منتدى الشهيد العظيم مارجرجس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى الشهيد العظيم مارجرجس


 
البوابةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5, 6  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Emptyالجمعة يوليو 18, 2008 9:51 pm

الأصحاح الثامن عشر
الصلاة الحية والصداقة الإلهية
كان جوهر الحديث في الأصحاح السابق هو "الإيمان" كطريق للتمتع بالصداقة الإلهية، خلال تمتعنا بالملكوت الداخلي في القلب كعربون للملكوت الإلهي الأخروي أو الأبدي. هذا الإيمان يترجم خلال حياة الصلاة الدائمة أو العبادة الصادقة الملتحمة بروح التواضع والزهد مع قبول الألم، فتنفتح بصيرتنا الداخلية على الملكوت. هذا هو موضوع هذا الأصحاح!
1. الصلاة بلجاجة (الأرملة وقاضي الظلم) 1-8.
2. العبادة المتضعة (الفريسي والعشار) 9-14.
3. العودة إلى بساطة الطفولة 15-17.
4. التحرر من عبودية المال 18-30.
5. قبول الصليب 31-34.
6. الاستنارة (تفتيح عيني الأعمى) 35-43.
1. الصلاة بلجاجة (الأرملة وقاضي الظلم)
سبق فأعلن السيد أن "الصليب" هو طريق الملكوت، إذ ينبغي أن يتألم ابن الإنسان ويُرفض لكي يملك فينا، هكذا ينبغي أن تتألم كنيسته وتحمل صليبه وهي تنتظر مجيئه الأخير. ربما يتساءل البعض: كيف يمكننا أن نحتمل الصليب ونقبل الآلام بفرح من أجل الملكوت؟ وقد جاءت الإجابة هنا: الصلاة كل حين! مقدمًا لنا "مثلاً في أنه ينبغي أن يُصلي كل حين ولا يُمل" [1].
v إذ تحدث ربنا عن المتاعب والمخاطر التي ستحل أضاف العلاج في الحال، أي الصلاة الدائمة بغيرة.
الأب ثيؤفلاكتيوس
v إن كنت لم تنل موهبة الصلاة أو التسبيح كن لجوجًا فتنلْ... لا تمِل من الانتظار، ولا تيأس من عدم نوالك، لأنك ستنال فيما بعد.
القديس أوغريس
v لم يأمرنا أن نقيم صلاة من عشرة آلاف عبارة، لنأتي إليه لمجرد ترديدها... فنحن لا نأتي لكي نعلمه وإنما لنصارع معه، ونلتصق به بالطلب المستمر والتواضع وتذكر الخطايا.
القديس يوحنا الذهبي الفم
v ذاك الذي فداك يظهر لك ما يريده منك أن تفعله؛ يريدك في صلاة دائمة؛ يودك أن تتأمل في قلبك البركات التي تصلي من أجلها؛ يريدك أن تسأله فتنال صلاحه الذي يشتاق أن يهبه لك.
إنه لن يبخل قط ببركاته على من يصلي، لكنه برحمته يحث البشر ألا يملوا في الصلاة.
تقبل تشجيع الرب لك بفرحٍ، ولترد أن تتمم ما يأمر به وأن تكف عما يمنعك عنه.
أخيرًا، تأمل ما يوهب لك من امتياز مغبوط، أنك تتحدث مع الله في صلواتك، مظهرًا له احتياجاتك، فإنه يجيبك لا بكلمات وإنما برحمته، إذ هو لا يستخف بالسؤالات، وهو لا يمل إلا إن توقفت أنت.
القديس يوحنا الذهبي الفم
v لا تكن الصلاة مجرد عمل لوقت معين إنما هي حالة دائمة للروح. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: تأكد أنك لا تحد صلاتك بجزءٍ معين من اليوم. اتجه إلى الصلاة في أي وقت، كما يقول الرسول في موضع آخر: "صلوا بلا انقطاع" (1 تس 5: 17). يخبرنا الرسول أن نصلي "في الروح" (أف 6: 18)، بمعنى أن الصلاة لا تكون فقط في الخارج (بكلمات مسموعة) بل وفي الداخل، فهي عمل العقل والقلب. بهذا يكون جوهر الصلاة هو رفع العقل والقلب نحو الله.
v كتب بولس إلى أهل تسالونيكي: "صلوا بلا انقطاع" (1 تس 5: 17). وفي رسائل أخرى يوصي: "مصلين بكل صلاة وطلبة كل وقت في الروح" (أف 6: 18)، "واظبوا على الصلاة ساهرين فيها" (كو 4: 2)، "مواظبين على الصلاة" (رو 12: 12). وأيضًا يعلمنا المخلص عن الحاجة إلى الصلاة الدائمة بمثابرة خلال مثل المرأة التي بلجاجتها غلبت القاضي الظالم بسؤالها المستمر. من هذا كله يتضح أن الصلاة الدائمة ليست أمرًا عارضًا بل سمة أساسية للروح المسيحي. حياة المسيحي - بحسب الرسول - مختفية في الله بالمسيح (كو 3: 3)، لذا وجب على المسيحي أن يعيش في الله على الدوام بكل فكره ومشاعره؛ وإذ يفعل هذا إنما يصلي بلا انقطاع!
لقد تعلمنا أيضًا أن كل مسيحي هو "هيكل الله" فيه "يسكن روح الله" (1كو 3: 16؛ رو 8: 9). هذا الروح دائما حال فيه، ويشفع فيه، مصليًا في داخله "بأنات لا يُنطق بها" (رو 8: 26)، وهكذا يعلمه كيف يصلي بلا انقطاع.
v اُذكر أن القديس باسيليوس الكبير قد أجاب على السؤال: كيف استطاع الرسل أن يصلوا بلا انقطاع؟ قائلاً أنهم في كل شيء كانوا يفعلونه يفكرون في الله، عائشين في تكريس دائم لله. هذا الحال الروحي كانت صلاتهم التي بلا انقطاع.
الأب ثيوفان الناسك
قدم السيد المسيح مثل الأرملة وقاضي الظلم ليحثنا على الصلاة الدائمة،
"كان في مدينة قاضٍ لا يخاف الله، ولا يهاب إنسانًا.
وكان في تلك المدينة أرملة،
وكانت تأتي إليه، قائلة: انصفني من خصمي.
وكان لا يشاء إلى زمان،
ولكن بعد ذلك قال في نفسه: وإن كنت لا أخاف الله، ولا أهاب إنسانًا.
فإني لأجل أن هذه الأرملة تزعجني أنصفها لئلا تأتي دائمًا فتقمعني.
وقال الرب: اسمعوا ما يقول قاضي الظلم.
أفلا ينصف الله مختاريه الصارخين إليه نهارًا وليلاً وهو متمهل عليهم؟!
أقول لكم إنه ينصفهم سريعًا،
ولكن متى جاء ابن الإنسان ألعله يجد الإيمان على الأرض؟!" [2-8].
هكذا يحثنا السيد المسيح على الصلاة الدائمة بلا ملل، النابعة عن الإيمان بالله مستجيب الصلوات، لذا يعلن أنه في أواخر الدهور إذ يجحد الكثيرون الإيمان وتبرد المحبة تتوقف أيضا الصلاة، فيفقد الإنسان صلته وصداقته مع الله. هذا هو ما عناه بقوله "ألعله يجد الإيمان على الأرض؟!"، معلنًا حزنه على البشرية المحرومة من الصداقة الإلهية.
v فصل الإنجيل المقدس يبنينا في الالتزام بالصلاة والإيمان، بعدم اتكالنا على ذواتنا بل على الرب. أي تشجيع على الصلاة أكثر من مثل القاضي الظالم المُقدم لنا؟ فإن القاضي الظالم وهو لا يخاف الله ولا يهاب إنسانًا إلا أنه يصغي إلي الأرملة التي تسأله، مغلوبًا بلجاجتها وليس باللطف. إن كان قد سمع طلبتها ذاك الذي يكره أن يسأله أحد، فكم يسمع لنا نحن ذاك الذي يحثنا أن نسأله؟!
بالمقارنة العكسية إذ يعلمنا الرب أنه "ينبغي أن يُصلي كل حين ولا يمل" يضيفقائلاً: "ولكن متى جاء ابن الإنسان ألعله يجد الإيمان على الأرض؟!" إن سقط الإيمان بطلت الصلاة، لأنه من يصلي لمن لا يؤمن به؟ لذلك عندما حث الرسول الطوباوي على الصلاة، قال: "لأن كل من يدعو باسم الرب يخلص" (رو 10: 13). ولكي يظهر أن الإيمان هو ينبوع الصلاة أكمل قائلاً: "فكيف يدعون بمن لم يؤمنوا به؟!" (رو 10: 14). كي نصلي يلزمنا أن نؤمن ولكي لا يضعف ذلك الإيمان الذي به نصلي فلنصلِ. الإيمان يفيض صلاة، وفيض الصلاة يقوي الإيمان. أقول، إن الإيمان يفيض صلاة، وفيض الصلاة يهب قوة الإيمان عينه. فلكي لا يضعف الإيمان أثناء التجربة قال الرب: "اسهروا (قوموا) وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة" (22: 46)... ماذا يعني "تدخلوا في تجربة" إلا ترك الإيمان؟ فالتجربة تشتد برحيل الإيمان، وتنتهي بنمو الإيمان... ولكي تعرفوا أيها الأحباء بأكثر وضوح أن الرب بقوله: "اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة" يقصد ألا يضعف الإيمان ويهلك، يقول في نفس الموضع في الإنجيل: "هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة، ولكني طلبت من أجلك لكي لا يفنى إيمانك" (22: 31-32). ذاك الذي يحمي (إيماننا يصلي) أفلا يصلي ذاك الذي يتعرض للخطر؟
في كلمات الرب: "ولكن متى جاء ابن الإنسان ألعلّه يجد الإيمان على الأرض؟! [8]، يتحدث عن الإيمان الكامل، إذ يكون نادرًا على الأرض.
القديس أغسطينوس
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Emptyالجمعة يوليو 18, 2008 9:52 pm

v ينبوع كل بركة هو المسيح "الذي صار لنا حكمة من الله" (1 كو 1: 30)، إذ فيه صرنا حكماء وامتلأنا بالمواهب الروحية. الآن من كان متزن العقل يؤكد أن معرفة هذه الأشياء التي فيها نتقدم بكل وسيلة بالحياة المقدسة السامية والنمو في الفضيلة إنما هي عطية من الله، يتأهل الإنسان للفوز بها.
إننا نجد إنسانًا يسأل الله، قائلاً: "اظهر لي يا رب طرقك، علمني سبلك" (مز 24: 4). عديدة هي السبل التي تقودنا إلى الأمام نحو الحياة غير الفاسدة... لكنه يوجد سبيل واحد على وجه الخصوص نافع لكل السالكين فيه وهو الصلاة. لقد حرص المخلص نفسه أن يعلمنا إياه، مقدمًا لنا المثل الموضوع أمامنا كي نجاهد في الصلاة، إذ قيل: "وقال لهم أيضًا مثلاً في أنه ينبغي أن يصلى كل حين ولا يُمل" [1].
إنني أؤكد أنه من واجب من يكرسون حياتهم للخدمة ألا يتراخوا في صلواتهم، ولا يحسبونها واجبًا ثقيلاً ومرهقًا، بل بالحري يفرحوا من أجل الحرية التي يهبها الله لهم، فإنه يريدنا أن نتحدث معه كأبناء مع أبيهم.
ألا يُعتبر هذا فضلاً يستحق منا كل تقدير؟ لو بلغ إلينا إنسان عظيم ذو سلطان أرضي وسمح لنا أن نتحدث معه بكامل الحرية، أما نحسب هذا سببًا لائقًا للفرح العظيم؟! فلماذا نشك إن كان الله يسمح لكل واحدٍ منا أن يوجه حديثه له كيفما شاء، مقدمًا للذين يخافونه كرامة عظيمة كهذه، يتأهلون لنوالها؟!
لنبطل كل كسل هذا الذي يجعل الناس يمارسون الصمت الضار عن الصلاة، ولنقترب بالحري إليه بالمديح والفرح إذ نلنا وصية أن نتحدث مع رب الكل وإله الجميع، ولنا المسيح شفيعًا يهبنا مع الآب تحقيق طلباتنا. يكتب بولس الطوباوي: "نعمة لكم وسلام من الله أبينا والرب (وربنا) يسوع المسيح" (2 كو 1: 2). بل والمسيح نفسه يقول لرسله القديسين: "إلى الآن لم تطلبوا شيئًا باسمي، اطلبوا تأخذوا" (يو 16: 24). إنه شفيعنا، إنه كفارة عنا، إنه معزينا، واهبنا كل سؤالاتنا.
من واجبنا أن نصلي بلا انقطاع ككلمات الطوباوي بولس (1 تس 5: 7)، وكما هو معروف لنا حسنًا ومؤكد لنا ان ذاك الذي نقدم له سؤلاتنا قادر أن يحقق لنا كل شيء. لقد قيل: "ليطلب بإيمان غير مرتاب البتة، لأن المرتاب يشبه موجًا من البحر تخبطه الريح وتدفعه، فلا يظن ذلك الإنسان أنه ينال شيئًا من عند الرب" (يع 1: 6-7). فمن هو مرتاب يرتكب بالحق سخرية، فإن كنت لا تؤمن أنه يقترب إليك ويبهجك ويتمم طلبتك لا تقترب إليه بالكلية، لئلا تُوجد متهمًا القدير بكونك في غباوة مرتابًا. إذن لنتجنب هذا المرض الدنيء (الارتياب).
الله ينصت للذين يقدمون له صلواتهم لا بتراخٍ أو إهمالٍ بل بجديةٍ واستمرارية، هذا ما يؤكد لنا المثل الماثل بيننا. فإن كان مجيء الأرملة المظلومة قد غلب القاضي الظالم الذي لا يخاف الله ولا يهاب إنسانًا، حتى وهبها طلبتها بغير إرادته، أفليس ذاك الذي يحب الرحمة ويكره الظلم، الذي يمد يده على الدوام لمحبيه، يقبل الذين يقتربون إليه ليل نهار، وينتقم لهم بكونهم مختاريه؟
v لكن، ربما يقول قائل: هوذا المسيح يقول لرسله القديسين: "أحبوا أعدائكم، صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم"، فكيف نصرخ ضدهم (نطلب النقمة) دون أن نحتقر الوصية الإلهية؟...
عندما تُرتكب معاصي ضدنا شخصيًا، فلنحسب ذلك مجدًا لنا أن نغفر لهم، فنمتلئ حبًا مشتركًا، ونقتدي بالآباء القديسين، حتى وإن ضربونا أو سخروا بنا. نعم حتى وإن مارسوا كل أنواع العنف ضدنا، إذ يليق بنا أن نتحرر من كل عيب، ونسمو فوق الغضب والحقد. مثل هذا المجد يليق بالقديسين ويفرح الله. ولكن إن كانت خطية موجهة ضد مجد الله (كالبدع والهرطقات ومقاومة الكرازة بالحق)، فلنقترب من الله ونسأله معونته ونصرخ ضد مقاومي مجده، كما فعل العظيم موسى، إذ قال: "قم يا رب، فلتتبدد أعداؤك، ويهرب مبغضوك من أمامك" (عد 10: 35). كذلك الصلاة التي نطق بها الرسل القديسون... "أنظر إلى تهديداتهم"، بمعنى أبطل مقاومتهم وهب لعبيدك الحرية أن ينطقوا بكلمتك.
القديس كيرلس الكبير
v إننا نجد أيضًا الشهداء في رؤيا يوحنا (6: 10) يطلبون الانتقام مع أنه قد طُلب منا صراحة أن نصلي لأجل أعدائنا ومضطهدينا... لنفهم أن الشرير يهلك بطريقين: إما بتحوله إلى البرّ (فيهلك شره) أو بمعاقبته إن فقد فرصة التوبة. فإنه حتى لو تحول كل البشر إلى الله فسيبقى الشيطان مُدانًا حتى النهاية. إذن فالأبرار يطلبون الحياة العتيدة، وليس باطلاً يسألون النقمة.
القديس أغسطينوس
بمعنى آخر إن كانت هذه الأرملة تمثل الكنيسة كما تمثل كل عضو فيها، فإنها لا تطلب النقمة من الأشخاص بروح البغض والانتقام، إنما تطلب هلاك الشر من حياة الأشرار بقبولهم الإيمان، أو تطلب انقضاء الدهر حيث ينال أولاد الله الميراث ويُلقى عدو الخير وجنوده في الهلاك الأبدي.
2. العبادة المتضعة (الفريسي والعشار)
إن كان كلمة الله في حبه لنا نزل إلينا بروح التواضع ليحملنا فيه أعضاء جسده المقدس، فإنه يليق بنا لكي نثبت في هذه العطية ونحسب بالحق أحباء وأصدقاء أن نحمل روح التواضع فينا. لذلك قدم لنا مثل الفريسي والعشار، وكما قال القديس يوحنا الذهبي الفم في عظته الخامسة ضد أنوميانوس Anomoeans أن الفريسي ركب مركبة يجرها البرّ مع الكبرياء بينما مركبة العشار تجرها الخطية مع التواضع؛ الأولى تحطمت وهوت، والثانية ارتفعت وعلت بعد أن غُفرت خطايا العشار بتواضعه.
v عندما أشرت أخيرًا إلى الفريسي والعشار، وافترضت أن لهما مركبتان هما الفضيلة والرذيلة، أشرت إلى حقيقة كل منهما، كم هو مفيد تواضع الروح، وكم هو مفسد الكبرياء؟!
فالكبرياء وإن لازمه البرّ والأصوام وتقديم العشور فإن مركبته تتقهقر، وأما تواضع الروح وإن لازمه الخطية، لكنه يسبق حصان الفريسي، ولو كان الذي يقوده فقيرًا (في أعمال البرّ)! لأنه من كان أشر من العشار، ومع ذلك إذ كانت روحه متواضعة ودعى نفسه خاطئًا، وهو بحق خاطىء، إلا أنه سما على الفريسي الذي كان له أن يتكلم عن أصوامه ودفع العشور...
لقد نُزعت الشرور عن العشار، إذ اُنتزعت عنه أم كل الشرور، أي المجد الباطل والكبرياء. وعلى هذا الأساس يعلمنا الرسول بولس، قائلاً: "ليمتحن كل واحد عمله، وحينئذ يكون له الفخر من جهة نفسه فقط لا من جهة غيره" (غل 6: 6).
أما الفريسي فتقدم متهمًا العالم كله جهرًا، حاسبًا نفسه أفضل من جميع البشر. ومع أنه ولو فضل نفسه عن عشرة فقط أو خمسة أو اثنين أو حتى عن واحد، فإن هذا ليس بمقبول؛ لكنه لم يقف عند حدّ تفضيل نفسه عن العالم كله، بل واتهم البشرية كلها، وبهذا تخلف عن الركب كله.
وكما أن السفينة إن جرت كثيرًا بسبب الأمواج غير المحصية والعواصف الشديدة، تتحطم على الصخور في داخل الميناء وتفقد كل ما تحمله من كنوز، هكذا فعل الفريسي، إذ قدم أصوامًا، وصنع بفيض فضائله، إلا أنه لم يحكم لسانه، فتحطمت نفسه داخل الميناء، ورجع إلى بيته بعد الصلاة - أي في داخل الميناء - وقد أصابه دمارًا عظيمًا، وبدلاً من أن ينال نفعًا أدركه التحطيم!!
أيها الإخوة، إذ عرفنا هذا كله فلننظر إلى أنفسنا أننا آخر الكل، ولو كنا قد بلغنا قمة الفضيلة عينها، عالمين أن الكبرياء قادر أن يُسقط حتى السمائيين إن لم يحذروا، بينما تواضع الفكر يرفع من هاوية الخطايا أولئك الذين يعرفون كيف يسمون، وهذا ما جعل العشار يسبق الفريسي.
الكبرياء، أقصد غرور النفس، أقوى حتى من القوات غير المتجسدة، أي الشيطان، بينما تواضع النفس ومعرفة الإنسان لخطاياه التي ارتكبها جعلتا اللص يسبق الرسل إلى الفردوس...
إنني لا أنطق بهذا لكي نهمل البرّ، وإنما لكي نتجنب الكبرياء، ولا لكي نخطئ، بل نسمو بأفكارنا، إذ تواضع الروح هو ينبوع الحكمة الخاصة بنا.
القديس يوحنا الذهبي الفم
v عندما كان الفريسي يصلي ويشكر الله من أجل فضائله لم يكذب بل نطق بالحق، ولم يُدن من أجل هذا... لكنه عندما التفت نحو العشار وقال: "إني لست مثل هذا العشار" [11] ارتكب الإدانة!
القديس دوروثيؤس
v مع أن الفريسي كان يصوم يومين في الأسبوع إلا أنه لم يستفد شيئًا، لأنه افتخر بذلك على العشار.
القديس أثناسيوس الرسولي
v صلوات العشار غلبت الله الذي لا يُغلب!
v الكبرياء ضد التواضع، خلاله فقد الشيطان سموه كرئيس ملائكة... فكر أيها الأخ أية خطية هذه التي يقاومها الله؟!
القديس جيروم
v في كل كلماته لم يطلب (الفريسي) شيئًا من الله، لذلك لم ينل شيئًا. صعد ليصلي لكنه لم يفكر في الصلاة لله، وإنما في تمجيد ذاته. أكثر من هذا استخف بذاك الذي كان يصلي.
v وقف العشار من بعيد لكنه بالحقيقة كان قريبًا من الله. بإحساس ضميره كان بعيدًا لكن بتقواه اقترب.
v لم يجسر أن ينظر إلى فوق، إذ كان ضميره يضغط عليه إلى أسفل، أما رجاؤه فقد رفعه إلى فوق.
v صار الفريسي ملومًا لكونه متكبرًا، وليس لأنه يشكر الله.
v ليظهر دنس قلبك في اعترافك فتنتمي لقطيع المسيح، فإن الاعتراف بالخطايا يستدعي شفاء الطبيب... أَلم يصعد الفريسي والعشار إلى الهيكل؟! واحد ظن أن حالته جيدة والآخر أظهر جراحاته للطبيب... بالتأكيد لم يكن الفريسي سليمًا، لكنه ادعى ذلك، فنزل بدون شفاء. أما الآخر فأحنى عينيه إلى أسفل ولم يجسر أن يرفعهما للسماء، وقرع صدره قائلاً: "اللّهم ارحمني أنا الخاطي". فماذا قال الرب: "أقول لكم إن هذا نزل إلى بيته مبررًا دون ذاك، لأن كل من يرفع نفسه يتضع ومن يضع نفسه يرتفع" [13،14].
كما ترون من يطلب الافتخار لا يدخل بل يسقط، أما من يتواضع فيدخل من الباب بواسطة الراعي ولا يسقط.
القديس أغسطينوس
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Emptyالجمعة يوليو 18, 2008 9:52 pm

v لقد نطق (الفريسي) بما هو صدق، نطق به ليس في سمع إنسان، ومع هذا فقد دين... فأية عقوبة تسقط فيها النساء الثرثارات وهن يتكلمن بالكذب في كل موضع حتى في الأمور التي لا يصدقن هن إياها؟!
لنُقم بابًا ومزلاجًا على الفم (ابن سيراخ 28: 25)، فإن شرورًا بلا حصر تصدر عن الثرثرة، فبسببها تتحطم عائلات، وتتمزق صداقات، وتحدث مآسي. لا تشغل يا إنسان نفسك بما يخص قريبك (لا تدنه)!
القديس يوحنا الذهبي الفم
v واحد صلى فدين، لأنه لم يقدم صلاته بحكمة. قيل إن "إنسانين" صعدا إلى الهيكل ليصليا... فيدعو (المسيح) الذين يصلون بشرًا دون النظر إلى غناهم أو سلطانهم... إنه يتطلع إلي كل سكان الأرض كبشرٍ دون محاباة لأحد على حساب الآخر.
v كثيرة هي أخطاء الفريسي، أولاً لأنه كان متعجرفًا بلا إحساس، يمدح نفسه مع أن الكتاب المقدس يصرخ: "ليمدحك الغريب (قريبك) لا فمك، الأجنبي لا شفتاك" (أم 27: 2)...
v كن معتدلاً أيها الفريسي، وضع بابًا ومزلاجًا للسانك. أنت تتحدث مع الله العارف كل شيء، انتظر حكم الديان. ليس أحد من المهرة في ممارسة الصراع يضع الأكاليل لنفسه، وليس أحد يقبل التاج من نفسه، إنما ينتظر ما يقضي به الحكم. انحنِ بكبريائك، فالكبرياء مكروه لدى الله، ولعين في عينيه. مع أنك تصوم، فبذهنك المتعالي لا تنتفع به شيئًا. تعبك لا يُكلل، لأنك تمزج القاذورات بالروائح الطيبة. حتى حسب الشريعة الموسوية لا يمكن تقديم ذبيحة لله بها عيب، فقد قيل له إن كل غنم أو ثور يقدم ذبيحة لا يكون فيه عيب (لا 22: 21). لذلك فكل صوم يصحبه كبرياء توقع أن تسمع عنه من الله: "أليس هذا صومًا أختاره" (إش 58: 6). أنت تدفع العشور لكنك إذ تدين البشر عامة تخطئ إلى ذاك الذي كرمته. مثل هذا العمل غريب عن الفكر الذي يخاف الله، إذ قال المسيح: "لا تدينوا فلا تُدانوا، لا تقضوا على أحد فلا يُقضي عليكم" (لو 6: 37). ويقول أحد تلاميذه: "واحد هو واضع الناموس... فمن أنت يا من تدين غيرك؟!" (يع 4: 12). ليس أحد بصحةٍ جيدةٍ يحتقر مريضًا ملقيًا على فراش، إنما يخاف لئلا يسقط هو نفسه تحت نفس الآلام...
v ولكن ماذا عن العشار؟ يقول إنه وقف بعيدًا، لم يجسر حتى أن ينطق أو يرفع عينيه إلى فوق. ها أنت تراه خاليًا من كل نطق جسور، كمن ليس له حق في ذلك، بل كان مضروبًا بتوبيخات ضميره، يخشى حتى من أن ينظره الله، بكونه إنسانًا أهمل في شرائعه، حياته منحلة غير طاهرة.
ها أنت تراه يتهم نفسه بطريقة منظورة... لقد كان خائفًا من الديان، يقرع صدره، ويعترف بخطاياه، ويكشف مرضه كما إلى الطبيب، ويسأل نوال الرحمة. ماذا كانت النتيجة؟ اسمع ما يقوله الديان: "نزل (هذا الإنسان) إلى بيته مبررًا دون ذاك" [14] .
القديس كيرلس الكبير
v صلى (الفريسي) مع نفسه وليس مع الله، لأن خطية الكبرياء ردته إلى ذاته.
القديس باسيليوس الكبير
v لم يكفه الازدراء بكل جنس البشر لكنه هاجم أيضًا العشار. ربما كان خطأه أقل لو لم يهاجمه، لكن بكلمة هاجم الغائبين، وجرح من هو حاضر.
القديس يوحنا الذهبي الفم
هذا وقد أراد القديس باسيليوس الكبير في تعليقه على تصرف هذا الفريسي موضحًا الفارق بين الفكر المتعالي المملوء عجرفة وكبرياء والفكر السامي النبيل الذي يرتفع فوق الأهواء، لا يحطمه اليأس، ولا تشغله الزمنيات. بمعنى آخر التواضع لا يعني انحطاط الفكر بل سموه وارتفاعه خلال اتحاده بالسيد المسيح المتواضع، فنحمل مع الرسول بولس فكر المسيح.
أخيرًا فقد حمل هذا المثل صورة رمزية عامة، فالفريسي يمثل بوجه عام جماعة اليهود الذين حسبوا أنفسهم أبرارًا بالناموس دون سواهم، أما العشار فيشير إلى جماعة الأمم التي اشتاقت إلى الخلاص رغم فقرها في المعرفة، وحرمانها من كل ما سبق فتمتع به اليهود من عهود ووعود وشريعة ونبوات الخ.
3. العودة إلى بساطة الطفولة
إذ قدم لنا مثلاً عن التواضع كطريق حق به تُستجاب صلواتنا، فننعم لا بطلبات مادية، إنما ما هو أعظم الصداقة مع عريسنا السماوي المتواضع، الآن يقدم درسًا عمليًا ليكشف عن تواضعه وبساطته، موضحًا أنه يبسط ذراعيه للأطفال الصغار، أي للنفوس البسيطة المحبة للتواضع، إذ يقول الإنجيلي:
"فقدموا إليه الأطفال أيضًا ليلمسهم،
فلما رآهم التلاميذ انتهروهم.
أما يسوع فدعاهم، وقال:
دعوا الأولاد يأتون إليّ ولا تمنعوهم،
لأن لمثل هؤلاء ملكوت الله.
الحق أقول لكم من لا يقبل ملكوت الله مثل ولدٍ فلن يدخله" [15-17].
لقد جاء السيد المسيح للبشرية جميعها، لليهود كما الأممي، للرجال كما النساء والشيوخ والأطفال والشبان الخ.، جاء للكل ليقيم صداقة معهم. لقد تذوق آباء الكنيسة حلاوة صداقة المسيح، فشعروا بحقٍ أنه لا يليق أن يُمنع أحد ولو كان طفلاً عن اللقاء معه، لينعم بمخلصه - حتى وإن كان لم يرتكب خطية فعلية - وإنما ليقدس طبيعته التي تسلمها فاسدة، فتتجدد بالسيد المسيح في مياه المعمودية، ويقبل الرب صديقًا له.
v ليأتِ الصغار، ليأتِ المرضى إلى الطبيب، ليأتِ الذين هم مفقودون لمخلصهم، ليأتوا ولا يُمنع أحد عن المجيء.
إن كانت الفروع (الأطفال) لم ترتكب أية خطية بعد، لكنهم هلكوا بسبب أصلهم، "يبارك الرب الصغار مع الكبار" (مز 115: 13). ليلمس الطبيب الصغار مع الكبار...
إذ كان الفقدان شاملاً هكذا ليكن الخلاص عامًا. كلنا قد ضعنا، لنوجد جميعنا في المسيح... ليته لا يُعزل أحد عن خلاصه.
القديس أغسطينوس
[راجع أقوال القديسين كيرلس الكبير وأمبروسيوس ويوحنا الذهبي الفم وغيرهم في تفسير الإنجيل بحسب مرقس 10: 13-16].
4. التحرر من عبودية المال
إن كان هذا الأصحاح يركز على الصلاة كطريقٍ رئيسيٍ للتمتع بالصداقة الإلهية، فقد رأينا أن الصلاة تلتحم بالإيمان الذي يدفعنا إليها لنمارسها بلا انقطاع ولا ملل، هذا وحياة الصلاة ليست حياة تعبدية مجردة وإنما تلتحم مع سمة المؤمن الذي يلزم أن يكون بسيطًا كالأطفال في حكمة الروح. الآن يحذرنا من عدو خطير يفقدنا روح الصلاة ألا وهو التعبد للمال. لقد التقى شاب بالسيد المسيح وكان يود أن يتبعه، قائلاً له: "أيها المعلم الصالح ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟"... وقد وقف حبه للغنى عقبة في تبعيته للسيد المسيح.
سبق لنا في شيء من التفصيل أن عرضنا لهذا اللقاء والحوار الذي تم بين السيد المسيح وهذا الشاب الرئيس عند دراستنا للإنجيل بحسب مرقس 10: 17-25، وأوردت بعض أقوال للآباء في هذا الشأن، أرجو الرجوع إليها، مكتفيًا هنا بعرض مقتطفات أخرى لأقوال بعض الآباء القليلة مكملة للسابقة.
v لا أتردد في دعوة هذا الرئيس طماعًا، منتهرًا إياه مع السيد المسيح، لكنني لا أقول إنه مجرِب للسيد (كالفريسيين).
القديس يوحنا الذهبي الفم
v لم يخبرنا أن نبيع ما لنا لأنها أشياء شريرة بطبعها، وإلا ما كانت من صنع الله. لم يأمرنا أن نلقيها عنا كأمور رديئة بل نوزعها. لا يُدان أحد لأنه يملك شيئًا وإنما لأنه يفسد ما يملكه. بهذا فإنه بحسب وصية الله نلقي عنا ما لنا لغفران خطايانا والتمتع بالملكوت.
القديس باسيليوس الكبير
v حتى إن كنتَ غنيًا، فالطبيب قادر أن يشفيك. إنه لن ينزع الغنى، إنما ينزع العبودية للغنى ومحبة الطمع في الربح.
القديس يوحنا الذهبي الفم
v يستطيع الله أن يشبع الفقراء دون أن نحنو نحن عليهم، لكنه يطلب من الذين يقدمون العطاء أن يرتبطوا بالحب مع من يقبلون منهم العطاء.
القديس يوحنا الذهبي الفم
v الله صالح، كامل الصلاح وحده، وإذ أنت صورته يليق بك أن تكون صالحًا. إنه سخي مع الجميع، فينبغي عليك أن تكون كريمًا، تتجنب الجشع، ولا تبخل على قريبك بأي شيء مادي زائل، فإن هذا أعظم كارثة وجهالة.
الأب يوحنا من كرونستادت
v رجل الله هو من مات عن حاجاته الضرورية لرأفته الكثيرة. من يرحم فقيرًا تتلقفه عناية الله، ومن يفتقر من أجل الله يجد كنوزًا لا تفرغ.
مار إسحق السرياني
والعجيب أنه حينما يخلع الإنسان عنه محبة العالم ويتحرر من قيود عبودية حب الغنى وشهوة المال يهبه الرب أضعافًا كثيرة من البركات حتى الزمنية مع المجد الأبدي. هذا ما أكده صديقنا الحقيقي بإجابته على بطرس القائل: "ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك" [28]، قائلاً: "الحق أقول لكم إن ليس أحد ترك بيتًا أو والدين أو إخوة أو امرأة أو أولادًا من أجل ملكوت الله، إلا ويأخذ في هذا الزمان أضعافًا كثيرة وفي الدهر الآتي الحياة الأبدية" [29-30]. وقدسبق لنا عرض أقوال بعض الآباء وتعليقاتهم على كلمات السيد المسيح هذه في تفسير (مت 19: 26-27؛ مر10: 28-30)، أرجو الرجوع إليها.
5. قبول الصليب
إن كان يليق بالمسيحي أن يتحرر من عبودية محبة المال وقيود طلب الغنى الزمني لترتفع نفسه بالروح القدس متحررة نحو السماويات، تعيش مع عريسها الأبدي تحمل سماته، فإنه لا يمكن التمتع بالمسيح المصلوب في أمجاده دون مشاركته الصليب، لهذا كان السيد المسيح يوجه أنظار تلاميذه نحو صليبه وآلامه وموته كطريق حقيقي للمجد.
"وأخذ الاثني عشر، وقال لهم: ها نحن صاعدون إلى أورشليم،
وسيتم كل ما هو مكتوب بالأنبياء عن ابن الإنسان.
لأنه يُسلم إلى الأمم ويُستهزأ به ويُشتم ويُتفل عليه.
ويجلدونه ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم.
وأما هم فلم يفهموا من ذلك شيئًا،
وكان هذا الأمر مخفي عنهم،
ولم يعلموا ما قيل" [31-34].
سبق لنا التعليق - بأقوال الآباء - على هذه الكلمات المقدسة في تفسير مت 20: 17؛ مر 10: 32-34؛ مر 8: 31-33). على أي الأحوال إن كان السيد قد سبق فأعلن لتلاميذه عن آلامه لكي يهيئهم لقبولها كسمة رئيسية في حياة صديقهم السماوي، فإنه يعلن دومًا وبصراحة عن التزامنا بقبول آلامه لنحمل سمته فينا، فنتأهل أن ندخل شرف دائرة صليبه ونكون شركاء المصلوب!
v إذ سبق فرأى المخلص قلوب تلاميذه تضطرب لآلامه سبق فأخبرهم بما يحتمله من آلام ومجد قيامته.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Emptyالجمعة يوليو 18, 2008 9:53 pm

البابا غريغوريوس (الكبير)
v تحدث مع تلاميذه عن آلامه منفردًا، إذ لم يكن لائقًا أن يعلن ذلك للجماهير لئلا يضطربوا، إنما سبق فأخبر تلاميذه حتى إذ يتوقعونها يقدرون أن يحتملونها...
لقد سبق فأنبأ إشعياء عن ذلك، قائلاً "بذلت ظهري للضاربين، وخدّي للناتفين، وجهي لم أستر عن العار والبصق" (إش 50: 6)، كما أنبأ عن الصلب: "سكب للموت نفسه، وأُحصي مع آثمة" (إش 53: 12)... لكن داود أنبأ عن قيامة المسيح: "لا تترك نفسي في الجحيم" (مز 16: 10).
القديس يوحنا الذهبي الفم
v طريق الله صليب يومي. لم يصعد أحد إلى السماء براحة. إننا نعلم إلى أين يؤدي طريق الراحة، وأين ينتهي. أما من يكرس نفسه لله من كل قلبه فلن يتركه الله بدون اهتمام، بل يجعله يهتم من أجل الحقيقة، وعندئذ يدرك أن الأحزان المرسلة إليه ليست سوى دليل عناية الله به.
مار إسحق السرياني
6. الاستنارة (تفتيح عينيّ الأعمى)
إن كان الرب قد طالبنا بالمثابرة على الصلاة بلا انقطاع لكي نبقى دومًا في حضرته ننعم بالحديث الحبّي معه، وأن حياة الصلاة يلازمها روح التواضع (كما فعل العشار) ممتزجة ببساطة الطفولة والتحرر من كل عبودية لمحبة المال، مع قبول للصليب بفرح، فإن غاية هذه الحياة هي تفتيح البصيرة الداخلية لمعاينة الصديق السماوي. هنا نسمع صلوات الأعمى الجالس على الطريق يستعطى، الفعّالة رغم قلة كلماتها، إذ "صرخ قائلاً: يا يسوع ابن داود ارحمني" [38].
لقد رذل المحيطون بالسيد هذه الكلمات أو الناطق بها، إذ انتهروه ليسكت، لكنه في لجاجة "صرخ أكثر كثيرًا يا ابن داود ارحمني" [39]. استطاع بصرخات قلبه المملوء إيمانًا أن يوقف الموكب كله ليجد السيد المسيح يأمر بأن يُقدم إليه، وإذ اقترب منه سمعه يقول: "ماذا تريد أن أفعل بك؟" [41]. بالصلاة الملتهبة تمتع الأعمى باقترابه من السيد وسماعه صوته ونوال نعمة البصيرة والتبعية للسيد، إذ يقول الإنجيلي: "وفي الحال أبصر، وتبعه وهو يمجد الله، وجميع الشعب إذ رأوا سبحوا الله" [43]. انفتحت بصيرته لرؤية الرب، ولسانه لتمجيد الله، وكان علة تسبيح جميع الشعب لله.
لقد سبق لنا الحديث عن تفتيح عيني هذا الرجل في دراستنا لإنجيلي متى 20: 29الخ. ومرقس (10: 46 الخ)، مكتفيًا هنا ببعض تعليقات قليلة.
v لقد تمم ربنا المعجزة في الطريق ليظهر أنه لا يسير حتى في الطريق دون أن يفعل صلاحًا، مقدمًا نفسه مثالاً لتلاميذه، لنكون نافعين في كل الأشياء، ولا يكون شيء باطلاً فينا.
الأب ثيؤفلاكتيوس
v يرمز العمى للجنس البشري، الذي في أبينا الأول الذي لم يجد بهاء النور السماوي، فسادت الظلمة (على الجنس البشرى).
"أريحا" تعني "القمر"، هذا الذي يتضاءل كل شهر إشارة إلى ضعفنا كقابلين للموت. أما أن اقتراب خالقنا إلى أريحا قد وهب الأعمى بصيرة، فيعني أنه إذ أخذ ضعف جسدنا ردّ للبشرية البصيرة التي فقدتها...
الذين كانوا يتقدمون يسوع وهو قادم يمثلون الشهوات الجسدية والرذائل الكثيرة، التي تعمل في قلوبنا، وتشتت أفكارنا وتفسد صلواتنا. لكن الأعمى كان يصرخ أكثر كثيرًا، لأنه كلما هاجمتنا الأفكار التي لا تهدأ يلزمنا بالأكثر أن نصلي في حرارة.
البابا غريغوريوس (الكبير)
1 و قال لهم ايضا مثلا في انه ينبغي ان يصلى كل حين و لا يمل
2 قائلا كان في مدينة قاض لا يخاف الله و لا يهاب انسانا
3 و كان في تلك المدينة ارملة و كانت تاتي اليه قائلة انصفني من خصمي
4 و كان لا يشاء الى زمان و لكن بعد ذلك قال في نفسه و ان كنت لا اخاف الله و لا اهاب انسانا
5 فاني لاجل ان هذه الارملة تزعجني انصفها لئلا تاتي دائما فتقمعني
6 و قال الرب اسمعوا ما يقول قاضي الظلم
7 افلا ينصف الله مختاريه الصارخين اليه نهارا و ليلا و هو متمهل عليهم
8 اقول لكم انه ينصفهم سريعا و لكن متى جاء ابن الانسان العله يجد الايمان على الارض
9 و قال لقوم واثقين بانفسهم انهم ابرار و يحتقرون الاخرين هذا المثل
10 انسانان صعدا الى الهيكل ليصليا واحد فريسي و الاخر عشار
11 اما الفريسي فوقف يصلي في نفسه هكذا اللهم انا اشكرك اني لست مثل باقي الناس الخاطفين الظالمين الزناة و لا مثل هذا العشار
12 اصوم مرتين في الاسبوع و اعشر كل ما اقتنيه
13 و اما العشار فوقف من بعيد لا يشاء ان يرفع عينيه نحو السماء بل قرع على صدره قائلا اللهم ارحمني انا الخاطئ
14 اقول لكم ان هذا نزل الى بيته مبررا دون ذاك لان كل من يرفع نفسه يتضع و من يضع نفسه يرتفع
15 فقدموا اليه الاطفال ايضا ليلمسهم فلما راهم التلاميذ انتهروهم
16 اما يسوع فدعاهم و قال دعوا الاولاد ياتون الي و لا تمنعوهم لان لمثل هؤلاء ملكوت الله
17 الحق اقول لكم من لا يقبل ملكوت الله مثل ولد فلن يدخله
18 و ساله رئيس قائلا ايها المعلم الصالح ماذا اعمل لارث الحياة الابدية
19 فقال له يسوع لماذا تدعوني صالحا ليس احد صالحا الا واحد و هو الله
20 انت تعرف الوصايا لا تزن لا تقتل لا تسرق لا تشهد بالزور اكرم اباك و امك
21 فقال هذه كلها حفظتها منذ حداثتي
22 فلما سمع يسوع ذلك قال له يعوزك ايضا شيء بع كل ما لك و وزع على الفقراء فيكون لك كنز في السماء و تعال اتبعني
23 فلما سمع ذلك حزن لانه كان غنيا جدا
24 فلما راه يسوع قد حزن قال ما اعسر دخول ذوي الاموال الى ملكوت الله
25 لان دخول جمل من ثقب ابرة ايسر من ان يدخل غني الى ملكوت الله
26 فقال الذين سمعوا فمن يستطيع ان يخلص
27 فقال غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله
28 فقال بطرس ها نحن قد تركنا كل شيء و تبعناك
29 فقال لهم الحق اقول لكم ان ليس احد ترك بيتا او والدين او اخوة او امراة او اولادا من اجل ملكوت الله
30 الا و ياخذ في هذا الزمان اضعافا كثيرة و في الدهر الاتي الحياة الابدية
31 و اخذ الاثني عشر و قال لهم ها نحن صاعدون الى اورشليم و سيتم كل ما هو مكتوب بالانبياء عن ابن الانسان
32 لانه يسلم الى الامم و يستهزا به و يشتم و يتفل عليه
33 و يجلدونه و يقتلونه و في اليوم الثالث يقوم
34 و اما هم فلم يفهموا من ذلك شيئا و كان هذا الامر مخفى عنهم و لم يعلموا ما قيل
35 و لما اقترب من اريحا كان اعمى جالسا على الطريق يستعطي
36 فلما سمع الجمع مجتازا سال ما عسى ان يكون هذا
37 فاخبروه ان يسوع الناصري مجتاز
38 فصرخ قائلا يا يسوع ابن داود ارحمني
39 فانتهره المتقدمون ليسكت اما هو فصرخ اكثر كثيرا يا ابن داود ارحمني
40 فوقف يسوع و امر ان يقدم اليه و لما اقترب ساله
41 قائلا ماذا تريد ان افعل بك فقال يا سيد ان ابصر
42 فقال له يسوع ابصر ايمانك قد شفاك
43 و في الحال ابصر و تبعه و هو يمجد الله و جميع الشعب اذ راوا سبحوا الله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Emptyالجمعة يوليو 18, 2008 9:56 pm

الباب الرابع
صديقنَا المخلص
الأصحاح التاسع عشر
صديقنا في أورشليم
جاءت قصة استضافة زكا العشار للسيد المسيح في بيته تكمل قصة شفاء عيني الأعمى، فإن كان تفتيح العينين إنما يشير إلى حاجة البشرية للتمتع بالبصيرة الروحية الداخلية حتى تقدر أن تتابع رحلته الخلاصية، فتدخل معه إلى أورشليم وتقبل صليبه وتنعم بقيامته. فإن استضافة زكا له تشير إلى رغبة الرب فينا لا أن نعاينه فحسب ونتبعه أينما وُجد، وإنما نفتح قلوبنا ليدخل فيها كما إلى بيته أو إلى أورشليمه ويعلن خلاصه فينا. يعود الإنجيلي فيقدم لنا مثَلْ العشرة أمناء ليعلن السيد أنه وإن كان يود أن يدخل كل بيت حتى بيوت العشارين والخطاة لكنه يطلب القلوب الأمينة، يود أن نحمل سمته "الأمانة" ليهبنا ميراثًا أعظم وسلطانًا ومملكة على مستوى أبدي. يعطي لواحد عشر مدن ولآخر خمس الخ.
هكذا يود صديقنا أن يفتح بصيرتنا لكي نفتح بيوتنا الداخلية مع زكا فيملك فينا، ونملك نحن به وننعم بمواضعه السماوية. هذا هو غاية دخول صديقنا السماوي إلى أورشليم بل وغاية كل أعماله الخلاصية.
1. إضافة زكا للسيد 1-10.
2. مثل العشرة أمناء 11-27.
3. تقدمه نحو أورشليم 28-40.
4. بكاؤه على أورشليم 41-44.
5. تطهير الهيكل 45-46.
6. تعليمه في الهيكل 47-48.
1. إضافة زكا للسيد
قلنا أن تفتيح عيني الأعمى يمثل تفتيح البصيرة الداخلية، للتمتع بإدراك عمل الله الخلاصي، الذي كان الرب مزمعًا أن يتممه بدخوله أورشليم، بينما استضافة زكا للسيد المسيح ترمز إلى انفتاح البيت الداخلي لسكنى الرب فيه، فيصير أورشليمه الداخلية التي يدخلها كما بموكب سماوي ليعلن أمجاد صليبه فيها.
يمكننا أن نقدم المقارنة التالية بين تفتيح عيني الأعمى واستضافة زكا للسيد المسيح:
أولاً: التقى الأعمى بالسيد وكان جالسًا على الطريق يستعطي ( لو 18: 35)، أما زكا فالتقى به داخل المدينة وكان صاعدًا على جميزة [4]، وقد تمتع الاثنان بنعمة الرب، لكن كما يقول القديس أمبروسيوس: [الرب ينتظر الأول ليرحمه، أما الثاني فيمنحه مجدًا عظيمًا بحلوله في بيته. واحد يسأله لكي يشفيه، أما الآخر فالرب يدعو نفسه عنده دون أن يسمع كلمة دعوة إذ عرف ما في قلبه.]
من هو هذا الذي في الطريق يستجدي تفتيح عينيه إلا كل إنسان لم يختبر داخليًا نعمة الله لكنه آمن خلال السمع فانطلق كما في الطريق يطلب نعمة الاستنارة، فيفتح الرب بصيرته ليقوده إلى مراعي كنيسته المقدسة. أما زكا الصاعد على الشجرة فيمثل كل إنسان التحم بالكنيسة "شجرة الجميز" روحيًا، أو ارتفع بالروح القدس إلى خشبة الصليب يشارك الرب آلامه فينعم بسكنى الرب في بيته الداخلي.
ثانيًا: ترك السيد المسيح الأعمى يصرخ بل ويقول الإنجيلي: "أما هو فصرخ أكثر كثيرًا" (لو 18: 39)، بينما لم ينتظر من زكا كلمة واحدة تخرج من فيه، إنما استضاف الرب نفسه في بيته. لماذا؟ ربما يشير الأول إلى الحياة العاملة المجاهدة التي خلال الحب تصرخ بلا انقطاع فيفتح الرب العينين لمعاينة ملكوته، بينما يشير الثاني إلى الحياة المتأملة المجاهدة أيضًا خلال عشق إلهي أعمق، المرتفعة بالروح القدس إلى الصليب لترى كما خلال شجرة الجميز عريسها يناجيها طالبًا الحلول فيها بلا انقطاع، يدخل قلبها ويحل في أعماقها وتدخل هي حجاله وتتذوق أسرار حبه الإلهي غير المنطوق به.
لست بهذا أعني ثنائية في مجتمع الكنيسة تنقسم إلى جماعة العاملين وأخرى المتأملين، إنما وإن كان لكل إنسان موهبته الخاصة التي يميزه بها الروح لكن يليق بالمؤمن في عمله الروحي الحق أن يحيا متأملاً أسرار الله، وفي تأمله الحق أن يبقى عاملاً مجاهدًا حتى النفس الأخير. إنها حياة واحدة "في المسيح يسوع ربنا"، خلالها نحيا عاملين بروحه، مرتفعين كما بأجنحته، للتمتع بشركة أسراره. بمعنى آخر ليتقدم كل منها صارخًا مع الأعمى بلا انقطاع، وصاعدًا مع زكا على شجرة الجميز، فتنفتح بصيرتنا وننعم بشركته وسكناه الدائم فينا.
ثالثًا: لعل هذا الأعمى الجالس على الطريق يستعطي يمثل أعضاء الكنيسة الذين جاءوا من أصل يهودي، فقد كانوا كمن على الطريق، عرفوا خلال الرموز والظلال والنبوات شخص المسّيا وعمله الخلاصي. هؤلاء كانوا تحت الناموس كمن هم عميان وجياع، غير قادرين على معاينة الأسرار الإلهية، فقراء يستعطون، إذ يعجز الناموس عن أن يرفعهم إلى الأحضان الإلهية ليروا ويشبعوا، وإنما قادهم في الطريق إلى المخلص ليفتح بصيرتهم ويعاينوه، بكونه الحق المفرح المشبع. أما زكا فيمثل أعضاء الكنيسة الذين جاءوا من أصل أممي، هؤلاء كانوا أشبه برئيس العشارين المنبوذ من اليهود. كانوا كمن هم قصيري القامة بلا خبرة روحية سابقة، لكنهم إذ ارتفعوا بالإيمان على خشبة الصليب مع فاديهم تمتعوا بالصوت الإلهي يناديهم ليحل في وسطهم ويقيمهم أهل بيته.
الأعمى كممثل لليهود المتنصرين سأل الجمع، "فأخبروه أن يسوع الناصري مجتاز" (لو 18: 37)، هذا الجمع هو الآباء والأنبياء الذين أشاروا إليهم عن يسوع الناصري الذي يجتاز بين الأمة اليهودية ليحقق عمله الخلاصي. أما زكا فلم يسأل، لأنه كان كغريبٍ عن الآباء والأنبياء، وإنما بالإيمان ارتفع على الصليب ليعاين السيد وسط الجموع، يراه معلنًا أيضًا بالآباء والأنبياء الذين تعرف عليهم خلال المسيّا وصليبه.
نعود إلى تفاصيل قصة لقاء زكا بالسيد المسيح كما رواها الإنجيلي لوقا:
"ثم دخل واجتاز في أريحا،
وإذا رجل اسمه زكا وهو رئيس للعشارين وكان غنيًا.
وطلب أن يرى يسوع من هو ولم يقدر من الجمع،
لأنه كان قصير القامة.
فركض متقدمًا وصعد إلى جميزة لكي يراه،
لأنه كان مزمعًا أن يمر من هناك" [1-4].
يلاحظ هنا الآتي:
أولاً: يرى البعض أن كلمة "زكا" تعني "المتبرر"، لأن زكا يمثل الأمم المتنصرين الذين تبرروا بدم السيد المسيح.
ثانيًا: كان زكا رئيسًا للعشارين، وكما نعرف أن هذا العمل كان مرذولاً لدى اليهود، متطلعين إليه كعملٍ لحساب الدولة الرومانية المستعمرة يحمل رائحة الخيانة للأمة اليهودية، هذا مع ما اتسم به العشارون بصفة عامة من حب لجمع المال بروح الطمع والجشع بلا رحمة من جهة إخوتهم اليهود. على أي الأحوال استطاع كثير من الكتبة والفريسيين بحكم مراكزهم الدينية ونظرة الناس إليهم أن يلتقوا مع السيد حسب الجسد، بل ويدعوه أحيانًا لولائمهم. ولم يكن يرفض لعلهم ينسحبون من عبادتهم الشكلية إلى فكره الإلهي الروحي، لكن نادرًا ما تلاقوا معه على صعيد الروح والتمتع بفكره الإلهي. أما هذا العشار أو رئيس العشارين ففي نظر الجماهير يمثل الدنس بعينه والبعد الكامل عن كل ما هو إلهي. خلال اشتياقه القلبي الخفي أن يرى يسوع من هو، وترجمة هذا الشوق إلى عمل بسيط هو صعود شجرة الجميز ليرى من يحن إليه، يفتح أبواب الرجاء لكل نفس بشرية لتلتقي مع مخلص الخطاة. وكما يقول القديس أمبروسيوس: [قُدم لنا هنا رئيس العشارين، فمن منا ييأس بعد من نفسه وقد نال نعمة بعد حياة غاشة!]
حقًا لقد كانت فئة العشارين تُضم إلى الزناة (مت 21: 31)، بكونهما فئتين مرذولتين للغاية، الأولى منهمكة في طلب الغنى على حساب الآخرين، والأخرى في شهوات الجسد على حساب تقديس الجماعة. وكأن الفئتين مخربتين للجماعة. ومع هذا فقد استطاع رئيس العشارين أن يغتصب بالإيمان دخول السيد إلى بيته، بل وإلى قلبه. وكما يقول القديس كيرلس الكبير: [كان زكا رئيسًا للعشارين، قد استسلم للطمع تمامًا، غايته الوحيدة تضخيم مكاسبه، إذ كان هذا هو عمل العشارين، وقد دعي بولس الطمع عبادة أوثان (كو 3: 5)، ربما لأن هذا يناسب من ليس لهم معرفة الله (بانشغالهم بالطمع). وإذ كان العشارون يمارسون هذه الرذيلة علانية بلا خجل، لذا ضمهم الرب مع الزناة، قائلاً لرؤساء اليهود: "إن العشارين والزواني يسبقونكم إلى ملكوت الله" (مت 21: 31). لكن زكا لم يستمر في عداد العشارين، إنما تأهل للرحمة بيدي المسيح الذي يدعو البعيدين للقرب منه، ويهب نورًا للذين في الظلمة.]
يرى القديس جيروم أن شجرة الجميز هنا تشير إلى أعمال التوبة الصالحة حيث يطأ التائب الخطايا السابقة بقدميه، ومن خلالها ينظر إلى الرب كما من برج الفضيلة. مرة أخرى يقول: [زكا الذي تغير في ساعة حُسب أهلاً أن يتقبل المسيح ضيفًا له.]
ثالثًا: يذكر الإنجيلي لوقا أن زكا "كان غنيًا" [2]، وقد "طلب أن يرى يسوع من هو" [3]، مترجمًا هذا الشوق الداخلي إلى عمل كلفه الكثير، إذ لم يكن سهلاً على رجل ذي مكانة كرئيس للعشارين أن يتسلق جميزة كصبيٍ، ويراه الجماهير عليها. ولعل الإنجيلي قد أراد أن يؤكد بأنه ليس كل غني شرير، وإنما كل إنسان - أيا كان مركزه أو إمكانياته أو ظروفه - يحمل في داخله الناموس الطبيعي يُسحب قلبه - إن أراد - نحو رؤية كلمة الله والتمتع به. الله لا يترك نفسه بلا شاهد في حياة الإنسان، يستطيع الغني كما الفقير إن أراد أن ينطلق نحو الرب والشركة بعمل النعمة المجانية.
يقول القديس أمبروسيوس: [ليعرف الأغنياء أن الغنى في ذاته ليس خطية بل إساءة استخدامه؛ فالأموال التي تمثل حجر العثرة بالنسبة للأشرار هي وسيلة لممارسة الفضيلة بالنسبة للصالحين... كان زكا غنيًا لنتعلم أنه ليس كل الأغنياء طماعين.] ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [إبراهيم كان يملك حقًا غنى للفقراء، وكل الذين ملكوا الغنى بطريقة مقدسة أنفقوه بكونه عطية الله لهم]، كما يقول: [لم يمنع الرب البشر عن أن يكونوا أغنياء بل أن يكونوا عبيدًا لغناهم. يودنا أن نستخدمه كضرورة لا أن نُقام حراسًا عليه. العبد يحرس، أما السيد فينفق.]
رابعًا: إن كانت شجرة الجميز وهى ترمز للصليب الذي من خلاله يلتقي المؤمن بمسيحه ويسمع الصوت الإلهي، وينفتح بيته الداخلي لقبول السيد متجليًا فيه، فمن ناحية أخرى متكاملة مع هذا الفكر ترمز الشجرة إلى الكنيسة التي تحمل النفوس الخاطئة على كتفيها، كزكا على الشجرة أو كالخروف الضال على منكبي الراعي الصالح، لتقدمه ثمرة حب صادق لعريسها. بمعنى آخر عمل الكنيسة الرئيسي هو حمل العالم كله، ولو كان كرئيس للعشارين، تحمله على كتفيها لا لتدينه أو تجرح مشاعره وإنما لتهبه إمكانية الالتقاء مع مخلصه.
تحمله بالحب واللطف فتلهب قلبه بأكثر شوق نحو العريس السماوي. لهذا بحق قيل أن الكنيسة هي لقاء حق بين المسيح والخطاة التائبين، يجد فيها السيد لذته، إذ يراها تقدم له بالحب النفوس التي مات لأجلها، ويجد الخاطىء فيها أبواب الرجاء مفتوحة على مصراعيها على الدوام والقلوب والأذرع مستعدة بالحب أن تحمله لمخلصه.
خامسًا: لعل لقاء السيد المسيح بزكا الصاعد على شجرة الجميز يحمل رمزًا لعمل السيد المسيح الخلاصي. أقول أن شجرة الجميز هنا تشير إلى الكنيسة التي تقدم البشرية الخاطئة للمخلص. والعجيب أن المخلص يترك الجموع المحيطة به والمتهللة بالالتفاف حوله، أي يترك الطغمات الملائكية والأمجاد السماوية، مخليًا ذاته لينظر إلى الإنسان الساقط رغم شره وفساده، يلتقي معه على صعيد الروح ليعلن له أنه قد استضاف نفسه بنفسه في بيته ليقدسه، قائلاً: "ينبغي أن أمكث اليوم في بيتك... اليوم حصل خلاص لهذا البيت، إذ هو أيضًا ابن إبراهيم" [5، 9]. كأن هذا العمل يمثل سرّ التجسد الذي به دخل الرب بيتنا إذ حمل طبيعتنا، لا ليقطنها إلى حين، وإنما حملها فيه، واختفى بلاهوته خلالها ليقدس طبيعتنا أبديًا.
سادسًا: يمكننا أيضًا أن نقول بأن شجرة الجميز تشير إلى بذرة الإيمان التي تنمو داخل القلب لتصير شجرة كبيرة، يأوي في داخلها الإنسان ليرى من خلالها السيد المسيح الذي لم يره من قبل، عندئذ يتمتع بسكنى الرب فيه متخليًا عن شره.
خلال شجرة الإيمان التقى زكا بالسيد رغم المعوقات الخاصة به كقصر قامته، أو الخاصة بالظروف كتجمهر الناس حول السيد فيحجبونه عنه. بالإيمان الحيّ العملي نغلب كل ضعف فينا، ونرتفع فوق كل الظروف لنلتقي بربنا يسوع، نراه ويرانا أبرارًا فيه، نسمعه ينادينا فننصت لصوته ونتجاوب مع كلماته.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Emptyالجمعة يوليو 18, 2008 9:57 pm

فينا، ونرتفع فوق كل الظروف لنلتقي بربنا يسوع، نراه ويرانا أبرارًا فيه، نسمعه ينادينا فننصت لصوته ونتجاوب مع كلماته.
يقول القديس كيرلس الكبير:
[أراد (زكا) أن يرى يسوع لذا تسلق شجرة جميز، هكذا نمت في داخله بذرة الخلاص. وقد رأى المسيح بعيني اللاهوت (إيمان زكا)، وبرؤيته هذه نظره أيضًا خلال عينيّ الناسوت، فبسط له لطفه وشجعه، قائلاً له: "أسرع وانزل" [5].
طلب أن يراه، فعاقته الجموع، لكن لم تعقه الجموع مثلما عاقته خطاياه. لقد كان قصير القامة لا من جهة الجسد فحسب، وإنما روحيًا أيضًا.
لم يكن له طريق آخر ليراه سوى أن يصعد فوق الأرض متسلقًا شجرة جميز هذه التي كان المسيح مزمعًا أن يمر بها.
الآن تحمل هذه القصة في داخلها رمزًا، إذ لا يمكن لإنسان أن يرى المسيح ويؤمن به ما لم يصعد شجرة الجميز، بمعنى إقماعه لأعضائه التي على الأرض، الزنى والنجاسة الخ.]
هذا وقد قدم البابا غريغوريوس (الكبير) تفسيرًا مشابهًا لفكر القديس كيرلس الكبير في الفقرات الأخيرة السابقة إذ رأى في شجرة الجميزة شجرة تحمل ثمرًا ضعيف القيمة؛ بهذا لا يقدر أحد أن يعاين السيد المسيح ما لم يرتفع بالإيمان فوق الأمور الزمنية التافهة كشجرة جميزة، يعلو عليها بتأمله في الإلهيات وتمتعه بالحكمة السماوية.
سابعًا: يرى القديس أمبروسيوس في صعود زكا قصير القامة شجرة الجميز لرؤية السيد المسيح إشارة إلى ارتفاع المؤمن الذي بسبب الخطية صار قصير القامة محرومًا من رؤية السيد فوق حرف الناموس، فلم يعد بعد تحت الناموس بل مرتفعًا بالروح فوق الناموس ليعاين بالنعمة السيد المسيح. وكأن صعود شجرة الجميز هو انطلاق من الفكر الحرفي في تفسير الكتاب المقدس إلى التمتع بالفكر الروحي العميق خلال شجرة الصليب المقدسة.
ثامنًا: إذ دخل السيد المسيح بيت زكا سمع زكا هذه العبارة الإلهية: "اليوم حصل خلاص لهذا البيت، إذ هو أيضًا ابن إبراهيم" [8].
ماذا يعني بخلاص هذا البيت:
أ. حينما يتقدس عضو في الأسرة يستطيع بالسيد المسيح الساكن فيه أن يكون سرّ بركة وخلاص بقية الأعضاء. وقد جاء سفر الأعمال يكشف بقوة كيف كان لقاء البعض مع السيد المسيح يدفع أهل بيتهم إلى اللقاء أيضًا معه والتمتع بخلاصه في حياتهم. لا نستطيع أن ننكر أنه قد يقبل عضو السيد المسيح ويرفض الآخر حتى حذرنا السيد بقوله أن أعداء الإنسان أهل بيته، وأنه يقوم الأب على ابنه والابن على أبيه الخ. هذا التحذير يكمله حديث السيد المسيح نفسه عن رسالة المؤمن كنورٍ للعالم قادر بالمسيح النور الحقيقي أن يجتذب أهل بيته لشمس البرّ!
ب. حينما يتقدس الإنسان بدخول السيد المسيح إلى حياته يتقدس أهل بيته الداخلي، أعني أنه إذ يقبل المؤمن السيد المسيح يقدم كل أهل بيته للرب، أي جسده بكل طاقاته ودوافعه وأحاسيسه ومشاعره وفكره وقدراته. فالله لا يقدس الروح وحدها وإنما معها الجسد والنفس أيضًا.
ج. يدعو البيت "ابن إبراهيم"، وهو بلا شك لا يقصد المبنى المادي، إنما الساكن فيه أو السكان فيه الذين تمتعوا بعمل السيد المسيح فيهم. دُعي زكا ابنًا لإبراهيم ليس لانتسابه إليه حسب الجسد، وإنما ما هو أعظم لأنه حمل ذات إيمانه الحيّ العامل. فبالإيمان ترك إبراهيم أرضه وعشيرته وأهل بيته منطلقًا وراء الدعوة الإلهية إلى أرض يجول فيها ليقدمها ميراثًا لأبنائه، وها هو ابنه زكا يحمل ذات الإيمان، فقد ترك كل ممتلكاته التي سبق فتعلق بها كأرض يعيش فيها، وكعشيرةٍ تعلق بها بل وكانت كأهل بيته، ارتبط بممتلكاته بعنف، لكنه الآن ينحل من هذه الارتباطات ليقدم نفس ممتلكاته للفقراء، ويقدم الباقي لرد أضعافًا مضاعفة لمن سبق فظلمهم.
يمكننا أيضًا أن نقول بأن زكا حين كان رئيسًا للعشارين كان ابنًا لإبراهيم حسب الجسد، أما الآن إذ تعرف على السيد صار ابنًا له حسب الإيمان، بل صار ابنًا لله في المسيح يسوع.
تاسعًا: يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن حلول السيد المسيح في بيت زكا قد أعطى زكا فرحًا [6]، فصار كما بجناحين منطلقًا إلى فوق الزمنيات، لذا قال: "يا رب أعطي نصف أموالي للمساكين..." يمكننا أن نقول بأن الخطية تجرح النفس وتفقدها فرحها، فتعيش مرتبطة بالعالم والزمنيات فاقدة رجاءها الأبدي وبهجتها الداخلية. لكن تجلي الرب في النفس وسماعها صوته يملأها رجاءً، ويرفعها فوق كل تعلق زمني، لتحيا كما بجناحي الروح، مرتفعة من مجدٍ إلى مجدٍ، ومتمتعة بنعمةٍ فوق نعمةٍ، ومنطلقة من قوةٍ إلى قوةٍ بفرحٍ حقيقيٍ.
عاشرًا: يقارن القديس أغسطينوس بين زكا الذي استضاف السيد بفرح وبين قائد المائة الذي حسب نفسه غير أهل أن يدخل السيد بيته (مت 8: 8) قائلاً له: [لا يوجد تناقض بين الاثنين... ولا يُحسب أحدهما أفضل من الآخر، فبينما تقبل الأول الرب بفرح في بيته [6]، قال الآخر: "لست مستحقًا أن تدخل تحت سقفي" (مت 8: 8). كلاهما يكّرم المخلص وإن كان بطريقين مختلفين... كلاهما كانا بائسين بالخطية، ونالا الرحمة التي طلباها.]
أحد عشر: إذ لم يدرك اليهود غاية المسيح وعمله "تذمروا قائلين إنه دخل ليبيت عند رجل خاطئ" [7]. عوض أن يفرحوا بخلاص الخطاة تذمروا على المخلص، لأنه يفتح قلبه لهم، ويدخل بيوتهم ليملك على قلوبهم، أو حسب تعبير القديس كيرلس الكبير يقيمهم من الأموات، إذ يقول: [لماذا يلومون المسيح إن كان ذلك يمكن أن تقول قد سقط ودفن في الفساد الروحي، فأقامه المسيح من هوة الهلاك؟! ولكي يعلمهم ذلك قال: "اليوم حصل خلاص لهذا البيت، إذ هو أيضًا ابن إبراهيم" [9]. لأنه حيث يدخل المسيح بالضرورة يوجد الخلاص. ليكن في داخلنا؛ إن آمنا يكون فينا، بالإيمان يسكن في قلوبنا، ونكون نحن مسكنه. كان يليق باليهود أن يفرحوا، لأن زكا قد خلص بطريقة عجيبة، إذ حُسب هو أيضًا من بين أبناء إبراهيم الذي وعده الله بالخلاص في المسيح بواسطة الأنبياء القديسين، قائلاً: "ويأتي الفادي إلى صهيون، وإلى التائبين عن المعصية في يعقوب، يقول الرب" (إش 59: 20). لقد قام المسيح ليخلص سكان الأرض من خطاياهم، يطلب من قد فُقدوا، ويخلص من قد هلكوا. هذا هو عمله، قل هذا هو ثمرة لطفه الإلهي.]
ثاني عشر: إذ دخل السيد المسيح بيت زكا أشرق عليه بنور بره، فطرد منه كل ظلمة دون أن يبكته بكلمة، أو حتى يقدم له وصية. كان حضرة المسيح نفسه "كلمة الله المتجسد" قوة قادرة على انتشال زكا من محبة المال إلى حبه للفقراء وشوقه لرد أضعاف مضاعفة لمن سبق فظلمهم، حتى وإن دفع كل ما يملكه ثمنًا لذلك.
في نص منسوب للقديس يوحنا الذهبي الفم قيل: [لم ينتظر زكا حكم الناموس بل حكم على نفسه بنفسه]، كما قيل: [أنظر هنا معجزة‍، فإنه يطيع دون أن يتعلم. كما أن الشمس تلقي بأشعتها على البيت فتضيئه بالعمل لا بالكلام، هكذا يلقي المخلص بأشعة بره ليحطم ظلمة الخطية، فيشرق النور في الظلمة.]
هذا، ويليق بنا أن نلاحظ أن زكا لم يقدم ماله للفقراء والمظلومين، وإنما قدم أولاً قلبه لله، عندئذ جاءت عطايا طبيعية وبلا كلفة، ومفرحة لله. يقول القديس جيروم: [إن قدمنا للمسيح نفوسنا كما نقدم له غنانا، يتقبل التقدمة بفرح.]
ثالث عشر: يكشف ربنا يسوع المسيح عن رسالته الخلاصية، فاتحًا باب الرجاء للكل بقوله: "لأن ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك" [10].
يستخدم العلامة ترتليان هذه العبارة للرد على أصحاب الفكر الغنوسي الذين يحقرون من شأن الجسد ويحسبونه لا يتمتع بالخلاص ولا يقوم في اليوم الأخير، قائلاً: [ماذا تظن في الذي هلك؟ إنه الإنسان بلا شك، الإنسان بكليته وليس جانبًا منه. بالطبع الإنسان كله... فإن كانت الخطية أهلكته بكليته، فإنه سيخلص بكليته.]
ويستخدم القديس أغسطينوس ذات العبارة في توبيخ أتباع بيلاجيوس منكري الخطية الأصلية، لذا يخاطب السيد المسيح على لسانهم قائلاً: [إن كنت قد جئت لتطلب وتخلص ما قد هلك، فإنك لم تأتِ للأطفال، لأنهم لم يهلكوا بل ولدوا في حالة خلاص؛ اذهب إذن إلى الكبار.]
يحدثنا القديس أغسطينوس عن عمل السيد المسيح الخلاصي، ومجيئه طالبًا من قد هلك، قائلاً: [لقد وجد المفقودين أيضًا. إنهم اختفوا هنا وهناك بين الأشواك، وتشتتوا بسبب الذئاب. اختفوا بين الأشواك، فجاء إليهم ليجدهم، وقد تمزق بأشواك آلامه. جاء فعلاً ووجدهم، مخلصًا إياهم... لقد خلصوا بذاك الذي ذُبح لأجلهم.]
2. مثل العشرة أمناء
لقاء السيد المسيح بزكا رئيس العشارين في بيته وإعلان السيد المسيح عن الخلاص لأهل هذا البيت تحقيق لملكوت الفرح الحقيقي حتى ارتفع قلب زكا فوق كل فكر أرضي، فقدم أكثر مما يطلبه الناموس بكثير، قدم نصف أمواله للمساكين وطلب أن يرد لكل من ظلمه أربعة أضعاف. هكذا يعلن السيد المسيح عن الرغبة الإلهية في تقديس كل نفس ليكون الكل ملكوتًا حقيقيًا له. والآن بعد إعلان هذا الملكوت الحاضر والعامل في حياة البشرية يود السيد أن يعلن أنه ليس إلا عربونًا للملكوت الأبدي، مقدمًا لنا مثل العشرة الأمناء لنعرف أننا وإن كنا نفرح هنا باللقاء مع السيد المسيح لكي نحيا مجاهدين نمارس الحياة الأمينة لننعم بكمال مجد الملكوت الأبدي.
"وإذ كانوا يسمعون هذا عاد فقال مثلاً،
لأنه كان قريبًا من أورشليم،
وكانوا يظنون أن ملكوت الله عتيد أن يظهر في الحال" [11].
يبدو أن فكرًا بدأ يسود بين اليهود عندما رأوا ما صنعه رب المجد يسوع من أعمال عجيبة أن الملكوت قد اقترب جدًا، بمعنى أن السيد يملك في أورشليم، ويقيم مملكته أرضيًا. لهذا انشغل حتى التلاميذ في بعض الأحيان عن مركز كل واحدٍ منهم في هذه المملكة المنتظرة سريعًا. وكأن السيد المسيح أراد أن يوجه أنظارهم عن التفكير في عظمة المملكة بفكر زمني إلى التهيئة للملكوت الأبدي بحمل سمة "الأمانة". وقد سبق لنا الحديث عن هذا المثل في دراساتنا السابقة مت 25: 18، والآن نكتفي بإبراز النقط التالية:
أولاً: يقول السيد المسيح: "إنسان شريف الجنس ذهب إلى كورة بعيدة ليأخذ لنفسه مُلكا ويرجع. فدعا عشرة عبيد له وأعطاهم عشرة أمناء، وقال لهم: تاجروا حتى آتي" [12-13]. من هو هذا الإنسان الشريف الجنس إلا رب المجد نفسه، الكلمة الذي صار جسدًا. إنه شريف الجنس، بل "وحيد الجنس"، فريد في بنوته الأزلية للآب، أخلى ذاته بالتجسد لكي ينقلنا نحن الذين صرنا عبيدًا للخطية إلى البنوة لله باتحادنا معه، وثبوتنا فيه، فنصير نحن به شرفاء الجنس أو أحرارًا.
يعلق القديس كيرلس الكبير على تعبير "شريف الجنس"، بالقول:
[مجال هذا المثل إنما يمثل في اختصار عصب التدبير الذي قُدم لأجلنا، أي سرّ المسيح من بدايته حتى نهايته.
الله الكلمة صار إنسانًا، ومع كونه قد صار في شبه جسد الخطية لذا دُعيَ عبدًا (في 2: 7) لكنه وُلد حرًا "شريف الجنس" (لو 19: 12)، إذ ولد من الآب ميلادًا غير منطوق به. نعم، إنه الله الذي يعلو الكل في الطبيعة والمجد، يسمو علينا بل وعلى كل الخليقة بكماله الذي لا يُقارن.
إنه شريف الجنس بكونه ابن الله، حمل هذا اللقب ليس مثلنا من قبيل صلاح الله وحبه للبشر، وإنما لأن هذا يخصه بالطبيعة، كمولود من الآب، عالِ فوق كل خليقة.
إذن عندما صار الكلمة الذي هو صورة الآب والمساوي له مثلنا إنسانًا "أطاع حتى الموت موت الصليب، لذلك رفعه الله أيضًا وأعطاه اسما فوق كل اسم، لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض، ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب المجد الله الآب" (في 2: 8-11)...
بالتأكيد الابن هو الله بالطبيعة فكيف أعطاه الآب ذاك الاسم الذي فوق كل اسم؟ نقول أنه عندما صار جسدًا، أي عندما صار إنسانًا مثلنا أخذ اسم العبد، وقبل فقرنا ومذلتنا، وبعد تتميم سرّ تدبير التجسد رُفع إلى المجد الذي له بالطبيعة وليس كأمر غريب عنه لم يعتد عليه، ولا كأمر خارج عنه مقدم إليه من الغير، إنما نال المجد الذي له خاصًا به. ففي حديثه مع الآب السماوي يقول: "مجدني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم" (يو 17: 5). كان يرتدي مجد اللاهوت بكونه الكائن قبل الدهور قبل العوالم، بكونه الإله المولود من الله؛ وعندما صار إنسانًا كما قلت لم يحدث فيه تغيير ولا تبديل بل بقى كما هو عليه على الدوام بكونه المولود من الآب، مثله في كل شيء. إنه "صورة جوهره" (عب 1: 3)، يحق له كل ما للآب بكونه واحدًا معه في الجوهر، مساوٍ له في عدم التغيير، مثله في كل شيء.]
يعلق أيضًا القديس باسيليوس الكبير على تعبير "شريف الجنس"، قائلاً: [إنه شريف ليس فقط من جهة لاهوته، وإنما من جهة ناسوته أيضًا بكونه من نسل داود حسب الجسد.]
إن كان هذا الإنسان الشريف الجنس هو كلمة الله المتجسد، فماذا يعني بقوله: "ذهب إلى كورة بعيدة ليأخذ لنفسه مُلكًا ويرجع" [12]؟ لعله يقصد بالكورة البعيدة الطبيعة البشرية التي صارت بالعصيان مبتعدة عن الله، وكأنها كورة غريبة بالنسبة له، خاصة جماعات الأمم التي قاومت العبادة الإلهية وعزلت نفسها بنفسها بعيدًا عن ملكوت الله. لقد جاء إلينا نحن الذين كنا غرباء وبعيدين لكي يملك علينا مقربًا إيانا إليه كأعضاء جسده، فيحملنا فيه كرأس لنا، ويرجع بنا إلى ملكوته، لنجد لنا به موضعًا في حضن الآب. هذا ما أعلنه الرسول بولس بوضوح، قائلاً: "اذكروا أنكم أنتم الأمم قبلاً في الجسد المدعوين عزلة... إنكم كنتم في ذلك الوقت بدون مسيح أجنبيين عن رعوية إسرائيل وغرباء عن عهود الموعد، لا رجاء لكم، وبلا إله في العالم، ولكن الآن في المسيح يسوع أنتم الذين كنتم قبلاً بعيدين صرتم قريبين بدم المسيح... فلستم إذًا بعد غرباء ونزلاء بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله" (أف 2: 11-19).
يقول القديس باسيليوس الكبير: [ذهب إلى كورة بعيدة (لو 19: 12)، ليس خلال بعد المسافة المكانية بل بعد الحالة الفعلية. فإن الله نفسه قريب جدًا لكل واحدٍ منا متى ارتبطنا به خلال الأعمال الصالحة، ويكون بعيدًا جدًا متى تركناه وابتعدنا عنه جدًا بالتصاقنا بالهلاك. لقد جاء إلى هذه الكورة البعيدة الأرضية لكي يتقبل مملكة الأمم كقول المزمور: "اسألني فأعطيك الأمم ميراثًا لك" (مز 2: 8).] ويقول القديس أغسطينوس: [الكورة البعيدة هي كنيسة الأمم الممتدة إلى أقصى الأرض. فقد جاء لكي يتم ملء الأمم، وعندئذ يرجع لكي يخلص كل إسرائيل (بقبولهم الإيمان الحق ورفضهم الفكر الصهيوني المتعصب).]
نزل الرب إلينا كما إلى كورة بعيدة بحمله ناسوتنا، وأقام مملكته فينا ليرجع حاملاً إيانا إلى سماواته كمملكة خاصة به. وكما يقول القديس أمبروسيوس: [وصف نفسه من جهة لاهوته وناسوته، فهو غني من جهة كمال لاهوته وقد صار فقيرًا لأجلنا. فمع أنه الغني والملك الأبدي، وابن الملك الأبدي، قال أنه ذهب إلى كورة بعيدة (لو 19: 12) بأخذه جسدنا، إذ سلك طريق البشر كما في رحلة غريبة، وجاء إلى هذا العالم ليعد لنفسه مملكة منا. إذن قد جاء يسوع إلى هذه الأرض ليتقبل لنفسه مملكة منا نحن الذين قيل لنا: "ملكوت الله داخلكم". عندئذ يسلم الابن مملكته للآب، وبتسليمه إياها لا يخسرها المسيح بل تنمو... نحن ملكوت المسيح وملكوت الآب، إذ قيل: "ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي" (يو 14: 6). عندما أكون في الطريق فأنا للمسيح، وإذ أعبر به فأنا للآب، لكن أينما وجدت فأنا خلال المسيح وتحت سلطانه.]
والآن ماذا يعني بالعشرة عبيد الذين وهبهم عشرة أمناء ليتاجروا حتى يأتي إليهم ثانية؟ يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن رقم 10 يشير إلى الكمال، وكأن السيد المسيح قدم إلى كل العبيد أي إلى جميع البشرية بلا تمييز بين جنس وآخر، أو شعب وشعب، مواهبه الكاملة المتباينة لكي يضرموها حتى يجئ فيكافئهم على أمانتهم في العمل. أعطى للعشرة عبيد فلا يستطيع أحد أن يحتج بأن رسالة الله الخلاصية لا تخصه شخصيًا. لقد وهب لكل عبدٍ واحدًا من العشرة أمناء، أي قدم عمله وعطاياه لكل من يريد أن يأخذ بلا محاباة ولا تمييز.
يرى البعض أن "المنا" يوازي 100 درهمًا، وهو رقم يمثل عظمة الكمال، فكأن السيد حين قدم الأمناء أراد في الكل أن يتاجروا في عطاياه العظيمة لينالوا كرامة ومجدًا على مستوى فائق.
يعلق القديس كيرلس الكبير على هذه الأمناء التي وزعت على العبيد، قائلاً: [يوزع المخلص عطاياه الإلهية المتنوعة على الذين يؤمنون به، فإننا نؤكد أن هذا هو معنى الأمناء... إنه إلى اليوم مستمر في التوزيع كما يظهر الكتاب المقدس بوضوح، إذ يقول الطوباوي بولس: "فأنواع مواهب موجودة ولكن الروح واحد، وأنواع خدم موجودة، ولكن الرب واحد، وأنواع أعمال موجودة ولكن الله واحد الذي يعمل الكل في الكل" (1 كو 12: 4-6). يعود فيوضح ما قاله بإبراز أنواع المواهب هكذا: "فإنه لواحد يُعطى بالروح كلام حكمة، ولآخر كلام علم بحسب الروح الواحد، ولآخر إيمان بالروح الواحد، لآخر مواهب شفاء بالروح الواحد" (1 كو 12: 8-9)، وهكذا أنه يبرز بهذه الكلمات تنوع المواهب بوضوح.]
ثانيًا: ميّز السيد المسيح بين عبيده الذين تسلموا الوزنات المتنوعة هؤلاء الذين يشيرون للمؤمنين منهم من يجاهد بالروح ليكسب عشرة أمناء، ومنهم من يكسب خمسة، وأيضًا منهم من يتراخى ويهمل ويضع الوزنة كما في منديل، وبين الذين رفضوه تمامًا، إذ يقول: "وأما أهل مدينته فكانوا يبغضونه، فأرسلوا وراءه سفارة، قائلين: "لا نريد أن هذا يملك علينا" [14]. وكما يقول القديس كيرلس الكبير: [حقًا عظيم هو الفارق بين هؤلاء (الذين تسلموا الأمناء) وبين الذين جحدوا مملكته تمامًا. هؤلاء هم متمردون يلقون عنهم نير صولجانه، بينما يمارس الآخرون مجد خدمته.] لعله قصد بالرافضين مملكته شعب اليهود الذين هم "أهل مدينته"، إذ قال: "وأما الآن فقد رأوا وأبغضوني أنا وأبي" (يو 15: 24). وكما يقول الإنجيلي يوحنا: "أجاب رؤساء الكهنة: ليس لنا ملك إلا قيصر" (يو 19: 15).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Emptyالجمعة يوليو 18, 2008 9:58 pm

ماذا يعني السيد بقوله: "أرسلوا وراءه سفارة" [14]؟ يجيب القديس أغسطينوس: [أرسلوا سفارة وراءه، لأنهم بعد قيامته اضطهدوا رسله، ورفضوا الكرازة بالإنجيل.]ثالثًا: يقول السيد: "ولما رجع بعدما أخذ المُلك أمر أن يُدعى إليه أولئك العبيد الذين أعطاهم الفضة ليعرف بما تاجر كل واحدٍ" [15]. ماذا يعني "بعد ما أخذ المُلك"؟ يمكننا أن نقول مع القديس يوحنا الذهبي الفم أن السيد المسيح ملك على كل البشر بحق الخلقة إذ هو خالق الكل، وهو ملك أيضًا بحق التبرير، إذ يملك على الأبرار، فيخضعون له طوعًا. بهذا له مملكتان، الأولى إلزامية علينا كخليقة، والثانية اختيارية، فنقبل مُلكه علينا خلال عمل نعمته، وهذه هي التي يقصدها بالقول: "أخذ المُلك".
يقول القديس أغسطينوس: [إنه يرجع بعدما يأخذ مُلكه، إذ يأتي بكل المجد ذاك الذي سبق فظهر لهم متواضعًا، قائلاً: "مملكتي ليست من هذا العالم" (يو 18: 36).] رابعًا: من هو ذاك الذي ربح بالأمناء الفضية الذي لسيده عشرة أمناء؟ وذاك الذي ربح بأمناء سيده خمسة أمناء؟ وذاك الذي استلم منا سيده الفضي ووضعه في منديل أو دفنه في التراب (مت 25: 18)؟ بلا شك أن الأمناء العشرة الفضية التي وزعها السيد على عبيده ما هي إلا "كلمة الله" التي قيل عنها أنها كالفضة المصفاة بالنار (مز 121: 3)، خاصة الناموس الذي يرمز له بالرقم 10 بكونه يحوي في جوهره الوصايا العشرة! الأول أخذ الوصية الإلهية لا ليدفنها بل لتربح عشرة أمناء، أي ليبلغ الحياة الملائكية بكون الطغمات السمائية هي تسع (بما فيها الشاروبيم والسيرافيم)، فيصير هو الطغمة العاشرة. أما الثاني الذي ربح خمسة أمناء، فيشير إلى ذاك الذي بكلمة الله الحية تتقدس الحواس الخمس، أي تقديس الجسد بحواسه، أما الذي دفن الوزنة الفضية في منديله أو في أرضه، فهو ذاك الذي يدفن كلمة الله في سجن ذاته أو في حدود الجسد كما كان يفعل زكا قبلاً حين كان محصورًا داخل شهواته الذاتية (الطمع).
يرى البعض أن الرجل الأول الذي ربح عشرة أمناء يشير إلى الخادم الكارز بالحق، إذ يكسب بروح الإنجيل الفهم الروحي للناموس (رقم 10)، أما المكافأة فهي مُلكه على عشر مدن، وكما يقول القديس أمبروسيوس أن هذه المدن هي النفوس التي تعهد بين يديه بإضرامه الوزنة الإلهية أو العملة المسيحانية، كلمة الإنجيل. ليست هناك مكافأة للخادم الحقيقي أعظم من أن يرى النفوس قد قبلت الكلمة، وخضعت لروح الحق، فيحسب نفسه كمن ملك بالمسيح عليها لا ليسيطر، وإنما ليبذل بالحب. أما الرجل الثاني الذي ربح خمسة أمناء فأظن أنه يمثل الإنسان التقي الذي وإن كان ليس له موهبة التعليم والكرازة بالكلمة لكنه خلال تقديس حواسه الخمس يشهد فيكسب نفوسًا للرب، فيصير كمن يملك على خمس مدن. أما الأخير الذي وضع الموهبة في منديل، فكما يقول الأب ثيؤفلاكتيوس أن المنديل تستخدم في ربط وجه الميت... وكأن ذاك الرجل حسب موهبة الرب ميتة يدفنها ويضمرها.
أما بقية المثل فيمكن الرجوع إلى تفسيره في كتابنا "الإنجيل بحسب متى 25: 14-30" منعًا للتكرار، مكتفيًا هنا بالتعليقين التاليين:

v
"إن كل من له يُعطى" [26]. من له الإيمان يُعطى معرفة، ومن له معرفة يُعطى حبًا، ومن له الحب يُعطى الميراث.القديس إكليمنضس السكندري
v "وأما أعدائي أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم، فأتوا بهم إلى هنا، واذبحوهم قدامي" [27].
ليته لا يهمل أحد في مقابلة الملك لئلا يُطرد من حجال العريس.
ليته لا يوجد بيننا من يستقبله بكآبة، لئلا يُدان كمواطنٍ شرير يرفض استقباله كملكٍ عليه.

لنأتِ إليه معًا ببهجة، ولنستقبله بفرح، ونتمسك بوليمتنا بكل أمانة.الأب ميثوديوس
3. تقدمه نحو أورشليم

سبق لنا الحديث عن دخول السيد المسيح إلى أورشليم في دراستنا لإنجيل معلمنا متى البشير (21: 1-11) وإنجيل معلمنا مرقس البشير (11: 1-10)، لذا أكتفي هنا بعرض الآتي كتكملة للتفسيرين السابقين: أولاً: صديقنا الأعظم فتح عيني الأعمى لكي يدرك الصداقة الإلهية، ويبصر بأعماقه محبة الله له، فيقبل صداقته (18: 35-42). ودعى نفسه بنفسه ليدخل بيت زكا ليعلن شوقه للدخول إلي بيتنا الداخلي، مقدسًا إيانا مهما بلغت خطايانا. وكأنه قد سمع صوت استجابة زكا للدعوة هذا الصوت الداخلي الذي عبّر عنه عمليًا بصعوده الجميزة، ففرح به وقدم الخلاص له ولأهل بيته، معلنًا صداقته له. وقدم مثل العشرة أمناء موضحًا أن هذه الصداقة التي بادر بها السيد ليقدمها إلينا مجانًا تلتزم من جانبنا جانب الجدية، فهو يهبنا عطاياه الإلهية بلا مقابل من جانبنا سوى قبول العطايا وإضرام الموهبة، يصادقنا على أساس قبولنا التجاوب معه وحمل سماته فينا. الآن يدخل أورشليم ليعلن ثمن هذه الصداقة من جانبه ألا وهو تقديم حياته مبذولة فدية عنا. لذا يقول الإنجيلي: "ولما قال هذا تقدم صاعدًا إلى أورشليم" [28]. لقد نزل إلينا لكي يصعد بنا إلى أورشليم، مقدمًا لنا صداقته وملكوته!
يكمل الإنجيلي حديثه قائلاً: "وإذ قرب من بيت فاجي وبيت عنيا عند الجبل الذي يدعى جبل الزيتون، أرسل اثنين من تلاميذه..." [29]. وكما سبق فقلنا أن رقم 2 يشير إلى الحب، إذ يجعل الاثنين واحدًا، ولأن الحب جاء في وصيتين: محبة الله ومحبة الغريب، لذلك بدأ إرساليته للتلاميذ لإحضار الأتان والجحش وهو بالقرب من قريتين، أي خلال الحب، الذي بدونه لا ننعم بدخول السيد إلى أورشليمنا.

قيل أن بيت فاجي قرية عند جبل الزيتون خاصة بالكهنة، بينما بيت عنيا ضمت بيت لعازر ومريم ومرثا وهم من الشعب، وقد تمت إرسالية التلميذين بالقرب من القريتين. هنا يمكنني أن أتجاسر فأقول أن العمل الرسولي في الكنيسة لا يقف عند بيت فاجي، أي العمل الكهنوتي وحده، أو التدبيري، وإنما يتكامل بعمل الشعب أيضًا. كنيستنا الرسولية هي جسد المسيح الذي يضم الكهنة كخدام للشعب عاملين لحساب خلاصهم وبنيانهم، كما يضم الشعب لا كمستمعين سلبيين، وإنما كعاملين مع الكهنة في وحدة الروح، كشهود حق للعمل الخلاصي. ففي الكنيسة الأولى إذ حدث "اضطهاد عظيم على الكنيسة التي في أورشليم فتشتت الجميع في كور اليهودية والسامرة ماعدا الرسل" (أع 8: 1)، انطلق هؤلاء المشتتون يبشرون بالكلمة (أع 8: 4). بقي الرسل في أورشليم يواجهون الاضطهاد بقوة، وانطلق الشعب لا ليهرب بل ليكرز ويشهد. أقول ما أحوج الكنيسة في كل عصر إلى كل عضو فيها أن يعمل، سواء كان طفلاً أو شيخًا، لا لعوز الجماعة إليه فحسب، وإنما ليمارس عضويته الحقيقية فيكون عاملاً حيًا، وإلا ففي سلبيته يفقد حيويته وتشل حركته ويمثل ثقلاً في عيني نفسه كما في أعين الآخرين.ثانيًا: كان السيد المسيح منطلقًا إلى أورشليم يبذل حياته لأجل أصدقائه، مقدمًا الثمن كله، محتملاً الصليب حتى النهاية. وفي محبته الفائقة أراد أن يشرك تلاميذه في هذا العمل فطالبهم بقليل القليل، إذ في حبه للإنسان يود أن يكون للإنسان دور، أيا كانت قيمته الظاهرة، لكنه دور حيوّي في عيني الرب محب البشر. لذا قال لإثنين من تلاميذه: "اذهبا إلى القرية التي أمامكما وحين تدخلانها تجدان جحشًا مربوطًا لم يجلس عليه أحد من الناس قط، فحلاه وأتيا به..." [30]. وقد سبق لنا الحديث عن المعنى الرمزي لهذا التصرف، إنما ما نود توضيحه هنا أن الرب يطلب عملهما مهما كان في نظرنا قليل القيمة، وذلك كالأب الذي يقدم ما استطاع لابنه ثم يعود فيسأله أمرًا يبدو تافهًا جدًا حتى يرد الابن لأبيه الحب بالحب، ويتجاوب مع صداقته بالصداقة وليدربه على العمل بغيرة.
يقول القديس باسيليوس الكبير: [يليق بنا حتى إن أوكل إلينا أقل الأعمال أن نمارسه بغيرةٍ عظيمةٍ وحبٍ، عالمين أن ما يُصنع بالله ليس تافهًا، بل يقابله ملكوت السماوات.[

ثالثًا: ماذا يعني هذا الجحش المربوط الذي لم يجلس عليه أحد من الناس قط [30]، الذي حله التلميذان وجاءا به إلي السيد المسيح؟ في دراساتنا السابقة لإنجيلي متى ومرقس رأينا كيف رمز الأتان والجحش إلي اليهود والأمم، إذ كان الجميع خارجًا في الطريق مربوطين بقيود العصيان، محتاجين إلي خدام الإنجيل لحلهم من الرباطات بروح الله القدوس، فيصيروا مركبة المسيح الوديعة والملتهبة أيضًا، المنطلقة إلي أورشليم الأبدية.للقديس أمبروسيوس تفسير آخر، إذ يقول: [يشير الجحش والأتان إلى آدم وحواء اللذين طُردا من الفردوس. طُرد الجنسان، وقد دُعي الجنسان في هذين الحيوانين... يقول مرقس إنه كان "مربوطًا عند الباب خارجًا" (مر 11: 4)، لأن من هو ليس مع المسيح يبقى خارجًا في الطريق، وأما من كان في المسيح فيبقى داخلاً. لقد كان مربوطًا عند الباب ليس له إقامة ولا مزود ولا طعام. يربطه الآخرون ليمتلكوه، أما ذاك فيحلنا ليحفظنا في يده؛ فالنعمة أعظم من القيود.[
رابعًا: ما أجمل هذه العبارة: "وأتيا به إلى يسوع، وطرحا ثيابهما على الجحش، وأركبا يسوع" [35]! لقد أتيا بالجحش الذي للغير لكنهما لم يقدماه للسيد ليركبه إلا بعد طرح ثيابهما عليه، فإنه وإن كان يليق بالكاهن أن يحث الكل على التقدمة للرب خلال كرازته الإنجيلية، لكنه يليق به وهو يقدم للسيد تقدمات الآخرين أن يشترك هو أيضًا في العطاء. قد لا يكون له جحش يقدمه، فليقدم ثيابه! ربما ليس له مال فليقدم إماتة جسده! بمعنى آخر الكاهن لا يأخذ لنفسه بل ليقدم للسيد المسيح لا مما هو للغير فحسب وإنما مما وهبه الله ولو كانت ثيابه الضرورية.

يرى القديس أمبروسيوس ما هو أكثر من ذلك، فإن الثياب إذ هي تشير للجسد، فخلع التلاميذ للثياب إنما يشير إلي تقديم التلاميذ الشهادة للسيد المسيح ببذل أجسادهم حتى الموت.خامسًا: بلا شك كانت ثياب التلميذين من الأنواع الرخيصة، بلا قيمة خاصة كثيابٍ مستعملة، لكنها صارت أشبه بعرش يجلس عليه الرب نفسه وهو قادم إلي أورشليم! هكذا إذ يرمز الثوب للجسد، فإن جسدنا بكل أعمال البرّ والصلاح يُحسب بلا قيمة مادام خارج المسيح، أما إن قدمناه للرب فهو يقبله عطية حب، فيقدس الجسد بأحاسيسه وعواطفه وأعماله الصالحة ويشتم في ذلك كله رائحة سرور!
يمكننا أيضًا أن نقول أنه لا قبول لعملٍ صالحٍ مادام ملتحمًا بجسدنا أو بذاتيتنا لكننا إن خلعنا عنا "ذاتيتنا" يتقبل الرب كل عملٍ صالحٍ كثوب يجلس عليه، ويباركه!
إن كان التلميذان يشيران إلي الإرسالية للأمم والإرسالية لليهود، فإن الثياب تشير إلي العمل الكرازي ذاته، فلا نجاح ولا قبول لعملٍ كرازيٍ ما لم يعمل الرسل في خضوع للسيد المسيح العامل فيهم؛ هذا ما يرمز إليه وضع الثياب تحته!
إن كان التلميذان يشيران إلي رجال العهد القديم من آباء وأنبياء ورجال العهد الجديد من رسل وتلاميذ، فإن غاية رجال العهدين أن يقدموا أعمالهم من نبوات وكرازة للسيد المسيح لتختفي فيه وتحته، فيجلس ويملك! إنهم لا يعملون لحساب أنفسهم، إنما لكي يستريح الرب بملكه علي قلوب المؤمنين في العهدين.

إن كان التلميذان يشيران إلي الحب (بكونهما اثنين) فإن وضع ثيابهما تحت السيد المسيح، إنما يشير إلي ترجمة الحب إلي عملٍ! فإن السيد المسيح يريد أن يستريح على حبنا العامل لا النظري.سادسًا: استراح السيد المسيح علي الجحش الذي وضع التلميذان ثيابهما عليه، لكن كما يقول القديس أمبروسيوس: [ليس ما يفرح رب العالم امتطاؤه ظهر حيوان ما لم يحمل هذا سرًا خفيًا، وهو أن يجلس داخليًا كملكٍ يتربع علي عرشه في أعماق نفوس البشر، يجلس كفارس إلهي بقوة لاهوته يقود خطوات العقل. طوبى لمن حملوا على ظهر أرواحهم مثل هذا الفارس! حقًا طوبى لمن وضع في أفواههم لجام الكلمة الإلهية عوض النطق بالأباطيل! [
يعود فيكمل القديس أمبروسيوس تعليقًا جميلاً على حملنا للسيد المسيح سريًا، فيقول: [تعلم كيف تحمل المسيح فقد حملك هو كراع يرد الخروف الضال (لو 15: 6) متهللاً بتطهيره لنفسك. تعلم أن تكون تحت المسيح فيصعدك إلي فوق لله (الآب).]سابعًا: كان السيد المسيح يقترب عند منحدر جبل الزيتون [37]، وقد سبق فقلنا في تفسير إنجيل مرقس الرسول أن هذا الجبل يشير إلي الكنيسة التي فيها يغرس الرب مؤمنيه كشجر زيتون حاملاً زيت النعمة الإلهية (زيت الزيتون) متى اجتاز المعصرة مع عريسه السماوي. هذا الجبل المرتفع بالروح يدفع قلوب الكل لتعيش فوق الأرضيات، وهو جبل دائم الخضرة علامة حياة الكنيسة الدائمة.
عند الاقتراب من هذا الجبل يقول الإنجيلي: "ابتدأ كل جمهور التلاميذ يفرحون ويسبحون الله بصوت عظيم، لأجل جميع القوات التي نظروا. قائلين: مبارك الملك الآتي باسم الرب، سلام في السماء ومجد في الأعالي" [37-38]. إذ يقترب الرب إلينا كما إلي جبل الزيتون يعلن عن صداقته الإلهية وفاعليتها في أعماقنا الداخلية، فتتهلل كل طاقاتنا الداخلية وتطرب أحاسيسنا ومشاعرنا وتبتهج نفوسنا. فيتحول كل كياننا إلي قيثارة الروح القدس التي تعزف تسبحة فائقة لا يمكن للغة التعبير عنها، فيصير كل منا وكأنه قد حمل في داخله جمهور تلاميذ للرب يفرحون ويسبحون. تنفتح البصيرة لترى القوات العجيبة، وينطلق كل الكيان ليعلن قبوله السيد المسيح ملكًا وربًا، قائلاً: "مبارك الملك الآتي باسم الرب"، وترتفع النفس لترى موضعها في السماء، حيث تنعم بسلام صديقها السماوي وشركة أمجاده العلوية، قائلة: "سلام في السماء ومجد في الأعالي".
يقول القديس كيرلس الكبير: [سبح التلاميذ مخلص الكل ودعوه الملك والرب وسلام السماء والأرض. ليتنا نحن أيضًا نسبحه كما بقيثارة المرتل، قائلين: ما أعظم أعمالك يا رب، بحكمة صنعتها! (مز 104: 24).]

جاءت التسبحة "سلام في السماء ومجد في الأعالي" [38]. فدخول السيد المسيح إلي أورشليم لتقديم نفسه فصحًا عنا نزع العداوة التي كانت قائمة بين الآب والبشرية، أو بين السماء والأرض، فصار سلام في السماء، إذ لم يعد الله يمثل عدوًا لنا بل صار أبًا بالحق، أما المجد الذي في الأعالي، فيعني انفتاح السماء بأمجادها علي الإنسان ليتمجد في الأعالي. سلامنا ومجدنا هو سلام ومجد للسماء في الأعالي. يمكننا أن نقول أيضا مع القديس أغسطينوس أن السماء هي النفس البشرية، فعمل المسيح الفادي ردّ للنفس سلامها الداخلي، وتمتعها بأن ترتفع في الأعالي، لتمجد عريسها الأبدي.ثامنًا: يقدم لنا الإنجيلي لوقا ردّ الفعل لدى الفريسيين، قائلاً: "وأما بعض الفريسيين من الجمع فقالوا له: يا معلم انتهر تلاميذك. فأجاب وقال لهم: أقول لكم إن سكت هؤلاء فالحجارة تصرخ" [39-40]. لقد أراد الفريسيون أن يسكت هؤلاء، فأجابهم السيد المسيح أن الحجارة نفسها تصرخ شاهدة لمملكته، وكما يقول كثير من الآباء أن الأمم إذ عبدوا للحجارة صاروا حجارة من جهة الروح. هؤلاء الذين تحجرت أرواحهم وقلوبهم وأفكارهم، قبلوا الإِيمان بالسيد المسيح فصاروا يصرخون. حقًا لقد سكت هؤلاء، إذ جحدته الأمة اليهودية عندما رأته مصلوبًا، سكت اليهود فصرخ الأمم بقبولهم الإيمان.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Emptyالجمعة يوليو 18, 2008 9:59 pm

يرى القديس أمبروسيوس أن قول السيد تحقق أيضًا حرفيًا عندما سكت اليهود عن تسبيحه وتمجيده في لحظات الصلب، فقد نطقت الحجارة فعلاً، إذ حدثت زلزلة والصخور تشققت والقبور انفتحت الخ.
v ما هي هذه الحجارة إلا الذين يعبدون الحجارة؟! فإن صمت أبناء اليهود تصرخ الأمم كبارًا وصغارًا.
v من بين الأمم جئنا نحن، آباؤنا كانوا يعبدون حجارة.
القديس أغسطينوس
4. بكاؤه على أورشليم
طلب الفريسيون أن يسكت هؤلاء، وفي مرارة قال السيد: "إن سكت هؤلاء فالحجارة تصرخ" [40]. وبالفعل سكت هؤلاء عن التسبيح رافضين العمل الخلاصي وانطلقت الحجارة (الأمم) تصرخ للرب شاهدة له بإيمانها. هذا الأمر محزن لقلب ربنا يسوع المسيح الذي جاء يمد يده بالصداقة للجميع، فإذا بخاصته لم تقبله بل عادته عوض مصادقته. لذا صار يرثيها، كما يقول الإنجيلي:
"وفيما هو يقترب نظر إلي المدينة وبكى عليها.
قائلاً: إنكِ لو علمتِ أنتِ أيضًا حتى في يومك هذا ما هو لسلامك؛
ولكن الآن قد أُخفى عن عينيك.
فإنه ستأتي أيام ويحيط بك أعداؤك بمترسة ويحدقون بك،
ويحاصرونك من كل جهة.
ويهدمونك وبنيكِ فيكِ،
ولا يتركون فيكِ حجرًا على حجر،
لأنك لا تعرفي زمان افتقادك" [41-44].
v أكدّ يسوع كل التطويبات التي أوضحها في إنجيله بتقديم نفسه مثالاً؛ فقد أعلن "طوبى للودعاء" ثم عاد بعد ذلك ليثبت ذلك بقوله: "تعلموا مني لأني وديع" (مت 11: 29). وإذ قال "طوبى للباكين" بكى هو أيضًا على المدينة.
v لست أنكر أن أورشليم الأولى قد خُربت بسبب شر سكانها، لكنني أتساءل: ألا يليق بك البكاء على أورشليمك الروحية؟!
إن أخطأ أحد بعد قبوله أسرار الحق، فإنه يُبكي عليه، لأنه كان من أورشليم ولم يعد بعد...
ليُبك على أورشليمنا، لأنه بسبب الخطية يحيط بها الأعداء (الأرواح الشريرة) بمترسة ويحاصرونها، ولا يتركون فيها حجرًا على حجرٍ، خاصة لو أن هذا الإنسان كان قد سبق فمارس العفة زمانًا والطهارة سنوات طويلة، فتثور فيه شهوات الجسد ويفقد نقاوته وعفته ليسقط في الزنا ولا يُترك فيه حجر علي حجر كقول حزقيال: "كل بره الذي عمله لا يُذكر" (حز 18: 24).
العلامة أوريجينوس
v أدان إرميا النبي جهل اليهود وكبرياءهم علانية، موبخًا إياهم هكذا: "كيف تقولون نحن حكماء وشريعة الرب معنا، حقًا إنه إلى الكذب حولها قلم الكتبة الكاذب. خزي الحكماء، ارتاعوا وأُخذوا، ها قد رفضوا كلمة الرب" (إر 8: 8-9). لقد رفضوا كلمة الله بسبب عدم حكمتهم وعدم إدراكهم للكتب المقدسة بالرغم مما تظاهر به الكتبة والفريسيون من تمتعهم بسمعة طيبة إنهم متبحرون في الشريعة. لم يقبلوا ابن الله الوحيد عندما صار جسدًا، ولا أحنوا رقابهم بالطاعة لنصائحه التي قدمها بالإنجيل. بسلوكهم الشرير رذلوا كلمة الله، فصاروا مرذولين بحكم الله العادل. يقول الله بإرميا: "فضة مرفوضة يُدعون، لأن الرب قد رفضهم" (إر 6: .3). كما قيل: "جزي شعرك واطرحيه، وارفعي على الهضاب مرثاة، لأن الرب قد رفض ورذل جيل رجزة" (إر 7: 29)... أما ثمر ضلالهم فهو حلول النكبات عليهم، محتملين كل بؤس نتيجة تذمرهم على الرب.
سقوطهم في هذا الأسى ليس حسب إرادة الله الصالحة، إذ يريدهم أن ينالوا الطوباوية بالإيمان والطاعة... فإذ قيل: "نظر إلى المدينة وبكى عليها" إنما لنعلم مشاعر حزنه، إن صح هذا القول عن الله الذي هو فوق الكل. فلو لم يعلن حزنه بتصرف بشري لما أمكننا أن نلمس ذلك... هكذا بكى أيضا على لعازر لكي نفهم حزنه علي سقوط طبيعة الإنسان تحت سلطان الموت، "إذ هو خلق كل الأشياء بغير فساد، وبحسد إبليس دخل الموت إلي العالم" (حك 2: 23-24)... هكذا أيضًا بكى على أورشليم إذ أراد لها الطوباوية - كما قلت - بقبولها الإيمان به وترحيبها بالسلام مع الله. هذا هو ما دعاهم إليه بإشعياء، قائلاً: "لنصنع معه سلامًا" (إش 27: 5 الترجمة السبعينية)... لنصنع سلامًا مع الله بالإيمان، كما علمنا الحكيم بولس حيث كتب: "فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح" (رو 5: 1). أما هم فكما قلت أسرعوا نحو التمرد والاستهزاء في عنف بلا ضابط، مستخفين بخلاص المسيح ومقاومين له. لهذا يلومهم المسيح قائلاً لهم: أما تعرفون ما هو لسلامكم؟! أما تعرفون الأمور النافعة والضرورية لصنع سلامكم مع الله؟...
لقد برهن الإسرائيليون حتى قبل التجسد إنهم غير أهل لخلاص المسيح، إذ رذلوا الشركة مع الله وأقاموا لأنفسهم آلهة كاذبة وقتلوا الأنبياء مع أنهم كانوا يحذرونهم من ترك الإله الحيّ، ويوصوهم بالالتزام بوصايا الله المقدسة. ومع هذا لم يستجيبوا، بل أحزنوا الله بطرق كثيرة حتى عندما دعاهم للخلاص.
هذا ما يعلمنا إياه المخلص نفسه، بقوله: "يا أورشليم يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها، كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها ولم تريدوا؛ هوذا بيتكم يترك لكم خرابًا" (مت 23: 37-38).
ها أنت تراه كيف يريد حقًا أن يهبهم رحمته، لكنهم رذلوا عونه. لهذا سقطوا تحت دينونة ناموس الله المقدس، ونُزعت عنهم العضوية في رعويته الروحية. قال أحد الأنبياء القديسين للشعب اليهودي: "أقارن أمك بالليل، لأنك أنت رفضت المعرفة أرفضك أنا حتى لا تكهن لي، ولأنك نسيت شريعة إلهك أنسى أنا أيضًا بنيك" (هو 4: 6).
انظروا فإنه يقارن أورشليم بالليل، لأن ظلمة الجهل قد حجبت قلب اليهود وأعمت بصيرتهم، لذا سُلموا للخراب والقتل... هكذا سقطت أورشليم المدينة المقدسة الشهيرة تحت كارثة الخراب، كما يظهر من التاريخ، وقد سبق فأكد إشعياء ذلك، إذ صرخ بصوت عالِ وسط جموع اليهود، قائلاً: "بلادكم خربة، مدنكم محرقة بالنار، أرضكم تأكلها الغرباء قدامكم، وهى خربة كانقلاب الغرباء" (إش 1: 7). هذه هي أجرة المجد الباطل الذي لليهود، وعقوبة عصيانهم، والألم الذي حّل بعدل عليهم بسبب تشامخهم. أما نحن فلنا رجاء القديسين، وكل طوباوية، لأننا نكرم المسيح بالإيمان.
القديس كيرلس الكبير
v بكى المخلص الرحوم على سقوط المدينة الغاشة، هذه التي لم تكن تعرف ما كان سيحل بها، إذ قيل: "إنك لو علمتِ أنتِ أيضًا (لكنتِ تبكين)". ها أنتِ تفرحين الآن لأنك لا تعلمين ما قد أوشك أن يحل بك. يردف قائلاً: "حتى في يومكِ هذا" [42]، لأنها إذ سلمت نفسها للشهوات الجسدية نالت في يومها ما هو فيه سلامها (الزمني). وقد أوضح ما تقدمه هذه الأمور لها، بقوله: "ولكن الآن قد أخفى عن عينيك" [42]، فلو أن عيني قلبها لم يُخف عنها ما سيحل بها من شرور مقبلة لما كانت تفرح بالترف الحاضر. ولهذا أضاف في الحال العقوبة التي ستحل بها: "فإنه ستأتي (عليكِ) أيام" [43]... هنا يشير إلى ما تم بواسطة القيصرين الرومانيين فسبنيان وتيطس من تدميرهما لأورشليم...
لا يكف مخلصنا عن البكاء حتى الآن خلال مختاريه متى رأى إنسانًا يترك الحياة الصالحة ويسلك في الطرق الشريرة!...
حقًا إن النفس الشريرة لها يومها، فإن كانت تفرح في الزمن العابر حيث تجد سلامها في الأمور الزمنية حاسبة أنها تنال بهجتها في الزمنيات، لكنها تتحاشى النظرة المستقبلية التي قد تربك طربها الحاضر.
البابا غريغوريوس (الكبير)
5. تطهير الهيكل
جاء السيد المسيح ليقيم صداقته مع الإنسان، وإذ رفضت أورشليم صداقته عرَّضت نفسها بنفسها للتحطيم الكامل في غباوة، فلم يقف الرب مكتوف الأيدي، إنما قدم عملين: قام بتطهير الهيكل من الباعة والمشترين [45-46]، كما قام بالتعليم فيه كل يوم [47-48]. إن كان العمل الأول سلبيًا فيه طرد الشر، فالثاني إيجابي فيه أعلن الرب صداقته لسامعيه.
"ولما دخل الهيكل ابتدأ يخرج الذين يبيعون ويشترون فيه.
قائلاً لهم: مكتوب أن بيتي بيت الصلاة،
وأنتم جعلتموه مغارة لصوص" [45-46].
لقد سبق لنا الحديث بتوسع عن تطهير الهيكل في تفسيرنا مت 21: 12-13؛ مر 11: 15-17.
v إذ روى الشرور التي ستحل بالمدينة في الحال دخل الهيكل ليطرد الذين كانوا يبيعون ويشترون فيه، مظهرًا أن دمار الشعب يحل بصورة رئيسية بسبب خطايا الكهنة... الذين كانوا يجلسون في الهيكل يتقبلون المال بلا شك كانوا يمارسون ضغوطًا تضر الذين لا يقدمون شيئًا.
البابا غريغوريوس (الكبير)
v الله لا يريد أن يكون هيكله موضع تلاقٍ للباعة، بل مسكنًا للقداسة، مؤكدًا أن خدمة الكهنوت لا تتم خلال التجارة بالدين بل بالبذل الإرادي مجانًا.
القديس أمبروسيوس
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Emptyالجمعة يوليو 18, 2008 10:00 pm

يرى القديس كيرلس الكبير في تعليقاته على إنجيل لوقا أن طرد الباعة يحمل عملاً رمزيًا، فقد جاء المسيح فصحنا ليُبذل، لذا كان يجب إبطال الذبيحة الدموية فلا حاجة لحيوانات أو طيور تُذبح... ويرى العلامة أوريجينوس أن البيع والشراء هنا يرمزان لتحويل الخدمة الروحية إلى عمل تجاري، خاصة بيع الحمام إذ يشير إلى بيع مواهب الروح القدس.
لماذا قال السيد عن الهيكل: "أنتم جعلتموه مغارة لصوص"؟ لأن اللص لا يبالي بمن حوله بل ينهب ويقتل، هكذا تحول قادة اليهود عن رسالتهم فعوض تقديم كلمة الحق واهبة الحياة صاروا يستغلون مراكزهم في الاتجار، يقتلون إخوتهم روحيًا خلال العثرة، ويقتلون الإيمان بتصرفاتهم. إن كان الإيمان بالنسبة للهيكل يمثل النفس بالنسبة للجسد فتصرفات القادة تطرد الإيمان خارجًا ليبقى الهيكل قتيلاً. هذا هو عمل اللصوصية بمفهومه الروحي.
6. تعليمه في الهيكل
"وكان يعلم كل يوم في الهيكل،
وكان رؤساء الكهنة والكتبة مع وجوه الشعب يطلبون أن يهلكوه.
ولم يجدوا ما يفعلون،
لأن الشعب كله كان متعلقًا به يسمع منه" [47-48].
v لم يبطل مخلصنا كلمة الكرازة حتى بالنسبة لغير المستحقين والجاحدين.
البابا غريغوريوس (الكبير)
لقد تعلق كل الشعب في بساطته بالسيد المسيح بينما حُرم أصحاب المعرفة - رؤساء الكهنة والكتبة مع وجوه الشعب - أنفسهم من نعمة السيد المسيح وعطاياه السماوية. دخل البسطاء في الصداقة الإلهية، وفقد حكماء هذا العالم هذه العطية الإلهية. وكما يقول القديس كيرلس الكبير أليس هذا يزيد من عقوبتهم؟! فقد صار الذين يليق بهم أن يكرزوا عائقين للعمل.
1 ثم دخل و اجتاز في اريحا
2 و اذا رجل اسمه زكا و هو رئيس للعشارين و كان غنيا
3 و طلب ان يرى يسوع من هو و لم يقدر من الجمع لانه كان قصير القامة
4 فركض متقدما و صعد الى جميزة لكي يراه لانه كان مزمعا ان يمر من هناك
5 فلما جاء يسوع الى المكان نظر الى فوق فراه و قال له يا زكا اسرع و انزل لانه ينبغي ان امكث اليوم في بيتك
6 فاسرع و نزل و قبله فرحا
7 فلما راى الجميع ذلك تذمروا قائلين انه دخل ليبيت عند رجل خاطئ
8 فوقف زكا و قال للرب ها انا يا رب اعطي نصف اموالي للمساكين و ان كنت قد وشيت باحد ارد اربعة اضعاف
9 فقال له يسوع اليوم حصل خلاص لهذا البيت اذ هو ايضا ابن ابراهيم
10 لان ابن الانسان قد جاء لكي يطلب و يخلص ما قد هلك
11 و اذ كانوا يسمعون هذا عاد فقال مثلا لانه كان قريبا من اورشليم و كانوا يظنون ان ملكوت الله عتيد ان يظهر في الحال
12 فقال انسان شريف الجنس ذهب الى كورة بعيدة لياخذ لنفسه ملكا و يرجع
13 فدعا عشرة عبيد له و اعطاهم عشرة امناء و قال لهم تاجروا حتى اتي
14 و اما اهل مدينته فكانوا يبغضونه فارسلوا وراءه سفارة قائلين لا نريد ان هذا يملك علينا
15 و لما رجع بعدما اخذ الملك امر ان يدعى اليه اولئك العبيد الذين اعطاهم الفضة ليعرف بما تاجر كل واحد
16 فجاء الاول قائلا يا سيد مناك ربح عشرة امناء
17 فقال له نعما ايها العبد الصالح لانك كنت امينا في القليل فليكن لك سلطان على عشر مدن
18 ثم جاء الثاني قائلا يا سيد مناك عمل خمسة امناء
19 فقال لهذا ايضا و كن انت على خمس مدن
20 ثم جاء اخر قائلا يا سيد هوذا مناك الذي كان عندي موضوعا في منديل
21 لاني كنت اخاف منك اذ انت انسان صارم تاخذ ما لم تضع و تحصد ما لم تزرع
22 فقال له من فمك ادينك ايها العبد الشرير عرفت اني انسان صارم اخذ ما لم اضع و احصد ما لم ازرع
23 فلماذا لم تضع فضتي على مائدة الصيارفة فكنت متى جئت استوفيها مع ربا
24 ثم قال للحاضرين خذوا منه المنا و اعطوه للذي عنده العشرة الامناء
25 فقالوا له يا سيد عنده عشرة امناء
26 لاني اقول لكم ان كل من له يعطى و من ليس له فالذي عنده يؤخذ منه
27 اما اعدائي اولئك الذين لم يريدوا ان املك عليهم فاتوا بهم الى هنا و اذبحوهم قدامي
28 و لما قال هذا تقدم صاعدا الى اورشليم
29 و اذ قرب من بيت فاجي و بيت عنيا عند الجبل الذي يدعى جبل الزيتون ارسل اثنين من تلاميذه
30 قائلا اذهبا الى القرية التي امامكما و حين تدخلانها تجدان جحشا مربوطا لم يجلس عليه احد من الناس قط فحلاه و اتيا به
31 و ان سالكما احد لماذا تحلانه فقولا له هكذا ان الرب محتاج اليه
32 فمضى المرسلان و وجدا كما قال لهما
33 و فيما هما يحلان الجحش قال لهما اصحابه لماذا تحلان الجحش
34 فقالا الرب محتاج اليه
35 و اتيا به الى يسوع و طرحا ثيابهما على الجحش و اركبا يسوع
36 و فيما هو سائر فرشوا ثيابهم في الطريق
37 و لما قرب عند منحدر جبل الزيتون ابتدا كل جمهور التلاميذ يفرحون و يسبحون الله بصوت عظيم لاجل جميع القوات التي نظروا
38 قائلين مبارك الملك الاتي باسم الرب سلام في السماء و مجد في الاعالي
39 و اما بعض الفريسيين من الجمع فقالوا له يا معلم انتهر تلاميذك
40 فاجاب و قال لهم اقول لكم انه ان سكت هؤلاء فالحجارة تصرخ
41 و فيما هو يقترب نظر الى المدينة و بكى عليها
42 قائلا انك لو علمت انت ايضا حتى في يومك هذا ما هو لسلامك و لكن الان قد اخفي عن عينيك
43 فانه ستاتي ايام و يحيط بك اعداؤك بمترسة و يحدقون بك و يحاصرونك من كل جهة
44 و يهدمونك و بنيك فيك و لا يتركون فيك حجرا على حجر لانك لم تعرفي زمان افتقادك
45 و لما دخل الهيكل ابتدا يخرج الذين كانوا يبيعون و يشترون فيه
46 قائلا لهم مكتوب ان بيتي بيت الصلاة و انتم جعلتموه مغارة لصوص
47 و كان يعلم كل يوم في الهيكل و كان رؤساء الكهنة و الكتبة مع وجوه الشعب يطلبون ان يهلكوه
48 و لم يجدوا ما يفعلون لان الشعب كله كان متعلقا به يسمع منه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Emptyالجمعة يوليو 18, 2008 10:01 pm

الأصحاح العشرون
مقاومو الصداقة الإلهية
في الأصحاح السابق تقدم رب المجد يسوع إلى أورشليم ليقدم حياته المبذولة ثمنًا لصداقتنا معه، هذه الصداقة التي كلفته كل هذا الثمن قبلها البسطاء وتجاوبوا معها، أما القادة مدَّعو الحكمة فقاوموا السيد بكل وسيلة. تارة قاوموه في تعليمه مشككين في سلطانه، وأخرى باتهامه كمثيرٍ للشعب ضد السلطات ومحرض علي عدم دفع الجزية الخ. هذه المقاومة في حقيقتها إخفاء لرعايتهم لأنفسهم عوض رعاية الشعب، واهتمامهم بمصالحهم الخاصة عوض المصلحة العامة. وكما سبق فأعلن حزقيال النبي على لسان الرب: "ويل لرعاة إسرائيل الذين كانوا يرعون أنفسهم، ألا يرعى الرعاة الغنم؟ تأكلون الشحم وتلبسون الصوف وتذبحون السمين ولا ترعون الغنم، المريض لم تقووه، والمجروح لم تعصبوه، والمكسور لم تجبروه، والمطرود لم تستردوه، والضال لم تطلبوه، بل بشدة وعنف تسلطتم عليهم... هاأنذا أسأل عن غنمي وافتقدها... أنا أرعى غنمي واربضها يقول السيد الرب، وأطلب الضال، واسترد المطرود، وأجبر الكسير، وأعصب الجريح، وأبيد السمين القوي وأرعاها بعدل" (حز 34: 2-16).
هكذا يكشف الرب للرعاة عن فشلهم التام في رعايتهم لغنمه العاقل ليتسلم بنفسه رعاية شعبه، معلنًا محبته العملية الباذلة على الصليب. هذا الخط يظهر واضحًا في الأناجيل الأربعة في الفترة ما بين دخول السيد المسيح أورشليم حتى صلبه، وفي قراءات أسبوع الآلام، حيث يكشف روح الله عن فشل الرعاية اليهودية الجاحدة وعجزها، ليتسلم الرب بنفسه رعاية شعبه خلال الصليب.
1. مقاومة تعليمه بإنكار سلطانه 1-8.
2. مقاومة الكرّام (مثل الكرامين) 9-19.
3. سؤال بخصوص الجزية 20-26.
4. سؤال بخصوص القيامة 27-40.
5. ابن داود وربه 41-44.
6. تحذير من الكتبة المرائين 45-47.
1. مقاومة تعليمه بإنكار سلطانه
قلنا أن السيد المسيح جاء يقدم صداقته للبشرية لا خلال المشاعر المجردة، إنما خلال رفع الإنسان إلي شبهه وتمتعه بحياته فيه، لذا قام بطرد الباعة وتطهير الهيكل ثم وقف يعلم. فصار يجتذب النفوس إليه بالحب الحقّ في حياة مقدسة.
أمام هذا المنظر وقف المقاومون من رؤساء الكهنة والكتبة مع الشيوخ مبهورين، فقد جذب الشعب بسلطان مع أنه ليس من سبط هرون وليس له دور رسمي في الهيكل، فصاروا يسألونه عن سرّ سلطانه، لا كاستفسار، وإنما بدافع الحسد والتخوف على مراكزهم. هذا ما قاله الإنجيلي هكذا:
"وفي أحد تلك الأيام إذ كان يعلم الشعب في الهيكل ويبشر،
وقف رؤساء الكهنة والكتبة مع الشيوخ.
وكلموه، قائلين: قل لنا بأي سلطان تفعل هذا؟
أو من هو الذي أعطاك هذا السلطان؟
فأجاب وقال لهم: وأنا أيضًا أسألكم كلمة واحدة، فقولوا لي:
معمودية يوحنا من السماء كانت أم من الناس؟
فتآمروا فيما بينهم قائلين: إن قلنا من السماء، يقول فلماذا لم تؤمنوا به؟
وإن قلنا من الناس فجميع الشعب يرجمونا، لأنهم واثقون بأن يوحنا نبي.
فأجابوا إنهم لا يعلمون من أين.
فقال لهم يسوع: ولا أنا أقول لكم بأي سلطان أفعل هذا" [1-8].
لقد سبق لنا الحديث عن هذا الحوار بين قادة اليهود والسيد المسيح في تفسيريّ إنجيل متى 21: 23-27 وإنجيل مرقس 11: 27-33.
وإنني أكتفي هنا بعرض النقاط التالية:
أولاً: يقول القديس أغسطينوس إن الإنجيلي لوقا لم يذكر ذهاب السيد المسيح إلى بيت عنيا بعد تطهيره للهيكل وعودته منها، وتصرفه بالنسبة لشجرة التين العقيمة وحديثه مع تلاميذه الذين دهشوا إذ رأوا التينة قد يبست، إنما يتحدث عن هذا الحوار بين السيد المسيح وهؤلاء القادة.
ثانيًا :قدم رؤساء الكهنة والكتبة مع الشيوخ سؤالين لا للاستفسار رغبة في المعرفة وإنما للإثارة رغبة في التحطيم، إذ قالوا: "قل لنا بأي سلطان تفعل هذا؟" وكانوا يقصدون بهذا أنه ليس من سبط لاوي، ولا ينتمي إلى أية جماعة قيادية لها حق التعليم، فكيف يتجاسر ويعلم هكذا في الهيكل؟ وكان يمكن للسيد أن يجيبهم من كتب الشريعة عينها التي يحسبونه كاسرًا لها بتعليمه وهو من سبط يهوذا لا سبط لاوي، وأيضًا من كتب الأنبياء. ففي كتب الشريعة (الأسفار الخمسة)، يوضح أن لاوي وهو في صلب أبيه إبراهيم انحنى لملكي صادق - الذي هو مجرد رمز للسيد المسيح - يقدم له العشور، أفلا يليق بالمرموز إليه أن يعلم أولاد إبراهيم؟ وكان يمكن أن يستعرض نبوات بلا حصر عن صدق رسالته وتأكيد أنه المسيا.
لو أن هؤلاء القادة جاءوا يستفسرون طالبين الحق لما بخل عليهم السيد بالكشف عن نفسه من كتبهم، لكنه يعلم أنهم جاءوا للمناقشات الغبية غير المجدية بقصد الانشغال بعيدًا عن الخدمة الجوهرية، لذا لم يجبهم عن أسئلتهم إلا بسؤال يفحمهم. الخادم الذي يحمل روح سيده لا يدخل في مناقشات غبية تفسد ذهنه وتسحب وقته عن العمل الرئيسي الجاد لخلاص إخوته، إنما يفعل كما صنع نحميا حينما جاءه الأعداء يطلبون معه الحوار، فأجابهم بأن اليوم هو يوم عمل (نح 6: 3 ،9).
أما السؤال الثاني فهو: "من هو الذي أعطاك هذا السلطان؟" فقد سبقوا فاتهموه أنه ببعلزبول يخرج الشياطين، لذا أرادوا تشكيك الشعب فيه أنه في تعليمه لا يستمد السلطان من الله بل من الشيطان. وهنا أيضًا أفحمهم بسؤالهم عن معمودية يوحنا. فقد أعلن يوحنا بعماده عن سرّ سلطان السيد المسيح حين شهد الآب علانية عن المسيا لحظات عماده في الأردن.
2. مقاومة الكرام (مثل الكرامين الأشرار)
في حوارهم أرادوا اتهام السيد المسيح أن تعليمه لا يقوم على أساس ناموس شرعي إذ هو ليس بكاهنٍ أو معلمٍ رسميٍ، وأن مصدر سلطانه مشكوك فيه، فسألهم السيد عن معمودية يوحنا ليفحمهم. الآن إذ يقدم مثل الكرامين الأشرار الذين أرادوا اغتصاب الكرم من صاحبه، فضح هؤلاء المعلمين بطريقة رمزية أدركوها حتى أرادوا قتله لولا خوفهم من الشعب. لقد أظهر لهم أنه ليس هو المتعدي على السلطان الإلهي بل هو الابن الوارث الذي يقاومه الكرامون الذين أقامهم الله في كرمه للعمل، فأرادوا اغتصاب الكرم لحسابهم الذاتي.
لقد سبق لنا دراسة هذا المثل في دراستنا لإنجيل متى 21: 33 الخ. ولإنجيل مرقس 12: 1-12، لذا أكتفي هنا بإبراز النقاط التالية:
أولاً: "أبرز السيد المسيح تكريمه للإنسان من جانبين رئيسيين، الجانب الأول أنه شبّه الله - صاحب الكرم- بإنسان، مكرمًا إيانا بهذا التشبيه، أما من الجانب الآخر فهو حديثه عن تسليم الكرم لكرامين وسفره إلى بلد بعيد. الله لم يترك كرمه وينطلق إلى بلد بعيد مكانيًا لأنه حاّل في كل موضع فكم بالأكثر في كرمه، ولا رعويًا فإن عنايته قائمة بلا انقطاع، إنما قوله إنه مسافر إلى بلد بعيد إنما تعبير عن تقديسه للحرية الإنسانية، فقد سلم الكرم للكرامين، واهبًا إياهم كمال الحرية للتصرف كمن قد تركهم وانطلق بعيدًا لا لكي لا يسندهم،وإنما لا يلزمهم بسلوك معين في الرعاية. إنه لا يضغط على الرعاة ليسلكوا في رعايتهم لاإراديًا.
ثانيًا: ما هو الثمر الذي يطلبه صاحب الكرم من كراميه؟ يجيب الأب ثيؤفلاكتيوس: ]ماذا يربح الله منا إلا معرفته التي هي لنفعنا نحن.]
ثالثًا: من هم هؤلاء العبيد الثلاثة الذين سبقوا الوارث، الذين اضطهدوا الكرامين عوض تقديم الثمار لحساب صاحب الكرم؟
v العبد الأول الذي أرسله الرب ليجمع لحسابه هو الناموس الطبيعي الذي وهبه الله للبشرية حتى قبل الناموس الموسوي، وقد كسر الإنسان هذا الناموس الطبيعي، الأمر الذي وضح بقوة في قتل هابيل، فقدم قايين رائحة الحسد الملطخة بدم برئ عوض الحب الأخوي، وقد عاش رجال الإِيمان قبل الناموس تحت ضيقات كثيرة من قِبل الأشرار.
v العبد الثاني الذي بعث به الرب هو الناموس الموسوي على يدي موسى، ومع هذا فقد عانى موسى الأمرين من قبل اليهود بتذمرهم غير المنقطع. كما عاش الناموس الموسوي مُضطهدًا من كل القيادات اليهودية بتحويله من الروح إلى الحرف القاتل. فإن كان قادة اليهود قد ظهروا كغيورين على الشريعة ومحافظين عليها، إنما في المظهر الخارجي البرّاق، أما بحياتهم وسلوكهم فقد قتلوها وأفسدوا غايتها ورسالتها بتعليمهم الحرفي.
v العبد الثالث الذي قدمه صاحب الكرم هو النبوة، فقد بُعث مجموعة من الأنبياء يحثوا الشعب على التوبة ويعلنوا عن مجيء المسيا المخلص، وكان نصيب الأنبياء الضيق والاضطهاد والقتل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Emptyالجمعة يوليو 18, 2008 10:02 pm

يمكننا أن نقول بأن السيد المسيح وهو يحدث اليهود خاصة قادتهم، فإن هؤلاء الحاضرين أنفسهم مسئولون عن قتل هؤلاء العبيد الثلاثة. فالقادة الحاضرون في عصر السيد المسيح كانوا يعملون ضد الناموس الطبيعي، كما ضد الناموس الموسوي، وأيضًا ضد النبوة. فمن جهة حياتهم وسلوكهم لم يراعوا حتى الناموس الطبيعي نفسه، ومن جهة تعليمهم قتلوا الناموس الموسوي بتطبيقه بطريقة حرفية جامدة فتمسكوا بالظل والرمز دون الاهتمام بالحق والمرموز إليه، ومن جهة النبوات رفضوها لأنهم رفضوا المخلص غاية الناموس وموضوع النبوات.
رابعًا: ربما يستصعب البعض دعوة السيد المسيح نفسه بالوارث، فهل مات الآب ليرثه الابن؟ حاشا، إنما تقدم الوارث لا ليسحب من الأب ماله، إذ ما هو للآب فهو للابن، لكنه دعي نفسه وارثًا بكونه قد ترك مجده بإرادته مخليًا ذاته ليكون ممثلاً لنا ونائبًا عنا، حتى متى مات السيد المسيح بالجسد وقام نال باسمنا ماله كميراثٍ لنا بشركتنا معه في المجد. لقد حمل هذا اللقب "وارثًا" كرأس للكنيسة لكي ترث باسم رأسها ومعه وفيه ما هو له. لذلك يقول القديس أمبروسيوس :[المسيح هو وارث وفي نفس الوقت وصي.]
خامسًا :يمكننا أن نفهم من العبارة التالية: "فلما رآه الكرامون، تآمروا فيما بينهم قائلين: هذا هو الوارث، هلموا نقتله لكي يصير لنا الميراث" [14]. أراد السيد المسيح أن يوضح لهم أن ما يرتكبوه ضده لا يتم عن عدم معرفةٍ، وإنما عن حسدٍ. إنهم خلال الناموس والأنبياء يدركون أنه المسيا، لكنه ليس حسب أهوائهم، لذا قتلوه عمدًا على الصليب.
سادسًا: يُفهم من العبارة: "فأخرجوه خارج الكرم وقتلوه" [15]، من الجانب الحرفي أنه صُلب على جبل الجلجثة خارج أورشليم، كما يمكن أيضًا أن يُفهم بأن اليهود - وهو كرم الرب - سلموا الوارث لبيلاطس والجند الرومان ليقتلوه، سلموه خارج الكرم! ويمكننا أيضًا أن نفهم أن إخراجه خارج الكرم لقتله يعني رفضه. أخرجه الجاحدون الأشرار خارج قلوبهم، كرم الرب الداخلي، فقدموا له الآلام عوض الحب! بهذا يمكننا أن نفهم عبارة الرسول بولس: "فلنخرج إذًا إليه خارج المحلة حاملين عاره" (عب 13: 13) بمعنى أننا إذ صرنا أتباع المصلوب، نُرفض نحن أيضًا من العالم، فلا يكون لنا موضع في القلوب. فنُطرد خارج قلوبهم ونُسلم لبغضتهم حاملين كل تعييراتهم ومتاعبهم من نحونا. بمعنى آخر لا ينتظر المؤمن وهو يقدم كل الحب للعالم أن يرد له العالم الحب بالحب، وإنما يرد له محبته بالطرد خارجًا ليحمل مع فاديه صليبه ويقبل عاره!
سابعًا: جاء سؤال السيد المسيح لهم: "فماذا يفعل بهم صاحب الكرم؟!" [15]، لا لينتظر الإجابة فيبرر ما سيحل بها من هلاك وانتزاعهم من العمل الرعوي، فقد كانت الإجابة واضحة تمامًا ولا تحتاج إلى نقاش: "يأتي ويهلك هؤلاء الكرامين ويعطي الكرم لآخرين" [16]، إنما قال القديس باسيليوس الكبير أنه أراد لهم مراجعتهم لأنفسهم وتوبتهم. كأن السيد المسيح حتى اللحظات الأخيرة قبل صلبه أراد من القيادات اليهودية مراجعتها لحساباتها الروحية، مشتاقًا إلى توبة الكل ورجوعهم إلى الحق.
أما قوله "يأتي"، هنا فيشير بالأكثر إلى حلول الروح القدس علي الكنيسة، إذ حّل عليها ليشكلها من جديد تحت قيادة تلاميذ الرب ورسله عوض الكرامين القدامى.
وكأن هذا المثل يقدم ملخصًا رمزيًا لعمل الله الخلاصي وتدبيره ورعايته للإنسان غير المنقطعة، فتحدث عن عطية الناموس الطبيعي، والناموس الموسوي، والأنبياء (الثلاثة عبيد الذين أرسلهم صاحب الكرم) ثم تحدث عن التجسد الإلهي (مجيء الوارث) وصلبه خارج المحلة، وطرده للكرامين القدامى، وإقامة كرامين جدد يعمل الروح القدس فيهم.
ثامنًا: إذ تحدث عن رفض الوارث وقتله خارج المحلة عاد ليعلن أنه الحجر المرفوض هو حجر الزاوية، إذ يقول: "الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار رأس الزاوية، كل من يسقط على ذلك الحجر يترضض، ومن سقط هو عليه يسحقه" [17-18]. ويلاحظ في هذا التشبيه الآتي:
أ. أنه مقتبس من العهد القديم (مز 118: 22) وقد تحقق الآن. فما يرتكبه هؤلاء القادة الأشرار الذين كان يلزمهم إقامة البناء الروحي على شخص المسيا - حجر الزاوية - إنما سبق فرآه المرتل وأعلنه. وكأن السيد المسيح يقول لهم ما تفعلونه الآن إنما سبق فأعلنه أنبياؤكم بحزن ومرارة.
ب. لُقب السيد المسيح "حجرًا" علامة التجسد الإلهي، والإخلاء، فقد قبل طبيعتنا الترابية، لم يأتِ كملك عظيم مجيد وإنما كإنسان أخلى ذاته فصار حجرًا مرذولاً من البنائين. هذا الحجر سبق فأعلن عنه دانيال النبي (2: 34) أنه ليس مقطوع بالأيدي، حجر صغير يصير جبلاً يملأ كل المسكونة.
ج. هذا الحجر المرذول الذي يُطرح خارج المحلة، يصير حجر الزاوية الذي تقوم عليه الكنيسة التي تضم أعضاء من اليهود وأعضاء من الأمم، يجتمعون معًا ويتحدون كما على حجر الزاوية.
تاسعًا: يرى القديس أغسطينوس أن الذين يسقطون عليه فيترضضون هم الذين رفضوه حين جاء مخليًا ذاته كمن هو آخر الكل، فيسقط هؤلاء الجاحدون على ذاك الحجر المتواضع كمن هو على الأرض. أما الذين يسقط عليهم فيسحقهم فيشيرون إلى الذين ماتوا في شرهم بلا توبة فيأتي رب المجد كما على السحاب من فوق يسقط عليهم، إذ يقول: [يسقطون هم عليه بكونه نزل متواضعًا، أما لكونه هو العالي فسيسقط عليهم ويسحقهم عند مجيئه في مجده، هؤلاء الذين سبق فرضضهم في إتضاعه.[
3. سؤاله بخصوص الجزية
حاول القادة تشكيك الجمع من جهة سلطان السيد المسيح، فسألهم السيد عن معمودية يوحنا المعمدان إن كانت من السماء أم من الأرض، فارتبكوا وتحيروا ليظهروا أمام الشعب غير مدركين الحق. جاء مثل الكرامين يحثهم علي التوبة حتى ولا ينزع الكرم منهم لكنهم عوض التوبة أرادوا أن يلقوا الأيادي عليه في تلك الساعة ولكنهم خافوا الشعب [19]. الآن صاروا يراقبونه ليصطادوه بكلمة، وبخداع سألوه بخصوص دفع الجزية، لا ليعرفوا رأيه، وإنما لكي إذا ما نادى بدفع الجزية حُسب في أعين الشعب مجاملاً للسلطات الرومانية المستعمرة، فيفقدوا ثقتهم فيه كمخلص من الحكم الروماني، وإن نادى بعدم دفعها اشتكوا عليه لدى السلطات كمثير فتنة بين الجماهير.
يقول الإنجيلي: "فشعر بمكرهم،
وقال لهم: لماذا تجربونني؟
أروني دينارًا! لمن الصورة والكتابة؟ فأجابوا وقالوا: لقيصر.
فقال لهم أعطوا إذن ما لقيصر لقيصر وما لله لله.
فلم يقدروا أن يمسكوه بكلمة قدام الشعب،
وتعجبوا من جوابه وسكتوا" [23-26].
في تقديم فكر الآباء لمثل هذا النص في إنجيليّ متى ومرقس قلنا أن السيد المسيح هنا يقدم للإنسان مبدأ وطنيًا هامًا. فلكي يتمجد الله فيه يلزمه أن يقدم ما لقيصر لقيصر، يعطي للدولة حقها عليه، بل ويلتزم بإعطاء كل من يتعامل معهم حقوقهم المادية والمعنوية والاجتماعية. عبادتنا لله لا تكون علي حساب الآخرين، بل حبنا وخضوعنا وعطاؤنا للغير هو جزء لا يتجزأ من حياتنا الروحية، يتكامل مع عبادتنا لله. نعطي الآخرين، ليس خوفًا منهم، ولا مداهنة لهم، ولكن شهادة حق داخلي لأمانتنا وحبنا للرب نفسه.
لنعطِ أيضًا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله، بمعنى أننا نقدم للجسد ما له من التزام نحونا وما للروح للروح. فحياتنا الروحية ليست تحطيمًا لجسدنا (قيصر) وإنما هي تقديس له.
أيضًا يرى بعض الآباء مثل العلامة أوريجينوس أن قيصر هنا يشير إلى العالم أو عدو الخير، فإن تركنا في القلب محبة العالم يجد العالم فينا حقًا له فيغتصبنا، وهكذا إن كان لإبليس موضع فينا يقتحمنا. لذا يليق بنا ألا يجد قيصر العالم له شيء في قلبنا فلا يسحبنا إليه، بهذا نتمثل بربنا يسوع المسيح القائل إن رئيس هذا العالم آت وليس له فيه شيء! ليأتِ رئيس هذا العالم وليعمل العدو الشرير بكل طاقاته ضدنا، فإنه لا يجد في داخلنا شيئًا لحسابه فيهرب مغلوبًا منا!
سيأتي يوم الرب العظيم فيتقدم الله يأخذ من هم له، ويأخذ عدو الخير أيضًا من هم له. لنكن لله لا لإبليس، فيقتنينا الله أبناءً لملكوته. على حدّ تعبير كثير من الآباء نحن "عملة الله" أو "ديناره" قد نقُشت صورته علينا، فإن كانت صورته قد فُقدت فينا يلزمنا أن نغتسل بمياه المعمودية لتظهر صورته على عملته من جديد، ونبقى محتفظين بهذه الصورة الإلهية فينا خلال التوبة المستمرة حتى متى جاء الرب وجدنا ديناره الحامل صورته.
v في كل موضع نحن أكثر استعدادًا من الناس في دفع الضريبة المفروضة علينا، سواء العادية (السنوية) أو الطارئة... نحن نرد العبادة لله، أما الأمور الأخرى فنقدمها بسرور، نخدمكم ونتعرف عليكم كملوك وولاة على الناس، ونصلي لأجل سلطانكم الملوكي لكي يكون حكمكم عادلاً.
القديس يوستين الشهيد
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Emptyالجمعة يوليو 18, 2008 10:03 pm

v لترجع صورة قيصر التي على العملة لقيصر، وصورة الله التي على الإنسان (تك 1: 26، 27؛ 9: 6؛ 1كو 11: 7) ترجع لله. هكذا بالحق يُرد المال لقيصر وأما نفوسكم فلله.
العلامة ترتليان
v لنتبع كلام المخلص لا كمعنى أدبي صرف وبسيط "أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله"، أي ادفعوا الضريبة التي عليكم، لكن من منا يعترض على دفع الضريبة الخاصة بقيصر؟! إذن هذه العبارة تحوي أسرارًا ومعنى خفيًا.
للإنسان صورتان، صورة قبلها من الله وقت الخليقة كما جاء في التكوين: "على صورة الله خلقه" (تك 1: 27)، والثانية أي صورة الإنسان الترابي (الأرضي) (1 كو 15: 49)، أخذها خلال عصيانه وخطيته عندما طرد من الفردوس إذ أغواه رئيس هذا العالم (يو 12: 31).
كما أن العملة تحمل صورة سلطان هذا العالم، هكذا الذي يكمل أعمال ملك الظلمة (أف 6: 12) يحمل صورته عليها.
يأمرنا يسوع أن نرد هذه الصورة وننتزعها لكي نحمل الأصل الذي خُلقنا عليه، فنكون مشابهين لله. بهذا نرد ما لقيصر لقيصر وما لله لله...
بنفس المعنى يقول بولس: "كما لبسنا صورة الترابي، سنلبس أيضا صورة السماوي" (1 كو 15: 49). فالقول: "أعطوا ما لقيصر لقيصر" إنما يعني: "اتركوا صورة الإِنسان الأرضي". القوا الصورة الأرضية لتنالوا صورة السماوي وبهذا تعطوا ما لله لله.
العلامة أوريجينوس
هذا وقد قدم لنا القديس ساويرس الأنطاكي مقالاً مطولاً ورائعًا تحت عنوان "أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله"، قام الشماس يوسف حبيب بترجمته ونشره ونرجو الرجوع إليه. وقد أبرز القديس أن الفريق الذي جاء للسيد المسيح يحمل اتجاهين متناقضين. الأول يمثله تلاميذ الفريسيين والثاني يمثله الهيرودسيون (مت 22: 16)، يسألونه إن كانوا يدفعون الجزية للحاكم الروماني أم يمتنعون.
يقول القديس ساويرس الأنطاكي أن الفريسيين كانوا يحرضون الشعب علي عدم دفع الجزية، حاسبين أنه ليس لهم ملك إلا الله وحده، وأن من يدفع الجزية يكون مقاومًا للناموس ومستبدلاً الله بقيصر غريب الجنس، معتمدين على التفسير الحرفي لبعض العبارات الكتابية مثل:
"إن قسم الرب هو شعبه، يعقوب حبل نصيبه" (تث 32: 9)
"فإنك تجعل عليك ملكًا الذي يختاره الرب إلهك؛ من وسط إخوتك تجعل عليك ملكًا، لا يحل لك أن تجعل عليك رجلاً أجنبيًا ليس هو أخاك" (تث 17: 15).
"فإن الرب قاضينا، الرب شارعنا، الرب ملكنا هو يخلصنا" (إش 32: 22). وكما يذكر سفر الأعمال أن "يهوذا الجليلي" (أع 5: 37) جمع شعبًا غفيرًا ورائه يقودهم للثورة علي قيصر ورفض دفع الجزية له... وكان يهوذا هذا فريسيًا.
وعلى العكس كان الهيرودسيون ينصحون إخوتهم اليهود أن يبقوا في خضوع للرومان وأن يدفعوا الجزية المفروضة عليهم من أجل تمتعهم بالهدوء والسلام.
4. سؤاله بخصوص القيامة
في مثل الكرامين قال السيد المسيح عن الكرامين "تآمروا فيما بينهم" [14].فإن كان الكرامون الأشرار منشقين علي أنفسهم، لكنهم يجتمعون معًا بروح المقاومة للسيد المسيح والتآمر ضده. الآن إذ فشل رؤساء الكهنة والكتبة في مؤامراتهم ضد السيد حين حاولوا تشويه سلطانه في التعليم [1-8]، وقام بعض الفريسيين وغالبًا معهم بعضًا من الهيرودسيين (مت 22: 15-16). يسألونه عن الجزية وقد فشلوا، قام قوم من الصدوقيين يجربونه في أمر القيامة من الأموات. وكان هؤلاء لا يؤمنون بقيامة الجسد بل ويظنون أن النفس تموت مع الجسد فلا تقوم.
قدموا له مثل امرأة تزوجت ولم تنجب وبعد موت رجلها أخذت الثاني فالثالث حتى السابع ومات الكل ولم تنجب، "ففي القيامة لمن منهم تكون زوجة؟ لأنها كانت زوجة للسبعة" [33].
جاءت إجابة السيد المسيح "أبناء هذا الدهر يُزوجون ويُزوجُّون. ولكن الذين حُسبوا أهلاً للحصول على ذلك الدهر والقيامة من الأموات لا يزوجون ولا يزوجَّون. إذ لا يستطيعون أن يموتوا أيضًا لأنهم مثل الملائكة وهم أبناء الله إذ هم أبناء القيامة. وأما أن الموتى يقومون فقد دّل عليه موسى أيضًا في أمر العليقة كما يقول: الرب إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب. وليس هو إله أموات بل إله أحياء، لأن الجميع عنده أحياء" [34-38].
سبق لنا تقديم تفسير آبائي لهذه العبارات في تفسير مت 22: 23-33، مر 12: 18-27، لذا أكتفي بالملاحظات التالية:
أولاً: أخطأ الصدوقيون الفهم فقد ظنوا الحياة الأبدية بفكر مادي، كل له زوجته وأولاده وحياته الجسدية المادية. لذا صحح الرب مفاهيمهم معلنًا أننا في الأبدية نعيش علي مستوى ملائكي، لا تحتاج أجسادنا إلي شبع مادي بصورة أو بأخرى، إذ تحمل طبيعة جديدة تليق بالسماء، فلا تأكل ولا تشرب ولا تمارس علاقات زوجية! كشف أيضا رب المجد أحد جوانب غاية الزواج ألا وهو الإنجاب، ففي هذا العالم توجد حاجة للزواج من أجل بقاء الجنس البشري، لكن في السماء إذ لا يوجد موت، فلا حاجة للإنجاب!
ثانيًا: يرى القديس أمبروسيوس أن المرأة التي تزوجت سبعة رجال ولم تنجب حتى ماتت هي المجمع اليهودي الذي التحم بالشريعة والنبوات وقُدمت له كل الإمكانيات للإِثمار ولم ينجب بسبب فهمه الحرفي لكلمة الله، لذا نال العطايا الإلهية دون أن ينتفع بها بل سقط تحت الموت.
يمكننا أيضًا أن نفهم المرأة التي تزوجت بالرجال السبعة ولم تنجب حتى ماتت أنها تشير إلى الإنسان الذي ارتبط بالزمن والزمنيات أو بمحبة العالم الذي يُرمز له برقم 7 إشارة إلى أيام الأسبوع السبعة. فإنه لا يستطيع أن ينجب ثمر الروح ويحيا ما لم يتخطى الرجال السبعة ويقبل الثامن الذي يشير إلى "الأبدية"، أو ما فوق الزمن بالمعمودية نقبل الختان الروحي الذي كان يُمارس جسديًا في اليوم الثامن. فنُدفن مع المسيح ونقوم معه في جدة الحياة (رو 6: 4). هذا هو الرجل الثامن: الارتباط بالمسيّا القائم من الأموات في أول الأسبوع أو اليوم الثامن من الأسبوع السابق، بحياته ننعم بالحياة المقامة ونحمل ثمار روحه القدوس فينا فلا يحطمنا الموت ولا يمسك بنا القبر، بل بقوة ننشد مع الرسول بولس: "ابتُلع الموت إلى غلبة. أين شوكتك يا موت؟! أين غلبتك يا هاوية؟! أما شوكة الموت فهي الخطية" (1 كو 15: 54-56).
ثالثًا: يقارن رب المجد بين أبناء هذا الدهر وبين الحياة في الدهر الآتي، معلنًا أنه في هذا الدهر نرتبط بأعمال جسدية مؤقتة مثل الزواج، أما في الدهر الآتي فتبطل هذه الأعمال الجسدية لتمارس حياة علي مستوى ملائكي. هذه المقارنة ألهبت قلوب الكثيرين للتدريب علي عربون الحياة الأبدية بالروح القدس وهم بعد في الجسد مثل العفة والنسك بفكرٍ روحيٍ سليمٍ؛ ففي رفضهم للزواج مثلاً أو نسكهم في الطعام لا ينظرون إلى هذه الأمور كأشياء دنسة أو محرمة، وإنما كأمورٍ زمنية تنتهي يليق بنا ضبطها ما استطعنا.
v ليته لا يعجب غير المؤمنين من أن الله سينزع أعمال أعضائنا الجسدية في الدهر الآتي، فإنها تبطل حتى في هذا الدهر.
الشهيد يوستين
v (في حديثه للعذارى المتبتلات)
لقد بدأتن فعلاً فيما ستكونون عليه!
لقد ملكتن فعلاً في هذا العالم مجد القيامة!
لقد عبرتن هذا العالم... إذ استمررتن طاهرات وعذارى، وصرتن علي قدم المساواة مع ملائكة الله.
الشهيد كبريانوس
v آمن أنك وإن مت فستحيا، فإن لم تؤمن بذلك فإنك وإن عشت تموت.
القديس أغسطينوس
رابعًا: إننا إذ نفكر في القيامة يلزمنا أن نترجى حياة سماوية فائقة، خلالها ننعم بصحبة السمائيين وننعم برؤية الله وجها لوجه مثلهم.
v عندما نصير مساويين لملائكة الله سنراه وجهًا لوجه كما يرون هم، ويكون لنا سلام عظيم نحوهم كما هم نحونا، فسنحبهم كما هم يحبوننا.
v إننا نتطلع إلي ما وعد به برجاء، أننا نصير مساوين لملائكة الله، ونجتمع معهم، وننعم برؤية الثالوث القدوس أما الآن فنحن نسير بالإيمان.
القديس أغسطينوس
v ]في تعزيته لأوستخيوم لنياحة والدتها باولا Paula يقول:[
لا نحزن لأننا خسرناها، بل بالحري نشكر الله أنها كانت لنا ولا تزال لنا، لأن الكل أحياء لله، والذين يرجعون إلى الرب لا يزالوا يُحسبون أعضاء عائلته.
لقد خسرناهم، هذا حق، لكن المساكن السماوية قد ربحتها. فإنها إذ كانت في الجسد كانت متغربة عن الرب (2 كو 5: 6)، كانت تشكو بدموع: "ويل لغربتي في ماشك، لسكني في خيام قيدار، طال على نفسي رحلتها" (راجع مز 120: 5-6).
القديس جيروم
يرى العلامة ترتليان في حديث الرب هنا عن عدم الزواج في الدهر الآتي لا يعني أن الإنسان يفقد كيانه كإنسان أو يخسر جسده، فكما يُسمح للملائكة أن تظهر على شكل بشر دون أن يفقدوا طبيعتهم الملائكية هكذا نصير نحن كملائكة الله دون فقدان لجسدنا البشري، وإنما لا تكون له متطلبات زمنية، بل يحمل طبيعة جديدة تليق بالحياة السماوية.
هذا أيضًا ما أكده القديس أغسطينوس بقوله: [كل المؤمنين الذين تعينوا أن يملكوا مع المسيح سيقومون بنفس الجسد بطريقة بها يُحسبون أهلاً أن يتغيروا إلي عدم الفساد الملائكي. إذ يصيرون مساوين لملائكة الله كما وعد الرب نفسه، ولكي يسبحونه بلا أي تراخٍ أو قلق. إنهم يعيشون في الرب ومعه أبديًا، ويتمتعون بفرح وطوباوية لا يمكن لإِنسان أن يعبر عنها أو يدركها.[
5. ابن داود وربه
إذ وقفت كل فئات اليهود القيادية تقاوم صداقة رب المجد يسوع بطريق أو آخر، وكان السيد يرد عليهم، لا رغبة في المجادلة، ولا دفاعًا عن نفسه، وإنما شوقًا في تصحيح مفاهيمهم لعله يوجد من بينهم من يقبل صداقته ويتجاوب مع محبته. الآن وقد دخل أورشليم واقترب وقت الآلام والصلب لذا صار إمكانية ارتباكهم في فهم المسيا المخلص أكبر. لأنهم إن كانوا قد تعثروا فيه وهو يصنع أعمالاً فائقة وبلا عدد فماذا يكون حالهم حينما يرونه تحت الآلام أو معلقًا علي الصليب؟! هذا كله دفعه لإعلان لاهوته من خلال كلمات المرتل، لعلهم يتداركون الأمر ويتفهمون سره.
"وقال لهم: كيف يقولون أن المسيح ابن داود،
وداود نفسه يقول في كتاب المزامير،
قال الرب لربي اجلس عن يميني
حتى أضع أعداءك موطئًا لقدميك؟!
فإذًا داود يدعوه ربًا، فكيف يكون ابنه" [41-44].
v لقد أعلن عن لاهوته في تواضع وليس في افتخار أو مباهاة، فقد قدم لهم السؤال وإذ صاروا في حيرة تركهم يبلغون النتيجة... لقد أبرز أنه ليس معارضًا للآب بل هو متفق معه، إذ يقاوم أعداء الابن الآب.
الأب ثيؤفلاكتيوس
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Emptyالجمعة يوليو 18, 2008 10:04 pm

v بالحق داود كان الأب والعبد بالنسبة للمسيح، فهو أبوه حسب الجسد، وعبده في الروح.
القديس يوحنا الذهبي الفم
v لا يُفهم الجلوس هنا بوضع معين لأعضاء جسدية كما لو كان الآب جالسًا عن اليسار والابن عن اليمين، إنما يُفسر "اليمين" بمعنى السلطان الذي يناله بالآب فيأتي ليدين بعد أن جاء ليُدان.
القديس أغسطينوس
v يوصي الرب بالإيمان به بكونه المسيح الرب إلهنا الذي يجلس عن يمين الله، فلا يُفهم الجلوس جسديًا، إذ هو حال في كل مكان، وهو في الآب... واحد معه في القوة والقدرة.
v الجلوس عن يمينه لا يجعله أعلى منه، كما أن إرساله من الآب لا يحط من شأنه لأنه حيث ملء اللاهوت لا يوجد مجال للبحث عن درجات في الكرامة.
القديس أمبروسيوس
(راجع أيضًا أقوال الآباء في تفسير الإنجيل بحسب متى ص 473، وبحسب مرقس ص 220-222).
6. تحذير من الكتبة المرائين
صديقنا السماوي في محبته الصادقة قدم للقادة تساؤلاً أربكهم لكي يردهم إلى النبوات التي بين أيديهم ويدركوا شخصه كرب داود الذي جاء ابنًا له حسب الجسد من أجلهم. الآن بذات الحب ولنفس الغاية يتكلم مع تلاميذه في حضرة الشعب البسيط بلغة البساطة العملية، محذرًا إياهم من رياء الكتبة، لا ليدينوا الكتبة، وإنما ليعيشوا في بساطة الإيمان.
"وفيما كان جميع الشعب يسمعون قال لتلاميذه:
احذروا من الكتبة الذين يرغبون المشي بالطيالسة،
ويحبون التحيات في الأسواق والمجالس الأولى في المجامع
والمتكآت الأولى في الولائم.
الذين يأكلون بيوت الأرامل ولعلة يطيلون الصلوات،
هؤلاء يأخذون دينونة أعظم" [45-47].
v إذ هو يرسلهم ليعلموا العالم بحق حذرهم من الإقتداء بكبرياء الفريسيين.
v هذا (المشي بالطيالسة وحب التحيات...) هو طريق الذين يقتنصون الشهرة من أجل جمع المال.
v إنهم ليس فقط يمارسون الشر وإنما يتظاهرون بالصلوات والفضيلة ليُبرروا خطيتهم.
الأب ثيوفلاكتيوس
(راجع أقوال الآباء في تفسير مت 23، مر 12: 38).
1 و في احد تلك الايام اذ كان يعلم الشعب في الهيكل و يبشر وقف رؤساء الكهنة و الكتبة مع الشيوخ
2 و كلموه قائلين قل لنا باي سلطان تفعل هذا او من هو الذي اعطاك هذا السلطان
3 فاجاب و قال لهم و انا ايضا اسالكم كلمة واحدة فقولوا لي
4 معمودية يوحنا من السماء كانت ام من الناس
5 فتامروا فيما بينهم قائلين ان قلنا من السماء يقول فلماذا لم تؤمنوا به
6 و ان قلنا من الناس فجميع الشعب يرجموننا لانهم واثقون بان يوحنا نبي
7 فاجابوا انهم لا يعلمون من اين
8 فقال لهم يسوع و لا انا اقول لكم باي سلطان افعل هذا
9 و ابتدا يقول للشعب هذا المثل انسان غرس كرما و سلمه الى كرامين و سافر زمانا طويلا
10 و في الوقت ارسل الى الكرامين عبدا لكي يعطوه من ثمر الكرم فجلده الكرامون و ارسلوه فارغا
11 فعاد و ارسل عبدا اخر فجلدوا ذلك ايضا و اهانوه و ارسلوه فارغا
12 ثم عاد فارسل ثالثا فجرحوا هذا ايضا و اخرجوه
13 فقال صاحب الكرم ماذا افعل ارسل ابني الحبيب لعلهم اذا راوه يهابون
14 فلما راه الكرامون تامروا فيما بينهم قائلين هذا هو الوارث هلموا نقتله لكي يصير لنا الميراث
15 فاخرجوه خارج الكرم و قتلوه فماذا يفعل بهم صاحب الكرم
16 ياتي و يهلك هؤلاء الكرامين و يعطي الكرم لاخرين فلما سمعوا قالوا حاشا
17 فنظر اليهم و قال اذا ما هو هذا المكتوب الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار راس الزاوية
18 كل من يسقط على ذلك الحجر يترضض و من سقط هو عليه يسحقه
19 فطلب رؤساء الكهنة و الكتبة ان يلقوا الايادي عليه في تلك الساعة و لكنهم خافوا الشعب لانهم عرفوا انه قال هذا المثل عليهم
20 فراقبوه و ارسلوا جواسيس يتراءون انهم ابرار لكي يمسكوه بكلمة حتى يسلموه الى حكم الوالي و سلطانه
21 فسالوه قائلين يا معلم نعلم انك بالاستقامة تتكلم و تعلم و لا تقبل الوجوه بل بالحق تعلم طريق الله
22 ايجوز لنا ان نعطي جزية لقيصر ام لا
23 فشعر بمكرهم و قال لهم لماذا تجربونني
24 اروني دينارا لمن الصورة و الكتابة فاجابوا و قالوا لقيصر
25 فقال لهم اعطوا اذا ما لقيصر لقيصر و ما لله لله
26 فلم يقدروا ان يمسكوه بكلمة قدام الشعب و تعجبوا من جوابه و سكتوا
27 و حضر قوم من الصدوقيين الذين يقاومون امر القيامة و سالوه
28 قائلين يا معلم كتب لنا موسى ان مات لاحد اخ و له امراة و مات بغير ولد ياخذ اخوه المراة و يقيم نسلا لاخيه
29 فكان سبعة اخوة و اخذ الاول امراة و مات بغير ولد
30 فاخذ الثاني المراة و مات بغير ولد
31 ثم اخذها الثالث و هكذا السبعة و لم يتركوا ولدا و ماتوا
32 و اخر الكل ماتت المراة ايضا
33 ففي القيامة لمن منهم تكون زوجة لانها كانت زوجة للسبعة
34 فاجاب و قال لهم يسوع ابناء هذا الدهر يزوجون و يزوجون
35 و لكن الذين حسبوا اهلا للحصول على ذلك الدهر و القيامة من الاموات لا يزوجون و لا يزوجون
36 اذ لا يستطيعون ان يموتوا ايضا لانهم مثل الملائكة و هم ابناء الله اذ هم ابناء القيامة
37 و اما ان الموتى يقومون فقد دل عليه موسى ايضا في امر العليقة كما يقول الرب اله ابراهيم و اله اسحق و اله يعقوب
38 و ليس هو اله اموات بل اله احياء لان الجميع عنده احياء
39 فاجاب قوم من الكتبة و قالوا يا معلم حسنا قلت
40 و لم يتجاسروا ايضا ان يسالوه عن شيء
41 و قال لهم كيف يقولون ان المسيح ابن داود
42 و داود نفسه يقول في كتاب المزامير قال الرب لربي اجلس عن يميني
43 حتى اضع اعداءك موطئا لقدميك
44 فاذا داود يدعوه ربا فكيف يكون ابنه
45 و فيما كان جميع الشعب يسمعون قال لتلاميذه
46 احذروا من الكتبة الذين يرغبون المشي بالطيالسة و يحبون التحيات في الاسواق و المجالس الاولى في المجامع و المتكات الاولى في الولائم
47 الذين ياكلون بيوت الارامل و لعلة يطيلون الصلوات هؤلاء ياخذون دينونة اعظم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Emptyالجمعة يوليو 18, 2008 10:05 pm

الأصحاح الحادي والعشرون
صديقنا السماوي ومجيئه الأخير
إذ دخل السيد المسيح أورشليم ليقدم حياته ثمنًا لصداقته معنا، لاحظ التلاميذ هياج كل القيادات اليهودية ضده، وكأن الجو قد صار ملبدًا بالغيوم. لهذا رفع السيد المسيح أنظار تلاميذه إلى مجيئه الأخير، مقدمًا لهم علامات مجيئه بما تحمله من مرارةٍ وضيقٍ شديدٍ ليوضح لهم أن كل طاقات الظلمة ومقاومة عدو الخير لن تبطل هذه الصداقة الإلهية مع بني البشر. وكأن رب المجد بحديثه في هذا الأصحاح يطمئن كل نفس تُصاب بصغر نفس بسبب ما يحل بالعالم من أتعاب خاصة بالنسبة للمؤمنين، فالرب عالم بأحداث التاريخ كله التي يسخرها كعلامات لمجيئه.
إذن نسمع من فم ربنا يسوع عن مصارعة الظلمة ضد النور، والأنبياء الكذبة والمسحاء الكذبة ضد ملكوته. هذا كله يعطينا رجاءً، بأن الله سبق فأعلمنا به وهو محقق بخطته الإلهية حتمًا، حتى يضم أصدقاؤه إلى ملكوته يشاركونه أمجاده الأبدية. هذا وقد سبق لنا الحديث عن هذه العلامات بتوسع في تفسيرنا مت 24 ومر 13، لذا ألتزم بالاختصار الشديد ما استطعت حرصًا على عدم التكرار.
1. فِلسا الأرملة 1-4.
2. سؤال حول أبنية الهيكل 5-7.
3. المسحاء المضللون 8.
4. أخبار الحروب 9-10.
5. الزلازل والمجاعات والأوبئة 11.
6. اضطهاد المؤمنين 12-19.
7. حصار أورشليم 20-24.
8. علامات في الشمس... 25-26.
9. مجيء ابن الإنسان 27-28.
10. مثل التينة والصيف 29-33.
11. دعوة للسهر 34-36.
12. بياته في جبل الزيتون 37-38.
1. فلسا الأرملة
ربما يدهش البعض أن الإنجيلي يقدم لنا قصة قبول رب المجد يسوع لفلسي الأرملة أكثر من كل ما قدمه الأغنياء من قرابين قبل عرضه لموضوع غاية في الخطورة والأهمية ألا وهو حديث رب المجد يسوع عن علامات مجيئه. بمعنى آخر كيف يمكن أن تكون قصة هذه الأرملة أشبه بمقدمة لهذا الحديث الرباني الخطير عن علامات المنتهى؟ وأي ارتباط بين الموضوعين؟ قبل أن نجيب على ذلك نعرض ما قاله الإنجيلي لوقا:
"وتطلع فرأى الأغنياء يلقون قرابينهم في الخزانة.
ورأى أيضًا أرملة مسكينة ألقت هناك فلسين.
فقال: بالحق أقول لكم إن هذه الأرملة الفقيرة ألقت أكثر من الجميع.
لأن هؤلاء من فضلتهم ألقوا في قرابين الله،
وأما هذه فمن أعوازها ألقت كل المعيشة التي لها" [1-4].
يبدو لي أن هذه القصة تعتبر أنسب مقدمة يمكن أن تناسب حديث رب المجد عن علامات مجيئه. فقد قدم لنا العلامات لا لنعرف الأزمنة ونتنبأ عنها ونهتم بحساباتها، وإنما لكي يُلهب قلبنا وسط قسوة الحياة التي نعيشها نحو مجيئه، فتكون أغنيتنا المستمرة في كل عبادتنا وسلوكنا وأحاسيسنا وأحلام يقظتنا الخ. هي "تعال أيها الرب يسوع". نترقب مجيئه فينا قبل مجيئه على السحاب في يومه الأخير. أما قصة الأرملة فنجد فيها السيد يترقب أيضًا قبولنا له، إذ يقول: "تطلع فرأى الأغنياء... ورأى أيضًا أرملة". إنه دائم التطلع إلينا، سواء كنا أغنياء أو فقراء، رجالاً أم نساءٍ، رعاة أم رعية، ينظر إلينا لا ليديننا أو ينتقدنا، إنما ليرى هل من مسكنٍ فينا يمكن أن يستريح فيه؟! هل من قلب فد تجاوب مع محبته؟ يمكننا أن نقول إنه مبادر بالحب والشوق إلينا، قبل أن يطالبنا بترقب مجيئه، ينظر هو مترقبًا قلبًا واحدًا بسيطًا يقبله ليبيت فيه.
لم يكن ينظر إلى العطايا أيُا كانت قيمتها، لكنه كان ينظر الأغنياء وأيضًا الأرملة، مهتمًا بالقلب لا العطية، طالبًا الثمر الروحي الداخلي لا العطاء المادي المنظور! وقد سبق لنا عرض أقوال كثير من الآباء في أمر هذه الأرملة أثناء تفسير مر 12: 41-44، لذا أكتفي هنا بالتعليقات التالية:
أولاً: بينما يحذر السيد المسيح تلاميذه من الإقتداء بالكتبة لأنهم "يأكلون بيوت الأرامل" (20: 47)، إذا به يمتدح أرملة على سخاء قلبها. هكذا قد يُحرم بعض قادة الفكر الديني من ملكوت السماوات بسبب طمعهم، بينما يتلألأ نجم فقراء وأرامل في الملكوت من أجل انفتاح قلبهم بالحب، وسخائهم في العطاء، لا من جهة كمية ما قدموه، وإنما من جهة ثمرهم الروحي الداخلي. لهذا يكتب القديس بولس إلى أهل فيلبي: "ليس إني أطلب العطية، بل أطلب الثمر المتكاثر لحسابكم" (في 4: 17).
v إنها النية هي التي تجعل العطية قيّمة أو زهيدة.
القديس أمبروسيوس
v ليس الاعتبار في الكمية التي قدمتها وإنما في الكمية التي تركتها لنفسها، فإنه لم يعطِ أحد أكثر منها إذ لم تترك لنفسها شيئًا.
القديس أمبروسيوس
v كانت هذه الأرملة غنية، لأنها ألقت فلسين في الخزانة، وقد قال عنها المسيح: هذه الأرملة الفقيرة ألقت أكثر من الجميع ؛ لأن الله يطلب الإيمان لا المال.
القديس أمبروسيوس
v وُجدت أرملة في عوز من جهة الوسيلة لكنها كانت غنية في العمل. مع أن ما يُقدم يُوزع على الأرامل والأيتام لكن التي كان يليق بها أن تأخذ أعطت.
الشهيد كبريانوس
ثانيًا: من هم هؤلاء الأغنياء الذين ألقوا قرابينهم في الخزانة إلا اليهود الذين انتفخوا ببرهم الذاتي كحافظي الناموس. أما الأرملة الفقيرة، فهي كنيسة العهد الجديد التي جاء أعضاؤها في أغلبيتهم من الأمم الذين عاشوا كمن هم في ترمل ليس لهم معرفة بالله كعريسٍ لهم، فقراء لم يستلموا الناموس، ولا عرفوا العهود والوعود ولا قام بينهم أنبياء قديسون. لقد قدموا فلسين هما الإيمان العامل بالمحبة، جاء إيمانهم بربنا يسوع ملتحمًا بالحب العملي، وكأنهما فلسان يتقبلهما الرب رائحة سرور.
سبق أن كررنا بأن رقم 2 يشير إلى الحب فالفلسان ليسا إلا عطية الحب التي يتقبلها ربنا يسوع بفرح... حب لله وللقريب!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Emptyالجمعة يوليو 18, 2008 10:05 pm

2. سؤال حول أبنية الهيكل
كان رب المجد منطلقًا نحو صليب يقدم لنا مفهومًا أعمق للصداقة الإلهية، ألا وهو تلاقي الإنسان الداخلي مع الله فيه، لذا سأل تلاميذه الهروب من رياء الفريسيين وطلب المتكآت الأولى والتستر وراء الصلوات بقلب يأكل بيوت الأرامل (20: 45-47). إنه يطلب القلب مسكنًا له، فيجد في أرملة تقدم فلسين أفضل من أغنياء كثيرين يلقون قرابينهم في الخزانة. لكن التلاميذ لم يفهموا حتى تلك اللحظات ما قصده رب المجد فتحدث قوم منهم معه عن عظمة أبنية الهيكل (مت 24: 1؛ مر 13: 1).
في دراستنا لإنجيل مرقس (13: 1)، قلنا أن الهيكل كان في دور التجديد، وقد بدأوا هذا العمل منذ حوالي 20 عامًا قبل مجيء السيد. فكان هذا التجديد الضخم في نظر كثير من اليهود علامة رئيسية في أعينهم على رضا الله عنهم، حتى بعض التلاميذ كانوا مبهورين بهذه الأبنية، ولعلهم ظنوا أن السيد المسيح إذ يملك إنما يقيم مركز سلطانه في هذا الهيكل.
"وإذ كان قوم يقولون عن الهيكل أنه مزين بحجارة حسنة وتحف، قال:
هذه التي ترونها ستأتي أيام لا يُترك فيها حجر على حجر لا يُنقض.
فسألوه قائلين: يا معلم متى يكون هذا؟
وما هي العلامة عندما يصير هذا؟" [5-7].
ويلاحظ هنا الآتي:
أولاً: كانت الأنظار تتجه إلى المباني الضخمة والتحف، أما رب المجد فكان يطلب العابدين بالروح والحق. يطلب بالحري الساكنين في الهيكل، هؤلاء الذين - في عيني الله- يمثلون عظمة الهيكل وجماله إن صاروا مسكنًا له بقلوبهم، وتحولت حياتهم إلى عرشٍ ناريٍ ملتهبٍ بالحب.
ثانيًا: إذ كان المخلص قادمًا نحو الصليب، كان لابد أن يعلن عن خراب الهيكل حتى تتوقف الذبائح الدموية، إذ تحققت وكمل عملها خلال ذبيحة المسيح الفريدة.
ثالثًا: يرى القديس كيرلس الكبير أن التلاميذ لم يفهموا كلماته، فقد حسبوه يتحدث عن نهاية العالم، لذلك جاء تساؤلهم: "قل لنا متى يكون هذا؟ وما هي علامة مجيئه؟ وانقضاء الدهر؟" (مت 24: 3). كأنهم ربطوا هدم الهيكل بمجيء السيد الأخير ونهاية الأزمنة، ربما لأنه لم يكن ممكنًا في تصور يهودي أن هيكل أورشليم يخرب بعد، إنما يزداد قوة وزينة خاصة بمجيء المسيّا المنتظر ليملك خلاله، ويبقى الهيكل حتى نهاية الدهر.
3. المسحاء المضللون
إذ أراد السيد المسيح أن يعلن عن خراب الهيكل وبالأكثر عن مجيئه الأخير قدم أولاً تحذيرًا من المسحاء الكذبة، قائلاً: "انظروا لا تضلوا، فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين: أنا هو. والزمان قد قرب، فلا تذهبوا وراءهم" [8]. كأن السيد المسيح يقدم تحذيرًا لمؤمنيه عبر كل الأجيال ألا ينشغلوا بالأزمنة بل بالحري بالفكر الروحي المتيقظ لأن العدو يقف بالمرصاد للتضليل. وكما يقول البابا أثناسيوس الرسولي أن إبليس مخادع ينتحل لنفسه اسمًا محبوبًا للكل، يشبه رجلاً يريد أن يسرق أولادًا ليسوا له، فينتهز فرصة غياب والديهم ليجتذب نظراتهم ويسحبهم إليه بتقديم أمور يتوقون إليها. هكذا في كل هرطقة ينطق العدو مخادعًا: "أنا هو المسيح ومعي الحق".
لقد ظهر مسحاء كذبة حتى في أيام الرسل وما قبلها منهم سيمون الساحر الذي كان "يدهش شعب السامرة، قائلاً إنه شيء عظيم، وكان الجميع يتبعونه من الصغير إلى الكبير، قائلين: هذا هو قوة الله العظيمة" (أع 8: 9-10) وأيضًا ثوراس الذي قال عن نفسه إنه شيء والتصق به عدد من الرجال نحو أربعمائة (أع 5: 36)، ويهوذا الجليلي في أيام الاكتتاب، حيث أزاغ وراءه شعبًا غفيرًا (أع 5: 37).
4. أخبار الحروب
"فإذا سمعتم بحروب وقلاقل فلا تجزعوا،
لأنه لابد أن يكون هذا أولاً،
ولكن لا يكون المنتهى سريعًا.
ثم قال لهم: تقوم أمة على أمة، ومملكة على مملكة" [9-10].
يسبق نهاية العالم سلسلة من الحروب، حتى تقوم أمة على أمة ومملكة على مملكة ويتحول العالم إلى كتلة من الحروب لا تنقطع، وقد سمح الله بذلك لكي يدرك الإنسان أن العالم المادي غير خالد، إنما يسير في طريق الدمار يومًا بعد يوم... "ولكن لا يكون المنتهى سريعًا"، إذ توجد أحداث وعلامات لابد أن تتحقق قبل مجيئه.
لقد سبق فأخبرنا السيد عن هذه الأمور حتى يكون أثرها أخف، ولكي لا يفقد المؤمنون سلامهم الداخلي، إذ هم متوقعون حدوثها. ولعل إعلان السيد عن هذه الحروب كان من أجل المؤمنين لئلا يتشككوا. فقد أعلنت الملائكة يوم مجيء الرب "على الأرض السلام"، بينما الحروب تتزايد يومًا بعد يوم. لقد جاء لسلام أرضنا الداخلية، يحل فينا فيجعل من قلبنا (أرضنا) مملكة سماوية تمتلئ سلامًا فائقًا وسط اضطرابات العالم الخارجية.
5. الزلازل والمجاعات والأوبئة
"وتكون زلازل عظيمة في أماكن ومجاعات وأوبئة،
وتكون مخاوف عظيمة من السماء" [11].
إذ تنقسم البشرية على ذاتها، فتقوم أمة على أمة، ومملكة على مملكة، تعلن الأرض والسماء غضبهما عليها؛ فتصرخ الأرض ضد البشرية خلال الزلازل العظيمة، كما حدث يوم صلبوا رب المجد (مت 27: 51)، وتمتنع عن إعطاء غلتها، فتحدث مجاعات، وتثور الطبيعة فتكثر الأوبئة القاتلة، وتعلن السماء أيضًا غضبها خلال المخاوف العظيمة.
إن كان الله قد خلق العالم من أجل الإنسان لينعم بسلامٍ وفرحٍ في الرب، فحين يهيج الإنسان على بنى جنسه، ويفقد غايته يثور العالم المنظور أيضًا ضده، لا ليعلن غضبه عليه فحسب، وإنما ليلجمه ما استطاع. بمعنى آخر أن الزلازل والمجاعات والأوبئة والمخاوف العظيمة التي تحل من السماء، وإن كانت أمورًا مرعبة لكنها هي اللغة التي تحذر البشرية من تهورها ضد نفسها.
هذا الإعلان الإلهي أو قل التحذير الرباني ينطبق على ثلاثة مستويات. ففي المستوى الأول على نهاية العالم كله إذ يتم ذلك حرفيًا، والثاني على مستوى دمار الهيكل اليهودي وخراب أورشليم. وقد وصف يوسيفوس المؤرخ اليهودي ما حلّ بأورشليم قبيل دمارها خاصة المجاعة التي أصابت السكان حتى كانوا يأكلون البذار التي في بواقي الحيوانات. وأيضًا على المستوى الشخصي، فإنه إذ يقوم في الإنسان أمة على أمة، ومملكة على مملكة. أي حين يفقد الإنسان سلامه الداخلي ووحدته بالروح القدس يضطرب فكره وقلبه حتى جسده، وكأن زلازل قد حلت به لتهدم كل كيانه، وتصير فيه مجاعات، إذ لا يجد شبعًا من العالم بكل كراماته وملذاته، فيبقى محرومًا من كلمة الله الخبز النازل من السماء كسّر شبع للمؤمنين، وتحل به أوبئة متنوعة تصيب نفسه الأمراض الروحية القاتلة، وتكون مخاوف عظيمة من السماء، أي تتحول نفسه التي كان يليق بها أن تكون سماءً إلى علة مخاوف، بمعنى سرّ قلقه واضطرابه لا يكون من الخارج بل من داخل نفسه. هكذا إذ يفقد الإنسان شركته مع الآب في ابنه بالروح القدس، يفقد كل سلام للجسد والنفس والروح، ويصير هو نفسه علة تحطيمه لنفسه!
6. اضطهاد المؤمنين
"وقبل هذا كله يلقون أيديهم عليكم ويطردونكم،
ويسلمونكم إلى مجامع وسجون،
وتُساقون أمام ملوك وولاة لأجل اسمي،
فيؤول ذلك لكم شهادة،
فضعوا في قلوبكم أن لا تهتموا من قبل لكي تحتجوا.
لأني أنا أعطيكم فمًا وحكمة لا يقدر جميع معانديكم أن يقاوموها أو يناقضوها.
وسوف تُسلمون من الوالدين والإخوة والأقرباء والأصدقاء ويقتلون منكم.
وتكونون مبغضين من الجميع من أجل اسمي.
ولكن شعرة واحدة من رؤوسكم لا تهلك.
بصبركم اقتنوا أنفسكم" [12-19].
لعل السيد المسيح أراد أن يميز بين ما يحل بالبشرية من متاعب وضيقات لأسباب طبيعية أو بسبب انحرافها وبين الضيق الذي يحل بالمؤمنين لا لسبب سوى إيمانهم بالسيد المسيح، فإن العدو لا يكف عن المقاومة بكل طريقة مستخدمًا من لهم السمة الدينية (المجامع اليهودية) وأيضًا السلطات الزمنية، بل ومن الأقرباء حسب الجسد مثل الوالدين والأخوة والأقرباء. وفي هذا كله يرى الله أن هذه المقاومة هي ضده شخصيًا، فهو الذي يعطي الكلمة والحكمة لمؤمنيه، ومسئول حتى عن كل شعرة من رؤوسهم. لكن ليس بسلبية من جهة المؤمنين، إذ يقول: "بصبركم اقتنوا أنفسكم" [19].
في اختصار نلاحظ في النص السابق الآتي:
أولا: الخط الواضح في هذا الوعد الإلهي، إن الله نفسه هو موضوع مقاومة عدو الخير، لذا فهو الذي يقوم بالمقاومة وبطرقه الإلهية اللائقة به. يقول البابا غريغوريوس (الكبير): [كما لو أن الرب يقول لتلاميذه: لا تخافوا، أدخلوا المعركة، فإني أنا الذي أحارب، أنتم تنطقون وأنا الذي أتكلم.] ويقول القديس كبريانوس: [عمله أن نغلب... هنا نرى الثقة العظيمة التي للمؤمنين، والخطأ الشنيع الذي يرتكبه غير المؤمنين حين لا يثقون في ذاك الذي وعد بغلبة من يعترفون به ولا يخافون من تهديداته بالعقوبة الأبدية لمن ينكره.]
ثانيًا: إن كان عدو الخير يستخدم كل الوسائل خاصة العنف الجسدي على المؤمنين، فالمؤمنون يتقبلون من مسيحهم فمًا وحكمة حتى يشعر المقاومون بالضعف أمام المُضطهدين.
ثالثًا: يسمح الله للمؤمنين بالضيق، لكنه كأب يعلن اهتمامه بهم فلا تهلك شعرة واحدة منهم، وكما يقول القديس أغسطينوس: [تأكدوا يا إخوة أنه ليس للأعداء سلطان على المؤمنين إلا بالقدر الذي يفيدهم بتجربتهم وامتحانهم.] كما يقول: [عندما حث الرب يسوع شهداءه على الصبر وعدهم أن ينال الجسد نفسه كمالاً تامًا في المستقبل بلا فقدان، لا أقول فقدان عضو منه، وإنما دون فقدان شعرة واحدة.]
رابعًا: يعلق البابا غريغوريوس (الكبير) على قول السيد: "بصبركم اقتنوا أنفسكم" [19]، هكذا: [وضع اقتناء النفس في فضيلة الصبر، لأن الصبر هو أصل كل الفضائل والحامي لها. الصبر هو احتمال الشرور التي تسقط علينا من الآخرين بهدوء، دون أن نحمل مشاعر سخط ضد من يسقطها علينا.]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Emptyالجمعة يوليو 18, 2008 10:06 pm

الصبر، لأن الصبر هو أصل كل الفضائل والحامي لها. الصبر هو احتمال الشرور التي تسقط علينا من الآخرين بهدوء، دون أن نحمل مشاعر سخط ضد من يسقطها علينا.]
7. حصار أورشليم
"ومتى رأيتم أورشليم محاطة بجيوش،
فحينئذ اعلموا أنه قد اقترب خرابها.
حينئذ ليهرب الذين في اليهودية إلى الجبال،
والذين في وسطها فليفروا خارجًا،
والذين في الكُورِ فلا يدخلوها.
لأن هذه أيام انتقام ليتم كل ما هو مكتوب.
وويل للحبالى والمرضعات في تلك الأيام،
لأنه يكون ضيق عظيم على الأرض، وسخط على هذا الشعب.
ويقعون بفم السيف، ويسبون إلى جميع الأمم،
وتكون أورشليم مدوسة من الأمم، حتى تكمل أزمنة الأمم" [20-24].
يتحدث السيد المسيح بكل وضوح عما كان سيحل بأورشليم بعد ذلك بحوالي 40 عامًا على يديّ تيطس الروماني، وكان حديث السيد المسيح أشبه بتحذير للمؤمنين الذين كانوا في أورشليم ليتذكروا قول السيد، فيهربوا من أورشليم ولا يسقطوا تحت الحصار. وكما قلت أن يوسيفوس المؤرخ اليهودي قدم وصفًا تفصيلاً عما حدث في هذا الحصار.
ويلاحظ في هذا النص الآتي:
أولاً: يقول القديس أغسطينوس بأن كلمات ربنا هذه كما رواها لوقا الإنجيلي تُظهر أن رجسة الخراب التي تنبأ عنها دانيال قد تحققت بحصار أورشليم.
ثانيًا: "لأن هذه أيام انتقام" [22]، فإن كان الرب قد سمح لهم أن يصلبوه دون مقاومة من جانبه، لكن دمه الذي قُدم كفارة للعالم وخلاصًا للمؤمنين يصير علة دينونتهم. ما حدث في حصار أورشليم كان إنذارًا لليهود ليدركوا ما ارتكبته أيديهم الأثيمة لعلهم يرجعون إلى الله بالتوبة، ويقبلون المسيّا المخلص.
ثالثًا: "ويل للحبالى والمرضعات في تلك الأيام" [23]. يرى البعض في هذا القول نبوة عما رواه يوسيفوس المؤرخ أن النساء الشريفات طبخن أطفالهن بسبب شدة الجوع.
رابعًا: ماذا يعني بقوله: "وتكون أورشليم مدوسة من الأمم، حتى تكمل الأزمنة" [24]؟ إن كانت أورشليم هي مركز اليهود، فستبقى إسرائيل مدوسة بالجحود وعدم الإيمان حتى تكمل كنيسة الأمم، وفي أواخر الدهور يتخلى إسرائيل عن تعصبه الصهيوني، ويقبل الإيمان بالسيد المسيح الذي صلبه، كقول الرسول بولس: "إن القساوة قد حصلت جزئيًا لإسرائيل إلى أن يدخل ملء الأمم، وهكذا سيخلص جميع إسرائيل" (رو 11: 25-26).
خامسًا: ماذا يعني حصار أورشليم روحيًا؟ بلا شك أن أورشليم إنما هي مركز العبادة اليهودية، تحوي الهيكل وملحقاته بما يضمه من طقوس غير منقطعة، خاصة الذبائح الدموية. فكانت المدينة تمثل الكيان اليهودي بكل قوميته وعبادته وثقافته الخ. لذا يمكننا أن نقول بأننا لا نستطيع أن ننعم بأورشليم العليًا معلنة في قلوبنا ما لم تحاصر أورشليمنا القديمة فينا. لا مجال للتمتع بنعمة الروح البنَّاءة مع التقوقع حول الحرف اليهودي القاتل، ولا لقاء بين الكيان الكنسي السماوي مع إقامة فكر ضيق يهودي! إذن لنهرب من اليهودية إلى الجبال، أي من الحرف اليهودي إلى جبال الإنجيل العالية والراسخة بالروح.
"الذين في وسطها فليفروا خارجًا"... إن أمسك بنا الحرف واقتنصنا في سجنه، نطلب الهروب منه، لنحيا بحرية الروح منطلقين خارجًا!
"الذين في الكُورِ فلا يدخلوها"... بمعنى إن كان الروح قد أعتقنا منها وأطلقنا إلى كُورِ (مدن) الإنجيل لنحيا بروحه، فلا نشتهي العودة إلى الحرف.
"ويل للحبالى والمرضعات"... إذ لا يستطيعون من هم بلا ثمر روحي ناضج كأولاد لهم أن ينطلقوا من ضيق الحرف. ويل للنفوس الضعيفة التي لم تثمر بعد بل هي أشبه بالحبالى، أو ثمرها ضعيف أشبه بالمرضعات، فإنه يصعب عليها التمتع بالحرية الحقيقية في الرب.
8. علامات في الشمس...
"وتكون علامات في الشمس والقمر والنجوم،
وعلى الأرض كربُ أمم بحيرةٍ، البحر والأمواج تضج،
والناس يُغشى عليهم من خوف وانتظار ما يأتي على المسكونة،
لأن قوات السماوات تتزعزع" [25-26].
بلا شك سيتم ذلك حرفيًا قبل مجيء السيد المسيح الأخير، إذ تحدث علامات في الشمس والقمر والنجوم، الأمور التي يتوقعها علماء الفضاء أنفسهم.
ماذا يعني بالشمس والقمر والنجوم والأرض والبحر؟
أولاً: ربما قصد بالعلامات التي تظهر قبل مجيء المسيح ظهور ضد المسيح، هذا الذي يقوم بدور خطير في حياة العالم في أواخر الدهور، فإن كانت الشمس ترمز للسيد المسيح، فستظهر علامة ألا وهو اختناق الإيمان به. وكأن الشمس تصير مختفية في حياة البشر. وقد أعلن السيد ذلك بمرارة إنه إن أمكن أن يضل حتى المختارين، كما تساءل: ألعل ابن الإنسان يجد الإيمان عند مجيئه؟!
أما القمر فيشير إلى الكنيسة التي تستمد نورها من السيد المسيح شمس البرّ، فستحمل أيضًا علامة خاصة بها، إذ تدخل في ضيق شديد، وتصير هاربة في البرية، يتعقبها ضد المسيح برجاله أينما وجدت.
تشير النجوم إلى مؤمنين بما لهم من مواهب ومراكز روحية. فللأسف سيسقط كثيرون حتى من أصحاب المواهب والمراكز في جحد مسيحهم وتكون حركة ارتداد مُرة.
تشير الأرض التي تمتلئ بالكوارث إلى فساد الجسد (الأرض)، إذ ينتشر الفساد، وتعم الرجاسات، ويتحول البشر إلى أفكار جسدانية حيوانية محطمة للعمل الروحي.
يشير البحر وأمواجه إلى الشعوب والأمم، فسيكون الضيق لا على مستوى الأفراد فحسب، وإنما على مستوى الأمم أيضًا.
ثانيًا: نستطيع أيضًا القول بأنه إذ يرفض الإنسان عمل السيد المسيح فيه تظهر هذه العلامات فيه، فيفقد استنارته بشمس البرّ، أي بالإيمان بالسيد المسيح. ويظلم قمره أي لا يمارس عضويته الحقيقية في الكنيسة كجسد المسيح المستنير به. وتتساقط نجومه حيث تنهار مواهبه وتنحل طاقاته وتتحول إمكانياته لتحطيمه عوض بنيانه ومجده. وتصير أرضه بكل أممها في كربٍ وحيرةٍ، أي يفسد جسده عوض تقديسه، وترتبك حواسه لتكون سرّ اضطراب له، ويضج بحره بأمواجه، أي يفقد سلامه ليعيش في قلقٍ غير منقطعٍ كأمواج البحر التي لا تهدأ.
ثالثًا: مجيء ابن الإنسان الأخير يدخل بنا إلى حياة سماوية جديدة، وصفها القديس يوحنا اللاهوتي، قائلاً: "ثم رأيت سماءً جديدة وأرضًا جديدة، لأن السماء الأولى والأرض الأولى مضتا، والبحر لا يوجد فيما بعد" (رؤ 21: 1). نقول لتتحطم السماء المادية الحالية والأرض أيضًا، ولتنتهِ البحار، ولتتساقط كل الكواكب بلا رجعة. فإننا ننتظر السماء الجديدة، شمسها رب المجد يسوع، وقمرها الكنيسة أورشليم العليا أمنا، وكواكبها القديسون. لننعم بأرض ليست مادية تنبت شوكًا وحسكًا، بل حياة جديدة حيث "لا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع فيما بعد، لأن الأمور الأولى قد مضت" (رؤ 21: 4). ليُمح البحر، فلا يوجد اضطراب بعد!
رابعًا: تفرح السماء بخاطىءٍ واحدٍ يتوب أكثر من تسعة وتسعين بارًا لا يحتاجون إلى توبة (لو 15: 7)، فمن يستطيع أن يعبر عن ألمها حين تجد النفوس تنهار بسبب ضد المسيح؟! لذا يقول رب المجد: "قوات السماوات تتزعزع" [26].
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [قوات السماوات تتزعزع... عندما ترى جماهير بلا عدد تسقط تحت الدينونة!]
خامسًا: يقول القديس أغسطينوس: [قوات السماء تتزعزع، لأنه عندما يثير الأشرار الاضطهاد يرتعب بعض المؤمنين الأقوياء.]
9. مجيء ابن الإنسان
"وحينئذ يبصرون ابن الإنسان آتيًا في سحابة بقوةٍ ومجدٍ كثيرٍٍ.
ومتى ابتدأت هذه تكون، فانتصبوا وارفعوا رؤوسكم، لأن نجاتكم تقترب" [27-28].
v سيبصره المؤمنون، وغير المؤمنين، فسيكون هو وصليبه أكثر بهاءً من الشمس ويلاحظه الكل.
الأب ثيؤفلاكتيوس
v الكلمات "أتيًا في سحابة" تفهم بطريقتين؛ يأتي في كنيسته كما في سحابة (عب 12: 1)، إذ هو لا يكف عن أن يأتي الآن فيها، أما فيما بعد فيتحقق مجيئه بسلطان أعظم وجلال إذ يظهر لقديسيه بقوة ليهبهم فضيلة عظيمة حتى يغلبوا ذاك الاضطهاد المريع. كما سيأتي بجسده... الذي صعد به.
القديس أغسطينوس
إن كانت الأحداث كلها مؤلمة للغاية، لكن ظهور ابن الإنسان يرد للكنيسة فرحها وبهجتها ومجدها على مستوى الشركة مع عريسها في فرحه ومجده. ملاقاتنا مع ابن الإنسان تنسينا كل الأحداث السابقة المرة، بل تصير علة مكافأتنا ومجدنا بالرب. لهذا يقول: "انتصبوا" بمعنى اثبتوا، قفوا كرجال روحيين بلا تراخ ولا كسل. "ارفعوا رؤوسكم" أي ارفعوا عقولكم نحو السماويات، وانتظروا مجيئه، لأن نجاتكم على مستوى أبدي يقترب.
يأتي رب المجد لنجاتنا، ليس فقط على مستوى خلاص النفس، وإنما قيامة الجسد أيضًا، فيتمجد الإنسان بكليته!
10. مثل التينة والصيف
"وقال لهم مثلاً: انظروا إلى شجرة التين وكل الأشجار.
متى أفرخت تنظرون وتعلمون من أنفسكم أن الصيف قد قرب.
هكذا أنتم أيضًا متى رأيتم هذه الأشياء صائرة،
فاعلموا أن ملكوت الله قريب.
الحق أقول لكم أنه لا يمضي هذا الجيل حتى يكون الكل.
السماء والأرض تزولان، ولكن كلامي لا يزول" [29-33].
v أكد بمقارنة حكيمة الالتزام بأن نطأ بأقدامنا (محبة) العالم ونحتقرها، قائلاً: "انظروا إلى شجرة التين وكل الأشجار، متى أفرخت (قدَّمت ثمرًا) تنظرون وتعلمون من أنفسكم أن الصيف قد قرب". كأنه يقول: كما أنه بثمر الشجرة يُدرك اقتراب الصيف، هكذا بسقوط العالم يُعرف أن ملكوت الله قد اقترب. هنا واضح أنثمرتنا هي سقوط العالم (من قلوبنا)...
حسنًا يُقارن ملكوت الله بالصيف حيث يزول سحاب حزننا، وتشرق أيام الحياة بنور الشمس الأبدي الساطع.
البابا غريغوريوس (الكبير)
لقد أكد رب المجد "اعلموا أن ملكوت الله قريب" [31]. فالضيق يحل لكن إلى حين، أما الملكوت فأبدي.
v ملكوت السماوات أيها الإخوة بدأ يقترب، حيث مكافأة الحياة والفرح بالخلاص الأبدي والطوباوية الدائمة واقتناء الفردوس المفقود. هذه الأمور قادمة مع عبور العالم. ها السماوات تحل عوض الأرض، والأمور العظيمة عوض الدنيا، والأبديات عوض الزمنيات.
الشهيد كبريانوس
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Emptyالجمعة يوليو 18, 2008 10:08 pm

ماذا يقصد بقوله: "الحق أقول لكم أنه لا يمضي هذا الجيل حتى يكون الكل"؟ ما قاله الرب تحقق في جيل التلاميذ بالنسبة لخراب أورشليم ودمار الهيكل، الأمر الذي كان مستبعدًا جدًا، لذا أكده السيد بقوله: "الحق أقول لكم". وأيضًا يتحقق كل ما قاله السيد في جيل كنيسته، إذ نعلم أن التاريخ من جهة الخلاص ينقسم إلى عدة أجيال:
أ. الجيل الأول من آدم إلى نوح حيث التجديد بالطوفان.
ب. الجيل الثاني من نوح إلى موسى حيث استلم الناموس المكتوب.
ج. الجيل الثالث من موسى إلى داود حيث بدأ عهد الملوك والأنبياء.
د. الجيل الرابع من موسى إلى سبي بابل.
خ. الجيل الخامس من سبي بابل إلى مجيء السيد المسيح.
و. الجيل السادس والأخير من مجيء المسيح متجسدًا حتى مجيئه الثاني أو الأخير. هذا هو جيل كنيسة العهد الجديد التي تعاصر كل ما نطق به السيد المسيح في هذا الأصحاح.
11. دعوة للسهر
"فاحترزوا لأنفسكم لئلا تثقل قلوبكم في خمار وسكر وهموم الحياة،
فيصادفكم ذلك اليوم بغتة،
لأنه كالفخ يأتي على جميع الجالسين على وجه كل الأرض.
اسهروا إذًا وتضرعوا في كل حين،
لكي تُحسبوا أهلاً للنجاة من جميع هذا المزمع أن يكون،
وتقفوا قدام ابن الإنسان" [34-36].
بهذا الحديث الختامي يكشف لنا السيد المسيح عن غاية عرضه لعلامات مجيئه. إنه لا يريدنا أن نعرف الأزمنة وننشغل بحساباتها، بل بالحري أن نسهر بقلوبنا، مترقبين بالحياة الجادة مجيئه ليملك أبديًا.
v يحمل كل حيوان دوافع قُدمت له من الله لحفظ جنسه، لذلك قدم لنا المسيح هذا التحذير حتى ما يمارسه الحيوان بالطبيعة نمارسه نحن بالعقل والحكمة، فنهرب من الخطية كما تهرب الحيوانات من الطعام القاتل، ونطلب البر كأعشاب مفيدة.
يقول: "احذروا لأنفسكم"، أي ميزوا ما هو مميت مما هو صحّي.
لما كان هناك طريقان للحذر لأنفسنا، واحد خلال الأعين الجسدية والآخر خلال وظائف النفس، وإذ لا تستطيع العين الجسدية أن تبلغ الهدف لذا فإنه يتحدث هنا عن عمل النفس.
"احذروا"، بمعنى انظروا حولكم من كل جانب، بعين دائمة السهر لحراسة أنفسكم...
يوجد حولكم غنى وفنون وكل مباهج الحياة، يلزمكم ألا تهتموا إلا بنفوسكم اهتمامًا خاصًا.
القديس باسيليوس الكبير
v إذ تترك النفس الأمور السفلية المادية تنطلق نحو الأمور السماوية غير المنظورة.
الأب إسحق
ما هو غاية هذا السهر الروحي واليقظة في ملاقاة الرب القادم؟ يحول هذا السهر "يوم الرب" من فخ يسقط فيه جميع الجالسين على وجه كل الأرض إلى يوم نجاة ووقوف قدام ابن الإنسان. بمعنى آخر يوم الرب بالنسبة لغير الساهرين هؤلاء الذين يحسبون كجالسين على وجه كل الأرض أي كجسدانيين وترابيين يكون لهم فخًا، أما بالنسبة للساهرين الذين لا يرتبطون بمحبة الأرض بل ينطلقون كما بأجنحة الروح في السماويات لا يقتنصهم يوم الرب كفخ لهلاكهم وإنما يتمتعون بالنجاة على مستوى النفس والجسد معًا، وينعمون بالوقوف قدام ابن الإنسان كملائكة الله. يقول الأب ثيؤفلاكتيوس: [هذا هو مجد الملائكة أن يقفوا قدام ابن الإنسان، إلهنا، ويعاينون وجهه على الدوام.]
12. بياته في جبل الزيتون
"وكان في النهار يعلم في الهيكل،
وفي الليل يخرج ويبيت في الجبل الذي يدُعى جبل الزيتون.
وكان كل الشعب يبكرون إليه في الهيكل ليسمعوه" [37-38].
ختم الرب حديثه السابق بالسهر، وهو كممثلٍ للبشرية، ونائبٍ عنها قام بالسهر عمليًا، لا ليكون قدوة لنا فحسب، وإنما ليقدس سهرنا بسهره، كما قدس أعمالنا بعمله! في النهار يعلم في الهيكل، وفي الليل ينطلق للسهر على جبل الزيتون، مقدسًا الحياة العاملة المتألمة!
1 و تطلع فراى الاغنياء يلقون قرابينهم في الخزانة
2 و راى ايضا ارملة مسكينة القت هناك فلسين
3 فقال بالحق اقول لكم ان هذه الارملة الفقيرة القت اكثر من الجميع
4 لان هؤلاء من فضلتهم القوا في قرابين الله و اما هذه فمن اعوازها القت كل المعيشة التي لها
5 و اذ كان قوم يقولون عن الهيكل انه مزين بحجارة حسنة و تحف قال
6 هذه التي ترونها ستاتي ايام لا يترك فيها حجر على حجر لا ينقض
7 فسالوه قائلين يا معلم متى يكون هذا و ما هي العلامة عندما يصير هذا
8 فقال انظروا لا تضلوا فان كثيرين سياتون باسمي قائلين اني انا هو و الزمان قد قرب فلا تذهبوا وراءهم
9 فاذا سمعتم بحروب و قلاقل فلا تجزعوا لانه لا بد ان يكون هذا اولا و لكن لا يكون المنتهى سريعا
10 ثم قال لهم تقوم امة على امة و مملكة على مملكة
11 و تكون زلازل عظيمة في اماكن و مجاعات و اوبئة و تكون مخاوف و علامات عظيمة من السماء
12 و قبل هذا كله يلقون ايديهم عليكم و يطردونكم و يسلمونكم الى مجامع و سجون و تساقون امام ملوك و ولاة لاجل اسمي
13 فيؤول ذلك لكم شهادة
14 فضعوا في قلوبكم ان لا تهتموا من قبل لكي تحتجوا
15 لاني انا اعطيكم فما و حكمة لا يقدر جميع معانديكم ان يقاوموها او يناقضوها
16 و سوف تسلمون من الوالدين و الاخوة و الاقرباء و الاصدقاء و يقتلون منكم
17 و تكونون مبغضين من الجميع من اجل اسمي
18 و لكن شعرة من رؤوسكم لا تهلك
19 بصبركم اقتنوا انفسكم
20 و متى رايتم اورشليم محاطة بجيوش فحينئذ اعلموا انه قد اقترب خرابها
21 حينئذ ليهرب الذين في اليهودية الى الجبال و الذين في وسطها فليفروا خارجا و الذين في الكور فلا يدخلوها
22 لان هذه ايام انتقام ليتم كل ما هو مكتوب
23 و ويل للحبالى و المرضعات في تلك الايام لانه يكون ضيق عظيم على الارض و سخط على هذا الشعب
24 و يقعون بفم السيف و يسبون الى جميع الامم و تكون اورشليم مدوسة من الامم حتى تكمل ازمنة الامم
25 و تكون علامات في الشمس و القمر و النجوم و على الارض كرب امم بحيرة البحر و الامواج تضج
26 و الناس يغشى عليهم من خوف و انتظار ما ياتي على المسكونة لان قوات السماوات تتزعزع
27 و حينئذ يبصرون ابن الانسان اتيا في سحابة بقوة و مجد كثير
28 و متى ابتدات هذه تكون فانتصبوا و ارفعوا رؤوسكم لان نجاتكم تقترب
29 و قال لهم مثلا انظروا الى شجرة التين و كل الاشجار
30 متى افرخت تنظرون و تعلمون من انفسكم ان الصيف قد قرب
31 هكذا انتم ايضا متى رايتم هذه الاشياء صائرة فاعلموا ان ملكوت الله قريب
32 الحق اقول لكم انه لا يمضي هذا الجيل حتى يكون الكل
33 السماء و الارض تزولان و لكن كلامي لا يزول
34 فاحترزوا لانفسكم لئلا تثقل قلوبكم في خمار و سكر و هموم الحياة فيصادفكم ذلك اليوم بغتة
35 لانه كالفخ ياتي على جميع الجالسين على وجه كل الارض
36 اسهروا اذا و تضرعوا في كل حين لكي تحسبوا اهلا للنجاة من جميع هذا المزمع ان يكون و تقفوا قدام ابن الانسان
37 و كان في النهار يعلم في الهيكل و في الليل يخرج و يبيت في الجبل الذي يدعى جبل الزيتون
38 و كان كل الشعب يبكرون اليه في الهيكل ليسمعوه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Emptyالجمعة يوليو 18, 2008 10:08 pm

الأصحاح الثاني والعشرون
الصديق المتألم
في الأصحاحات السابقة نرى كلمة الله المتجسد قد جاء إلينا يقدم لنا صداقته الإلهية، كاشفًا لنا عن ملامح طريق صداقته، ومحذرًا إيانا من معوقات الطريق، والآن يقدم بنفسه ثمن هذه الصداقة، فنراه الكاهن الأعظم الذي يقدم حياته المبذولة فصحًا، ليعبر بنا من حالة العداوة إلى الشركة مع الآب؛ إنه الكاهن والذبيحة في نفس الوقت، يقدم دم نفسه كفارة عن خطايانا.
يمكننا أن نقول بكل ثقة ويقين أن معلمنا لوقا الإنجيلي إذ يصور لنا أحداث آلام الرب وصلبه إنما يقدم لنا صديقنا الذي يحملنا إلى قدس أقداسه، ليسير بنا في مقدساته السماوية بلا حجاب أو عائق.
من أجلنا افتقر فلم يكن يملك "علية" يأكل فيها الفصح مع تلاميذه، مع أنه يقدم حياته فصحًا فريدًا قادرًا على خلاص البشرية. ومن أجلنا اجتاز وادي الدموع والألم وحيدًا مع أنه والآب واحد، يضمنا بالحب إليه؛ لقد قبل أن يكون موضع خيانة أحد تلاميذه، وموضع محاكمة أمام خليقته، يُحاكم دينيًا ومدنيًا!
1. اقتراب عيد الفصح 1-2.
2. خيانة يهوذا 3-6.
3. الإعداد للفصح 7-13.
4. الفصح الجديد 14-23.
5. مناقشة حول الأعظم 24-30.
6. تحذيره لبطرس 31-34.
7. تحذير عام 35-38.
8. صلاته على جبل الزيتون 39-46.
9. تسليمه 47-53.
10. محاكمته دينيًا في بيت رئيس الكهنة 54.
11. إنكار بطرس له 55-62.
12. جلده والاستهزاء به 63-65.
13. محاكمته في المجمع 66-71.
1. اقتراب عيد الفصح
"وقرب عيد الفطير الذي يُقال له الفصح.
وكان رؤساء الكهنة والكتبة يطلبون كيف يقتلونه،
لأنهم خافوا الشعب" [1-2].
كان اليهود يحتفلون بعيد الفصح في الرابع عشر من الشهر الأول "نيسان" حيث يذكرون عبور الملاك المهلك على بيوت آبائهم في مصر دون أن يمس أبكارهم، إذ يرى علامة الدم على القائمة والعارضتين. هذا وكلمة "فصح" أو "بصخة" معناها "عبور". أمّا عيد الفطير فكان يبدأ في اليوم التالي (الخامس عشر من نيسان) ولمدة 7 أيام فيه لا يأكل اليهود خبزًا مختمرًا بل فطيرًا. وقد امتزج العيدان معًا، حتى أصبحا في عصر السيد المسيح عيدًا واحدًا يُدعى "عيد الفطير" أو "عيد الفصح".
لا أريد الدخول في تفاصيل عيدي الفصح والفطير إذ سبق لنا الحديث عنهما في أكثر من موضع خاصة في تفسير سفر الخروج (ص 12) وتفسير سفر اللاويين (لا 23). إنما ما نقوله هنا أنه قد جاء صديقنا ليقدم نفسه فصحًا عنّا، حتى بدمه يعبر عنّا الملاك المهلك، فلا يقتل أبكار حياتنا، أو بمعنى آخر به نعبر إلى الحياة السماوية، وننتقل من الفكر الترابي إلى الملائكي.
v كانت أعمال اليهود ظلاً لأعمالنا. لذلك أن سألت يهوديًا عن الفصح أو عيد الفطير، فلا يقدم لك أمرًا ذا قيمة إنما يشير إلى الخلاص من مصر، بينما إذ يطلب أحد منّي ذلك لا يسمع عن مصر وفرعون، بل يسمع عن التحرر من الخطية وظلمة الشيطان، لا بواسطة موسى بل بابن الله.
القديس يوحنا الذهبي الفم
إذ كانت جماهير اليهود في العالم كله تتجه نحو أورشليم لتقدم ذبيحة الفصح بطقسها الرائع الذي يصور عمل المسيح الخلاصي، إذا برؤساء الكهنة والكتبة [2]، وهما حزبان متزاحمان في مجمع السنهدرين، يجتمعون معًا غالبًا في دار رئيس الكهنة قيافا "دار المؤامرة"، ليبحثوا كيف يتخلصون من يسوع سرًا، خشية هياج الشعب عليهم.
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم أنه بحسب الشريعة الموسوية لا يوجد إلا رئيس كهنة واحد، لا يُقام آخر إلا بموته، لكنه إذ انحدر اليهود روحيًا، صار لهم أكثر من رئيس كهنة. في الواقع كان اليهود يقيمون في كل عام رئيس كهنة يمارس وظيفته لمدة عام، يلزم أن تكون السلطات الرومانية راضية عنه، بل وغالبًا ما تقوم باختياره مع قادة اليهود. على أي الأحوال كان يليق بهم أن يكون لهم رئيس كهنة واحد يرمز لأسقف نفوسنا ربنا يسوع، يقبل المشورة من الله وحسب وصيته، يخاف الله لا الناس، أمّا هؤلاء فكانوا رؤساء كهنة كثيرين يسلكون بمشورة إنسانية، يخافون الشعب لا الله.
يقول القديس كيرلس الكبير: [لننظر الدور الذي مارسه إبليس بحسده، وما هي نتائج خطته الماكرة ضد السيد. لقد غرس في رؤساء مجمع اليهود حسدًا ضد المسيح أنتج قتلاً. فإن هذا المرض (الحسد) غالبًا ما يدفع إلى جريمة القتل. هذا هو الطريق الطبيعي لهذه الرذيلة، كما حدث مع قايين وهابيل، وأيضًا ظهر بوضوح في حالة يوسف وإخوته. لهذا السبب يجعل بولس الرسول هاتين الرذيلتين متجاورتين بوضوح، كأنهما يمتان بصلة قرابة لبعضهما البعض، إذ يتحدث عن أناس مملوءين "حسدًا وقتلاً" (رو 1: 29). هكذا طلب هؤلاء قتل يسوع بإيحاء من الشيطان الذي غرس الشر فيهم، وكان قائدهم في تدابيرهم الشريرة.]
2. خيانة يهوذا
اجتاز السيد المسيح آلامًا من كل نوع، اشترك فيها اليهود بكل فئاتهم وأيضا اشترك واحد من تلاميذه معهم، كما اشترك الأمم. يحدثنا الإنجيلي لوقا عن خيانة يهوذا، قائلاً: "فدخل الشيطان في يهوذا الذي يُدعى الإسخريوطي وهو من جملة الإثني عشر. فمضى وتكلم مع رؤساء الكهنة وقواد الجند كيف يسلمه إليهم. ففرحوا وعاهدوه أن يعطوه فضة. فواعدهم، وكان يطلب فرصة ليسلمه إليهم خلوًا من جمع" [3-6].
دخل الشيطان في يهوذا ليس إكراهًا، إنما وجد الباب مفتوحًا لديه، وجد فيه الطمع بابًا للخيانة، بالرغم من كونه أحد الإثني عشر تلميذًا. نسمع في إنجيل يوحنا: "فبعد اللقمة دخله الشيطان" (يو 13: 27)، فهل دخله الشيطان قبل الفصح أم أثناءه؟! بلا شك كان يهوذا قد سلم نفسه كإناء للشيطان مع كل فرصة ينفتح الباب بالأكثر للتجاوب مع إبليس كسيد له يملك قلبه ويوجه فكره ويدير كل تصرفاته. بمعنى آخر يمكن القول بأن يهوذا في خضوعه للعدو الشرير كان ينمو كل يوم في تجاوبه معه وممارسته أعماله الشيطانية. بمعنى آخر كما يشتاق الله أن يحل في قلوب أولاده بلا توقف ليملأهم من عمله الإلهي، هكذا يشتاق عدو الخير أن يدخل قلوب المستجيبين له بلا توقف، لينطلق بهم إلى نهاية شره، بكونهم أداته الخاصة ورعيته ومملكته.
v أنتم ترون أن الشيطان قد دخل بالفعل في يهوذا؛ دخل أولاً عندما زرع في قلبه فكر خيانة المسيح، ثم جاء إلى العشاء يحمل هذا الروح فيه. وإذ أخذ الجسد دخله أيضًا الشيطان، لا ليجرب شخصًا (غريبًا عنه) مرتبطًا بآخر، وإنما ليملك على من هو له.
القديس أغسطينوس
v بالطمع صار يهوذا ما هو عليه... الطمع يولِّد أهواء شريرة، يجعل البشر مجدّفين، ويدفعهم إلى فقدان معرفة الله مع أنهم ينالون منه آلاف العطايا.
القديس يوحنا الذهبي الفم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Emptyالجمعة يوليو 18, 2008 10:10 pm

إن كان العدو قد اصطاد يهوذا الذي تجاوب معه في حب المال، فبث فيه السرقة (يو 12: 6)، ثم دفعه للخيانة، فصار أداته التي يستخدمها كيفما شاء، إذ سلّم يهوذا نفسه بنفسه له، لهذا يحذّرنا الرسول بولس قائلاً: "لئلا يطمع فينا الشيطان" (2 كو 2: 11). بنفس الروح يقدم لنا القديس مرقس الناسك نصيحته ألا نفتح الباب ولو قليلاً للعدو، فإنه إذ يدخل يملك ويصعب التحرر منه. لنحاربه بالرب وهو خارج عنّا يحاول خداعنا، ولا نتركه يدخل ويملك!
يقول القديس كيرلس الكبير إن الشيطان دخل في قلب يهوذا دون بطرس أو يعقوب أو يوحنا. لأن قلوبهم كانت راسخة ومحبتهم للمسيح ثابتة، لكن الشيطان وجد له موضعًا في الخائن من أجل مرض الطمع المرّ، الذي يقول عنه الطوباوي بولس: "أصل كل الشرور" (1 تي 6: 10). هذا وقد أكّد الإنجيلي أن يهوذا "واحد من الإثنى عشر" ليوضح خطية الخيانة بكل جلاء. فإن الذي كرَّمه مساويًا إيّاه بالبقية، وزيَّنه بالكرامات الرسولية، وجعله المحبوب، وضمه للمائدة المقدسة صار طريقًا ووسيلة لقتل المسيح.
بماذا باع يهوذا سيده؟
باعه بالفضة، وكما يقول القديس ديديموس السكندري أنه يوجد نوعان من الفضة: الفضة الأصيلة المصفاة سبع مرات، وهي كلمة الله؛ والفضة الغاشة التي هي كلمة إبليس. إن كان السيد المسيح هو كلمة الله المتجسد، الفضة الحقيقية، فقد باعه يهوذا بالغاشة. هذه الخيانة يمارسها الهراطقة عبر العصور، حين يُسيئون شرح كلمة الله، مستخدمين الكتاب المقدس للتدليل على تعاليمهم الفاسدة، وكأنهم يستبدلون الفضة الإلهية الخالصة والأصيلة بفضتهم الغاشة. هذا وقول الإنجيلي "عاهدوه أن يعطوه فضة" [5]، يعني أن يعطوه مالاً بوجه عام، وقد حُدد الثمن بثلاثين من الفضة كما سبق فأنبأ عاموس النبي (2: 6) كثمنٍ لبيع البار، وهو ثمن بخس يُدفع كدية عبدٍ إذا نطحه ثور وقتله (خر 21: 32). ويقال أن هذه القطعة الفضية كانت تحمل على أحد وجهيها صورة غصن زيتون، رمز السلام، وعلى الوجه الآخر صورة مبخرة علامة العبادة، وفي أسفلها نُقش "أورشليم المقدسة".
3. الإعداد للفصح
حان وقت الفصح فكان يليق بذاك الذي جاء "فصحًا عن العالم" أن يقدم جسده ودمه المبذولين ذبيحة شكر لله الآب، وسرّ حياة لتلاميذه، ذبيحة حقيقية قادرة على المصالحة بين الآب والبشرية عبر كل العصور.
اختلف الدارسون في تحديد موعد الفصح اليهودي، هل كان يوم الخميس حيث قدم السيد المسيح، نفسه فصحًا بعد الرمز اليهودي مباشرة ليعلن تحقيقه في كمال غايته، أما أراد السيد أن يقدم فصحه مسبقًا بيوم واحد ليصلب يوم الجمعة في لحظات الفصح اليهودي. ولكل فريق جهوده لتأكيد وجهة نظره. إنما ما يشغلنا أن الفصح اليهودي قد كمل وانتهى بتحقيق فصح المسيح، سواء مارس اليهود طقس فصحهم في خميس العهد أو أثناء لحظات الصلب!
"وجاء يوم الفطير الذي كان ينبغي أن يذبح فيه الفصح.
فأرسل بطرس ويوحنا، قائلاً:
اِذهبا وأعدّا لنا الفصح لنأكل.
فقالا له: أين تريد أن نُعد؟
فقال لهما: إذا دخلتما المدينة يستقبلكما إنسان حامل جرة ماء،
اِتبعاه إلى البيت حيث يدخل.
وقولا لرب البيت يقول لك المعلم:
أين المنزل حيث آكل الفصح مع تلاميذي؟
فذاك يريكما عُليّة كبيرة مفروشة، هناك أعدّا.
فانطلقا، ووجدا كما قال لهما، فأعدّا الفصح" [7-13].
يلاحظ في هذا النص:
أولاً: يرى البعض في القول: "جاء يوم الفطير الذي كان ينبغي أن يُذبح فيه الفصح" تأكيدًا أن العشاء الأخير قد تم في يوم الفصح، وأن السيد المسيح قدم جسده ودمه بعد ذبح الخروف الرمزي. غير أن الفريق الآخر يرى أنه بحسب الطقس اليهودي كانوا يستعدون للعيد في اليوم السابق، حيث يقوم اليهود بتنظيف البيت والبحث أكثر من مرة في جوانب الحجرات لئلا يوجد خمير، فيحسبون كاسرين للناموس، ولا يُقبل الفصح عنهم. وكأن السيد قد اجتمع مع تلاميذه في اليوم السابق لذبح الخروف كما للتهيئة للفصح، لكنه عوض التفتيش في أركان العُليّة قدم الفصح الروحي غير المادي. ويُضاف إلى ذلك أنه لو كان السيد قد اجتمع بتلاميذه لممارسة طقس الفصح اليهودي فأين أصحاب البيت أنفسهم؟!
في تفسيرنا للإنجيل حسب متى تحدث عن تأسيس السيد للعشاء الأخير بعد ممارسة السيد المسيح وتلاميذه لطقس الفصح الناموسي، لكنني أكرر أن ما يشغلنا هو الفكر اللاهوتي ذاته لا تفاصيل الأزمنة.
ثانيًا: لم يحدد السيد المسيح اسم صاحب العُليّة، وكما جاء في التقليد الكنسي أنه مرقس الرسول؛ وأنه هو الشاب الذي كان يحمل الجرة. وكان يعرف السيد تمام المعرفة، لكن الرب لم يذكر اسمه ربما كما يقول القديس أمبروسيوس ليُظهر أنه يقيم فصحه في عُليّة لإنسان غير مشهور، فهو لا يطلب أصحاب المراكز والشهرة، أو كما يقول الأب ثيؤفلاكتيوس لكي لا يعرف يهوذا الموضع، فيخبر رؤساء الكهنة والكتبة، ويُلقوا القبض عليه قبل تقديم فصحه الإلهي.
ثالثًا: في تفسيرنا لإنجيل مرقس (14: 12-16)، رأينا القديسين كيرلس الكبير وأمبروسيوس يتطلعان إلى جرة الماء كعلامة لسرّ العماد، فإنه لا يسمح لنا بالتمتع بسرّ الإفخارستيا ما لم نكن قد التقينا أولا بسرّ المعمودية وتمتعنا بالتجديد الكامل الداخلي.
إن كانت الجرة من التراب والخزف، لكنها تحمل في داخلها ماءً، هكذا وإن كنا ترابيين لكننا نتقبل مياه النعمة الإلهية وعمل الروح القدس في داخلنا، حتى نستطيع أن نرتفع بالروح مع مخلصنا، ونقبل من يديه سرّ خلاصنا، أي جسده ودمه المبذولين عنّا.
رابعًا: ارتفع السيد بتلاميذه إلى العُليّة المفروشة، التي لا يوجد فيها خمير، والمتسعة لتحوي السيد وتلاميذه. هكذا يود الرب أن يحملنا كما إلى الأعالي "في عُليّة مفروشة، حيث نسكن في الأمجاد الإلهية الخفية، مرتفعين فوق دنس هذا العالم ورجاسات شهوات الجسد. هناك نلتقي به، حيث لا يوجد فينا خمير الخُبث والشر، بل زينة الروح الفاضلة، والمتِّسعة بالحب الإلهي لنحمل في داخلنا السيد وتلاميذه.
v لنصعد مع الرب، متحدين معه، إلى العُليّة...
لتكن عُليّة بيوتنا متّسعة لتستقبل في داخلها يسوع كلمة الله، الذي لا يُدرَك إلا بواسطة من لهم الفهم العظيم...
لتُعد هذه العُليّة بواسطة صاحب البيت الصالح ليأتي فيها ابن الله فيجدها مغسولة ونقية من كل خبث.
v يلزمنا أن ندرك أنه لا يرتفع أحد إلى العُليّة ممن يهتم بالولائم والاهتمامات الزمنية، ولا يكون له مع يسوع نصيب في حفظ الفصح.
العلامة أوريجينوس
4. الفصح الجديد
أولاً: يقول الإنجيلي لوقا: "ولما كانت الساعة اتكأ والإثنا عشر رسولاً معه" [14]. لقد حانت الساعة التي حددها رب المجد ليؤسس سرّ الإفخارستيا، مقدمًا للعالم سرّ الخلاص والحياة والشبع الداخلي.
اعتاد اليهود بحسب الطقس الموسوي أن يأكلوا الفصح وهم واقفون (خر 12: 11)، إذ يذكرهم بالانطلاق من العبودية التي عاشها آباؤهم في مصر، لأنه لم يكن للعبد حق الجلوس في حضرة سادته بل يقف ليخدم، أمّا السيد إذ قدّم لنا فصحه الجديد اتكأ ومعه الرسل ليُعلن انتقالنا إلى حالة "المجد". فصحه عبور إلى الحياة السماوية، لكي نتكئ معه في حضن أبيه، وننعم بشركة أمجاده.
ثانيًا: إذ حانت الساعة ليحقق خلاصنا ببذل حياته عنا يعلن أنه مقدم على هذا العمل بكامل إرادته، في شوقٍ حقيقيٍ وشهوةٍ، إذ يطلب ما قد هلك، لذا "قال لهم: اشتهيت أن آكل هذا الفصح معكم قبل أن أتألم" [15].
v لماذا؟ لأنه كان يرحب بصليبه، إذ يتحقق خلاص العالم، وتُسلَّم الأسرار، وتزول الأمور المحزنة.
v هذا يعني: "إني أسلمكم الطقوس الجديدة، وأهبكم الفصح الذي أقدمه لكم روحيًا.
القديس يوحنا ذهبي الفم
v قال هذا لأن الصليب يقترب بعد هذا الفصح مباشرة؛ فإننا نجده دائمًا يتنبأ عن آلامه مشتهيًا تحقيقها.
القديس يوحنا ذهبي الفم
v كأنه يقول: إنه عشائي الأخير، أنه ثمين للغاية أرحب به، ذلك كما أن الذين يرحلون إلى مكان بعيد يقدمون لأصدقائهم كلماتهم الوداعية في غاية المحبة.
الأب ثيؤفلاكتيوس
أما قوله: "لأني أقول لكم إني لا آكل منه بعد حتى يُكمل في ملكوت الله... إني لا أشرب من نتاج الكرمة حتى يأتي ملكوت الله" [16-18]، فقد سبق لنا تفسيره في دراستنا لسفر اللاويين (10: 9) حيث رأينا السيد يشرب نتاج الكرمة الروحي، أي يفرح حينما يكمل المختارون في ملكوت الله.
ثالثًا: يلاحظ هنا وجود كأسين، الأولى تناولها السيد وشكر وقال: "خذوا هذه واقتسموها بينكم" [17]، والثانية بعد العشاء قال عنها: "هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي الذي يسفك عنكم" [20]. كانت عادة اليهود في طقس الفصح أن تُستخدم ثلاث كؤوس، لذا يرى البعض أن الكأس الأولى هنا إنما هي أحد كؤوس الطقس اليهودي، أمّا الثانية فهي كأس العهد الجديد، التي جاءت لا ككأس بركة عامة، وإنما تقدست لتصير دم السيد المسيح المبذول. الأولى تشير للعهد القديم، والثانية تقدم لنا سرّ العهد الجديد.
رابعًا: قدّم السيد المسيح ذبيحته الحقيقية، قائلاً: "هذا هو جسدي الذي يبذل عنكم"، "هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي الذي يسفك عنكم" [19-20]، أمّا قوله: "اصنعوا هذا لذكري" فكما رأينا في كتاب "المسيح سرّ الإفخارستيا" أن "الذكرى" هنا في اليونانية "أنامنسيس" لا تعني مجرد التذكر لأمر نتطلع إليه غائبًا عنّا، بل تحمل إعادة دعوته أو تمثيله في معنى فعّال. الأنامنسيس هنا يعني تذكر المسيح المصلوب القائم من الأموات، أو تذكر ذبيحته لا كحدثٍ ماضٍ، بل تقديم ذبيحة حقيقية حاضرة وعاملة، أي ذكرى فعّالة.
v الإفخارستيا هو جسد ربنا يسوع المسيح الذي تألم عن خطايانا، الذي أقامه الله الآب.
القديس أغناطيوس النوراني
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Emptyالجمعة يوليو 18, 2008 10:11 pm

v الكأس الممزوج والخبز المصنوع يتقبلان كلمة الله، ويصيران إفخارستيا جسد المسيح ودمه.
القديس إيريناؤس
v الخبز قبل التقديس هو خبز عام، لكن إذ يقدسه السرً يُدعى جسد المسيح.
القديس غريغوريوس أسقف نيصص
v عندما نتناول جسد المسيح المقدس، مخلص جميعنا، ونشرب دمه الثمين يكون لنا الحياة فينا، إذ نصير كما لو كنا واحدًا معه، نسكن فيه ونمتلكه فينا.
v لا تشك في أن هذا حق، إذ قال بوضوح: "هذا هو جسدي"، إنما اقبل كلمات مخلصك بإيمان، إذ هو الحق الذي لا يكذب.
القديس كيرلس الكبير
v فعل المسيح ذلك ليحضرنا إلى رباط صداقة حميمة، وليعلن حبه لنا، مقدمًا نفسه لمحبيه، لا ليروه ويمسكوه فحسب، وإنما لكي يتناولوه أيضًا، ويحتضنوه في كمال قلوبهم.
القديس يوحنا الذهبي الفم
v تعلم إذن كيف يليق بك أن تتناول جسد المسيح، أي في ذكرى طاعته حتى الموت، حتى أن الذين يعيشون لا يعيشون بعد لأنفسهم، وإنما لذاك الذي مات لأجلهم وقام.
القديس باسيليوس الكبير
خامسًا: يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن السيد المسيح أعلن عن خائنه بعد تقديم الكأس واشتراك الخائن فيه، مظهرًا بأنه قد قدم له كل إمكانية للتوبة لكنه لم يرد أن يتوب. الله يفتح أبواب الرجاء للجميع، لكنه لا يُلزم أحدًا على التوبة بغير إرادته.
إذ أعلن السيد المسيح أن واحدًا منهم سيسلمه بدأ الكل يتساءل، فمع معرفتهم بحبهم الشديد له، لكنهم كانوا يثقون في كلماته أكثر من ثقتهم في أنفسهم، لذا خشي كل واحد منهم لئلا يكون هو المقصود، إذ يعرف الكل أنهم ضعفاء ومعرضون للسقوط. ليتنا نتشبه بالإحدى عشر رسولاً، فنعرف ضعفنا، ولا نتكل على ذواتنا، بل على نعمة الله التي تحفظنا من السقوط.
5. مناقشة حول من هو الأعظم
بينما كان السيد المسيح بكونه كلمة الله المتجسد يعلن عن اشتياق قلبه وشهوة نفسه أن يقدم حياته فصحًا عن البشرية، طالبًا صداقتهم على مستوى أبدي، كان قادة اليهود يتآمرون لقتل المسيّا والخلاص منه، أما التلاميذ ففي ضعف بشري كانوا يتشاحنون فكريًا على المراكز الأولى في الملكوت الجديد، حاسبين إياه ملكوتًا زمنيًا ماديًا.
"وكانت بينهم أيضًا مشاجرة، من منهم يُظن أن يكون أكبر.
فقال لهم: ملوك الأمم يسودونهم، والمتسلطون عليهم يدعون محسنين.
وأما أنتم فليس هكذا، بل الكبير فيكم ليكن كالأصغر، والمتقدم كالخادم.
لأن من هو أكبر، الذي يتكئ أم الذي يخدم؟!
أليس الذي يتكئ؟! ولكني أنا بينكم كالذي يخدم.
أنتم الذين ثبتّوا معي في تجاربي.
وأنا أجعل لكم كما جعل لي أبي ملكوتًا.
لتأكلوا وتشربوا على مائدتي في ملكوتي،
وتجلسوا على كراسي تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر" [24-30].
أولاً: يقول القديس يوحنا الذهبي الفم أن السيد المسيح ينسب طلب المراكز الأولى للأمم. وكأن العلامة الأولى للانتساب للأمم هو "التشامخ" وطلب المجد الزمني، وعلى العكس علامة الانتساب لجسد المسيح هو "التواضع" والاشتياق لاحتلال المركز الأخير في وسط الكل، لكي بالتواضع المملوء حبًا يمكننا أن نحتضن الجميع. بمعنى آخر، إن كلمة الله في محبته للبشرية أخلى ذاته، محتلاً مركز العبد لكي يحمل في جسده العبيد ويرتفع بهم إلى البنوة للآب. بذات الروح اشتاق الرسول بولس أن يستعبد نفسه ليربح الكثيرين (1 كو 9: 19)، بمعنى أنه اشتهى أن يتمثل بسيده، فيكون له هذا الشرف أن يحسب نفسه عبدًا للجميع، لا عن يأسٍ أو تحطيمٍ نفسيٍ، إنما عن حب حقيقي لربح الكثيرين.
v ليت ذلك الذي هو رئيس لا ينتفخ بسبب عمله، لئلا يهوي من طوباوية التواضع، وإنما يليق به أن يعرف التواضع الحقيقي كخدمة للكثيرين... ليت الأعظم يكون كالأصغر.
v يليق بالذين يحتلون المراكز الرئيسية أن يكونوا مستعدين أن يقدموا حتى الخدمة الجسدية على مثال الرب الذي غسل أقدام تلاميذه. لذا قيل "(ليكن) المتقدم كالخادم".
القديس باسيليوس الكبير
v احفظ الإيمان والتواضع داخل نفسك، لأنك بهما تجد الرحمة والمعونة، وتسمع أقوالاً إلهية في قلبك، ويرافقك ملاكك الحارس في الظاهر وفي الخفاء.
v التواضع وِشاح الألوهة، لأن الكلمة المتجسد تسربله، وكلّمنا عنه من خلال أجسادنا، فكل من يلبسه يتشبه حقًا بذاك الذي انحدر من علوه، وغطى فضيلة عظمته بالتواضع، وستر مجده به كي لا تلتهب الخليقة بمنظره.
v المتواضع لا يبغضه أحد ولا يوبخه ولا يحتقره، لأن سيده يحبه. يحب الجميع والجميع يحبونه ويشتهونه في كل مكان، وحيثما وُجد ينظرون إليه كملاكٍ نوراني، ويقدمون له الإكرام.
v التواضع قوة خفية يحصل عليها القديسون الكاملون بعد تمام سيرتهم، ولا تعطي النعمة هذه القوة إلا للكاملين في الفضيلة.
مار إسحق السرياني
v لقد فتح التلاميذ طريقًا للضعف البشري، فكانوا يتنازعون فيما بينهم عمن يكون الأعظم والأكبر من الباقين... هذا الضعف أُثير فيهم وسُجل لأجل نفعنا، حتى أن ما حدث بين الرسل يكون علة لكي ننعم بالتواضع. إذ انتهر المسيح المرض، وكطبيبٍ ناجح ٍنزعه بوصية عميقة مملوءة غيرة...
v لنوقف هذا التعالي الفاقد للشعور والباطل، هذا الذي ينبع عن حب المجد الباطل أصل الكبرياء. فإن رغبة السيطرة على الآخرين، والنزاع لبلوغ هذا الأمر، يجعل الإنسان بالحق ملومًا، مع أنه لا يخلو تمامًا مما يستحق المديح. فإن السمو في الفضيلة يستحق التقدير (التكريم)، لكن الذين يريدون بلوغ هذا يلزمهم أن يكونوا متواضعي الفكر، لهم مشاعر متواضعة، لا يطلبون أن يكونوا الأولين وذلك خلال حبهم للإخوة. هذا ما يريده فينا الطوباوي بولس، إذ كتب: "مقدمين بعضكم بعضًا في الكرامة" (رو 12: 10). هذه المشاعر يتأهل لها القديسون وبها يتمجدون، إذ تجعل تقوانا نحو الله مكرمًا، وتمزق شبكة خبث إبليس وتحطم فخاخه المتعددة، وتخلصنا من حفرة الفساد، وتجعلنا كاملين في التشبه بالمسيح مخلص جميعنا. أنصت، كيف يضع نفسه أمامنا مثالاً للفكر المتواضع وللإرادة التي لا تطلب المجد الباطل، إذ يقول: "تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب" (مت 11: 29).
v في العبارة التي قُرأت حالا يقول: "لأنه من هو أكبر، الذي يتكئ أم الذي يخدم؟ أليس الذي يتكئ؟ "ولكني أنا بينكم كالذي يخدم". حينما ينطق المسيح بذلك من لا ينزع عنه حب المجد الباطل، ويطرد عن ذهنه محبة الكرامة الفارغة، ويبقى في عناده وتصلفه؟! لأن الذي تخدمه كل الخليقة العاقلة المقدسة، الذي يسبحه السيرافيم... المساوي مع الله الآب في عرشه وملكوته احتل مركز العبد وغسل أقدام الرسل. بمعنى آخر أخذ مركز العبودية خلال تدبير الجسد... الذي يُخدم صار خادمًا، رب المجد أصبح فقيرًا، تاركًا لنا مثلاً كما هو مكتوب (1 بط 2: 21).
ليتنا إذن نتجنب حب المجد الباطل، ونخلص من عار الرغبة في الرئاسة. بهذا نصير مثله، ذاك الذي أخلى ذاته لأجلنا.
القديس كيرلس الكبير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Emptyالجمعة يوليو 18, 2008 10:13 pm

ثانيًا: طلب العظمة الزمنية يسبب انشقاقًا بين الإخوة، أيا كان مركزهم، حتى وإن كانوا تلاميذ المسيح، وكأن هذا الاتجاه هو المحطم للجماعة المقدسة.
v إن كان التلاميذ قد تنازعوا، فهذا ليس عذرًا لك، وإنما هو تحذير. لنحذر لئلا يكون نزاعنا على المراكز الأولى هو هلاكنا.
القديس أمبروسيوس
ثالثًا: دعوة السيد المسيح لتلاميذه بعدم طلب المجد الباطل وحب الرئاسات ليس حرمانًا، وإنما هو توجيه نحو المجد الأبدي الذي نبلغه خلال الصليب. لهذا يؤكد لهم المراكز الكبرى التي ينالها الرسل بثبوتهم معه في تجاربه، أي حملهم صليبه كل يوم من أجل إيمانهم به وكرازتهم بإنجيله. يقول: "أنتم الذين ثبتوا معي في تجاربي، وأنا أجعل لكم كما جعل لي أبي ملكوتًا..." بمعنى آخر ليس فقط يدعوهم لترك المجد الباطل وإنما لحمل الصليب ومشاركة الرب آلامه ليشتركوا معه في أمجاده. وكما يقول الرسول بولس: "لأنه إن كنّا قد صرنا متحدين معه بشبه موته، نصير أيضًا بقيامته" (رو 6: 5).
رابعًا: إذ يتحدث هنا عن التمتع بالملكوت الأبدي، فلا يعني بالأكل والشرب والجلوس على الكراسي المعنى الحرفي، لأن ملكوت الله ليس أكلاً ولا شربًا (رو 14: 17)، إنما يعني حالة الشبع الأبدي والسلطان في الرب. وكما يقول القديس كيرلس الكبير أنه يصف الأمور الروحية خلال تشبيهات من الحياة الحاضرة، إذ يُحسب ذلك امتيازًا كبيرًا أن يجلس الناس مع الملوك على مائدتهم، ويشتركون معهم في طعامهم!
يقول القديس أمبروسيوس أن الرسل يدينون أسباط إسرائيل لا بجلوسهم على كراسي للقضاء بصورة مادية، وإنما يكونون علة تبكيت لهم خلال إيمانهم وفضائلهم، فينفضح جحود إسرائيل وإثمه.
6. تحذيره لبطرس
أعلن صديقنا قبوله الآلام واحتماله الصلب لتقديم حياته الفصحية لأجل خلاصنا، فقد قابل قادة اليهود الحب بالبغضة ومحاولة الخلاص منه، كما قابل تلميذه يهوذا هذه الصداقة بالخيانة في أبشع صورها، الآن إذ يعلن لتلاميذه: "أنتم الذين ثبتوا معي في تجاربي" [28]، يؤكد أن هذا الثبوت في حقيقته هو عطية إلهية أو نعمة مجانية بدونها كان يمكن أن يفنى إيمانهم. بمعنى آخر أن كان سقوط يهوذا إلى الحضيض هو ثمرة شره الشخصي بالرغم من تقديم كل فرصة له للتوبة، فإن ثبات الإحدى عشر رسولاً هو هبة من الله، لكنهم يقبلون هذه الهبة في كمال حريتهم. هذا ما أعلنه السيد في تحذيره لبطرس الرسول.
"وقال الرب: سمعان سمعان،
هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة.
ولكني طلبت من أجلك لكي لا يفنى إيمانك،
وأنت متى رجعت ثبت إخوتك.
فقال له: يا رب إني مستعد أن أمضي معك حتى إلى السجن وإلى الموت.
فقال: أقول لك يا بطرس لا يصيح الديك اليوم قبل أن تنكر ثلاث مرات أنك تعرفني" [31-35].
ويلاحظ في هذا الحوار الآتي:
أولاً: لعله اختار سمعان بطرس على وجه الخصوص، لأنه اتسم بالطموح والاندفاع، فربما كان أحد المنهمكين في الحديث عن "من هو الأكبر؟"، أو لأنه إذ سمع كلمات السيد: "أنتم الذين ثبتم في تجاربي" حسبَ نفسه أول الثابتين، فأراد الرب أن يكشف فيه ضعف الطبيعة البشرية بوجه عام، فيرى كل منا فيه ضعفه الشخصي. إن كان يهوذا يمثل "الخيانة" فإن بطرس يمثل "الضعف" الذي يحتاج إلى عونٍ إلهيٍ، فيقوم ليثبت ويثبت الآخرين معه خلال النعمة الفياضة التي ينالها.
v قيل هذا لبطرس لأنه كان أكثر جسارة من البقية، وربما يشعر بالكبرياء من أجل الوعود التي قدمها المسيح (أن يملكوا ويدينوا أسباط إسرائيل الإثني عشر).
الأب ثيؤفلاكتيوس
ثانيًا: في هذا الحديث أبرز السيد المسيح حقيقة المعركة الروحية من أجل ملكوت الله، فإن كان قلب الإنسان هو ميدانها، لكن المعركة في حقيقتها بين الله والشيطان. هنا نرى الشيطان وقد استولى على قلب يهوذا وملك فيه بالكامل، طمع أن يملك في قلوب الآخرين، وهو لا يقدر أن يقتحم حياتنا ويجربنا دون استئذان، إذ يقول السيد المسيح: "هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة" [31]. فإن كانت تجاربه أشبه بالغربلة التي تفرز الزوان لحسابه ولا تقدر أن تمس الحنطة، لكن حتى هذه الغربلة لا تتم بدون استئذان من الرب.
هنا تبرز حقائق روحية هامة، أن عدو الخير يبذل كل الجهد ليغربل ما استطاع كل البشر بتجاربه، لكنه وإن نال سماحًا من الله أن يغربل تبقى عناية الله على حنطته فلا تُمس بالتجارب بل تُفرز عن الحنطة وتتزكّى لكي تكلل؟ أقول إننا حنطة الله، موضع عنايته، لن يمسنا العدو الشرير مهما غربلنا. إلا إذا سمحنا لأنفسنا أن نتحول من حنطة الله إلى زوان إبليس.
أيها الحبيب حتى وإن كنت زوانًا، فأعلم أن الرب قد جاء ليحوّل زواننا إلى حنطة، فينتزعنا من مملكة إبليس لنكون مملكته.
حرب العدو متنوعة وبلا هوادة، وكما يقول القديس أوغريس للرهبان: أن العدو يحاربهم في النهار خلال من هم حولهم من البشر، أمّا في الليل فيقوم بمحاربتهم بنفسه مباشرة، إذ يقول: [في الليل تطلب الشياطين أن تغربل المعلم الروحي بأنفسهم، أما في النهار فتستخدم البشر ليحيطوه بأصناف المعاكسات والافتراءات والمخاطر.]
ثالثًا: استخدم القديس أغسطينوس كلمات السيد المسيح لبطرس الرسول: "ولكني طلبت لأجلك لكي لا يفنى إيمانك" للرد على أتباع بيلاجيوس الذين في دفاعهم الشديد عن الحرية الإنسانية كادوا أن ينكروا عمل النعمة الإلهية، حاسبين أن الإنسان قادر على الخلاص بإرادته وبجهاده الشخصي. هنا يؤكد القديس أغسطينوس أنه حتى الإيمان هو عطية الله، إذ يطلب الابن الوحيد الجنس من أجل رسوله كي لا يفنى إيمانه.
كان الرسول بطرس يظن في نفسه أنه قادر على مشاركة السيد المسيح كل آلامه حتى الموت، ففي غيرة بشرية لكن بقلب صادق قال: "يا رب إني مستعد أن أمضي معك حتى إلى السجن وإلى الموت" [33]، ولم يدرك أنه كان في حقيقته عاجزًا حتى عن الصلاة والسهر معه في البستان، ولا أن يقف أمام جارية في بيت رئيس الكهنة. لقد اعتمد بطرس على ذاته، ولم يدرك ضعفه الحقيقي... الأمر الذي يعرفه عنه سيده أكثر من معرفته هو لنفسه.
v ماذا طلب السيد من أجله إلا أن يبقى مثابرًا حتى النهاية؟! بالتأكيد لو كان الإنسان قادرًا على ذلك من نفسه لما طُلب ذلك من الله لأجله. لذلك عندما يقول الرسول: "أصلي إلى الله أنكم لا تعملون شيئًا رديًا" (2 كو 13: 7)، بلا شك يصلّي إلى الله لأجلهم من أجل المثابرة.
v بهذا لا نظن قط أن إيماننا يتوقف على حرية إرادتنا دون حاجة إلى عون إلهي.
v لقد عرف (السيد المسيح) بطرس على الدوام؛ عرفه حين كان بطرس لا يعرف نفسه. وذلك كما يحدث دومًا مع المرضى، فإن المريض لا يعرف ما يجري في داخله بينما يعرف الطبيب ذلك، حتى وإن كان الأول يتألم من المرض بينما الطبيب لا يتألم. يقدر الطبيب أن يخبرنا بما يدور في حياة الآخرين حسنًا، بينما لا يقدر المريض نفسه أن يخبر بما يدور في داخله.
v لا يعرف الإنسان ما في داخله، لكن خالق الإنسان يعرف ما بداخل الإنسان.
القديس أغسطينوس
v كان يعلمنا التواضع بكل وسيلة مؤكدًا أن الطبيعة البشرية بذاتها كلا شيء.
القديس يوحنا الذهبي الفم
v يعلمنا أنه يلزمنا أن نفكر بتواضع من جهة أنفسنا، إننا كلا شيء، وبحسب طبيعتنا البشرية واستعدادنا الفكري نسقط في الخطية، ولكن به وفيه فقط نتقوى، ونصير على ما نحن عليه. إن كنا نستعير منه خلاصنا، فنُحسب به فضلاء وأتقياء فأي مجال إذن لأفكار الكبرياء؟ كل ما لدينا هو من عنده، وليس شيء من عندنا. "أي شيء لك لم تأخذه؟! وإن كنت قد أخذت فلماذا تفتخر كأنك لم تأخذ؟!" (1 كو 4: 7)، هذا ما نطق به الحكيم بولس، كما يقول الطوباوي داود: "الله قوّتنا"؛ مرة أخرى يقول: "الله ملجأ لنا وقوتنا" (مز 46: 1). كما يقول النبي إرميا: "يا رب عِزّي وحِصني وملجأي في يوم الضيق" (إر 16: 19). وأيضًا الطوباوي بولس إذ يتقدم يقول: "أستطيع كل شيء في المسيح الذي يقويني" (فى 4: 13). نعم والمسيح نفسه يقول لنا: "بدوني لا تقدرون أنتفعلوا شيئًا" (يو 15: 5).
v يظهر المسيح أنه حتى ذاك الذي يبدو عظيمًا فهو كلا شيء وضعيف... إن كان الشيطان قد اعتاد أن يهاجم أناسًا ذوي سمو ممتاز غير عادي، فإنه يقيم معركة فريدة شرسة وبربرية ضد من لهم سمعة طيبة في الحياة التقوية.
القديس كيرلس الكبير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Emptyالجمعة يوليو 18, 2008 10:13 pm

رابعًا: لقد طلب السيد المسيح من الآب لأجل بطرس، وكما يقول القديس كيرلس الكبير، أنه يتواضع لأجلنا، فيتحدث السيد هنا كما في حدود الإنسان، فإن كان هو الله بطبيعته، حتى وإن كان قد صار جسدًا، وهو قوة الآب الذي به يُحفظ كل شيء، ومنه ننال قدرة العمل الصالح، لكنه إذ صار إنسانًا يطلب من الآب. [كان ضروريًا، نعم كان لائقًا بذاك الذي لأجل التدبير أن يصير إنسانًا مثلنا أن يمارس أيضًا أعمالنا عندما يستلزم الأمر ذلك.]
خامسًا: يرى القديس أغسطينوس إن طلبة السيد المسيح من أجل بطرس لم تقيد حرية إرادة بطرس، فإنه لا يلزمه بعدم السقوط. إنه يقدم العون الإلهي، ومن حق بطرس أن يقبل هذا العون أو يرفضه. في موضع آخر يؤكد ذات القديس أن الله يهتم بحرية الإنسان، وإلا كانت وصاياه بلا نفع، لكنه يحتاج إلى النعمة الإلهية لتسنده على تنفيذ الوصية.
سادسًا: يميز القديس باسيليوس الكبير بين سقوط المندفعين مثل القديس بطرس وسقوط الآخرين، قائلاً بأن الله يسمح للمندفعين (في الغيرة) بالسقوط أحيانًا كعلاج لهم من الاتكال على الذات، وغالبًا ما يتم ذلك خفية وعن ضعف الإنسان وليس عن جحود وإصرار، أما الآخرون، فيسقطون عن جحود وإصرار. لهذا فالأولون يحتاجون إلى عون إلهي مع رقة لإِقامتهم، أما الآخرون فغالبًا ما يحتاجون إلى توبيخ شديد وتأديب حتى يدركوا أن الله ديان، ويرتعبوا فيتوبوا.
سابعًا: يربط السيد المسيح التوبة أو الرجوع إليه بالعمل الإيجابي في خدمة النفوس، إذ يطالب السيد المسيح سمعان بطرس: "وأنت متى رجعت ثبت إخوتك". هذه التوصية الإلهية عاشها داود النبي في لحظات توبته، إذ كان يصرخ في مزمور التوبة، قائلاً: "فأُعلم الآثمة طرقك" (مز 50: 13).
يقول القديس كيرلس الكبير أن السيد المسيح وإن كان قد حذر من التجارب الشيطانية، لكنه قدم كلمة تعزية. بمعنى آخر، مسيحنا كصديقٍ حقيقيٍ وهو يحذرنا من الضعف، لكنه لا يقف عند الجانب السلبي بل يسندنا ويشجعنا لممارسة العمل الإيجابي بقوة، فلا نخف الحرب الشيطانية أو سلطان الخطية، إنما نؤمن بذاك الذي يسكن فينا ويعمل في داخلنا بسلطان للبناء الروحي.
أسلوب السيد المسيح في معاملاته معنا يدفعنا إلى "الرجاء الحيّ"، فمع التحذير يعطي قوة، ويدفعنا للعمل بلا تخوف أو تخاذل.
ثامنًا: إذ كان القديس بطرس بعد هذا الحديث لا يزال يظن أنه قادر على التبعية مع المسيح خلال غيرته البشرية، أكدّ له السيد أنه سينكره ثلاث مرات، وقد سبق لنا الحديث في هذا الأمر في تفسير مت 26: 34؛ مر 14: 30.
7. تحذير عام
إذ قدم السيد المسيح تحذيره للقديس بطرس الرسول مؤكدًا له أنه سينكره ثلاث مرات قبل أن يصيح الديك، معلنًا له أنه سيرجع عن هذا الضعف خلال عمل الله ونعمته، الآن يطلب من تلاميذه ككل أن يتسلحوا بسيفي الإيمان والجهاد الروحي، أي بالإيمان العامل بالمحبة.
"ثم قال لهم: حين أرسلتكم بلا كيس ولا مزود ولا أحذية
هل أعوزكم شيء؟ فقالوا: لا.
فقال لهم: لكن الآن من له كيس فليأخذه، ومزود كذلك،
ومن ليس له فليبع ثوبه ويشترِ سيفًا.
لأني أقول لكم أنه ينبغي أن يتم فيّ أيضًا هذا المكتوب:
وأُحصيَ مع آثمة،
لأن ما هو من جهتي له انقضاء.
فقالوا: يا رب هوذا هنا سيفان.
فقال لهم: يكفي" [35-38].
أولاً: في إرساله لهم لم يسألهم شيئًا سوى التخلي عن كل شيء حتى الضروريات ليكون هو سرّ شبعهم والمدبّر لحياتهم الخاصة وعملهم الكرازي، أما الآن وقد حان وقت الصليب وجّه أنظارهم للجهاد، لا ليحملوا سيفًا ويحاربوا به كما ظن التلاميذ، وإنما ليحملوا سيف الإيمان الحيّ العامل بالمحبة. لهذا عندما قالوا له أنه يوجد سيفان، قال لهم: يكفي. وقد حسبوه أنه يقصد السيفين الماديين.
يشبه القديس يوحنا الذهبي الفم تصرفِ المسيح هذا أشبه بمدرب السباحة الذي يضع يديه تحت جسم من يدربهم وهم في المياه فيشعروا براحة وثقة، ثم يسحب يديه قليلاً قليلاً فيجاهدوا ويتعلموا. هكذا في البداية لم يحثهم السيد عن الجهاد الروحي، إنما أرسلهم للكرازة محمولين على يديه لا يحتاجون إلى شيء، والآن يسألهم الجهاد الروحي بسيف الروح الحق، ليواجهوا الضيقات ويحتملوا الصلب معه بفرح ولا يتعثروا.
لم يتركهم السيد المسيح في عوزٍ إلى شيء، بل بفيض أشبع كل احتياجاتهم حين كان معهم بالجسد، والآن لمحبته أراد لهم أن يتركهم ليحمل هو الصليب، ويصيرون كما في عوز، لكي ينعموا بخبراتٍ جديدةٍ وسط العوز والألم. المحبة التي من خلالها عاشوا فترة من الزمن في راحة بلا عوز هي بعينها التي سمحت لهم أن يمارسوا الشركة معه في آلامه. لهذا السبب كما يقول القديس أنبا أنطونيوس الكبير في رسائله أن الله غالبًا ما يعطي للتائبين في بداية توبتهم تعزيات كثيرة ليرفعهم ويسندهم، لكنه يسمح فينزع هذه التعزيات إلى حين، لكي يجاهدوا وسط الآلام فيتزكون، وينالون تعزيات أعظم من الأولى.
ثانيًا: يرى القديس أمبروسيوس أن السيف الذي طلب السيد من تلاميذه أن يقتنوه هو "كلمة الله" التي تُحسب كسيفٍ ذي حدين.
v "ومن ليس له، فليبع ثوبه ويشترِ سيفًا" [36].
لماذا تأمرني يا رب بهذا الشراء، بينما تمنعني من الضرب (مت 26: 52)؟
لماذا تأمرني باقتناء ما تمنعني عن إخراجه من غمده، حتى ولو للدفاع عن النفس؟!
كان الرب قادرًا على الانتقام، لكنه فضل أن يُذبح! يوجد أيضًا السيف الروحي الذي يجعلك تبيع ميراثك لتشتري الكلمة التي تكتسي بها أعماق الروح.
يوجد أيضًا سيف الألم الذي به تخلع الجسد لتشتري بنفايات جسدك المذبوح إكليل الاستشهاد المقدس...
ربما يقصد بالسيفين العهد القديم والعهد الجديد، اللذين بهما نتسلح ضد مكائد إبليس (أف 6: 11)، لذا قال الرب "يكفي" حتى نفهم أن التعلم الوارد في العهدين ليس فيهما نقص.
القديس أمبروسيوس
هذا ويرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن هذين السيفين لم يكونا سوى سكينين كبيرين كانا مع بطرس ويوحنا، اُستخدمتا في إعداد الفصح (إن كان قد قُدم يوم خميس العهد).
ثالثًا: يلاحظ أن السيد المسيح يحدث التلاميذ عن الجهاد الروحي حالاً بعد مناقشتهم بخصوص أحاديثهم عمن يحتل المركز الأول، وكأنه يريد أن يوجههم إلى الجهاد عوض الانشغال بالكرامات الزمنية. كأنه يقول لهم أنه ليس وقت لطلب المجد، وإنما للصراع ضد عدو الخير، والجهاد لحساب الملكوت، وكما يقول القديس يوحنا كاسيان إننا الآن في وادي الدموع الذي يعبر بنا إلى الأمجاد الأبدية.
v بينما كانوا يتشاحنون فيما بينهم من يكون الأكبر، قال لهم: أنه ليس وقت الكرامات إنما هو وقت الخطر والذبح. انظروا، أنا سيدكم أُقاد للموت البشع، مُحتقرًا من العصاة!
الأب ثيؤفلاكتيوس
رابعًا: إذ حلّ وقت آلامه وصلبه، تحدث عن السيف لكي يهيئ أذهانهم لما سيحل به من أتعاب، فلا تكون مفاجئة لهم.
خامسًا: بلا شك وجود سيفين في أيدي أثنى عشر صيادًا لا يساويان شيئًا أمام جماهير اليهود وجنود الرومان القادمين للقبض عليه، خاصة إن كان السيفان مجرد سكينتين، حتى إن كانا سيفين حقيقيين فإن هؤلاء الصيادين بلا خبرة في استخدام السيوف، لهذا يرى البعض أن كلمة السيد المسيح "يكفي" إنما ترجمة للكلمة العبرية "دَييّر" التي كان معلمو اليهود يستخدمونها ليسكتوا بها جهالة بعض تلاميذهم. وكأن السيد المسيح أراد أن يسكت تلاميذه الذين انصرفت أفكارهم إلى السيف المادي لا سيف الروح.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Emptyالجمعة يوليو 18, 2008 10:14 pm

8. صلاته على جبل الزيتون
إذ أسس السيد المسيح سرّ الإفخارستيا، مقدمًا جسده ودمه المبذولين سرّ حياة لمؤمنيه قدم لتلاميذه حديثًا وداعيًا جاء في شيء من التفصيل في الإِنجيل بحسب معلمنا يوحنا (ص 14-16) وأيضًا صلاته الوداعية مع الآب (ص 18)، ثم انطلق مع تلاميذه إلى بستان جثسيماني بوادي قدرون، يبعد حوالي نصف ميل عن أورشليم.
في هذا البستان، الذي على ما يُظن أنه ملك القديس مرقس الرسول، كثيرًا ما اجتمع السيد المسيح مع تلاميذه (يو 18: 2)، لكن أحدًا من الإنجيليين لم يخبرنا عن تفاصيل هذه اللقاءات ولا ذكرياتها أو المواضيع التي دار الحديث عنها، إنما ركز الكل على الاجتماع الأخير الفريد قبيل القبض على السيد المسيح.
لقد سحب هذا البستان بأحداثه الأخيرة في ليلة الجمعة الكبيرة قلوب الكثير من آباء الكنيسة ليروا فيه مقدسًا إلهيًا، يتحقق فيه، لا عمل تاريخي فريد، وإنما عمل إلهي فائق للفكر البشري، إذ فيه التقى الابن بأبيه الذي لا ينفصل عنه، ليحمل كأس الألم، ويعلن قبوله الصليب ويمارسه بالحق، حانيًا رأسه وكتفيه ليرفع عنا ثقل خطايانا، فيردنا لا إلى جنة عدن بل إلى الفردوس السماوي.
دخل السيد المسيح البستان في هذه المرة الأخيرة كما إلى هيكله المقدس ليترك ثمانية من تلاميذه كما في الدار الخارجية، ويدخل بثلاثة إلى القدس، وأخيرًا ينطلق بمفرده ليجثو في قدس الأقداس كرئيس كهنة أعظم يقدم ذبيحة فريدة عن العالم، يقدم حياته مبذولة طاعة للآب وحبًا للبشرية.
وإنني أرجو في الرب أن أترك الحديث عن هذا البستان في هذه اللحظات العجيبة إلى دراستنا في إنجيل يوحنا إن أذن الرب وعشنا، مكتفيًا هنا بما ورد في إنجيل معلمنا لوقا البشير مع تقديم بعض التعليقات البسيطة:
أولاً: يقول الإنجيلي: "وخرج ومضى كالعادة إلى جبل الزيتون، وتبعه أيضًا تلاميذه، ولما صار إلى المكان قال لهم: صلوا لكي لا تدخلوا في تجربة" [39-40].
كلمة "جثسيماني" آرامية تعني "معصرة زيت". وكأن السيد قد دخل المعصرة بإرادته ليجتازها من أجلنا. حقًا لقد تبعه تلاميذه، لكن بقي ثمانية في موضع بعيد وثلاثة يقتربون إليه، إنما لا يجسر أحد، ولا يقدر أحد أن يحتمل لحظات قبول السيد الكأس من يدي الآب، وحمله صليبه كفارة عنا، إذ يقول: "قد دست المعصرة وحدي ومن الشعوب لم يكن معي أحد" (إش 63: 3).
نستطيع بنعمته أن ندخل معه وبه إلى جثسيماني، وندخل المعصرة، كل قدر قامته الروحية أما مع الثمانية تلاميذ أو الثلاثة، أما العمل الكفاري فمن اختصاص السيد وحده. نحن بالحب نصلب معه ونشاركه آلامه ونقبل الدفن معه لنقوم معه، لكن يبقى الصليب في جوهره كعمل مصالحة بين الآب والبشرية من اختصاص المسيّا وحده.
هذا والعجيب أن السيد المسيح إذ قدم سرّ الفصح الجديد أخذ تلاميذه إلى البستان، وهناك حذرهم: "صلّوا لكي لا تدخلوا في تجربة" فإن كان الفصح الجديد يعطي سلامًا داخليًا وبهجة قلب، لكنه يجعلنا بالأكثر في موضع عداوة بالنسبة لعدو الخير، فيبذل الشيطان كل طاقاته ليدخل بنا في تجربة ويحطم شركتنا مع الله وثبوتنا في المسيح يسوع ربنا. بمعنى آخر بعد التناول يريدنا السيد ألا ننام ونستكين، بل ننطلق معه إلى المعصرة لنسهر ونصلي، لكي ننال الغلبة والنصرة على هجمات العدو التي تتزايد ضدنا بتمتعنا بهذا السرّ.
ثانيًا: "وانفصل عنهم نحو رمية حجر وجثا على ركبتيه وصلّى" [41]. وكأنه قد ترك الثمانية عند مدخل البستان والثلاثة في داخله، لكنه انطلق بعيدًا عنهم نحو رمية حجر كمن يدخل قدس الأقداس، لكي بصليبه يمزق الحجاب الحاجز، ويفتح الأبواب الدهرية لمؤمنيه.
لماذا جثا على ركبتيه وصلّى؟ أولا، ليؤكد لنا ناسوتيته، فقد صار إنسانًا بحقٍ، وليس كما ادعى بعض الغنوسيين أنه حمل جسدًا خياليًا غير مادي. لقد شاركنا ناسوتيتنا، ودخل معنا في بوتقة الألم ليس مثلنا بسبب خطية ارتكبها، وإنما من أجل حبه لنا. كان متألما، لكنه في آلامه كان فريدًا، لأنه بلا خطية وحده. من هذا الجانب ومن جانب آخر أراد أن يعلمنا عمليًا ألا نكف عن الصلاة، خاصة وقت الضيق.
أما انفصاله "نحو رمية حجر" فكما يقول القديس أغسطينوس أن "الحجر" هنا يذكرنا بالشريعة الموسوية التي نُقشت على حجر، فقد انفصل بهذا المقدار ليعلن أن غاية الشريعة هي السير نحو المسيح الذي ليس ببعيدٍ عنهم، لكن كان يمكنهم خلال ما ورد في الناموس أن يتعرفوا عليه ويقبلوه في حياتهم.
هذا ويرى القديس غريغوريوس أسقف نيصص أن السيد جثا على ركبتيه وصلى بمفرده دون التلاميذ، لأنه لم يكن ممكنًا لهم أن يشاركوه هذه اللحظات التي حمل فيها ضعفنا، وشفع عنّا بدمه لدي الآب. وكأن عمله هذا كان فريدًا في نوعه.
ثالثًا: "وصلى قائلاً: يا أبتاه إن شئت أن تجيز عني هذه الكأس، ولكن لتكن لا إرادتي بل إرادتك" [42]. سبق لنا ترجمة مقال للقديس يوحنا الذهبي الفم ونشره في كتاب "الحب الإلهي" يفسر هذه الصلاة، لذا أكتفي هنا بتعليقات خفيفة لبعض الآباء في هذا الأمر:
أ. يرى بعض الآباء أن تعبير "تجيز" أو "تعبر عني"، لا تعني امتناع السيد عن قبول الكأس، إنما يعلن أن كأس الألم تجتاز به أو تعبر دون أن يكون لها سلطان عليه. هكذا يليق بنا أن نطلب من الله أنه وإن سمح لنا بكأس الآلام، لكننا نطلب ألا يحطمنا الألم، ولا يحني نفوسنا بالضيق والتبرم، إنما يجتاز الألم كأمرٍ عابرٍ مؤقت يزكينا ويكلننا!
v العبارة "لتعبر هذه الكأس" لا تعني أنها لا تقترب منه، فإنه ما كان يمكن للكأس أن تعبر به أو تجتازه ما لم تقترب منه أولاً... فإنها إن لم تصل إليه لا تعبر عنه.
القديس ديونسيوس السكندري
ب. يرى القديس أمبروسيوس أن ما حدث يؤكد أن السيد المسيح حمل جسدًا حقيقيًا، وأنه جاء نيابة عن البشرية يحقق إرادة الآب.
جوهر هذه الصلاة هو تصحيح السيد المسيح لوضعنا، فعوض العصيان الذي مارسه آدم الأول ويعيشه البشر، جاء آدم الثاني، نائبنا ليصحح موقفنا بتسليم الإرادة للآب، مع أن إرادته واحدة مع أبيه. وكما يقول القديس ديونسيوس السكندري: [إذ صار إنسانًا حمل ما هو للإنسان... وها هو يسأل الأمور الخاصة بالآب (إرادة الآب) مع أنه من جهة لاهوته إرادته واحدة مع الآب... بالتأكيد لم يطلب المخلص ما هو مستحيل ولا ما هو ليس بعملي، ولا ما هو مخالف لإرادة الآب.] ويقول القديس أمبروسيوس: [لا توجد إرادة للآب تختلف عن إرادة الابن، بل لهما مشيئة واحدة، لاهوت واحد، ومع ذلك تعلم الخضوع لله.] ويقول القديس أغسطينوس: [أنه قادر أن يحضر جيوش من الملائكة ليهلك أعداءه، لكنه كان يجب أن يشرب الكأس التي يريد الآب أن يقدمها له. بهذا يقدم نفسه مثالاً لشرب هذه الكأس، مسلمًا إياها لتابعيه معلنًا نعمة الصبر بالكلمات كما بالعمل.]
يشجعنا القديس يوحنا الذهبي الفم على الإقتداء بالسيد المسيح، قائلاً: [إن سقطت في خوفٍ، فانطق بما قاله هو.]
رابعًا: "وظهر له ملاك من السماء يقويه" [43]. لم يكن السيد المسيح محتاجًا إلى ملاك يقويه، لكنه كممثل للبشرية حمل صورة ضعفنا، فقبل حضرة ملاك من السماء يخدمه. ما حدث للسيد كان لحسابنا نحن الذين نحتاج إلى الملائكة الذين يخدمون "العتيدين أن يرثوا الخلاص" (عب 1: 14).
v لكي يظهر لنا قوة الصلاة فنمارسها أثناء صراعنا، ظهر ملاك لربنا ليقويه.
الأب ثيؤفلاكتيوس
يرى البعض أن ملاكًا ظهر ليمجده، قائلاً له: "لك القوة يا رب، فإنك قادر أن تغلب الموت وتخلص البشرية الضعيفة. هذا ما قاله الأب ثيؤفلاكتيوس، ولعله لهذا السبب جعلت الكنيسة تسبحتها طوال أسبوع الآلام تحمل ذات الروح، إذ تردد: "لك القوة والمجد والبركة والعز إلى الأبد، آمين..."
خامسًا: "وإذ كان في جهاد كان يصلّي بأشد لجاجة، وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض، ثم قام من الصلاة، وجاء إلى تلاميذه، فوجدهم نيامًا من الحزن فقال لهم: لماذا أنتم نيام؟ قوموا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة" [44-46]. هذا وصف يسجله لوقا البشير بلغة الطب: "كان في جهاد"، فقد دخل السيد المسيح في صراع حقيقي حتى صار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض. لقد صار هابيل الجديد الذي تتقبل الأرض دمه، لكن الأول تقبلته كثمرة حسد وحقد في قلب قايين أخيه، أما الثاني فتتقبله ثمرة حب حقيقي نحو البشرية كلها. دم هابيل يطلب النقمة من قاتله، أما دم السيد المسيح فيطلب النعمة لكل مؤمن به.
كان المعلم يصارع بحق، وكان التلاميذ في عجز غير قادرين حتى على مقاومة النوم، لذا جاء السيد يعاتبهم ويوصيهم بالسهر مع الصلاة حتى لا يدخلوا في تجربة.
v لقد حمل في نفسه آلامي، لكي يمنحني فرحه!
بثقة اذكر حزنه، إذ أكرز بصليبه،
كان يلزم أن يحمل الأحزان لكي يغلب...
لقد أراد لنا أن نتعلم كيف نغلب الموت، بالأكثر نحطم الموت القادم (الأبدي).
لقد تألمت أيها الرب لا بآلامك، وإنما بآلامي، إذ جُرح لأجل معاصينا...
ليس بعيدًا عن الحق أنه قد تألم من أجل مضطهديه، إذ يعرف أنهم يعانون العقوبة من أجل تدنيسهم للمقدسات.
القديس أمبروسيوس
v كان العرق يتصبب كالدم وربنا يصلي، ممثلاً الاستشهاد الذي يحل بكل جسده، أي الكنيسة.
القديس أغسطينوس
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Emptyالجمعة يوليو 18, 2008 10:14 pm

v فاضت قطرات العرق منه بطريقة عجيبة كقطرات دم، كما لو أنه استنزف دمه، مفرغًا ينبوع الخوف اللائق بطبيعتنا.
v (لئلا تدخلوا في تجربة)
من يثبت في التجربة ويحتملها، فمثل هذا وإن كان بالحقيقة يُجرب لكنه لا يدخل في تجربة، ولا يسقط تحتها. هكذا اقتاد الروح يسوع لا ليدخل في تجربةk وإنما لكي يجربه الشيطان (مت 4: 1). وإبراهيم أيضًا لم يدخل في تجربة، ولا قادة الله في تجربة إنما جربه (امتحنه) دون أن يسحبه في التجربة (أي تحتها)...
الشيطان يسحبنا بالقوة لكي يهلكنا، لكن الله يقودنا بيده ليدربنا على خلاصنا.
القديس ديونيسيوس السكندري
9. تسليمه
"وبينما هو يتكلم إذا جمع
والذي يُدعى يهوذا واحد من الإثنى عشر يتقدمهم،
فدنا من يسوع ليقبله.
فقال له يسوع: يا يهوذا، أبقبلة تسلم ابن الإنسان؟
فلما رأى الذين حوله ما يكون، قالوا يا رب، أنضرب بالسيف؟
وضرب واحد منهم عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه اليمنى.
فأجاب يسوع وقال: دعوا إلىّ هذا، ولمس أذنه وأبرأها" [47-51].
أولاً: جاء الجمع يضم رؤساء الكهنة وقواد جنود الهيكل ومعهم بعض جند الرومان والشيوخ (يو 18: 12) تحت قيادة يهوذا. حمل قادة اليهود سلاح الكراهية والبغضة في قلوبهم، وأمسك الجند بالسيوف والعصي، أما يهوذا فتقدم بقبلة من شفتيه كانت أكثر مرارة من كل الأسلحة، قبلة غاشة من تلميذ نحو معلمه! كان يهوذا بشعًا في خطئه، فمن جانب قدم القبلة علامة الحب والولاء علامة للتسليم، قدمها في عيد الفصح حيث كان يليق به أن يكون ورعًا وتقيًا يخشى حرمة أعظم عيد يهودي، قدمها في البستان وهو يعلم أنه موضع الصلاة بالنسبة لمعلمه. انتهك التلميذ كل المقدسات، انتهك حرمة التلمذة، وحرمة العيد، وحرمة الصلاة، وبلا ثمن، إذ طلب منهم ثمن عبد!
يقول داود النبي على لسان السيد المسيح الذي خانه تلميذه: "لأنه ليس عدو يعيرني فأحتمل، ليسمبغضي تعظّم علىّ فأختبئ منه، بل أنت إنسان عديلي، ألفي وصديقي الذي معه كانت تحلو لنا العشرة" (مز 55: 12-14).
v لم يكف يهوذا عن خيانته مع أن المسيح حذره بكل وسيلة (إذ قال له في اللحظات الأخيرة: يا يهوذا أبقبلة تسلم ابن الإنسان؟)
القديس يوحنا الذهبي الفم
v لم يقل له: "أيها الفظ"، مع أنه هو خائن فظ حقًا، هل هذا هو ما تقدمه مقابل اللطف العظيم؟ إنما في بساطة قال: "يا يهوذا"، مستخدمًا الاسم اللائق واللقب اللطيف، إذ لا ينطق بغضب، إنما يريده أن يراجع نفسه.
لم يقل له: "تسلم سيدك أو ربك أو من له الفضل عليك"، إنما في بساطة قال "تسلم ابن الإنسان"، أي تسلم ذاك اللطيف الوديع. كأنه يقول له: افترض إنني لست سيدك ولا ربك ولا من له الفضل عليك، أتسلم شخصًا بريئًا ولطيفا معك، فتقبله في ساعة خيانتك له، وتجعل من القبلة علامة الخيانة؟
مبارك أنت يا رب! يا لك من مثال عظيم في احتمال الشر، أظهرته لنا في شخصك! يا لعظم مثال تواضعك! لقد أعطانا الرب هذا المثال مظهرًا لنا أنه يجب ألا نكف عن تقديم المشورة الصالحة لإخوتنا، حتى وإن بدت كلماتنا بلا نفع نهائيًا.
القديس يوحنا الذهبي الفم
v يليق بنا ألا نكف عن نصح إخوتنا حتى وإن بدت نصائحنا بلا ثمر، فإن مجاري المياه تفيض حتى وإن لم يشرب منها أحد؛ ومن لا يسمع اليوم ربما يتعظ غدًا. الصياد قد تبقى شباكه فارغة طول اليوم، وفي اللحظات الأخيرة يصطاد سمكة. هكذا ربنا مع معرفته أن يهوذا لا يرجع لكنه لم يكف عن تقديم نصائح له.
القديس يوحنا الذهبي الفم
ثانيًا: "القبلة" علامة الحب والصداقة والشوق، استخدمها يهوذا لتسليم سيده، فصارت بالنسبة له علامة الخيانة والجحود. لهذا يوصينا الآباء ألا نحمل في سلوكنا علامات لطيفة ورقيقة تخفي قلبًا قاسيًا وعنيفًا، إنما ليحمل الخارج انعكاسًا حقيقيًا للأعماق الداخلية... من أمثلة ذلك الصمت الظاهري كعلامة للصفح أو الاحتمال بينما الأعماق تغلي كراهية، أو الصمت الخارجي لا رغبة في اللطف وإنما كنوع من الإِغاظة...
v باطلاً نلجم ألسنتنا، إن كان صمتنا يقوم بنفس الدور الذي يقوم به الصراخ.
الأب يوسف
ثالثًا: إذ رأى التلاميذ هذا الهياج العام ضد سيدهم البريء، قالوا في غيرة بشرية خاطئة: "يا رب أنضرب بالسيف؟" [48]. كان ذلك على لسان بطرس، فجاءت الإِجابة واضحة وصريحة: "ردّ سيفك إلى مكانه، لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون، أتظن إني لا أستطيع الآن أن أطلب إلى أبي فيقدم لي أكثر من أثنى عشر جيشًا، فكيف تكمل الكتب أنه هكذا ينبغي أن يكون؟!" (مت 26: 53-54)، "الكأس التي أعطاني الآب ألاأشربها؟!" (يو 18: 11).
رابعًا: لم ينتظر بطرس إجابة السيد حين سأله: "يا رب أنضرب بالسيف؟" وربما لم يسمع الإِجابة إذ كان قد أُمتص كل فكره بالمنظر المثير، أو لعله كان لم يستيقظ تمامًا. فضرب "ملخس" عبد رئيس الكهنة وقطع أذنه اليمنى.
خامسًا: السيد المسيح بطبيعته صالح ولطيف، لا يكف عن عمل الخير حتى في لحظات الضيق. بينما كان المضطهدون يظهرون كل كراهية وبغضة اهتم السيد المسيح أن يشفي جراحات هذا العبد القادم بثورة ليقتله. يعلق القديس أغسطينوس على شفاء أذن هذا العبد "ملخس"، قائلاً: ["ملخس" تعني "الذي يعين ليملك". إذن، ماذا تعني الأذن التي قُطعت من أجل الرب وقام الرب بإبرائها، إلا تجديد السمع الذي يُقطع عنه، قدمه لكي يصير في جدة الرب لا في قدم الحرف؟ من يستطيع أن يشك في أن هذا الذي يتمتع بهذا الأمر بالمسيح يُعاق لكي يملك معه؟!]
لماذا قطعت الأذن اليمنى للعبد، وقام الرب بشفائها؟ يشير العبد للأمة اليهودية التي كانت في مركز العبودية، لم تنعم بعد بالبنوة لله. هذه الأمة أُعطيت لها الأذن اليمنى لكي تسمع الصوت الإلهي الروحي خلال الناموس، لأنه إن كانت الأذن اليسرى تعني السماع المادي، فاليمنى تعني الروحي. كان يلزمهم أن ينصتوا للناموس روحيًا بختان القلب والأذن، لكن بقسوة قلوبهم فسدت آذانهم إذ كانت غرلة غير مختونة روحيًا. لقد سمح السيد بقطع الغرلة لكي يموت السمع الحرفي، وتختن الأذن الداخلية فتسمع صوت الرب.
سادسًا: كما اهتم السيد المسيح بمحبته أن يعاتب يهوذا في اللحظات الأخيرة قبيل تسليمه لعله يرجع ويتوب، دون أن يجرح مشاعره بكلمة قاسية أو عنيفة، اهتم أيضًا بتلميذه بطرس فسأله ألا يضرب بسيفٍ ماديٍ، كما اهتم أيضًا بملخس عبد رئيس الكهنة فشفى أذنه اليمنى كي يسمع الصوت الإلهي. الآن يعلن أيضًا اهتمامه بالثائرين ضده، معاتبًا إيّاهم لأجل خلاصهم، إذ يقول الإنجيلي: "ثم قال يسوع لرؤساء الكهنة وقواد جند الهيكل والشيوخ المقبلين عليه: كأنه على لص خرجتم بسيوف وعصى. إذ كنت معكم كل يوم في الهيكل لم تمدوا عليّ الأيادي، ولكن هذه ساعتكم وسلطان الظلمة" [52-53].
إنه يعاتبهم لأنهم جاءوا إليه ليلاً... ليمارسوا أعمال الظلمة والشر، منقادين بإبليس "سلطان الظلمة"، مع أنه كان يليق بهم أن يكونوا أبناء النور وأبناء النهار يلتقون به في الهيكل ليتمتعوا بأشعة برِّه واشراقات محبته. لقد دعي هذا العمل "ساعة"، لأن أعمال الظلمة مهما امتدت فهي إلى حين وتنتهي. سُمح لهم أن يمارسوا أعمال الظلمة لكن إلى حين!
[راجع أقوال الآباء خاصة القديسين كيرلس الكبير وأمبروسيوس في تفسيرنا مت 26: 47 الخ؛ مر 14: 43 الخ.
10. محاكمته دينيًا في بيت رئيس الكهنة
سبق لنا عرض أقوال الآباء في محاكمة السيد المسيح الدينية أثناء تفسير مت 26: 57 الخ؛ مر 14: 66) الخ.
لقد أُقتيد أولاً إلى حنان حما قيافا رئيس الكهنة، ومن هناك اُقتيد إلى قيافا، ليمزق رئيس الكهنة ثيابه فيتنبأ وهو لا يدري تمزيق الكهنوت اللاوي وإبطاله (مت 26: 63). هناك وُجه إليه اتهامان أنه قال بأنه ينقض الهيكل وفي ثلاثة أيام يبني آخر غير مصنوع بأيدٍ، والثاني إنه مجدف. كان لابد أن يحاكم أمام خاصته ليرفضوه، فيُفتح باب الخلاص للأمم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا - صفحة 5 Emptyالجمعة يوليو 18, 2008 10:14 pm

11. إنكار بطرس له
سبق لنا الحديث عن إنكار بطرس (مت 26: 57 الخ؛ مر 14: 48 الخ)، حيث رأينا أن بطرس "تبعه من بعيد" [54]، بهذا أنكر، ولما اقترب منه لم ينكر. إذ جلس بطرس يستدفئ بالنار بين العبيد والجواري فقد حرارة الروح الداخلي. وأخيرًا تاب وندم إذ "التفت الرب ونظر إلى بطرس" [68]. بمعنى آخر يليق بنا لكي لا ننكر الرب أن نقترب منه ولا نتبعه من بعيد. وأن نطلب حرارة الروح الداخلي لا دفئ العالم الكاذب. وأن نطلب من الرب أن يلتفت إلينا بعين رحمته وينظر، فيلهب قلبنا بالتوبة ويهب عيوننا دموعًا صادقة مقبولة لدى الله.
v كانت هذه التجربة بحق درسًا لخلاصنا، فنتعلم أننا إذا استهنا بضعف جسدنا نُجرب. إن كان بطرس قد جُرب فمن منا يمكنه أن ينتفخ؟... لقد أخبرنا عن بطرس الذي جُرب لكي نتعلم منه كيف نقاوم التجارب، وإننا وإن كنا نجرب لكن يمكننا أن نغلب شوكة التجارب بدموع الصبر.
القديس أمبروسيوس
ماذا يعني "فالتفت الرب ونظر إلى بطرس" [61]، سوى أنه قد أعاد إليه الوجه الذي حوله عنه منذ قليل؟! لقد صار مضطربًا لكنه تعلم ألا يثق في ذاته فكان هذا نافعًا له.
v لا يمكن أن يقال أنه التفت إليه (تحوّل إليه) ونظره بعينيه الجسديتين... بل تحقق هذا داخليًا؛ تمّ في الذهن، في عمل الإرادة. اقتربت إليه مراحم المسيح بصمت وسريةَ، ولمست قلبه، وذكرّته بالماضي. افتقد الرب بطرس بنعمته الداخلية، وأثار فيه دموع مشاعر الإنسان الداخلي عاملاً فيه.
أنظر بأية وسيلة الله حاضر بمعونته ليعمل في إرادتنا وأعمالنا، انظر كيف يعمل فينا أن نريد وأن نعمل!
القديس أغسطينوس
v كان في عوز إلى أن يذّكره سيده، فكانت نظرته إليه عوض الصوت، فامتلأ خوفًا متزايدًا.
القديس يوحنا الذهبي الفم
v مراحم الله ضرورية ليس فقط عندما يتوب الإنسان وإنما لكي تقتاده للتوبة... قبل أن يبكي بطرس بمرارة يخبرنا الإنجيلي أن الرب التفت ونظر إليه.
القديس أغسطينوس
يمكننا أيضًا أن نقول بأن بطرس الرسول إذ حدد نظرته إلى ما هو حوله، ومن هم حوله ارتجف أمام كلمات جارية وانهار، لكنه إذ نظر إلى الرب رآه يتحول إلية ليضمه بالحب فندم وتاب!
v بكى بطرس، بكى لأنه أخطأ، بكى لأنه ضلّ كإنسان، بكى دون أن يعتذر، لأن الدموع تغسل ما تخجل أن ننطق به بأفواهنا...
الدموع تعترف بالجرم دون أن تؤذي الحياء.
الدموع لا تسأل الغفران لكنها تناله.
القديس أمبروسيوس
12. جلده والاستهزاء به
"والرجال الذين كانوا ضابطين يسوع كانوا يستهزئون به وهم يجلدونه.
وغطّوه وكانوا يضربون وجهه ويسألونه، قائلين:
تنبأ، من هو الذي ضربك؟
وأشياء أخر كثيرة كانوا يقولون عليه مجدّفين" [63-65].
v احتمل يسوع، رب السماء والأرض سخرية الأشرار مقدمًا لنا نفسه مثالاً للصبر.
القديس يوحنا الذهبي الفم
13. محاكمته في المجمع
"ولما كان النهار اجتمعت مشيخة الشعب رؤساء الكهنة والكتبة،
وأصعدوه إلى مجمعهم.
قائلين: إن كنت أنت المسيح فقل لنا.
فقال لهم: إن قلت لكم لا تصدقون.
وإن سألت لا تجيبونني ولا تطلقونني.
منذ الآن يكون ابن الإنسان جالسًا عن يمين قوة الله.
فقال الجميع: أفأنت ابن الله؟
فقال لهم: أنتم تقولون إني أنا هو.
فقالوا: ما حاجتنا بعد إلى شهادة؟!
لأننا نحن سمعنا من فمه" [66-71].
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 5 من اصل 6انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3, 4, 5, 6  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشهيد العظيم مارجرجس :: المنتديات الكتابية :: الكتاب المقدس-
انتقل الى: