك يقول: "دُفع إليّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض" (مت 28: 18).
أليست هذه السَنة سنَة مقبولة، وقد انضممنا إلى أسرة المسيح، وخفق علينا علم يسوع، وتطهَّرنا بالعِماد المقدَّس، واشتركنا في طبيعة المسيح الإلهيَّة، بنيْلنا الروح القدس؟!
إنها السَنة مقبولة تلك التي أَظهر فيها المسيح مجده بمعجزات باهرة، وقبِلْنا بفرح وابتهاج نعمة الخلاص والفداء على حد قول بولس الحكيم: "هوذا الآن وقت مقبول، هوذا الآن يوم خلاص" (2 كو 6: 2). حقًا أنه مقبول إذ فيه فازت الأمم بكنز الإنجيل السمائي، ونالت رسالة السماء المُفرحة، وكانت في الماضي بعيدة عن نعمة الخلاص، لا أمل لها بالنجاة، وليس إله تقصد إليه في العالم. أما الآن فنحن أعضاء في المملكة المسيحيَّة، وشركاء طغمة القدِّيسين الصالحة، وورثة نعم وبركات يقصُر عن تصوُّرِها العقل وعن وصفها اللسان: "ما لم ترَ عين ولم تسمع به إذن ولم يخطر على بال إنسان، ما أعده الله للذين يحبونه" (1 كو 2: 9).
وتشير عبارة: "المُنكسري القلوب" إلى ضعاف القلوب مزعزعي العقيدة، هؤلاء الذين لا يُمكنهم مقاومة الميول والشهوات، فيرخون العنان لعواطفهم الدنيئة، فيشتدْ الخِِناق عليهم ويضيق بهم مكان الأسر. أما المسيح فيعد مثل هؤلاء المأسورين بالإطلاق ويناشدهم قائلاً: إرجعوا إليّ فأشفيكم، وأغفر لكم إثمكم وخطيَّتكم.
أما الذين عمَت بصائرهم فإن المسيح يهبهم الضوء والنور؛ هم عميان لأنهم عبدوا المخلوق دون الخالق: "قائلين للعود أنت أبي وللحجر أنت ولدتني" (إر 2: 27). هؤلاء الناس جهلوا طبيعة المسيح الإلهيَّة فحُرم عقلهم من النور الروحي الحقيقي.
وليس هناك من معترضٍ على نسبة هذه الأمور كلها إلى جماعة الإسرائيليِّين، فقد كانوا فقراء ومنكسري القلوب وأسرى، يهيمون في دُجى الليل الحالك "الكل قد زاغوا معًا وفسدوا،ليس من يعمل صلاحًا ليس ولا واحد" (مز 14: 3).
نزل المسيح فبُشِّر الإسرائيليِّين قبل غيرهم من الشعوب، أما الأمم الأخرى فلم تكن دون الإسرائيليِّين عُمي وجُهلاء، ولكن المسيح أغناها بحكمته وهذبها بعلمه، فلم تظل ضعيفة العقل سقيمة الرأي، بل أصبحت سليمة المذهب قويَّة الحجة.
القدِّيس كيرلس الكبير
"ثم طوى السفر وسلَّمه إلى الخادم وجلس.
وجميع الذين في المجمع كانت عيونهم شاخصة إليه.
فابتدأ يقول لهم:
إنه اليوم قد تمَّ هذا المكتوب في مسامعكم" [20-21].
جاءت كلمات السيِّد المسيح مفسِّرة لهذه النبوَّة جذَّابة، لأنها لم تكن مجرَّدة، وإنما كانت عملاً إلهيًا تحقَّق بمجيئه، لذلك يقول: "كانت عيونهم شاخصة إليه".
v لما نطق المسيح بهذه الآيات البيِّنات دُهش سامعوه، وتساءلوا فيما بينهم من أين له هذه الحكمة البليغة، ولم يدرس الآداب اليهوديَّة؟! لأنه كان عادة اليهود أن يفسِّروا النبوَّات الخاصة بالمسيح بأنها تمَّت، إما في ملوكهم أو في أنبيائهم، لأنهم جنحوا عن طريق السداد والرشاد واتَّخذوا مسلكًا ملتويًا مرذولاً.
وتجنبًا للخطأ الذي طالما سقط فيه اليهود، ومنعًا لكل غموض قد يقعون فيه، خاطبهم المسيح في صراحة تامة: "أنه اليوم قد تمّ هذا المكتوب في مسامعكم" (لو 4: 21). صارحهم المسيح بأنه هو الذي تُشير إليه النبوَّة، لأن المسيح هو الذي بشَّر بكلمة الخلاص للشعوب الوثنيَّة، وكانوا مساكين معدمين لا إله ولا شريعة ولا أنبياء. وبالأولى بشَّر قومًا حُرموا زمانًا طويلاً من المواهب الروحيَّة، وأطلق سراح مأسورين، تحمّلوا مرارة الأغلال والأصفاد. وأنار سبيل الحق والفضيلة، وكانت سحابة الظلام الحالك تسُد عليهم المنافذ والطرق، ولذلك قال السيد: "قد جئت نورًا إلى العالم" (يو 12: 46). حطَّم المسيح أغلال الإثم، وأعلن قضاء العدل وأخيرًا نادى بسَنة مقبولة، هي علامة مجيئه الأول، وراية خلاصه وشعار الجنس البشري أجمع.
"وكان الجميع يشهدون له ويُعجبون" (لو 4: 22).
لم يُدرك الإسرائيليُّون مكانة المسيح، ولم يعرفوا أنه مسيح الرب إله القوَّات والمعجزات، فزاغوا عن تعاليمه وتكلَّموا بالباطل ضِدُّه، ومع أنهم قدَّروا كلمات الحكمة التي نطق بها السيِّد المسيح إلا أنهم سعوا بروح الشك والغموض فقالوا: "أليس هذا ابن يوسف؟!" (4: 22). وهل حجب هذا السؤال نور المعجزات الساطع، ولِمَ لا يُقابَل المسيح بالاحترام والإجلال رغمًا عن كونه ابن يوسف؟ ألم ير الإسرائيليُّون المعجزات؟! وألم تُقبَر الخطيئة في لحْدِها ويُسجن الشيطان في الهاوية، وتُهزَم جيوشه هزيمة منكَرة؟!
أثنى اليهود على سيل النعمة الذي جرى على لسان المسيح، ولكن غمروه حِقدًا، لأنه ينتسب إلى يوسف. إنه لجهلٍ ليس بعده جهل، فحق عليهم قول الوحي: "اسمع هذا أيها الشعب الجاهل والعديم الفهم الذين لهم أعين ولا يُبصرون، لهم آذان ولا يَسمعون" (إر 5: 21).
القدِّيس كيرلس الكبير
v "وجميع الذين في المجمع كانت عيونهم شاخصة إليه" [20].
حتى وقتنا الحاضر يحدث هذا، ففي مجمعنا واجتماعاتنا يمكن أن تشخص عيوننا إلى المخلِّص، توجَّه نظرات أكثر عمقًا، فتتأمَّل في ابن الله الوحيد، الحكمة والحق... كم اشتاق في هذه الجماعة أن يكون للكل من موعوظين ومؤمنين ورجال ونساء وأطفال عيون للنفس لا الجسد مشغولة بالنظر إلى يسوع. فإن النظر إليه يجعل نوره ينعكس فتصير وجوهكم أكثر ضياء.
العلامة أوريجينوس
"فقال لهم: على كل حال تقولون لي هذا المثل:
"أيها الطبيب اِشف نفسك.
كم سمعنا أنه جرى في كفر ناحوم فافعل ذلك هنا أيضًا في وطنك.
وقال: الحق أقول لكم أنه ليس نبي مقبولاً في وطنه" [23-24].
كأنهم يقولون له: يا من رفعت نفسك في البلد الغريب خلال عمل المعجزات، اِصنع معجزات بين أهلك وأقاربك في بلدك، إذ ظنُّوا أن السيِّد المسيح يطلب مجدًا زمنيًا أو كرامة من البشر.
v "على كل حال تقولون لي هذا المثل اِشف نفسك" (لو 4: 23).
كان هذا المثل مألوفًا لدى اليهود وأُُطلق على جماعة الأطبَّاء والحُكماء، فإذا أصاب طبيبًا مرضًا ما قالوا له: "أيها الطبيب اشف نفسك" بيّن المسيح لليهود بأنهم يطلبون إليه أن يجري أمامهم مختلف المعجزات، خصوصًا وأن بلدته التي تربَّى فيها أحَق من غيرها بهذه القوَّات والعجائب، إلا َّأن المسيح أفهمهم أن المألوف منبوذ، بدليل أنه بعد سماعهم كلمات الحكمة والنعمة التي نطق بها امتهنوه بالقول: أليس هذا ابن يوسف؟! فليس بعيدًا إذن أن يتمادوا في حجب عيونهم عن النظر إلى تعاليمه "الحق الحق أقول لكم أنه ليس نبي مقبولاً في وطنه" (4: 24).
القدِّيس كيرلس الكبير
لم يرفض السيِّد المسيح هذا المثل، إذ يليق بكل معلِّم أن يُعلن تعاليمه خلال حياته قبل كلماته، وإلا انطبق عليه هذا المثل بكونه يقوم بدور الطبيب الذي يدَّعي قدرته على شفاء المرضى، بينما يُعاني هو نفسه من المرض. إنما أوضح أنه لا ينطبق عليه. إذ كانت أعماله تشهد بالأكثر عن أقواله... إنما سِرّ تعثُّرِهم في السيِّد إنما ينبع عن رفضهم له لمجرد أنه من موطنهم، فينطبق عليهم المثل الآخر "ليس نبي مقبولاً في وطنه" [24].
يقول القدِّيس يوحنا ذهبي الفم: [بهذا وضع السيِّد نفسه العمل قبل التعليم... فمن لا يقدر أن يعلِّم نفسه ويحاول أن يصلح من شأن الآخرين يجد الكثيرون يسخرون منه. بالحري مثل هذا لا يكون له القدرة على التعليم مطلقًا، لأن أعماله تنطق بعكس أقواله.]
v "ليس نبي مقبولاً في وطنه".
إذ كانت عناثوت وطن إرميا (إر 11: 21) لم تُحسن استقباله؛ وأيضًا إشعياء وبقيَّة الأنبياء رفضهم وطنهم أي أهل الختان... أما نحن الذين لا ننتسب للعهد بل كنَّا غرباء عن الوعد، فقد استقبلنا موسى والأنبياء الذين يعلنون عن المسيح، استقبلناهم من كل قلوبنا أكثر من اليهود الذين رفضوا المسيح، ولم يقبلوا الشهادة له.
العلامة أوريجينوس
استغلَّ السيِّد المسيح مقاومة أهل بلدته له فرصة لإعلان صداقته على مستوى البشريَّة كلها، مؤكدًا أن جامعية العمل الإلهي أمر له جذوره حتى في العهد القديم، إذ قال:
"وبالحق أقول لكم إن أرامل كثيرة كنَّ في إسرائيل،
في أيام إيليَّا حين أغلقت السماء مدَّة ثلاث سنين وستَّة أشهر،
لما كان جوع عظيم في الأرض كلها.
ولم يُرسل إيليَّا إلى واحدة منها،
إلاَّ إلى امرأة أرملة إلى صرفة صيداء.
وبرْص كثيرون كانوا في إسرائيل في زمان إليشع النبي،
ولم يَطْهر واحد منهم إلاَّ نعمان السرياني" [25-27].
كانت هذه الكلمات قاسية على الأذن اليهوديَّة، فقد ظنَّ اليهودي أنه الشخص المدلَّل لِدى الله، صاحب الناموس والعُهود والمواعيد والنبوَّات ومن جنسه يأتي المسيَّا. لكن كشف السيِّد المسيح عن حقيقة حبُّه للبشر بلا تمييز، ففي أيام إيليَّا تمتَّعت أرملة صيداء بما لم تتمتَّع به نساء يهوديَّات كثيرات، ونال الأممي نعمان السرياني الأبرص ما لم ينله البرص من اليهود (1 مل 17 ؛ 2 مل 5).
v إننا نرى النبي لم يشفِ إخوته ولا مواطنيه ولا خاصته بل الشعب الغريب (نعمان السرياني الأبرص 1 مل 17 ؛ 2 مل 5)، الذي بلا ناموس ولا يدين بديانته، أفلا يدل ذلك على أن الدواء يتوقَّف على الإرادة وليس على جنس الإنسان، وإن البركات الإلهيَّة ننعم بها حسب اشتياقات قلوبنا، ولا تعطي لنا حسب مولدنا؟ فنتعلم الصلاة بلجاجة طالبين ما نشتهيه، فإن ثمر البركات الإلهيَّة لا يُعطى للفاترين.
الأرملة التي أُرسل إليها إيليَّا كانت رمزًا للكنيسة، التي جاء شعبها وقد جُمع من الأمم. وهذا الذي كان قبلاً نجسًا قبل عماده في النهر المقدَّس، وقد اغتسل من نجاسات الجسد والروح، ولم يعد بعد أبرصًا، صار عذراء عفيفة طاهرة بلا دنس ولا لوم (أف 5: 26). لهذا السبب عَظُم نعمان في عينيّ سيِّده، إذ كشف لنا عن صورة خلاص الأمم، وقد نصحته خادمة بارة أسَرَها العدُو بعد هزيمة بلادها في الحرب، بأن يَطلب خلاصه من النبي، فشُفي نعمان لا بأمر ملك أرضي، وإنما حسب سخاء الرحمة الإلهيَّة...
لقد رفض إليشع الهديَّة، وكان له إيمان تعلَّمه في مدرسة أصول الأعمال، فسِرْ أنت على ما تعلَّمته من مبادئ الرب مقتديًا بالنبي: "مجانًا أخذتم، مجانًا أُعطوا" (مت 10: 8). لا تتأخر في الخدمة بل قدِّمها مجانًا، فلا يجوز لك أن تقيِّم نعمة الله بمالٍ، ولا يليق بالكاهن في عمل الأسرار أن يفكِّر في الغنى بل في الخدمة... علّم عبيدك ذلك وحثُّهم، فإن خدَمَك أحد وضبطته هكذا محبَّا للمال (كجيحزي) فاطرده كما فعل النبي، ولتحسب الأموال التي حصل عليها بطريقة خاطئة تُدنِّس النفس والجسد، قائلاً: "أهوَ وقت لأخذ الفضَّة ولأخذ ثياب وزيتون وكروم وغنم وبقر وعبيد وجوار؟! فبَرَص نُعمان يلصق بك وبنسلك إلى الأبد" (2 مل 5: 26-27).
القدِّيس أمبروسيوس
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:23 pm

على أي الأحوال يقدِّم السيِّد المسيح هذه الأرملة لليهود بكونها تمتَّعت بما لم تتمتَّع به أرامل كثيرات في أيام إيليَّا. وقد جذبت هذه الأرملة قلوب الكثير من الآباء، فقال عنها القدِّيس يوحنا ذهبي الفم: [قدَّمت هذه المرأة كرمًا أكثر من أبينا إبراهيم.] فإن كان إبراهيم قد قدَّم وليمة للغرباء فاستضاف الرب وملاكيْه، لكنه قدَّم من فيض غِناه، أما هذه فقد قدَّمت أعوازها لنبي الله وعرَّضَت حياتها وحياة ابنها لخطر الموت. لسنا بهذا نقلِّل من شأن عمل أبينا إبراهيم لكننا لا ننكر سمو عمل هذه المرأة الأمميَّة، التي أفاض القدِّيس أمبروسيوس في الحديث عنها، خاصة في مقاله عن الأرامل، إذ رأى فيها رمزًا للكنيسة التي لم تتمتَّع بعطايا إيليَّا، ببركات المسّيا فاتح السماء ليُمطر فيض أسراره الإلهيَّة.
v كانت المجاعة في كل موضع، ومع هذا لم تكن هذه الأرملة في عَوَز. ما هذه السنوات الثلاثة! أليست تلك التي فيها جاء الرب إلى الأرض ولم يجد في التينة ثمرًا، كما هو مكتوب: "هوذا ثلاث سنين آتي أطلب ثمرًا في هذه التينة ولم أجد" (لو 13: 7).
هذه الأرملة بالتأكيد هي التي قيل عنها: "ترنَّمي أيتها العاقر التي لم تلد، أشيدي بالترنُّم أيتها التي لم تتمخَّضْ، لأن بني المُسْتوْحِشة أكثر من بني ذات البَعْل" (إش 54: 1). إنها الأرملة التي قيل عنها: "تنسين خِزيْ صِباكِ وعار ترمًّلِك لا تذكُرينه بعد، لأن أنا هو الرب صانعك" (إش 54: 4).
ربَّما هي "أرملة" لأنها فقدت بالحق رجلها عند آلام جسده، لكنها تتقبَّله في يوم الدينونة ابن الإنسان الذي ظهر كأنها قد فقدته، فيقول: "لُحيْظَة تركتُكِ"، فإنه يتركها لكي يتزكَّى إيمانها في أكثر مجد...
الكنيسة هي عذراء وزوجة وأرملة، الثلاثة معًا في جسد واحد في المسيح. إنها إذن تلك الأرملة التي من أجلها كانت توجد مجاعة للكلمة السماوي على الأرض، الأمر الذي أشار إليه الأنبياء. كانت أرملة عاقرًا لكنها حُفظت لتُنجب في الوقت المناسب...
من الذي فتح لها السماوات إلا المسيح الذي يُخرج من الخطاة طعامًا لنُمُو الكنيسة؟! فإنه ليس من سلطان إنسان أن يقول: "إن كوار الدقيق لا يفرغ وكوز الزيت لا ينقص إلى اليوم الذي فيه يعطي الرب مطرًا على وجه الأرض" (1 مل 17: 14)... الرب الذي هو يهِب الأسرار السماويَّة على الدوام، والذي يُعد بنعمته الفرح الروحي الذي لا يبطل، مقدِّمًا مقوِّمات الحياة وأختام الإيمان وعطايا الفضائل.
القدِّيس أمبروسيوس
لقد امتلأ اليهود غضبًا إذ رأوه يكسر تشامخهم، فأخرجوه من المدينة ليُلقوه من حافة الجبل الذي يُقام عليه المدينة. وكما يقول القدِّيس أمبروسيوس:
[هذه هي خطيَّة اليهود التي سبق فتنبَّأ عنها النبي... فكان الرب يبسط مراحمه على الجموع، وكانوا هم يَكيلون له اللعنات. فليس عجيبًا أن يفقدوا الخلاص ويطردوا الرب الذي خضع لمشيئتهم (مسلِّمًا نفسه لهم)... فقد تألَّم بإرادته، إذ لم يقبض عليه اليهود بل سلَّم نفسه لهم عندما شاء هو أن يقبضوا عليه. عندما أراد سقط تحت الصليب وصُلب، لم يعوقه شيء عن إتمام العمل.
لقد صعد على الجبل وها هو يجوز في وسطهم ويمضي، لأن ساعته لم تكن قد جاءت بعد...، ولأنه أيضًا كان يريد شفاءهم لا هلاكهم، حتى متى رأوه في وسطهم وفشلوا في دفعه إلى أسفل يتوبون. لقد جاز المسيح في وسطهم بقوَّة لاهوته، فهل كان يمكن لأحد أن يُمسك به هذا الذي لم تستطع الجموع أن تقبض عليه؟!]
يقول القدِّيس كيرلس الكبير :[جاز المسيح في وسطهم ومضى إلى سبيله، ليس خوفًا من الألم، وإنما لأن ساعته لم تكن قد أتت بعد. كان المسيح في بدء عمله التبشيري، ولا يُعقل أن يترك ميدان العمل قبل نشر كلمة الخلاص والحق.]
يقول القدِّيس أغسطينوس: [عندما جاءوا للقبض عليه بعد ما باعه يهوذا الخائن، الذي تصوَّر أنه قادر على تسليم سيِّده وربُّه، أظهر الرب أنه يتألَّم بإرادته وليس قسرًا. فعندما أراد اليهود القبض عليه قال: "من تطلبون؟" أجابوه: يسوع الناصري، قال لهم يسوع: أنا هو، وإذ سمعوا ذلك "رجعوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض" (يو 18: 4-6).]
4. يسوع العامل بسلطان
"وانحدر إلى كفرناحوم مدينة من الجليل،
وكان يعلِّمهم في السِبوت.
فبُهِتوا من تعليمه لأن كلامه كان بسلطان" [31-32].
مدّ الصديق يده لأهله وأقاربه في مدينة الناصرة، لكنها إذ كانت قائمة على تلال عالية، هي تلال الأنا والذات ولم تقبل صداقته، وأراد سكَّانها أن يُلقوه من حافة الجبل حيث توجد المدينة. فانحدر السيِّد إلى كفر ناحوم أي "مدينة النِياح أو الراحة"، أما سِر راحتها فهي أنها كانت منخفضة تحت سطح البحر، تحمل روح التواضع فتقبل صداقة عريسها، وعمله الخلاصي فيها.
v خاطب المسيح الشعب في يوم السبت، فبُهِتوا من تعاليمه، لأنه كان يتكلَّم كمن له سلطان وليس كالكتبة. غُلب اليهود في أمره وبُهتوا لأنهم رأوا أمامهم معلِّمًا لا يخاطبهم كنبي فحسب، بل كإله عظيم تجثو له الروح قبل الجسد، ربّ الناموس. ولذلك نطق بمبادئ تسمو عن الناموس. طبقًا لقول الوحي: "وأقطع لكم عهدًا أبديًا مراحم داود الصادقة؛ هوذا قد جعلته شارعًا للشعوب رئيسًا وموصيًا للشعوب" (إش 55: 3، أع 13: 34).
القدِّيس كيرلس الكبير
v تأمَّلوا رحمة مخلِّصنا المسيح فإنه لم يغضب بسبب الإهانة ولا تأثَّر بالظُلم ليترك اليهوديَّة، وإنما نسى آثامها ولم يفكِّر إلا في رحمته، لذلك صار تارة يُعلِّم، وأخرى يُنقِذ من الروح الشرِّير، وثالثة يشفي، باحثًا كيف يُليِّن قلب هذا الشعب الغليظ.
القدِّيس أمبروسيوس
يقدِّم لنا العلامة تِرتليان مفاهيم كثيرة للتعبير الإنجيلي "لأن كلامه كان بسلطان" [32]. فمن ناحيَة أنه لم يكن مجرَّد كلام، لكنه يحوي قوَّة العمل وفاعليَّته، لذا يقول لأتباع مرقيون: [اِسحبوا إسحبوا كل أقوال مسيحي، فإن أعماله تتكلَّم.] وكما قال السيِّد المسيح نفسه: "صدِّقوني إني في الآب والآب فيّ، وإلاَّ فصدِّقوني لسبب الأعمال نفسها، الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضًا ويعمل أعظم منها" (يو 14: 11-12). فسلطانه لا بإظهار وحدانيَّته مع الآب خلال معجزات يقيمها بسلطان، وإنما خلال عمله فينا وسلطان العامل في حياتنا.
ومن ناحية أخرى فإن كلامه كان بسلطان إذ تمَّم الناموس والأنبياء، وكما يقول العلامة تِرتليان في نفس الحديث: [حديثه الإلهي قدَّم سلطانًا ونعمة، بالحري كان يبني جوهر الناموس والأنبياء ولا يهدِمه.]
ومن ناحية ثالثة فقد ظهر سلطانه في حديثه من رعب الشيطان الذي لا يطيق حتى كلماته: [لقد عرف تمامًا أن يسوع هو ابن الله الذي يدين وينتقم وقاسي (على الشيطان) وليس مجرد شخص صالح.]
جاء السيِّد المسيح صديقًا عمليًا للإنسان ليس فقط يعلِّمه بسلطان، وليس كالكتبة والفرِّيسيِّين، وإنما يعمل لحسابه بسلطان، لهذا نجد إنسانًا به روح شيطان في المجمع لم يستطع الروح كعدو للبشر أن يحتمل وجود هذا الصديق بل قال: "آه ما لنا ولك يا يسوع الناصري؟! أتيتَ لتُهلكنا، أنا أعرفك من أنت قدُّوس الله!" [34].
فزع الروح النجس من القدُّوس وشعر أنه يعمل بقوَّة وسلطان، إذ أحس بمملكته المُظلمة تنهار أمامه. أما السيِّد المسيح فلم يقبل شهادة الشيطان بل انتهره قائلاً: "اخرس واخرج منه" [35]. فأدرك الحاضرون كيف يأمر حتى الأرواح النجسة بسلطان وقوَّة فتخرج!
v أَخرج المسيح الأرواح النجسة، وشعرت بعِظم قوَّة المسيح، ولم تجد مناصًا وقد أصابها الفشل والهزيمة إلا أن تطلب من السيِّد بمكر ودهاء أن يتركها وشأنها، فليس ثِمة علاقة بين السيِّد والأرواح النجسة، إنما هذه لغة التملُّق والكذب. فقد اعترفت الأرواح الشرِّيرة بأن المسيح هو "قدُّوس الله" (4: 34)، ظنًّا منها أن ذلك يبعث فيه الغرور والخيلاء، فيرتدي السيِّد أثواب العظمة الفارغة، والأماني الباطلة، ويكف عن انتهارها وتأديبها. نعم إن الشيطان كثير المكر والدهاء، ولكنه يقع بلا شك فريسة خداعه، لأن الرب لا يُخدع أبدًا، ولذلك أخرسها المسيح وأمرها ألاَّ تنطق ببنت شِفَّة.
لا غرابة بعد ذلك أن دُهش الجمع، لأن المسيح يقوم بصنع المعجزات من غير أن يطلب بالصلاة قوَّة من الأعالي، لأنه هو الله نفسه، هو كلمة الله الآب الذي به كون كل شيء، وبواسطته حُطِّمت شوْكة الشيطان، وخرَست ألسِنة الأرواح النجسة.
القدِّيس كيرلس الكبير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:24 pm

القدِّيس كيرلس الكبير
v [تعليقة على إتمام أول الأشفية وإخراج الشيَّاطين في يوم السبت.]
بدأ الرب معجزات الشفاء في يوم السبت ليُعلن أن الخليقة الجديدة تبدأ حيث تنتهي القديمة، ولكي يُشير منذ البداية أن ابن الله لا يخضع للناموس، بل هو رب الناموس، جاء لا لينقُضه بل ليُكمِّله. فالعالم لم يُخلق بواسطة الناموس، بل بالكلمة كما هو مكتوب: "بكلمة الرب صُنعت السماوات" (مز 32: 6). إذن لم يقصد المسيح أن ينقض الناموس بل يكمِّله حتى يجدِّد الإنسان الساقط، لذلك يقول الرسول: "اِخلعوا الإنسان العتيق واِلبسوا الجديد الذي يتجدَّد حسب صورة خالقه" (كو 3: 5). وبدأ الرب بالعمل في السبت ليُظهر أنه الخالق يربط بين الأعمال ويكمل العمل الذي بدأه بنفسه، ذلك كالعامل الذي يستعد لإصلاح البيت فيبدأ بالأجزاء المتآكلة؛ يبدأ بالصغير ليصل إلى الكبير.
القدِّيس أمبروسيوس
v [تعليقه على اعتراف الشيطان: أنا أعرَفك من أنت قدُّوس الله؟!]
يليق أن يوجد فارق بين إيماننا وإيمان الشيطان، فإن إيماننا يُنقِّي القلب، أما إيمانهم فيجعلهم يُخطئون ويصنعون الشرّ، إذ يقولون للرب: ما لنا ولك؟!
القدِّيس أغسطينوس
شفاء حماة بطرس
كان شفاء الرجل الذي به روح شيطان نجس في داخل المجمع علانيَّة، والآن يشفي حماة بطرس في بيتها عندما دعاه بطرس ليأكل. فهو صديق عامل لحسابنا، أينما وُجد وتحت كل الظروف، يعمل في المجمع العام كما في البيت الخاص. وقد سبق لنا الحديث عن هذا الشفاء في دراستنا لإنجيلي متى (8: 5) ومرقس (1: 31). ورأينا كيف لم يطلب سمعان بطرس شيئًا لنفسه إذ لم يدعه لشفاء حماته، بل ليأكل فأعطاه الرب ما لم يسأله.
لم يسأل بطرس شيئًا لنفسه أو عائلته لكن المحيطين بالسيِّد "سألوه من أجلها"؛ صورة حيَّة لوحدة الحب العامل، وشفاعة الأعضاء لبعضها عن البعض أمام الرأس الواحد ربَّنا يسوع!
v ربَّما كانت حماة سمعان تُصوِّر جسدنا الذي أصابته حُمى الخطايا المختلفة ودفعته نحو الشهوات الكثيرة. هذه الحُمى ليست أقل من التي تصيب الجسد، إذ تحرق القلب، بينما الأخرى تحرق الجسد...
القدِّيس أمبروسيوس
يعلِّق القدِّيس أمبروسيوس على هذه الزيارة لحماة سمعان بالقول: [أنه لم يستنكف من زيارة الأرامل ودخول الحُجرات الضيِّقة في الأكواخ الفقيرة.]
سمع الكثيرون عمّا يفعله السيِّد المسيح، لكنهم لم يجسروا أن يحملوا المرضى إليه إلاَّ عند الغروب [40]، حيث ينتهي يوم السبت ويبدأ الأحد، فقد خشوا لئلاَّ يكسروا السبت بتصرُّفهم هذا. وكأن حفظ السبت في أعينهم أهم من الإنسان ومن شفائه! على أي الأحوال لم يعاتبهم في شيء، بل أعلن سلطان محبَّته، فكان يضع يده (غالبًا على شكل صليب) على كل واحد منهم وشفاهم [40].
v أرجو أيضًا أن تلاحظوا قوَّة جسده المقدَّس إذا ما مسَّ أحدًا، فإن هذه القوَّة تقضي على مختلف الأسقام والأمراض، وتهزم الشيطان وأعوانه، وتشفي جماهير الناس في لحظة من الزمن. ومع أن المسيح كان في مقدوره أن يُجري المعجزات بكلمة منه، بمجرَّد إشارة منه، إلا أنه وضع يديه على المرضى، ليعلِّمنا أن الجسد المقدَّس الذي اتَّخذه هيكلاً له كان قوَّة الكلمة الإلهيَّة. فليربطنا الله الكلمة به، ولنرتبط نحن معه بشركة جسد المسيح السرِّيَّة، فبذلك يمكن النفس أن تُشفى من أمراضها وتتقوَّى على هجمات الشيّاطين وعدائها.
القدِّيس كيرلس الكبير
إذ دعا سمعان بطرس السيِّد المسيح إلى بيته لم تُشفَ حماته وحدها، وإنما صار بيته مركزًا حيًا يأتي إليه المرضى والمتعبين من الأرواح النجسة، لينعموا بعمل السيِّد المسيح فيهم. هكذا إذ يدخل الرب قلوبنا ينعم الكثيرون معنا براحته وسلامه.
ويرى القدِّيس كيرلس الكبير أن هذه الجماهير التي تمتَّعت بعمله تشير إلى حياة الإنسان بكل طاقتها وعواطفها وإمكانيَّاتها إذ تتمتَّع بالشفاء والراحة فيه.
على أي الأحوال كانت الشيَّاطين تصرخ: أنت المسيح ابن الله" [41].أما هو فكان ينتهرهم ولا يدعهم ينطقون. يقول القدِّيس كيرلس الكبير: [لم يدع المسيح الشيَّاطين أن يعترفوا به لأنه لا يليق أن يغتصبوا حق الوظيفة الرسوليَّة. كذلك لا يجوز أن يتكلَّموا بألسِنة نجسة عن سرّ المسيح الفدائي. نعم يجب ألا تصدِّق هذه الأرواح الشرِّيرة حتى لو تكلَّمَت صدْقًا. لأن النور لا يُكشف بمساعدة الظلام الدامس، كما أشار إلى ذلك رسول المسيح بالقول: "وأية شركة للنور مع الظلمة، وأي اتفاق للمسيح مع بليعال؟!" (2 كو 6: 14-15).] ويقول القدِّيس أمبروسيوس: [طبيعة الشيطان يعترف بالمسيح، لكنه يُنكره بأعماله.]
ويرى القدِّيس ذهبي الفم في منع السيِّد الشيَّاطين من النطق أنه هو المسيح، وهو يشفي أجساد المرضى ومن بهم أرواح شرِّيرة، أراد أن يشفي أرواحهم فعلَّمهم أنه لا يصنع هذا للاستعراض وطلبْ المجد الزمني. هكذا يليق بهم ألاَّ يطلبوا المجد الزمني.
6. كرازته في مجامع الجليل
إذ صنع السيِّد المسيح أشفية كثيرة عند غروب الشمس، مع بداية يوم الأحد، ولا ندري كم من الساعات قضاها السيِّد مع الجموع القادمة تلتمس الشفاء، إنما يُخبرنا الإنجيلي أنه إذ صار النهار [42]، أي في الصباح المبكِّر ذهب إلى موضع خلاء، ساحبًا قلوب الخدَّام الأمناء إلى اللقاءات الخفيَّة مع الآب حتى لا يضيع الهدف منهم.
على أي الأحوال لم تتركه الجموع وحده فانطلقت تفتِّش عليه وقد أمسكوه لئلاَّ يذهب عنهم. وفي حب شديد أعلن: "ينبغي لي أن أبشر المدن الأخرى أيضًا بملكوت الله" [43].ويمكننا أن نقول كلما اختلى الخادم مع الله اِلتهب قلبه بالأكثر نحو خلاص العالم، فالحياة التأمَُّليَّة الصادقة هي التي تفتح القلب بالأكثر وتُلهبه نحو الشوق لخلاص الكل.
1 اما يسوع فرجع من الاردن ممتلئا من الروح القدس و كان يقتاد بالروح في البرية
2 اربعين يوما يجرب من ابليس و لم ياكل شيئا في تلك الايام و لما تمت جاع اخيرا
3 و قال له ابليس ان كنت ابن الله فقل لهذا الحجر ان يصير خبزا
4 فاجابه يسوع قائلا مكتوب ان ليس بالخبز وحده يحيا الانسان بل بكل كلمة من الله
5 ثم اصعده ابليس الى جبل عال و اراه جميع ممالك المسكونة في لحظة من الزمان
6 و قال له ابليس لك اعطي هذا السلطان كله و مجدهن لانه الي قد دفع و انا اعطيه لمن اريد
7 فان سجدت امامي يكون لك الجميع
8 فاجابه يسوع و قال اذهب يا شيطان انه مكتوب للرب الهك تسجد و اياه وحده تعبد
9 ثم جاء به الى اورشليم و اقامه على جناح الهيكل و قال له ان كنت ابن الله فاطرح نفسك من هنا الى اسفل
10 لانه مكتوب انه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك
11 و انهم على اياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك
12 فاجاب يسوع و قال له انه قيل لا تجرب الرب الهك
13 و لما اكمل ابليس كل تجربة فارقه الى حين
14 و رجع يسوع بقوة الروح الى الجليل و خرج خبر عنه في جميع الكورة المحيطة
15 و كان يعلم في مجامعهم ممجدا من الجميع
16 و جاء الى الناصرة حيث كان قد تربى و دخل المجمع حسب عادته يوم السبت و قام ليقرا
17 فدفع اليه سفر اشعياء النبي و لما فتح السفر وجد الموضع الذي كان مكتوبا فيه
18 روح الرب علي لانه مسحني لابشر المساكين ارسلني لاشفي المنكسري القلوب لانادي للماسورين بالاطلاق و للعمي بالبصر و ارسل المنسحقين في الحرية
19 و اكرز بسنة الرب المقبولة
20 ثم طوى السفر و سلمه الى الخادم و جلس و جميع الذين في المجمع كانت عيونهم شاخصة اليه
21 فابتدا يقول لهم انه اليوم قد تم هذا المكتوب في مسامعكم
22 و كان الجميع يشهدون له و يتعجبون من كلمات النعمة الخارجة من فمه و يقولون اليس هذا ابن يوسف
23 فقال لهم على كل حال تقولون لي هذا المثل ايها الطبيب اشف نفسك كم سمعنا انه جرى في كفرناحوم فافعل ذلك هنا ايضا في وطنك
24 و قال الحق اقول لكم انه ليس نبي مقبولا في وطنه
25 و بالحق اقول لكم ان ارامل كثيرة كن في اسرائيل في ايام ايليا حين اغلقت السماء مدة ثلاث سنين و ستة اشهر لما كان جوع عظيم في الارض كلها
26 و لم يرسل ايليا الى واحدة منها الا الى امراة ارملة الى صرفة صيدا
27 و برص كثيرون كانوا في اسرائيل في زمان اليشع النبي و لم يطهر واحد منهم الا نعمان السرياني
28 فامتلا غضبا جميع الذين في المجمع حين سمعوا هذا
29 فقاموا و اخرجوه خارج المدينة و جاءوا به الى حافة الجبل الذي كانت مدينتهم مبنية عليه حتى يطرحوه الى اسفل
30 اما هو فجاز في وسطهم و مضى
31 و انحدر الى كفرناحوم مدينة من الجليل و كان يعلمهم في السبوت
32 فبهتوا من تعليمه لان كلامه كان بسلطان
33 و كان في المجمع رجل به روح شيطان نجس فصرخ بصوت عظيم
34 قائلا اه ما لنا و لك يا يسوع الناصري اتيت لتهلكنا انا اعرفك من انت قدوس الله
35 فانتهره يسوع قائلا اخرس و اخرج منه فصرعه الشيطان في الوسط و خرج منه و لم يضره شيئا
36 فوقعت دهشة على الجميع و كانوا يخاطبون بعضهم بعضا قائلين ما هذه الكلمة لانه بسلطان و قوة يامر الارواح النجسة فتخرج
37 و خرج صيت عنه الى كل موضع في الكورة المحيطة
38 و لما قام من المجمع دخل بيت سمعان و كانت حماة سمعان قد اخذتها حمى شديدة فسالوه من اجلها
39 فوقف فوقها و انتهر الحمى فتركتها و في الحال قامت و صارت تخدمهم
40 و عند غروب الشمس جميع الذين كان عندهم سقماء بامراض مختلفة قدموهم اليه فوضع يديه على كل واحد منهم و شفاهم
41 و كانت شياطين ايضا تخرج من كثيرين و هي تصرخ و تقول انت المسيح ابن الله فانتهرهم و لم يدعهم يتكلمون لانهم عرفوه انه المسيح
42 و لما صار النهار خرج و ذهب الى موضع خلاء و كان الجموع يفتشون عليه فجاءوا اليه و امسكوه لئلا يذهب عنهم
43 فقال لهم انه ينبغي لي ان ابشر المدن الاخر ايضا بملكوت الله لاني لهذا قد ارسلت
44 فكان يكرز في مجامع الجليل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:25 pm

الباب الثالث
صديقنا يشعر بآلامنا
ص 5- ص 18
الأصحاح الخامس
يسوع يسند المُتعبين
انطلق السيِّد المسيح في خدمته يسند المُتعبين، فيملأ شباك من تعبوا الليل كله بلا صيْد، ويطهِّر إنسانًا مملوءًا برصًا، ويصحِّح الأفكار الداخليّة للفرِّيسيِّين ومعلِّمي الناموس، ويجتذب العشّارين من مكان الجباية، ويُعلن عن الحياة الجديدة التي يهبها لتلاميذه. إنه يسند كل من يقبَله، يهبْه ثمرًا وطهارةً وتقديسًا للفكر والسلوك خلال الحياة الجديدة.
1. صيد السمك 1-11.
2. تطهير أبرص 12-16.
3. شفاء المفلوج 17-26.
4. دعوة لاوي العشّار 27-32.
5. الإعلان عن الخمر الجديدة 33-39.
1. صيد السمك
في دراستنا لإنجيليّ القدِّيسين متّى (4: 18) ومرقس (1: 16-20) رأينا السيِّد المسيح في اختياره للتلاميذ يبدأ بهؤلاء الرجال الأربعة صيَّادي السمك الأممين: سمعان بطرس ممثِّل صخرة الإيمان، وأندراوس ممثِّل الجِدِّية والرجولة، ويعقوب ممثِّل الجهاد والتعقب المستمر، ويوحنا ممثِّل حنان الله ونعمته. اختارهم السيِّد ليكرزوا، لا بفلسفة العالم وحكمة هذا الدهر، وإنما بنعمة الله العاملة فيهم. قلنا أن هؤلاء الأربعة يمثِّلون الفرس الحاملة للكنيسة كمركبة الله المنطلقة نحو السماء، ألا وهي الإيمان مع الجدية، والجهاد المرتبط بنعمة الله وحنانه.
ورأينا أنه على ما يبدو أن هؤلاء الرجال كانوا في البداية يتبعون السيِّد، لكنهم على فترات متقطِّعة خلالها يعودون للصيد حتى صدر الأمر لهم نهائيًا بتبعيَّته، فتركوا كل شيء وتبعوه.
على أي الأحوال يقدِّم لنا معلِّمنا لوقا البشير لقاء السيِّد معهم وهم في غاية الإرهاق النفسي والجسدي، فقد تعبوا الليل كله ولم يأخذوا شيِّئًا [5]، وكأنه قد صدر أمرًا فائقًا ألا تدخل سمكة واحدة في شباك السفينتين طوال الليل حتى يأتي شمس البرّ، ربنا يسوع، ويدخل سفينة منهما، ويصدر أمره بالدخول إلى العمق في وسط النهار لتلقى شبكة كفيلة بصيدها أن تملاْ السفينتين.
إن تتبعنا هذا الحدّث كما ورد في إنجيل لوقا ندرك الآتي:
أولاً: "رأي سفينتين واقفتين عند البحيرة والصيَّادون قد خرجوا منهما وغسلوا الشباك" [2].
يقول القدِّيس أغسطينوس: [كان يوجد سفينتان، منهما دُعي تلاميذه (الأربعة)، وهما تشيران إلى الشعبين عندما ألقوا شباكهم وجاءوا بصيدٍ كثيرٍ، بسمكٍ كثيرٍ جدًا حتى كادت الشباك تتخرَّق... تشير السفينتان إلى كنيسة واحدة من شعبين اتَّحدا معًا في المسيح بالرغم من أنهما من مصدرين مختلفين. عن هذا الأمر نجد زوجتين لهما رجل واحد هو يعقوب، وأما هما فليئة وراحيل كانتا رمزين (تك 29: 23، 28). وأيضًا لذات السبب وُجد أعميان كرمزين، جلسا بجوار الطريق وهبهما السيِّد البصيرة (مت 20: 3). وإن تأمَّلت في الكتاب المقدَّس تجد الكنيستين اللتين هما بالحقيقة كنيسة واحدة قد رُمز إليهما في مواضعٍ كثيرةٍ، جاء لخدمتهما حجر الزاويّة (يربطهما معًا) ويجعلهما واحدًا.]
ثانيًا: غسل الرجال شباكهم إذا انقضى الليل كله بلا صيد، فيبقون نهارهم في مرارة ليعاودوا الصيد من جديد في الليلة الجديدة، ولم يدرك هؤلاء الصيَّادون أن فشلهم هذا كان بسماحٍ من الله لأجل نجاح أبدي وزمني أيضًا. فإنَّ كانت السفينتان قد فرغتا تمامًا من السمك، إنما لكي لا ينشغل الصيَّادون بجمعه وفرزه وبيعه بل يستقبلون السيِّد في السفينة ليستخدمها منبرًا للتعليم، يصطاد خلاله الصيَّادين وجمهورًا من الشعب، وعندئذ لا يحرمهم حتى من السمك، إذ يسألهم أن يلقوا شباكهم للصيد فتمتلئ السفينتان حتى أخذتا في الغرق.
حينما تُغلق الأبواب في وجوهنا ونظن أن حظنا سيئ، هذا التعبير الذي لا يليق بالمؤمن، فلننفتح بالقلب أمام السيِّد ونقدِّم له سفينة حياتنا يدبرها حسب مشيئته الصالحة، فيردّ لنا "بهجة خلاصنا"، مقدِّّما لنا ثمارًا روحيّة دون حرمان حتى من ضرورات الحياة الزمنيّة.
ثالثًا: اختبر التلاميذ لذَّة صيد السمك، الأمر الذي يعرفه هواة الصيد، والآن يرفعهم إلى لذَّة أعمق، وهي لذَّة صيد النفوس ليخرجوها من بحر هذا العالم فتعيش؛ هذه الخبرة ما كان يمكنهم أن يتذوقوها ما لم يصطادهم السيِّد نفسه في شبكته ويدخل بهم إلى سفينته، الكنيسة المقدَّسة. في هذا يقول القدِّيس كيرلس الكبير: ]فلنمدح الطريقة التي أصبح بها التلاميذ صيَّادي العالم قاطبة، خاضعين للمسيح خالق السماوات والأرض، فبالرغم من أنه طُلب من تلاميذ المسيح أن يصطادوا الشعوب الأخرى، فقد وقعوا في شبكة المسيح المطمئنة، حتى إذا ما ألقوا بدورهم شباكهم أتوا بجماهير المؤمنين إلى حظيرة المسيح الحقيقيّة. ولقد تنبَّأ أحد الأنبياء القدِّيسين بذلك، إذ ورد: "هأنذا أرسل إلى جزَّافين كثيرين يقول الرب، فيصطادونهم ثم بعد أرسل إلى كثيرين من القانصين فيقتنصونهم" (إر 16: 16). ويراد بالجزافين في الآية السابقة الرسل الأطهار وتشير كلمة "القانصين" إلى ولاة الكنائس ومعلميه. [
يقول القدِّيس أمبروسيوس:] ما هي شباك الرسول التي أُمر بإلقائها في العمق إلا العظة وقوّة الحجة التي لا تسمح بهروب من اقتنصتهم؟! من الجميل أن تكون الشباك هي الأدوات التي يستخدمها التلاميذ، هذه التي لا تُهلك من تصطادهم بل تحفظهم وتخرجهم من الهاويّة إلى النور، وترتفع بمن في الأعماق إلى المرتفعات العاليّة.]
هذه الخبرة عاشها معلِّمنا بولس الرسول الذي اصطادته شبكة مراحم الرب فلا يكف عن إلقاء الشبكة ليصطاد هو بنعمة الله، إذ يقول: "لنا هذه الخدمة كما رُحمنا لا نفشل" (2 كو 4: 1).
رابعًا: صدر الأمر الإلهي: "ابعد إلى العمق، والقوا شباككم للصيد" [4].
لو أن هذا الأمر قد صدر من إنسان عادي لحسبه الصيَّادون تجريحًا لكرامتهم إذ هم أصحاب خبرة في الصيد لسنوات طويلة، ويعلمون أن الصيد يكون بالأكثر في الليل، ويكاد ينقطع في الظهيرة، كما أن الصيد يكون على الشاطئ لا في الأعماق!
كانت إجابة سمعان تحمل نغمتين: نغمة الخبرة البشريّة القديمة بما حملته من فشل ويأس، ونغمة جديدة تفصلها عن السابقة كلمة "ولكن"، إذ يدخل من الخبرة البشريّة البحتة إلى خبرة الإيمان بكلمة الرب الفعّالة.
لاحظ القدِّيس أغسطينوس أن السيِّد المسيح لم يقل للصيَّادين أن يلقوا شباكهم على الجانب الأيمن ليدخل فيها الصالحون وحدهم ولا الأيسر ليدخلها الأردياء إنما يلقونها في الأعماق لتحمل الاثنين معًا، فالدعوة موجهة للجميع أن يدخلوا شباك الكنيسة لعلهم يتمتَّعون بالحياة الإنجيليّة. كما لاحظ أن الصيَّادين لم يأتوا بالسمك إلى الشاطئ بل فرغوا الشباك في السفينتين، إذ أراد أن ينعم الكل بالحياة داخل الكنيسة لا خارجها.
خامسًا: "فأجاب سمعان، وقال له: يا معلم قد تعبنا الليل كله ولم نأخذ شيِّئًا، ولكن على كلمتك ألقى الشبكة" [5]. لقد حسب الرسول بطرس أن ما يمارسه الإنسان من جهاد في الخدمة دون الاتكال على الله والتمسك بكلمة الرب ومواعيده تعبًا خلال ظلمة الليل بلا ثمر، لكن على كلمة الرب يلقي الإنسان شباكه فيأتي بالثمر. في هذا يقول القدِّيس أمبروسيوس على لسان سمعان بطرس: [أنا أيضًا يا رب أعلم تمامًا أن ظلام (الليل) يكتنفني عندما لا تكون أنت قائدي، فيحيط بي الظلام عندما ألقى ببذار الكلمة الباطلة (التي من عندي).]
يكمل القدِّيس أمبروسيوس حديثه معلنًا أن جهاد سمعان بطرس طول الليل الذي بلا ثمر يمثِّل من يكرز ببلاغة بشريّة وفلسفات مجردة، لذا صارت الحاجة ملحة أن تكون الكرازة في النهار حيث يشرق المسيح شمس البرّ مقدَّمًا كلمته الفعّالة التي تملأ شباك الكنيسة بالسمك الحيّ، إذ يقول: [لم يصطادوا شيِّئًا حتى الآن، لكن على كلمة الله نالوا سمكًا كثيرًا جدًا، ليس هو ثمرة البلاغة البشريّة بل من فعل بذار السماء. لنترك إذن الإقناع البشري ولنتمسك بعمل الإيمان الذي به تؤمن الشعوب.]
سادسًا: الصيد الكثير "ولما فعلوا ذلك أمسكوا سمكًا كثيرًا جدًا فصارت شباكهم تتخرق. فأشاروا إلى شركائهم الذين في السفينة الأخرى أن يأتوا ويساعدهم، فأتوا وملأوا السفينتين حتى أخذتا في الغرق" [6-7]. اعتدنا في السيِّد المسيح يصنع المعجزات ترفَّقا بمريضٍ أو تحننًا على من ساده روح شرير، أو يقيم إنسانًا لأرملة متألّمة، أو ليشبع الجموع الجائعة. لكن هذه المعجزة جاءت، لا لتشبع احتياجًا جسديًا أو تُعلن ترفَّقا بنفس محطَّمة، وإنما تعلن عن عمل السيِّد المسيح في كنيسته القادمة من اليهود والأمم ليملأها بالسمك المتمتَّع بالحياة.
في دراستنا للرموز رأينا "السمكة" ترمز للسيِّد المسيح نفسه كما ترمز لمؤمنيه، وكأن الكنيسةتمتلئ بالمختارين، السمك الذي يعيش دومًا في مياه المعموديّة ملتصقًا بالسمكة واهبة الحياة!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:25 pm

يعلّق القدِّيس كيرلس الكبير على هذا الصيد الكثير، بالقول:
]امتلأت شباكهم سمكًا عن طريق المعجزة، وذلك ليثق التلاميذ بأن عملهم التبشيري لا يضيع سدى وهم يلقون شباكهم على جمهور الوثنيِّين والضالين. ولكن لاحظوا عجز سمعان ورفاقه عن جذب الشبكة، فوقفوا مبهوتين مذعورين صامتين، وأشاروا بأيديهم إلى إخوانهم على الشاطئ ليمدوا إليهم يد المساعدة. ومعنى ذلك أن كثيرين ساعدوا الرسل القدِّيسين في ميدان عملهم التبشيري، ولا زالوا يعملون بجدٍ ونشاط وخصوصًا في استيعاب معاني آيات الإنجيل الساميّة، بينما آخرون من معلمي الشعب ورعاته وولاته برزوا في فهم تعاليم الحق الصحيحة. لا زالت الشبكة مطروحة والمسيح يملأها بمن يخدمه من أولئك الغارقين في بحار العالم العاصفة والثائرة، فقد ورد في المزامير: "نجني من الطين فلا أغرق، نجني من مبغضي ومن أعماق المياه" (مز 69: 14).]
سابعًا: استجابة بطرس للعمل الإلهي
رأى معلِّمنا بطرس الرسول الصيد الكثير، فلم يهتم بالصيد في ذاته، إنما بالأكثر استنارت أعماقه منجذبًا لشخص المسيَّا صاحب السلطان على السماء والأرض والبحار (مز 8: 8)، فسجد له على ركبتيه، وشعر بمهابة تملأ أعماقه مكتشفًا خطاياه الداخليّة أمام رب السماء والأرض، فصرخ، قائلاً: "أخرج من سفينتي يا رب، لأني رجل خاطئ" [8]. لم يقوَ على إدراك هذا النور الفائق، وشعر بالعجز عن الدنو من هذا القدِّوس معترفًا بخطاياه.
لقد صرخ "أخرج من سفينتي" إحساسًا بالمهابة الشديدة، فاستحق في تواضعه وإدراكه لضعفه أن يدخل الرب أعماق قلبه ويقيم فيه مملكته! وكما يقول القدِّيس يوحنا الذهبي الفم: [ليس شيء مقبولاً لدى الله مثل أن يحسب الإنسان نفسه آخر الكل. هذا هو الأساس الأول لكل الحكمة العمليّة.[
لم يكن تواضع بطرس الرسول كلامًا أو عاطفة بل هو تفاعل مع العمل الحيّ الإيجابي، إذ قيل عنه وعن زملائه: "ولما جاءوا بالسفينتين إلى البر، تركوا كل شيء وتبعوه" [11]... تركوا كل شيء ليكرَّسوا كل القلب لمن أحبوه، بالعبادة الحقيقية والكرازة. وكأن التواضع ليس مجرد شعور بالضعف، إنما هو الارتماء في حضن العريس السماوي ليعيش الإنسان بكل قلبه وطاقاته لحساب العريس وبإمكانيَّاته.
ويعلّق القدِّيس يوحنا الذهبي الفم على هذا الترك بالقول: [اخبرني أي شيء عظيم تركه بطرس؟ أليست مجرد شبكة ممزقة (5: 11) وعصا وصنارة؟! ومع ذلك فقد فتح له الرب بيوت العالم، وبسط أمامه الأرض والبحر، ودعاه الكل إلى ممتلكاتهم، بل باعوا ما كان لهم ووضعوه عند قدَّميه وليس حتى في يديه[.
ويعلّق القدِّيس أمبروسيوس على تواضع بطرس هذا الممتزج بالعمل والترك، فيقول: [تعجب بطرس من البركات الإلهيّة التي تدفقت عليه، فكلما أخذ ازداد انسحاقًا. وأنت أيضًا قل: "أخرج يا رب من سفينتي، لأني رجل خاطئ" فيجيبك المسيح: "لا تخف". اعترف للرب الذي يغفر لك خطاياك. لا تتردّد في أن ترد إليه مالك (أترك كل شيء) لأنه هو أيضًا وهبك ما له... تأمَّل محبَّة الله التي وهبت الإنسان السلطان ليأخذ الحياة.]
2. تطهير أبرص
إن كان السيِّد المسيح كصديقٍ للبشريّة جاء إلينا نحن الذين تعبنا الليل كله بلا صيد فوهبنا بكلمته صيدًا كثيرًا جدًا قادمًا من الأعماق يملأ السفينتين، أي الروح والجسد، فنحمل، لا سمكًا ماديًا، بل ثمرًا روحيًا متكاثرًا للروح والجسد معًا، الآن نراه يمد يده بلا استنكاف ليشفي رجلاً أبرصًا يخشى الكل من لمسه أو لمس ثيابه أو متاعه لئلا يتنجسوا حسب الشريعة (لا 13).
سبق لنا فرأينا في دراستنا لإنجيل متى (أصحاح 8) وإنجيل مرقس (الأصحاح الأول) أن هذا الأبرص يمثِّل صورة صادقة لمن يقدِّم صلاة حقيقيّة، فينعم بلمسة يدّي سيِّده ليطهر، كما رأينا الأسباب التي لأجلها أرسله السيِّد إلى الكاهن ليقدِّم القربان حسب ناموس موسى؛ ورأينا في دراستنا لسفر اللاويِّين (أصحاح 14) المفاهيم الحقيقيّة لطقس تطهير الأبرص.
يرى القدِّيس أمبروسيوس في تطهير الأبرص رمزًا لتطهير البشريّة المؤمنة التي لم يشمئز السيِّد من لمسها: [لم يطهر الرب أبرصًا واحدًا بل جميع الذين قال لهم: "أنتم الآن أنقياء لسبب الكلام الذي كلمتكم به" (15: 2). إن كان تطهير الأبرص قد تم بكلمة الرب، فإنَّ احتقار كلمة الرب هو البرص الذي يصيب الروح.]
ويعلّق على لمس السيِّد المسيح للأبرص عند شفائه، هكذا: [لمسه لا لأنه لا يقدر أن يشفيه (بدون اللمس) بل ليثبت أنه ليس أسير الناموس، وأنه لا يخشى انتقال العدوى، إذ لا يمكن أن تمسك به.]
في الوقت الذي فيه لمس الأبرص دون أن يخشى نجاسة البرص (حسب الشريعة)، إذا به يطالب الأبرص أن يتمم ما جاء في الناموس بعد شفائه ليعلن أنه ليس بكاسرٍ للناموس.
يحدّثنا العلامة ترتليان عن إرسال السيِّد المسيح الأبرص للكاهن في طاعة للناموس، قائلاً: [إذ كان يجحد كل مجد بشري أمره ألا يخبر أحدًا عن الشفاء، لكن لأجل تكريم الشريعة سأله أن يسلك ما هو متبع فيها... فقد أراد أن تتم العلاقة الرمزيّة للشريعة من أجل دورها النبوي. هذه الرموز تعني أن الإنسان الذي كان خاطئًا وقد تطّهر من الأدناس بكلمة الله يلتزم بتقديم تقدَّمه لله في الهيكل، أي صلاة وشكر في الكنيسة بالمسيح يسوع الذي هو كاهن الآب المسكوني. لقد أضاف: "شهادة لهم"، فإنَّه بهذا شهد أنه لم يكن محطَّما للناموس بل مكملاً له، وبه أيضًا يشهد أنه ذاك الذي سبق فتُنبىء عنه أنه يحمل أمراضنا وضعفاتنا[.
ويقول القدِّيس أمبروسيوس: [يأمر الناموس بأن يتقدَّم الأبرص للكاهن لا ليقدِّم ذبيحة خارجيّة، بل يقدِّم نفسه لله ذبيحة روحيّة، فتُمحى نجاسات أعماله السابقة، ويصير مكرَّسا للرب كذبيحة مرضيّة..."فأطلب إليكم أيها الإخوة برأفة الله أن تقدِّموا أجسادكم ذبيحة حيّة مقدَّسة مرضيّة عند الله" (رو 12: 1).]
إن كان الأبرص قد التجأ بالصلاة والطلبة إلى السيِّد المسيح لينعم بالطهارة، فالإنجيلي لوقا يود أن يسحبنا من حين إلى آخر لحياة الصلاة كينبوع للحياة المقدَّسة، مقدَّما لنا السيِّد المسيح نفسه، ممثِّلنا ونائبنا، مصليًا... وهو قابل الصلوات، إذ يقول: "وأما هو فكان يعتزل في البراري ويصلي" [16].
مع أن الجموع كانت عطشى للقاء معه، وكثيرون تمتَّعوا بالشفاء خلال التلامس معه أو سماع كلمة من فيه، لكنه كان "يعتزل ليصلي" ليعلن عن حاجتنا إلى الحياة العاملة المتأمَّلة بلا انفصال. بالحب يتسع قلبنا للعمل لحساب إخوتنا وبذات الحب نلتقي مع الله سريًا لننعم بعمله فينا. بمعنى آخر لا انفصال بين العمل والتأمَّل، الكرازة أو الخدمة والعبادة!
يعلّق القدِّيس كبريانوس على صلاة السيِّد المسيح، قائلاً:
[إن كان الذي بلا خطيّة صلى فكم بالأكثر - يليق بالخطاة أن يصلوا؟! وإن كان السيِّد يصلي على الدوام ساهرًا الليل كله بطلبات غير منقطعة فكم بالحري يليق بنا أن نسهر نحن كل ليل في صلاة مستمرَّة متكررة؟!
لا يصلى الرب أو يطلب عن نفسه، إذ ماذا يطلب ذاك الذي بلا خطيّة؟! إنه يطلب عن خطايانا كما أعلن عندما قال لبطرس: "... طلبت من أجلك لكي لا يفنى إيمانك" ( لو22: 31).]
[إن كان قد تعب وسهر وصلى من أجلنا ومن أجل خطايانا، فكم بالحري يلزمنا نحن أن نصلي على الدوام، نصلي ونتوسل إلى الرب نفسه وخلاله لنرضي الآب. لنا الرب يسوع المسيح إلهنا محامٍ وشفيع من أجل خطايانا، إن كنا نتوب عن خطايانا الماضيّة ونعترف مدركين خطايانا التي بها عصينا الرب، وننشغل بالسلوك في طرقه ومخافة وصإيَّاه.]
3. شفاء المفلوج
الآن إذ يجتمع السيِّد المسيح في بيت وقد أحاط به فرِّيسيون ومعلمو الناموس جاءوا من كل قريّة من الجليل واليهوديّة وأورشليم [17]، كان يعلمهم. وإذ رأى مفلوجًا يدليه أربعة رجال من السقف قطع حديثه ليهب غفرانًا للمفلوج وشفاءً لجسده، وكأنه في صداقته معنا لا يحب التعليم في ذاته كما يحدّث في كثير من المعلمين، وإنما يطلب راحة البشريّة على صعيد الروح والجسد معًا.
سبق لنا الحديث عن هذا المفلوج من واقع كتابات بعض الآباء (إنجيل متى 9، مرقس 2)، ولذا أود الكتابة هنا في شيء من الإيجاز.
تمَّت هذه المعجزة في مدينة السيِّد، أي "كفرناحوم" (مر 2: 1)، أي كفر النياح أو الراحة، لأنه حيث يوجد السيِّد المسيح حالاً في موضع يهب نياحًا للنفس كما للجسد.
اجتمع به جماعة من الفرِّيسيين. "والفرِّيسيون" كلمة آراميّة معناها "المفروزون"، لكن للأسف فرزوا أنفسهم عن عامة الشعب لا لخدمتهم في الرب، بل ليعيشوا في أرستقراطيّة دينيّة عمادها العجرفة والكبرياء؛ هذا هو داءهم الذي أفسد حياتهم وحجبهم عن اللقاء الحقيقي مع السيِّد المسيح بالرغم من صحة عقيدتهم. أما معلمو الناموس فهم "الحاخامات" الذين ركزوا اهتمامهم على "التلمود"، يعيشون في حرفيّة قاتلة.
جاء الفرِّيسيون والحاخامات يتكئون في عجرفة على معلوماتهم الدينيّة وحكمتهم البشريّة، أما ربنا يسوع فكان في وسطهم يعلم ويشفي بقوّة وسلطان!
إذ كان الجمع يزحم البيت انطلق الرجال حاملو المفلوج على السلم الخارجي للبيت حتى بلغوا السطح، فكشفوه ودلوا المريض مع الفراش من بين الأجر إلى الوسط قدام يسوع [19]. وإذ كشفوا السطح بنزع الأجر (الطوب) دلوا المريض في الوسط أمام السيِّد المسيح. وكأنهم يمثِّلون الكنيسة بكل طغماتها وأعضائها (أساقفة - قسوس - شمامسة - شعب)، ينزعون الأجر أي الفكر الترابي والارتباكات الأرضيّة ليكشفوا السقف، فيروا السيِّد جالسًا كما في المساء يهب بركاته بلا حدود.
لم يحتمل الفرِّيسيون أن يروا هذا المنظر. الكنيسة متمثِّلة في هؤلاء الرجال يقدِّمون المفلوج ليسوع دونهم، فأحسوا بانهيار سلطانهم وفقدانهم الكرامة، لذا أرادوا اصطياد خطأ للسيِّد. فلما قال للمفلوج: "مغفورة لك خطاياك" اتهموه بالتجديف، وقد إهتم السيِّد لا بإفحامهم فحسب، إنما بالإعلان عن نفسه، لعلهم يقبلونه ويؤمنون به.
وإذ سبق لنا عرض الكثير من كتابات الآباء في أمر هذا المفلوج (مت 9؛ مر 2) أكتفي هنا بالمقتطفات التاليّة:
v إذ قال المسيح للمفلوج: "أيها الإنسان مغفورة لك خطاياك" قصد السيِّد بذلك أن يخاطب الإنسانيّة بأسرها، كل الذين يؤمنون بالمسيح تُشفى نفوسهم من أسقام الخطيّة وتُغفر لهم آثامهم التي ارتكبوها، وبعبارة أخرى يخاطب المسيح المفلوج قائلاً: لابد وأن أشفي روحك قبل جسدك، أما إذا لم أقم بذلك فإنَّك بقوّة الجسم تمشي على قدَّميك وتعود إلى حياة الإثم والرذيلة، ولو أنك لم تطلب أيها المريض شفاء الروح، فإنَّي أنا إله ورب أرى أمراض النفس وأسقامها، وكيف أتت بك إلى هذا المرض الوبيل.
ولما كان هناك جمع كبير من الكتبة والفرِّيسيين وكان لابد من صنع آيّة لتعليمهم، نظرًا لامتهانهم السيِّد فإنَّ المسيح قام بعمل فائق غريب.
انطرح أمام المسيح على فراش المرض رجل أنهكه الفالج وأعياه ولم ينفع فيه علاج أو دواء واعترف نفس الأطباء بقصورهم عن شفاء رجل دكه المرض دكًا، فيئس أقاربه منه، إلا أنهم رأوا إشعاع الأمل يبدو عن كثب، فأسرعوا إلى حيث المسيح الطبيب العظيم الذي أتى من فوق من السماء، وقدَّموا له مريضهم، وقبل المسيح إيمانه، فبدد الإيمان سحابة المرض، إذ أن المسيح يخاطب المفلوج بالعبارة المشهورة: "مغفورة لك خطاياك".
قد يسأل إنسان: "كان المفلوج في حاجة إلى شفاء جسمه، فلماذا يعلن المسيح له مغفرة الخطايا؟" ليعلمنا بأن الله يشاهد سكون أعمال الإنسان ويرى الطريق الذي يسلكه في حياته، إذ أنه مكتوب "لأن طرق الإنسان أمام عيني الرب وهو يزن كل سبله" (أم 5: 21). ولما كان الله صالحًا ويريد أن كل الناس يخلصون وإلى معرفته يقبلون، فكثيرًا ما يطهر الإنسان الذي يرتكب الإثم والشر بتعذيب جسمه بمرض ينهكه داء يقعده، على حد قول الوحيّ: "تأدبي يا أورشليم... أمامي دائمًا مرض وضرب" (إر 6: 8). وورد في سفر الأمثال: "يا ابني لا تحتقر تأديب الرب ولا تكره توبيخه، لأن الذي يحبه الرب يؤدبه وكأب بابن يُسّر به" (أم 3: 10). فحسنًا يعلن المسيح محو الخطايا والآثام فإنَّ في هذه جميعها منبع المرض وجرثومة الداء، فإذا ما مُحيت الخطيّة شُفي الإنسان من مرض الجسم الذي اتصل بها واستبشعها.
"فابتدأ الكتبة والفرِّيسيون يفكرون قائلين: من هذا الذي يتكلَّم بتجاديف" [21].
أعلن المسيح (كما أشرنا إلى ذلك آنفًا) مغفرة الخطايا بسلطان إلهي، ولكن هذا الإعلان أثار الفرِّيسيين وكانوا طغمة جهل وحسد، فتخاطبوا فيما بينهم: "من هذا الذي يتكلَّم بتجاديف؟"
ما كان يمكنكم أن تسألوا أيها الفرِّيسيون هذا السؤال لو كنتم وقفتم على معاني الأسفار المقدَّسة، وطالعتم نبوات الكتاب المقدَّس، وفهمتم سّر التجسد العظيم القدر والفائق الوصف. فبدلاً من درس النبوات اتهمتم السيِّد برذيلة التجديف وحكمتم عليه بالموت، لأن شريعة موسى أعدمت كل إباحي مجدّف، فقد ورد: "ومن جدف على اسم الرب فإنَّه يقتل" (لا 24: 16).
خاطب المسيح الفرِّيسيين قائلاً: "ماذا تفكرون في قلوبكم" [23]، والمعنى الصريح من هذه العبارة "إنكم أيها الفرِّيسيون تعترفون بأنه لا يمكن لغير الله غفران الخطايا؟ ولكن اعلموا أيضًا أنه لا يمكن لغير الله معرفة ما يدور في خلد الإنسان فهو وحده الذي يكشف عن أعماق القلب فيقف على أسراره ونيَّاته، إذ ورد على لسان النبوَّة "أنا الرب فاحص القلب مختبر الكلى" (إر 17: 10)، ويشير داود إلى ذلك بالقول: "المصور قلوبهم جميعًا المنتبه إلى كل أعمالهم" (مز 33: 15)، فالله الذي يصور القلوب والكلى هو الله الذي يغفر الخطيّة والإثم.
"ولكن لكي تعلَّموا أن لابن الإنسان سلطانًا" [24].
حتى يبدد المسيح سحابة الشك والريب التي تظلل بها الكتبة والفرِّيسيون، لم يغفر السيِّد خطايا الرجل المفلوج فحسب لأن الإنسان يعجز عن رؤيّة الخطايا المغفورة بعيني رأسه، بل أمر المرض فزال عن جسم المفلوج، فقام الرجل يمشي سليمًا صحيحًا، مشيرًا إلى عظمة القوّة الإلهيّة التي شفته من مرضه. فلم يؤجل كلمات المسيح للمفلوج: "قم وأحمل فراشك واذهب إلى بيتك" [25]، فقد قام الرجل لساعته وعاد إلى بيته سليمًا معافي. حقا أن لابن الإنسان سلطانًا على الأرض أن يغفر الخطايا.
ولكن إلى من تشير هذه الآية؟ هل تكلَّم المسيح عن نفسه أو عنا؟ الواقع أن هذه الآية تطلق على المسيح وعلينا، لأن السيِّد يغفر الخطايا بصفته الإله المتجسد رب الناموس وواضعه، وقد تسلمنا نحن هذه القوّة الفائقة، وذلك بتتويج طبيعة الإنسان بشرفٍ عظيم القدر، حيث خاطب المسيح رسله المقدَّسين بالقول "الحق أقول لكم أن كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطًا في السماء وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولا في السماء" (مت 18: 18)، وورد في موضع آخر "من غفرتم خطاياه تغفر له ومن أمسكتم خطاياه أمسكت" (يو 20: 23).
القدِّيس كيرلس الكبير
v "فلما رأي إيمانهم" [20]. عظيم هو الرب الذي يغفر للبعض من أجل طلبة الآخرين، ويقبل تضرعات البعض من أجل غفران خطايا الغير!...
خادم الله له الحق أن يطلب عنك، وله دالة فُيستجاب له!...
تعلَّم أيها المريض كيف تتضرع، وإن كنت لا ترجو غفرانًا لخطاياك فالجأ لمن يشفع عنك، إلى الكنيسة التي تصلي من أجلك، ومن أجلها يهبك الرب الغفران...
القدِّيس أمبروسيوس
v يقول البعض بأن هذا الرجل قد شُفي لمجرد إيمان الحاملين له، ولكن هذه ليست الحقيقة، لأن القول: "فلما رأى يسوع إيمانهم" لا يشير إلى إيمانهم وحدهم بل وإيمان الذي كان يحملونه، لماذا؟
تقول: ألم يشِف أحدًا لأجل إيمان آخر؟ في رأيي ما أظن هذا إلا في حالة عدم نضج السن (القاصر) أو الضعف الشديد لدرجة عدم القدرة على الإيمان...
لا تصغي بلا اهتمام إلى العبارة القائلة أنهم دلوه من السقف، بل تأمَّل كيف أن مريضًا يمكن أن يكون له الثبات على مكابدة إنزاله مدليًا من السقف. أنت تعلَّم أن المرضى قلوبهم واهيّة حتى أنهم غالبًا ما يرفضون المعاملة التي يلاقونها وهم على أسرة مرضهم، غير راغبين في احتمال آلام العلاج، مفضَّلين احتمال آلام المرض عنها. أما هذا الرجل فكان له من العزم أن يخرج من المنزل، ويُحمل وسط السوق، ويصير منظرًا وسط الجماهير، مع أنه عادة يُفضَّل المرضى الموت على أسرة مرضهم عن أن تنفضح مصائبهم الخاصة. هذا المريض لم يفعل هذا فحسب، بل وعندما رأى أن مكان الاجتماع مزدحم والمقتربين متكتلين وميناء الأمان معاق خضع للتدليّة من السقف... لقد نظر أنها كرامة له أن يشهد كثيرون شفاءه.
ونحن نتفطن إلى إيمانه لا من هذا فحسب، بل ومن كلمات السيِّد المسيح أيضًا، لأنه بعدما ألقوا به وقدَّموه للسيِّد، قال له: "ثق يا بني مغفورة لك خطاياك". وعندما سمع هذه الكلمة لم يغتظ ولا تذمر، ولا قال للطبيب: ماذا تقصد بهذه الكلمات؟ أنا أتيت لتشفيني من شيء، وها أنت تشفيني من شيء آخر... إنه لم يفكر في هذا ولا نطق به، بل انتظر تاركًا للطبيب أن يتبنى طريقة الشفاء التي يريدها.
لهذا السبب أيضًا لم يذهب السيِّد المسيح إليه، بل انتظره حتى يأتي إليه، لكي يعلن إيمانه أمام الجميع.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:26 pm

يوحنا الذهبي الفم
v لماذا لم يقدِّم للمفلوج الشفاء بل قال له: "ثق يا بني مغفورة لك خطاياك"؟ لقد صنع هذا بحكمة، لأن هذه هي عادة الأطباء أن ينزعوا أصل المرض قبل أن ينزعوا (أعراض) المرض نفسه...
أكد بولس هذا عندما وبخ أهل كورنثوس على خطيّة معينة، قائلاً: "من أجل هذا فيكم كثيرون ضعفاء ومرضى" (1كو 11: 30).
لهذا أزال السيِّد المسيح سبب الشر، وقال: "ثق يا بني مغفورة لك خطاياك". لقد رفع الروح، وأقام النفس المطروحة، لأن قوله هذا كان كافيًا... فلا شيء يخلق السرور ويعيد الثقة قدر التحرر من العذاب الداخلي، وحيث توجد مغفرة الخطايا توجد البنوة، لذلك لا نقدر أن ندعو الله الآب إلا بعدما تُزال خطايانا في بركة الماء المقدَّس (المعموديّة)... فنقول: "أبانا الذي في السماوات".
القدِّيس يوحنا ذهبي الفم
4. دعوة لاوي العشّار
يقدِّم لنا الإنجيلي لوقا جانبًا حيًا من جوانب صداقة السيِّد المسيح للبشريّة، فإنَّه عند اختياره لخواصه اجتذبهم من أماكنٍ متعددةٍ، تارة من بين الصيَّادين البسطاء، وأخرى من بين العشّارين الذين يحتقرهم اليهود ويَّتهمونهم بالخيانة والعمل لحساب الدولة الرومانيّة.
دعا السيِّد المسيح لاوي العشّار الذي صار فيما بعد "الإنجيلي متى"، وكانت الدعوة مختصرة للغاية: "اتبعني" [27]، لكنها قويّة وفعّالة، إذ "ترك كل شيء وقام وتبعه" [28]، وأقام له وليمة ضيافة ليتذوق إخوته العشّارون اللقاء العذب مع السيِّد المسيح.
يقول القدِّيس جيروم أن بعض المقاومين للمسيحيّة استخفوا بأتباع المخلِّص إذ ساروا وراءه بمجرد دعوته لهم خلال النداء الأول لهم، فقبلوه في سذاجة دون تفكير. ويُرد على ذلك بأمرين، الأول أن هؤلاء قد سمعوا وربَّما شاهدوا العلامات والعجائب الكثيرة التي صنعها السيِّد قبل دعوته لهم، والثاني أن السيِّد يحمل جاذبيّة خاصة بكونه رب الخليقة يجتذب الكل حوله.
كما لاحظ القدِّيس جيروم أيضًا أن متى البشير وحده هو الذي ذُكر اسمه "متى" عند دعوة الرب له (مت 9: 9) أما الإنجيليان الآخران فلم يذكرا اسمه، مكتفيِّين بذكر اسمه القديم "لاوي" احتشامًا من زميلهما الإنجيلي متى (مت 9: 9، مر 2: 13-14).
v اتبع متى مبدأ سليمان: العادل يبدأ بمعاتبه نفسه، فدعا نفسه عشّارًا، ليظهر للقارئ أنه لا يجب أن ييأس أحد من خلاص نفسه مادام يرجع إلى حياة أفضَّل، فقد تغير هو من عشّار إلى رسول.
القدِّيس جيروم
v كان لاوي عشّارا يهيم وراء الكسب المرذول لا حّد لجشعه الممقوَّت، يزدري بقانون العدل والإنصاف، حبًا في تملك ما ليس له. فبهذه الخلق الذميمة اشتهر العشّارون، إلا أن المسيح اختطف أحدهم وهو غارق في بحر الإثم والرذيلة ودعاه إليه وأنقذه وخلصه، إذ ورد: "فقال له اتبعني فترك كل شيء وقام وتبعه" [27-28]. فما أصدق بولس المغبوط وهو يصف المسيح بأنه "جاء إلى العالم ليخلص الخطاة" (1 تي 1: 15). أفلا ترون كيف أن كلمة الله الابن الوحيد وقد أخذ لنفسه جسدًا يردّ إلى نفسه عبيد إبليس وممتلكاته؟!
القدِّيس كيرلس الكبير
v عندما اختار رسله الخواص ليكرزوا بإنجيله، اختارهم من بين الخطاة... ليظهر أنه جاء لا ليدعوا أبرارًا بل خطاة إلى التوبة.
الأب برناباس
لم يحتمل الكتبة والفرِّيسيون لقاء السيِّد المسيح مع العشّارين، فقالوا لتلاميذه:
"لماذا تأكلون وتشربون مع عشّارين وخطاة؟
فأجاب يسوع، وقال لهم: لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى.
لم آت لأدعو أبرارًا، بل خطاة إلى التوبة" [30-32].
v لماذا يلوم الفرِّيسيون المخلِّص لتناوله الطعام مع الخطاة؟ لأن الناموس فرق بين المقدَّس والمحلل، وميّز بين النجس والطاهر (لا 10: 10). اِعتقد الفرِّيسيون أنه لا يصح الجمع بين المقدَّس والنجس، فقاموا يطالبون المسيح بحفظ شريعة موسى، ولكن لم يكن تهجمهم على السيِّد ناشئًا عن غيرة على الشريعة، بل عن حسدٍ وخبثٍ، فكثيرًا ما هبوا في وجه المسيح لإسقاطه في شركٍ منصوبٍ، إلا أن المسيح أفلت منهم رادًا السيئة بالحسنى، إذ أعلمهم أنه ما جاء الآن قاضيًا للحكم، بل طبيبًا للشفاء، ولذلك كان لزامًا عليه وهو طبيب أن يقرب المرضى لشفائهم من أسقامهم.
القدِّيس كيرلس الكبير
وللعلامة ترتليان تعليق جميل على كلمات السيِّد المسيح: "لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى، لم آتِ لأدعو أبرارًا بل خطاة إلى التوبة" [21-22]. فإنَّه إذ ظهر في القرن الثاني بعض البدع تُدنِس الجسد وتحقر من شأنه وتحسبه عدوًا يلزم تحطيمه، يعلن العلامة ترتليان أن الجسد مع ما بلغه من فساد لكنه قريب لنا، يشارك النفس حياتها، يلزم أن نحبه كما نحب قريبنا، خاصة وأن السيِّد المسيح حمل جسدنا الذي في شبه الخطيّة فصار قريبًا له... بارك طبيعته فيه. هذا وإن كان جسدنا قد تلوث بمرض الخطيّة فإنَّ السيِّد المسيح جاء لا كديان بل كطبيب يشفي الجسد والنفس معًا.
نستطيع أن نتلمس قدسيّة نظرة الكنيسة الأولى للجسد، من كلمات العلامة ترتليان: [يطالبنا (المسيح) أن نحب قريبنا بعد حبنا له، وها هو يمارس ما يأمرنا به إذ يحب الجسد الذي هو ملاصق له جدًا وبطرقٍ كثيرةٍ، والذي هو قريبه، يحبه بالرغم من ضعفه، فإنَّ قوَّته تكمل في الضعف (2 كو 12: 9)، يحبه بالرغم من ارتباك جسدنا، إذ لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى، وبالرغم ممَّا يبدو أنه (جسدنا) غير مكرم، إذ تُعطي كرامة أفضَّل للأعضاء ناقصة الكرامة (1 كو 12: 23). يكرمه مع أنه محطَّم، إذ يقول: جئت لأخلص ما قد هلك (19: 10)؛ يكرمه مع أنه خاطئ، إذ يقول: أريد خلاص الخاطئ لا موته؛ وأيضًا بالرغم من كونه تحت الحكم فإنَّه يجرح ويعصب (تث 32: 39).]
5. الإعلان عن الخمر الجديدة
لم يستطع الفرِّيسيون مقاومة السيِّد في صداقته للبشريّة، فحين اعترضوا عليه لأنه يأكل مع عشّارين وخطاة بينما يميز الناموس بين المقدَّس والنجس أكدّ أنه لا يكسر الناموس بل يحققه في أعماق جوهره بحبه للإنسانيّة وترفَّقه بالضعفاء، فقد جاء طبيبًا للمرضى لا ديانًا للخطاة... الآن يهاجمونه في تلاميذه، قائلين: "لماذا يصوم تلاميذ يوحنا كثيرًا ويقدِّمون طلبات، كذلك تلاميذ الفرِّيسيين أيضًا، وأما تلاميذك فيأكلون ويشربون؟" [33].
جاءت إجابة السيِّد لا ترد على التساؤل فحسب، وإنما تكشف عن رسالته التي تتركز في أمرين:
أولاً: أنه جاء عريسًا يخطب البشريّة كعروسٍ له... فالوقت الآن ليس مناسبًا للصوم، بل للإعلان عن العريس والفرح به، فمتى ارتفع إلى السماء يطلبونه بأصوام وطلبات... وكأن غاية العبادة ليست الأصوام والنسكيات بل التمتَّع بالاتحاد مع العريس السماوي، خلال هذه الأصوام والنسكيات إن قدَّمت بالروح والحق.
ثانيًا: أنه ما جاء ليقدِّم ثقلاً في العبادات، إنما جاء أولاً لينزع ما هو قديم ويقيم ما هو جديد، يصلب الإنسان العتيق ويَّهب الإنسان الروحي الجديد.
لقد سبق لنا أن أوردنا بعض تعليقات للآباء على إجابة السيِّد المسيح في تفسيرنا لإنجيلي متى (9: 14) ومرقس (2: 21).
1 و اذ كان الجمع يزدحم عليه ليسمع كلمة الله كان واقفا عند بحيرة جنيسارت
2 فراى سفينتين واقفتين عند البحيرة و الصيادون قد خرجوا منهما و غسلوا الشباك
3 فدخل احدى السفينتين التي كانت لسمعان و ساله ان يبعد قليلا عن البر ثم جلس و صار يعلم الجموع من السفينة
4 و لما فرغ من الكلام قال لسمعان ابعد الى العمق و القوا شباككم للصيد
5 فاجاب سمعان و قال له يا معلم قد تعبنا الليل كله و لم ناخذ شيئا و لكن على كلمتك القي الشبكة
6 و لما فعلوا ذلك امسكوا سمكا كثيرا جدا فصارت شبكتهم تتخرق
7 فاشاروا الى شركائهم الذين في السفينة الاخرى ان ياتوا و يساعدوهم فاتوا و ملاوا السفينتين حتى اخذتا في الغرق
8 فلما راى سمعان بطرس ذلك خر عند ركبتي يسوع قائلا اخرج من سفينتي يا رب لاني رجل خاطئ
9 اذ اعترته و جميع الذين معه دهشة على صيد السمك الذي اخذوه
10 و كذلك ايضا يعقوب و يوحنا ابنا زبدي اللذان كانا شريكي سمعان فقال يسوع لسمعان لا تخف من الان تكون تصطاد الناس
11 و لما جاءوا بالسفينتين الى البر تركوا كل شيء و تبعوه
12 و كان في احدى المدن فاذا رجل مملوء برصا فلما راى يسوع خر على وجهه و طلب اليه قائلا يا سيد ان اردت تقدر ان تطهرني
13 فمد يده و لمسه قائلا اريد فاطهر و للوقت ذهب عنه البرص
14 فاوصاه ان لا يقول لاحد بل امض و ار نفسك للكاهن و قدم عن تطهيرك كما امر موسى شهادة لهم
15 فذاع الخبر عنه اكثر فاجتمع جموع كثيرة لكي يسمعوا و يشفوا به من امراضهم
16 و اما هو فكان يعتزل في البراري و يصلي
17 و في احد الايام كان يعلم و كان فريسيون و معلمون للناموس جالسين و هم قد اتوا من كل قرية من الجليل و اليهودية و اورشليم و كانت قوة الرب لشفائهم
18 و اذا برجال يحملون على فراش انسانا مفلوجا و كانوا يطلبون ان يدخلوا به و يضعوه امامه
19 و لما لم يجدوا من اين يدخلون به لسبب الجمع صعدوا على السطح و دلوه مع الفراش من بين الاجر الى الوسط قدام يسوع
20 فلما راى ايمانهم قال له ايها الانسان مغفورة لك خطاياك
21 فابتدا الكتبة و الفريسيون يفكرون قائلين من هذا الذي يتكلم بتجاديف من يقدر ان يغفر خطايا الا الله وحده
22 فشعر يسوع بافكارهم و اجاب و قال لهم ماذا تفكرون في قلوبكم
23 ايما ايسر ان يقال مغفورة لك خطاياك ام ان يقال قم و امش
24 و لكن لكي تعلموا ان لابن الانسان سلطانا على الارض ان يغفر الخطايا قال للمفلوج لك اقول قم و احمل فراشك و اذهب الى بيتك
25 ففي الحال قام امامهم و حمل ما كان مضطجعا عليه و مضى الى بيته و هو يمجد الله
26 فاخذت الجميع حيرة و مجدوا الله و امتلاوا خوفا قائلين اننا قد راينا اليوم عجائب
27 و بعد هذا خرج فنظر عشارا اسمه لاوي جالسا عند مكان الجباية فقال له اتبعني
28 فترك كل شيء و قام و تبعه
29 و صنع له لاوي ضيافة كبيرة في بيته و الذين كانوا متكئين معهم كانوا جمعا كثيرا من عشارين و اخرين
30 فتذمر كتبتهم و الفريسيون على تلاميذه قائلين لماذا تاكلون و تشربون مع عشارين و خطاة
31 فاجاب يسوع و قال لهم لا يحتاج الاصحاء الى طبيب بل المرضى
32 لم ات لادعو ابرارا بل خطاة الى التوبة
33 و قالوا له لماذا يصوم تلاميذ يوحنا كثيرا و يقدمون طلبات و كذلك تلاميذ الفريسيين ايضا و اما تلاميذك فياكلون و يشربون
34 فقال لهم اتقدرون ان تجعلوا بني العرس يصومون ما دام العريس معهم
35 و لكن ستاتي ايام حين يرفع العريس عنهم فحينئذ يصومون في تلك الايام
36 و قال لهم ايضا مثلا ليس احد يضع رقعة من ثوب جديد على ثوب عتيق و الا فالجديد يشقه و العتيق لا توافقه الرقعة التي من الجديد
37 و ليس احد يجعل خمرا جديدة في زقاق عتيقة لئلا تشق الخمر الجديدة الزقاق فهي تهرق و الزقاق تتلف
38 بل يجعلون خمرا جديدة في زقاق جديدة فتحفظ جميعا
39 و ليس احد اذا شرب العتيق يريد للوقت الجديد لانه يقول العتيق اطيب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:27 pm

الأصحاح السادس
الصديق المعلِّم
كان اليونانيُّون يحبُّون أن يسمعوا على الدوام شيئًا جديدًا لإشباع الفكر لكن بدون جدوى، أم المعلِّم السماوي فقبْلَ أن يقدِّم التعليم الجديد قدَّم الإمكانيّة الجديدة، فرفع الإنسان فوق الحرف القاتل بإعلانه عن نفسه أنه رب السبت، فيه لا ينحني المؤمن لحرفيَّة حفظ السبت بطريقة جافة، بل يحمل قوَّة الروح؛ كما شفى صاحب اليد اليُمنى اليابسة ليُطلِقها للعمل الروحي، واختار الاثنى عشر تلميذًا للكرازة والعمل، عندئذ قدَّم عظاته وتعاليمه.
1.المسيح رب السبت 1-5.
2. شفاء اليد اليُمنى 6-11.
3. دعوة التلاميذ 12-16.
4. تعاليمه:
أ. حديث شخصي للمتألِّمين 17-26.
ب. دعوة حب فائق 27-46.
ج. الحاجة للبناء على الصخر 47-49.
1. المسيح رب السبت
ذكر الإنجيليُّون الثلاثة: متَّى (12: 1)، ومرقس (2: 43) ولوقا كيف كان قوم من الفرِّيسيِّين يمثِّلون جوًا من المعارضة للسيِّد، فإنَّهم إذ رأوا التلاميذ في جوعهم يقطفون السنابل ويأكلونها وهم يفركونها بأيديهم حسبوا ذلك كسرًا للناموس، إذ حسبوهم كمن قاموا بعمليَّتيّ الحصاد والدرْس بطريقة مصغَّرة. لذلك احتجُّوا قائلين: لماذا تفعلون ما لا يحل فعله في السبوت؟ وإذ سبق لنا الحديث عن ذلك في دراستنا لإنجيلي متى ومرقس، لنا هنا بعض الملاحظات التاليّة:
أولاً: يذكر الإنجيلي لوقا: "وفي السبت الثاني بعد الأول" [1]، ماذا يعني بهذا؟
اختلف الدارسون في تفسير هذه العبارة، ويمكن تلخيص آرائهم في الآتي:
أ. يقصد بالسبت الأول عيد الفصح اليهودي، والثاني بعده يقصد به عيد الباكورات أو الخمسين، عيد الأسابيع (سبعة أسابيع من بدء الفصح)، والذي يوافق السادس من شهر سيوان (حزيران).
ب. إذ جاءت الترجمة عن اليونانيّة: "السبت الثاني بعد الأول"، لهذا يرى البعض أنه يقصد السبت الثاني بعد الفصح، وبالتالي يكون السبت الأول بعد عيد الفطير، ويُعرف بسبت "العومر" أو سبت "الأغمار".
ج. ربَّما يعني بالسبت الأول هو سبت الشهر الأول من السنة اليهوديّة، بينما السبت الثاني هو سبت الشهر الثاني. أو أن السبت الأول هو السبت الذي يقع فيه رأس السنة المدنيّة (شهر تشري، أو تشرين الأول أو ليثانيم) بينما السبت الثاني هو الذي يقع فيه رأس السنة الدينيّة (نيسان).
د. يري البعض أن السبت الثاني يعني أول سبت يقع في السنة الحوليّة، أي في السنة السابقة بعد سنة اليوبيل.
هـ. الرأي الأرجح لدى كثير من المسيحيِّين هو السبت الثاني بعد عيد الفصح مباشرة.
و. يرى بعض الآباء المهتمِّين بالتفسير الروحي أن السبت الأول يشير إلى السبت الناموسي بمفهومه الحرفي اليهودي، وأن السبت الثاني هنا إنما هو السبت الجديد، حيث انطلق بنا السيِّد من الراحة الحرفيّة الجسديّة إلى الراحة الحقيقية فيه خلال إنجيله. لذلك ما فعله تلاميذه حيث اجتاز بهم إلى الحقول، إنما يشير إلى الدخول بهم إلى حقول أسفار العهد القديم ليقتطفوا سنابل الرموز والنبوات، ويفركونها بروحه القدِّوس، ليجدوا فيها طعام الروح الإنجيلي واهب الشبع الحق.
يمكننا أيضًا أن نقول بأن ما فعله التلاميذ كان باسم الكنيسة كلها حيث تدخل بالروح القدس إلى المذبح الإلهي، لتتقبَّل سنبلة "الإفخارستيا" كعطيّة إلهيّة تقتات بها، لكي تبلغ إلى الكمال، فتتهيَّأ للمسيح يسوع عريسها الأبدي. ويرى القدِّيس أمبروسيوس أن السيِّد المسيح قاد تلاميذه كما إلى حقل هذا العالم الحاضر لينعموا بثمار الكنيسة التي هي من عمل روحه القدِّوس خلال الخدمة الرسوليّة. فقد جاع التلاميذ إلى خلاص البشر وأرادوا التمتَّع بحصاد الروح، الأمر الذي رفضه اليهود.
ثانيًا: كان تساؤل الفرِّسيِّين "لماذا تفعلون ما لا يحلْ فعله في السبوت؟" [2]، كما قلنا ليس عن غيرة على الشريعة، وإنما بدافع النقد وتشويه خدمة السيِّد المسيح، وكانت إجابة السيِّد المسيح لهم لا لإفحامهم، إنما بالحري للكشف عن أسرار العهد الجديد، لعلَّهم يُدركون الحق ويرجعون إليه. أراد السيِّد بإجابته أن يرفعهم إلى العهد الجديد الروحي عِوض حرف الناموس القديم، وكما يقول الرسول بولس: "لأنه يقول لهم لائمًا: أيام تأتي يقول الرب حين أُكمل مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهدًا جديدًا... فإذ قال جديدًا عتق الأول، وأما ما عتق وشاخ فهو قريب من الاضمحلال" (عب 8: 8، 13)، وقد اقتبس الرسول هذه النُبوَّة عن سفر إرميا الذي بين أيديهم (إر 31: 31).
يقول القدِّيس كيرلس الكبير:
[لكننا نرى أن الكتبة والفرِّيسيِّين جهلوا هذا العهد الجديد كل الجهل، لأنهم حجبوا عيونهم عن رؤية الأسفار المقدَّسة، وهم يحدّقون النظر في تعاليم المسيح السماويّة لعلَّهم يجدون فيها نقصًا أو عيبًا للإيقاع به. لذلك تربَّصوا لتلاميذ المخلِّص، وخاطبوه قائلين: "ألا ترى كيف أن تلاميذك يفعلون ما لا يحلْ فعْلة في السبوت، فبينما الناموس يفرض على الناس الراحة في السبت، نجد تلاميذك يقطفون السنابل ويفركونها بأيديهم ويأكلون؟" ولكن قل لي أيها المعترض ألا تكسر خبزك وأنت تتناول طعامك يوم السبت، فلماذا تعيب على غيرك ما تقوم به أنت؟ وحتى نكون على بيِّنة بجهلهم الكتب المقدَّسة قرع المسيح حجَّتهم بما يأتي:
فأجاب المسيح: "وقال لهم أما قرأتم ولا هذا الذي فعله داود حين جاع" [3]. فمع أن داود سلك مسلكًا مغايرًا للناموس، ولكن له في نفوسنا كل إكبار وإجلال، فهو قدِّيس ونبي. وحيث أن شريعة موسى توصينا بالقضاء بالحق بين الإنسان وأخيه، فلماذا تعتبرون إذن داود نبيًا وقدِّيسا بينما تبكِّتون تلاميذي وتسلقونهم بألسنة حداد ولم يفعلوا أمرًا أردأ؟
يجب أن نلاحظ أن خبز التقدِّمة الوارد ذكره في رواية داود يشير إلى الخبز النازل من السماء الذي تراه على موائد الكنائس المقدَّسة، وأن جميع أمتعة المائدة التي نستعملها في خدمة المائدة السرِّيَّة لهي رمز للكنوز الإلهيّة الفائقة.]
إن كان قد جاز لداود أن يكسر حرف الناموس ويأكل مع رجاله خبز التقدِّمة الذي يُرفع يوم السبت ليأكله الكهنة وحدهم ويوضع عوضه خبزًا جديدًا، وقد أكله داود ورجاله في السبت كما يظهر من قول الكتاب: "فأعطاه الكاهن المقدَّس لأنه لم يكن هناك خبز إلا خبز الوجوه المرفوع من أمام الرب، لكي يوضع خبز سخن في يوم أخذه" (1 صم 21: 6)، فكم بالحري يليق برب داود أن يسمح لتلاميذه أن يأكلوا من السنبلة الجديدة في السبت؟! حقًا لقد ثار شاول الملك ضد الكاهن أخيمالك الذي قدَّم خبز الوجوه لداود ورجاله وأرسل ليقتله مع الكهنة، وها هو عدو الخير يثير الفريسيِّين ضد السيِّد المسيح رب داود وتلاميذه، لأن السيِّد سمح لتلاميذه أن يتمتَّعوا بطعام جديد!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:27 pm

ثالثًا: "وقال لهم: إن ابن الإنسان هو رب السبت أيضًا" [5].
بينما أرادوا إتمامه بكسْر السبت أعلن أنه "ابن الإنسان، رب السبت"، فمن جهة دعا نفسه "ابن الإنسان"، لأنه وهو واضع ناموس السبت وشريعته إنما من أجل الإنسان، لا الإنسان من أجل السبت (مر 2: 27). إن كان "كلمة الله" قد صار ابنًا للإنسان من أجل الإنسان وهو ربه، فكم بالحري يليق أن يكون السبت لخدمة الإنسان؟!
لم يُحقّر السيِّد المسيح من الشريعة ولا حطَّمها، بل بالحري رفعها بالأكثر بدعوة نفسه "رب السبت". حقًا إنه هو "رب السبت" المسئول عن هذه الشريعة أو هذا العيد الأسبوعي، وضعه لا ليهدمه أو يحطِّمه، وإنما لكي يدخل بنا إلى مفاهيم أعمق لهذا العيد، بتحريرنا من حرفيّة السبت القاتلة إلى عيد الأحد المُفرح للنفس.
لقد قدَّم السيِّد نفسه "سبتًا" لنا، إذ هو سرْ راحتنا، وهو عيدنا، فيه ننعم بالحياة المُقامة ونتمتَّع بالمصالحة مع الآب.
2. شفاء اليدْ اليُمنى
في السبت الجديد انطلق السيِّد المسيح بتلاميذه وسط الزروع لكي يهبهم السنبلة الجديدة سِرْ شبع روحي لهم، مقدِّما فهمًا جديدًا للسبت، بكونه سِرْ راحة داخليّة وشبع عميق، يملأ النفس خلال التقائها بالله واتِّحادها معه. والآن إذ يدخل المجمع في سبت آخر أراد أن يكشف عن السبت أنه ليس يومًا للخمول والكسل، إنما هو راحة خلال العمل الروحي الحق، لذا التقى بصاحب اليدّ اليُمنى اليابسة ليردّ لها الحياة لكي تكون عاملة في الرب.
يرى القدِّيس أغسطينوس أن اليد اليُسرى تشير للعمل المادي، أما اليُمنى فتُشير للعمل الروحي. فالرجل ذو اليد اليمنى اليابسة يشير إلى المجمع اليهودي نفسه، وقد يبست يمينه عن العمل الروحي، إذ تحوَّل السبت إلى توقُّف عن العمل وممارسة حرفيَّات جامدة. وقد جاء السيِّد لينزع هذه اليبوسة، واهبًا للسبت فهمًا جديدًا روحيًا.
في تفسيرنا لإنجيل مرقس (3: 1-6) رأينا القدِّيس أمبروسيوس يتحدَّث عن هذا الرجل بكونه يمثِّل آدم الأول الذي مدّ يده على الشجرة في عصيان لخالقه، فيبِست بالخطيّة واحتاجت إلى السيِّد أن يأتي ليشفيها، لتمتدْ سليمة تمارس الحياة الفاضلة، خلال محبَّة القريب وإنقاذ المظلوم. لقد يبست يدّ يربعام عندما أراد التبخير للأوثان وبسطها عندما صلَّي (1مل 13: 4-6). ورأينا القدِّيس كيرلس الكبير في تعليقه على المعجزة كيف اِهتم السيِّد المسيح ليس فقط أن يشفي اليد اليابسة، وإنما أن يحاور الفريسيِّين في أمر السبت لعلَّهم يقبلون شفاء يُبوسِة فكرهم الحرفي.
يقول الإنجيلي: "ثم نظر حوله إلى جميعهم، وقال للرجل: مدّ يدك"، نظر إليهم السيِّد وهو يئن في داخله من أجل قسوة قلوبهم، فعِوض الاهتمام بشفاء أخيهم من يُبوسة يده والتمتَّع بالحياة العاملة اهتموا بالنقد، متربِّصين للسيِّد ليشتكوا عليه. فإنَّه حتى بعد تمتَّع الرجل بالشفاء عوض مشاركته فرحته "امتلأوا حمقًا، وصاروا يتكلَّمون فيما بينهم ماذا يفعلون بيسوع" [11]. وكما يقول القدِّيس كيرلس الكبير: [ألم تكن المعجزة كافية لغرس روح الإيمان؟ ينظرون المسيح يعمل بسلطانٍ إلهيٍ، فيشفي المريض بقوّة فائقة، ومع ذلك يقابلون رحمته بغلظة وقسوة بسبب الحسد والنميمة؟!]
3. دعوة التلاميذ
إن كان السيِّد المسيح قد جاء صديقًا للبشريّة، لا تقوم صداقته على العاطفة المجرَّدة، إنما خلال الحب العامل، فإنَّنا رأيناه يدخل بنا إلى الحقول ليقدِّم لنا ذاته السنبلة الجديدة المبذولة على الصليب، نتناولها سِرْ شبع لنا في سبت الراحة الحقيقية. كما نراه يدخل بنا إلى مقدَّساته "المجمع" بكونه رب السبت، يشفي يميننا اليابسة، محولاً حياتنا من الحرف الناموسي الجامد إلى الحياة الإنجيليّة العاملة به وفيه. والآن نراه باسمنا ولحسابنا يخرج إلى الجبل ليصلي، ويقضي الليل كله في حديث ودّي مع الآب. كصديق لنا يعلن عن "الصلاة" طريقًا للصداقة وانفتاحًا على رب السماء!
في مقدِّمة هذا السفر قلنا أنه سفر "الصداقة الإلهيّة" التي تقوم خلال الصلاة، لذلك يظهر السيِّد نفسه كمعلم لنا عن الصلاة، لا بالوصايا الخاصة بممارسة الصلاة الدائمة واللجاجة فيها، وإنما أيضًا بظهوره في أكثر من موضع مصلِّيًا. وقد رأينا الفارق بين صلاة ذاك الذي بلا خطيّة وصلواتنا نحن الخطاة، إذ هو يصلِّي ويشفع بدمه لغفران خطايانا (راجع تفسير لو 5: 16).
يعلّق القدِّيس كيرلس الكبير على قول الإنجيلي: "خرج إلى الجبل ليصلِّي" [12]، قائلاً: [كل ما عمله المسيح لبنياننا ولفائدة المؤمنين باسمه. فلم يقم المسيح بشيء ما، إلا ليقدِّم نموذجًا ساميًا للحياة الروحيّة حتى نعبده عبادة حقيقيّة. والآن فلندرس المثال الحيّ الذي قدَّمه المسيح لنا عند التماس أمر من الإله العلي. يجب أن نصلِّي في الخفاء، فلا يرانا أحد. "فمتى صلَّيت فادخل إلى مخدعك" (مت 6: 6). ليس الغرض من الصلاة طلب المجد والظهور، بل يجب عندما نقف "رافعين أيادي طاهرة" (1 تى 2: 6) أن نصعد إلى السماء إلى مسكن الله متَّخذين مكانًا هادئًا لنكون في معزل عن ضوضاء العالم وهمومه ومتاعبه، ولنعمل كل هذا بنشاطٍ وسرورٍ، لا بقلقٍ وتعبٍ. لنقم بذلك بشوقٍ وغيرةٍ وصبرٍ جديرٍ بالثناء والإعجاب لأنكم تقرأون أن المسيح لم يصلِ فحسب بل مضى الليل كله في الصلاة... مع أنه مولود من الله الآب وتواضع إلى حدِ إخلاء نفسه من أمور عدة، حتى يكون أخًا وشبيهًا بنا في كل شيء ما عدا الخطيّة. شاركنا المسيح في الطبيعة البشريّة ولطَف بنا، فهو لا يزدرى بنا وبطبيعتنا، بل أخذ شبهنا لنقتفي خطواته وننسج على منواله.]
ويعلّق القدِّيس أمبروسيوس قائلاً: [لا يتسلَّق الجبال كل مُصلٍِّ إذ توجد صلاة تحسب خطيّة (مز 108: 7). من تعلَّم الصلاة يسمو فوق الغنى الأرضي إلى السماوي، ويظل متسلِّقًا حتى يبلغ قمَّة الخلوَة العُليا، أما الذي يهتم بغنَى العالم فلا يتسلَّق الجبال إنما يشتهي ما لقريبه (من السُفليَّات). من يتطلَّع إلى رفقة الله يطلب الله فيصعد، هكذا النفوس القويّة تتسلَّق الجبال. لم ينصح النبي أي شخص أن يتسلَّق الجبال إنما يقول: "علي جبلٍ عالٍِ اصعدي يا مُبشِّرة صهيُّون، ارفعي صوتك بقوّة يا مُبشِّرة أورشليم" (إش 40: 9). تسلُّق الجبال لا يكون بالأقدام إنما بسِموّ الأعمال، فإنَّك إذ تتبَّع المسيح تصير أنت نفسك أحد الجبال التي تحيط بك (مز 124: 2).]
ويكمل القدِّيس أمبروسيوس حديثه، فيقول: [الرب يصلِّي لا ليطلب لنفسه، وإنما لأجلنا... فهو شفيعنا... لا تظن أن المسيح يطلب عن ضعف ليأخذ أمرًا يعجز عن تحقيقه، فهو مؤسِّس كل سلطة... إنما يشكِّلنا بقدوتِه في الفضيلة. أيضًا لنا شفيع واحد عند الآب (1 يو 2: 1)، يشفع في خطايانا، ومن ثم فهو لا يطلب عن ضعف وإنما عن حب... لقد قضي الليل كلُّه في الصلاة، مقدِّما لك مثالاً ورسمًا كقدوة نمتثل بها.]
إذ قضى السيِّد المسيح الليل كله في الصلاة، دعا تلاميذه واختار اثنى عشر في النهار، ويلاحظ في هذا الاختيار:
أولاً: يقول القدِّيس أغسطينوس: [اختار التلاميذ من أصل وضيع وبلا كرامات، أُميِّون، حتى إذ يصيروا عظماء ويمارسون أعمالاً عظيمة يكون ذلك بحلوله فيهم وعمله داخلهم.] وكما يقول الرسول بولس: "اختار الله جُهال العالم ليخزي الحكماء، واختار الله ضعفاء العالم ليخزي الأقوياء، واختار الله أدنياء العالم والمُزدرَى وغير الموجود ليُبطل الموجود، لكي لا يفتخر كل ذي جسد أمامه" (1 كو 1: 27-29). لم يختارهم فقط من بين الطبقات الفقيرة، وإنما أيضًا من بين الخطاة ليترفَّقوا بإخوتهم الخطاة.
ثانيًا: شعر التلاميذ بفضل السيِّد عليهم، وكما قال لهم: "لستم أنتم اخترتموني، بل أنا اخترتكم وأقمتكم، لتذهبوا وتأتوا بثمر ويدوم ثمركم، لكي يُعطيكم الآب كل ما طلبتم باسمي" (يو 15: 16). ليس لهم فضل في الاختيار، إنما الفضل لله الذي اِختارهم. فهو ملتزم بهم، يسندهم ويثمر بروحه فيهم حتى يتمِّموا رسالته، لكن دون سلبيَّة من جانبهم، إنما يجب عليهم التجاوب مع عمل نعمته، والعمل به ومعه لحسابه. هذا ما يؤكِّده الرسول بولس الذي يدرك أنه قد أُفرِز للعمل وهو في الأحشاء في بطن أُمّه (غل 1: 15)، يلتزم بالعمل الإلهي، إذ يقول: "فإذ نحن عاملون معه نطلب أن لا تقبلوا نعمة الله باطلاً" (2 كو 6: 1).
يعلّق القدِّيس كيرلس الكبير على اختيار التلاميذ بقوله: [أخذوا من المسيح قوّة، فأَدهشوا العالم بأعمالهم، ولكن يجب أن نلاحظ تواضع الإنجيلي ووداعته، فلم يقل: "إن الرسل القدِّيسين اُنتخِبوا"، ولكن مضى في ذكر أسمائهم ببساطة ما بعدها من بساطة حتى لا يعمل أحد على الانخراط في جماعة الرسل المنتخبين. وقد قال بولس في هذا الصدد: "ولا يأخذ أحد هذه الوظيفة بنفسه بل المدعو من الله" (عب 5: 4). ومع أن الرسل المقدَّسين أفرزهم الله بالاسم لهذه الرسالة السامية إلا أن بعض الناس من وقت لآخر تحرِّكهم نزعة الجنون والجرأة فيزِجُّون أنفسهم وسط الرسل وينتحلون اسمًا لم يُعطوه، وقد أشار الرسل المقدَّسون إلى مثل هؤلاء المغتصِبين بالقول: "لأن مثل هؤلاء هم رسل كذبة، فعلة ماكرون مغيرون شكْلهم إلى شبه رسل المسيح، ولا عجب لأن الشيطان نفسه يُغيِّر شكله إلى شبه ملاك نور، فليس عظيمًا إن كان خدَّامه أيضًا يُغيِّرون شكلهم كخُدَّام للبرْ" (2 كو 11: 13-14).]
ثالثًا: في ذكر أسماء الاثنى عشر تلميذًا ذكرهم اثنين اثنين، ليؤكِّد حياة الشركة بينهم، فسِرْ القوّة في التلاميذ هو تجلِّي السيِّد المسيح "الحب الحقيقي" في حياتهم معلنًا في حياتهم الخاصة الداخليّة، كما في حياة الشركة الحيّة. لقد سبق فكرَّرنا كثيرًا أن رقم "2" يشير إلى الحب، الذي يجعل الاثنين واحدًا، وكأنها إرساليّة حب توحِّد القلوب في الرب، وتضم كل النفوس معًا خلال المصالحة مع الآب في ابنه بروحه القدُّوس.
رابعًا: فيما يلي معنى أسماء التلاميذ:
أ. "سمعان" معناها: "السميع" أو "المُطيع"، وقد دعاه السيِّد المسيح "بطرس" وتعني "صخرة"، بكونه أول من أعلن الإيمان بالسيِّد المسيح ابن الله.
ب. "أندراوس" معناها: "الجاد" أو "القوي" أو "البسالة".
ج. "يعقوب" معناها: "المتعقِّب" أو "المُجاهد".
د. "يوحنا" معناها: "الله يتحنَّن" أو "الله ينعِم".
ه. "فيلبس" معناها: "محب الفرس" أو "فم المصباح".
و. "برثلماوس" معناها: "ابن الحارث".
ز. "متَّى" يعني "هبة" أو "عطيّة".
ح. "توما" يعني "التوأم".
ط. "يهوذا" يعني "يحمد" أو "يعترف".
وقد سبق لنا عرض بعض مقتطفات من أقوال الآباء في هذا الشأن عند دراستنا لإنجيل معلِّمنا مرقس البشير (3: 15).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:28 pm

4. تعاليمه
إن كان السيِّد المسيح في صداقته لنا دخل بنا إلى الزروع ليُشبعنا به، وإلي مقدَّساته (المجمع) ليشفي يميننا للعمل الروحي، وأقام التلاميذ لينادوا بالمصالحة السماويّة، الآن يتقدَّم إلينا كصديق معلِّم يحدّثنا عن ناموسه السماوي الذي نحيا به:
أ. حديث شخصي للمتألِّمين
كصديقٍ معلِّمٍ ينزل إلينا وسط آلامنا ليحدِّثنا حديثًا عمليًا واقعيًا وهو حالْ في وسطنا يسندنا وسط أتعابنا، إذ يقول الإنجيلي:
"ونزل معهم ووقف في موضع سهل،
هو وجمع من تلاميذه وجمهور كثير من الشعب،
من جميع اليهوديّة وأورشليم وساحل صور وصيدا،
الذين جاءوا ليسمعوه ويُشفوا من أمراضهم.
والمعذَّبون من أرواح نجسة وكانوا يبرأون.
وكل الجمع طلبوا أن يلمسوه،
لأن قوّة كانت تخرج منه، وتَشفي الجميع" [17-19].
إن كان السيِّد في صلاته طوال الليل اعتزل على الجبل، إذ لا يستطيع أحد أن يُدرك سِرْ الوحدة الفريدة بين الآب والابن، لكنه نزل إلى السهل ليلتقي مع التلاميذ والشعب اليهودي وأيضًا الأممي. هؤلاء الذين جاءوا يسمعونه ويلمسونه لينالوا قوّة تخرج منه! بهذا كان السيِّد يُتلمِذ خدَّامه، أنه وإن لاق بهم أن يرتفعوا على الجبال العالية ليدخلوا مع الله في شركة سرَّيَّة روحيَّة عميقة، لكنهم هم خدام الشعب، والعاملون لحساب البشريَّة لإراحتهم!
إن كان ربّتا يسوع قد جاء صديقًا معلِّمًا، إنما جاء يهب قوّة لمن يلمسه، واهبًا عطايا فائقة للنفوس المعذَّبة التي بقيت في السهل غير قادرة أن ترتفع إلى الجبل لتلقي معه. يقول القدِّيس أمبروسيوس: [تأمَّلوا بدقَّة في كل كلمة... كيف ينزل إلى الجمع، وأين يمكن للجمع أن تراه إلا في السهل. إذ لا يتبعه الجمع إلى المرتفعات ولا يصعدوا إلى قمم الجبال، فينزل هو إلى الضعفاء مادام الضعفاء لا يصعدون إلى المرتفعات... ينال المرضى الشفاء في السهل لينموا في القوّة شيئًا فشيئًا، ويستطيعوا تسلُّق الجبال. ينزل الرب ليشفي جراحاتنا لكي يجعلنا نشاركه طبيعته باتِّحاده بنا.]
الآن إذ قدَّم قوّة للذين يلمسونه حتى يرفعهم من السهل إلى قمم جبال الفضيلة، بدأ يحدِّثهم حديثًا شخصيًا عن "بَركة الآلام"، إذ يقول الإنجيلي:
"ورفع عينيه إلى تلاميذه، وقال:
طوباكم أيها المساكين، لأن لكم ملكوت الله" [20].
إذ أراد أن يلتقي بالشعب لشفائهم نزل إلى السهل، لكنه حين يتحدَّث يرفع عينيه ليرفع بصيرتهم معه نحو السماء. أنه يطوِّب المساكين لا لأنه ينزع عنهم الحرمان الزمني أو الألم، وإنما ليرفعهم وسط الآلام إلى ملكوته الإلهي. جاء صديقنا متألِّما يعيش وسط المتألِّمين، ليحملهم وسط الآلام إلى شركة أمجاده!
يقدِّم تطويبًا شخصيًا لسامعيه بقوله: "طوباكم أيها..."، واصفًا إيَّاهم أنهم مساكين وجياع وباكون ومبغَضون من الناس ومضطهَدون منهم ظلمًا... ليعود فيقدِّم الويلات لحاملي السِمات المناقضة: للأغنياء، الشباعى، الضاحكين الآن، الممدوحين من كل جميع الناس. وقد سبق لنا الحديث عن هذه التطويبات في دراستنا لإنجيل معلمنا متَّى (5: 2-12). ويلاحظ في هذه التطويبات الآتي:
أولاً: بدأ بالتطويبات لا بالويلات؛ في التطويب يوجِّه الحديث لسامعيه أما الويلات فيوجِّهها بصيغة الغائب؛ وهكذا يقدِّم لنا السيِّد المسيح الصديق الحقيقي المعلِّم صورة حيَّة للتعليم، مركزها تشجيع السامعين وبث الرجاء فيهم، فهو يفترض في سامعيه طاعته والتمتَّع ببركاته الإلهيَّة، وعندما يحذِّر يفترض أنهم لا يرتكبون الخطأ. إنه إيجابي في تعاليمه.
لقد حمل معلمنا بولس الرسول روح سيِّده ففي رسائله ينعت من يكتب إليهم أنهم قدِّيسون ومختارون ومدعوُّون للملكوت الخ. وبعد التشجيع الكثير يوبِّخ في حزمٍ دون أن يجرح مشاعرهم!
ثانيًا: يعلِّق القدِّيس كيرلس الكبير على القول الإلهي: "طوباكم أيها المساكين بالروح، لأن لكم ملكوت السماوات" [20]، قائلاً:
[هذه هي كلمات المخلِّص يوم أن فتح للتلاميذ كنوز العهد الجديد، وقادهم في طريق الإنجيل وهم على أهبَّة المناداة بالرسالة المقدَّسة، ونريد أن نعرف من هم المساكين الذين أشار إليهم المسيح في الآية السابقة، فوعدهم بملكوت السماوات؟ إن متَّى يقول في هذا الصدد "طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السماوات" (مت 5: 3)، ومعنى ذلك أن المسكين بالروح هو كل من اتَّضع ولم يشمخ بأنفه، فكان قلبه وديعًا وذهنه بعيدًا عن الكبرياء والزهْو متحرِّرًا من رذيلة العُجب.
رجل بمثل هذا الخلق جدير بالمدح والثناء، فهو صديق الإله جلَّت قدرته، فقد وصفه النبي بالقول: "إلي هذا أنظر، إلى المسكين والمنسحق الروح والمرتعد من كلامي" (إش 66: 2)، ويقول داود النبي: "القلب المنكسر والمنسحق يا الله لا تحتقره" (مز 51: 17)، ويقول المسيح نفسه "تعلَّموا منِّي، لأني وديع ومتواضع القلب" (مت 11: 29).
في الدرس الذي أمامنا نرى الآية تَعِد المسكين بكل بَركة سماويّة بدون أن تضيف كلمة "بالروح" وصفًا للمسكين، ولكن يجب أن نعلم أن الإنجيليِّين لا يناقضون الواحد الآخر، فإنِّهم يجزِّئون الرواية فيما بينهم، فأحيانًا يذكر جميعهم نص القصَّة بحذافيرها وأحيانًا يذكر أحدهم ما تركه الآخر حتى لا يفوت المؤمنين بيسوع المسيح شيء أفاد التلاميذ وجدَّدهم.
تجِدون إذن من الآية السابقة أن المسيح أراد "بالمسكين بالروح" الجدير بالبركات والنعيم، ذاك الذي لم يهتم بالغنى واحتقر الجشع والطمع، وازدرى العطايا الممقوتة، ورغب عن محبَّة المال المرذولة، وارتفع بنفسه فلم يعبأ بمظاهر الحياة وغرور المال.
حقًا يهدينا بولس الحكيم إلى طريق المبادئ القويمة بقوله: "لتكن سيرتكم خالية من محبة المال" (عب 13: 5). ويضيف إلى ذلك قوله: "فإن كان لنا قوت وكِسوة فلنكتفِ بهما" (1 تي 6: 8)، ولأن من رغب في فداء المسيح وخلاصه يمتهن الأموال الزائلة، ويمنطِق حقويْه بالأعمال السامية الباقية. ولا نقصد بامتهان المال التعريض بالأغنياء الذين فاضت موارد رزقهم بالثروة بل أن كلامنا ينسب إلى أولئك الذين مالوا بكليَّتهم إلى المال، ورغبوا فيه كل الرغبة، ومن هم هؤلاء الناس؟ أشار إليهم المخلِّص بالقول: "لا تكنزوا لكم كنوزًا على الأرض" (مت 6: 19).]
يقول القدِّيس أمبروسيوس: [بدأ كل من البشيريين تطويباته بهذه العبارة، فهي الأولي حسب الترتيب والأم التي تلد كل الفضائل، فباحتقار ممتلكات هذه الحياة تستحق الممتلكات الأبديّة، أما إن كنت أسيرًا لشهوات العالم فمن المستحيل أن تطفو فوقها.] كما يقول: [ليس كل المساكين مطوَّبين، فالفقر عمل سلبي، إذ يوجد فقراء صالحون وآخرون أشرار... طوبى لمن كان مسكينًا في الخطيّة ومسكينًا في الرذائل، ليس لرئيس هذا العالم موضع فيه (يو 14: 3). طوبى للمسكين الذي يُمتثل بسيِّده الذي افتقر لأجلنا وهو غني (2 كو 8: 9).]
ويقول القدِّيس يوحنا التبايسي: [إن لم يقصد الإنسان أولاً التجرُّد لا يستطيع أن يدنو من الحزن والنوح، لأن حياتنا لا تستطيع أن تدوم في صحَّة الروح، مادمنا مالكين في أنفسنا شيئًا معوَّقًا، إذ أن الإنسان لا يستطيع أن يقتني حب الله إذا كان حب الاقتناء يتحرَّك فيه، لأنه مكتوب: من أراد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني (مر 8: 34). لا يستطيع الإنسان أن يحمل الصليب دون أن يجحد العالم، بل ينبغي له أن يبتعد عن كل الأشياء، إذ أن العزاء الخارجي يعطِّله عن الشيء الذي يقتنيه، فلا يمكن أن يثبت الحق في إنسانٍ إلا إذا قطع أولاً من ضميره أصل محبَّة المال، ولا يستطيع أن يسكن حب المسيح في الضمير إن لم يتجرَّد أولاً من حب المال... لا تندم ولا تحزن أيها الإنسان عندما تكون فقيرًا ومحتاجًا من أجل الله، لأن رجاء عزائك هو في الملكوت، ولا تصغر روحك إذا تضايقت بالجوع والعري، ولا تضجر بل اِفرح واِبتهج بالرجاء الموضوع لك.]
ويحدّثنا القدِّيس يوحنا الذهبي الفم عن المسكنة (أو الفقر) بأنه التواضع بكونه رأس كل فضيلة، قائلاً: [إنه المذبح الذهبي، وهو موضع الذبيحة الروحي، لأن الروح المنسحق ذبيحة لله (مز 51: 17). التواضع هو والد الحكمة، إن كان للإنسان هذه الفضيلة فتكون له بقيّة الفضائل.]
ثالثًا: "طوباكم أيها الجياع الآن لأنكم تُشبعون" [21].
v ورد في متَّى النص الآتي: "طوبى للجياع والعطاش إلى البِر، لأنهم يُشبعون" (مت 5: 6). أما في لوقا فيكتفي بالقول: "طوباكم أيها الجياع لأنكم تُشبعون". ومن الثابت أن الجياع والعطاش إلى البِرْ يقومون بعملٍ جليلٍ شريفٍ، لأنهم يسعون بِجِدٍ وراء التقوى والصلاح، كما يسعون في طلب الطعام والشراب.
ويُراد أيضًا بهذه الآية تطويب من يرغب في عيشة الفقر والدعة في غير ما إكراه أو امتعاض، فإنَّ هذا التطويب يعمل على نمو ذهنهم ومضاء عزيمتهم، فيسيرون على نهج الحياة الرسوليّة الرشيدة غير مبالين للكسب الباطل، فلا يعنون بالذهب والفضة ولا تهمُّهم الثياب الفاخرة والملابس الثمينة، وليس عندهم إلا الطعام القليل الذي يكاد لا يسد رمقًا أو يشفي غِلِّة.
مثل هؤلاء الناس الذين استعاضوا عن الحياة الدنيا بالحياة الآخرة، يأنسون بوعد السيِّد المسيح لهم، فلا يأس بعد ذلك ولا قنوط، إذ يصرح يسوع جهارًا بأنهم يُشبعون بما يُفتح لهم من كنوز البركات الروحيّة والعقليّة.
القدِّيس كيرلس الكبير
v عندما يُصاب المرء بمرض خطير لا يشعر بالجوع، فالألم يَبتلع الجوع. لكن ما هو هذا الجوع الذي للبِر؟ وما هي الخيرات التي يجوع إليها البار؟ أليست تلك الخيرات التي قيل عنها: "كنتُ فتى وقد شخت الآن، ولم أر صدِّيقًا تُخُلِّيَ عنه، ولا ذُرِّيَّة له تلتمس خبزًا" (مز 36: 22). من يشعر بالجوع يود أن تنمو قوَّته وتتقوَّى الفضيلة.
القدِّيس أمبروسيوس
رابعًا: "طوباكم أيها الباكون الآن لأنكم ستضحكون" [21].
إذ يدعونا السيِّد المسيح للبكاء وسكب الدموع، انشغلت الكنيسة منذ بدء انطلاقها بممارسة حياة التوبة الصادقة في دموعٍ لا تنقطع. ولكن بحكمة وتمييز، دون فقدان الفرح الداخلي خلال الرجاء والسلام الفائق للعقل. لهذا لا نعجب إن رأينا القدِّيس إكليمنضس السكندري وهو يحثُّنا على الدموع قائلاً: [إنه لأمر صالح أن تبكي وتحزن من أجل العدل، بهذا تحمل شهادة لأعجب شريعة]، يؤكِّد التزامنا بعدم المبالغة في الدموع كما في الضحك. بنفس الفكر يحدِّثنا القدِّيس كيرلس الكبير عن تطويب السيِّد المسيح للباكين بالتمتُّع بحياة الفرح، لكن ليس لكل الباكين، إذ يوجد غير مؤمنين يبكون بسبب الهَمْ والغَم.
لنبكِ ولنسكب الدموع هنا، لكن بحكمة وفي رجاء من أجل خلاصنا وخلاص اخواتنا، وليكن بكاؤنا أمام الرب نفسه حتى يملأنا بتعزيات روحه القدُّوس:
v يليق بكم أن تبكوا على العالم، لكن تفرحوا في الرب؛ تحزنوا للتوبة وتبتهجوا بالنعمة، لذلك يأمر معلِّم الأمم موصيًا بكمال أن نبكي مع الباكين ونفرح مع الفرحين.
v من يقتنى فرحًا عظيمًا إلا ذاك الذي يبكي كثيرًا، وكأنه نعمة المجد العتيد بثمن دموعه؟!
القدِّيس أمبروسيوس
v "للبكاء وقت وللضحك وقت". وقت البكاء هو زمان الألم، كقول الرب: "الحق الحق أقول لكم أنكم ستبكون وتنوحون" (يو 16: 20)، أما الضحك فيخص القيامة، إذ يقول: "ولكن حزنكم يتحوّل إلى فرح" (يو 16: 20).
الأب ديُّونسيوس السكندري
v الزمان الحالي هو وادي الدموع. هذا العالم هو موضع الحزن لا الفرح... العالم العتيد هو عالم الفرح، أما الآن فساحة الصراع والاحتمال.
v في العام الحاضر لا يوجد الفرح الأبدي، إنما يكون فرحنا سريع الزوال.
v من لا يبكي في العالم الحاضر سيسكب الدموع في الحياة العتيدة.
القدِّيس جيروم
v الصلاة الممتدَّة والدموع الغزيرة تجتذبان الله للرحمة.
v البكاء وحده يقود للضحك المطوَّب.
v أراد يسوع أن يُظهر في نفسه كل التطويبات، إذ قال: "طوبى للباكين"، وقد بكى هو نفسه لكي يضع أساس هذا التطويب حسنًا.
العلامة أوريجينوس
v [في تأبينه للقدِّيس غريغوريوس أسقف نيصص.]
إذ أبدأ فأذكر فيض دموعه أبتدئ أنا نفسي أبكي، إذ يستحيل علي عبور محيط دموعه بعينين جافتين. لم يوجد نهار أو ليل، ولا نصيب من نهار أو ليل، ولا حتى لحظة مهما قصرت لم تَظهر فيها عيناه الساهرتان سابحتان في الدموع. أحيانًا كان يبكي من أجل البؤس العام والغباوة التي يسقط فيها الكل، وأحيانًا من أجل رذائل خاصة كما قال. كنتَ تجده يبكي وينوح، ليس فقط عندما كان يتحدَّث عن التوبة والأخلاقيَّات وتدبير الحياة، وإنما حتى في صلاة التسبيح والحمد.
v النفس ميِّتة خلال الخطيّة. إنها تتطلَّب حزنًا وبكاء ودموعًا وتنهدًا مرًا على الشر الذي دفعها إلى الهلاك.
ولول، ابك، احزن، رد النفس إلى الله!
أنظر كيف تتألّم الأم التي تفقد ابنها بالموت، فيُلقى في القبر، فإنَّها تبكي لرحيل محبوبها. بالحري يلزم أن يكون الحزن أشد بالنسبة للإنسان الذي تفصله الخطيّة عن الله، فيفقد صورة صلاحه المحبوبة... يحزن الله بسبب فقدان الإنسان للصورة، فإنَّ النفس عنده أعزْ من كل بقيّة خليقته. بالخطيّة تموت النفس، وأنت ألاَ تُفكر في هذا يا خاطي! بالحري يلزمك أن تحزن من أجل هذا الإله الذي يحزن عليك! نفسك ميَّتة بالرذيلة، اِذرف الدموع وأقمها. لتُفرِّح الله بقيامة نفسك.
القدِّيس مار أفرام السرياني
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:28 pm

نود أيضًا أن نوضَّح أننا إذ نبكي في هذا العالم على خطايانا، فإنَّ هذا البكاء لا يعني فقدان الرجاء، وإنما كما يقول القدِّيس يوحنا الذهبي الفم إننا إذ نتوب بصدق تغفر لنا خطايانا بسبب حب الله لنا. نذكر هذه الخطايا على الدوام حتى لا نسقط فيها. لقد غفرت تمامًا، لكننا نقول مع المرتل: "خطيَّتي أمامي في كل حين"... جاء عن الأب بفنوتيوس تلميذ القدِّيس مقاريوس أنه كثيرًا ما كان يردّد هذا القول عن الشيخ: [عندما كنت صغيرًا، اعتدت أن آكل مع الأطفال الآخرين، وقد اعتادوا أن يذهبوا ويسرقوا قليلاً من التين. وإذ كانوا يجرون سقطت تينة منهم، فأمسكتها وأكلتها. كلما أذكر هذا أجلس وأبكي.]
لا يكون هذا البكاء على خطايانا وحدنا، وإنما على خطايا الآخرين أيضًا. لقد أجاب القدِّيس باسيليوس الكبير على السؤال: إن كان يجوز للإنسان أن يضحك؟ بأنه لا يقدر أن يفهم كيف يمكن لمسيحي صالح أن يضحك [خاصة عندما يرى كثيرين يهينون الله بكسْرهم الناموس واقترابهم للموت بالخطيّة، إذ يليق بنا أن نحزن ونبكي على هؤلاء.] كما يقول في عظته عن الشهيدة يوليطة: [عندما ترى أخاك ينوح في توبة عن خطاياه اِبك معه. هكذا خلال أخطاء الغير تربح نفسك من الخطأ. من يسكب الدموع الساخنة على أخطاء قريبه يبرأ هو بحزنه على أخيه. هذا هو حال القائل: "الكآبة امتلكتني من أجل الخطاة الذين حادوا عن ناموسك" (مز 118: 53).] ويقول القدِّيس يوحنا الذهبي الفم: [لنبكِ عليهم ليس يومًا أو يومين بل كل حياتنا.]
يقدِّم لنا القدِّيس يوحنا التبايسى تداريب عمليّة تسند المؤمن لممارسة البكاء والتمتَّع بالدموع منها: تذكُّر آلام المخلِّص، المحاسبة للنفس، تذكر الدينونة، توقُّع الموت، وطلب الدموع من الله. فمن كلماته: [كان آباؤنا السعداء الطوباويُّون تأتيهم الدموع بسهولة في وقت التضرُّع، لأنهم كانوا على الدوام يتألِّمون ويتفرَّسون في آلام سيِّدنا]، [حاسب نفسك كم ليلة سهرت لأجل الدموع، أو كم من الأعمال قدَّمت إلى الله ليجود عليك بحزن الدموع]، [كثرة حزن الدموع هي موهبة من الله تُعطى باجتهاد طلبات السائل.]
خامسًا: "طوباكم إذا أبغضكم الناس" [22].
كصديق حقيقي لنا دخل إلى حياتنا وشاركنا آلامنا، فلا نرى تعليمه كلمات فلسفيّة برَّاقة، وإنما خبرة حياة يقدِّمها لنا وسط ضيقاتنا. لقد حلّ بيننا كمسكينٍ وظهر كجائعٍ وعطشانٍ وبكى حتى يطوِّب المساكين والجياع والباكين، والآن قبل أن يكون مرذولاً من الناس ليجد المرذولين والمبغَضين من الناس لهم موضعًا فيه.
إن كانت المسكنة بالروح أو التواضع هو رأس كل فضيلة وبداية كل تطويب حق، فإنَّ احتمال بغض الناس وتعييراتهم ومضايقاتهم بقلب متسع بالحب من أجل الملكوت هو نهايّة التطويب، إذ فيه يبلغ المؤمن الرجولة الروحيّة أو النضوج الحق. بمعنى آخر، ما تبغيه كلمة الله منا في احتمالنا الآخرين بفرح هو التمتَّع بسمات السيِّد المسيح المتألّم من أجل أعدائه، فنحسب بحق أعضاء جسده الناضجين. لهذا لخص القدِّيس جيروم التطويبات في العهدين القديم والجديد في عبارة واحدة: [طوبى للإنسان - ليس كل إنسان - بل ذاك الذي يبلغ كمال الرجولة في المسيح.]
v "طوبى لكم إذا أبغضكم الناس" [22].
بين السيِّد للرسل ما ينتظرهم من ضنك واضطهاد وهم يعلِّمون الناس، ووصف الإنجيلي عن طريق النبوَّة الويلات المروِّعة التي تصيب الرسل وهم يُعلنون رسالة الفادي، وينصحون اليهود أن ينبذوا عبادة الفرائض والناموس للتسربل بِحلَّة الحياة المُثلى، ويُنيرون للوثنيِّين طريق الحق والصدق حتى يقلعوا عن عيشة الفجور والرذيلة.
لكن لا يقبل عدوْ الفضيلة نُصحًا ولا إرشادًا، فهو يثير على الناصح والهادئ حربًا شعواء، حتى يكون الرسل على بيَّنة من أمرهم وهم يكرزون بكلمة الإنجيل، فلا يقلقل أحدهم ولا يقنط، أظهر لهم المسيح نصيبهم الروحي وحلاَّهم بلباس الغِبطة السمائيّة في حالة اضطهاد الناس لهم، وبغض الأشرار لنصحهم وإرشادهم. وأوصاهم بأن كل ما يعمله الخطاة الآثمة معهم من تشريد وتجريد ونفيْ وامتهان ومقْت واضطهاد، كل ذلك لا يؤْبه له ولا يُعنى به، فبتحمُّلهم هذه الويلات والضيقات يَسعدون روحيًا ويَنعمون قلبيًا.
وزاد السيِّد وعلَّم تلاميذه بأن اضطهادهم في المستقبل ليس بالشيء الجديد؛ طالما اُضطهد الأنبياء والرسل من قبل. فكثيرا ما قُتل الأنبياء ونُشروا، وضرب بعضهم بحد السيف وأُهْلِكوا، فلا غرابة إن نسج الرسل على منوال سلفهم الصالح، وصبروا على عيشة المذلَّة والمهانة في سبيل نُصرة الحق والعدل، ففي ذلك نصر لهم وظفر إذ يُتوَّجون بإكليل السماء ويشتركون في مجد القدِّيسين المُنير.
القدِّيس كيرلس الكبير
v من أراد أن يتشبَّه بالله فليكن وديعًا هادئًا بقدر ما يمكن للإنسان، وليتحمَّل بسِعة صدر ما يزعجه من الآخرين... إن تعرضَّتَ لإهانة ثقيلة لا تُطاق، وأَخذ الغيْظ والحمق يغليان في أحشاك، فأذكُر وداعة المسيح لتحصل مع عدوَّك على فائدة عظيمة، وبوداعتك تجعله صالحًا.
القدِّيس يوحنا الذهبي الفم
v صلَّوا ألا يوهب لي إحسان أعظم من أن أُقدَّم لله، مادام المذبح لا يزال معدًا، ففي اجتماعكم معًا بمحبَّة غنَّوا لله أغنية شكر للآب بالمسيح يسوع...
أطلب إليكم ألاّ تُظهروا لي عطفًا في غير أوانه، بل اسمحوا لي أن أكون طعامًا للوحوش الضارية، التي بواسطتها يوهب لي البلوغ إلى الله. اتركوني أُطحن بأنياب الوحوش لتصير قبرًا لي، ولا تترك شيئًا من جسدي، حتى إذا ما مُتْ لا أتعِب أحدًا. فعندما لا يعُدْ العالم يرى جسدي أكون بالحقيقة تلميذًا للمسيح.
توسَّلوا إلى المسيح من أجلي حتى أُعَدّْ بهذه الطريقة لأكون ذبيحة لله.
القدِّيس أغناطيوس الثيوفورس
سادسًا: بعد أن قدَّم التطويبات الأربعة ذكر اللعنات الأربعة التي تخص الأغنياء والشباعى والضاحكين والذين يمدحهم جميع الناس، فماذا يعني بهذه الفئات؟
بلا شك يقصد بالأغنياء المتَّكلين على أموالهم، والذين أعمت الثروة عيونهم عن معاينة الله وإخوتهم. والشباعى هم الذين اِمتلأوا، فيشعرون أنهم ليسوا في عوز إلى الله، فلا يطلبون عمله فيهم. ويقصد بالضاحكين الذين يلهيهم العالم بإغراءاته عن طريق التوبة، أما الذين يمدحهم جميع الناس فيعني بهم الذين يسعون وراء المجد الباطل لا المجد الخفي الداخلي.
فمن جهة الأغنياء يقول القدِّيس أمبروسيوس: [إن كان كثرة المال يحوي نداءات كثيرة نحو الشرّ، فهو أيضًا يمكن أن يحوي دعوة نحو الفضيلة. حقًا أن الفضيلة لا تحتاج إلى مال كثير، فإنَّ القليل الذي يقدِّمه الفقير أفضل من الهبات الكثيرة التي يقدِّمها الغني، لكن الرب لا يدين من له أموال إنما يدين من يسيء استخدامها.] ويرى القدِّيس أمبروسيوس أيضًا أن الأغنياء الذين سقطوا تحت اللعنة هم اليهود والفلاسفة، فقد اغتنى اليهود بالرموز والنبوَّات والمواعيد، لكنهم في غناهم رفضوا بساطة الإيمان، وأيضًا اغتنى الفلاسفة بالفلسفات البشريّة فرفضوا الإيمان.
لقد سجَّل لنا القدِّيس إكليمنضس السكندري في كتابه: "من هو الغني الذي يخلص؟" المفهوم المسيحي للغنى، موضَّحًا كيف أن المال يُمثِّل وزنة يجب إضرامها لحساب ملكوت الله. بنفس الفكر أكدّ القدِّيس يوحنا الذهبي الفم في كثير من مقالاته أن الغنى في ذاته ليس صالحًا ولا شرِّيرًا، ولكن الإنسان يمكن أن يستخدمه في البِر أو في الشرّ. ويؤكِّد القدِّيس كيرلس الكبير أنه من بين الأغنياء من يشفق على الفقير ويرحم لعازر المسكين فينال إكليل السماء، إذ يتمِّم الوصيّة الإلهيّة: "اصنعوا لكم أصدقاء بمال الظُلم حتى إذا فنيتم يقبلونكم في المظال الأبديّة" (لو 16: 9).
أما الشباعى، فيُقصد بهم أمثال ذاك الذي قيل له: "لأنك تقول إني أنا غنيّ وقد استغنيت، ولا حاجة لي إلى شيء، ولستَ تعلم أنك الشقي والبائس وفقير وأعمى وعريان، أُشير عليك أن تشتري منِّي ذهبًا مُصفَّي بالنار لكي تستغنَي، وثيابًا بيضًا لكي تلبس، فلا يظهر خزي عريك، وكَحِّل عينيك بكُحْلٍ لكي تُبصر" (رؤ 3: 17-18). وكأن هؤلاء الشباعى قد ظنُّوا أنهم أغنياء، متَّكلين على ذواتهم وإمكانيَّاتهم الخاصة، لا على كلمة الله التي كالذهب المصفَّي تهب غنى حقيقيًا، ولا على السيِّد المسيح نفسه الذي يليق بنا أن نُلبسه، فيستُر ضعفنا وخِزينا ببرِّه المجَّاني، ولا على الروح القدس الذي يفتح البصيرة الداخليّة ككُحْل للعينين.
الضاحكون هم السالكون في الحياة باستهتار، لا يُبالون بخلاص نفوسهم وميراثهم الأبدي، يقضون أيَّامهم كمن يلهون بالضحك، عوض الجِدِّيّة في ممارسة التوبة.
أخيرًا الذين يطلبون مديح الناس، هؤلاء يَستعبدون أنفسهم للناس لا لله، يطلبون إرضاء الغير على حساب الحق، ويفرحون بكلمة المديح الزمني عِوض المجد الأبدي.
ب. دعوة حب فائق
إذ أراد أن يرفعنا كصديقٍ لنا لننعم بالتطويبات ونحذر اللعنات، فإنَّه يدخل بنا إلى سِمته "الحب الفائق"، فتكون المحبَّة فيض داخلي متفجِّر في أعماقنا، نُحب حتى الأعداء، نحب بالعمل لا بالكلام، لذلك جاءت وصاياه هكذا:
"لكني أقول لكم أيها السامعون:
أحبُّوا أعداءكم، أحسنوا إلى مبغضيكم.
باركوا لاعنيكم،
وصلُّوا لأجل الذين يسيئون إليكم" [27-28].
يطالبنا بفيض حب ينبع في الداخل دون انتظار مقابل، إذ يقول: "أحبُّوا أعداءكم"، فنرد العداوة بالحب. هذا الحب يترجم إلى عمل محبَّة ورحمة: "اَحسنوا إلى مبغضيكم"، ويقوم خلال الحياة المقدَّسة والمباركة التي تبارك الآخرين ولا تلعن أحدًا: "باركوا لاعينكم"، ويمتزج بالعبادة فنشتهي خلاص المسيئين إلينا وشركتهم معنا في المجد بالصلاة عنهم لتوبتهم. بمعنى آخر، جاءت وصيّة الحب مرتبطة بكل كياننا في الرب، عميقة في النفس، مترجمة إلى سلوك وعمل، ممتزجة بالحياة المقدَّسة، ومُرتبطة بعبادتنا!
v "أحبُّوا أعداءكم" [27]. يقول بولس الحكيم وهو صادق فيما يكتب: "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة" (2 كو 5: 17)، لأن كل الأمور تجدَّدت في المسيح وبالمسيح. انظروا كيف تجدَّد نظام حياة أولئك الرسل الذين عُهد إليهم نشر كلمة الخلاص للعالم أجمع. انظروا كيف يأمرهم السيِّد بمقابلة سيِّئات أعدائهم لهم وكانت مؤامرات مضطهديهم محبوكة الأطراف ودسائسهم لا تعرف رحمة ولا شفقة.
طُلب إلى الرسل ألا ينتقموا لشرّ أحبَّائهم حتى لا يُعطِّلوا نشر الكلمة. نصحهم أن يضبطوا أذهانهم بالصبر والهدوء، فلا يخرجوا عن حلمهم وأناتِهم، محتمِّلين بسرور كل ضررٍ يلحق بهم وكل أذى يصيبهم، متَّخذين يسوع المسيح مَثَلهم الأعلى في الصبر والصفح، فقد هزأ به اليهود كبار وصغار، وبالرغم من سخريَّتهم صلَّى إلى الله الآب قائلاً: "اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون" (23: 34). وقد جثا إسطفانوس المغبوط أمام الله والحجارة تتساقط حوله طالبًا إلى المولي القدير أن يغفر آثام راجميه، وصرخ بصوت عظيم: "يا رب لا تُقم لهم هذه الخطيّة" (أع 7: 60). ويقول الحكيم بولس في هذا الصدد "نُشتَم فنبارِك، نُضطهد فنحتمل" (ا كو 4: 12).
كان تحذير المسيح إذن ضروريًا للرسل المقدَّسين ومفيدًا لنا نحن المؤمنين، حتى نعيش باستقامة ونزاهة، فإنَّ في هذا التحذير معنى فلسفيًا عميقًا، ففينا من الميول النفسانيّة الثائرة ما يجعل الطريق وعرًا للسير لتحذير المسيح لنا، إلا أن المسيح سبق وأفهمنا ضرورة محاربة ميولنا الفاسدة، وفصل بين العاملين برغبة والعاصين كلمته، إذ قال: "لكني أقول لكم أيها السامعون" (6: 27). ويضيف بطرس الرسول ثبات المسيح وعظيم صبره وطول أناته بالقول: "الذي إذ شُتم لم يكن يَشتم عوضًا، وإذ تألّم لم يكن يهدِّد، بل كان يُسلم لمن يقضي بالعدل" (1 بط 2: 23).
ولكن قد يعترض أحدكم قائلاً: "كان المسيح إلهًا أما أنا فإنَّسان ضعيف، ولي ذهن غير سليم ولي من الميول النفسيّة ما يقف في سبيل إخماد روح الطمع والتغلُّب، أيها الإنسان اعلم أن الله لم يجرِّدك من روح رأفته ومحبَّته، فهو بجوارِك لا بل في داخلك، هو فيك بالروح القدس، لأننا نحن مسكنه وهو يسكن في نفوس محبِّيه ومريديه، هو الذي يعضِّدك بيمينه، فلا تتزعزع ويمسك بك فلا تسقط. إذن "لا يغلبنَّك الشرّ، بل اغلب الشرَ بالخير" (رو 12: 21).
القدِّيس كيرلس الكبير
v لقد منعنا أن نحب الرذيلة التي فيه (في العدو)، وأن نرتبط بمحبَّة طبيعيّة معه.
القدِّيس أغسطينوس
v إن أمكنك لا تجعل لك عدوًا. وإن وُجد من يبغضك لا تحزن بهذا، لأنك لست وحدك من أبغضوه بل سيِّدك قبلك قد أبغضوه...
يمكنك أن تنتفع من عدوَّك كمثل من صاحبك، جاعلاً من عدوَّك كمن هو نافع لك، لأنه بسببه يتفاضل حبَّك عند الله، وبتألّمك عليه يُكثر نفعك، لأن وصيّة سيِّدنا تكمل بذلك فيه. فإنَّ كان عدوَّك قد آذاك ولم تقدر أن تنتفع منه، فاعرف ضعفك، وأبحث من أي شيء لم تقدر أن تنتفع، لأنه بماذا يُعرف صِدقك مع سيِّدك إذا لم يكن لك شيء يخالف راحتك، فتبقى كإنسان بلا جهاد.
القدِّيس يوحنا التبايسي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:29 pm

v أذكر الحمل الوديع وكم صبر، فبالرغم من أنه لم يكن له خطيّة، لكنه احتمل الشتم والضرب وسائر الأوجاع حتى الموت.
القدِّيس برصنوفيوس
v توجد وسيلة لرد الشرّ بالشرّ ليس فقط خلال الأعمال، وإنما أيضًا بالكلمات وبالاتِّجاه (النيّة الداخليّة)... فإنَّه في بعض الأوقات يسبب الإنسان اضطرابًا لأخيه خلال اتِّجاهه (الداخلي)، أو حركاته، أو نظراته، عن عمد ليرُدّ الشرّ بالشرّ.
الأب دوروثيؤس
"من ضربكَ على خدَّك، فأعرض له الآخر أيضًا،
ومن أخذ رداءك فلا تمنعه ثوبك أيضًا،
وكل من سألك فأعطه،
ومن أخذ الذي لك فلا تطالبه" [29-30].
سبق لنا دراسة هذه الوصايا في تفسير الإنجيل بحسب متّى (5: 39-42).
تعلِن هذه الوصايا عن ترجمة طاقات الحب عمليًا، فإن أُصيب الإنسان في كرامته الزمنيّة (الضرب على الخد)، أو في ممتلكاته الخاصة كالرداء، يكون لديه الاستعداد لاحتمال أكثر فأكثر من أجل كسب أخيه الذي يعاديه. هذا من جانب، ومن جانب آخر، فإنَّه إذ يحمل سِمة سيِّده يكون محبًا للعطاء أكثر من الأخذ، من يسأله يعطيه، ومن يقترض منه لا يطالبه برد الدين. كأن غاية هذه الوصايا أمران: كسب الغير وممارسة العطاء، هذا ما أكَّده الآباء في تعليقاتهم:
v يليق بالإنسان البار التقي أن يكون مستعدًا لاحتمال الضرر بصبر من الذين يريدهم أن يصيروا صالحين، حتى يتزايد عدد الصالحين عوض أن يُضاف هو نفسه إلى عدد الأشرار، بكونه يثأر لنفسه عمَّا يصيبه من ضرر.
القدِّيس أغسطينوس
v يليق بنا ألا نصارع الآخرين، ولا أن نشتهي الامتثال بالأشرار، إذ يحُثُّنا أن نقود الناس بالصبر واللطف من العار ومحبَّة الشر.
القدِّيس يوستين
v كل من سألك فأعطه، فإنَّك ستعرف من هو المجازي الصالح عن المكافأة.
الأب برناباس
v بالحق بهجة الله هي في العطاء!

القدِّيس إكليمنضس الإسكندريعلي أي الأحوال فإنَّ جوهر هذه الوصايا هو الحب الذي به، ليس فقط يتجاهل الخد المضروب، بل في اتِّساع قلبه مستعد أن يقدِّم الآخر ليكسب أخاه لحساب الملكوت الأبدي، ولا يتنازل عن الرداء فحسب، وإنما أيضًا بإرادته يترك ثوبه، محب للعطاء ولا يطالب بردّ الدين حتى لا يسقط أخوه في حرجٍ! وكما يقول القدِّيس أغسطينوس: [إن ربّنا يمنع أتباعه من الالتجاء إلى القانون في الأمور الزمنيّة ضد الغير.]"وكما تريدون أن يفعل الناس بكم، افعلوا أنتم أيضًا بهم هكذا" [31].
هذه هي المحبَّة العمليّة التي بها ينطلق الإنسان من "الأنا"، فيحب أخاه كنفسه، يشتهي له ما يشتهيه لنفسه، ويقدِّم لهما يترجّى هو من الآخرين أن يُقدِّموه له.
يعلّق القدِّيس كيرلس الكبير على هذه العبارة، قائلاً: [كان من المرجَّح أن يظن الرسل المقدََّسون أنه ليس في مقدورهم إخراج هذه الوصايا من حيز الفكر إلى حيز العمل. وقد علم المسيح أفكارهم فاعتمد على غريزة محبَّة النفس حكمًا بين الناس بعضهم ببعض، فأمر كل واحد أن يعمل للآخرين ما يريد منهم أن يعملوه له. فإذا كنا نحب الآخرين أن يعاملونا بالرحمة والشفقة، كان لزامًا علينا إذن أن نعاملهم بالمثل. وقد سبق وتنبَّأ إرميا عن قيام ساعة لا يحتاج فيها المؤمنون إلى أوامر مكتوبة، لأن هذه التعاليم منقوشة على القلوب. إذ ورد: "أجعل شريعتي في داخلهم وأكتبها على قلوبهم" (إر 31: 33).]

إنه يطالبنا خلال الحب الناضج لا أن نرد معاملة إخوتنا بالمثل. وإنما أن نقدَّم لهم ما نشتهيه لأنفسنا، بغض النظر عمَّا يفعلونه معنا. إننا نحب من أجل الله، أي الحب ذاته، بكون الحب قد صار طبيعتنا. فنقدِّم الحب بلا مقابل من جهة الغير، إذ يقول: "وإن أحببتم الذين يحبُّونكم، فأي فضل لكم؟!
فإن الخطاة أيضًا يحبُّون الذين يحبُّونهم.
وإذا أحسنتم إلى الذين يحسنون إليكم، فأي فضل لكم؟!
فإن الخطاة أيضًا يفعلون هكذا.
وإن أقرضتم الذين ترجون أن تستردُّوا منهم، فأي فضل لكم؟!
فإن الخطاة أيضًا يُقرضون الخطاة لكي يستردُّوا منهم المثل" [32-34].
كأنه يقول لهم: لا تستصعبوا وصاياي، فإنَّني أقدِّم لكم ما يليق بكم كأبناء للملكوت، فأطالبكم بحياة فاضلة فائقة للطبع البشري، لأني عامل معكم وفيكم. لهذا يكمل حديثه: "فيكون أجركم عظيمًا وتكونوا بنيّ العليّ" [35]. فالعالم حين يُحب يطلب الأجرة على الأقل مماثلة، أمَّا أنتم فأجرتكم العظيمة هي بنوَّتكم لله العليّ، التي تُلزمكم الإقتداء بأبيكم السماوي. بنفس الفكر يقول السيِّد المسيح: "فكونوا رحماء كما أن أباكم أيضًا رحيم" [36].
v ليس شيء يجعلنا مساوين لله سِوى فعل الصلاح (الرحمة).
v المسيح هو المعلِّم وأيضًا أبوه.
v لنأتِ بأنفسنا وأولادنا وكل من لنا إلى مدرسة الرحمة، وليتعلَّمها الإنسان فوق كل شيء، فالرحمة هي الإنسان... لنحسب أنفسنا كمن هم ليسوا أحياء إن كنا لا نظهر الرحمة بعد!
v هذا هو عمل الله... لقد خلق الله السماوات والأرض والبحر. عظيمة هي هذه الأعمال ولائقة بحكمته! لكن ليس شيء من هذه لها سلطان تجتذب الطبيعة البشريّة إليه، مثل رحمته وحبُّه للبشر!
v المحبَّة (الرحمة) كما لو كانت أسمى أنواع الصناعة، وحامية لمن يمارسها. إنها عزيزة عند الله، تقف دائمًا بجواره تسأله من أجل الذين يريدونها، إن مارسناها بطريقة غير خاطئة!...
إنها تشفع حتى في الذين يبغضون، عظيم هو سلطانها حتى بالنسبة للذين يُخطئون!
إنها تحل القيود، وتبدِّد الظلمة وتُطفئ النار، وتقتل الدود، وتنزع صرير الأسنان.
تنفتح أمامها أبواب السماوات بضمانٍ عظيمٍ، وكملكة تدخل ولا يجسر أحد الحُجَّاب عند الأبواب أن يسألها من هي، بل الكل يستقبلها في الحال.

هكذا أيضًا حال الرحمة، فإنَّها بالحق هي ملكة حقيقيّة، تجعل البشر كالله. أنها مجنحة وخفيفة لها أجنحة ذهبيّة تطير بها تبهج الملائكة جدًا.القدِّيس يوحنا الذهبي الفم
إن كانت الرحمة تدفعنا للتشبُّه بالله الرحيم نفسه؛ فإنَّنا إذ نطلب رحمة يلزمنا أن نرحم اِخوتنا ولا ندينهم: "ولا تدينوا فلا تدانوا، لا تقضوا على أحد، فلا يُقضى عليكم" [37].
اهتم الآباء - خاصة آباء البريّة - بالتدقيق في عدم الإدانة، فحسبوا أنه ليس شيء يغضب الله مثلها، إذ تنزع نعمته عمَّن يرتكبها ويرفع رحمته عنه حتى إذا ما ترفَّق بأخيه ينال هو النعمة الإلهيّة ومراحم الله. يرى الأب بومين والأب موسى أن من يدين أخاه ينشغل بخطايا الغير لا بخطاياه، فيكون كمن يبكي على ميِّت الآخرين ويترك ميِّته. يقول الأب دوروثيؤس: [إننا نفقد القوَّة على إصلاح أنفسنا متطلِّعين على الدوام نحو أخينا]، [ليس شيء يُغضب الله أو يعرِّي الإنسان أو يدفعه لهلاكه مثل اغتيابه أخيه أو إدانته أو احتقاره... أنه لأمر خطير أن تحكم على إنسان من أجل خطيّة واحدة ارتكبها، لذلك يقول المسيح: "يا مرائي أخرج أولاً الخشبة من عينك، وحينئذ تُبصر جيِّدًا أن تُخرج القذَى الذي في عين أخيك" [42]. أنظر فإنَّه يشبِّه خطيَّة الأخ بالقذَى أما حُكمك المتهوِّر فيحسبه خشبَة. تقريبًا أصعب خطيَّة يمكن معالجتها هي إدانة أخينا!... لماذا بالحري لا ندين أنفسنا ونحكم على شرِّنا الذي نعرفه تمامًا وبدقة والذي نعطي عنه حسابًا أمام الله! لماذا نغتصب حق الله في الإدانة؟! الله وحده يدين، له أن يبرِّر وله أن يدين. هو يعرف حال كل واحد منَّا وإمكانيَّاتنا وانحرافاتنا ومواهبنا وأحوالنا واستعداداتنا. فله وحده أن يدين حسب معرفته الفريدة. أنه يدين أعمال الأسقف بطريقة، وأعمال الرئيس بطريقة أخرى. يحكم على أب دير، أو تلميذ له بطريقة مغايرة، الشخص القديم (له خبراته ومعرفته) غير طالب الرهبنة، المريض غير ذي الصحَّة السليمة. ومن يقدر أن يفهم كل هذه الأحكام سوى خالق كل شيء ومكوِّن الكل والعارف بكل الأمور؟] يكمل الأب دوروثيوس حديثه عن عدم الإدانة بعرض قصَّة يتذكَّرها عن سفينة كانت تحمل عبيدًا، إذ تقدَّمت عذراء قدِّيسة إلى صاحب السفينة واِشترت فتاة صغيرة حملتها معها إلى حجرتها لتدرِّبها على الحياة التقويّة كابنة صغيرة لها، ولم يمضِ إلا قليلاً حتى جاءت فرقة للرقص، اشترت أخت هذه الفتاة الصغيرة لتدرِّبها على أعمال اللهْو والمُجون والحياة الفاسدة... هنا يقف الأب دوروثيؤس مندهشًا، أن الفتاتين قد اُغْتصِبتا من والديهما، إحداهما تتمتَّع بمخافة الله تحت قيادة قدِّيسة محبَّة وأخرى بغير إرادتها اُغْتُصبت لممارسة الحياة الفاسدة. لهذا يتساءل: أليس لله وحده أن يدين الفتاتين بطريقة يصعب علينا إدراكها؟! فنحن نتسرَّع في الحكم، أما الله فعالم بالأسرار طويل الأناة، وحده قادر أن يبرِّر أو يدين.
يعلّق القدِّيس كيرلس الكبير على كلمات السيِّد عن عدم الإدانة، قائلاً:
[بينما يطلب منَّا التعمق في فحص أنفسنا حتى ينطبق سلوكنا على أوامر الله وتعاليمه نجد البعض يشغلون أنفسهم بالتدخُّل في شئون الآخرين وأعمالهم، فإذا وقفوا على خطأ في أخلاق الغير عمدوا إلى نهش أعراضهم بألسنة حدَّاد، ولم يدروا أنهم بذم الآخرين يذمون أنفسهم، لأن بهم مساوئ ليست دون مساوئ الغير في المذلَّة والمهانة. لذلك يقول الحكيم بولس: "لذلك أنت بلا عذر أيها الإنسان كل من يدين، لأنك فيما تدين غيرك تحكم على نفسك، لأنك أنت الذي تدين تفعل تلك الأمور بعينها" (رو 2: 1). فمن الواجب علينا والحالة هذه أن نشفق على الضعيف، ذاك الذي وقع أسيرًا لشهواته الباطلة وضاقت به السُبل، فلا يمكنه التخلُّص من حبائل الشرّ والخطيّة. فلنصلِ عن مثل هؤلاء البائسين القانطين، ولنَمِدْ لهم يدْ العون والمساعدة، ولنَسعَ في ألاَّ نسقط كما سقطوا. فإنَّ "الذي يذم أخاه، ويدين أخاه، يذم الناموس ويدين الناموس" (يع 4: 11). وما ذلك إلا لأن واضع الناموس والقاضي بالناموس هو واحد، ولما كان المفروض أن قاضي النفس الشريرة يكون أرفع من هذه النفس بكثير، ولما كنا لا نستطيع أن ننتحل لأنفسنا صفة القضاة بسبب خطايانا وجب علينا أن نتنحَّى عن القيام بهذه الوظيفة، لأنه كيف ونحن خطاة نحكم على الآخرين وندينهم؟! إذن يجب ألا يدين أحد أخاه، فإن حدَّثتْك نفسك بمحاكمة الآخرين، فأعلم أن الناموس لم يُقِمك قاضيًا ومُحاكمًا، ولذلك فانتحالك هذه الوظيفة يوقِعك تحت طائلة الناموس، لأنك تنتهك حُرمته.

فكل من طاب ذهنه لا يتصيَّد معاصي الغير، ولا يشغل ذهنه بزلاَّتهم وعثراتهم، بل عليه فقط أن يتعمَّق في الوقوف على نقائصه وعيوبه. هذا كان حال المرنِّم المغبوط وهو يصف نفسه بالقول الحكيم: "إن كنت تُراقب الآثام يارب يا سيِّد، فمن يقف" (مز 130: 3)، وفي موضع آخر يكشف المرنِّم عن ضعف الإنسان ويتلمَّس له الصفح والمغفرة إذ ورد قوله: "أذكر أننا تراب نحن" (مز 103: 14).]"لماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك،
وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها" [41].
يكمل القدِّيس كيرلس الكبير حديثه: [سبق أن بيَّن السيِّد الخطر الذي ينجم عن نهش الآخرين بألسنة حداد فقال: "لا تدينوا لكي لا تدانوا". والآن أتى السيِّد على أمثلة كثيرة وبراهين دافعة تحضّنا على تجنُّب إدانة الآخرين والحكم عليهم بما نشاء ونهوى، والأجدر بنا أن نفحص قلوبنا ونجرِّدها من النزعات التي تضطرم بين ضلوعنا سائلين الله أن يطهِّرنا من آثامنا وزلاَّتنا. فإنَّ السيِّد ينبهنا إلى حقيقة مُرَّة مألوفة، فيخاطبنا بالقول: كيف يمكنك نقد الآخرين والكشف عن سيئاتهم وشرورهم وفحص أسقامهم وأمراضهم وأنت شرِّير أثيم ومريض سقيم؟! وكيف يمكنك رؤيّة القذَى الذي في عين الغير وبعينك خشبَة تحجب عينك فلا ترى شيئًا؟! أنك لجريء إذا قمت بذلك، فالأولي بك أن تنزع عنك مخازيك وتطفئ جذوة عيوبك، فيمكنك الحكم بعد ذلك على الآخرين، وهم كما سترى مذنبين فيما هو دون جرائمك.
أتريد أن تنجلي بصوتك فتقف على مبلغٍ ما في اغتياب الآخرين من مقت وشرْ؟ كان السيِّد يجول يعمل خلال الحقول النضرة، فاقتطف تلاميذه المبارَكون سنابل القمح وفركوها بأيديهم، ثم أكلوا ثمارها طعامًا شهيًا لذيذًا، وسرعان ما وقع نظر الفريسيِّين على التلاميذ إلا واقتربوا من السيِّد وخاطبوه بالقول: أنظر كيف أن تلاميذك يعملون في السبت ما ليس بمحلَّل مشروع. نطق الفرِّيسيُّون بهذا القول وهم الذين عبثوا بحُرْمَة القدس وتعدُّوا على وصاياه وأوامره على حد نبوَّة إشعياء عنهم: "كيف صارت القرية الآمنة زانية؟! ملآنة حقًا كان العدل يبيت فيها، وأما الآن فالقاتلون، صارت فضتك زغْلاً، وخمرك مغشوشة بماء، رؤساؤك متمرِّدون ولُغفاء اللصوص، كل واحد منهم يحب الرشوة ويتبع العطايا، لا يقضون لليتيم ودعوى الأرملة لا تصل إليهم" (إش 1: 21-22).
رغمًا عن هذه المُنكرات المُخزيات التي ارتكبها هؤلاء الناس تمادوا في خِزيهم ومكرهم ودسُّوا لتلاميذ السيِّد المباركين، واتَّهموهم بالتعدِّي على يوم السبت المقدَّس. إلا أن المسيح ردَّ خِزيهم إذ أجابهم بالقول: "ويلٌ لكم أيها الكتبة والفرِّيسيُّون المراءون، لأنكم تعشِّرون النعنع والشبت والكمُّون، وتركتم أثقل الناموس الحق والرحمة والإيمان، أيها القادة العميان الذين يُصفُّون عن البعوضة ويبلعون الجمل" (مت 23: 23-24).
كان الفرِّيسي كما ترى مرائيًا غادرًا يحاسب الناس على التعدِّيات الواهية، بينما يسمح لنفسه بارتكاب أشد المخازي نكرانًا، وأعظم الشرور فُجورًا، فلا غرابة أن دعاهم المخلِّص: "قبورًا مبيضَّة تَظهر من خارج جميلة، وهي من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة" (مت 23: 27). هذا هو شأن المرائي وهو يدين الآخرين ويرميهم بأشنع المساوئ والعيوب وهو عن نفسه أعمى، إذ لا ينظر شيئًا، لأن الخشبة في عينيه تحجب الضوء عنه.
إذن يجب أن نعني بفحص أنفسنا قبل الجلوس على منصَّة القضاء للحكم على غيرنا، خصوصًا إن كنَّا في وظيفة المُرشد والمعلِّم، لأنه إذا كان المُربِّي نقي الصفحة طاهر الذيل، تزيِّنه نعمة الوقار والرزانة، وليس على معرفة بالفضائل السامية فحسب بل يعمل بها ويسلك بموجبها، فإنَّ مثل هذا الإنسان يصح له أن يكون نموذجًا صالحًا يُحتذى به، وله عند ذلك حق الحكم على الآخرين إذا حادوا عن جادة الحق والاستقامة، أما إذا كان المُرشد مهمِلاً ومرذولاً فليس له أن يدين غيره، لأن به نفس النقص والضعف الذي يراه في الآخرين. كذلك ينصحنا الرسل المغبوطون بالقول: "لا تكونوا معلِّمين كثيرين يا إخوتي، عالمين أننا نأخذ دينونة أعظم" (يع 3: 1). ويقول المسيح وهو يكلِّل هامات الأبرار بالتيجان المقدَّسة، ويعاقب الخطاة بشتَّى التأديبات: "فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلَّم الناس هكذا، يُدعَى أصغر في ملكوت السماوات، وأما من عمِل وعلَّم فهذا يُدعَى عظيمًا في ملكوت السماوات" (مت 5: 19).]
يقول أيضًا الأب مار إسحق السرياني: [حينما تمتلئ النفس من ثمار الروح، تقوى تمامًا على الكآبة والضيق... وتفتح في قلبها باب الحب لسائر الناس... تطرد كل فكر يوَسْوس لها بأن هذا صالح وذاك شرِّير، هذا بار وذاك خاطئ. تُرتب حواسِها الداخليّة، وتصالحها مع القلب والضمير، لئلا يتحرَّك واحد منها بالغضب أو بالغيرة على واحد من أفراد الخليقة. أما النفس العاقرة الخالية من ثمار الروح، فهي لابسة الحقد على الدوام والغيظ والضيق والكآبة والضجر والاضطراب، وتدين على الدوام قريبها بجيِّد ورديء.]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:30 pm

وأيضًا من الكلمات المأثورة في عدم إدانة الآخرين:

v
إيَّاك أن تعيب أحدًا من الناس لئلاَّ يبغض الله صلاتك.القدِّيس أنبا أنطونيوس الكبير
v
الذي يدين، فقد هدم سوره بنقص معرفته.القدِّيس أنبا موسى الأسود
v
الإنسان الذي يطلق لسانه على الناس بكل جيِّد ورديء لن يؤهَّل للنعمة من الله.الأب مار إسحق السرياني
v
لا تدن أحدًا، ولا تقع بإنسان، والله يهب لك الهدوء والنِياح في القلاّية.الأنبا بيمن
v
قيل أخطأ أحد الاخوة فطُرد، فقام الأب بيصاريون، وخرج معه، وهو يقول: "وأنا أيضًا خاطئ".القدِّيس بالاديوس
v
إذا اِنشغلتَ عن خطاياك، سقطتَ في خطايا أخيك.الأنبا إشعياء
v
(في قصة المرأة الزانية): يسوع قد دان الخطيّة لا الإنسان.القدِّيس أغسطينوس
حدَّثنا السيِّد المسيح صديقنا السماوي عن الحب، مترجمًا عمليًا خلال العطاء، والستر على ضعفات الآخرين، بهذا يقدِّم لنا مفتاح الدخول إلى حضرة الله للتمتُّع بحبِّه، وكأن هذا يسلِّمنا مفتاح خزانته الإلهيّة، إذ يقول: "اغفروا يُغفر لكم، اعطوا تُعطوا" [37]. وقد دعا القدِّيس أغسطينوس هذين العمليْن: السَتْر على الآخرين، والعطاء جناحي الصلاة، يرفعانها إلى العرش الإلهي بلا عائق. فمن كلماته: [البِرْ الأول يمارس في القلب عندما تغفرون لأخيكم عن أخطائه، والآخر يُمارس في الخارج عندما تعطون الفقير خبزًا. قدِّموا البِرِّين معًا، فبدون أحد هذين الجناحين تبقى صلواتكم بلا حركة]، [إن أردتم أن يُستجاب لكم عندما تطلبون المغفرة: اغفروا يُغفر لكم، اِعطوا تُعطوا.]
أخيرًا أكَّد السيِّد المسيح أنه في تقديم وصاياه عن المحبَّة يطلب تغيير القلب في الداخل، يطلب في المؤمن أن يكون شجرة صالحة ليأتي بالثمر الصالح، إذ يقول:
"لأنه ما من شجرة جيِّدة تُثمر ثمرًا رديًا،
ولا شجرة رديَّة تثمر ثمرًا جيِّدًا.
لأن كل شجرة تُعرف من ثمرها،
فإنَّهم لا يجتنون من الشوكِ تينًا،
ولا يقطِفون من العُلِّيق عنبًا.
الإنسان الصالح من كِنز قلبه الصالح يُخرج الصلاح،
والإنسان الشرِّير من كنز قلبه الشرِّير.
فإنَّه من فضلة القلب يتكلَّم فمه" [43-45].
اعتمد أتباع فالنتينوس على هذه العبارات وما شابهها ليُعلنوا اختلاف طبائع النفوس، إذ في نظرهم توجد نفوس صالحة بطبيعتها لا يمكن أن تفسد، وتوجد نفوس شرِّيرة بطبيعتها لا يمكن إصلاحها، الأولي هي الشجرة الصالحة التي تُثمر صلاحًا، والأخرى هي الشجرة الرديئة التي تُنتج رديًا. وقد انبَرى كثير من الآباء يفنِّدون هذا الفكر مؤكِّدين حرِّيَّة إرادة الإنسان وإمكانيَّتِه في المسيح يسوع إصلاح حياته... فإن كان شجرة رديئة تبقى تعطي ثمرًا رديًا حتى تتحوّل إلى شجرة جيدة في الرب. هذا ما أكَّده القدِّيس أغسطينوس في عظاته المنتخبة على العهد الجديد.
في القرن الثاني الميلادي يقول العلامة ترتليان: [لا يمكن أن تكون هذه النصوص من الكتاب المقدَّس غير متَّفقة مع الحق، فإنَّ الشجرة الرديئة لن تقدِّم ثمارًا صالحة ما لم تُطعم فيها الطبيعة الصالحة، ولا الشجرة الصالحة تُنتج ثمارًا شريرة ما لم تفسد. فإنَّه حتى الحجارة يمكن أن تصير أولادًا لإبراهيم إن تهذَّبت بإيمان إبراهيم، وأولاد الأفاعي يمكنهم أن يقدِّموا ثمارًا للتوبة إن جحدوا طبيعتهم المخادعة. هذه هي قوَّة نعمة الله التي هي بالحق أكثر فاعليَّة من الطبيعة ذاتها.]

لو أن الطبيعة البشريّة مسيَّرة تلتزم بالخير أو الشرّ بغير إرادتها، وليس هناك من رجاء في التغيير لما كان السيِّد المسيح يحثُّنا: "اجعلوا الشجرة جيدة"، ولما كان الحديث في ذاته ذا نفع. فالرب يتحدَّث معنا لكي نقبل عمله فينا، فيكون تنفيذ وصاياه لا خلال السلوك الخارجي وحده، وإنما تغيير طبيعتنا القديمة، إذ يقول: "الإنسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج صلاحًا".ج. الحاجة إلى البناء على الصخر
يعود فيؤكِّد السيِّد المسيح غاية وصاياه أن تكون ثمرًا طبيعيًا للقلب الجديد الذي يتأسَّس عليه، إذ شبَّه حياتنا ببناء يليق أن يُقام على السيِّد المسيح "صخر الدهور" فلا تستطيع زوابع الأحداث أن تهدِمه.
إيماننا بالمسيح هو الصخرة الداخليّة، خلاله نتقبَّل السيِّد المسيح نفسه كسِرْ قوَّتنا، يعمل فينا بروحه القدِّوس ليرفعنا إلى حضن أبيه. أما من لا يتأسَّس على "الصخرة الحقيقيّة" فيهتز بناؤه يمينًا وشمالاً بتيَّارات عدوْ الخير المتقلِّبة، الذي لا يهدأ حتى يحطِّمه تمامًا.
1 و في السبت الثاني بعد الاول اجتاز بين الزروع و كان تلاميذه يقطفون السنابل و ياكلون و هم يفركونها بايديهم
2 فقال لهم قوم من الفريسيين لماذا تفعلون ما لا يحل فعله في السبوت
3 فاجاب يسوع و قال لهم اما قراتم و لا هذا الذي فعله داود حين جاع هو و الذين كانوا معه
4 كيف دخل بيت الله و اخذ خبز التقدمة و اكل و اعطى الذين معه ايضا الذي لا يحل اكله الا للكهنة فقط
5 و قال لهم ان ابن الانسان هو رب السبت ايضا
6 و في سبت اخر دخل المجمع و صار يعلم و كان هناك رجل يده اليمنى يابسة
7 و كان الكتبة و الفريسيون يراقبونه هل يشفي في السبت لكي يجدوا عليه شكاية
8 اما هو فعلم افكارهم و قال للرجل الذي يده يابسة قم و قف في الوسط فقام و وقف
9 ثم قال لهم يسوع اسالكم شيئا هل يحل في السبت فعل الخير او فعل الشر تخليص نفس او اهلاكها
10 ثم نظر حوله الى جميعهم و قال للرجل مد يدك ففعل هكذا فعادت يده صحيحة كالاخرى
11 فامتلاوا حمقا و صاروا يتكالمون فيما بينهم ماذا يفعلون بيسوع
12 و في تلك الايام خرج الى الجبل ليصلي و قضى الليل كله في الصلاة لله
13 و لما كان النهار دعا تلاميذه و اختار منهم اثني عشر الذين سماهم ايضا رسلا
14 سمعان الذي سماه ايضا بطرس و اندراوس اخاه يعقوب و يوحنا فيلبس و برثولماوس
15 متى و توما يعقوب بن حلفى و سمعان الذي يدعى الغيور
16 يهوذا اخا يعقوب و يهوذا الاسخريوطي الذي صار مسلما ايضا
17 و نزل معهم و وقف في موضع سهل هو و جمع من تلاميذه و جمهور كثير من الشعب من جميع اليهودية و اورشليم و ساحل صور و صيدا الذين جاءوا ليسمعوه و يشفوا من امراضهم
18 و المعذبون من ارواح نجسة و كانوا يبراون
19 و كل الجمع طلبوا ان يلمسوه لان قوة كانت تخرج منه و تشفي الجميع
20 و رفع عينيه الى تلاميذه و قال طوباكم ايها المساكين لان لكم ملكوت الله
21 طوباكم ايها الجياع الان لانكم تشبعون طوباكم ايها الباكون الان لانكم ستضحكون
22 طوباكم اذا ابغضكم الناس و اذا افرزوكم و عيروكم و اخرجوا اسمكم كشرير من اجل ابن الانسان
23 افرحوا في ذلك اليوم و تهللوا فهوذا اجركم عظيم في السماء لان اباءهم هكذا كانوا يفعلون بالانبياء
24 و لكن ويل لكم ايها الاغنياء لانكم قد نلتم عزاءكم
25 ويل لكم ايها الشباعى لانكم ستجوعون ويل لكم ايها الضاحكون الان لانكم ستحزنون و تبكون
26 ويل لكم اذا قال فيكم جميع الناس حسنا لانه هكذا كان اباؤهم يفعلون بالانبياء الكذبة
27 لكني اقول لكم ايها السامعون احبوا اعداءكم احسنوا الى مبغضيكم
28 باركوا لاعنيكم و صلوا لاجل الذين يسيئون اليكم
29 من ضربك على خدك فاعرض له الاخر ايضا و من اخذ رداءك فلا تمنعه ثوبك ايضا
30 و كل من سالك فاعطه و من اخذ الذي لك فلا تطالبه
31 و كما تريدون ان يفعل الناس بكم افعلوا انتم ايضا بهم هكذا
32 و ان احببتم الذين يحبونكم فاي فضل لكم فان الخطاة ايضا يحبون الذين يحبونهم
33 و اذا احسنتم الى الذين يحسنون اليكم فاي فضل لكم فان الخطاة ايضا يفعلون هكذا
34 و ان اقرضتم الذين ترجون ان تستردوا منهم فاي فضل لكم فان الخطاة ايضا يقرضون الخطاة لكي يستردوا منهم المثل
35 بل احبوا اعداءكم و احسنوا و اقرضوا و انتم لا ترجون شيئا فيكون اجركم عظيما و تكونوا بني العلي فانه منعم على غير الشاكرين و الاشرار
36 فكونوا رحماء كما ان اباكم ايضا رحيم
37 و لا تدينوا فلا تدانوا لا تقضوا على احد فلا يقضى عليكم اغفروا يغفر لكم
38 اعطوا تعطوا كيلا جيدا ملبدا مهزوزا فائضا يعطون في احضانكم لانه بنفس الكيل الذي به تكيلون يكال لكم
39 و ضرب لهم مثلا هل يقدر اعمى ان يقود اعمى اما يسقط الاثنان في حفرة
40 ليس التلميذ افضل من معلمه بل كل من صار كاملا يكون مثل معلمه
41 لماذا تنظر القذى الذي في عين اخيك و اما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها
42 او كيف تقدر ان تقول لاخيك يا اخي دعني اخرج القذى الذي في عينك و انت لا تنظر الخشبة التي في عينك يا مرائي اخرج اولا الخشبة من عينك و حينئذ تبصر جيدا ان تخرج القذى الذي في عين اخيك
43 لانه ما من شجرة جيدة تثمر ثمرا رديا و لا شجرة ردية تثمر ثمرا جيدا
44 لان كل شجرة تعرف من ثمرها فانهم لا يجتنون من الشوك تينا و لا يقطفون من العليق عنبا
45 الانسان الصالح من كنز قلبه الصالح يخرج الصلاح و الانسان الشرير من كنز قلبه الشرير يخرج الشر فانه من فضلة القلب يتكلم فمه
46 و لماذا تدعونني يا رب يا رب و انتم لا تفعلون ما اقوله
47 كل من ياتي الي و يسمع كلامي و يعمل به اريكم من يشبه
48 يشبه انسانا بنى بيتا و حفر و عمق و وضع الاساس على الصخر فلما حدث سيل صدم النهر ذلك البيت فلم يقدر ان يزعزعه لانه كان مؤسسا على الصخر
49 و اما الذي يسمع و لا يعمل فيشبه انسانا بنى بيته على الارض من دون اساس فصدمه النهر فسقط حالا و كان خراب ذلك البيت عظيما
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:31 pm

الأصحاح السابع
صديق الجميع

في الأصحاح السابق أبرز الإنجيلي شخص السيِّد المسيح كصديقٍ معلِّمٍ، يود أن يرفعنا معه إلى سماواته لنحيا بالناموس السماوي. ولئلاً يظن البعض أنه جاء لفئةٍ معينةٍ خاصةٍ كما فعل كثير من الغنوسيِّين الذين احتقروا البسطاء والعامة ليقيموا فئة أرستقراطيّة فكريًا حولهم، يكشف الإنجيلي عن هذا الصديق السماوي كيف يهتم أن يقتنص بحبُّه الغرباء (عبد قائد المائة)، ويهتم بالأرامل (إقامة ابن أرملة نايين)، ويترفَّق بالخطاة (قصَّة المرأة الخاطئة). يود تقديم صداقته لكل إنسانٍ بغض النظر عن جنسه أو إمكانيَّاته أو سلوكه الحالي، ليرفع الكل بروحه القدُّوس إلى العضويّة الحقيقية في جسده المقدَّس.1. شفاء عبد قائد المائة 4-10.
2. إقامة ابن أرملة نايين 11-17.
3. إرساليّة يوحنا للمسيح 18-23.
4. شهادته عن يوحنا 24-35.
5. قصة المرأة الخاطئة 36-50.
1. شفاء عبد قائد المائة
في دراستنا لإنجيل متَّى (ص 8) رأينا قائد المائة يبعث بإرساليّة للسيِّد تشفع فيه بكونه غريب الجنس لكي يشفي الرب غلامه، وهو في هذا يمثِّل جماعة الأمم التي كانت تعاني من العذاب خلال هذا العبد الأسير لعدو الخير، وقد أظهر الأمم إيمانًا أعظم ممَّا لليهود، مع أن السيِّد لم يظهر بالجسد في وسطهم كما ظهر وسط اليهود، إذ حلّ بينهم كواحدٍ منهم بتجسُّده من القدِّيسة مريم. وفي إيمانه مملوء تواضعًا اِستحق غريب الجنس أن يسمع مديحًا من فم السيِّد المسيح لم يسمعه أصحاب الناموس والنبوَّات والمواعيد الخ.
على أي الأحوال إن كان السيِّد المسيح أعلن صداقته بتجسُّده من القدِّيسة مريم اليهوديّة الجنس، فإنَّه يُعلن صداقته للأمم أيضًا بمدحه لقائد المائة غريب الجنس. إنه يفتح ذراعيه للعالم كله ليضُم الجميع بذات الحب!
ربَّما يتساءل البعض: لماذا ذكر الإنجيلي متَّى أن القائد التقى مع السيِّد في الطريق يعلن عدم استحقاقه أن يدخل السيِّد بيته، مظهرًا إيمانه بكلمة السيِّد القادرة بسلطان أن تشفي دون حاجة إلى دخول السيِّد بيته، بينما يذكر الإنجيلي لوقا أن جماعة من شيوخ اليهود انطلقوا يسألون السيِّد أن يشفي عبد قائد المائة، وأن إرساليّة أخرى قد جاءت من قبل القائد تتحدّث بلسانه لتُعلن عدم استحقاقه لدخول بيته مع إيمانه بسلطان كلمة السيِّد في إبراء العبد؟
يوضِّح القدِّيس الذهبي الفم أنه قد تمَّت اللقاءات الثلاثة، لقاء الجماعة من شيوخ اليهود وإرساليّة القائد نفسه، وأن الإنجيلي متَّى اِكتفي باللقاء الثالث، أما لوقا فاكتفى باللقاءين الأول والثاني. ويعلِّل ذلك بأن قائد المائة في إيمانه بالسيِّد المسيح أراد الانطلاق إليه يسأله شفاء عبده، لكن شيوخ اليهود بدافع الحسد لئلاَّ يُعلن قائد المائة إيمانه أمام الجماهير، ذهبوا هم إليه ليأتوا به إلى بيت القائد تحت مظهر عمل الرحمة، قائلين: "لأنه يحب أُمَّتنا، وهو بنَى لنا المجمع" [5]. لكن الرب العارف بأسرار القلوب اِنتظر حتى تأتي الإرساليّة، بل ويأتي القائد نفسه ليمجِّده بسبب إيمانه!

ويلاحظ في هذا اللقاء بين السيِّد والقائد أو من جاءوا عنه الآتي: أولاً: إن افترضنا حتى في هؤلاء الشيوخ من اليهود حسن النيّة، فإنَّ شفاعتهم عن القائد تكشف عن اهتمامهم بالذات "يحب أُمَّتنا"، وتركيزهم على الأمور المنظورة "بنى لنا المجمع"، أما السيِّد المسيح فمدحه من أجل ما حمله قلبه من إيمان خفي مملوء تواضعًا. ثانيًا: إن كان قائد المائة يشير إلى الأمم القادمين إلى السيِّد المسيح بالإيمان لشفاء العبد، أي نفوسهم التي اِستعبدها عدو الخير زمانًا، حتى كادت أن تموت أبديًا كما يقول القدِّيس أمبروسيوس، فإنَّ قبول هذا القائد أيضًا يشير إلى قبول كل الفئات إلى الإيمان. فقد اِتَّسم القوَّاد والجند الرومان بالعنف الشديد والاستبداد، حتى تساءل كثير من مسيحيِّي القرون الأولى إن كان يمكن أن يبقى القائد أو الجندي في موقعه بعد قبول الإيمان المسيحي، فقد تشكَّكوا إن كان لمثل هذا الإنسان أن يحيا كمسيحي في مركزه. فقبول السيِّد المسيح لطلبه هذا القائد، ومدْحه أمام الجمهور معلنًا أنه لم يجد في إسرائيل إيمانًا كهذا يكشف عن إمكانيّة الحياة في شركة مع الرب، أيًا كان عمل المؤمن أو مركزه. يقول العلامة ترتليان: [جاء جند إلى يوحنا وقبلوا منه تدبيرًا لنظامهم (لو 3: 12-13)، وآمن قائد المائة... فليس لبس ما (مثل الزي العسكري) غير شرعي بيننا مادام الإنسان لا يقوم بعملٍ غير شرعيٍ.]ثالثًا: يعلّق القدِّيس أمبروسيوس على اهتمام السيِّد المسيح بشفاء عبد قائد المائة وانطلاقه نحو البيت، ليهبه عطيّة الصِحَّة، قائلاً: [تأمَّل معي تواضع رب السماء الذي لم يستنكف من افتقاد عبد صغير لقائد المائة معبِّرًا عن أعمال رحمته الإلهيّة وعن مشاعر تحنُّنه. فكان انطلاقه نحو بيت قائد المائة ليس عن عجزِه عن شفاء العبد من بعيد، وإنما ليُعطيكم مثالاً في التواضع نمتثل به، ويعلِّمكم احترام المساكين كالعظماء.]رابعًا: أبرز القدِّيس أمبروسيوس دور قائد المائة نحو عبده، فقد آمن وجاهد خلال هذا الإيمان ببعث إرساليّة للسيِّد وذهابه بنفسه... [نال العبد الشفاء خلال إيمان القائد، الذي شفع في العبد لا بالإيمان فقط، وإنما خلال الجهاد أيضًا.] هكذا يخجلنا هذا الأممي بإيمانه بالرب مع جهاده من أجل عبده المريض! خامسًا: يقارن القدِّيس كيرلس الكبير بين إيمان شيوخ اليهود الذين جاءوا يشفعون في قائد المائة وإيمان قائد المائة نفسه، قائلاً: [ترون إذن شيوخ اليهود وهم يتوسَّلون إلى يسوع بأن يزور قائد المائة في منزله طبقًا لمشيئة، اعتقادًا منهم أنه لا يمكن شفاء المريض إلا بهذه الوسيلة. فبينما ترون من جهة أخرى رجلاً يجاهر على ملأ من الناس بأن المسيح يمكنه شفاء المريض من على بعد! فقط يقول كلمة فيبرأ الغلام، لم يطلب قائد المائة إلا أن ينطلق المسيح بكلمة. أن يعلن قبوله للرجاء، أن يفوه بالنطق السامي، أن يظهر رغبته ومشيئته، ولذلك كان هذا القائد جديرًا بتهنئة المسيح له بالقول المأثور: "لم أجد ولا في إسرائيل إيمانًا بمقدار هذا" فإنَّ في سلوك هذا الرجل دليلاً على سلامة إيمانه وقوّة عقيدته. وقد كافأه السيِّد وأجزل مكافأته وشفي عبده في اللحظة عينها وخلَّصه من قبضة الموت، وكان قد نشب أظافره فيه فكاد يخرج نفسه من بين أضلاعه.]
2. إقامة ابن أرملة نايين
إن كان السيِّد قد فتح قلبه للغرباء، فتقدَّم قائد المائة الروماني من أجل عبده الغلام ليحتل بإيمانه مركز الصدارة في عيني الرب، ويحسب صديقًا أقرب إلى الله من بني إسرائيل نفسه، فإنَّنا الآن نراه يترفَّق بأرملة فقدت وحيدها الشاب، وكأن السيِّد في صداقته اِلتقى بالأرامل والمساكين كما التقى بالغرباء. صداقته جامعة تضم كل البشر.
من جانب آخر، فإنَّ قائد المائة كما يقول كثير من الآباء كالقدِّيسين كيرلس الكبير وأغسطينوس وأمبروسيوس يشير إلى الكنيسة القادمة من بين الأمم، الذين نالوا الكثير من الزمنيَّات، لكنهم وقفوا في عجز أمام مرض الغلام العبد، غير قادرين على إبراء نفوسهم الداخليّة التي أسَرَها العدوْ كعبدٍ مسكينٍ، وحطَّمتها الخطيّة كمرضٍ يدفعها نحو الموت، أما الأرملة فتشير إلى البشريّة بوجه عام ترمَّلت وها هي تفقد وحيدها الشاب الذي صار في الطريق يحمله الرجال في نعش. إنها البشريّة التي صارت كأرملة بفقدها الله نفسه رجلها الحق، أما وحيدها الشاب الميِّت، فيُشير إلى كل نفس وقد أفقدتها الخطيّة حياتها فصارت ميَّتة، يحملها الجسد الذي أفسده الشرّ، وكأنه بالرجال حاملي النعش، وقد خرجت إلى الطريق إذ لم يعد للنفس موضع في بيت الرب، أو في الفردوس البيت الأول للإنسان.

ويلاحظ في إقامة هذا الشاب الآتي: أولاً: في أيام السيِّد المسيح، بلا شك مات كثيرون كأطفال بيت لحم، والقدِّيس يوحنا المعمدان الذي استشهد ومئات وربَّما آلاف من رجال ونساء وشيوخ وأطفال، ولا نعلم إن كان السيِّد قد أقام كثيرين أم اكتفى بإقامة هؤلاء الثلاثة الذين ذكرهم الإنجيليُّون: لعازر، والشاب ابن أرملة نايين، والصبيّة ابنة يايرس. فإنَّ السيِّد المسيح لم يأتِ لينزع عنَّا موت الجسد، إنما لكي يحطِّم موت النفس، ويرفعنا فوق سلطان الموت، فنجتازه معه غالبين ومنتصرين لنبلغ اللقاء معه وجهًا لوجه أبديًا.
لم يعدْنا السيِّد بطرد الموت عنَّا وإنما إذ مات معنا وعنَّا، حوَّل الموت إلى جسر للعبور بنا إلى الفردوس على انتظار يوم الرب العظيم، لذلك نسمع عن والدة القدِّيس غريغوريوس النزينزي أنها ارتدت ثياب العيد عندما حضرت دفن جثمان ابنها قيصريوس.

تهتم الكنيسة بقيامة النفس أولاً، فإنَّ الجسد سيقوم حتمًا، فإن كانت النفس متمتِّعة بالقيامة ينعم معها بالمجد الأبدي، لهذا يقول القدِّيس أغسطينوس: [أنه لعمل مُعجزي أعظم أن يقوم شخص ليحيا إلى الأبد عن أن يقوم ليموت ثانية.] كما يقول: [لقد فرحت الأم الأرملة عند إقامة الشاب، وها هم البشر يقومون كل يوم بالروح، والكنيسة كأم تفرح بهم. ذاك كان ميتًا حقًا بالجسد، أما هؤلاء فهم أموات بالروح. موته المنظور جلب بكاءً منظورًا، موتهم غير المنظور لم يكن موضع سؤال الآخرين ولا موضع إدراكهم، فبحث عنهم ذاك الذي يعرف أنهم أموات، هو وحده يعرفهم هكذا وقادر أن يهبهم حياة، فلو لم يأتِ الرب ليقيمهم لما قال الرسول: "استيقظ أيها النائم وقم من الأموات، فيضيء لك المسيح" (أف 5: 14)... لا يستطيع أحد أن يوقظ أخرًا من سريره بسهوله مثلما يقدر المسيح أن يوقظ من في داخل القبر.]ثانيًا: إن كانت الكنيسة تركِّز على قيامة النفس أولاً بطريقة غير منظورة، فإنَّها لا تتجاهل أيضًا قيامة الجسد، الأمر الذي أنكره بعض الهراطقة خلال احتقارهم للجسد، فقد أقام الرب هؤلاء الثلاثة ليُعلن أنه واهب القيامة للنفس والجسد معًا. يقول القدِّيس كيرلس الكبير: [أولئك الأموات الذين أحياهم المسيح أكبر شاهد على قيامة الأموات... وقد أشار الأنبياء المقدَّسون إلى هذه الحقيقة، إذ قيل: "تحيا أمواتك، تقوم الجثث، استيقظوا، ترنَّموا" (إش 26: 19). يراد بالاستيقاظ حياة المسيح التي يهبها بقوّة الروح القدس. وأشار أيضًا المرنِّم إلى ذلك بعبارات خاطب بها الله مخلِّص العالم: "تحجب وجهك فترتاع، تنزع أرواحها فتموت، وإلى ترابها تعود" (مز 104: 29). كانت معصية آدم سببًا في إقصاء وجوهنا عن رؤيّة الله والتصاقها بتراب الأرض، لأن الله حكم على الطبيعة البشريّة بالقول: "لأنكَ تراب وإلى تراب تعود" (تك 3: 19). ولكن عند نهاية العالم يتجدَّد سطح الأرض، لأن الله الآب يهب بابنه حياة لجميع ما في الكون. الموت جلب على الناس الشيخوخة والفساد... أما المسيح فهو المحيي والمجدِّد، لأنه هو الحياة.]
إذن إقامة المسيح لهؤلاء الأموات كانت إعلانًا عن عمله الحالي بإقامة نفوسنا خلال الاتِّحاد معه بكونه الحياة، وإقامة أجسادنا في يوم الرب العظيم على مستوى يليق بالحياة السماويّة الأبديّة.ثالثًا: في دراستنا لإقامة ابنة يايرس (مت 9: 18-26) رأينا كيف حمل إقامة هؤلاء الثلاثة (لعازر، والشاب ابن الأرملة، والصبيّة ابنة يايرس) رمزًا لعمل السيِّد المسيح للنفوس، في مراحل ارتكابها للخطيّة المختلفة، أو كقول القدِّيس أغسطينوس: [هذه الأنواع الثلاثة من الموتى هم ثلاثة أنواع من الخطاة لا يزال يقيمهم المسيح إلى اليوم]، فالصبيّة ترمز لمن يخطئ داخليًا في القلب، والشاب لمن ارتكب الشرّ عمليًا بطريقة واضحة، ولعازر لمن تحوَّلت الخطيّة في حياته إلى عادة، وقد جاء ربَّنا يقيم الكل!رابعًا: أبرز الإنجيلي جانبًا رئيسيًا لإقامة هذا الشاب، إذ يقول: "فلما رآها الرب تحنَّن عليها" [13]، وكأن السيِّد لم يُقِمْ الشاب استعراضًا لسلطانه على الموت وقدراته على وهْب الحياة، إنما تقدَّم ليهب "حنانه". يتعامل الله معنا على مستوى السلطة والسيادة، مع أنه الخالق وسيِّد الكل، لكنه يتعامل مع الإنسان على مستوى الحب والرحمة، بكونه الأب والعريس والصديق والحبيب لكل إنسان يقبله.
يقول القدِّيس أمبروسيوس: [نؤمن أن الأحشاء الإلهيّة تحركها دموع أُم أرملة أضناها الألم لموت وحيدها وهي أرملة. مشاركة الجموع لها في آلامها لم يسد الفراغ الذي تركه موت ابنها وحرمانها من الأمومة... لكنها ببكائها نالت قيامة ابنها الشاب، الابن الوحيد.]

ليتنا نكون كهذه الأرملة، إذ نفقد رجلنا الذي اخترناه خلال العصيان، أي إبليس، هذا الذي دفع بابننا الوحيد أي نفسنا إلى الموت، فصارت محمولة في الجسد كما على نعش، خارج البيت الإلهي بلا حياة. نلتقي مع واهب الحياة إذ وحده يتحنَّن علينا، فينزع عنَّا ثقل هذا الموت، ويردّ لنا نفوسنا حيّة فيه، وأجسادنا مقدَّسة بروحه القدِّوس.خامسًا: يعلّق أيضًا القدِّيس أمبروسيوس على القول الإنجيلي: "ثم تقدَّم ولمس النعش فوقف الحاملون" [14]، ناظرًا إلى النعش الخشبي بكونه الشجرة التي من خلالها حُملنا إلى القبر، فقد لمسها السيِّد بارتفاعه على خشبة الصليب لتصير لنا سِرْ حياة. وكأن الخشبة التي كانت لنا نعشًا تحملنا إلى الهاويّة، صارت بالمسيح يسوع ربَّنا "قوّة الله" (1 كو 1: 18).سادسًا: يرى القدِّيس أمبروسيوس في هذا المنظر صورة حيّة للكنيسة التي لا تتوقَّف عن البكاء من أجلنا متضرِّعة إلى مسيحها ليردّ لها وحيدها ينطق بكلمة الحياة، إذ قيل "فجلس الميِّت، وابتدأ يتكلَّم، فدفعه إلى أُمّه" [15].
يقول القدِّيس أمبروسيوس: [إن أخطأت خطيّة مُميتة لا تستطيع أن تغسلها بدموعك، فاجعل أُمَّك تبكي عليك، التي هي الكنيسة، فإنَّها تشفع في كل ابن لها كما كانت الأرملة تبكي من أجل ابنها الوحيد. إنها تشترك في الألم بالروح، وهذا أمر طبيعي بالنسبة لها حينما ترى أولادها يدفعهم الموت في الرذائل المُهلكة، فإنَّنا نحن أحشاء رأفتها. حقًا توجد أحشاء روحيّة كتلك التي لبولس القائل: "نعم أيها الأخ ليكن لي فرح بك في الرب، أرحْ أحشائي في الرب" (فل 20). نحن أحشاء الكنيسة، لأننا أعضاء جسدها من لحمها وعظامها. لتبكِ إذن هذه الأم الحنون ولتشاركها الجموع لا الجمع وحده، حينئذ تقوم أنت من الموت وتخرج من القبر. يتوقَّف حاملو الموت الذي فيك وتنطق بكلمات الحياة، عندئذ يخاف الجميع ويرجع الكل وهم يباركون الله الذي قدَّم لنا مثل هذا الدواء الذي يخلصنا من وطأة الموت.]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:32 pm

سابعًا: يتساءل القدِّيس كيرلس الكبير عن سِرْ لمس السيِّد المسيح للنعش مع أنه كان قادرًا أن يقيمه بكلمة، ويجيب، قائلاً: [كان ذلك يا أحبائي لتعلموا أن لجسم المسيح تأثير في خلاص الإنسان، لأن جسد الكلمة، المسيح العظيم، هو جسم الحياة المتسربل بالقوّة والسلطان، وكما أن الحديد إذا ما لمس النار بدت فيه مظاهر النار وقام بوظائف النار، كذلك جسد الكلمة المسيح تجلَّت فيه الحياة، وكان له السلطان على محو الموت والفساد.]
هكذا أظهر السيِّد ما كان لجسده من قدرات على إعطاء الحياة، خلال الاتحاد الذي للاهوت مع الناسوت أبديًا... بهذا رفع من شأن الجسد الذي كان موضع عداوة الإنسان والازدراء به، مباركًا طبيعتنا فيه.
3. إرساليّة يوحنا للمسيح
القدِّيس يوحنا المعمدان الذي سبق فركض في أحشاء أمه متهلَّلاً بقدوم المخلِّص المتجسِّد في أحشاء البتول، والذي أعلن عن أزليَّته (يو 1: 30)، وعن رسالته كحمل الله الذي يرفع خطيّة العالم (يو 1: 29)، وقد رأي الروح القدس نازلاً عليه والآب يشهد له في لحظات العماد... الآن يبعث إرساليّة إلى السيِّد المسيح تقول: "أنت هو الآتي أم ننتظر آخر؟" [20].
لم يكن يوحنا يشك في شخص السيِّد المسيح، لكنه أراد أن يعطي للسيِّد المسيح المجال ليقتنص تلاميذه له. فالقدِّيس يوحنا لا يريد لنفسه تلاميذ يعملون لحسابه، إنما يودْ في تلمذته للآخرين أن يبعث بهم إلى مخلِّصه، دافعًا إيَّاهم إلى "الصداقة الإلهيّة". وقد رأي ألا يدخل في حوارٍ مع تلاميذه في شأن المخلِّص، إنما يبعث بإرساليّة إليه ليقدِّم السيِّد نفسه باجتذابهما إليه، فيجتذبان معهما بقيّة التلاميذ.
أقول ما أنجح الراعي الذي يدفع بشعب الله إلى التلاقي مع السيِّد المسيح نفسه لكي يسحب قلوبهم إليه وينعمون بالصداقة الإلهيّة، بهذا يكون عمل الراعي هو مجرد تلاقي شعب الله بالمخلِّص نفسه. مثلَ هذا الراعي لا يعمل لحساب كرامته أو شعبيَّته، وإنما لحساب ملكوت الله.
يحدّثنا القدِّيس كيرلس الكبير عن سبب هذه الإرساليّة في شيء من الاسترسال، قائلاً:
[لا تظنُّوا إذن أن المعمدان المغبوط عجز عن معرفة كلمة الله، المسيح المتجسِّد - فقد كان واثقًا من المسيح ومن شخصيَّته. وأما سؤاله عن المسيح فقد أملاه له روح الحكمة والفراسة ليجعل من السؤال درسًا مفيدًا لتلاميذه. كان هؤلاء التلاميذ في عزلة عن المسيح، فلم يُدركوا مجده وسلطانه، بل واشتعلت فيهم نيران الحقد، إذ سمعوا بتفوُّقه على سيِّدهم يوحنا في إجراء المعجزات والعجائب، وقد ظهرت نيَّاتهم السيِّئة هذه في إحدى المرَّات، إذ اقتربوا من المعمدان، وسألوه عن المسيح قائلين: "يا معلِّم هوذا الذي كان معك في عبْر الأردن الذي أنت قد شهدتَ له هو يعمِّد، والجميع يأتون إليه" (يو 3: 26). أجاب يوحنا وقال: "لا يقدر إنسان أن يأخذ شيئًا إن لم يكن قد أعطيَ من السماء. أنتم أنفسكم تشهدون إني قلت لست أنا المسيح بل أنا مرسل أمامه، من له العروس فهو العريس، وأمَّا صديق العريس الذي يقف ويسمعه، فيفرح فرحًا من أجل صوت العريس، إذن فرحي هذا قد كمُل، ينبغي أن ذلك يزيد وإنِّي أنا أنقص" (يو 3: 27-30).
إننا لا نقول أن المعمدان انحطَّ مقامه في الوقت الذي زاد فيه مجد المسيح بأن التفَّ حوله عدد كبير من الناس، ولكن يُراد بنقص يوحنا وزيادة المسيح أن يوحنا كان إنسانًا فلابد من أن يصل إلى درجة ما بعدها من مزيد، أما المسيح فهو إله متأنِّس فلا حد لنموُّه ولا نهاية لعظمته ولذلك يقول المعمدان: "ينبغي أن ذلك يزيد وأنِّي أنا أنقص". إن كل من وقف في مستوى واحد ينقص، وذلك بالنسبة لمن لا يقف أمامه عائق عن النمو والتقدُّم، وحتى يُثبِت المعمدان أنه على حق في قوله هذا أشار إلى لاهوت المسيح، وبرهن لهم أنه لابد من أن يفوق جميع الناس، إذ قال: "الذي يأتي من فوق هو فوق الجميع والذي من الأرض هو أرضي ومن الأرض يتكلَّم" (يو 3: 31). من الذي أتى من فوق، ومن ذا الذي يفوق جميع الناس؟ من الواضح هو كلمة الله المتجسِّد، هو مثال الآب ومساوٍ له في الجوهر، ونظرًا لمحبَّته شاء فنزل وتواضع ليصير مثلنا. فالمسيح إذن يفوق كل من في الأرض، ولما كان المعمدان أحد سكان الأرض، ويتَّفق معهم في الإنسانيّة، لزم أن يفوقه المسيح الإله.
لا ننكر أن يوحنا كان حميد الخصال. مقطوع النظير فضلاً ونُبلاً، بلغ درجة عظيمة في البرّ والصلاح يستحق عليها المدح والثناء، إذ وصفه السيِّد بالقول المأثور: "لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان" (مت 11: 11) ولكن رغمًا عن كل هذا لم يكن المعمدان من فوق، بل كان أرضيًا مثله مثلنا.
فترون إذن أن تلاميذ يوحنا إذ لم تتطهَّر قلوبهم بعد من أمراض اليهود الوبيلة، نسبوا ليوحنا ما رأوه في المسيح من قوّة إلهيّة... أما يوحنا فقد أدرك مكانة المسيح السامية، وسُِرَّ كل السرور بالإشارة إلى مجد السيِّد العظيم، وحتى يطهِّر يوحنا قلوب تلاميذه من أدران الشكوك والريب، ويقرِّبهم إلى شمس البرّ إله المجد الرب يسوع المسيح، قبِل أن يتنكَّر يوحنا تحت زي الجهل والسذاجة، وأوفد رسله إلى المسيح ليسألوه: "أنت هو الآتي أم ننتظر آخر".]
الآن نتساءل: لماذا أورد الإنجيلي لوقا هذه الإرساليّة بعد ذِكره شفاء عبد قائد المائة وإقامة الشاب ابن أرملة نايين؟
إن كان قائد المائة يمثِّل الغرباء الذين اِحتضنهم الصديق السماوي بحبِّه نازعًا عنهم موت الخطيّة، وإن كانت الأرملة تشير إلى قبول السيِّد المسيح للأرامل والمساكين أصدقاء له، يرُدّ لهم بهجة خلاصهم، فالآن إذ يلتقي بتلميذيّ يوحنا، ويصطادهم في شباك محبَّته، يُعلن شوقه لاقتناء الشعب اليهودي للتلمذة له. فيوحنا يمثِّل الناموس، وتلميذاه أو إرساليته تشير لتلاميذ الناموس أو الذين تحت الناموس. بعث يوحنا تلميذيه ليعلن أن "غاية الناموس هي المسيح" (رو 10: 4). وقد بعث تلميذين، إذ رقم 2 يشير إلى المحبَّة. فإنَّنا لن نلتقي بمسيحنا خلال الناموس بدون المحبَّة!
يقول القدِّيس أمبروسيوس: [يوحنا يمثِّل الناموس، كان من الطبيعي أن هذا الناموس الذي يتكلَّم عن المسيح وقد صار سجينًا في قلوب المؤمنين، ووُضع في الحبس أن يفتقر للنور، فقد قاسى عذابات خلف قضبان عدم الفهم، لهذا فهو لا يقدر أن يسير إلى النهاية كشاهد للمقاصد الإلهيّة ما لم تسنده بشارة الإنجيل... لذلك بعث يوحنا اثنين من تلاميذه ليزداد معرفة، لأن المسيح هو كمال الناموس... وكان التلميذان رمزًا لشعبين، آمن الأول لأنه من اليهود، وأمن الثاني حينما سمع لأنه كان من الأمم.]
أما موقف السيِّد المسيح تجاه هذه الإرساليّة فقد اِنصبَّ على الكشف عن أعمال محبَّته الفائقة، تاركًا أعماله تجيب كل تساؤل. يقول القدِّيس يوحنا الذهبي الفم: [إذ يعرف المسيح غاية يوحنا، لم يقل: "أنا هو"... وإنما تركهم يتعلَّمون خلال أعماله... فإنَّهم بالطبع يحسبون شهادة أعماله أكثر تأكيدًا فوق كل شك عن شهادة الكلمات.] ويقول القدِّيس أمبروسيوس: [يؤمن الإنسان كل الإيمان بشهادة الأعمال أكثر من دعوة الكلمات.]
يوحنا كمُمثِّل الناموس والنبوَّات أرسل التلميذين، أما السيِّد المسيح فدخل بهما إلى العمل الإلهي عينه، ليقولا مع الرسول يوحنا: "الذي رأيناه بعيُّوننا، الذي شاهدناه، ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة" (1 يو 1: 1).
قدَّم لهما الأعمال التي طالما تنبَّأ عنها الأنبياء، إذ قال لهما: "إن العمي يُبصرون، والعرج يَمشون، والبرص يُطهَّرون، والصم يسمعون، والموتى يقومون، والمساكين يُبشَّرون، وطوبى لمن لا يعثُر فيّ" (لو 7: 22-23). وكما يقول القدِّيس أمبروسيوس: [هذه هي الشهادة الكاملة التي بها يمكن معرفة الرب من أجل النبوَّة التي خُصِّصت لشخصه وليس لآخر: "المعطي خبزًا للجياع، الرب يطلق الأسرى، الرب يفتِّح أعين العميان، الرب يقوِّم المنحنين" (مز 146: 7-8)، "الذي يفعل هذا يملك إلى الأبد". إذن فعلامات السلطان الإلهي لا البشارة (بالعمل لا بالكلام) فهي تجعل ظلمة الليل الذي لا ينتهي تنقشع عن أعين العميان، فينالوا شفاءً عندما يُسكب النور على جراحات أعينهم الفارغة، ويجعل الصم يسمعون، وتقوم الأيدي المسترخية والرُكَب المخلَّعَة، وينجذب الأموات إلى النور، وتنبعث منهم قوّة الحياة.]
حذرهما السيِّد بقوله: "طُوبى لمن لاَ يعثُر فيّ"، لأن الصليب قادم، هذا الذي فيه يتعثَّر كثيرون، كقول الرسول بولس: "فإن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة، أما عندنا نحن المخلَّصين فهي قوّة الله" (1 كو 1: 18). فإنَّ كان السيِّد قد جاء ليفتح الأعين على معاينة أسراره والآذان لسماع صوته الإلهي، ويطلق النفوس من أسر الخطيّة، ويطهِّرها من النجاسة الداخليّة، ويُقيم النفوس من الموت، فإنَّ ثمن هذا كله "الصليب" الذي هو "لليهود عثرة ولليونانيِّين جهالة" (1 كو 1: 23).
4. شهادته عن يوحنا
إذ فرح يوحنا أنه ينقص بينما السيِّد المسيح يزداد (يو 3: 30)، بعث بإرساليته بهدف سحب كل تلاميذه إلى التلمذة على يديّ المخلِّص نفسه. لم يقلِّل هذا العمل من شأن يوحنا المعمدان، بل بالأكثر وقف السيِّد المسيح نفسه يمجِّده متحدّثًا مع الجموع عنه، هكذا:
"ماذا خرجتم إلى البريّة لتنظروا،
أََقَصَبة تُحرِّكها الريح؟
بل ماذا خرجتم لتنظروا أإنسانًا لابسًا ثيابًا ناعمة؟
هوذا الذين في اللِباس الفاخر والتنعُّم في قصور الملوك.
بل ماذا خرجتم لتنظروا؟
أنبيًا! نعم أقول لكم وأفضل من نبي..." [24-26].
في دراستنا لإنجيل معلمنا متَّى (لو 11: 7-14) قدَّمنا الكثير من تعليقات الآباء في هذا المديح الربَّاني، لذا أكتفي بعرض بعض التعليقات الأخرى: مكملاً ما سبق عرضه:
أولاً: رأينا أن السيِّد المسيح لم يمدح القدِّيس يوحنا في حضرة تلميذيه، بل بعد رحيلهما حتى لا يبدو متملِّقًا. ليتنا نحن أيضًا لا نهتم بمديح الآخرين في وجوههم، بقدر ما نمدحهم من ورائهم، فنظهر بالحق محبِّين لهم بلا رياء ولا بهدف زمني لنوال مكافأة أدبيّة أو ماديّة.
ثانيًا: يقدِّم لنا القدِّيس كيرلس الكبير تفسيرًا لمدح السيِّد المسيح القدِّيس يوحنا المعمدان يختتمه بإعلان أن الأصغر في ملكوت السماوات أعظم منه؛ بأن السيِّد المسيح انتقى هذا القدِّيس بكونه أعظم من نال برّ الناموس، فهو أفضل مَنْ ولَدَتْه امرأة من بين اليهود، نبي فاق غيره من الأنبياء، شهد عنه ملاخي النبي (3: 1) أنه ملاك الرب. ومع هذا فإنَّ قورنت هذه العظمة التي في الناموس ببشارة الإنجيل حُسبت كلا شيء، فخلال الناموس مهما جاهد الإنسان يبقى "من مواليد النساء"، أما عطيّة العهد الجديد فترفعنا فوق اللحم والدم لننال البنوَّة لله.
فيما يلي مقتطفات من كلمات القدِّيس كيرلس السكندري في هذا الشأن:
[كان غرض المسيح مخلِّص العالم من كلامه إذن بيان ما في الناموس من فضل وميزة، ولكن رغمًا من مزاياه وخصائصه... ليس له في ميدان البنيان الروحي شأن يقربه له. أما نعمة الإيمان بالمسيح ففيها ضمان البركات والخيرات، فيها من القوّة ما يتوج الهامات بأكاليل لا نهاية لجمالها وحسنها...
هذا ما نتعلَّمه من دراسة أقوال بولس المغبوط، فقد أعلن أنه قد تحرَّر من جهة البِرّ الذي في الناموس فكان بلا لوم، ومع كل ذلك يصرخ قائلاً: "لكن ما كان لي ربحًا فهذا قد حسبته من أجل المسيح خسارة، بل إني أحسب كل شيء أيضًا خسارة من أجل فضل معرفة المسيح يسوع ربِّي، الذي من أجله خسرت كل الأشياء، وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح" (في 3: 7-8). وقد اِعتبر بولس الإسرائيليِّين جديرين باللوم والتقريع بقوله: "لأنهم إذ كانوا يجهلون بِرّ الله، ويطلبون أن يُثبتوا بِِرّ أنفسهم لم يخضعوا لبِِرّ الله، لأن غاية الناموس هي المسيح للبِرّ لكل من يؤمن به" (رو 10: 3-4). ويقول في موضع آخر: "نحن بالطبيعة يهود، ولسنا من الأمم الخطاة، إذ نعلم أن الإنسان لا يتبرَّر بأعمال الناموس، بل بإيمان يسوع المسيح، آمنا نحن أيضًا بيسوع المسيح لنتبرَّر بإيمان يسوع لا بأعمال الناموس" (غل 2: 15).
وعليه فكل من يؤمن بالمسيح يحظى بأمجاد تفوق أمجاد البِرّ الذي يمنحه الناموس، ولهذا اِعتبر المعمدان في موضع من بِرّ الناموس لا يدانيه فيه أحد غيره، ولكن اُعتبر من جهة أخرى أصغر بكثير من أصغر إنسان في ملكوت السماوات، والمراد بملكوت السماوات كما ذكرنا آنفًا نعمة الإيمان بالمسيح، فبها نصبح جديرين بكل بَركة روحيّة تأتي من فوق من الله أبينا، لأنها هي التي تحرِّرنا من كل لوم وتمنحنا حق البنوَّة لله، وتجعلنا شركاء في موهبة الروح القدس ووارثين للكنز السماوي...
يصف السيِّد يوحنا أنه بين المولودين من النساء ليس نبي أعظم من يوحنا المعمدان، ولكن الأصغر في ملكوت الله أعظم منه. وكيف كان ذلك؟ إليك الجواب: فإنَّ يوحنا كان مثْل الآخرين الذين سبقوه، تُنسب ولادته إلى امرأة، أما أولئك الذين قبلوا الإيمان بالمسيح فليسوا أبناء نساء بل أبناء الله على حد قول الإنجيلي الحكيم: "وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطانًا أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنين باسمه، الذين ولدوا ليس من دم، ولا من مشيئة جسد، ولا من مشيئة رجل، بل من الله" (يو 1: 12-13). لقد أصبحنا أبناء الله العليّ، "مولودين ثانية لا من زرع يفنَى، بل ممَّا لا يفنَى بكلمة الله الحيّة الباقية إلى الأبد" (1 بط 1: 23). إذن كل من وُلد لا من زرعٍ فانٍ، بل من كلمة الله الباقية يفوق المولود من امرأة.
وهناك سبب آخر يجعل المولودين من كلمة الله أرقى من المولودين من النساء، وذلك لأن هؤلاء لهم آباء أرضيِّين، أما أولئك فلهم أب سماوي، لأن المسيح أخ لهم، فأصبحوا بنعمة الأخوة أبناء الله، إذ قال المسيح جهارًا: "ولا تدعوا لكم أبًا على الأرض، لأن أباكم واحد الذي في السماوات" (مت 23: 9). ويقول بولس الحكيم بحق مؤكِّدًا النظرية السابقة: "ثم بما أنكم أبناء أرسل الله روح اِبنه إلى قلوبكم صارخًا يا أبَا الآب" (غل 4: 2). لأنه حالما قام المسيح وحطَّم جهنَّم، مَنح نعمة البنوَّة لكل من آمن باسمه، وكان في رأس القائمة تلاميذه المقدََّسون، لأنه "نفخ وقال لهم أقبلوا الروح القدس، من غفرتم خطاياه تغفر له ومن أمسكتم عليه خطاياه أُمسكت" (يو 20: 22-23). وبما أن هؤلاء التلاميذ أصبحوا شركاء في الطبيعة الإلهيّة إذ مُنحوا نعمة الروح العظيم السلطان، الكبير الشأن، لزم أن تكون لهم قوّة إلهيّة، وذلك بغفران خطايا بعض الناس وإمساك خطايا قوم آخرين.]
ثالثًا: إذ نركِّز على كلمات السيِّد المسح في مدحه للقدِّيس يوحنا نجده يبدأ هكذا: "ماذا خرجتم إلى البريّة لتنظروا؟ أقَصَبة تحرِّكها الريح؟ بل ماذا خرجتم لتنظروا أإنسانًا لابسًا ثيابًا ناعمة؟..." [24-25].
يتطلَّع الرب إلى العالم، وكأنه قد صار بريّة خربة بلا أشجار مثمرة، إذ أفسدت الخطيّة الخليقة من جنَّة مبهجة ومُشبعة إلى برِّيّة قفراء ومرعبة. هذه البرِّيّة امتلأت بقصب تلعب به الرياح، تميل به يمينًا ويسارًا، أما القدِّيس يوحنا المعمدان فإنَّه وإن كان قد نشأ في برِّيّة العالم كقَصَبةٍ، لكن خلال إيمانه بالمسيَّا المخلِّص ليس بالقَصَبة التي تحرِّكها رياح الهرطقات وتحطَّمها زوابع الشهوات الأرضيّة. إنه بحق تلك القَصَبة التي أمسك بها السيِّد المسيح ليجعل منها قلمًا ماهرًا، كعادة النُسَاخ قديمًا، إذ كانوا يستخدمون القَصَبة في الكتابة بعد تهيئتها لهذا العمل. هكذا كان يوحنا في يديّ المخلِّص القلم الذي يكتب به ليدعو الكل للتمتَّع بخلاصه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:32 pm

في هذا يقول القدِّيس أمبروسيوس:
]يشبِّه الرب هذه الحياة بالبرِّيّة غير المزروعة ولا منتجة، ليس بها ثمر بعد. يحذّرنا الرب من التشبُه بالذين ينتفخون، وترتبط أفكارهم بالأرضيِات، هؤلاء الذين ليس لهم فضيلة خفيّة، بل يتباهون بمجد هذا العالم الزائل. هؤلاء إذ يتعرَّضون لرياح هذه الحياة وتقلُّباتها يضطربون. لهذا يُشَبَّهون بالقََصََبة، لأنهم بلا ثمر بِر حقيقي، لكن لهم الزينة العالميّة...
لكن إن اقتلعت القصبة من الأرض وشذبتها من كل شائبة، أي خلعت الإنسان القديم وأعماله (كو 3: 9) وسلمتها لتمسك بها يّد كاتب ماهر ليكتب بها بسرعة، إن فعلت هذا ينتعش هذا القلم وصايا الرب في أعماق قلبك، على ألواح قلب لحميّة (2 كو 3: 3)، فقد قيل عن هذا القلم: "لساني قلم كاتب ماهر" (مز 45: 1). [
إن كنَّا مغروسين في البرِّيّة كقَصَبة مرضوضة تلعب بها الرياح، فلنُسلِّم حياتنا في يديّ ذاك الذي قيل عنه: "قَصَبة مرضوضة لا يقصِف" (إش 42: 3)، فإنه يقتلعنا من أرض هذه الحياة ليغرسنا فيه كأعضاء جسده، محوّلاً حياتنا إلى قلمٍ ماهرٍ في يده، يغمسنا في دمه الطاهر مقدِّسًا أرواحنا ونفوسنا وأجسادنا، فنصير بحق رسالة المسيح المكتوبة لا بحبر ولكن بروح الله الحيّ (2 كو 3: 2-3).
مرة أخرى يقول: "بل ماذا خرجتم لتنظروا؟ أإنسانًا لابسًا ثيابًا ناعمة؟..." يقول القدِّيس أمبروسيوس: [لا يعظ الرب هنا عن الثياب بالرغم من أن كثيرين يتشبَّهون بالنساء في تحلِّيهم بالثياب الناعمة... لكن يبدو أن الرب يشير إلى ثياب أخرى، إن لم أخطئ التقدير ألا وهي الأجساد البشريَّة التي ترتديها الروح، لهذا غُمس قميص يوسف بالدم (تك 37: 31) مثل جسد المسيح...
اللِباس الناعم هو أعمال الشهوة وعاداتها، لهذا يحثّنا الرسول أن نخلع الإنسان القديم لنلبس الجديد (كو 3: 9).]
لم يلبس يوحنا اللباس الناعم كالذين يعيشون في القصور، أي لم يسلِّم جسده للشهوات والملذَّات والعادات الرديئة كمن أُسروا في قصر إبليس، إنما تقدَّس جسده مع نفسه لحساب مملكة الله!
يكمل السيِّد المسيح مديحه، قائلاً: "بل ماذا خرجتم لتنظروا؟ أنبيًا؟ نعم أقول لكم، وأفضل من نبي، هذا هو الذي كتب عنه: ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك".
هكذا يؤكِّد السيِّد المسيح أن يوحنا نبي بل وعظيم بين الأنبياء، وكما يقول القدِّيس كيرلس الكبير على لسان السيِّد: [نعم لأنه قدِّيس ونبي، إلا أنه نبي يفوق الأنبياء الآخرين مكانةً ونبلاً، لأنه لم يعلن فقط عن مجيئي بل أشار إليّ... وصرخ قائلاً: "هوذا حمل الله الذي يرفع خطيّة العالم" (يو 1: 29).]
يقول القدِّيس أمبروسيوس: ]نعم وأعظم من نبي، إذ به ينتهي عصر الأنبياء. وهو أعظم من نبي، لأن كثيرين اشتهوا أن يروا (مت 13: 7) ذاك الذي تنبَّأ عنه يوحنا وعاينه وعمده... إنه أعظم من الذين تساوى معهم في الميلاد، أما طبيعة الرب فمُغايرة، ولا تقارَن بميلاد بشري، ولا وجه للمقارنة بين الإنسان والله.[
إذ مدح السيِّد المسيح ملاكه يوحنا المعمدان أوضَح قوّة الكرازة بالإنجيل، فإنَّ يوحنا مع ما بلغه من عظمة إذ دعاه "أعظم مواليد النساء" لكن الأصغر في ملكوت السماوات أعظم منه، إذ مثّل يوحنا عهد الناموس، أما رسالة الإنجيل فقدَّمت "النبوَّة لله"، خلالها ينعم المؤمن بما هو أعظم ممَّا ناله رجال العهد القديم.
على أي الأحوال جاء يوحنا المعمدان ممثِّلا للناموس صارمًا وحازمًا، ليقود البشريّة إلى حمل الله، وجاء المسيَّا الحمل ذاته صديقًا لطيفًا للبشر، فرفض اليهود هذا وذاك. لذلك يوبِّخهم السيِّد، قائلاً:
"فبمن أشبِّه أناس هذا الجيل؟ وماذا يشبهون.
يشبهون أولادًا جالسين في السوق ينادون بعضهم بعضًا، ويقولون:
زمَّرنا لكم فلم ترقصوا، نُحنا لكم فلم تبكوا.
لأنه جاء يوحنا المعمدان لا يأكل خبزًا ولا يشرب خمرًا،
فتقولون به شيطان.
جاء ابن الإنسان يأكل ويشرب فتقولون:
هوذا إنسان أكول وشرِّيب خمر،
محب للعشَّارين والخطاة.
والحكمة تبرَّرت من جميع بنيها" [31-35].
فيما يلي بعض تعليقات الآباء على هذا الحديث الإلهي:
v لا يتحدَّث الرب هنا عن الرقص المصاحب للملذََّات والترف، بل الرقص الروحي، الذي فيه يسمو الإنسان بالجسد الشهواني، ولا يسمح لأعضائه أن تتنعَّم بالأرضيَّات...
بولس رقَص روحيًا، إذ لأجلنا يقول أمتد إلى قدَّام ناسيًا ما هو وراء، ساعيًا نحو ما هو أمامه، جُعالة السيِّد المسيح (في 3: 13-14)...
هذا هو السِرْ إذن: إننا زمَّرنا لكم بأغنيّة العهد الجديد فلم ترقصوا، أي لم تسمعوا بعد بأرواحكم بواسطة النعمة الإلهيّة.
"نُحنا لكم فلم تبكوا" أي لم تندموا... عندما جاءكم يوحنا مناديًا بالتوبة بنعمة السيِّد المسيح. فالرب معطى النعمة، وإن كان يوحنا قد أعلن عنها كخادم له. أما الكنيسة فتحفظ بالاثنين، حتى تُدرك النعمة دون أن تنزع عنها التوبة. النعمة هي عطيّة الرب الذي وحده يهبها والتوبة هي علاج الخاطئ.
v لم يؤمن اليهود بتسابيح الأنبياء ولا بمراثيهم...
v "زمَّرنا لكم فلم ترقصوا".
ترنَّم موسى عندما عبَر موسى البحر وانشقَّت المياه (خر 15). وترنَّم إشعياء بنشيد كرْمِه المحبوب (إش 5: 1)، ليُشير إلى أن الشعب اليهودي الذي سبق فأثمر فضائل كثيرة سيُصبح كتلة من الرذائل.
وتغنَّى الثلاثة فِتية حينما رُبِطت أرجلهم، إذ صارت لهم النار ندى. فبينما كان كل ما في الداخل والخارج يحترق، صارت النيران تلاطفهم، فلم تلسعهم ولا أضرَّتهم (دا 3: 24).
أعلن حبقوق نشيدًا يتنبَّأ عن آلام المسيح كمصدر تعزية للمؤمنين (حب 3)، مخفِّفًا من حزن الشعب.
هكذا تغنّّى الأنبياء بأغانِ روحيّة ارتفعت إلى الكرازة بالخلاص العام، وأيضًا بكى الأنبياء لكي يميلوا بمراثيهم الحزينة قلوب اليهود المتحجِّرة.
v يعلمنا الكتاب أن نرنِّم للرب (مز 46: 8)، وأن نرقص في حكمة كقول الرب لحزقيال أن يضرب بيده ويخبط برجليْه (حز 6: 11). الله لا يطالب بحركات مضحكة يقوم بها جسم ثائر، ولا يطلب تصفيق النساء... إنما يوجد الرقص الوقور حيث ترقص الروح بارتفاع الجسد بالأعمال الصالحة، عندما نُعلِّق قيثارتنا على الصِفصَاف.
يأمر الرب النبي أن يضرب باليد والرجل وأن يغنِّي لأنه كان يرى عرس العريس، الذي فيه تكون الكنيسة هي العروس والمسيح هو الحبيب. إنه عرس رائع فيه يتََّحد الروح بالكلمة، والجسد بالروح...
هذا هو العُرس الذي حاول داود النبي أن يحقِّقه، وله قد دُعينا... إنه يحثِّنا لنٌسرع نحو هذا المشهد المٌفرح: "ارفعوا نغمة، وهاتوا دفًا، عودًا حٌلوًا مع رباب" (مز 80: 2-3). ألا تتخيَّل النبي راقصًا؟... ألا تسمع صوت ضاربي قيثارة (الرباب) ودقَّات أرجل الراقصين؟ إنه العرس! لتأخذ أنت أيضًا قيثارة حتى إذا ما تمتَّعت بلمسة الروح، تستجيب أوتارك الداخليّة مع صدَى الأعمال الصالحة. لتمسك بالعود فيتحقَّق الانسجام بين كلماتك وأعمالك، وخذ الدف فيهبك الروح أن تترنَّم خلال آلة جسدك من الداخل.
القدِّيس أمبروسيوس
v يظهر أن صبية اليهود كانوا يتسلُّون بلعبةٍ من هذا القبيل؛ ينقسم قوم منهم إلى فريقين، ويوقعوا الاضطراب بمن كان حولهم بأن يمثل أحد الفريقين دورًا مغايرًا لما يقوم به الآخر كل المغايرة. يعزف بعض منهم على آلات الطرب، بينما الطائفة الأخرى تصرخ صرخة المتوجِّع الحزين والبائس التعيس. إلا أن هؤلاء البؤساء لم يشاركوا إخوانهم الفرحين في مسرَّاتهم وملذَّاتهم، كما أن أصحاب اللهو والطرب ضربوا صفحًا عن مواساة إخوتهم. قد اِشتّد كربهم وانكسرت نفوسهم، وهذا يظهر من معاتبة البعض للآخر، إذ يخاطب الفريق الآخر: "زمَّرنا لكم فلم ترقصوا"، فيجيبهم الفريق الآخر: "نُحنا لكم فلم تبكوا". فالمسيح يُعلن جهارًا على أن الشعب اليهودي ورؤساءه يمثِّلون هذا الدور، ويظهرون على المسرح كما يظهر صِبية الشوارع، فإنَّ يوحنا المعمدان جاء لا يأكل خبزًا ولا يشرب خمرًا فتقولون به شيطان، جاء ابن الإنسان يأكل ويشرب فتقولون هوذا إنسان أكُول وشَرِّيب خمر، محب للعشَّارين والخطاة.
ما الذي يحملكم أيها الفرِّيسيُّون الجهلاء إلى الإيمان بالمسيح، وما الوسيلة لجذبكم إلى السيِّد، وأنتم تنظرون إلى كل الأمور بمِنظار أسود، فليس عندكم شيء جدير بالمديح والثناء، "توبوا (كما قال المعمدان) لأنه قد أقترب ملكوت السماوات" (مت 3: 2). وما أصدق حُكمه عليكم، لأنه كان بشهادتكم مثال النُبل والشهامة، قوي الحُجة سامي الشمائل. ألم يسكن الصحراء فاِفترش النراب واِلتَحَف بالسماء، يقتات بالجراد والعسل، ويتدثَّر بلِباس خشن الملمس قليل الثمن؟...
كيف تقولون أن به شيطانًا وهو الذي بزهده ونسكه قتل ناموس الخطيّة القابع في أحشائنا اللحميّة، وحارب ميول العقل، فكان بطلاً صنديدًا ومقاتلاً مِغوارًا؟ هل هناك أعظم من عيشة النسك والزُهد؟ وهي التي بها نخمد لذات الإثم ونلجم بها الشرّ والرذيلة؟ كان المعمدان مخلِصًا كل الإخلاص للمسيح، ليس فيه ميل لشهوات الجسد، فقدَ تعفف عن ملذات العالم وهجر الدنيا وزُخرِفها ليصل إلى الغرض الذي اتَّخذه هدفًا له وهو تمهيد الطريق للسيِّد الفادي.
اخبروني أيها الناس، هل تظنُّون أن مثل هذا الإنسان به شيطان؟ وهو الذي لم يحْنِ ظهره للشرّ والإثم.
لا ننكر أن المعمدان لم يصل إلى هذه الدرجة العالية إلا عن طريق المسيح، لأن السيِّد هو الذي حطّ من مكانة إبليس، وحطََّم أسنانه حتى يعلو مركز القدِّيسين.
ألا تخجلون إذن أيها القوم وأنتم تسيئون إلى المعمدان بألسنة حدَّاد وهو الرسول الذي اِمتاز بالصبر والشجاعة وتتوَّج بأكاليل الغار؟ فلِمَ ترفعون عليه ألسنة الحسد والشر وتنسبون إليه كل كريهة مُنكر، فتنكرون عليه صحَّة العقل وصفاء الذهن وتدعون عليه زورًا وبُهتانًا أنه مجنون معتوه لا يعي ولا يُفكِّر؟
والآن فلندرس شخصيّة أخرى رآها اليهود علي نقيض شخصيّة المعمدان. لم يكن المسيح نزيل الصحراء، بل سكن المدينة في صُحبة رُسله المقدَّسين، ولم يأكل جرادًا وعسلاً ولم يلبس وبَر إبل ولم يشدْ حول وسطه مِنطَقة من جلد...
عاش المسيح كما ترون عيشة سكان المُدن، فلم يتجلَّ فيها شظَف العيش كما عاهدناه في يوحنا، فهل تلومون أيها الفرِّيسيُّون المسيح لسلوكه هذا؟ وهل تطرون سهولة مصاحبته الآخرين وعظيم أُلفته للناس، وعدم عنايته بهذا الطعام أو ذاك؟ كلاَّ لم يكن بالكليّة شيء من هذا، بل طعنتم السيِّد بالكلام القارص، فقلتم "هوذا إنسان أكُول وشَرِّيب خمر، محب للعشَّارين والخطاة". قلتم هذا لأنكم رأيتم أحيانًا المسيح يأكل في غير ما تقتير وشُحْ، فاتهمتموه باطلاً بالنَهَم وشُرب الخمر. وكيف تثبتون ادعائكم. ألم تدع مريم ومرثا مرَّة المسيح في بيت عنيا، ولما رأي السيِّد إحداهن تغالي في خدمته نهاها عن ذلك، وأمرها بالقيام بالقدر الضئيل الضروري، إذ خاطب الفادي مرثا قائلاً: "مرثا، مرثا، أنتِ تهتمِّين وتضطربين لأجل أمور كثيرة، ولكن الحاجة إلى واحد" (لو 10: 41)...
هل تتهمون المسيح بالنهم والجشع لأنه عاشر العشارين والخطاة؟ وهل هذا هو كل عذركم في اتهامه؟ ولكن قولوا لي: أي ضرر أصاب المسيح من مخالطة الخطاة والأثمة؟ ألم يكن المسيح فوق مستوى البشريّة فما الذي يصيبه من شرورها ومساوئها؟ فقد قال السيِّد وقوله صادق: "رئيس هذا العالم يأتي وليس له في شيء" (يو 14: 30)، فلا يمكن والحالة هذه أن يعلّق شيء من مساوئ الخطاة بالسيِّد يسوع المسيح.
ولكن قد يسأل أحد ويقول: "إن شريعة موسى أمرتنا بألا تقطع عهدًا مع الخطاة ولا نعامل الآثمة" (خر 23: 32). فلندرس إذن غرض الناموس اليهودي فنتبين القصد الذي من أجله منع الناموس الإسرائيليِّين من مخاطبة الأشرار ومخاطبة الدساسين والمخادعين. لم يكن الغرض التشامخ على الخطاة، والتفاني في الكبرياء والخيلاء على الأشرار، بل كان الغرض أن عقلك ضعيف ومن السهل أن يقع في الشر والخطيّة. وذلك فخوفًا من أن تنجذب وراء الملذات الفاسدة مُنعت من مخالطة الأشرار حتى تكون في نجوى من مكمن الإثم والشر. "فإن المعاشرات الرديئة تفسد الأخلاق الجيدة" (1 كو 15: 33). وُضع القانون إذن ليحفظك من الزلل نظرًا لضعفك وعجزك، ولكنك إن كنت متسربلاً بعالي الفضائل، وثابتًا في خوف الرب، فلن يقف الناموس حائلاً بينك وبين الخطاة الضعفاء، فإنَّ في قربك منهم صلاحًا لهم، ودافعًا يبعثهم على التشبه بك، فيسيرون بخطوات واسعة نحو الكمال المنشود والحق المطلوب، فلا تفتخرن إذن علي الضعيف البائس معتمدًا علي شريعة موسى السالفة الذكر ولا يلوم أحد المسيح لأنه عاشر الخطاة والعشارين.
القدِّيس كيرلس الكبير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:33 pm

5. قصة المرأة الخاطئة
قلنا أن السيِّد المسيح كصديقٍ سماويٍ يفتح قلبه للغرباء (يهتم بقائد المائة)، وللأرامل (إقامة أبن أرملة نايين)، ويجذب تلاميذ يوحنا المعمدان كممثِّلي أبناء العهد القديم ليتلامسوا مع أعمال محبَّته الفائقة، الآن تقتحم امرأة خاطئة - تستحق في عيني اليهود الرجم - هذه الصداقة فتلتقي مع ربَّنا يسوع المسيح كعريسٍ سماويٍ لها، بالتقائها معه في بيت سمعان الفرِّيسي دون دعوة ظاهرة توجَّه إليها.
لقاء هذه الخاطئة جذب نفوسًا كثيرة للتوبة، إذ أعلن صداقة الله الحقيقية للخطاة ومحبَّته لكل نفسٍ واشتياقه لخلاص الكل. وقد سجَّل لنا كثير من الآباء تعليقاتهم علي هذا اللقاء، منهم القدِّيس مار أفرام السرياني الذي عرض هذا اللقاء في أسلوب قصصي رائع سبق لي ترجمته ونشرته تحت عنوان "حب ودموع" في سلسلة "القصة المسيحيّة".
يمكننا بروح الآباء أن نقدَّم الملاحظات التالية في قصَّة المرأة الخاطئة:
أولاً: يقول القدِّيس أغسطينوس: [انطلقت المرأة الخاطئة إلي الوليمة بدون دعوة، إذ كان الطبيب على المائدة، وبجرأة مقدَّسة سألته الصحَّة... لقد عرفت جيِّدًا قسوة ما تعانيه من المرض، كما أدركت أن الذي تأتي إليه قادر أن يهبها الصحَّة، لذا انطلقت في الطريق بقوّة... اقتربت لا إلى رأس الرب بل إلى قدَّميه، هذه التي سلكت في الشر زمانًا تطلب (قدميه) خطوات البرّ.[ كأن هذه المرأة وهي تمثِّل النفس المحطَّمة بالرجاسات وجدت قدميّ مخلِّصها سِرْ إمكانيّة السلوك في طريق البِرّ، والانطلاق به وفيه إلى حضن الآب تنعم بالصداقة الإلهيّة أبديًا.
ثانيًا: سأل أحد الفريِّسيِّين السيِّد المسيح أن يأكل معه، فدخل السيِّد بيته لكنه لم يدخل قلبه، فقد أعدَّ الوليمة، وربَّما كلَّفته الكثير وحسده كثيرون، أن المعلِّم في داخل البيت... لكن المرأة دخلت مقتحمة بدالة الحب البيت والتقت مع السيِّد كعريسٍ لنفسها. يمثِّل الفريسي النفس التي تتخفَّى وراء المظاهر الخارجيّة دون الأعماق، تستضيف الرب في البيت لا القلب، أما المرأة فتُمثِّل النفس الجادة في خلاصها تهتم باللقاء الخفي مع العريس السماوي.
يقارن القدِّيس أمبروسيوس في إحدى رسائله بين الفريسي والمرأة الخاطئة فيقول:
أ. لم يقدِّم الفريسي ماء لغسل قدَّمي السيِّد أما المرأة فقدَّمت دموعًا لغسلهما. الأول يمثِّل اليهود أو غير المؤمنين الذين ليس لهم ماء لغسل قدَّميّ السيِّد، الذي يود أن يسير في ضميرهم. [كيف يقدر أن يغسل ضميره من لا يتقبَّل ماء المسيح؟ أما الكنيسة فلها هذا الماء (المعموديّة) ولها هذه الدموع (التوبة).]
ويعلِّق القدِّيس أمبروسيوس على هذا الغسل في موضع آخر، قائلاً: [غسلت خطاياها بغسلها قدَّميّ المخلِّص بدموعها. أيها الرب يسوع، فلتسمح لي أن أغسل قدميْك ممَّا اِنطبع عليهما بسيرك في داخلي (مع أنهما لم يتنجَّسا)... لكن من أين لي أن آتي إليك بماء الحياة الذي أغسل به قدميْك؟ فإذ ليس لي ماء أقدِّم دموعًا. وإذ أغسل قدميك إنما أثق أنني أنا نفسي أغتسل، حيث تقول لي: "خطاياك الكثيرة مغفورة لك، لأنك أحببت كثيرًا".]
في موضع آخر يقول: [اِعترف بخطاياك بدموعك ليقول عنك العدل الإلهي: غسلتْ قدميْ بدموعها ومسحَتها بشعر رأسها... فدموع محبَّتنا لا تستطيع فقط أن تغسل خطايانا، وإنما تغسل أيضًا خطوات الكلمة الإلهيّة لتُثمر خطواته فينا! إنها دموع نافعة ليس فقط تكفِّل قيام الخطاة، وإنما هي غذاء للصدِّيقين. بارٌ هو الإنسان القائل: "صارت لي دموعي خبزًا" (مز 41: 4). إن كنت لا تستطيع الاقتراب من رأس المسيح اِلمس قدميه برأسك.]
ب. لم يكن للفرِّيسي شعر يمسح به القدمين، إذ لم يكن نذيرًا للرب، أما الكنيسة فلها شعر، وهي تطلب النذير. ويرى القدِّيس أمبروسيوس هذا الشعر الذي مسحت به المرأة قدميْ المخلِّص يشير إلى الغِنى الذي لا قيمة له ما لم يقدَّم منه للفقراء - قدميْ المخلِّص- يغسل جراحاتهم وآلامهم.
في موضع آخر يقول: [حِلْ شعرك واَخْضِع له كل مواهب جسدك".] فطاقاتنا الجسديّة ومواهبنا وإمكانيَّاتنا وعواطفنا تبقى كالشعر لا قيمة له ما لم يتقدَّس باستخدامه في مسح قدميْ المخلِّص، أي في خدمة إخوته الأصاغر!
ج. بالنسبة لقبلات هذه المرأة الخاطئة التي لم يمارسها الفريسي، يقول القدِّيس أمبروسيوس: [القبلة هي علامة الحب. لهذا لم يستطع اليهودي (غير المؤمن) أن يمارس قُبلة؛ لأنه لا يعرف سلام المسيح ولا يقبله، هذا الذي قيل عنه: "سلامًا أعطيكم، سلامي أتركه لكم" (يو 14: 7). هكذا ليس للمجمع اليهودي قبلات، وإنما للكنيسة التي ترقَّبت المسيح وأحبَّته، قائلة: "ليُقبِّلني بقبلات فمه" (نش 1: 2). أرادت أن تطفئ لهيب شوقها الطويل مترقبَّة مجيء الرب بقبلاته وأن تروي عطشها بهذه العطيّة.] يكمل القدِّيس حديثه في ذات الرسالة فيقول: [الكنيسة وحدها لها قبلات العروس، بكون القبلة عربونًا للزواج وامتيازًا خاصًا بالعرس.]
قبلات الكنيسة صادقة وأمينة، إذ هي قبلات العروس الملتهبة حبًا نحو عريسها، هذه التي لم يختبرها يهوذا حين قدَّم قبلته الغاشة عند تسليمه سيِّده، لذا يخاطبه القدِّيس أمبروسيوس، قائلاً: [لقد قدَّمت قبلة يا من لا تعرف سِر القُبلة... فالمطلوب هو قُبلة القلب والنفس لا قُبلة الشفتين... فإنَّه حيث لا يوجد حب ولا إيمان ولا عاطفة أيّة عذوبة تكون للقُبلات؟]
ثالثًا: إذ يقارن القدِّيس أمبروسيوس بين المرأة التي سكبت الطيب على رأس المخلِّص حين كان في بيت سمعان الأبرص في قرية بيت عنيا (مت 26) وبين المرأة المذكورة هنا، يرى أنهما إن كانتا حادثتين مختلفين لكن كلتاهما قدَّمت طيبًا. الأولى تمثِّل النفس التي تدخل إلى الصداقة الإلهيّة وتسمو في الحياة الكاملة في الرب فتسكب الطيب على رأس المخلِّص، إذ تبلغ الكثير من أسراره الإلهيّة، أما نحن فنمتثل بالثانيةk إذ نشعر بخطايانا فنأتي إليه من ورائه ونبكي مشتاقين بلوغ قدميه، لكننا لا نحرم من تقديم الطيب، إذ يقول القدِّيس: [مع أنها خاطئة لكن كان لها الطيب.]
نقول إن كنا خطاة نسلك طريق توبتنا فليتنا نقتحم بيت سمعانk ونلتقي بربَّنا أينما وجد، مقدِّمين طيبًا مسكوبًا على قدميه. طيب التوبة الصادقة الممتلئة رجاءً خلال الدم المقدَّس المنسكب من الجنب المطعون.
مرَّة أخرى في تفسيره لإنجيل لوقا يرى القدِّيس أمبروسيوس هذا الطيب المسكوب على قدميْ المخلِّص خاص بالكنيسة وحدها، إذ يقول: [مغبوط هو الإنسان الذي يستطيع أن يمسح قدميْ المسيح بالطيب، الأمر الذي لم يفعله سمعان!... الطيب هو خُلاصة روائح زهور كثيرة لذا ينشر روائح زكيَّة ومتنوِّعة، وربَّما لا يستطيع أحد أن يسكب هذا الطيب إلا الكنيسة وحدها التي تملك الكثير من الزهور ذات الروائح المتنوِّعة. هنا تندمج صورة المرأة الخاطئة بالمسيح الذي حمل صورة عبد (حاملاً شبة جسد الخطيّة).]
رابعًا: لم ينتفع الفرِّيسي بلقائه مع المخلِّص، بسبب إصراره على الكبرياء أما المرأة الخاطئة فربحت الكثيرk لأنها أحبَّت كثيرًا خلال روح التواضع. بالكبرياء يفقد الإنسان كل بركة روحيَّة. وبالحب المملوء تواضعًا ينعم بحب المخلِّص نفسه ومغفرة خطاياه.
v جلس سيِّد التواضع في منزل فرِّيسي متكبِّر يُدعى سمعان، وبالرغم من جلوسه في منزله لم يكن في قلبه مكان يسند (ابن الإنسان) فيه رأسه (9: 57).
القدِّيس أغسطينوس
v حِبْ كثيرًا فيُغفر لكَ كثيرًا. لقد أخطأ بولس كثيرًا، بل واِضطهد الكنيسة، ولكنه أحبَّ كثيرًا مثابرًا حتى الاستشهاد وغفرت له خطاياه الكثيرة... إذ لم يبخل بدمه لأجل اسم الله.
القدِّيس أمبروسيوس
v لم تضل المرأة الطريق المستقيم، أما الفريسي الجاهل فقد ضل، إذ قال في نفسه: "لو كان هذا نبيًا لعلِم من هذه المرأة التي لمسته، وما هي أنها خاطئة". كان الفرِّيسي إذن فخورًا بنفسه، معجبًا بطائفته، ضعيف المادة العقليّة، فلم يدرك الموضوع على حقيقته. كان لزامًا عليه أن يروِّض حياته، ويزيِّنها بالسجايا السامية، فلا يدين المريض والعليل ويحكم عليه بما هو براء منه. ترك الفريسي هذا كله، وتعلّق بأهداف الناموس الجامد، وطلب إلى الرب يسوع المسيح أن يطيع شريعة موسى، فقد أمرت هذه الشريعة الناس المقدَّسين أن يتجنَّبوا الأشرار الدنسين، ولام الله كل من اُختير رئيسًا لمجمع اليهود، وفرَّط في حقِّه بأن اِقترب من دنس مرذول وصغير ممقوت. فقد ورد على لسان أحد الأنبياء أنهم لا يميِّزون بين "المقدَّس والمرذول" ولكن المسيح قام لا ليُخضِعنا تحت لعنة الناموس، بل ليفدي الخطاة برحمته التي فاقت الناموس، لأن الناموس "قد زيد بسبب التعديَّات" (غل 3: 19)، "لكي يُستد كل فم ويصير كل العالم تحت قصاص من الله، لأنه بأعمال الناموس كل ذي جسد لا يتبرَّر أمامه، لأن بالناموس معرفة الخطيّة" (رو 3: 19).
جاء المسيح حتى يفي للمدين دينه، مهما كثر الدين أو قلَّْ، ويترأف على الناس بأسرهم كبيرهم وصغيرهم، حتى لا يُحرم إنسان أيًا كان مشاركة المسيح في صلاحه. ولكي يقدِّم لنا السيِّد مثالاً واضحًا لرحمته حرَّر هذه المرأة الخاطئة من شرورها بقوله لها: "مغفورة لك خطاياك". ولا يمكن أن تخرج هذه العبارة إلا من فم الله لأنها تتضمَّن سلطانًا فوق كل سلطان لأنه لما كان الناموس يحاكم الخاطئ، فمن ذا الذي يمكنه الارتفاع فوق مستوى الناموس إلا الذي وضعه وأمر به؟ في الحال حرَّر السيِّد المرأة ونبَّه الفريسي ومن جلس معه على المائدة إلى أمور سامية، إذ تعلَّموا أن المسيح الكلمة هو الله، ولذلك فهو ليس أحد الأنبياء بل يفوق كل إنسان ولو أنه تجسَّد وصار إنسانًا...
لا تقلق وتيأس إذا أحسست بثِقل وطأة خطاياك السابقة، فإنَّ رحمة المسيح واسعة المدى. لتكن خطيئتك عظيمة إلا أن رحمة المسيح أعظم، فبنعمته يتبرَّر الخاطئ، ويُطلق سراح الأسير. ولكن اعلم أن الإيمان بالمسيح هو الذي يؤهِّلنا لهذه البركات الخلاصية، لأن الإيمان هو طريق الحياة والنعمة. وفيه نسير إلى المخادع السمائيّة حيث نرث ملكوت القدِّيسين الأبرار ونصبح أعضاء في مملكة المسيح.
القدِّيس كيرلس الكبير
أخيرًا نختم حديثنا عن المرأة الخاطئة، بأنها قد كشفت عن أعماق محبَّة الله الفائقة للبشر، وكما يقول القدِّيس إيريناؤس: [كما يُزكِّي الطبيب بمرضاه، هكذا يعلن عن الله خلال البشر.]
1 و لما اكمل اقواله كلها في مسامع الشعب دخل كفرناحوم
2 و كان عبد لقائد مئة مريضا مشرفا على الموت و كان عزيزا عنده
3 فلما سمع عن يسوع ارسل اليه شيوخ اليهود يساله ان ياتي و يشفي عبده
4 فلما جاءوا الى يسوع طلبوا اليه باجتهاد قائلين انه مستحق ان يفعل له هذا
5 لانه يحب امتنا و هو بنى لنا المجمع
6 فذهب يسوع معهم و اذ كان غير بعيد عن البيت ارسل اليه قائد المئة اصدقاء يقول له يا سيد لا تتعب لاني لست مستحقا ان تدخل تحت سقفي
7 لذلك لم احسب نفسي اهلا ان اتي اليك لكن قل كلمة فيبرا غلامي
8 لاني انا ايضا انسان مرتب تحت سلطان لي جند تحت يدي و اقول لهذا اذهب فيذهب و لاخر ائت فياتي و لعبدي افعل هذا فيفعل
9 و لما سمع يسوع هذا تعجب منه و التفت الى الجمع الذي يتبعه و قال اقول لكم لم اجد و لا في اسرائيل ايمانا بمقدار هذا
10 و رجع المرسلون الى البيت فوجدوا العبد المريض قد صح
11 و في اليوم التالي ذهب الى مدينة تدعى نايين و ذهب معه كثيرون من تلاميذه و جمع كثير
12 فلما اقترب الى باب المدينة اذا ميت محمول ابن وحيد لامه و هي ارملة و معها جمع كثير من المدينة
13 فلما راها الرب تحنن عليها و قال لها لا تبكي
14 ثم تقدم و لمس النعش فوقف الحاملون فقال ايها الشاب لك اقول قم
15 فجلس الميت و ابتدا يتكلم فدفعه الى امه
16 فاخذ الجميع خوف و مجدوا الله قائلين قد قام فينا نبي عظيم و افتقد الله شعبه
17 و خرج هذا الخبر عنه في كل اليهودية و في جميع الكورة المحيطة
18 فاخبر يوحنا تلاميذه بهذا كله
19 فدعا يوحنا اثنين من تلاميذه و ارسل الى يسوع قائلا انت هو الاتي ام ننتظر اخر
20 فلما جاء اليه الرجلان قالا يوحنا المعمدان قد ارسلنا اليك قائلا انت هو الاتي ام ننتظر اخر
21 و في تلك الساعة شفى كثيرين من امراض و ادواء و ارواح شريرة و وهب البصر لعميان كثيرين
22 فاجاب يسوع و قال لهما اذهبا و اخبرا يوحنا بما رايتما و سمعتما ان العمي يبصرون و العرج يمشون و البرص يطهرون و الصم يسمعون و الموتى يقومون و المساكين يبشرون
23 و طوبى لمن لا يعثر في
24 فلما مضى رسولا يوحنا ابتدا يقول للجموع عن يوحنا ماذا خرجتم الى البرية لتنظروا اقصبة تحركها الريح
25 بل ماذا خرجتم لتنظروا اانسانا لابسا ثيابا ناعمة هوذا الذين في اللباس الفاخر و التنعم هم في قصور الملوك
26 بل ماذا خرجتم لتنظروا انبيا نعم اقول لكم و افضل من نبي
27 هذا هو الذي كتب عنه ها انا ارسل امام وجهك ملاكي الذي يهيئ طريقك قدامك
28 لاني اقول لكم انه بين المولودين من النساء ليس نبي اعظم من يوحنا المعمدان و لكن الاصغر في ملكوت الله اعظم منه
29 و جميع الشعب اذ سمعوا و العشارون برروا الله معتمدين بمعمودية يوحنا
30 و اما الفريسيون و الناموسيون فرفضوا مشورة الله من جهة انفسهم غير معتمدين منه
31 ثم قال الرب فبمن اشبه اناس هذا الجيل و ماذا يشبهون
32 يشبهون اولادا جالسين في السوق ينادون بعضهم بعضا و يقولون زمرنا لكم فلم ترقصوا نحنا لكم فلم تبكوا
33 لانه جاء يوحنا المعمدان لا ياكل خبزا و لا يشرب خمرا فتقولون به شيطان
34 جاء ابن الانسان ياكل و يشرب فتقولون هوذا انسان اكول و شريب خمر محب للعشارين و الخطاة
35 و الحكمة تبررت من جميع بنيها
36 و ساله واحد من الفريسيين ان ياكل معه فدخل بيت الفريسي و اتكا
37 و اذا امراة في المدينة كانت خاطئة اذ علمت انه متكئ في بيت الفريسي جاءت بقارورة طيب
38 و وقفت عند قدميه من ورائه باكية و ابتدات تبل قدميه بالدموع و كانت تمسحهما بشعر راسها و تقبل قدميه و تدهنهما بالطيب
39 فلما راى الفريسي الذي دعاه ذلك تكلم في نفسه قائلا لو كان هذا نبيا لعلم من هذه الامراة التي تلمسه و ما هي انها خاطئة
40 فاجاب يسوع و قال له يا سمعان عندي شيء اقوله لك فقال قل يا معلم
41 كان لمداين مديونان على الواحد خمس مئة دينار و على الاخر خمسون
42 و اذ لم يكن لهما ما يوفيان سامحهما جميعا فقل ايهما يكون اكثر حبا له
43 فاجاب سمعان و قال اظن الذي سامحه بالاكثر فقال له بالصواب حكمت
44 ثم التفت الى المراة و قال لسمعان اتنظر هذه المراة اني دخلت بيتك و ماء لاجل رجلي لم تعط و اما هي فقد غسلت رجلي بالدموع و مسحتهما بشعر راسها
45 قبلة لم تقبلني و اما هي فمنذ دخلت لم تكف عن تقبيل رجلي
46 بزيت لم تدهن راسي و اما هي فقد دهنت بالطيب رجلي
47 من اجل ذلك اقول لك قد غفرت خطاياها الكثيرة لانها احبت كثيرا و الذي يغفر له قليل يحب قليلا
48 ثم قال لها مغفورة لك خطاياك
49 فابتدا المتكئون معه يقولون في انفسهم من هذا الذي يغفر خطايا ايضا
50 فقال للمراة ايمانك قد خلصك اذهبي بسلام
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:34 pm

الأصحاح الثامن
الصديق العامل بلا انقطاع
في الأصحاح السابق رأينا السيِّد المسيح يفتح قلبه للجميع ليضم إلى صداقته الغرباء والخطاة..والآن نراه ترافقه نساء كثيرات كن يخدمْنَه من أموالهنَّ دون أن يستنكف هذا العمل [1-3]. فهو ليس فقط يقبل المرأة الخاطئة ويمتدحها أمام الفرِّيسي، إنما يهتم أن يقدِّس مواهب المرأة وإمكانيَّاتها كعضو حيّ في جسده المقدَّس. نراه في صداقته ليس فقط لا يميِّز بين جنس الرجال وجنس النساء، وإنما أيضًا لا يتحيَّز لقرابات جسديَّة حسب الدم [19-21]. أنه يطلب صداقة الكل، عاملاً بلا انقطاع من أجل المُضطهدين [22-25]، والمطرودين حتى وإن كانوا مجانين [26-39]، يُطهِّر الدنسين [43-48]، ويقيم الموتى.
1. اهتمامه بخدمة المرأة 1-3.
2. عمله كزارع (مثَل البذار) 4-15.
3. يهب النور 16-18.
4. يطلب قرابة الكل له 19-21.
5. تهدئة الأمواج 22-25.
6. شفاء مجنون الجدريِّين 26-39.
7. إبراء نازفة الدم 43-48.
8. إقامة ابنة يايرس 49-56.
1. اهتمامه بخدمة المرأة
"وعلى أثر ذلك كان يسير في كل مدينة وقرية
يكرز ويبشِّر بملكوت الله،
ومعه الاثنا عشر، وبعض النساء" [1-2].
بعد وليمة سمعان الفرِّيسي التي كانت تشير إلى ظهور السيِّد المسيح في وسط خاصته اليهود (بيت سمعان) وقد حُرم خاصته منه بسبب كبرياء قلبهم، ليغتصب الأمم (المرأة الخاطئة) صداقته خلال محبَّتها النابعة عن قلب متواضع، ترك المسيح كفرناحوم ليكرز في كل مدينة وقريَّة ومعه الاثنا عشر ونسوة، وكأنه قد ترك الأمم وانطلق إلي العالم خلال كنيسته يعلن عن ملكوته.
هنا يلزمنا أن نقف قليلاً لنرى يوحنا المعمدان قد سبق فكرز باقتراب ملكوت الله، أما السيِّد المسيح فجاء يقدِّم الملكوت حالاً في وسطنا: "ها ملكوت الله داخلكم" (لو 17: 21).
انطلق للعمل ومعه الاثنا عشر وبعض النسوة، وقد ركَّز الإنجيلي لوقا علي هذا الأمر، إذ يقول:
"وبعض النسوة كنَّ قد شُفين من أرواح شرِّيرة وأمراض،
مريم التي تُدعى المجدليَّة التي أخرج منها سبعة شيَّاطين.
ويونا امرأة خوزي وكيل هيرودس، وسوسنَّة،
وأُخر كثيرات كنَّ يخدمْنه من أموالهن" [2-3].
في المقدِّمة قلنا أن الإنجيلي لوقا وهو يكتب لليونان ركَّز علي اهتمام السيِّد بالمرأة، ويلاحظ في النص الذي بين أيدينا الآتي:
أولاً: قامت رفقة هؤلاء النسوة للسيِّد المسيح علي أساس خبرة العمل الخلاصي، فقد تمتَّعت المجدليَّة بالخلاص من سبعة شيَّاطين، وذاقت الأُخريات عذوبة كلمة الله، هذه الرفقة دامت طويلاً، فقد كانت النسوة يتبَعن السيِّد حتى في لحظات الصليب، ومنهن من سبقن التلاميذ عند الدفن وزيارة قبر المخلِّص، فصرن كارزات بالقيامة. وكانت أيضًا النساء يرافِقن التلاميذ في عبادتهم، وتمتَّعن معهم بعيد العنصرة كما جاء في سفر الأعمال.
علي أي الأحوال إن كان العهد القديم لم يتجاهل دور المرأة تمامًا، لكن العهد الجديد رفع من شأنها، فقد قيل عن هذا العهد: "ويكون بعد ذلك أنِّي أسكب روحي علي كل بَشَر فيتنبَّأ بنوكم وبناتكم" (يوئيل 2: 28). تتطلَّع الكنيسة إلي الفتيات والنساء كأعضاء في جسد المسيح يُشاركن الرجال عضويَّتهم، وقلوبِهن مذبحًا للرب، وهيكلاً للروح المقدَّس!
ثانيًا: لم تكن خدمتهن للسيِّد وقتيَّة، إذ جاء التعبير "كن يخدمْنَه" تعنى استمراريَّة العمل.
ثالثًا: إن كان السيِّد الخالق قد اِفتقر من أجلنا ليُغنينا، فإنه لم يستنكف من أن تعوله نسوة بأموالِهِنَّ. إنها محبَّة فائقة أن يقبل مُشبِع النفوس والأجساد أن تخدِمه الأيادي البشريَّة الضعيفة!
2. عمله كزارع (مثال البِذار)
كصديق حقيقي يشبِّه نفسه بالزارع الذي لا يتوقَّف عن إلقاء بذار حبُّه في كل تربة، لعلَّها تتقبَّلها، فتنبت وتنمو وتُثمر بلا عائق ثمار حب لا ينقطع. وقد سبق لنا الحديث عن هذا المثَل مع عرض لتعليقات كثير من الآباء في دراستنا لإنجيل متى (13: 10)، ولإنجيل مرقس (4: 2)، أرجو الرجوع إليها.
اكتفي هنا بإبراز النقاط التالية:
أولاً: يقول الأب ثيؤفلاكتيوس بطريرك بلغاريا (765-840)، أن السيِّد المسيح تحدَّث بأمثال ليجتذب السامعين، فقد اِعتاد الناس أن ينجذبوا للأمور الغامضة، وفي نفس الوقت لكي يبقى السرْ غامضًا لغير المستحقِّين، أي غير المهتمِّين بخلاص نفوسهم.
ثانيًا: لم يأتِ صديقنا السماوي ليدين البشريَّة، إنما ليقوم بزرع قلوبها ببذار فائقة. إنه الزارع الذي يغرس البذار بنفسه، وهو نفسه أيضًا البذار التي تُلقى في القلب. إنه لا يبخل علينا بنفسه، فلا يقدِّم بذارًا خارجيَّة كما فعل رجال العهد القديم، بل قدَّم ذاته حتى إن كنَّا طريقًا أو مملوءين حجارة أو أشواكًا، فإنه محبَّ للكل! يقول الأب ثيؤفلاكتيوس: ]لا يتوقَّف ابن الله عن بذر كلمة الله في نفوسنا، ليس فقط بكونه يعلِّم، وإنما بكونه يخلق مُلقِيًا البذار الصالحة فينا. [
يؤكِّد القدِّيس غريغوريوس النزينزي أن هذه الأنواع من التربة الواردة في هذا المثال لا تعني وجود طبائع مختلفة بين البَشَر لا يمكن تغييرها، كما قال بعض الهراطقة حاسبين أن الإنسان مصيَّر حسب طبيعته، وإنما جاء تعبير السيِّد "قد أعطى لكم" [10] ليعلن أن المثل قُدِّم لمن لهم إرادة ويستطيعون أن يتمتَّعوا بالتغيير بالرب.
3. يهب النور
يُلقي السيِّد المسيح بنفسه كبذار تعمل في داخل قلبنا لكي يظهر ثمر الروح فينا فنكون نورًا للآخرين، إذ يقول: "وليس أحد يوقد سراجًا ويغطِّيه بإناء، أو يضعه تحت سرير، بل يضعه على منارة، لينظر الداخلون النور، لأنه ليس خفي لا يظهر، ولا مكتوم لا يُعلم ويُعلن" [16-17].
سبق لنا التعليق علي هذه العبارات الإلهيَّة في تفسيرنا (مت 5: 15)، (مر 4: 21)، لذا نكتفي هنا بإبراز النقاط التالية:
أولاً: ما هو السِراج المتَّقد إلا القلب المُلتهب بنار الروح القدس، إذ نلنا في سِرَيّ العماد والميرون الروح الناري القادر أن يجعل منَّا خدام لله ملتهبين نارًا؟ لقد أكَّد السيِّد: "قد جئتُ لأُلقي نارًا"، وقد ألقى النار في حياتنا الداخليَّة، هذه التي تبقى ملتهبة فينا إن تَجاوَبنا مع عمل روح الله القدُّوس، فنُحسب سراجًا منيرًا، أما إذا تَغطِّينا بإناء، أو وُضعنا تحت سرير عوض وضْعنا علي منارة نفقد هذا النور. لذا يقول الرسول: "لا تطفئوا الروح " (1 تس 5: 19).
إن كان الرسول قد دعا الجسد إناءً خزفِيًا يحمل قوَّة الله فيه ككنز لا يقيَّم (2 كو 4: 7)، فإن إخفاء السراج داخل الإناء يعني عزل عمل الروح خلال شهوات الجسد، عوض تقديس الجسد بنار الروح! بمعنى آخر، ليتنا لا نُبطل عمل الروح فينا خلال أعمال الجسد، إنما نقبل تقديس الجسد بكل طاقاته وأحاسيسه بنار الروح!
إن كان الإناء يمثِّل الجسد، فإن السرير يمثِّل حياة "النوم" والرخاوة، فإنه ليس شيء يفسد حياتنا الروحيَّة مثل التراخي والكسل. بمعنى آخر ليتنا لا نحطِّم النار المقدَّسة فينا خلال سرير إهمالنا وتراخينا، بل بالحري نتجاوب معها خلال السهر والجهاد.
أما المنارة فتُشير لحياة الكرازة والشهادة للحق، فإن النور الذي فينا يتوهَّج بالأكثر خلال الخدمة الروحيَّة والشهادة للرب المصلوب.
ثانيًا: ما هو الخفي الذي يظهر والمكتوم الذي يُعلَم ويُعلَن، إلا حياة السيِّد المسيح نفسه التي يقدِّمها كبذار في داخلنا، إذ تنبت وتنمو شجرة حياة، تملأ القلب ثمرًا روحيًا سماويًا لا يُمكن إخفائه. يُعلن السيِّد المسيح فينا خلال حياتنا الداخليَّة من محبَّة وفرح وسلام وطول أناة ولطف وصلاح وإيمان ووداعة وتعفُّف (غلا 5: 13)، هذه التي تترْجم خلال سلوكنا الظاهر وتحرُّكاتنا! فما نتقبَّله خلال حياتنا السرِّيَّة وعبادتنا الشخصيَّة يُعلَن خلال تصرفاتنا.
ثالثًا: يقدِّم لنا السيِّد المسيح مبدأً أساسيًا في حياتنا الروحيَّة، هو: "من له سيُعطى، ومن ليس له فالذي يظنُّه له يُؤخذ منه" [18]. يمكننا أن ندعو هذا المبدأ "ديناميكيَّة الشركة مع الله في ابنه"، بمعنى أننا إن كنَّا أمناء نقبل "حياة المسيح فينا" بأمانة، فإن هذه الحياة لا تقف خاملة أو جامدة، إنما تنمو علي الدوام فينا. إذ لنا "الحياة في المسيح"، فإنه يُعطي لنا النمو الدائم لعلَّنا نبلغ قياس ملء قامة المسيح. يهبنا المسيح ما له ليصير في ملكيَّتنا "ما لنا"، كبذار حيَّة تُثمر فينا ويتزايد الثمر بلا توقُّف. أما من ليس له، أي الذي لا يقبل عمل الله فيه، فإن ما يظنه له من مواهب طبيعيَّة وبركات وراثيَّة حتى هذه الأمور تُنزع عنه! بمعنى آخر حياتنا في المسيح حركة لا تتوقَّف، والشر أيضًا حركة لا تتوقَّف، فمن يتجاوب مع السيِّد ينمو بلا انقطاع ومن يقبل الشرّ ينحدر فيه بلا حدود.
4. يطلب قرابة الكل له
إن كان السيِّد المسيح كصديقٍ حقيقيٍ يعمل فينا بلا انقطاع، فقد أراد الإنجيلي إبراز مستوى صداقته، أنها لا تنحاز لقرابةٍ جسديَّةٍ، إذ يريد الكل أقرباء له، أعضاء في العائلة السماويَّة. لهذا لما جاءت أُمُّه واخوته (أبناء خالته) يطلبونه ولم يقدروا أن يصِلوا إليه بسبب الجمع، أجاب وقال: "أُمّي وإخوتي هم الذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها" [21].
لا يقصد السيِّد المسيح التحقير من الروابط العائلية، وإنما وهو يحب أُمُّه ويهتم بها حتى في لحظات صلبه، يريد أن يرفعنا إلى القرابة علي مستوى الاتحاد معه، لا خلال الاستماع للكلمة فحسب، وإنما بالعمل بها أيضًا (راجع تفسير مت 12: 46، مر 3: 31).
v لم يقل هذا كمن يجحد أُمُّه، إنما ليُعلن كرامتها التي لا تقوم فقط علي حملها للمسيح، وإنما علي تمتُّعها بكل فضيلة.
الأب ثيؤفلاكتيوس بطريرك بلغاريا
v ألا ترى أنه في كل مناسبة لم يُنكر القرابة حسب الطبيعة، لكنَّه أضاف إليها ما هو بواسطة الفضيلة؟
القدِّيس يوحنا الذهبي الفم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:34 pm

v يليق به كمعلِّم أن يقدِّم الرب نفسه مثالاً للآخرين، فهو يأمر وينفِّذ ما يأمر به. فإنه إذ يوصي بأنه إن لم يترك الإنسان أباه وأُمُّه لا يستحق ابن الله (مت 10: 37، لو 14: 26) أراد أن يكون أول من يخضع لهذه الوصيَّة، لا ليقاوم إكرام الأم اللائق، إذ سبق فقال أن من لا يُكرم أباه وأُمُّه موتًا يموت (خر 20: 2، تث 27: 6) وإنما كان عالمًا أنه ينبغي أن يكون فيما لأبيه أكثر من عواطفه نحو أُمُّه، فرباطات الروح أقدس من رباطات الجسد.
ما كان يجب علي الذين يطلبون يسوع أن يقفوا خارجًا، لأن الكلمة قريبة منك، في فمك وفي قلبك (تث 30: 14، رو 11: 8). الكلمة تسمعها من الداخل، والنور أيضًا في الداخل، لذلك قيل: "اقتربوا إلىّ واستنيروا" (مز 33: 6)، فإنه إن كان لا يعرف أهله إن وقفوا خارجًا، فكيف يعرفنا نحن إن وقفنا نحن في الخارج؟...
لم يتعالَ المسيح علي أُمّه هنا، فقد عرفها وهو علي الصليب (يو 19: 26)، إنما أراد تمييز الوصايا الإلهيَّة عن الرباطات الجسديَّة.
يشير المسيح بأهله أنه سيُفضِّل الكنيسة التي آمنت به عن اليهود الذين جاء منهم المسيح حسب الجسد.
القدِّيس أمبروسيوس
5. تهدئة الأمواج
الآن إذ أبرز صداقته العاملة بلا انقطاع لكي يدخل الكل إلى القرابة معه خلال سماع الوصيَّة وممارستها، بدأ يظهر إمكانيَّاته للعمل فينا لتحقيق غايته فينا. ففي إعلان سلطانه علي الطبيعة يأمر الرياح والماء فتُطعيه يعلن إمكانيَّته للعمل فينا حتى وإن بدت الطبيعة مقاوِمة، أنه صاحب سلطان يدخل إلى قلبنا كما إلى السفينة ليأمر الرياح الداخليَّة أن تهدأ والأمواج أن تتوقَّف، مقيمًا سلامه الفائق للعقل داخل قلوبنا! (راجع تفسير مت 8: 23، مر 4: 35).
"وفي أحد الأيام دخل سفينة هو وتلاميذ،
وقال لهم: لنعبر إلى عبر البحيرة، فأقلعوا" [22].
إذ وقف أقرباؤه خارجًا ترك الموقع وانطلق مع تلاميذه في سفينة، متَّجِهًا إلى البر الآخر للبُحيرة. إنها صورة رمزيَّة لعمله الإلهي عندما وقف اليهود خاصته خارج الإيمان، فانطلق بتلاميذه خلال كنيسته أو صليبه (السفينة) إلي الأمم، الَبر الآخر من بحيرة هذا العالم. وإلي الآن السيِّد المسيح منطلق علي الدوام يعمل خلال خُدَّامه في كنيسته بلا توقُّف مشتاقًا إلي تجديد حياة الكل.
"وفيما هم سائرون نام،
فنزل نوء ريح في البحيرة" [23].
هذه هي المرَّة الوحيدة التي قيل فيها عن السيِّد أنه نام، ربَّما ليؤكِّد الإنجيلي حقيقة تجسَّده أنه أكل وشرب ونام وتألم الخ. ولعلَّ تعبير "نام" يشير هنا إلي الراحة، فالسيِّد إذ يدخل بتلاميذه إلى سفينته منطلقًا بهم إلي الخدمة يستريح فيهم، لا نوم الخمول، إنما نوم الراحة من جهتهم. ولعلَّ كلمة "نام" هنا ترمز لما يبدو لنا حين تهب الزوابع علينا حتى تكاد سفينة حياتنا تمتلئ، بينما يبدو الرب نائمًا لا يبالي أننا نهلك، مع أنه ضابط الكل، وكل ما يحدِّث بسماحٍ من عنده. فنومه يعني تأجيل ظهوره لكتم الضيقات، مع تركنا للجهاد بنعمته حتى نصرخ إليه وبه نغلب ونتكلل.
يرى القدِّيس يوحنا الذهبي الفم أن السيِّد نام لكي يعطي للتلاميذ فرصة لاكتشاف خوفهم وظهوره فيعالجه فيهم. أما القدِّيس أغسطينوس فيرى في نوم السيِّد رمزًا لنوم إيماننا به في داخلنا، إذ بالإيمان يحل السيِّد المسيح في قلوبنا (أف 3: 17)، فإن نام هذا الإيمان وفتر تهيج الأمواج ضدَّنا وتصير الحاجة مُلحَّة أن نوقظه بصراخنا إليه، أي بتذكُّر كلماته التي فاعليتها في حياتنا. أما القدِّيس أمبروسيوس فيُعلِّق علي نوم السيِّد أثناء اجتياز البحيرة، قائلاً:
]لا يستطيع أحد أن يجتاز هذا العالم بدون المسيح.
إن كان الذين معهم المسيح غالبًا ما يجدون مصاعب في مواجهة تجارب الحياة، وإن كان المسيح قد تصرف هكذا مع تلاميذه إنما ليسحب أنظارك، فتدرك أنه لا يستطيع أحد أن ينطلق من هذا العالم دون أن تعيقه التجارب فيتزكَّى فيه عمل الإيمان.
إن كنا نؤمن أن لله هدف وراء هذه العواصف فلنوقظ القبطان! إن كان حتى قادة السفينة عادة يتعرَّضون للخطر، فإلى من نلجأ، إلا إلي ذاك الذي لا تأسره الرياح، بل يأمر، ذاك الذي كُتب عنه أنه قام واِنتهر الريح؟...
كان نائمًا بالجسد لكنه مهتم بهم بلاهوته...
كان الكل خائفًا، وكان هو وحده نائمًا بلا اضطراب، فهو لا يشاركنا طبيعتنا فحسب، وإنما يكون معنا وسط الخطر ولو كان نائمًا بالجسد، إذ هو عامل بلاهوته...
لقد استحقُّوا اللوم، إذ قال لهم: "يا قليلي الإيمان" (مت 8: 26؛ 14: 31)، لأنهم كانوا خائفين مع أن يسوع كان معهم. أنهم لم يدركوا أن من يثبت فيه لا يمكن أن يهلك.
ثبَّت الرب إيمانهم وأعاد الهدوء وأمر الريح أن تسكت... الريح الذي قال له الملاك ميخائيل: "لينتهِرك الرب" (يه 9)...
لينتهر الرب فينا هذه العواصف الثائرة، فلا تخشى الغرق، بل تهدأ حياتنا المضطربة!
إن كان السيِّد لا ينام الآن، لكننا ليتنا نسهر لئلاَّ نراه نائمًا فينا، حين ينتاب جسدنا نوم الغفلة.[
6. شفاء مجنون الجدريِّين
سبق لنا عرض تعليقات كثير من آباء الكنيسة على شفاء مجنون الجِدريِّين (تفسير مت 8: 28؛ مر 5: 1)؛ أما ما نود أن نؤكِّده هنا أن الإنجيلي لوقا يبرز شخص المخلِّص كصديقٍ عاملٍ بلا انقطاع، يعمل من أجل إنسان أو إنسانين ولو كانا مجنونين مرذولين يسكنان القبور، حتى وإن كان عمله معهما يحطِّم آلاف من الخنازير أو يسبب له طردًا من الكورة. هكذا يقّيم السيِّد المسيح النفس البشريَّة ويقدِّرها، عاملاً فيها مهما كلَّفه الثمن! مستعد أن يربحها على حساب خليقته وعلى حسب مجاملات الكثيرين له.
من هو هذا المجنون الذي بقى زمانًا طويلاً عريانًا لا يلبس ثوبًا، بلا مأوى لا يسكن بيتًا، بل يعيش في القبور، مقيَّدًا بسلاسل وقيود، لا يقوى على العمل أو التفكير؟ إنه يمثِّل البشريَّة التي بقيت زمانًا طويلاً مستعبَدة لعدو الخير، مقيَّدة بسلاسل الخطيَّة وقيود الشرّ، لا تقوَى على العمل لحساب مملكة الله لبنيانها ولا التفكير في السماويَّات. لقد صارت خارج المدينة، خارج الفردوس الذي أقيم لأجلها، بلا بيت، إذ حرمت نفسها من السُكنى مع الله في مقدِسه الحقيقي، تعرَّت من ثوب النعمة الإلهيَّة، تؤذي نفسها بنفسها، تهرب نحو البراري، إذ لا تطيق حياة الحب والشركة مع الله والناس!
يعلق القدِّيس أمبروسيوس على هذا الرجل قائلاً:
[العريان هو مَن فقَدَ ثوب طبيعته (الأولى) وفضيلته...
الرجل الذي به شيطان يشير إلى شعب الأمم وقد غطته الرذائل فتعرَّى بجهالاته، وخُلعت عنه ثوبه...
تعمَّد القدِّيس متَّى أن يذكر أنه كان ساكنًا في القبور، فإن مثل هذه النفوس تبدو كأنها ساكنة في قبور. فإن أجساد غير المؤمنين ليست إلا نوعًا من القبور يُدفن فيها الأموات (النفوس الميِّتة)، حيث لا تسكن فيها كلمة الرب.
لقد اِندفع إلى الأماكن الخالية، أي الأماكن القفرة من فضائل الروح، التي تجنَّبت الناموس وانفصلت عن الأنبياء، فرفضتهم النعمة.
لم يعذِّبه شيطان واحد بل يهاجمه لجيئون.]
هكذا إذ صارت البشريَّة أُلعوبة لا في يد شيطان، بل شيَّاطين كثيرة، تلهو بها وتتبادلها لإذلالها، خرج إليها السيِّد ليحرَّرها من هذا العدو، ويرد لها الثوب الملوكي والبيت الإلهي ويهبها عقلاً وحكمة، وينعم عليها بالشركة معه.
والعجيب أن العدو إذ أدرك خلاص الإنسان على يديّ السيِّد، حسب خلاصنا هلاكًا له. يجد العدو لذّته في عذابنا، وعذابه في خلاصنا، إذ قال الشيطان: "أطلب منك أن لا تعذِّبني" [28]. ولعلَّه أدرك أنه عند تمام العمل الخلاصي يسقط هو تحت الدينونة، إذ يكون قد امتلأ كأسه.
على أي الأحوال مع ما يظهر عليه عدو الخير من قوةٍ وعنف وقسوة، وضحت في حياة هذا الرجل قبل شفائه، وفي قطيع الخنازير الذي هلك في الحال، إلا أنه أمام السيِّد المسيح في غاية الضعف، لا يقدر أن يدخل خنزيرة - كما يقول القدِّيس يوحنا الذهبي الفم - ما لم يسمح له الرب!
ليتنا لا نكون كخنزيرة في حياتنا الروحيَّة، نتمرَّغ في حمأة الخطيَّة، لئلا يجرفنا العدو وينحدر بنا إلي الهاوية، فنغرق ونهلك!
أخيرًا، إذ طلب الرجل من السيِّد أن يرافقه ليكون وسط الجماهير، قال له: "اِرجع إلي بيتك وحدِّث بكم صنع الله بك" [39]. وكما يقول القدِّيس يوحنا الذهبي الفم: [لننسحب من كل الأمور العالميَّة، ونكرِّس أنفسنا للمسيح، فنُحسب مساوين للرسل حسب إعلانه، وننعم بالحياة الأبديَّة]. بمعنى آخر ليتنا لا نهتم بالمظاهر الخارجيَّة، بل ننسحب إلي بيتنا الجديد، الذي هو "حياتنا في المسيح"، نمارس حقِّنا في العبادة والشهادة، فيتمجَّد الله فينا وتظهر أعماله نورًا يضيء في هذا العالم!
7. إبراء نازفة الدم
سبق لنا الحديث عن هذه المرأة (تفسير مت 9: 18؛ مر 5: 22)، لكن ما نود توضيحه هنا أن إبراء نازفة الدم جاء في الطريق ما بين لقاء يايرس للسيِّد، وإقامة ابنة يايرس، بينما كان السيِّد في طريقه إلى بيت يايْرُس. وقد تمَّ ذلك بهدف خاص وهو أن يايْرُس مع كونه رئيسًا للمجمع لكن إيمانه كان أضعف من إيمان قائد المائة. كان الأول يطلب من السيِّد أن يأتي بيته ليشفي ابنته التي أوشكت على الموت، أما الثاني فآمن أن السيِّد قادر أن يشفي غلامه بكلمة، وأنه لا حاجة لمجيئه إلى البيت، خاصة وأنه لا يستحق أن يدخل السيِّد هذا البيت!
كان قلب يايْرُس مضطربًا جدًا، وكانت اللحظات تعبر كسنوات طويلة، يشتاق أن يُسرع السيِّد لينقذ ابنته لئلا تموت، إذ لم يكن بعد يؤمن أنه قادر على الإقامة من الأموات. من يستطيع أن يُعبِّر عن نفسيَّة يايْرُس حين أوقف السيِّد المسيح الموكب كله ليقول: "من لمسني؟"، بينما كان يتعجَّل اللقاء؟ على أي الأحوال، أعطي الرب لهذا الرئيس درسًا في الإيمان، كيف اغتصبت امرأة مجهولة القوَّة خلال لمسِها هدب ثوبه، ونالت ما لم تنَلْه الجموع الغفيرة، معلنًا له إمكانيَّة التمتُّع بعمل المسيَّا وقوَّته.
ولعل السيِّد وهو منطلق إلى بيت يايْرُس رئيس المجمع أراد أن يقدِّم له كما للجماهير درسًا في "صداقته العاملة"، وأنه وهو يهتم برئيس المجمع لا يتجاهل امرأة مجهولة دنِسة حسب الشريعة، يعمل لحساب الكل ومن أجل الجميع.
قلنا أنه الصديق العامل بلا انقطاع... يعمل لحساب رئيس مجمع جاء يتوسَّل إليه من أجل ابنته، ويعمل أيضًا من أجل امرأة مجهولة، يعمل علانيَّة بانطلاقه إلى بيت يايْرُس، ويعمل خِفية، إذ قال أن قوَّة خرجت منه! هذا ومن ناحيَّة أخرى أراد أن يؤكِّد أنه ليس من وقت معيَّن للعمل، إنما كل وقته هو للعمل. أنه يشفي واهبًا قوَّة خلال الطريق لإقامة ابنة!
هذه المرأة التي فقدت رجاءها في الأذرع البشريَّة، إذ أنفقت كل أموالها على الأطبَّاء، لم تفقد ثقتها وإيمانها بالمخلِّص. لقد لمستْه، فنالت ما لم يناله الذين يزحِمونه، لذلك أراد الرب أن يتمجَّد فيها، فأعلن عن القوَّة التي خرجت منه، أما هي فجاءت مرتعدة [47] تحمل خوف الله، متعبِّدة إذ خرَّت له، شاهدة للحق إذ أخبرت قدام جميع الشعب عن سبب لمسها إيّاه وكيف برِئت في الحال.
لم يرد الرب أن يحاسبها، إنما أن يزكِّيها، إذ صارت تمثِّل الكنيسة الحاملة لخوف الله، العابدة بالحق، الشاهدة لعمل مسيحها.
أمام هذا المنظر الذي سحَب قلوب الكل فاض عليها الصديق الأعظم بهبات محبَّته، إذ قال لها: "ثقي يا ابنة، إيمانك قد شفاكِ، اذهبي بسلام" [48]. هي آمنت وهو يُزيد إيمانها أكثر فأكثر بقولِه "ثِقي"، فالإيمان هو عطيَّة الله لمن يسأله، والنمو في الإيمان هو هِبة لمن يمارس الإيمان. يهبنا الإيمان إن سألناه، ويُزيد إيماننا إن أضرمنا ما أعطانا إيَّاه.
وهبها النمو في الإيمان، كما أعلن عطيَّة البنوَّة بقوله: "يا ابنة"... هذه العطيَّة التي تفوق كل عطيَّة أو موهبة. هي آمنت ونالت، فمجَّدته بإيمانها، ويمجِّدها أيضًا هو بقوله: "إيمانك قد شفاكً". أخيرًا قدَّم لها عطيَّة السلام الروحي والنفسي: "أذهبي بسلام".
يا للعجب، فإنه كصديق اِهتمَّ بجسدها فشفاه، وبنفسها فأعطاها السلام، وبروحها فجعلها ابنة له تشارِكه أمجاده السماويَّة!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:35 pm

8. إقامة ابنة يايْرُس
رأى يايْرُس هذا المنظر، ولعلَّه بعدما اِضطرب في البداية إذ خشي التأخير، امتلأ إيمانًا، فصارت المرأة نازفة الدم معلِّمًا لرئيس المجمع عن طريق الإيمان.
لقد أراد الرب أيضًا أن يُزيد إيمان يايْرُس أكثر فأكثر، فسمح له بضيقة أمَرْ، إذ جاء واحد من داره يقول له: "قد ماتت ابنتك لا تتعِب المعلِّم" [49]. وقبل أن ينطق بكلمة سمع المعلِّم يقول: "لا تخف، آمن فقط فهي تُشفي" [50]. وقد سبق لنا الحديث عن إقامة ابنة يايْرُس (تفسير مت 9، مر 5)
1 و على اثر ذلك كان يسير في مدينة و قرية يكرز و يبشر بملكوت الله و معه الاثنا عشر
2 و بعض النساء كن قد شفين من ارواح شريرة و امراض مريم التي تدعى المجدلية التي خرج منها سبعة شياطين
3 و يونا امراة خوزي وكيل هيرودس و سوسنة و اخر كثيرات كن يخدمنه من اموالهن
4 فلما اجتمع جمع كثير ايضا من الذين جاءوا اليه من كل مدينة قال بمثل
5 خرج الزارع ليزرع زرعه و فيما هو يزرع سقط بعض على الطريق فانداس و اكلته طيور السماء
6 و سقط اخر على الصخر فلما نبت جف لانه لم تكن له رطوبة
7 و سقط اخر في وسط الشوك فنبت معه الشوك و خنقه
8 و سقط اخر في الارض الصالحة فلما نبت صنع ثمرا مئة ضعف قال هذا و نادى من له اذنان للسمع فليسمع
9 فساله تلاميذه قائلين ما عسى ان يكون هذا المثل
10 فقال لكم قد اعطي ان تعرفوا اسرار ملكوت الله و اما للباقين فبامثال حتى انهم مبصرين لا يبصرون و سامعين لا يفهمون
11 و هذا هو المثل الزرع هو كلام الله
12 و الذين على الطريق هم الذين يسمعون ثم ياتي ابليس و ينزع الكلمة من قلوبهم لئلا يؤمنوا فيخلصوا
13 و الذين على الصخر هم الذين متى سمعوا يقبلون الكلمة بفرح و هؤلاء ليس لهم اصل فيؤمنون الى حين و في وقت التجربة يرتدون
14 و الذي سقط بين الشوك هم الذين يسمعون ثم يذهبون فيختنقون من هموم الحياة و غناها و لذاتها و لا ينضجون ثمرا
15 و الذي في الارض الجيدة هو الذين يسمعون الكلمة فيحفظونها في قلب جيد صالح و يثمرون بالصبر
16 و ليس احد يوقد سراجا و يغطيه باناء او يضعه تحت سرير بل يضعه على منارة لينظر الداخلون النور
17 لانه ليس خفي لا يظهر و لا مكتوم لا يعلم و يعلن
18 فانظروا كيف تسمعون لان من له سيعطى و من ليس له فالذي يظنه له يؤخذ منه
19 و جاء اليه امه و اخوته و لم يقدروا ان يصلوا اليه لسبب الجمع
20 فاخبروه قائلين امك و اخوتك واقفون خارجا يريدون ان يروك
21 فاجاب و قال لهم امي و اخوتي هم الذين يسمعون كلمة الله و يعملون بها
22 و في احد الايام دخل سفينة هو و تلاميذه فقال لهم لنعبر الى عبر البحيرة فاقلعوا
23 و فيما هم سائرون نام فنزل نوء ريح في البحيرة و كانوا يمتلئون ماء و صاروا في خطر
24 فتقدموا و ايقظوه قائلين يا معلم يا معلم اننا نهلك فقام و انتهر الريح و تموج الماء فانتهيا و صار هدو
25 ثم قال لهم اين ايمانكم فخافوا و تعجبوا قائلين فيما بينهم من هو هذا فانه يامر الرياح ايضا و الماء فتطيعه
26 و ساروا الى كورة الجدريين التي هي مقابل الجليل
27 و لما خرج الى الارض استقبله رجل من المدينة كان فيه شياطين منذ زمان طويل و كان لا يلبس ثوبا و لا يقيم في بيت بل في القبور
28 فلما راى يسوع صرخ و خر له و قال بصوت عظيم ما لي و لك يا يسوع ابن الله العلي اطلب منك ان لا تعذبني
29 لانه امر الروح النجس ان يخرج من الانسان لانه منذ زمان كثير كان يخطفه و قد ربط بسلاسل و قيود محروسا و كان يقطع الربط و يساق من الشيطان الى البراري
30 فساله يسوع قائلا ما اسمك فقال لجئون لان شياطين كثيرة دخلت فيه
31 و طلب اليه ان لا يامرهم بالذهاب الى الهاوية
32 و كان هناك قطيع خنازير كثيرة ترعى في الجبل فطلبوا اليه ان ياذن لهم بالدخول فيها فاذن لهم
33 فخرجت الشياطين من الانسان و دخلت في الخنازير فاندفع القطيع من على الجرف الى البحيرة و اختنق
34 فلما راى الرعاة ما كان هربوا و ذهبوا و اخبروا في المدينة و في الضياع
35 فخرجوا ليروا ما جرى و جاءوا الى يسوع فوجدوا الانسان الذي كانت الشياطين قد خرجت منه لابسا و عاقلا جالسا عند قدمي يسوع فخافوا
36 فاخبرهم ايضا الذين راوا كيف خلص المجنون
37 فطلب اليه كل جمهور كورة الجدريين ان يذهب عنهم لانه اعتراهم خوف عظيم فدخل السفينة و رجع
38 اما الرجل الذي خرجت منه الشياطين فطلب اليه ان يكون معه و لكن يسوع صرفه قائلا
39 ارجع الى بيتك و حدث بكم صنع الله بك فمضى و هو ينادي في المدينة كلها بكم صنع به يسوع
40 و لما رجع يسوع قبله الجمع لانهم كانوا جميعهم ينتظرونه
41 و اذا رجل اسمه يايرس قد جاء و كان رئيس المجمع فوقع عند قدمي يسوع و طلب اليه ان يدخل بيته
42 لانه كان له بنت وحيدة لها نحو اثنتي عشرة سنة و كانت في حال الموت ففيما هو منطلق زحمته الجموع
43 و امراة بنزف دم منذ اثنتي عشرة سنة و قد انفقت كل معيشتها للاطباء و لم تقدر ان تشفى من احد
44 جاءت من ورائه و لمست هدب ثوبه ففي الحال وقف نزف دمها
45 فقال يسوع من الذي لمسني و اذ كان الجميع ينكرون قال بطرس و الذين معه يا معلم الجموع يضيقون عليك و يزحمونك و تقول من الذي لمسني
46 فقال يسوع قد لمسني واحد لاني علمت ان قوة قد خرجت مني
47 فلما رات المراة انها لم تختف جاءت مرتعدة و خرت له و اخبرته قدام جميع الشعب لاي سبب لمسته و كيف برئت في الحال
48 فقال لها ثقي يا ابنة ايمانك قد شفاك اذهبي بسلام
49 و بينما هو يتكلم جاء واحد من دار رئيس المجمع قائلا له قد ماتت ابنتك لا تتعب المعلم
50 فسمع يسوع و اجابه قائلا لا تخف امن فقط فهي تشفى
51 فلما جاء الى البيت لم يدع احدا يدخل الا بطرس و يعقوب و يوحنا و ابا الصبية و امها
52 و كان الجميع يبكون عليها و يلطمون فقال لا تبكوا لم تمت لكنها نائمة
53 فضحكوا عليه عارفين انها ماتت
54 فاخرج الجميع خارجا و امسك بيدها و نادى قائلا يا صبية قومي
55 فرجعت روحها و قامت في الحال فامر ان تعطى لتاكل
56 فبهت والداها فاوصاهما ان لا يقولا لاحد عما كان
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:36 pm

الأصحاح التاسع
صديقنا السماوي والتلاميذ
إن كنَّا قد رأينا في السيِّد المسيح الصديق المُحب لكل البشر، العامل بلا انقطاع لنقبل صداقته معنا وفينا، فإن هذا الأصحاح يقدِّم لنا غاية هذه الصداقة ألا وهو تجلِّيه في مؤمنيه وخدَّامه ليُعلن طبيعته السماويَّة في حياتنا. لقد افتقر لأجلنا ودخل معنا الآلام لكي يحملنا إلى غناه ومجدِه السماوي.
لم يقدِّم السيِّد أمجاد تجلِّيه دُفعة واحدة، لكنه إذ اختار الاثنى عشر تلميذًا تجلَّى في حياتهم خطوة خطوة ليعلن سلطان ملكوته خلال إرساليَّتهم بلا إمكانيَّات زمنيَّة لكنهم يحملون سلطانه في شفاء النفوس والأجساد. وهبهم أن يلمسوا تجلِّيه وإمكانيَّاته السماويَّة خلال رُعب هيرودس منه من بعيد. وشبَع الجموع الجائعة، وإعلان الآب عن شخصه لسمعان بطرس، وأخيرًا إذ حدَّثهم عن الصليب حمل معه ثلاثة من تلاميذه ينعمون عيانًا ببهائه على جبل تابور. بعد هذا التجلِّي المنظور خشيَ عليهم من الكبرياء فحدَّثهم عن الالتزام بالصليب والسلوك بروح التواضع مع خدمة الآخرين خلال الطريق الضيِّق.
1. إرساليَّة التلاميذ 1-6.
2. اضطراب هيرودس 7-9.
3. التلاميذ وإشباع الجموع 10-18.
4. التلاميذ والتعرف على شخصه 19-21.
5. التلاميذ والصليب 22-27.
6. التلاميذ ومجد التجلي 28-36.
7. التلاميذ وإخراج الأرواح الشرِّيرة 37-43.
8. التلاميذ وتسليم ابن الإنسان 44-45.
9. التلاميذ والتواضع 46-48.
10. التلاميذ وخدمة الآخرين 49-50.
11. التلاميذ والنار من السماء 51-56.
12. شروط التلمذة للسيِّد 57-62.
1. إرساليَّة التلاميذ
سبق لنا الحديث عن هذه الإرساليَّة أثناء تفسير مت 10: 1، مر 6: 7، لذا نكتفي هنا بإبراز أن السيِّد المسيح كصديقٍ سماويٍ نزل إلى أرضنا وحّل بيننا، واختار له تلاميذ من بين الأمميِّين ليتجلَّى فيهم معلنًا ذاتهخلال إمكانيَّاته التي قدَّمها لهم، هذه الإمكانيَّات هي:
أولاً: "ودعا تلاميذه الإثنى عشر"، هذه الدعوة الإلهيَّة للتلمذة لا تحمل قسرًا أو إلزامًا لقبولها عُنوة، إنما هي عرض حِبّي من الله نحو مُحبوبيه. لكنها في عيني قابليها تمثِّل توكيلاً، خلاله يعمل الوكيل باسم موكِّله ولحسابه وبإمكانيَّاته. فالتلاميذ خلال هذه الدعوة قبَلوا مركزًا جديدًا هو "الوكالة"، يعملون كوكلاء أسرار الله.
ثانيًا: "وأعطاهم قوَّة وسلطانًا على جميع الشيَّاطين وشفاء أمراض" [1].
إذ أقامهم وكلاء أسراره لم يبخل عليهم بمنحهم قوته وسلطانه على جميع الشيَّاطين وشفاء أمراض.
كثيرون لهم سلطان خلال مراكزهم كملوك أو رؤساء أو أشراف وقضاة، لكنهم لا يحملون في داخلهم قوَّة، فيُسيئون إلى مراكزهم كما إلى نفوسهم، أما السيِّد المسيح فقد وهبهم مع السلطان قوَّة. هذه القوَّة لا تقوم على مظاهر زمنيَّة خارجيَّة، إنما هي "روحه القدُّوس" الذي يسكن فيهم ويعمل بهم.
لقد ادَّعى الشيطان لنفسه سلطانًا، يسنده في ذلك ضعف البشريَّة التي اِنحنت أمامه ليملك عليها، حتى دُعي "رئيس هذا العالم"، كما دُعِي بالقوي. لكن سلطانه قام على خداعه للبشر وضعف البشرية، وجاءت قوَّته خلال ضلاله واِنحرافه. وكان لزامًا للتلاميذ لكي يُجابهوا هذا العدو أن يحملوا سلطانًا مسنودًا بالقوَّة الإلهيَّة.
ثالثًا: وأرسلهم ليكرزوا بملكوت الله، ويشفوا المرضى" [2].
هذه الإمكانيَّة هي "قوَّة الكرازة بالملكوت"، ليست حديثًا فلسفيًا، ولا دعوة لسلوك تقوي فحسب، إنما هي تمتُّع بالملكوت في داخل النفس. بمعنى آخر الكرازة الرسوليَّة هبة يقدِّمها الروح القدس حين ينقل النفس من الظلمة إلى ملكوت النور، لتنعم خلال مياه المعموديَّة بالبنوَّة لله، وتحوِّل الموقع الداخلي إلى سماء مقدَّسة للرب.
رابعًا: "وقال لهم: لا تحملوا شيئًا للطريق، لا عصى ولا مزودًا ولا خبزًا ولا فضَّة، ولا يكون للواحد ثوبان" [3].
إنه يسأل تلاميذه ممارسة الترك والتخلِّي، لا ليعيشوا في حرمان، وإنما ليكون لهم الرب نفسه كل شيء. والعجيب أنه قدَّم لهم القوَّة والسلطان ووهبهم قوَّة للكرازة وعمل الأشفية قبل أن يسألهم الترك؛ يأخذوه هو بكل إمكانيَّاته فيرفضوا الزمنيَّات بكل تفاهاتها.
لقد سألهم ألا يحملوا شيئًا، لا عصى ولا مزودًا ولا خبزًا ولا فضَّة ولا يكون لهم ثوبان، وصيَّة تليق بمن يدخل هيكلاً أو مقدَّسا للرب، فلا يحمل معه شيئًا من أمور هذا العالم، حتى لا يرتبك في شيء أو ينشغل بغير الله. هكذا يليق بالتلاميذ أن تصير حياتهم كلها وكأنها "وجود مع الله في مقدِسه"، يشعرون على الدوام - أينما وُجدوا كمن في مُقدَّسات إلهيَّة.
ليهبنا الله هذا الشعور الذي يملأ القلب مخافة مقدَّسة، ويرفع النفس لتحيا كمن تجلس في السماء، لا ترتبك بحِمل أمور هذه الحياة، ولا تحتاج إلى عصا أو مزود أو خبز أو فضَّة ولا تطلب ثوبين.
خامسًا: "وأيّ بيت دخلتموه فهناك أقيموا، ومن هناك اُخرجوا" [4].
لقد وهبهم أيضًا عطيَّة العضويَّة مع بعضهم البعض في جسدٍ واحدٍ، فإذ يجد الرسول بيوت المؤمنين مفتوحة له بكونها منازله الخاصة به، يقيم في أي بيت بلا كُلفة الضيافة، إنما يعيش كواحدٍ من أعضاء الأسرة، يشاركهم طعامهم اليومي العادي، ويبقى هناك حتى يخرج من المدينة.
لعلَّ هذه الوصيَّة أيضًا تقدَّم للخادم اِلتزامًا بالجديَّة في العمل، فلا يستغل محبَّة الناس له في المسيح ويحوِّلها إلى مجاملات، فتتحوَّل حياته إلى ولائم عِوض التركيز على نشر كلمة الله والكرازة بإنجيله. عدم التنقُّل من بيت إلى بيت ينزع عن العائلات روح المنافسة في واجبات الضيافة، الأمر الذي يشتهر به الشرق حتى يومنا هذا.
أخيرًا ربَّما أراد بهذا أن يكون هذا البيت نواة لإِنشاء كنيسة للمدينة، حيث يعتاد المؤمنون أن يلتقوا بالرسل فيه، وهناك يتعبَّدون خاصة ممارسة سرّ الشركة أو الإفخارستيا في اليوم الأول من الأسبوع. هكذا إذ ينفتح أول بيت للرسول ينال هذه البركة، فإنه على العكس: "كل من لا يقبلكم فاُخرجوا من تلك المدينة، واُنفضوا الغبار أيضًا عن أرجلكم شهادة عليهم" [5].
هكذا فعل برنابا وشاول عند خروجهما من أنطاكية (أع 13: 50). ولعلَّه يقصد بذلك أن الأمور الزمنيَّة مهما سمت فهي كالغبار الذي لا موضع له إلا عند القدمين. فعندما يرفُض الناس الكلمة الروحيّة من الخادم، يرفض هو أيضًا منهم حتى أتفه الأمور الزمنيَّة! الكنيسة لا تطلب مالاً بل تنفضه كغبارٍ عن قدميها، إنما تطلب النفوس! وقد جاءت الكنيسة تشدِّد على الأساقفة والكهنة ألا يقبلوا عطايا الأشرار غير التائبين، وكأنها تنفض الغبار على عتبة أبوابهم شهادة عليهم حتى يتوبوا!
يرى القدِّيس أمبروسيوس أن هذا الغبار يشير إلى الضعفات التي يليق بالراعي أن يحملها عن شعب الله، كقول الرسول: "من يضعف وأنا لا أضعف" 2 كو 11: 29)، لكن لا يترك الضعفات تلتصق به، بل يلقيها تحت قدَّميه، إذ يقول: [من واجب الكارز بالإنجيل أن يأخذ على عاتقه ضعفات المؤمنين الجسديَّة ويحملها بعيدًا ويسحقها تحت قدميه، هذه الأعمال البطَّالة التي تشبه الغبار.]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:36 pm

2. اضطراب هيرودس
إن كان السيِّد قد وهب تلاميذه إمكانيَّات سماويَّة للعمل لحساب صديقهم السماوي، فقد أراد أن يكشف لهم خطوة بخطوة عن سلطانه وإمكانيَّاته، وها هو الإنجيلي لوقا يروي لنا كيف اضطرب هيرودس عند سماعه عن أخبار السيِّد المسيح وأعماله. لم يقف الأمر عند اضطرابه، وإنما أيضًا تغيَّرت أفكاره، فمع كونه صدُّوقيًا لا يعترف بالقيامة من الأموات إلا أنه أمام الأحداث قال: "يوحنا أنا قطعت رأسه، فمن هو هذا الذي أسمع عنه مثل هذا؟" [9]. لقد تشكَّك في الأمر وبدأ يفكِّر فيما يقوله الناس ألعلَّه يوحنا أو إيليَّا أو واحدًا من الأنبياء القُدامى قد قام؟ وقد بدأ ضميره يثور في داخله، فلم ينسب قتل يوحنا لخداع هيروديَّا أو ابنتها، ولا للسياف بل لنفسه، قائلاً: "أنا قطعت رأسه"، وكان يطلب أن يرى يسوع. هذا كله قد تحقَّق خلال سماع هيرودس لأعمال السيِّد المسيح، دون أن يتحدَّث معه أحد بكلمة توبيخ أو يكرز له ببشارة مفرحة.
يمكننا أيضًا أن نقول إن كان صوت يوحنا المعمدان السابق للرب، الذي يهيئ الطريق قدَّامه لم يُخْمِد حتى بعد قتله، بل بقي عاملاً يُرعب قلب هيرودس، فكم بالأكثر كلمة المسيح نفسها والكرازة بها حين ينطق هو بها خلال تلاميذه؟ إنها كلمة - كما يقول الرسول بولس - لا تفيد!
3. التلاميذ وإشباع الجموع
نال التلاميذ الدعوة وتمتَّعوا بقوَّة وسلطان، ورأوا بأعينهم وسمعوا بآذانهم عن هيرودس الذي ينهار مضطربًا. والآن يُعلن لهم الرب أنه هو مُشبع الجموع الجائعة زمانًا طويلاً. وقد سبق لنا الحديث عن إشباع الجموع (مت 14: 14-21، مر 6: 35-44)، لذا نكتفي هنا بإبراز النقاط التالية:
أولاً: أراد السيِّد أن يختلي بتلاميذه منفردًا في مدينة بيت صيْدا، لكن الجموع إذ علموا تبعوه، فقبِلهم، وفي الأصل تعني الكلمة "قبِلهم" رحَّب بهم واستقبلهم. كان التلاميذ في حاجة أن ينفرد بهم السيِّد، لكن حتى هذا اللقاء المنفرد هو من أجل الشعب، فإن جاء يقابلهم الرب ببشاشة وترحاب. راحته وراحة تلاميذه في إراحة المتعبين، وإشباع النفوس الجائعة.
ثانيًا: جاءت هذه المعجزة بعد اِختيار التلاميذ وإرساليَّتهم ليُعلن غاية الإرساليَّة هي "إشباع البشريَّة الجائعة".
يُعلِّق القدِّيس أمبروسيوس على موقع هذه المعجزة بين الأحداث التي حولها، قائلاً:
[ما هو السبب الذي جعل البشير يذكر موت يوحنا المعمدان، إذ يشير هيرودس إلى موته [9]؟ ربَّما لأن الإنجيل الذي يُشبع الشعوب الجائعة بدأ بانتهاء الناموس.
لقد قدَّم الغذاء بعد شفاء نازفة الدم رمز الكنيسة، وبعد إرساليَّة الرسل المُرسلين للكرازة بملكوت الله.
تأمَّل من هم الذين تمتَّعوا بالوليمة؟ لم يتمتَّع بها الكسالى ولا الساكنون في المدينة كمن هم في المجمع ولا طالبو كرامات العالم، إنما يتمتَّع بها الباحثون عن المسيح في البرِّيَّة... هؤلاء يقبلهم المسيح، ويحدِّثهم لا عن العالم بل عن ملكوت السماوات. وإن كان من بينهم من غطَّت القروح جسده، يعطيهم الرب يسوع دواءه.
لقد دبَّر الله أن يُنقذ الذين شفاهم من جراحاتهم المؤلمة من الجوع، ويهبهم الغذاء الروحي، إذ لا يستطيع أحد أن يتمتَّع بالوليمة السماويَّة إن لم يُشفَ أولاً. المدعوُّون للوليمة تمتَّعوا بالشفاء أولاً. فمن كان أعرج نال القوَّة للمشي ليأتِ عند الرب، ومن كان قد حُرم من نور عينيه لم يدخل بيت الرب إلا بعد عودة البصر إليه. هكذا يسير الرب بتدبير حسن مقدَّس في كل حين، إذ يعطي أولاً غفران الخطايا ودواء للجراحات ثم يهيئ الوليمة السماويَّة...
القلوب الجائعة للإيمان الراسخ لا تُشبَع إلا بجسد المسيح ودمه.]
ثالثًا: يقول الإنجيلي "والمحتاجون إلى الشفاء شفاهم" [11]،إذ لم ينعم بالشفاء كل المرضى، إنما الذين يشعرون بالحاجة إلى الشفاء فيطلبون الطبيب. فطبيبنا سخي وقادر على الإبراء، لكنه لا يهب عطاياه إلا لسائليه، الذين يشعرون بالحاجة إليه، حتى لا يستخفُّوا بالعطيَّة ويحتقرونها.
ربَّما تتساءل: أنا لا أشعر بمرضي، فماذا أفعل؟ اِفعل ما صنعتهُ الجموع، إذ سارت وراءه تريد أن تسمعه، فتجوع إليه وتشعر بالحاجة إلى الشبع، عندئذ حتى إن لم تسأله شيئًا، التلاميذ يسألونه، والرب نفسه يتكفَّل بإشباع اِحتياجاتهم. نحن نحتاج أن نجلس معه، ونسمع صوته خلال إنجيله، فنشعر بالحاجة إلى الشفاء وإلى الشبع. يقول القدِّيس أمبروسيوس: [عندما يبدأ الإنسان في الاستماع يشعر بالجوع، ويرى الرسل جوعَهُ، فإنهم وإن كانوا لا يُشبِعون اِحتياجه، لكن المسيح يشبعه.]
رابعًا: من باب العاطفة البشريَّة سأل التلاميذ السيِّد: "اِصرف الجمع ليذهبوا إلى القرى والضياع حوالينا، فيبيتوا ويجدوا طعامًا، لأننا ههنا في موضع خلاء" [12].كانت عاطفة التلاميذ بشريَّة مجرَّدة وحساباتهم أيضًا بشريَّة، إذ ظنُّوا أن الأمر يحتاج إلى مالٍ كثيرٍ لشراء طعامٍ لهذا الشعب. وكما يقول القدِّيس أمبروسيوس: [لم يكونوا بعد قد فهموا أن غذاء المؤمنين لا يُباع، أما المسيح فيعرف أنه ينبغي أن يتمِّم لنا الفداء، وأن وليمته مجانيَّة.]
خامسًا: يُعلِّق القدِّيس أمبروسيوس على الغذاء الذي يقدِّمه لنا السيِّد المسيح حتى لا نخور في الطريق فلا نبلغ إلى الآب، معلنًا أن طعام الرب قوي يسند في الطريق، فإن خُرْنا، فالسبب هو فينا، أننا بإهمالنا نبدِّد القوَّة التي يهبنا إيَّاها. لقد اِستطاع إيليَّا أن يسير أربعين يومًا تسنده وجبة غذاء قدَّمها له الملاك ولم يَخُر كما سبق فخار في الطريق، أما وجبة المسيح فتسندنا كل أيَّام حياتنا.
أخيرًا فقد سبق لنا دراسة المفاهيم الرمزيَّة لعدد الرجال الذين شبعوا (5000 رجل) وللخمس خبزات والسمكتين الخ. إنما ما نود توضيحه هنا أن التلاميذ إذ تقبَّلوا البركة من يديّ المخلِّص ليس فقط أشبعوا الجميع، إنما بقيَ إثنتا عشر قُفَّة مملوءة كِسَرًا، لكل منهم قُفَّة، شهادة عمليَّة لعمل الله معهم. حينما يقدِّم المؤمن للغير يشبع الآخرون، وتمتلئ يداه ببركات الرب، بمعنى أن العطاء يُزيد بركة الرب في حياتنا.
4. التلاميذ والتعرُّف على شخصه
"وفيما هو يصلِّي على اِنفراد كان التلاميذ معه،
فسألهم قائلاً: من تقول الجموع إنِّي أنا؟" [18]
إذ اِلتقَت به الجموع تحدَّث معها، وشفى جراحاتها، وقدَّم لها طعامًا يشبعها، أما تلاميذه فدخل بهم معه إلى خُلْوة اِنفراديَّة لعلَّهم إذ يروه يصلِّي يستطيعون إدراك علاقته الفريدة مع أبيه. لقد صلَّى وكانوا معه، ليعلِّمهم الصلاة كطريقٍ للتمتُّع بأسرار الآب والابن، لذا جاء السؤال: من تقول الجموع إني أنا؟ لكي يعود فيسألهم: وأنتم من تقولون إنِّي أنا؟
إن كنَّا مع الجموع ننعم بأعماله العجيبة ونشبع ونرتوي، فإنه يريدنا أن نلتقي معه على اِنفراد نتمتَّع بأسراره الإلهيَّة، إذ يريد أن يقدِّم لنا نفسه شخصيًا، لنقول له مع بطرس الرسول: "مسيح الله!" وكما يقول القدِّيس أمبروسيوس: [يشمل هذا الاسم كل شيء، ويعبِّر عن طبيعته، ويحوي كل الفضائل.]
وقد سبق لنا الحديث عن هذا الحديث في شيء من التفصيل (تفسير مت 16: 13-20؛ مر 8: 27-30)، مع عرض تعليقات الآباء عليه.
5. التلاميذ والصليب
إذ أعلن بطرس الرسول إيمانه بالسيِّد المسيح، اِنتهرهم وأوصاهم ألا يقولوا ذلك لأحد [21]، "قائلاً أنه ينبغي أن ابن الإنسان يتألَّم كثيرًا، ويُرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة والكتبة، ويُقتل، وفي اليوم الثالث يقوم" [22].
لقد وضَّح أن غاية وصيَّته هذه لتلاميذه تأجيل الإعلان عن شخصه حتى تتحقَّق أحداث الصلب والقيامة، لأنهم "لو عرِفوا لَمَا صلبوا رب المجد" (1 كو 2: 8)، فلا يريد إعاقة هذه الأحداث. ففي الوقت الذي فيه أراد أن يُعلن عن ذاته لتلاميذه حتى لا يتعثَّروا بصلبه، أرادهم أن يصمِتوا ولا يُعلنوا عن شخصِه حتى يتم الصليب.
الحقيقة أن الكشف عن ذاته قد اِلتحم بالصليب، فلا قيمة لذبيحة الصليب ما لم يُعلن شخص المصلوب كابن الله الوحيد ومسيحه القدُّوس، ولا يمكننا أن نتمتَّع بشخص المسيَّا كابن الله وننعم به خارج الصليب. إن كان السيِّد المسيح هو الصديق السماوي، فقد جاء ليحملنا بحبه إلى صليبه، هناك بالحري نتعرف عليه ونقبله ونثبت فيه كأعضاء جسده، وندخل به إلى حضن أبيه.
هذا ولا يمكننا أن نتعرَّف على صليبه إلا بِحِملنا إيّاه معه كاختبارٍ يوميٍ تقويٍ، لذا اِلتحم حديثه عن صلبه بحديثه عن صلْبنا نحن معه يوميًا، أو حملنا صليبه وتمتَّعنا بشركة آلامه، إذ يكمل الإنجيلي حديثه هكذا: "وقال للجميع: إن أراد أحد أن يأتي ورائي، فليُنكر نفسه، ويحمل صليبه كل يوم، ويتبعني" [23].
يكشف لنا عن ذاته كي لا نتعثَّر في صليبه، ويجتذبنا إلى صليبه لكي ننحني معه نشاركه آلامه كل يومٍ بفرحٍ، فنُحسب أهلاً لشركة أمجاده. هذه هي شهوة قلب كل رسول بل وكل مؤمن: "لأعرفه وقوَّة قيامته وشركة آلامه متشبِّهًا بموته" (في 3: 10).
يقول القدِّيس جيروم: [صليبه هو عمود البشريَّة. عندما أقول "الصليب" لا أفكِّر في الخشبة، بل في الآلام. هذا الصليب يوجد في بريطانيا والهند وكل المسكونة... وأنت إن لم تكن نفسك مستعدَّة لحمل الصليب، كما هو الأمر بالنسبة لي (للمسيح) لا يمكنك ان تكون لي تلميذًا. طوبى للإنسان الذي يحمل في قلبه الصليب والقيامة، فيكون موضع ميلاد المسيح وقيامته! طوبى لمن له بيت لحم في قلبه، فيولد المسيح فيه كل يوم!... يُصلب المسيح فينا كل يوم، ونحن نصلب عن العالم... طوبى لمن يقوم فيه المسيح كل يوم! فإنه يقوم إن كان الخاطئ يتوب عن خطاياه حتى الهفوات منها!]
الصليب لا يحطِّم حياتنا مادمنا نحمله مع السيد المسيح غالب الموت، أو بمعنى آخر مادام يحمله المسيح الساكن فينا. خارج المسيح الصليب محطِّم للنفس، أما في المسيح، فهو طريق الخلاص والقيامة. لهذا يقول السيِّد المسيح نفسه: "فإن من أراد أن يُخلِّص نفسه يُهلكها، ومن يُهلك نفسه من أجلي فهذا يُخلِّصها" [24]، بمعنى أن من أراد أن يُخلِّص نفسه أي يمجِّدها بقيامتها الأبديَّة يلزمه أن يُهلكها بحملها الصليب مع مخلِّصها. فإن الصليب وإن حمل صورة الهلاك من الخارج، لكنه واهب الخلاص.
سحبت هذه العبارة الإلهيَّة فكر كثير من رجال التربية الحديثة، في أبحاثهم عن تربية الأطفال، إذ كشفت لهم عن مفهوم الحب الوالدي الحق، فإنه لا يستطيع أحد أن يُخلِّص أولاده ما لم يُهلك ذاته أو "الأنا ego". فإن كثيرين يُحبُّون أنفسهم أو ذواتهم في أولادهم، يريدون أن يشكِّلوا أبناءهم حسب أهوائهم وميولهم واشتياقاتهم، لا حسب فكر الأبناء ومواهبهم وإمكانيَّاتهم. إنهم في الحقيقة يأسرون أولادهم في سجن "الذات" الذي يصعب على الوالدين أن يحرِّروا أبناءهم منه! ونحن نستطيع أن نقول بأننا إذ نُصلب مع المسيح ننكر ذواتنا ونكفر بها، لنعيش أعضاء أحياء في جسد المسيح، هنا لا نأسر أولادنا في "الأنا"، إنما نشعر بهم كأشخاصٍ وأعضاءٍ معنا في الجسد الواحد، لهم شخصيَّاتهم المستقلَّة ومواهبهم وطاقاتهم وإمكانيَّاتهم التي يضمرها روح الله القدُّوس نفسه، أما نحن فنخدمهم ونوجِّههم بالحب الحق بلا أنانيَّة.
إذن الصليب هو سرْ حياة كل عضو في حياته الخاصة، وفي علاقاته الأُسريَّة، وفي علاقاته الكنسيَّة والاجتماعيَّة... إذ يعيش باذلاً في الرب لا يطلب لنفسه شيئًا فينال كل شيء. بقدر ما يجحد ذاته تنمو نفسه بالحب ويتجلَّى الله فيه، ويكون موضع حب السماء والأرض أيضًا، لهذا يؤكِّد القدِّيس أغسطينوس إنه يلزمنا أن نُهلك ذواتنا لنربح أنفسنا.
مرَّة أخرى يحدِّثنا عن الصليب بأسلوب آخر، قائلاً: "لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وأهلك نفسه أو خسرها؟" [25]. هنا لا يقصد بالعالم سكَّانه، إنما أمور هذا العالم الماديَّة والمعنويَّة. كما يقول القدِّيس أغسطينوس إن الإنسان إذ يعيش بروح الأنانيَّة "يحب ذاته"، فيما هو يتقوقع حول ذاته ينطلق إلى أمور العالم ليقتنصها لحساب ذاته. يريد أن يكون العالم كله خاضعًا لملذَّاته، عاملاً لحساب غناه أو كرامته أو ملذَّات جسده، فيفقد حبُّه لنفسه، إذ يُهلكها. أما من يقبل الصلب مع المسيح فإنه إذ يجحد ذاته وينطلق خارج الأنا ليموت بالحب عن الآخرين، ويتَّسع قلبه لاحتمال وخدمة الجميع، فيربح الكل لنفسه! لنمُت، فنحيا! لنُدفن مع البذار، فنُثمر ثلاثين وستِّين ومائة! فالصليب ربح لا خسارة، مادام يمثِّل شركة مع المصلوب.
هكذا يحدِّثنا السيِّد المسيح عن صلبنا معه، الأمر الذي يصعب على الإنسان الطبيعي أن يقبله، لذا يقول: "لأن من اِستحى بي وبكلامي فبهذا يستحي ابن الإنسان متى جاء بمجده ومجد الآب والملائكة القدِّيسين" [26]. وكما يقول العلامة ترتليان: [سأكون في أمان إن كنت لا اَستحي من ربِّي... لقد صُلب ابن الله، إني لا اَستحي وإن كان الناس يخجلون منه. لقد مات ابن الله، وأنا بكل طريقة أؤمن بهذا.] والخجل من السيِّد المسيح وصليبه قد يكون بالكلام كما بالعمل. فمن لا يحمل سمات السيِّد المسيح ويسلك بروحه ويقبل آلامه يكون قد اِستحى به وبصليبه.
هكذا يحثُّنا علي قبول السيِّد المسيح المصلوب في حياتنا اليوميَّة لكي نستطيع أن نختبر أمجاده، ونُحسب معه ورثة الله، نُكرم أمام السمائيِّين. هذه الخبرة، خبرة الأمجاد التي نبلغها خلال الصليب، ليست خبرة أُخرويَّة أو اِنقضائيَّة نتذوَّقها في العالم المقبل فحسب، وإنما هي خبرة حيَّة ننعم بعربونها الآن. لهذا يختم السيِّد حديثه عن الآلام واهبة الأمجاد بقوله: "حقًا أقول لكم أن من القيام ههنا قومًا لا يذوقون الموت حتى يروا ملكوت الله" [27].
لعلَّه قصد بهؤلاء القوم الثلاثة تلاميذ الذين حملهم معه علي جبل تابور لمعاينة مجده في لحظات التجلِّي، إذ جاء الحديث عن التجلَّي بعد هذا القول مباشرة، ولعلَّه قصد بالقوم التلاميذ الذين رأوا ملكوت الله يُعلن بين شعوب الأمم. غير أن القدِّيس أمبروسيوس يرى أن هؤلاء القوم هم المؤمنون الذين منهم من عاينوا السماء كمعلِّمنا بولس الرسول. ويمكننا أيضًا القول بأن هذا الوعد الإلهي يمس حياة كل واحد منَّا حين يتجلَّى ملكوت الله داخل النفس ينزع عنها موتها وفسادها ويهبها بهاءً سماويًا في الرب.
ويرى بعض المسيحيِّين الذين من أصل يهودي أن هذا القول يُشير إلى اليهود الذين يبقون تائهين في هذا العالم حتى يُعلن ملكوت الله لهم في أواخر الدهور برجوعهم عن رفضهم للمسيح.
(راجع أيضًا تفسير مت 16: 28؛ مر 9: 1).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:37 pm

6. التلاميذ ومجد التجلِّي
يمكننا في غير مبالغة أن نقول بأن غاية الإنجيل هو تمتُّعنا بتجلِّي السيِّد المسيح في كنيسته، في كل عضو من أعضائها، أي في أعماق نفوسنا، حتى ننطلق إلي إعلان مجده الكامل في يوم الرب العظيم. فإن كان الصليب والقيامة والصعود يمثِّلون عملاً واحدًا متكاملاً يحتل مركز إيماننا، فإن السيِّد المسيح في صلبه وقيامته وصعوده إنما يود أن يهبنا البصيرة الروحيَّة لنعاينه متجلِّيًا فينا، فنختبره وسط آلامنا مصلوبًا عنَّا، يقدِّم لنا بهجة قيامته وأمجاد سماواته في أعماقنا الداخليَّة. بمعنى آخر إن كنا نجاهد إنما لكي بالإيمان يُعلن السيِّد المسيح متجلِّيًا فينا، حتى نراه وجهًا لوجه متجلِّيًا في كمال بهائه في يوم الرب العظيم.
وقد سبق لنا الحديث عن التجلَّي (تفسير مت 17، مر 9) في كثير من الإفاضة، مع تعليقات للآباء... لذا اَكتفي هنا بتعليق للقدِّيس أمبروسيوس، إذ يقول: [رأى بطرس واللذين معه هذه النعمة مع أنهم كانوا مثقَّلين بالنوم، لأن بهاء اللاهوت غير المُحوى يسحقنا. إن كان ضوء الشمس لا يمكن للعين البشريَّة أن تثبِّت نظرها فيه فكيف يحتمل الجسد البشري مجد الله؟ لهذا في القيامة يلبس الجسد شكلاً أكثر نقاوة ورقَّة، متحرِّرا من نقائصه! لهذا أراد (بطرس) أن يتمتَّع بصورة القيامة بعد تلك الراحة (النوم الثقيل)، لهذا عند اِستيقاظهم رأوا مجده؛ ونحن أيضًا يليق بنا أن نستيقظ، فنشاهد عظمة المسيح. لقد تهلَّل بطرس لأن جاذبيَّة هذا الدهر لم تستطع أن تسبيه عن سحر القيامة. لذا قال: "جيِّد يارب أن نكون ههنا" علي مثال الدهر الآتي، "لي اِشتهاء أن اَنطلق وأكون مع المسيح ذاك أفضل جدًا" (فى 1: 23).]
ويلاحظ في التجلِّي الآتي:
أولاً: لأهميَّة التجلِّي أفاض الإنجيليُّون الثلاثة متَّى ومرقس ولوقا الحديث عنه، أما الإنجيلي يوحنا فتحدَّث عنه في اِختصار شديد ولكن بقوَّة ويقين، إذ يقول: "ورأينا مجده" (يو 1: 14). ولعلَّ التجلِّي لم يفارق قلب القدِّيس بطرس وفكره كل أيام كرازته، حاسبًا في التجلِّي علامة صدق الرسالة المسيحانيَّة، رابطًا بين التجلِّي وقوَّة بهاء المسيح ومجيئه، إذ يقول: "لأننا لم نتبع خرافات مُصنَّعة، إذ عرَّفْناكم بقوَّة ربَّنا يسوع المسيح ومجيئه، بل قد كنَّا مُعاينين عظمته، لأنه أخذ من الله الآب كرامة ومجدًا، إذ أقبل عليه صوت كهذا من المجد الأسْنَى: هذا هو ابني الحبيب الذي أنا سُرِرت به، ونحن سمعنا هذا الصوت مقبلاً من السماء إذ كنَّا معه في الجبل المقدَّس" (2 بط 1: 16-18).
ثانيًا: إن كان التجلِّي قد تحقَّق في اليوم الثامن من حديث الرب مع تلاميذه عن الصليب، فإنه حتى في لحظات التجلِّي كان موسى وإيليَّا يتكلَّمان معه عن "خروجه الذي كان عتيدًا أن يكمِّله في أورشليم" [31]. وكأن تجلِّي الرب فينا، أو تمتُّعنا بشركة بهائه ومجده فينا، هو ثمرَّة قبولنا صليبه في حياتنا، ويبقى هذا الصليب موضوع شُغلنا حتى وسط أمجاد التجلِّي. بمعنى آخر لن ننعم بتجلِّي الرب فينا في هذا العالم، ولا بظهور مجده لنا في اليوم الأخير، ما لم نقبل وصيَّة الصلب معه، وعندما ننعم بتجلِّيه هنا وهناك يبقى الصليب موضوع فرحنا وتسبيحنا الأبدي. هكذا يلتحم الصليب بالمجد، ويُعلن المجد قوَّة الصليب وسِرِّه الإلهي.
ثالثًا: تهتم الكنيسة بالتجلِّي، فتحتفل به كعيدٍ سيِّديٍ، بكونه شهادة حق للاهوته المُختفي في حجاب الجسد، أعلنه السيِّد لبعض من تلاميذه قدر ما يحتملوا ليُدركوا ما تنعم به الكنيسة في الأبديَّة بطريقة فائقة لا يُنطق بها.
في هذا التجلِّي نرى ما يهبه لنا ربَّنا كعطيَّة حين يغير طبيعة جسدنا التُرابي إلى جسد روحاني، ويقيمنا من فسادنا إلي عدم الفساد، خلال اِتِّحادنا به وتمتُّعنا بشركة ميراثه الأبدي، وكما يقول الرسول: "الذي سيُغيِّر شكل جسد تواضعنا ليكون علي صورة جسد مجده..." لكن تجلِّي الرب هو إعلان حقيقته المحتَجَبة عنَّا بسبب ضعفنا، مقدِّما إيَّاها قدر ما نحتمل، أما مجدنا نحن فهو عطيَّة مجانيَّة يهبها لنا.
رابعًا: يقول الإنجيلي: "وفيما هو يصلِّي صارت هيئة وجهُه متغيِّرة" [29].وكما قلنا إن إنجيل لوقا هو إنجيل "الصلاة"، لكن صلاة ربَّنا يسوع هي حديث الشركة مع الآب الواحد معه في اللاهوت، وليس حديث من تبنَّاه الله كعطيَّة. علي أي الأحوال حملنا ربَّنا يسوع معه علي الجبل، وكنائبٍ عنَّا أيضًا صلّى، حتى إن أردنا أن نتغيَّر عن شكلنا، وننعم بتجلِّي الرب في أعماقنا، يلزمنا أن نرتفع علي الجبل معه لنصلِّي، فلا طريق للتجليِّ بدون الصلاة!
7. التلاميذ وإخراج الأرواح الشرِّيرة
إن كان السيِّد المسيح قد اصطحب معه ثلاثة من تلاميذه إلى الجبل المقدَّس ليعلن لهم عن طبيعته كصديق سماوي، يشهد له الآب نفسه أنه الابن الوحيد موضع سروره، فيه تكمل النبوَّات ويتحقَّق الناموس، لذلك جاء موسى وإيليَّا متهلِّلان بمجيئه يتحدَّثان عن صلبه أو خروجه. به يفرح المجاهدون فيطلبون البقاء معه علي الجبل أبديًا ويُسر الراحلون (مثل موسى). أنه موضوع سلام السماء والأرض، ومصالحتهما معًا بدمه، فإنه نزل إلى السهل ليتجلَّى بطريقة أخرى، خلال عمله الإلهي بإخراج الأرواح الشرِّيرة التي حطَّمت حياة الإنسان. لقد جاء ليحمل البشريَّة إلى تجليِّه والتمتُّع بأمجاده، لكن هذا لن يتحقَّق إلا بتحريرها من عبوديَّة إبليس وجنوده. لهذا نزل السيِّد إلى السهل ليجد شخصًا قد اِستحوز عليه الشيطان فمزَّقه وصرعه [42]، وصار عِلَّة مرارة لأبيه وأقربائه وكل من هم حوله، فتقدَّم ليُنقذه هو وكل من هم حوله.
يمكننا القول بأن صديقنا السماوي الابن الوحيد بارتفاعه على الجبل وتجلِّيه يعلن بصورة أو أخرى البشريَّة وقد اِلتحمَت به لتنعم بشركة أمجاده، فتُفرِّح الآب وتُسِر السمائيِّين. وفيها تكمل كلمة الله وتتحقَّق النبوَّات، أما الابن الذي في السهل، وقد أسره الشيطان، فيمثِّل حال البشريَّة التي أحزنت قلب الآب وخَسرت شركتها مع السمائيِّين بسبب العصيان.
اشتكى الآب من المرارة التي يعيشها بسبب ابنه، قائلاً: "اُنظر إلى ابني، فإنه وحيد لي" [38].جاءت هذه الكلمات قويَّة ومملوءة حكمة، فمن جهة لم يطلب من المخلِّص إلا أن "ينظر". هذه الطلبة تحمل إيمانًا بحب المخلِّص الذي لا يَحتمل أن ينظر إنسانًا متألِّمًا وأبًا يتعذَّب من أجل وحيده، ومن جانب آخر فإنه يعلن أبوَّتَه الحانية لكنها عاجزة: "فإنه وحيد لي". هذا وفي حديثه قدَّم عتابًا: "طلبت من تلاميذك أن يخرجوه فلم يقدروا" [40]. فمع الاسِترحام المملوء إيمانًا قدَّم شكوى عن عجز التلاميذ!
الآن ماذا فعل السيِّد المسيح؟
أولاً: عاتب الجماهير: "أيها الجيل غير المؤمن والمُلتوي، إلى متى أكون معكم واَحتملكم؟ [41]،فقد اِشتهى جيلاً مؤمنًا يحمل سلطانًا يُرعب الشيَّاطين!
ثانيًا: قدَّم للآب نداءً: "قدِم ابنك إلي هنا" [41]، فإنه يريد كل مؤمن أن يتطلع إلي النفوس المحطَّمة والأسيرة كأبناء له يقدِّمها للرب خلال الصلاة لتنعم بالخلاص.
ثالثًا: اِنتهَر الروح النجس، وشفَى الصبي، وسلَّمه إلى أبيه [42]، أيْ طرد العدو المغتصب من موقع اِحتلاله لكي يُرجع الصبي إلى والده. لا يكفي طرد العدو، إنما يلزم رد المُغتصب لصاحبه، بمعنى آخر غاية مسيحنا ليس تحريرنا من إبليس فحسب، وإنما ردِّنا إلى حضن أبينا لنوجد معه ننعم بأحضانه الإلهيَّة. هذه هي غاية صديقنا السماوي: ردَّنا إلى أبينا في كمال الحرِّيَّة الحقيقية!
8. التلاميذ وتسليم ابن الإنسان
للمرَّة الثانية يتحدَّث السيِّد المسيح مع تلاميذه عن صلبه، قائلاً: "إن ابن الإنسان سوف يُسلَّم إلى أيدي الناس" [44]،بعد أن تحدَّث معه موسى وإيليَّا في ذات الموضوع. وبينما تعجَّبت الجموع من سلطان السيِّد وقوَّته، إذ خلَّص الصبي من الروح النجس، أراد ألاَّ ينسحب قلب التلاميذ إلي أمجاد زمنيَّة، بل إلى الصليب كإعلان لسلطانه في خلاص البشريَّة.
مع أن كلام السيِّد عن الصليب كان واضحًا لكنهم لم يفهموا القول، وبتدبيرٍ إلهيٍ أخفى عنهم سرْ الصليب حتى يتحقَّق.
9. التلاميذ والتواضع
لم يفهم التلاميذ حديث السيِّد الخاص بتسليمه للصلب كطريق لملكوته السماوي، إنما علي العكس بدأوا يفكِّرون من عسى أن يكون أعظم فيهم، فأخذ السيِّد المسيح ولدًا "وأقامه عنده، وقال لهم: من قَبِل هذا الولد باسمي يقبلني، ومن قبِلني يقبَل الذي أرسلني، لأن الأصغر فيكم جميعًا هو يكون عظيمًا" [48].
كصديقٍ سماويٍ يملك لا خلال العظمة الزمنيَّة والاعتداد بالذات، إنما خلال الحب المملوء تواضعًا، لذلك أراد في تلاميذه أن يحملوا سِماته ليملُكوا معه بروح التواضع.
يحذِّرنا الأب أوغريس من الكبرياء، في حديثه عن "ضد أفكار الشهوات الثمانية"، قائلاً: [روح المجد الباطل أكثر الأفكار خبثًا، مستعد أن ينمو في نفوس الذين يمارسون الفضيلة. يقودهم إلى إظهار جهادهم علانيَّة ليجمع المديح من الناس، فيتخيَّلون في أنفسهم أنهم يُشفون الناس، ويُفزِعون الشيَّاطين، وأن جماهير الناس يزدحمون حولهم ليلمسوا ثيابهم... شيطان الكبرياء هو علَّة تحطيم النفس تمامًا.]
ويحثنا الأب دوروثيؤس على التواضع، قائلاً: [لنتَّضع نحن أيضًا إلى حين فنخلُص. فإن كنَّا لا نستطيع احتمال متاعب كثيرة لأننا ضعفاء، فلنتَّضع. فإنني بيقين أؤمن أن العمل القليل الذي يُمارس بتواضع يجعلنا برحمة الله نوجد في ذات الموضع الذي ناله القدِّيسون بتعبٍ عظيمٍ كخدامٍ حقيقيِّين لله. نعم! إننا ضعفاء وعاجزين عن ممارسة أعمال كثيرة، لكن ألا نستطيع أن نتَّضع ؟ حقًا يا اخوة طوبى للإنسان الذي له تواضع حق.] (راجع أقوال الآباء أيضًا في تفسير (مت 18: 1، مر 9: 35).
10. التلاميذ وخِدمة الآخرين
"فأجاب يوحنا وقال:
يا معلِّم رأينا واحدًا يُخرج الشيَّاطين باسمك،
فمنعناه لأنه ليس يتبع معنا.
فقال له يسوع: لا تمنعوه،
لأن من ليس علينا فهو معنا" [49-50].
كما قلنا في تفسير مر 9: 38، أن الإنجيلي يوحنا لم يمنعه عن غيرةٍ منه أو حسدٍ له لكنه ِاِشتاق أن يكون معهم في تبعيَّتهم للسيِّد المسيح. وواضح من إجابة السيِّد المسيح أن هذا الرجل لم يكن ضدًا للمسيح بفمه ولا بقلبه، ولا قام بالعمل بفكر فردي اِنعزالي، إنما ربَّما ظروفه لم تسمح له بالتبعيَّة مع التلاميذ بشكل منظور، إنما كان واحدًا معهم في الإيمان. علي أيْ الأحوال فإن صديقنا السماوي بكلماته هذه يقدِّم لنا مفهومًا جديدًا للجماعة المقدَّسة، إنها ليست لقاءً جسديًا مجرَّدًا، لكنها وِحدة حياة وإيمان. أراد السيِّد في تلاميذه أن يكونوا أصحاب قلب متَّسِع بالحب يشتاقون أن يمارس الكل موهبته ليعمل الجميع لحساب ملكوت الله دون تعصُّب، لكن في وحدة إيمان ووحدة فكر روحي مستقيم.
11. التلاميذ والنار من السماء
"وحين تمَّت الأيام لارتفاعه ثبَّت وجهُه لينطلق إلي أورشليم.
وأرسل أمام وجهُه رُسلاً،
فذهبوا ودخلوا قرية للسامريِّين حتى يعدُّوا له.
فلم يقبلوه لأن وجهُه كان متَّجهًا نحو أورشليم.
فلما رأى ذلك تلميذاه يعقوب ويوحنا قالا:
يارب أتريد أن نقول أن تنزل نار من السماء فتفنيهم كما فعل إيليَّا أيضًا؟
فالتفت وانتهرهما، وقال: لستما تعلمان من أيِّ روح أنتما.
لأن ابن الإنسان لم يأتِ ليُهلك أنفس الناس بل ليُخلِّص،
فمضوا إلي قرية أخرى" [51-56].
أولاً: يقول الإنجيلي "حين تمَّت الأيَّام لارتفاعه" [51]،مستخدمًا ذات التعبير "ارتفاعه" الذي استخدم عند ارتفاع إيليََّا (2 مل 2: 9-11)، وفي تمجيد العبد المتألِّم (إش 42: 1) وعند صعود السيِّد المسيح (أع 11: 1-2)... وكأنه إذ قرُبت أيَّام السيِّد المسيح ليتمجَّد بدخوله إلي الآلام كعبدٍ ليعبُر إلي أمجاده صاعدًا إلي السماوات ثبَّت وجهُه منطلقًا نحو أورشليم، مركز المحاكمة وتدبير صلبه! فقد جاء لأجل هذه الساعة لكي يتألَّم عنَّا فيمجدنا معه وبه وفيه.
ذهب إلى أورشليم منطلقًا، كأنه يود أن يُسرع بالأحداث التي ترقَّبتْها كل الأجيال بكونها عمل الله الخلاصي، به يتمجَّد المؤمنون.
ثانيًا: رفضته قرية للسامريِّين، والسامريُّون كما نعلم هم غرباء نازحون من بابل ليقطُنوا عِوض المسبيِّين من إسرائيل سنة 721 ق.م، فجاءت عبادتهم خليطًا بين اليهوديَّة والوثنيَّة، لا يقبلون من العهد القديم سوى أسفار موسى؛ وكان اليهود لا يطيقون السامريِّين، وأيضًا السامريُّون لا يطيقون اليهود.
رفضت القرية أن تقبل المخلِّص، فاستأذن يعقوب ويوحنا السيِّد المسيح أن يطلبا كإيليَّا نارًا من السماء (2 مل 1: 10-11) فتفنيهم. ولعلَّه بسبب هذا الروح المتَّقد دعاهما السيِّد "بُوَانرْجس" أي اِبنيْ الرَعد
(مر 3: 17). لكن الرب رفض موبِّخًا إيَّاهما، فإنه ما جاء ليَدين بل ليُخلِّص. إنه طويل الأناة، ينتظر توبة الجميع، وبالفعل قَبلت السامرَّة الإيمان فيما بعد (أع 8: 5-25).
لم يأت السيِّد المسيح ليصطاد النفوس للإيمان قهرًا، إنما بالحب وطول الأناة، لأن من يقبل الإيمان عن خوف سرعان ما يتركه، أما من يقبله خلال الحب فيثبت فيه. يقول القدِّيس يوحنا الذهبي الفم: [يليق بنا أن نستخدم اللطف في اِستئصال المرض، فإن من يُصلح حاله خلال الخوف من آخر، يعود بسرعة فيسقط في الشرّ.]
لقد طلب التلميذان أن تنزل نارًا من السماء للإفناء، لكن الرب يقدِّم نفسه صديقًا سماويًا كندى يطفئ لهيب الشهوات، وإن أرسل نارًا فهو يقدِّم روحه القدُّوس الناري يلهِب القلب حبًا لا اِنتقامًا!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 2 Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:38 pm

12. شروط التلمذة للسيِّد
إن كان صديقنا السماوي يفتح ذراعيه بالحب مشتاقًا أن يضُم الكل إليه لينعموا بشركة أمجاده، فإنه لا يرسل نارًا تُفني رافضيه. وفي نفس الوقت لا يَصلح الكل للتلمذة له، بل من يتجاوب معه ليحمل فِكرِه وسِماته. وقد قدَّم لنا الإنجيلي لوقا ثلاثة أمثلة لأُناس اِلتقوا معه بقصد التلمذة له. في دراستنا لإنجيل متَّى (8: 19) أوردت تعليقات بعض الآباء في أمر الشخصين الأوَّلين: الكاتب الذي طلب أن يتبع المسيح لكن بنِيَّة غير صادقة، فأجابه السيد: "للثعالب أوجِرة ولطيور السماء أوكار، وأما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه"، وكأن ابن الإنسان لم يجد له موضعًا فيه، أما الثاني فهو إنسان حسن النِيَّة مشتاق للتلمذة، لكن عاقه واجب عائلي ضرورى في نظر الناس، ألا وهو الاهتمام بوالده حتى يدفنه. على أي الأحوال أضاف الإنجيلي لوقا شخصًا ثالثًا اِشتاق أن يتتلمذ للرب ويتبعه، لكن ليس في جِدِّيَّة كاملة أو نضوج صادق، فأراد أولاً أن يودِّع الذين في بيته. فكانت إجابة السيِّد له: "ليس أحد يضع يدَه علي المِحراث وينظر إلي الوراء يصلح لملكوت الله" [62].
ويلاحظ في هذه الأمثلة الثلاثة الآتي:
أولاً: صديقنا السماوي يعرف القلب الداخلي، فالأول والثالث طلبا التلمذة، ففضح قلبيهما الأول غير نقي في أعماقه وأهدافه، والثالث متواكل غير جاد، أما الثاني فلم يطلب بشفتيْه لكن الرب سمع طلبه ودعاه للتلمذة وإذ حدَّثه في صراحة أنه يوَدْ أن يَدفن والده أولاً، رفعه فوق الواجبات الزمنيَّة من أجل العمل الكرازي الخالد. الأول والثالث حُسبا أنهما غيوران ويصلُحان للعمل، والثاني في تواضع لم يطلب لكن الرب دعاه. بمعنى آخر ليتنا نطلب التلمذة لله لا بشفاهنا بل بنقاوة قلبنا ولهيبِهِ الداخلي، فيدعونا الرب نفسه ويضمِّد جراحات ضعفنا مهيِّئًا حياتنا للشهادة له.
ثانيًا: يُعلِّق القدِّيس أغسطينوس على الرجل الأول، قائلاً: [إذ أراد هذا الإنسان أن يتبع المسيح تأكَّد السيِّد أنه كان يطلب ما لنفسه لا ما هو ليسوع المسيح (في 2: 21)، إذ يقول: "ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السماوات" (مت 7: 21). هكذا كان هذا الإنسان لا يعرف نفسه كما كان الطبيب يعرفه. فلو أنه رأى نفسه وأدرك أنه مملوء رياءً ومكرًا لعرف مع من كان يتكلَّم. لذلك قال له: "للثعالب أوْجِِرَة، ولطيور السماء أوْكار، وأما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه" [58]، بمعنى أنه ليس له موضع في إيمانك. ففى قلبك تجد الثعالب لها أوْجِرة. إذ أنت مملوء مكرًا. وفي قلبك تجد طيور السماء أوكارًا لأنها مرتفعة ومتشامخة. أنت مملوء مكرًا وكبرياء فلا تتبعني، إذ كيف يمكن للماكر أن يتبع البساطة؟]
يمكننا أيضًا أن نقول بأن هذا الإنسان كان مرتبطًا بمحبَّة العالم، وقد طلب التلمذة للسيِّد، لا لأجل السيِّد نفسه، لكن بِغْية كرامة أرضيَّة أو نفع مؤقَّت، لهذا أعلن له السيِّد عن طبيعة المُعلِّم، فإن الثعالب التي تعيش في البرِّيَّة لها أوْجِرة ترتبط بها، وفيها تستريح، والطيور التي تهيم في الجو لها أوْكار تعود إليها من حين إلي آخر، أما ابن الإنسان فسماوي ليس له في الزمنيَّات راحة، ولا في الأرض موضع استقرار. لذلك فأنت لا تصلح بعد للتلمذة له إلا إن تحرَّر قلبك عن الأرض تمامًا، وانطلقت نفسك مرتفعة نحو السماويَّات. صديقنا سماوي يوََد في تلاميذه أن يحملوا سِِمة الفكر السماوي والحياة العُلويَّة الفائقة.
ثالثًا: يقدِّم لنا القدِّيس أمبروسيوس تفسيرًا مقاربًا لتفسير القدِّيس أغسطينوس بخصوص الإنسان الأول، إذ يقول:
[بالرغم من طاعته وخدمته المستمرَّة، لكنه لم ينل رِضى الرب، فإن الرب لا تهمُّه الخدمة الظاهرة بل نقاوة القلب، لذا سبق فقال: "من يقبل هذا الولد باِسمي"، معلِّمًا إيَّانا ألا تكون البساطة مغرضة، ولا المحبَّة حاسدة، وأن يكون البذل بلا غضبٍ، مشيرًا للبالغين أن يكون لهم قلب الأطفال... يليق بك أن تنعم بالبساطة الحقيقيَّة، أي تقتني هذه الطبيعة بالجهاد. لهذا قال الرب: "من قبِلَ هذا الولد باسمي فقد قبلني، ومن يقبلني يقبل الذي أرسلني". حقًا إن من يقبل من يتمثِّل بالمسيح يقبل المسيح، ومن يقبل صورة الله يقبل الله، لكننا إذ لم نستطع أن نرى صورة الله حلّ الكلمة بيننا بالتجسُّد ليقرِّب اللاهوت إلينا مع أنه أعلى منَّا...
"للثعالب أوْجِرة"؛ فالشيطان كالثعلب مخادع، ينصب الفخاخ ويحيا بالمكر... يبحث عن فريسة داخل مسكن الإنسان نفسه.
ويقارن الرب الهراطقة أيضًا بالثعالب، لذا يعزلهم عن حصاده: "خذوا لنا الثعالب الصغيرة المفسدة للكروم" (نش 2: 15)، الذين يستطيعون إفساد الكرم الصغير لا الكبير...
كثيرًا ما تشير طيور السماء للأرواح الشرِّيرة التي تبني أوْكارها في القلوب الشرِّيرة، فلا يجد ابن الله وسط هذه القلوب كلها أين يسند رأسه.
المكر لا يترك مكانًا للبساطة، ولا موضعًا للإلهيَّات في هذه القلوب... أما إذا رأى الرب طهارة قلب فيسند فيه عمل عظمته، أي الهبة العظيمة الفائقة التي تنسكب في قلوب الصالحين.]
رابعًا: يُعلِّق القدِّيس أغسطينوس عن الشخص الثاني الذي لم يطلب التلمذة بشفتيه كالأول، إنما تحدَّث بنقاوة قلبه، فكان مستعدًا للتلمذة، لكنه خلال اِلتزام عائلي تجاه والده طلب التأجيل، إذ يقول: [إيمان قلبه أعلن عن نفسه أمام الرب، لكن عاطفته واِلتزامه (الأُسَري) جعله يؤجِّل، غير أن المسيح الرب إذ كان يهيئ البشر للإنجيل لم يرد أن يُوجد عذر بسبب عاطفة جسديَّة مؤقَّتة. حقًا إن الشريعة الإلهيَّة قد قرَّرت هذه الالتزامات، والرب نفسه وبَّخ اليهود لأنهم حطَّموا هذه الوصيَّة الإلهيَّة (مت 15: 4-5). ويقول الرسول بولس في رسالته: "التي هي أول وصيَّة بوعد"... ما هي؟ "اِكرم أباك وأُمّك" (أف 6: 2). إذن هذا الشاب اِشتاق أن يطيع الله ويدفن أباه... حقًا يجب إكرام الأب، لكن يجب أن يطاع الله أولاً. يلزم محبَّة من ولدنا، لكنه لا يُفضل عمَّن خلقنا. كأنه يقول له: دعوتك لإنجيلي؛ أنا محتاج إليك للقيام بعملٍ آخر أعظم من العمل الذي توَد أنت أن تقوم به... دع الموتى يدفنون موتاهم.]
إن كان عيب الأول أنه في حماس بشري قال "اَتبعك أينما تمضي" بينما كان قلبه مرتبطًا بالعالم، فالثاني عيبه قوله "أمضي أولاً وأدفن أبي". فجعل دفن أبيه "أولاً"، بينما يلزم أن يكون الله أولاً. وكما يقول القدِّيس أغسطينوس: [جاء في سفر نشيد الأناشيد درس لنا، إذ تقول الكنيسة: "دبَّر الحب لي" (الترجمة السبعينيَّة)، أي ليكن الحب في تدبيره المناسب، يُقدِّم للكل كما يليق به، فلا تضع الحب الذي يجب تقديمه أولاً في المؤخِّرة... حب والديك لكن لتُفضِّل الله عنهما. لاحظ والدة المكابيِّين، وهي تقول: "يا أولادي أنا لا أعرف كيف ظهرتم في رحمي" (2 مك 7: 22). هكذا أوصتهم، فتبعوا وصيَّتها.]
يقول القدِّيس أمبروسيوس: [لكن كيف يُمنع هذا الإنسان من دفن أبيه مع أن هذا العمل من أعمال التقوَى؟ يعلِّمنا الرب أن يكون هو في المقدِّمة ويأتي بعده الإنسان. هذا العمل حسن لكنه غير لائق، لئلاَّ إذ يقسِّم (التلميذ) اِهتمامه تفتر محبَّته (للكرازة) ويتأخَّر نُموُّه. يليق بنا أن نذهب أولاً لعمل الكرازة حتى لا تُعاق... لذلك عندما أرسل الرب التلاميذ أمَرَهم ألا يُسلِّموا على أحد في الطريق، ليس لأن المحبَّة تُضايقه، وإنما لأن الاهتمام بنُموُّ الخدمة يُرضيه بالأكثر.]
يكمل القدِّيس أمبروسيوس حديثه فيقول: [لكن كيف يمكن لأن يدفن الموتى موتاهم؟ هنا يشير إلى موت مزدوج موت الجسد وموت الخطيَّة، بل ويوجد موت ثالث به نموت عن الخطيَّة ونحيا لله، كما فعل المسيح الذي مات عن الخطيَّة: "لأن الموت الذي ماته قد ماته للخطيَّة مرَّة واحدة، والحياة التي يحياها فيحياها لله" (رو 6: 10). يوجد موت يفصل الجسد عن الروح، هذا الموت يجب ألا نخشاه ولا نهابه، لأنه بداية الانطلاق وليس عقوبة، الأقوياء لا يرتعبون منه، والحكماء يشتهونه، والتعساء يتمنُّونه إذ قيل "يطلب الناس الموت ولا يجدونه" (رؤ 9: 6). ويوجد موت آخر يضع نهاية لملذَّات العالم حيث لا يموت الجسد بل تموت الخطيَّة، هذا الموت نمارسه عندما نُدفن مع المسيح ونموت معه في المعموديَّة (رو 6: 4؛ كو 2: 22)، نموت عن أمور هذا العالم، وننسَى حياتنا الأولى، هذا الموت أراده بلعام لكي يحيا لله، عندما تنبَّأ: "لتمُت نفسي موت الأبرار ولتكن آخرتي كآخِرتهم" (عد 23: 1). والموت الثالث يحمله المسيح (بالصليب) لحياتنا، فنحن نعرف أنه هو الحياة الأبديَّة (يو 17: 3)، يراه الأبرار الآن كما في لغز،ٍ لكنهم يرونه أخيرًا وجهًا لوجه لأن: "نفس أنوفنا مسيح الرب أُخذ في حفرهم الذي قلنا عنه في ظلِّه نعيش بين الأمم" (مر 4: 20)، وكان رجاء داود يكمن تحت ظل جناحيْه (مز 56: 2)، واِشتهت الكنيسة ظلُّه لتجلس تحته (نش 2: 3). إن كان ظلَّك يا ربِّي يسوع له نفع كهذا فكم تكون حقيقتك؟... "حياتكم مستترة مع المسيح في الله، متى أظهر المسيح حياتنا فحينئذ تُظهرون أنتم أيضًا في المجد" (كو 3: 3-4). عجيبة هي هذه الحياة التي لا تعرف الموت!... لا يمنع الرب أن نبكي ونَدفن موتانا، لكنه يضع التقوَى الدينيَّة في المرتبة الأولى ثم تليها الرباطات العائليَّة. ليُترك الموتى (روحيًا) أن يدفنوا موتاهم أما المُختارون فليتبعوه.]
خامسًا: أما بالنسبة للشخص الثالث فكان إنسانًا غير جادٍ في التبعيَّة للسيِّد، ذا قلب منقسم، يريد أن يتبع المسيح وفي نفس الوقت يحِنّْ للعالم. مثل هذا يبدأ ولا يكمل، لهذا قيل له: "ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله" [62].
الله يريد القلب كله له، ويبقى له دون اِرتداد للوراء، حتى لا يصير عمود ملح كامرأة لوط التي خلصت بخروجها من سدوم مع لوط وبنتيها، لكنها لم تكمل الطريق بل اِرتدَّت بقلبها فهلكت. من أجل هذا جاءت الوصايا تشدِّد لا أن نبدأ فقط، وإنما أن نكمل صابرين حتى النهاية لكي نخلص، فمن كلمات ربَّنا يسوع: "الذي على السطح فلا ينزل ليأخذ من بيته شيئًا، والذي في الحقل فلا يرجع إلى ورائه ليأخذ ثيابه" (مت 24: 17-18). هكذا من اِرتفع بالرب إلى السطح يعاين الأسرار السماويَّة، فلا ينزل إلى أسفل حيث الزمنيَّات، ومن انطلق إلى حقل الكرازة فلا يرجع عن الخدمة.
كتب القدِّيس جيروم إلى باولا Paula سائلاً إيَّاها ألا تُفرِط في الحزن بسبب وفاة بلاسيلا Blaesilla، يقول: [بالتأكيد، الآن إذ نؤمن بالمسيح ونحمله في داخلنا، فبسبب زيت مسحته التي قبلناها (1 يو 2: 27) يليق بنا ألا نفارق هيكله - أي عملنا المسيحي - ولا نرتبك كالأمم غير المؤمنين، بل نبقى على الدوام في الداخل كخدَّام مطيعين لإرادة الرب.] وكأنه يطالبها إذ كرَّست حياتها لخدمة الله والعمل الإنجيلي التعبُّدي لا تتراجع خلال الحزن فتترك عملها بسبب وفاة أحد، بل تكمِّل طريق جهادها حتى النهاية.
يقول القدِّيس يوحنا كاسيان: [إنه الأمر شرِّير للغاية أنه بينما يجب عليك أن تحمل المبادئ الأوليَّة والبدايات لكي تنطلق متقدِّما نحو الكمال تبدأ تسقط مرتدًا لأمور أردأ. فالعبرة لا لمن يبدأ بهذه الأمور بل لمن يصبر إلى المنتهى فيُخلُص (مت 24: 13).] كما يحثُّنا على الجهاد الروحي بلا توقُّف ولا تراجع، قائلاً: [إن ثِمة اِتِّهامًا موجَّها بطريقة خفيَّة في سفر التثنية إلى الذين يقولون بأنهم نبذوا هذا العالم غير أنهم ينهزمون في عدم إيمان خشية ضياع ممتلكاتهم الأرضيَّة، إذ قيل: "من هو الرجل الخائف والضعيف القلب، ليذهب ويرجع إلى بيته لئلاَّ تذوب قلوب اخوته مثل قلبه" (تث 20: 8) أيِّ شهادة أكثر وضوحًا من هذه؟... أليس من الواضح أن الكتاب المقدَّس يؤْثِر ألاَّ يقدِموا على هذا العهد في أوائل مراحله أو يحملوا اسمه، لئلا يصيروا قدوة سيِّئة تجتذب الآخرين للاِنحراف عن كمال الإنجيل المقدَّس.]
1 و دعا تلاميذه الاثني عشر و اعطاهم قوة و سلطانا على جميع الشياطين و شفاء امراض
2 و ارسلهم ليكرزوا بملكوت الله و يشفوا المرضى
3 و قال لهم لا تحملوا شيئا للطريق لا عصا و لا مزودا و لا خبزا و لا فضة و لا يكون للواحد ثوبان
4 و اي بيت دخلتموه فهناك اقيموا و من هناك اخرجوا
5 و كل من لا يقبلكم فاخرجوا من تلك المدينة و انفضوا الغبار ايضا عن ارجلكم شهادة عليهم
6 فلما خرجوا كانوا يجتازون في كل قرية يبشرون و يشفون في كل موضع
7 فسمع هيرودس رئيس الربع بجميع ما كان منه و ارتاب لان قوما كانوا يقولون ان يوحنا قد قام من الاموات
8 و قوما ان ايليا ظهر و اخرين ان نبيا من القدماء قام
9 فقال هيرودس يوحنا انا قطعت راسه فمن هو هذا الذي اسمع عنه مثل هذا و كان يطلب ان يراه
10 و لما رجع الرسل اخبروه بجميع ما فعلوا فاخذهم و انصرف منفردا الى موضع خلاء لمدينة تسمى بيت صيدا
11 فالجموع اذ علموا تبعوه فقبلهم و كلمهم عن ملكوت الله و المحتاجون الى الشفاء شفاهم
12 فابتدا النهار يميل فتقدم الاثنا عشر و قالوا له اصرف الجمع ليذهبوا الى القرى و الضياع حوالينا فيبيتوا و يجدوا طعاما لاننا ههنا في موضع خلاء
13 فقال لهم اعطوهم انتم لياكلوا فقالوا ليس عندنا اكثر من خمسة ارغفة و سمكتين الا ان نذهب و نبتاع طعاما لهذا الشعب كله
14 لانهم كانوا نحو خمسة الاف رجل فقال لتلاميذه اتكئوهم فرقا خمسين خمسين
15 ففعلوا هكذا و اتكاوا الجميع
16 فاخذ الارغفة الخمسة و السمكتين و رفع نظره نحو السماء و باركهن ثم كسر و اعطى التلاميذ ليقدموا للجمع
17 فاكلوا و شبعوا جميعا ثم رفع ما فضل عنهم من الكسر اثنتا عشرة قفة
18 و فيما هو يصلي على انفراد كان التلاميذ معه فسالهم قائلا من تقول الجموع اني انا
19 فاجابوا و قالوا يوحنا المعمدان و اخرون ايليا و اخرون ان نبيا من القدماء قام
20 فقال لهم و انتم من تقولون اني انا فاجاب بطرس و قال مسيح الله
21 فانتهرهم و اوصى ان لا يقولوا ذلك لاحد
22 قائلا انه ينبغي ان ابن الانسان يتالم كثيرا و يرفض من الشيوخ و رؤساء الكهنة و الكتبة و يقتل و في اليوم الثالث يقوم
23 و قال للجميع ان اراد احد ان ياتي ورائي فلينكر نفسه و يحمل صليبه كل يوم و يتبعني
24 فان من اراد ان يخلص نفسه يهلكها و من يهلك نفسه من اجلي فهذا يخلصها
25 لانه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله و اهلك نفسه او خسرها
26 لان من استحى بي و بكلامي فبهذا يستحي ابن الانسان متى جاء بمجده و مجد الاب و الملائكة القديسين
27 حقا اقول لكم ان من القيام ههنا قوما لا يذوقون الموت حتى يروا ملكوت الله
28 و بعد هذا الكلام بنحو ثمانية ايام اخذ بطرس و يوحنا و يعقوب و صعد الى جبل ليصلي
29 و فيما هو يصلي صارت هيئة وجهه متغيرة و لباسه مبيضا لامعا
30 و اذا رجلان يتكلمان معه و هما موسى و ايليا
31 اللذان ظهرا بمجد و تكلما عن خروجه الذي كان عتيدا ان يكمله في اورشليم
32 و اما بطرس و اللذان معه فكانوا قد تثقلوا بالنوم فلما استيقظوا راوا مجده و الرجلين الواقفين معه
33 و فيما هما يفارقانه قال بطرس ليسوع يا معلم جيد ان نكون ههنا فلنصنع ثلاث مظال لك واحدة و لموسى واحدة و لايليا واحدة و هو لا يعلم ما يقول
34 و فيما هو يقول ذلك كانت سحابة فظللتهم فخافوا عندما دخلوا في السحابة
35 و صار صوت من السحابة قائلا هذا هو ابني الحبيب له اسمعوا
36 و لما كان الصوت وجد يسوع وحده و اما هم فسكتوا و لم يخبروا احدا في تلك الايام بشيء مما ابصروه
37 و في اليوم التالي اذ نزلوا من الجبل استقبله جمع كثير
38 و اذا رجل من الجمع صرخ قائلا يا معلم اطلب اليك انظر الى ابني فانه وحيد لي
39 و ها روح ياخذه فيصرخ بغتة فيصرعه مزبدا و بالجهد يفارقه مرضضا اياه
40 و طلبت من تلاميذك ان يخرجوه فلم يقدروا
41 فاجاب يسوع و قال ايها الجيل غير المؤمن و الملتوي الى متى اكون معكم و احتملكم قدم ابنك الى هنا
42 و بينما هو ات مزقه الشيطان و صرعه فانتهر يسوع الروح النجس و شفى الصبي و سلمه الى ابيه
43 فبهت الجميع من عظمة الله و اذ كان الجميع يتعجبون من كل ما فعل يسوع قال لتلاميذه
44 ضعوا انتم هذا الكلام في اذانكم ان ابن الانسان سوف يسلم الى ايدي الناس
45 و اما هم فلم يفهموا هذا القول و كان مخفى عنهم لكي لا يفهموه و خافوا ان يسالوه عن هذا القول
46 و داخلهم فكر من عسى ان يكون اعظم فيهم
47 فعلم يسوع فكر قلبهم و اخذ ولدا و اقامه عنده
48 و قال لهم من قبل هذا الولد باسمي يقبلني و من قبلني يقبل الذي ارسلني لان الاصغر فيكم جميعا هو يكون عظيما
49 فاجاب يوحنا و قال يا معلم راينا واحدا يخرج الشياطين باسمك فمنعناه لانه ليس يتبع معنا
50 فقال له يسوع لا تمنعوه لان من ليس علينا فهو معنا
51 و حين تمت الايام لارتفاعه ثبت وجهه لينطلق الى اورشليم
52 و ارسل امام وجهه رسلا فذهبوا و دخلوا قرية للسامريين حتى يعدوا له
53 فلم يقبلوه لان وجهه كان متجها نحو اورشليم
54 فلما راى ذلك تلميذاه يعقوب و يوحنا قالا يا رب اتريد ان نقول ان تنزل نار من السماء فتفنيهم كما فعل ايليا ايضا
55 فالتفت و انتهرهما و قال لستما تعلمان من اي روح انتما
56 لان ابن الانسان لم يات ليهلك انفس الناس بل ليخلص فمضوا الى قرية اخرى
57 و فيما هم سائرون في الطريق قال له واحد يا سيد اتبعك اينما تمضي
58 فقال له يسوع للثعالب اوجرة و لطيور السماء اوكار و اما ابن الانسان فليس له اين يسند راسه
59 و قال لاخر اتبعني فقال يا سيد ائذن لي ان امضي اولا و ادفن ابي
60 فقال له يسوع دع الموتى يدفنون موتاهم و اما انت فاذهب و ناد بملكوت الله
61 و قال اخر ايضا اتبعك يا سيد و لكن ائذن لي اولا ان اودع الذين في بيتي
62 فقال له يسوع ليس احد يضع يده على المحراث و ينظر الى الوراء يصلح لملكوت الله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 2 من اصل 6انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5, 6  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشهيد العظيم مارجرجس :: المنتديات الكتابية :: الكتاب المقدس-
انتقل الى: