منتدى الشهيد العظيم مارجرجس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى الشهيد العظيم مارجرجس


 
البوابةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
انتقل الى الصفحة : 1, 2, 3, 4, 5, 6  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Empty
مُساهمةموضوع: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:03 pm

إنجيل لوقا
لوقا البشير
v كلمة "لوقا" غالبًا اختصار للكلمة اللاتينية "لوقانوسLucanus " أو "لوكيوس" وتعني "حامل النور"، أو "المستنير". غير أنه يجب التمييز بين لوقا الإنجيلي ولوكيوس المذكور في (أع 13: 1)، وأيضًا لوكيوس المذكور في (رو 6: 21).
v هو الوحيد بين كتَّاب العهد الجديد الذي كان أمميًا ولم يكن يهوديًا بل، غالبًا من إنطاكية سوريًا؛ قَبِل الإيمان المسيحي دون أن يتهوّد. ويعلّل الدارسون ذلك بأن الرسول بولس حين أشار إليه في رسالته إلى كولوسى (كو 4: 14). لم يضمُّه إلى من هم من أهل الختان (4: 10-11) مثل أرسترخس ومرقس ابن أخت برنابا ويسوع المدعو يسطس .
v رأى البعض أنه كان أحد السبعين رسولاً، بل وأحد التلميذين اللذين ظهر لهما السيد بعد قيامته في طريقهما إلى عمواس (لو 24: 12)، وأن الرسول لم يذكر اسمه بروح التواضع؛ غير أن الرأي الغالب بين الدارسين المحدثين أنه لم يكن من الرسل، بل قَبِل الإيمان على يديّ الرسول بولس، مدلّلين على ذلك أولاً بافتقار السند التاريخي، وثانيًا لأن هذا الفكر يبدو متعارضًا مع مقدمة الإنجيل، إذ يقول الكاتب عن الأمور المختصة بالسيد المسيح: "كما سلّمها إلينا الذين كانوا من البدء معاينين وخدامًا للكلمة" (لو 1: 2)، وكأن الكاتب لم ينظر السيد المسيح بل سجّل ما تسلمه خلال التقليد بتدقيقٍ شديدٍ وتحقق من الذين عاينوا بأنفسهم. ولعلّه لهذا السبب يُعلق أحد الدارسين على هذا الإنجيل بقوله: "إنه عمل وليد إيمان الجماعة، قام على التقليد، وليس عملاً فرديًا".
v كان القديس لوقا طبيبًا (كو 4: 14)، ورسّامًا، جاء في التقليد أنه رسم أيقونة السيدة العذراء.
v ارتبط القديس لوقا بالقديس بولس رسول الأمم بصداقة قوية، ففي سفر الأعمال أقلع الإنجيلي لوقا مع الرسول بولس من تراوس إلى ساموتراكي ثم إلى نيابوليس، ومن هناك إلى فيلبي (أع 16: 10-39 الرحلة التبشيرية الثانية). مرة أخرى في رحلة الرسول بولس التبشيرية الثالثة عند رجوعه تبعه الإنجيلي لوقا من فيلبى إلى أورشليم (أع 20: 5-21: 18). كما نراه مرافقًا له في روما عند الأسر (28: 30). وكان معه في لحظاته الأخيرة، إذ يقول في رسالته الوداعية: "لوقا وحده معي" (2 تي 4: 11).
v هكذا ارتبط الاثنان معًا، فسجل لنا الإنجيلي لوقا الكثير من عمل الله الكرازي خلال الرسول بولس في سفر الأعمال؛ ودعاه الرسول بولس: "الطبيب الحبيب" (كو 4: 14)، كما دعاه بالعامل معه (فل 24).
v قيل أنه عاش بتولاً، عمل في أخائية (باليونان)، استشهد في الرابعة والثمانين من عمره وأن الإمبراطور قسطنطينوس الثاني نقل رفاته إلي القسطنطينية عام 357م، وفي عام 1177م نقلت إلى Padau بإيطاليا.
نسبة السفْر إليه
1. جاءت شهادة الكنيسة في القرون الأولى واضحة أن الكاتب هو لوقا البشير، كاتب سفر الأعمال ورفيق الرسول بولس، كما يظهر من كتابات الآباء يوستين الشهيد وإيريناؤس وأوريجينوس وترتليان.
2. بجانب هذه الأدلة الخارجية، السفر نفسه يحمل دلائل علي أن كاتبه هو معلمنا لوقا. فمنها أن هذا السفر موجّه إلى "ثيؤفيلس" نفس الشخص الذي وُجّه إليه سفر أعمال الرسل، بل وجاءت مقدمة سفر الأعمال تكمل خاتمة إنجيل لوقا، فالكاتب واحد. والسفران متشابهان في اللغة والأسلوب والأفكار. هذا والتعبيرات الدقيقة التي استخدمها في وصف الأمراض التي شفاها السيد المسيح تدل على أن الكاتب طبيب، فكطبيب احترامًا منه لمهنة الطب لم يقل ما ذكره مرقس الرسول عن نازفة الدم: "قد تألمت كثيرًا من أطباء كثيرين وأنفقت كل ما عندها، ولم تنتفع شيئًا، بل صارت إلى حال أردأ" (مر 5: 26)، إنما اكتفى بالقول: "قد أنفقت كل معيشتها للأطباء، ولم تقدر أن تُشفي من أحد" (لو 8: 43).
تاريخ كتابته
لا يوجد تقليد ثابت بخصوص تاريخ كتابته أو مكان كتابه، فالقديس إيريناؤس يرى أنه كُتب قبل استشهاد القديس بولس، بينما القديس جيروم معتمدًا على المؤرخ يوسابيوس القيصري يراه كتب بعد استشهاد الرسول بولس.
لما كان هذا الإنجيل قد كُتب قبل سفر الأعمال، و كُتب الأعمال قبل استشهاد الرسول بولس حتى أنه لم يشر إلى هذا الحدث، لهذا اعتقد كثير من الدرسين أنه كتب ما بين عام 63 و67م. كتبه غالبًا في روما، وإن كان قد رأى البعض أنه كُتب في أخائية أو في الإسكندرية.
غايته
إن كان معلمنا متى البشير كيهودي كتب لليهود ليعلن أن يسوع هو المسّيا الملك، الذي طالما ترقّب الآباء والأنبياء مجيئه، ليكون لهم نصيب في ملكوته الروحي الأبدي، فإن مار مرقس كتب للرومان ليُعلن أن يسوع هذا هو الخادم العامل، لا بروح السلطة الزمنية والتشامخ والعنف، بل بروح البذل، فيخلص بأعمال محبته لا بجيوش وقوات زمنية. أما معلمنا لوقا البشير فكأممى طبيب مثقف أراد أن يخدم أصحاب الفكرالهيليني، فكتب لليونان عن السيد المسيح بكونه "صديق البشرية كلها"، يقدم لها أعماله الإلهية الخلاصية، لتحقيق ما عجزت عنه الفلسفة اليونانية والحكمة البشرية.
لهذا يُدعى هذا الإنجيل: "إنجيل الصداقة الإلهية" أو "إنجيل المسيح المخلص". كما دُعي بالإنجيل المسكوني بكونه يمثّل دعوة للبشرية كلها لتقبل نداء صديقها السماوي، لتتجاوب مع عمله الخلاصي خلال الحب. هذه الغاية سنراها واضحة خلال حديثنا عن سمات هذا السفر.
كتب القديس لوقا هذا الإنجيل لصديقه العزيز ثاؤفيلس (1: 3). لقَب "العزيز" وهو لقب شرف، لهذا جاء الرأي الغالب أنه أحد أشراف الإسكندرية، من أصل إنطاكي كلوقا البشير نفسه، فكتب إليه كأممى مثله، لا لينتفع منه وحده، وإنما كما قال العلامة أوريجينوس لينتفع به المنتصرون من الأمم بوجه عام.
لقد ظن البعض أن لوقا هذا كان عبدًا لسيده ثاؤفيلس الأممي، وإذ عالجه كطبيب وشُفي كافأه بالعتق من العبودية، فبعث إليه الطبيب لوقا هذا الإنجيل علامة امتنانه وشكره. وآخرون قالوا أن كلمة "ثاؤفيلس" وهي تعني "المحب لله" إنما هو اسم استنكاري لأحد أشراف الإسكندرية لم يفصح عنه الإنجيلي حتى لا يتعرض لمتاعب بسبب مسيحيته. على أي الأحوال، فإن هذا السفر موجه للأمم بوجه عام ليتمتعوا بصديقهم السماوي كمخلص لنفوسهم.
سماته
1. إذ قدّم لنا الإنجيلي السيد المسيح بكونه "المخلص صديق البشرية"، كثيرًا ما حدثنا عن "ابن الإنسان" جاء إلينا يحمل إنسانيتنا لكي يهبنا شركة الطبيعة الإلهية. فإن كانت الفلسفات اليونانية قدمت أفكارًا مجردة، لكنها لا تستطيع أن تحتل القلب وتُغير الأعماق، أما ابن الإنسان فجاء صديقًا للإنسان حتى يقبله في داخله، فيهبه خلال هذه الصداقة الفريدة إمكانيات فائقة تعمل في أعماقه وتنعكس على تصرفاته. دعوته للسيد "ابن الإنسان" تحطّم شعورنا بغربتنا عن الله، أو غربته عنّا إذ نزل إلينا ليرافقنا طريقنا.
2. أهم سمة لهذا الإنجيل إنه إذ يقدم "المخلص الصديق" يقدمه للبشرية كلها، فهو إنجيل مسكوني. هو دعوة للجميع وليس لليهود فقط. لهذا نلاحظ فيه الآتي:
أ. إذ كان اليهود يتطلعون إلى أنفسهم أنهم أبرار وبقية الشعوب خطاة، يعلن الإنجيلي أن السيد المسيح هو "صديق الخطاة"، فانفرد بقوله أن ابن الإنسان، قد جاء يطلب ويخلص ما قد هلك (19: 10)، كما قدّم لنا مجموعة كبيرة من أقوال السيد وأمثاله توضح صداقة يسوع المسيح وحنوّه على الخطاة، مثل المثل الخاص بطول الأناة على شجرة التين العقيمة (13: 6-9)، مثل الخروف الضال، والدرهم المفقود، والابن الضال (15)؛ كما قدّم لنا قصة المرأة الخاطئة (7: 36-50)، وتوبة زكا العشار (19: 1-10)، والوعد للّص التائب على الصليب (23: 40-43) الخ.
ب. اقتبس العبارات والأحداث التي تفتح أبواب الرجاء للأمم، كقول إشعياء النبي: "كل جسد يرى خلاص الرب"، ورسالة إيليا النبي إلى أرملة صرفة صيدا الأممية (4: 25)، ورسالة إليشع إلى نعمان السرياني الوثني الأممي (4: 27).
ج. ذكر إرسالية السبعين رسولاً، فإن كان الإثنا عشر تلميذًا يمثلون دعوة اليهود (الإثني عشر سبطًا) فإن رقم 70 يشير إلى ملء الأمم.
ء . في نسب السيد المسيح لم يبدأ بإبراهيم بل بآدم أب كل البشرية (3: 38).
3. إذ هو سفر الصداقة الإلهية المتّجهة نحو الإنسان، فإن هذه الصداقة مقدّمة أيضًا للأطفال والنساء، مقدسًا الطفولة، ورافعًا من شأن المرأة ودورها الإيجابي، كما أعطى اهتمامًا خاصًا بالفقراء والمعوزين والمطرودين والمنفيين:
من جهة الأطفال انفرد بذكر ميلاد يوحنا المعمدان وطفولته، وأيضًا بشارة العذراء بميلاد الطفل يسوع في شيء من التفصيل، وابتهاج الجنين في أحشاء أليصابات عند دخول القديسة مريم وسلامها على اليصابات، وختان الطفل يسوع، ودخوله الهيكل مع القديسة مريم في يوم الأربعين، وذهابه الهيكل في الثانية عشر من عمره الخ.
من جهة المرأة فقد لاحظ بعض الدارسين أن لوقا البشير إذ قدّم إنجيله المسكوني (الجامعي) أعطى اهتمامًا خاصًا بالمرأة أكثر من بقية الإنجيليين. ففي العالم الهيلينى يبدو أن مركز المرأة اجتماعيًا وقانونيًا أفضل منه عند اليهود في ذلك الحين، لذلك أراد الإنجيلي إظهار أن الرسالة الإنجيلية لا تحدّها التقاليد اليهودية. انفرد الإنجيلي بذكر حنّة الأرملة المتعبدة في الهيكل (2: 36)، كما سجّل لنا خدمة مرثا وجلوس مريم أختها عند قدميّ المخلص تنعم بكلماته.
اهتم الإنجيلي بالفقراء والمعوزّين والمطرودين والمنفيين. فأُرسلت البشارة إلى فتاة الناصرة الفقيرة، واهتمت الملائكة بالرعاة البسطاء، وحدّثنا السيد عن الغني ولعازر المسكين، ووليمة العُرج والعُمي والعُسم، ومثل السامري لصالح، ومثل العشار، وقصة الزانية في بيت سمعان الفريسي، ومثل الابن الضال، وقصة مريم المجدلية، وقبول اللص التائب على الصليب الخ. يقول أحد الدارسين: [لقد ظهر اهتمامًا بالأقلّيات والجماعات المعزولة والمنبوذة، مثل السامريين والبرص والعشارين والجنود، وعامة الخطاة الذين في خزي، والرعاة الأممين والفقراء، وهؤلاء جميعًا يجدون تشجيعًا في هذا الإنجيل].
4. يرى البعض مثل Leon-Dufour أنه يمكن إطلاق تعبير "الإنجيل الاجتماعي" على إنجيل معلمنا لوقا البشير في شيء من التحفظ، معلّلاً ذلك بأنه قد عرض الكثير عن الالتزام بالعطاء للفقراء (3: 10؛ 14: 12-14)، معلنًا عقوبة من لا يساهم في احتياجاتهم (16: 25)، كما أبرز الالتزام بعدم الظلم أو الوشاية (3: 10-14).
يصعب أن ندعو إنجيلاً بأنه اجتماعي وآخر أنه روحي، فإن الحياة الإيمانية وحدة واحدة لا تتجزأ. إن قُدّم العمل الروحي فلا يتجاهل الجانب الاجتماعي، والعكس إن قُدّم عمل اجتماعي فمن واقع روحي. فما أبرزه الإنجيل بخصوص الاهتمام بالفقراء والمعوزين والمتألمين والمظلومين، إنما هو ثمر طبيعي لتذوقنا صداقة السيد المسيح لنا، بكونه الصديق المهتم بالجميع خاصة المحتاجين روحيًّا أو ماديًّا أو اجتماعيًّا أو نفسيًّا. فيليق بنا كأصدقاء للسيد المسيح أن نردّ حبه بالحب، ونحمل سماته فينا، فما يُقدمه لنا يحملنا أن نقدّمه بصورة أو بأخرى لإخوتنا.
5. كصديقٍ لنا ليس فقط يقدم لنا السيد المسيح الخلاص على الصليب، إنما خلال هذا الحب الذي يدخل إلى حياتنا اليومية، نراه يشاركنا حتى في ولائمنا ويدخل بيوتنا. فنجده يتناول العشاء في بيت سمعان الفريسي، ويقبل وليمة زكا العشار، ويستجيب لدعوة تلميذي عمواس واستضافتهما له.
وكصديق لنا لا يطلب العنف ولا يقبل التعصب، فنراه يوبِّخ يوحنا لأنه طلب نارًا تأكل أهل السامرة (9: 54)، وزجر التلاميذ قائلاً: "من ليس علينا فهو معنا" (9: 50). إنه "إنجيل الرحمة" أي "إنجيل الغفران العظيم".
وكصديق لنا يشتاق أن نقبل صداقته ونتجاوب مع حبه، لذا كثيرًا ما يثيرنا لقبول هذه الصداقة بتقديم مقارنات مثل:
* سمعان الفريسي والمرأة الخاطئة، فقد قدّم الأول بيته ومائدته دون قلبه، أما المرأة بالرغم من عطاياها الكثيرة لكنها عرفت بالحب أن تتمتع بالصداقة والغفران.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:05 pm

وكصديق لنا يشتاق أن نقبل صداقته ونتجاوب مع حبه، لذا كثيرًا ما يثيرنا لقبول هذه الصداقة بتقديم مقارنات مثل:
* سمعان الفريسي والمرأة الخاطئة، فقد قدّم الأول بيته ومائدته دون قلبه، أما المرأة بالرغم من عطاياها الكثيرة لكنها عرفت بالحب أن تتمتع بالصداقة والغفران.
* الفريسي والعشار، الأول دخل الهيكل وله أعمال ناموسية يعتز بها، لكن في كبريائه لم يقدر أن يصادق الرب، بينما استطاع العشّار وهو في آخر صف أن يدخل إلى قلب الصديق الأعظم خلال التواضع.
* السامري الصالح واللاوي والكاهن، تمتع الأول بالدخول في هذه الصداقة والتجاوب معها خلال اتساع قلبه للبشرية، بينما خسر رجلي الدين الصداقة خلال ضيق قلبيهما.
* الابن الضال والابن الأكبر، نال الأول البركة وتمتع بالصداقة خلال التوبة والرجوع، بينما فقد الابن الأكبر علاقته بالأب بسبب كبريائه.
* اللص التائب واللص الهالك، اغتصب الأول الملكوت في اللحظات الأخيرة.
* التطويبات والويلات.
6. إن كان الفكر اليوناني قد ساد العالم في ذلك الحين، لكنه لم يقدّم للبشرية شعبًا صادقًا، وفرحًا حقيقيًا، وعاش الإنسان يطلب كل يوم فلسفة جديدة أو فكرًا لم يُسمع عنه من قبل. لذلك كتب الإنجيلي لوقا هذا السفر ليعلن أن المسيح صديق البشرية، هو واهب الفرح الداخلي والتسبيح. فقد ضمّ الكثير من التسابيح التي تعتز بها الكنيسة وتستخدمها في عبادتها وليتورجياتها، مثل تسبحة الميلاد الملائكية (2: 14)، وتسبحة زكريا (1: 68-79)، وتسبحة القديسة مريم (1: 46-55)، وتسبحة سمعان الشيخ (2: 29-32).
مجيء الصديق المخلص خلق جوًا من الفرح. فقد افتتح السفر بحديث الملاك لزكريا الكاهن عن القديس يوحنا السابق لهذا الصديق المخلص، قائلاً: "ويكون لك فرح وابتهاج وكثيرون سيفرحون بولادته" (1: 14). كما يروي أن ولادته قد أصبغت فرحًا على الكثيرين (1: 58). أما ميلاد السيد فرافقه انفتاح السماء على الأرض للكرازة بها: "ها أنا أبشركم بفرحٍ عظيمٍ يكون لجميع الشعب" (2: 10). وعندما عاد الرسل السبعين من كرازتهم يقول: "فرجع السبعون بفرح قائلين: يا رب حتى الشياطين تخضع لنا باسمك" (10: 17)، بل قيل: "وفي تلك الساعة تهلل يسوع بالروح، وقال: "أحمدك أيها الآب رب السماء والأرض، لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال، نعم أيها الآب هكذا صارت المسرة أمامك" (10: 21). وكأن الكرازة بهذا الصديق الفريد قد هلّلت قلب المخلص نفسه من أجل البسطاء، وهي موضع سرور الآب، بل أعلن أنه يكون فرح حتى في السماء عند توبة الخطاة (15: 7، 10، 32).
إنه فرح داخلي يملأ قلب الخاطئ التائب، عندما يجد في صديقه كل الشبع، إذ قيل عن زكا: "فأسرع ونزل وقبله فرحًا" (19: 6). وفرح للجماعة كلها، إذ قيل: "وفرح كل الجمع بجميع الأعمال المجيدة الكائنةمنه" (13: 7). كما قيل عن دخوله أورشليم: "ابتدأ كل جمهور التلاميذ يفرحون ويسبحون الله بصوت عظيم لأجل جميع القوات التي نظروا" (19: 37). وقد ختم السفر بالفرح بالصديق القائم من الأموات والصاعد إلى السماوات، إذ قيل عن التلاميذ حين ظهر لهم صديقهم العجيب: "وبينما هم غير مصدّقين من الفرح ومتعجبون..." (24: 41). وأيضًا بعد صعوده مباشرة: "رجعوا إلى أورشليم بفرحٍ عظيمٍ" (24: 51).
هكذا جاء السيد المسيح يحقق سرور الآب، ويفرح هو بالبشرية المخلََّصة بدمه، وتفرح معه السماء، كما ملأ تلاميذه ورسله فرحًا وسكب على كنيسته بهجته، وأيضًا على الخطاة التائبين. ولكي يميز بين هذا الفرح وفرح العالم المؤقت ضرب لنا مثل الغني الغبي الذي قال لنفسه: "استريحي وكلي واشربي وافرحي" (12: 19)؛ لكنه لم يستطع أن يفرح، إذ سمع الصوت الإلهي: "يا غبي هذه الليلة تُطلب نفسك منك" (12: 20). هذا كله دفع البعض إلى تلقيبه "إنجيل الفرح المسيحاني".
7. إذ جاء السيد المسيح صديقًا لنا، قدّم لنا نفسه مثالاً، فظهر كمصلّي في مواقف كثيرة منها عند عماده (3: 21)، وبعد تطهير الأبرص، وقبل دعوة الإثني عشر تلميذًا (6: 12)، وعند التجلي (9: 28)، وعلى الصليب من أجل صالبيه، وفي اللحظات الأخيرة من حياته على الأرض. لقد أراد أن يعلن "الصلاة" كسِرّ لصلتنا بالله وصداقتنا معه. ظهور السيد كمصلّي إنما يعني أيضًا أنه حملنا فيه لننعم بالاتصال بالآب.
في هذا السفر يحدثنا السيد عن الصلاة أكثر من بقية الأسفار، فوَرد فيه الصلاة الربانية، وشدّد على ضرورة الاستمرار في الصلاة والمثابرة فيها، مقدمًا مثَل الصديق المحتاج لثلاثة أرغفة يذهب إلى صديقه ويطلب بلجاجة، ومثَل قاضي الظلم الذي استمع للأرملة من أجل لجاجتها.
8. يرى البعض أن الأناجيل بوجه عام، وإنجيل لوقا بوجه خاص، لم تهدف إلى مجرد عرض لحياة السيد المسيح أو تاريخه، قدر ما هدفت إلى تقديم الكنيسة التي عاش فيها السيد المسيح حيًّا يعمل لأجلها. فهي تتحدث عن مسيح الكنيسة كما تتذوقه بالتفافها حوله وثبوتها فيه. فالقديس لوقا في إنجيله يعرض بوحي الروح القدس حياة الكنيسة خلال وجوده على الأرض بالجسد، بينما في سفر الأعمال يعرض حياتها بعريسها خلال وجوده عن يمين الآب بعد الصعود، واهبًا إيّاها روحه القدوس. إنه الصديق العامل بلا انقطاع، كان يعمل حين وُجد بالجسد هنا، ولا يزال يعمل بعد صعوده حتى يلتقي بنا على السحاب.
ساد في الكنيسة الأولى إحساس بأن قدوم السيد المسيح اقترب جدًا، وأنه يتحقق في العصر الرسولي، الأمر الذي عالجه الرسول بولس في رسالته الثانية إلى أهل تسالونيكي، مؤكدًا أن السيد لن يأتي إلا بعد ظهور إنسان الخطية، وتحقق حركة الارتداد. فإن معلمنا لوقا حمل ذات الاتجاه معلنًا في هذا السفر كما في سفر الأعمال أن موت السيد وقيامته وصعوده المجيد، لا يعني مجيئه الثاني في الحال. ولا بعد خراب أورشليم مباشرة، إذ أساء البعض فهم كلمات الإنجيلي مرقس (14: 62؛ 9: 1)، فقد أعلن أن ملكوت المسيا حقيقة واقعة تتم أولاً في الكنيسة هنا، وتتحقق في القلب، وينضم إلى الكنيسة كل يوم الذين يخلصون. كأن مجيء السيد يتحقق أولاً بحلوله في قلوب المختارين، وإذ يكمل عمله هنا في العالم يأتي على السحاب.
10. يرى بعض الدارسين أن إنجيل لوقا جاء مطابقًا للأسفار الستة الأولى من العهد القديم هكذا:
ا. سفر التكوين الجديد يصف ميلاد السيد المسيح وطفولته، هذا الذي به تتحقق الخليقة الجديدة، فبظهور آدم الثاني انطلقت البشرية إلى عالم جديد.
ب. الخروج الجديد تحقق بتجربة السيد المسيح في البرية أربعين يومًا، حيث غلب لحسابنا، مقابل تيه شعب إسرائيل أربعين سنة بعد خروجهم وسقوطهم المستمر في التذمر.
ج. سفر اللاويين الجديد هو إقامة الإثني عشر تلميذًا، وتقديم العظة الخاصة بسيامتهم كسفر اللاويين آخر (6: 20).
د. سفر العدد الجديد هو إرسالية السبعين رسولاً.
هـ. القسم الخاص بسفر التثنية يمثل النصيب الأكبر من الإنجيل حيث يضم أجزاء كثيرة من تعاليم السيد خاصة في (9: 51- 18: 14).
و. سفر يشوع الذي قدمه معلمنا لوقا هو قصة آلام السيد المسيح وقيامته، فقبول راحاب الزانية يقابله زكا العشار (لو 19: 1-2).
11. أبرز الإنجيلي لوقا دور الروح القدس، فأعلن الملاك عن يوحنا المعمدان أنه يمتلئ من الروح القدس من بطن أمه (1: 15). كما أبرز عمل الروح القدس في التجسد الإلهي (1: 35)، وعمله أيضًا في الأحاديث النبوية (1: 67؛ 2: 25-27)، وفي المعمودية (3: 16)، وظهوره في عماد السيد (3: 22). هكذا يربط عمل السيد المسيح بعمل روحه القدوس (4: 1، 14، 18؛ 10: 21؛ 11: 13؛ 10: 12).
12. دُعي هذا السفر بإنجيل الشمول، إذا حوى الكثير من القصص التي لم ترد في الأناجيل الأخرى وأيضًا الأمثال، يسنده في هذا علاقته الوثيقة بالقديسة مريم.
انفرد بذكر المعجزات التالية: صيد الأسماك (5: 4-11)، إقامة ابن أرملة نايين (7: 11)، المرأة التي بها روح الضعف (13: 11-17)، الرجل الأبرص (14: 1-6)، العشرة برص (17: 11-19)، شفاء أذن ملخس (22: 50-51).
انفرد أيضًا بذكر الأمثال التالية: المديونان (7: 41-43)، السامري الصالح (14: 25-37)، الصديق اللجوج (11: 5-8)، الغني الغبي (12: 16-20)، شجرة التين غير المثمرة (13: 6-9)، الدرهم المفقود (15: 8-10)، الابن الضال (15: 11-32)، الوكيل الخائن (16: 1-13)، الغني ولعازر (16: 19-31)، الفريسي والعشار (18: 10-14).
كما انفرد بذكر أحداث معينة مثل إجابة يوحنا المعمدان على الشعب، بكاء المسيح على أورشليم، موضوع حديثه مع موسى وإيليا عند التجلي، العرق الذي نزل من جبينه كقطرات الدم، خطابه لبنات أورشليم، لقاء السيد مع تلميذيّ عمواس، وأيضًا تفاصيل خاصة بصعوده.
12. من جهة الأسلوب فكما سبق فتحدثنا في أكثر من موضع أن الروح القدس إذ يعمل في الكاتب ويلهمه بالكتابة لا يفقده شخصيته، بل يستغل قدراته ويلهمه ويحصّنه من الخطأ. وقد ظهرت قدرات معلمنا لوقا البشير من جهة الأسلوب، فكطبيبٍ اتسم بالفحص الدقيق، فجاء محققًا للأمور. وأيضًا كطبيبٍ ورسام في نفس الوقت جاء رقيقًا في أسلوبه، يحمل لمسات شعرية لطيفة وعذبة، حتى صار إنجيله مصدرًا للفنانين يستوحون منه أيقوناتهم.
وأيضًا كصديق ورفيق للقديس بولس في كثير من أسفاره أوجد شيئًا من التشابه بين كتاباتهما، مما جعل العلامة ترتليان يقول بأن الإنجيلي لوقا قد استنار بالرسول بولس.
(راجع لو 4: 22 مع كو4 : 6؛ لو 4: 32 مع 1 كو2: 4؛ لو6: 36 مع 2 كو 1: 3؛ لو 6: 39 مع رو 12: 19؛ لو 9: 56 مع 2 كو 10: 18؛ لو 10: 8 مع 1 كو 10: 23؛ لو 11: 41 مع تي 1: 15؛ لو 18: 1 مع 2 تس 1: 11؛ لو 21: 36 مع أف 6: 18؛ لو 22: 19-20 مع 1 كو 11: 23-29؛ لو24: 34 مع 1 كو 15: 5).
أقسامه
1. صديقنا صار مثلنا 1-3.
2. صديقنا يجرَّب مثلنا 4.
3. صديقنا يشعر بآلامنا 5-18.
4. صديقنا المخلص 19-23.
5. صديقنا القائم من الأموات 24.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:05 pm

الباب الأول
صديقنا صار مثلنا
ص 1- ص 3
v البشارة بالتجسّد ص 1.
v ميلاد الصديق السماوي ص 2.
v الإعلان عن الصديق ص 3.
الأصحاح الأول
البشارة بالتجسّد
جاء الأصحاح الأول من هذا السفر أشبه بمقدَّمة له تكشف عن غاية السفر كله ألا وهو الإعلان عن شخص المسيَّا بكونه صديق البشريّة الحقيقي، الذي يهبها البهجة، ويحول حياتها إلي أنشودة تسبيحٍ مفرحٍ. ففي هذا الأصحاح نجد الإعداد لمجيء هذا الصديق الفريد الذي يهب اليصابات ابنًا في شيخوختها ينزع عارها، ويفتح لسان زكريَّا الكاهن بالتسبيح عند ولادة السابق للمسيح، وتنعم فتاة الناصرة الفقيرة والبتول بشارة سماويّة فائقة، حتى الجنين في أحشاء اليصابات يَّتهلَّل ويرقص مبتهجًا. هذه جميعها صور تمهيديّة تكشف عن شخص السيِّد المسيح نفسه، وعمله في حياتنا كصديقٍ سماويٍ، قادر أن ينزع عقرنا ويفتح لساننا، ويردّ لنا بهجتنا.
1. مقدَّمة السفر 1-4.
2. البشارة لزكريَّا بميلاد يوحنا 5-17.
3. صمت زكريَّا 18-25.
4. البشارة بالتجسّد الإلهي 26-38.
5. لقاء مريم باليصابات 39-45.
6. تسبحة العذراء 46-56.
7. ميلاد يوحنا وختانه 57-66.
8. نبوَّة زكريَّا الكاهن 67-80.
1. مقدَّمة السفر
افتتح معلِّمنا لوقا إنجيله بالعبارات التاليّة:
"إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصّة في الأمور المتيقِّنة عندنا.
كما سلّمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخدَّامًا للكلمة.
رأيت أنا أيضًا إذ قد تتبَّعت كل شيء من الأول بتدقيق أن أكتب إليك أيها العزيز ثاوفيلس.
لتعرف صحة الكلام الذي عُلّمت به" [1-4].
في هذه المقدَّمة كتبت باليُّونانيّة في أسلوب بليغ نلاحظ الآتي:
1. ظروف الكتابة هي وجود كثيرين ممَّن كتبوا عن الأمور المتيقِّنة الخاصة بالسيِّد المسيح وأعماله الخلاصيّة. يرى قلَّة من الدارسين أنه يقصد بهذا الإنجيليِّين مرقس ومتّى، لكن الرأي الغالب أنه يقصد أناسًا غير مخلِّصين حاولوا الكتابة عن شخص السيِّد المسيح بفكرٍ خاطئٍ... لكن أعمالهم لم تقبلها الكنيسة الأولى كأسفار قانونيّة. ويميز العلامة أوريجينوس بين إنجيل معلِّمنا لوقا (وأيضًا بقيّة الأناجيل) التي كُتبت بوحي الروح القدس وتسلّمتها الكنيسة، وبين المحاولات البشريّة لكتابة أناجيل، فيقول: [معني كلمة "أخذوا" أنهم حاولوا، وفي هذا إتهام موجَّه ضدَّهم ضمنيًا، إذ حاولوا كتابة الأناجيل دون إرشاد الروح القدس، أما البشيرون متَّى ومرقس ولوقا ويوحنا فلم يحاولوا التأليف إنما امتلأوا بالروح القدس فكتبوا الأناجيل... أربعة أناجيل هي القانونيّة، منها وحدها نستقي إيماننا بربِّنا ومخلِّصنا.]
يقول القدّيس البابا أثناسيوس الرسولي: [ينتهر لوقا الطوباوي ما هو من صنع الناس مسلِّمًا إيَّانا ما هو مُرْوٍٍ من القدّيسين... فكل قدّيس يتسلّم التقاليد يساهم بغير تحريف أن يثبت تعاليم الأسرار. لذلك تطالبنا الكلمة الإلهيّة بالتلمذة على أيدي هؤلاء. إذ هم معلِّمون لنا بالحق، ولهؤلاء وحدهم يلزمنا أن نصغي، لأن لهم وحدهم "صادقة هي الكلمة ومستحقَّة كل قبول" (1 تي 1: 15). هؤلاء ليسوا تلاميذ سمعوا من الآخرين بل هم شهود عيان وخدَّام للكلمة إذ سمعوا منه ما قد سلَّموه.]
ب. يكتب معلِّمنا لوقا "الأمور المتيقِّنة" والأكيدة، لذلك يشبِّه القدّيس أمبروسيوس هذا السفر بالبيت الذي يُبنى علي الصخر، المرتبط بالإيمان الكامل الثابت غير المتزعزع، هذا الإيمان يقوم على الفهم الروحي والإدراك والتمييز بين الحق والباطل، وليس على المعجزات المجرّدة.
بنفس المعنى يقول العلامة أوريجينوس: [يعبِّر القدّيس لوقا عن مشاعره بقوله: "الأمور المتيقِّنة عندنا". لقد عرف القصّة بكل يقين الإيمان والعقل فلم يتردّد في تصديقها، وهذا حال المؤمن. لقد بلغ قمَّة الإيمان كقول النبي: "ثبِّت كلامك في قلبي" (مز 119). لذلك يقول الرسول عن المؤمنين الأقوياء الأشدَّاء أنهم متأصِّلون ومتأسِّسون في الإيمان (أف 3: 18). الإنسان المتأصِّل والمؤسّس في الإيمان لا يمكن أن ينهدم أو يسقط بُناؤه حتى إن هبَّت العاصفة وهاجت الرياح ونزلت الأمطار كالسيول عليه، لأن بِناءه مؤسّس ومتين. هذا ويليق بنا ألا نعتقد بأن قوّة إيماننا تقوم على الرؤيّة الملموسة أو هي ثمرة ذكاء أو عقل. لنترك غير المؤمنين يؤمنون خلال العلامات والمعجزات الظاهرة، أما المؤمن المحنَّك القوي فيسلك ويفكِّر بالروح مميِّزًا الحق من الباطل.]
ج. ما يسجله لنا معلِّمنا لوقا البشير إنما قبِله خلال "التسليم" أو ما نسميه "التقليد"، وهو الوديعة المُعاشة في حياة الكنيسة بالروح القدس تتسلّمها الأجيال خلال التسليم الشفوي والكتابي وخلال العبادة والسلوك... هذا ما أكَّده الإنجيلي بقوله "كما سلَّمها إلينا الذين كانوا من البدء معاينين وخدَّاما للكلمة".
علّق العلامة أوريجينوس علي العبارة السابقة مبرزًا نقطتين رئيسيَّتين في التسليم الكنسي: أولاً أن قوله "معاينين" لا يعني مجرد الرؤيا الجسديّة، إذ كثيرون رأوا السيِّد المسيح حسب الجسد ولم يدركوا شخصه ولا تمتَّعوا بعمله الخلاصي. ثانيًا أن المعاينة الروحيّة أو الإدراك الروحي تلتحم بالعمل، لذا قال "خدَّامًا للكلمة"، فلا انفصال بين الحياة الروحيّة التأمَّليّة والعمل، إذ يقول: [تأمَّل الرسل الله الكلمة لا بكونهم قد أبصروا المسيح المخلِّص المتجسّد، بل رأوا الله الكلمة (هنا لا يقصد انفصال المسيح إلى شخصين إنما يؤكِّد التزامنا إدراك حقيقة المخلِّص المتجسّد). لو كانت رؤيّة المسيح بالجسد (مجردًا) يعني رؤيّة الله الكلمة، لكان هذا يعني أن بيلاطس الذي أسلم يسوع قد رأى الكلمة، وكذا يهوذا الذي أسلمه وكل الذين صرخوا: "أصلبه أصلبه" (يو 19: 15). هذا الفكر بعيدًا عنه تمامًا، إذ لا يستطيع غير المؤمن أن يرى كلمة الله. رؤيّة الله الكلمة أوضحها المخلِّص بقوله: "الذي رآني فقد رأى الآب" (يو 14: 9).] كما يعلِّق على قوله: "كانوا منذ البدء معاينين وخدَّاما للكلمة" بقوله: [نستخلص من هذه الكلمات أن المعرفة قد تكون غاية في ذاتها، لكنه يتوِّجها العمل بمضمونها... فالاكتفاء بالمعرفة دون تطبيقها هو علم بلا نفع. وكما يرتبط العلم بالتطبيق العملي هكذا ترتبط المعرفة بخدمة الكلمة... فكلمة "معاينين" تعني المعرفة النظريّة، بينما تشير كلمة "خدَّام" للمعرفة التطبيقيّة.]
ظهر هذان الفكران للعلامة أوريجينوس بوضوح في كتابات القدّيس كيرلس الكبير والقدّيس أمبروسيوس. يقول القدّيس كيرلس الكبير: [يصف القدّيس لوقا رسل المسيح بأنهم عاينوا الرب، وفي ذلك يتّفق لوقا مع يوحنا، فقد كتب: "والكلمة صار جسدًا وحل بيننا، ورأينا مجده مجدًا كما لوحيد من الآب مملوءًا نعمة وحقًا" (يو 1: 14). كان لابد أن يظهر المسيح بالجسد، حتى نراه ونحس به، لأنه جلّ اسمه بطبيعته لا يُرى ولا يُلمس، فإنَّ يوحنا يقول أيضًا: "الذي كان من البدء، الذي سمعناه الذي رأيناه بعيُّوننا، الذي شاهدناه ولمسته أيدينا من جهة كلمة الحياة، فإنَّ الحياة أُظهرت لنا" (1 يو 1: 1). أتسمعون كيف أن الحياة ظهرت لنا فلمسناها بأيدينا ورأيناها بعيُّوننا؟ ظهر المسيح حتى ندرك أن الابن صار جسدًا، فرأيناه بصفته إنسانًا، وقبلاً لم نره باِعتباره إلهًا.]
بنفس المعنى يقول القدّيس أمبروسيوس: [رأى التلاميذ كلمة الرب وسمعوه... هؤلاء الذين شاهدوا مجد الكلمة مع موسى وإيليَّا (مت 16: 3) رأوا الرب يسوع، إذ شاهدوه في مجده، أما الآخرون (اليهود) فلم يروه هؤلاء الذين عرفوه حسب الجسد، إذ أُعطي للبصيرة الروحيّة لا للعيُّون الجسديّة أن ترى يسوع. لم يره اليهود مع أنهم أبصروه (جسديًا). أما إبراهيم فقد رآه كما هو مكتوب: "أبوكم إبراهيم تهلَّل بأن يرى يومي، فرأى وفرح" (يو 8: 56) مع أنه بالتأكيد لم يره حسب الجسد... غير أن اليهود لم يروه، إذ "اِظلم قلبهم الغبي" (رو 1: 21)... عندما نرى الرب نرى عمانوئيل، فندرك أن الله معنا، أما من لا يبصر الله معه فإنَّه لا يعرف بعد مولود العذراء.]
إذن يكتب معلِّمنا لوقا البشير خلال التسليم الذي وُهب للذين عاينوا الرب ليس حسب الجسد فحسب، وإنما عاينوه في أعماقهم وأدركوا سّر حلوله فيهم وعمله في داخلهم. ونحن أيضًا إن أردنا أن نتفهَّم الإنجيل يلزمنا أن نتسلّم معاينة الرب فينا وتلاقينا معه، على صعيد الإيمان الحّي العملي، حتى لا نسمع كلمات التوبيخ التي وجهها السيِّد لفيلبس: "أنا معكم زمانًا هذه مدَّته ولم تعرفني يا فيلبس؟!" (يو 14: 9).
د. لم يلقِّب الإنجيلي الرسل بمعايني الكلمة فحسب، وإنما دعاهم أيضًا "خدَّامًا للكلمة" [2]. فإنَّ كان العمل الرسولي يقوم على معاينة الرب ببصيرة روحيّة فتدرك أسراره الإلهيّة، لكن دون انفصال عن العمل. وهكذا تلتحم المعرفة بالخبرة الروحيّة، والإيمان بالجهاد، والتأمَّل بالخدمة. يقول القدّيس أمبروسيوس: [نال الرسل هذه النعمة... لقد عاينوا، ويُفهم من هذا جهادهم للتعرُّف على الرب، وخدموا، ويفهم منه ظهور ثمار جهادهم.]
هـ. وُجه هذا الإنجيل للعزيز ثاوفيلس، وقد سبق لنا في المقدَّمة الحديث عن هذا الشخص. فكلمة "عزيز" هو لقب يُطلق على أصحاب المراكز الكبرى في الدولة الرومانيّة، لُقب به فيلكس (أع 23: 26؛ 24: 13)، وأيضًا فستوس (أع 26: 25). أما كلمة "ثاوفيلس" فتعني "محب الله"، لذلك يعلِّق القدّيس أمبروسيوس بقوله: [إن كنت تحب الله فهذه البشارة هي مكتوبة لك، وإن كانت قد كُتبت لأجلك، فأقبلها من الإنجيلي وديعة واحتفظ بها في أعماق نفسك: "احفظ الوديعة الصالحة بالروح القدس الساكن فينا" (2 تي 1: 14). تأمَّلها في كل حين، وتحصن فيها على الدوام... فإنَّ أولى واجباتك هي الأمانة في هذه الوديعة التي لا يبليها سوس (هرطقة) ولا يفسدها صدأ.] ويقول العلامة أوريجينوس: [ربَّما يظن البعض أن الإنجيل قد كُتب لشخص يُدعى ثاوفيلس، لكن إن كنتم أيها السامعون جميعكم محبو الرب فأنتم ثاوفيلس. ثاوفيلس هو شخص صالح جدًا وقوي... فلا يوجد ثاوفيلس ضعيف. أقول أن كل "ثاوفيلس" هو قوي، مصدر قوَّته وقدرته هو كلمة الله.]
2. البشارة لزكريَّا بميلاد يوحنا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:06 pm

2. البشارة لزكريَّا بميلاد يوحنا
جاء السيِّد المسيح مخلِّصا للعالم، يهبه شبعًا داخليًا وفرحًا سماويًا، لذلك ففي الإعداد لمجيئه تمتَّعت اليصابات العاقر بإنجاب "يوحنا" الذي يعني "الله يتحنَّن أو يُنعم"، وانفتح لسان زكريَّا الصامت بالتسبيح. فإنَّ كانت اليصابات كامرأة تشير إلى الجسد، فبحنان الله ونعمته نُزع عن الجسد عاره، وتمتَّع بثمر روحي عجيب، بينما زكريَّا يمثِّل النفس وقد انطلقت في الداخل بروح التسبيح والفرح عوض الصمت القائم على العجز.

يحدّثنا القدّيس لوقا عن قصّة البشارة لزكريَّا بميلاد يوحنا بلغة العابد المتخشِّع، فيقول: "كان في أيام هيرودس ملك اليهوديّة كاهن اسمه زكريَّا من فرقة أبيَّا،
وامرأته من بنات هرون واسمها اليصابات.
وكانا كلاهما باريْن أمام الله،
سالكين في جميع وصايا الرب وأحكامه بلا لوم.
ولم يكن لهما ولد، إذ كانت اليصابات عاقرًا،
وكان كلاهما متقدَّميْن في أيَّامهما" [5-7].
ويلاحظ في عرضه للقصّة الآتي:
ا. إذ كان القدّيس لوقا رجلاً علميًا كطبيبٍ، حدَّد بدقة تاريخ الحدَّث، أنه في أيام هيرودس الكبير ملك اليهوديّة، الابن الثاني لأنتيباس، الأدومي الأصل. تزوَّج عشر نساء، قتل إثنتين منهنَّ، وكان له أبناء كثيرون، أعدم أحدهم. وقتل أطفال بيت لحم، وفي فراش الموت طالب بقتل شرفاء القدس حتى لا يجد أحد مجالاً للبهجة بعد موته، لكنه مات قبل تحقيق أمنيَّته.
على أن الأحوال وسط هذا الجو القاتم سياسيًا ودينيًا، إذ توقَّفت النبوَّة أكثر من ثلاثة قرون، وعاش الكل في جوٍ من الفساد، ظهر إنسانان بارَّان أمام الله، هما "زكريَّا" ويعني "الله يذكر"، و"اليصابات" وهي الصيغة اليُّونانيّة للكلمة العبريّة "اليشبع" وتعني "الله يُقْسِم" أو "يمين الله". أنجب الاثنان "يوحنا" أي "الله حنَّان" أو "الله يُنعم". وكأنه وسط فساد هذا العالم، إذ نذكر الله ونلتحم بقسمه ومواعيده الصادقة ننعم بحنانه ونعمته الإلهيّة عاملة فينا.
يعلِّق القدّيس أمبروسيوس على التعبير: "كانا كلاهما بارَّيْن أمام الله، سالكين في جميع وصايا الرب وأحكامه بلا لوم" بقوله: [عبارة "بارّيْن أمام الله" لها مغزاها، فالأبرار أمام الناس ليسوا بالضرورة أبرارًا أمام الله. نظرة الإنسان تختلف عن نظرة الله، "لأن الإنسان ينظر إلى العينين، وأما الرب فينظر إلى القلب" (1 صم 16: 7). فقد يبدو لي أن إنسانًا ما يستحق أن يُدعى بارًا، لكنه عند الرب ليس هكذا، لأن الدافع لقداسته هو التملُّق لا القلب البسيط. إذن فالإنسان لا يقدر أن يميِّز الخفيَّات، والمكافأة الكاملة هي أن نُحسب أبرارًا أمام الله، وكما يقول الرسول: "الذي مدحه ليس من الناس بل من الله" (رو 2: 29). مطوّب بحق ذاك الذي يتبرَّر أمام الله! مطوّب بحق ذاك الذي يتأهَّل أن يسمع الرب يقول عنه: "هوذا إسرائيلي حقًا لا غشَّ فيه" (يو 1: 47). فالإسرائيلي الحقيقي هو الذي يرى الله ويُدرك أن الله يراه، كاشفًا خبايا قلبه.]
يوضَّح العلامة أوريجينوس معنى تعبير "بارّيْن أمام الله" بقوله: [قد لا يجد إنسان ما يشتكي به عليَّ بعد فحصه إيّاي، فإني بار أمام الناس... ولكن حكم الناس غير صحيح، فهم يجهلون إني يومًا ما أخطأت في الخفاء في داخل قلبي، ويجهلون إن كنت قد نظرت إلى امرأة واشتهيَّتها وعشت في زنا القلب. قد يراني الناس أتصدّق بحسب إمكانيَّاتي لكنهم يجهلون إن كنت أفعل ذلك لأجل وصيّة الله أم لطلب مديح الناس... طوبى للإنسان البار أمام الله، والذي مدْحه من الله، فالإنسان عاجز لا يقدر أن يحكم بعدل ووضوح. قد يمجِّد الناس من لا يستحق التمجيد، ويدينون من لا يستحق الإدانة. الله وحده عادل في المدح والإدانة.]
ويعلِّق العلامة أوريجينوس أيضًا على تعبير "بلا لوم" قائلاً: [قيل عن الكنيسة بأنها "مجيدة لا دنس فيها ولا غضَن" (أف 7: 25). ليس معنى هذا أن ابن الكنيسة لم يُخطئ قط، إنما يعيش في حياة التوبة. تعبير "بلا غضَن" يعني بغضه للإنسان العتيق وكفِّه عن الخطيّة، لذلك يكمِّل العبارة "لتكون مقدَّسة بلا عيب"، فقد ورثت النفس الخطيّة، لكنها تصير طاهرة بلا لوم إن زال عنها وسخ الخطيّة.]
هذا ويُعلن الإنجيل برِِّهما أمام الله وأنهما بلا لوم بالسلوك العملي في جميع وصايا الرب وأحكامه، وكأن البرّ الخفي يرتبط بطاعة الوصيّة وقبول أحكام الله؛ هذا هو طريق برّنا بالروح القدس الذي يهبنا في استحقاقات الدم أن ندخل إلى الوصيّة ونعيشها بالطاعة في فرح، ونتفهّم أحكام الله وتدابيره فنحمل روح التمييز فينا.
إذ عالج القدّيس أغسطينوس موضوع "البرّ في المسيح" حدَّثنا عن برّ زكريَّا واليصابات معلنًا أن رجال العهد القديم حُسبوا أبرارًا أيضًا في المسيح، خلال رجائهم في المسيَّا المنتظر الذي يقدَّم حياته مبذولة ثمنًا لبرّنا. ففي حديثه عن "الطبيعة والنعمة" يورد كلمات القدّيس أمبروسيوس، قائلاً: [بلا شك عاش رجال العهد القديم بمثل هذا الإيمان في المسيح حتى قبل موته (على الصليب). فالمسيح وحده يرسل الروح القدس المعطَى لنا، خلاله تنسكب المحبَّة في قلوبنا، وبها وحدها يُحسب الأبرار أبرارًا.] وفي موضع آخر يؤكِّد القدّيس أغسطينوس أن برّ زكريَّا قائم على عمل السيِّد المسيح الذبيحي خلال ممَّارسته الكهنوتيّة وتقديمه الذبائح الحيوانيّة كرمز لذبيحة المسيح، قائلاً: [اِعتاد زكريَّا بلا شك أن يقدَّم ذبائح عن خطاياه.]
إن كان زكريَّا يُحسب بارًا، لكن هذا لا يعني أنه لم يصنع خطيّة، فقد كرّر القدّيس أغسطينوس في مواضع كثيرة قول القدّيس أمبروسيوس: [ليس أحد في العالم بلا خطيّة.]
ب. كان "زكريَّا من فرقة أبيَّا" [5]، كلمة "أبيَّا" تعني "أبي هو يهو". هذه الفرقة من نسل أليعازر الكاهن، تعتبر الثامنة من الأربعة والعشرين فرقة التي قُسِّمت إليها طائفة الكهنة منذ وقت داود، كل فرقة تقوم بالعمل أسبوعًا كل ستة أشهر حسب قرعتها. وكانوا يلقون قرعة أيضًا ليعرفوا من يقع عليه اختيار الله للقيام بخدمة البخور من وسط الفرقة، وكان اليهود عادة يقدَّمون البخور صباحًا ومساءً فقط.
يرى القدّيس أمبروسيوس أن زكريَّا وقد "أصابته القرعة أن يدخل الهيكل ويبخِّر" [9] إنما يشير إلى السيِّد المسيح بكونه رئيس الكهنة الذي وحده يدخل إلى الأقداس السماويّة، يكْهِن لحسابنا ويشفع فينا بدمه، وأن إصابة القرعة تشير إلى إرساليته التي لم تكن من الناس بل من قِبل الآب.
ج. يعلِّق العلامة أوريجينوس على تعبير الإنجيلي: "فظهر له ملاك الرب واقفًا عن يمين مذبح البخور" [11] بقوله أن الإنسان إذ له جسد كثيف لا يقدر أن يُعاين الكائنات الروحيّة والإلهيّة، ولا أن يشعر بها ما لم تظهر له. كأن ظهورات الله وملائكته تتوقَّف علي إرادة الله ورغبته أن نرى، فالله حاضر معنا، وأيضًا ملائكته ومع ذلك لا نراهم. فمن كلماته:
[ظهر الرب لإبراهيم ولأنبياء آخرين حسب نعمة الله، فليست عين إبراهيم الروحيّة (الداخليّة) هي علَّة الرؤيا للرب، إنما نعمة الله هي التي وهبت له ذلك.]
[يمكن أن يوجد ملاك بجوارنا الآن ونحن نتكلَّم، لكننا لا نستطيع أن نعاينه بسبب عدم استحقاقنا. قد تبذل العين المجرّدة أو الداخليَّة مجهودًا لتبلغ هذه الرؤيا، لكن إن لم يُظهِر الملاك نفسه لنا لا يقدر أن يراه المشتاقون إلى رؤيَّته.]
[هذه الحقيقة لا تخص رؤيتنا لله في هذا الزمان الحاضر فحسب، وإنما حتى حينما نترك هذا العالم، لا يظهر الله وملائكته لجميع الناس بعد الانتقال مباشرة... إنما تُمنح هذه الهبة لمن له القلب النقي الذي تأهَّل لرؤيّة الله. أما صاحب القلب المثقل بالأوحال، فقد يوجد مع صاحب القلب النقي في مكان واحد، لكن يعاين صاحب القلب النقي الله، وأما صاحب القلب غير النقي فلا يري ما يشاهده الآخر.]
[اِعتقد أن هذا حدث بالنسبة للسيِّد المسيح حين كان بالجسد علي الأرض، فإنَّه ليس كل من نظره عاين الله... فبيلاطس رأي يسوع وهيرودس الوالي رآه ومع ذلك لم ينظراه كما هو إذ لم يستحقَّا ذلك.]
وجاء تفسير القدّيس أمبروسيوس يحمل ذات الفكرتين أن الله وملائكته يظهرون حينما يريد الله كعطيّة إلهيّة، وأن القلب النقي يعاين الله... فمن كلماته:
[إننا نرى الرب عندما يريد ذلك، لكننا لا نستطيع أن نراه بطبيعته كما هو... ظهر لإبراهيم لأنه أراد ذلك. لكن إن لم يردّ الإنسان فلا يظهر له الرب. رأى القدّيس إسطفانوس السماوات مفتوحة وابن الإنسان قائمًا عن يمين الله، بينما كان الشعب يرجمه (أع 7: 9)، ولم ينظر الشعب الله. أيضًا أبصر إشعياء السيِّد رب الجنود (إش 6: 1)، لكن أحدًا غيره لم يستطع أن ينظره.]
[ما الذي يدهشنا إن كان لا يرى أحد الله في هذا العالم إذ هو غير منظور، فلا يُرى ما لم يكشف هو عن ذاته؟ إنما في القيامة لا يراه غير أنقياء القلب، لأنه "طوبى للأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله" (مت 5: 8). لقد طوَّب الرب الكثيرين، لكنه لم يعد بمعاينة الله إلا لأنقياء القلب.]
[لا نعاين الله في مكان ما بل في القلب النقي، لا تبحث عن الله بالعين الجسديّة... بل من يستطيع أن يدرك ما هو العرض والطول والعمق والعلو، ويعرف محبَّة المسيح الفائقة المعرفة (أف 4: 20)، فبرأفة الله علينا ورحمته يبلغ بنا إلى ملء قامة المسيح حتى نستطيع أن نعاينه.]
وقد سبق لنا الحديث عن "رؤيّة الله" في كتابنا عن القدّيس يوحنا الذهبي الفم، لكن ما يجب تأكيده أن الله وهو غير منظور يود أن يُعلن ذاته ويشتاق أن نراه، هذه عطيَّته المجانيّة يقدَّمها للقلب النقي؛ فهو يعمل فينا بلا انقطاع بروحه القدِّوس لكي تتنقّى قلوبنا فيه، وترتفع لمشاهدته، والتمتَّع بأحضانه الأبويّة، وشركة الأمجاد السماويّة.
د. ظهر ملاك الرب عن يمين مذبح البخور، أي ما بين المذبح الذهبي (الصلاة) ومائدة خبز الوجوه (سّر الإفخارستيا). وكأن من يريد أن يلتقي مع القوات السمائيّة يلزمه أن يبسط يديه بالصلاة، فيقدَّم ذبيحة حب وبخور طيب قدام الله، وأن يدخل إلى مائدة الرب، يلتقي برب السمائيِّين ويحمله في داخله.
فمن جهة الصلاة يقول القدّيس أوغريس: [اِعلم أن الملائكة القدّيسين يدفعوننا إلى الصلاة، ويقفون إذ ذاك إلى جانبنا فرحين مصلِّين من أجلنا، فإذا تكاسلنا متقبِّلين أفكارًا غريبة نغيظهم كثيرًا، لأننا بينما هم يحاربون عنَّا بهذه القوّة، لا نريد نحن حتى التضرع إلى الله من أجل أنفسنا، بل نعرض عن خدماتهم، ونبتعد عن الرب إلههم لنذهب إلى الشيَّاطين الأدناس.]
أما بخصوص الاقتراب من المائدة المقدَّسة، فيتحدَّث عنه القدّيس يوحنا الذهبي الفم قائلاً: [كأن الإنسان قد أُخذ إلى السماء عينها، يقف بجوار عرش المجد، يطير مع السيرافيم، يترنَّم بالتسبحة المقدَّسة.]
هـ. "فلما رآه زكريَّا اضطرب، ووقع عليه خوف، فقال له الملاك: لا تخف يا زكريَّا..." [12-13]. إن كانت رؤيّة السمائيِّين تجعل القلب مضطربًا لأنه ينظر أمرًا غريبًا، لكنه لا يبقى في اضطرابه، بل يجد السماء عينها تهتم به وتناديه باسمه، وتهتم به شخصيًا، وتشبعه بالسلام الداخلي مع عطايا وخيرات إلهيّة فائقة.
يقدَّم لنا القدّيس أنطونيوس الكبير تمييزًا بين الرُؤى السماويّة والمناظر المخادعة، فالأولي حتى إن بدأت بخوف أو اضطراب لأن الإنسان لم يعتد رؤيَّتها لكنها تبعث سلامًا حقيقيًا في النفس، أما الأخرى فتفقد النفس سلامها؛ الأولي تلهب القلب بالسمائيَّات أما الثانية فتشعل الذهن وتربكه بالزمنيَّات، إذ يقول: [ظهور هذه الأرواح (الملائكة) هادئ وصامت يخلق فرحًا في النفس وشجاعة، لأن الرب فرحنا. الأفكار التي تخلقها هذه الظهورات تجعل النفس غير متزعزعة حتى تُنيرها بهذا الفرح، فتعرف ما هي الأرواح التي تظهر لها، إذ أن الشوق الإلهي وشوق الخيرات العتيدة يدخلان النفس ويتَّحدان بها. إن كان يوجد من يخاف من ظهور الأرواح الشرِّيرة فهذه الأرواح (الصالحة) تطرح عنهم الخوف جانبًا بالمحبَّة التي تظهرها كما فعل جبرائيل مع زكريَّا (لو 1: 3)، وكما فعل الملاك الذي ظهر للنسوة عند قبر الرب (مت 28: 5)، وعندما ظهر للرعاة قال لهم: لا تخافوا (لو 2: 10). إن خوف هؤلاء لم يكن نتيجة الخوف بل نتيجة اليقين بظهور الملائكة الصالحين؛ هذا هو ظهور الملائكة القدّيسين.] كما يقول: [إذا ما رأينا أرواحًا وأثارت اضطرابًا وضربات خارجيّة وتخيُّلات دنيويّة وتهديدًا بالموت وكل ما ذكرناه، فلنعرف أن هذا هو هجوم أرواح شرِّيرة.]
و. لعل زكريَّا قد نسيَ طلبته من الله أو فقد الرجاء في الإنجاب، لكن اسمه "زكريَّا" يعني "الله يذكُر"، فقد ذكر الله له ولامرأته طلباتهما ووهبهما لا من يُفرح قلبيهما وحدهما، وإنما من يُبهج قلوب الكثيرين. إنه يعطي ما طلبناه بالرغم من نسياننا، ويعطينا أكثر ممَّا نسأل وفوق ما نطلب، يعطي مؤكِّدًا عطيَّته، فقد عيَّن له اسمه.

أما من جهة "يوحنا" كعطيّة الله لزكريَّا واليصابات، فقد أعلن الملاك الآتي: أولاً: سّر فرح للكثيرين: "ويكون لك فرح وابتهاج، وكثيرين سيفرحون بولادته" [14]. قلنا أن إنجيل لوقا البشير هو "إنجيل الفرح"، فقد أرسل الله يوحنا السابق لينادي بالتوبة مهيِّئًا الطريق للرب في قلوب الكثيرين، فيفرح السمائيُّون كما يفرح المؤمنون. غاية الله أن يردّنا إلى فرحه الأبدي، ونُوجد في سلامٍ سماويٍ لا يشوبه ضيق أو مرارة، وها هو يُعد لهذا الفرح حتى بالبشارة بميلاد السابق له.
في دراستنا لسفر اللاويِّين (ص 12) رأينا في شريعة المرأة التي تلد كيف تبدأ فترة الميلاد للطفل بفترة تُحسب فيها الوالدة كمن في نجاسة، إذ التصقت الخطيّة بنا حتى في ميلادنا وموتنا، والآن إذ بدأ يُشرق شمس البرّ علي البشريّة ويصالحها مع السمائيِّين تحوّلت حياتنا فيه إلى فرح، وصار الميلاد مُفرحًا، وكما يقول القدّيس أمبروسيوس: [يوجد فرح خاص في بداية الحمل بالقدّيسين وعند ميلادهم، فالقدّيس لا يُفرِّح عائلته فحسب، وإنما يكون سببًا في خلاص الكثيرين. إن هذه العبارة تعلَّمنا أن نتهلَّل بميلاد القدّيسين.]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:07 pm

أقول ليتنا نحن أيضًا إن كنا قد عشنا زمانًا هذا مقداره بنفسٍ عاقرةٍ وجسدٍ بلا ثمر روحي، فلنتقبَّل وعود الله السمائيّة، ونحمل حنان الله ونعمته أي "يوحنا" في داخلنا، فنبتهج ونتهلَّل بالله، ويفرح معنا كثيرون بل والسماء عينها تشترك معنا في فرحنا (لو 15: 7).

لتكن حياتنا مثمرة في الرب فتبهج الكثيرين، ولا تكن عقيمة أو ثمرها قاتل أو مميت. يقول الأب تادرس: [الحياة والموت ليسا في ذاتهما صالحين أو شرِّيرين، ويؤكِّد هذا ميلاد يوحنا ويَّهوذا. أحدهما كانت حياته نافعة ويظهر ذلك ممَّا قيل عنه: "وكثيرون سيفرحون بولادته" (لو 1: 14). والآخر قيل عنه: "كان خيرًا لذلك الرجل لم يولد" (مت 26: 24).]ثانيًا: "لأنه يكون عظيمًا أمام الرب" [15]. لم يكن بعد قد وُلد يوحنا، ولا حبلت به في أحشائها، يدعوه الملاك "عظيمًا أمام الرب". فالعظمة لا بكثرة الأيام والسنين، ولا بقوّة الجسد والأعمال الظاهرة، إنما بالحياة الداخليّة القويّة.
كان العالم في ذلك الحين يحتقر الأطفال بوجه عام ولا يقدَّم لهم حقًا إنسانية. لكن إنجيل السيِّد المسيح يكشف عن صداقته للأطفال، فيتطلَّع إليهم كعظماء في عينه، الأمر الذي أكده السيِّد المسيح فيما بعد لتلاميذه حين قدَّم لهم طفًلا ليمتثلوا به من أجل بلوغ العظمة السماويَّة (مت 18: 2-3؛ لو 18: 15).
لنكن أطفالاً في الشرِّ فنحسب عُظماء وناضجين في الرب، لكن لا نسلك في ضعف الطفولة غير الناضجة، وإلا حُسبنا مُستعبَّدين تحت أركان العالم (غلا 4: 3)، وكما يقول القدّيس أمبروسيوس: [الإنسان الناضج (روحيًا) وحده يتخطَّى أركان هذا العالم.] لنكن ناضجين روحيًا في الرب فلا نحتقر الصغار كقول الرب: "اُنظروا لا تحتقروا أحد هؤلاء الأصاغر" (مت 18: 10).

يحدّثنا القدّيس أمبروسيوس في تفسيره لإنجيل لوقا عن عظمة يوحنا المعمدان قائلاً: [حياتنا لا تُقيَّم حسب الزمن وإنما حسب درجات الفضيلة... فقد دُعي يوحنا عظيمًا لا بسبب قوَّته الجسديّة بل الروحيّة، فإنَّه لم يقهر إمبراطوريَّات ولا وضع في برنامجه أن تكون له غنائم ونصرات، بل تطلَّع إلى ما هو أفضَّل جدًا، إذ كان الصوت الصارخ في البريّة الذي صرع الملذَات الجسديّة وتراخي الجسد بسمو روحه وقوَّتها. كان صغيرًا في الأمور العالميّة، عظيمًا في الروحيات. أخيرًا فإنَّ سر عظمته هو عدم سيطرة حب هذه الحياة الزمنيّة عليه الأمر الذي لم يعقه عن إدانة الخطيّة.] ثالثًا: "ومن بطن أمه يمتلئ من الروح القدس" [15]. بعد أن حدَّد اسمه وأعلن فاعليته كمُفرِّح للقلوب أوضح إمكانيَّاته، فمن الجانب السلبي "خمرًا ومسكرًا لا يشرب"، كنذير للرب لا يكون لملذَات العالم أو بهجته موضع في قلبه أو في جسده، أما من الجانب الإيجابي فإنَّه لا يعيش محرومًا بل يمتلئ من الروح القدس من بطن أمه. يُحرم من الخمر المادي المسكر ويرتوي بالخمر السماوي المفرح!
يقول العلامة أوريجينوس: [جاء رئيس ملائكة يعلن عن ميلاد يوحنا الذي يمتلئ من الروح القدس من بطن أمه...، ففي بطن أمه تهلَّل يوحنا من الفرح، ولم يستطع أن يتوقَّف عندما جاءت أم يسوع، بل كان يحاول أن يخرج من بطن أمه... "هوذا حين صار صوت سلامك في أذني اِرتكض الجنين بابتهاج في بطني" [44] .]

ويقول القدّيس أمبروسيوس: [كان يفتقر لروح الحياة (كجنين) ونال روح النعمة، فإنَّ حقيقة الحياة تسبقها النعمة للتقديس، إذ يقول الرب: "قبلما صوَّرتك في البطن عرفتك، وقبلما خرجت من الرحم قدَّستك، جعلتك نبيًا للشعوب" (إر 1: 5). شتَان بين روح العالم وروح النعمة، فالأولى تبدأ بالميلاد وتنتهي بالموت، أما الثانية فلا يحدّها الزمن ولا السنين، ولا يطفئ الموت شعلتها، ولا يغلق عليها رحم الأمومة... إن من يمتلك روح النعمة لا يعود يفتقر إلى شيء، ومن نال الروح القدس بلغ قمة الفضائل.]رابعًا: "ويردّ كثيرون من بني إسرائيل إلى الرب إلههم" [16]. هنا يؤكِّد رسالته وهي ردْ الكثيرين من بني إسرائيل إلى الرب إلههم بتمهيد الطريق بالتوبة لقبول السيِّد المسيح مخلِّص العالم. يرى العلامة أوريجينوس أن العالم في حاجة مستمرَّة إلى عمل يوحنا الذي يسمِّيه "سرّ يوحنا" ليدخل بكل نفس إلى الثبوت في المسيح، إذ يقول: [اِعتقد من جانبي أن سّر يوحنا لا يزال يتحقّق إلى يومنا هذا، فيستطيع الإنسان أن يؤمن بيسوع المسيح إن كان له روح يوحنا وقوَّته في نفسه، هذا لكي يعد شعبًا كاملاً لربِّنا، وإن كان له الخشونة ويسلك الطريق الضيق... إلى اليوم روح يوحنا وقوَّته يسبقان مجيء الرب يسوع.] خامسًا: "ويتقدَّم أمامه بروح إيليَّا وقوَّته" [17]. يعلِّق العلامة أوريجينوس على هذه العبارة هكذا: [لم يقل بنفس إيليَّا بل "بروح إيليَّا وقوَّته"، فكان لإيليَّا روح وقوّة كسائر الأنبياء... الروح الذي سكن في إيليَّا سكن يوحنا، والقوّة التي في إيليَّا كانت في يوحنا.]
ويقدَّم لنا القديس أمبروسيوس مقارنة لطيفة بين إيليَّا ويوحنا المعمدان، جاء فيها:
[عاش إيليَّا في البريّة وكذا يوحنا،
وكانت الغربان تعول الأول أما الثاني ففي طريق البريّة قد داس كل إغراءات الملاهي، وأحبَّ الفقر مبغضًا الترف. الواحد لم يسَعََ لكسب رضاء آخاب الملك، والثاني اِحتقر رضا هيرودس الملك.
رداء الأول مزَّق مياه الأردن، بينما الثاني جعل من هذه المياه مغسلاً يهب خلاصًا.
الأول ظهر مع الرب في المجد (عند التجلِّي)، والثاني يحيا مع الرب في الأرض.
واحد يسبق مجيء الرب الأول والآخر يسبق مجيئه الثاني.
الأول أنزل الأمطار على الأرض بعد أن جفَّت ثلاث سنوات والثاني غسل تراب أجسادنا في مياه الإيمان خلال ثلاث سنوات (سنة عهد الآباء وسنة عهد موسى والأنبياء؛ ثم سنة مجيء الرب إلهنا ومخلِّصنا).]

إن سّر القوّة في القدّيس يوحنا أنه حمل روح إيليَّا، لا بمعنى روحه كشخص، إنما روح القوّة التي وُهبت له من قِبل الله، أو الإمكانيَّات التي قُدَّمت له، لهذا يقول القدّيس أغسطينوس: [يقصد بروح إيليَّا الروح القدس الذي تقبله إيليَّا.]3. صمت زكريَّا
"فقال زكريَّا للملاك:
كيف أعلم هذا، لأني أنا شيخ، وامرأتي متقدَّمة في أيامها؟
فأجاب الملاك وقال له:
أنا جبرائيل الواقف قدام الله،
وأُرسلت لأكلِّمك وأُبشرك بهذا.
وها أنت تكون صامتًا، ولا تقدر أن تتكلَّم إلى اليوم الذي يكون فيه هذا،
لأنك لم تصدق كلامي الذي سيتم في وقته" [18-20].

في هذا الحوار الذي تم بين رئيس الملائكة جبرائيل وزكريَّا الكاهن داخل الهيكل نلاحظ الآتي: أولاً: لم يصدِّق زكريَّا الكاهن كلمات الملاك، بالرغم من رؤيته للملاك وسماعه للصوت الملائكي بطريقة ملموسة، في النهار، داخل الهيكل، الأمر الذي جعله يُلام عليه، خاصة وأن التاريخ المقدَّس يذكر أمثلة حيّة لأُناس شيوخ أنجبوا بينما كانت نساؤهم عاقرات كسارة امرأة إبراهيم. لكن زكريَّا كان بارًا، لم يلقِ باللوم على زوجته في عدم الإنجاب، ولم يذكر حتى بينه وبين الملاك أنها عاقر، إنما بدأ بنفسه قائلاً: "أنا شيخ وامرأتي متقدَّمة في أيامها". أقول ما أجمل النفس البارة الرقيقة في أحاسيسها، لا تجرح مشاعر الآخرين حتى في غيبتهم! إنه لا يشكو حتى للسماء من أجل عُقر زوجته!ثانيًا: أعلن رئيس الملائكة عن نفسه أنه "جبرائيل" ويعني "جبروت الله"، أما سرّ قوَّته أو جبروته فهو كما قال "الواقف قدام الله". جاء يحمل الوعد الإلهي وليبشِّر، لكنه التزم أيضًا أن يؤدَّب بالصمت كأمر الله! ثالثًا: في محبَّته وهب زكريَّا الكاهن البشارة المُفرحة بميلاد يوحنا كهبة مجََّانيَّة قُدَّمت له، بل وللبشريّة كلها، والآن إذ تمتَّع الكاهن بهذا الوعد الأكيد، وحدَّد له الرب على فم رئيس ملائكته اسم المولود وسِماته ورسالته وإمكانيَّاته، ومع ذلك لم يصدِّق، لذلك سمح الله في محبَّته أيضًا أن يؤدِّبه إلى حين. الله في أبوَّته لنا يهب كما في أبوَّته يؤدِّب لبنياننا.
والعجيب حتى الأخطاء التي نرتكبها يستخدمها الله للخير، فما حدث لزكريَّا بسبب شكِّه صار رمزًا لما يحدث للشعب اليهودي الذي لم يصدِّق السماء ولا مواعيد الله، فلم يقبل ربِّنا يسوع ملِكًا روحيًا ومخلِّصًا. لهذا سقط تحت تأديب الصمت، حتى يقبلوا الإيمان في أواخر الدهور. سقطوا تحت الصمت إذ رفضوا كلمة الله المتجسّد، فنزع عنهم الأنبياء وتوقَّفت العبادة الهيكليّة.
يقول العلامة أوريجينوس: [صمت زكريَّا هو صمت الأنبياء عند شعب إسرائيل، فلا يتكلَّم الله بعد مع اليهود بينما جاء الله الكلمة الذي من البدء. لقد صار معنا المسيح الذي لا يصمت، لكنه صامت حتى يومنا هذا بالنسبة لليهود.]
ويقول القدّيس أمبروسيوس: [الصمت هو الكف عن تقديم الذبائح وسكوت الأنبياء، فقد توقَّف صوت النبي والكاهن، إذ يقول الله "سأنزع الجبار والنبي والقاضي" (إش 1: 31)... أما بالنسبة لنا، فقد جاء إلينا كلمة الله الذي لا يمكن أن يسكت فينا، لذا لا يستطيع اليهودي أن يحاور المسيحي: "إذ أنتم تطلبون برهان المسيح المتكلَّم فيّ" (1 كو 13: 3).]
إن كان زكريَّا في صمته كان يومئ بالإشارات والحركات الجسديّة لحرمانه من موهبة الكلام، ففي هذا كان أيضًا يرمز لليهود الذين اهتموا بأعمال الناموس الجسديّة بلا فهم روحي، وكما يقول العلامة أوريجينوس: [في اِعتقادي توجد أفعال بدون أقوال أو معنى، لا تختلف عن الإيماءات التي بلا معنى... فإذا اِعتبرنا الشرائع اليهوديّة كما بدون كلام لعدم فهمها وتفسيرها... يمكننا أن نفهم ما حدث لزكريَّا صورة لما يحدث مع اليهود حتى أيامنا هذه. التطهير عندهم أشْبه بحركة بسيطة دون معنى، فإنَّ نظرنا إليه يمكننا اِعتباره إيماءة بسيطة وعملاً صامتًا. أيضًا الفصح والأعياد الأخرى ما هي إلا حركات بسيطة لا حقائق. وحتى يومنا هذا الشعب الإسرائيلي أصم وأبكم، فإنَّه إذ رفض "الكلمة" وابتعد عنه صار هكذا .]
إن كان زكريَّا الكاهن قد صمت، إنما لكي بصمته أعلن عن الحاجة إلى "الكلمة" الإلهي الذي فقده إسرائيل... وكأنه حتى بالصمت مهَّد الطريق للإعلان عن السيِّد المسيح. هذا ومن جانب آخر، فقد سمح له بالصمت كفرصة رائعة يتوقَّف فيها الكلام مع الناس لكي ينشغل قلبه بالحديث مع الله، يتأمَّل أعماله ويتلمَّس أسراره ويتفهَّم النبوَّات.
كما اِعتزل زكريَّا كلام الناس بسبب صمته، اِعتزلت اليصابات زوجته الناس بسبب خجلها، إذ يقول الإنجيلي: "وبعد تلك الأيام حبلت اليصابات امرأته، وأخفت نفسها خمسة أشهر، قائلة: هكذا قد فعل بي الرب..." كانت لهما فرصة روحيّة للحديث مع الله وحده، يتأمَّلان عمله معهما، وينتظران عطيَّته لهما.
اِستنتج العلامة أوريجينوس والقدّيس أمبروسيوس من خجل اليصابات أنها إذ لم تنجب زمانًا توقَّفت عن العلاقات الجسديّة بينها وبين رجلها، إذ كان رجال الله يلتقون بزوجاتهم جسديًا من أجل الإنجاب، فإنَّ تحقّقوا من عدم الإنجاب بقيت علاقاتهم مرتبطة بالحب الزوجي دون علاقات جسديّة... هكذا إذ حملت اليصابات خجلت من الظهور أمام الناس، حتى اِلتقت بالسيِّدة العذراء الحاملة لكلمة الله المتجسّد في أحشائها، وإذ ابتهج الجنين في أحشائها لم تعد اليصابات تخجل... إنها تحمل ثمرًا فائقًا؛ تحمل من هو أعظم مواليد النساء، يوحنا السابق.
ونحن يمكننا أن نقول بأن العلاقات الجسديّة بين الزوجين مقدَّسة وطاهرة مادامت باعتدال، لا يغلب عليها روح الشهوة والأنانيّة خلال طلب لذَّة الجسد، بل روح الحب الزوجي والعطاء. في المسيح يسوع كلمة الله المتجسّد - يجد الزوجان أنهما قد صارا جسدًا واحدًا، يعيشان بالروح حتى في لحظات لقائهما معًا، يظللهما روح الله بلا اِنقطاع، فيكونا مقدَّسين على الدوام في كل تصرفاتهما.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:08 pm

البشارة بالتجسّد الإلهي
"وفي الشهر السادس أٌرسل جبرائيل الملاك من الله
إلى مدينة من الجليل اسمها ناصرة،
إلى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف
واسم العذراء مريم..." [26-27].
أولاً: منذ خمسة أشهر سبق فبشَّر الملاك زكريَّا الكاهن، والآن مع بداية الشهر السادس جاء يبشِّر القدّيسة مريم، لكن شتَّان بين البشارتين. حقًا إن البشارة الأولى تمَّت داخل الهيكل أثناء العبادة الجماعيّة، رافقها زكريَّا أمام الجميع وتحدَّث عنها الكهنة، إذ تمَّت مع زميلهم الكاهن، لكن كانت بشارة بميلاد أعظم مواليد النساء يوحنا السابق خادم الكلمة؛ أما البشارة الثانية فتمَّت في بيت مجهول في قريّة فقيرة بطريقة سريّة لم يلمسها حتى صاحب البيت نفسه "يوسف النجار"، وقد كانت بشارة بتجسّد الكلمة ذاته! لقد أخلى الابن ذاته، حتى في البشارة به لم تتم به بين كهنة، ولا في داخل الهيكل، ولا على مستوى الجماعة، إنما تمَّت مع فتاة فقيرة في مكان بسيط.
ثانيًا: أٌرسل الملاك إلى "عذراء مخطوبة لرجل"، لماذا لم يُرسل إلى عذراء غير مخطوبة؟
أ. يجيب العلامة أوريجينوس بأن وجود الخاطب أو رجل مريم ينزع كل شكٍ من جهتها عندما تظهر علامات الحمل عليها، ويقول القدّيس أمبروسيوس: [ربَّما لكي لا يُظن أنها زانية. ولقد وصفها الكتاب بصفتين في آن واحد، أنها زوجة وعذراء. فهي عذراء لأنها لم تعرف رجلاً، وزوجة حتى تُحفظ ممَّا قد يشوب سمعتها، فانتفاخ بطنها يشير إلى فقدان البتوليّة (في نظر الناس). هذا وقد اِختار الرب أن يشك البعض في نسبه الحقيقي عن أن يشكُّوا في طهارة والدته... لم يجد داعيًا للكشف عن شخصه على حساب سمعة والدته.]
سبق لنا دراسة الخطبة والزواج حسب التقليد اليهودي، وكيف كانت الخطبة تعادل الزواج حاليًا في كل شيء ماخلا العلاقات الجسديّة، لهذا دعيت القدّيسة مريم "امرأة يوسف".
ب. يرى العلامة أوريجينوس نقلاً عن القدّيس أغناطيوس أن وجود يوسف يشكِّك الشيطان في أمر المولود ويُربكه من جهة التجسّد الإلهي. وقد قدَّم لنا القدّيس أمبروسيوس ذات الفكر حين قال: [هناك سبب آخر لا يمكن إغفاله وهو أن رئيس هذا العالم لم يكتشف بتوليّة العذراء، فهو إذ رآها مع رجلها لم يشك في المولود منها، وقد شاء الرب أن ينزع عن رئيس هذا العالم معرفته. هذا ظهر عندما أوصى السيِّد تلاميذه ألا يقولوا لأحد أنه المسيح (مت 16: 22)، كما منع الذين شفاهم من إظهار اسمه (مت 5: 4) وأمر الشيَّاطين ألا تتكلَّم عن ابن الله (لو 4: 35). يؤيِّد ما ذكره الرسول أيضًا: "بل نتكلَّم بحكمة الله في سّر، الحكمة المكتومة التي سبق الله فعيَّنها قبل الدهور لمجدنا، التي لم يعملها أحد من عظماء هذا الدهر، لأن لو عرفوا لما صلبوا رب المجد" (1 كو 2: 7-8)... إذن لقد توارى الرب عن إبليس لأجل خلاصنا. توارى لكي ينتصر عليه، توارى عنه في التجربة، وحين كان يصرخ إليه ويلقبِّه "ابن الله" لم يؤكِّد له حقيقة لاهوته. توارى الرب أيضًا عن رؤساء البشر. وبالرغم من تردّد إبليس حين قال: "إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل" (مت 4: 6) إلا أن الأمر قد انتهى بمعرفته إيَّاه، فقد عرفتْهُ الشيَّاطين حين صرخت: "ما لنا ولك يا يسوع ابن الله أجئت إلى هنا قبل الوقت لتعذِّبنا؟!" (مت 8: 29). لقد عرفتْه الشيَّاطين إذ كانت تترقَّب مجيئه، أما رؤساء العالم فلم يعرفوه... استطاع الشيطان بمكر أن يكشف الأمور المكتوبة أما الذين اقتنصتهم كرامات هذا العالم فلم يستطيعوا أن يعرفوا أعمال الله.]
ثالثًا: كرَّر الإنجيلي كلمة "عذراء" وكأنه أراد تأكيد عذراويَّتها ليعلن أن السيِّد المسيح ليس من زرع بشر. هذا ما أعلنه حزقيال النبي بقوله عن الباب الشرقي: "هذا الباب يكون مغلقًا لا يُفتح، ولا يدخل منه إنسان، لأن الرب إله إسرائيل دخل منه فيكون مغلقًا، الرئيس، الرئيس هو يجلس فيه" (حز 44: 2-3). ولذلك جاء في الطقس البيزنطي عن السيِّدة العذراء: [السلام لكَ، أيها الباب الفريد الذي عبر منه الكلمة وحده.]
إنها عذراء وزوجة (عروس) في نفس الوقت، إذ تمثِّل العضو الأول في الكنيسة العذراء عروس المسيح، وكما يقول القدّيس أمبروسيوس: [كانت مريم الزوجة العذراء تمثِّل في آن واحد الكنيسة العروس التي بلا عيب. فالكنيسة عروس المسيح البتول، حبلت بنا بالروح القدس وولدتنا بغير ألم، ومريم حبلت بالروح لا بالزواج، وهكذا صارت تمثِّل كل الكنائس التي تثمر بالروح والنعمة، وإن كانت تتَّحد ظاهريًا تحت لواء راعٍ بشري.]
يقول القدّيس أغسطينوس: [كما ولدت مريم ذاك الذي هو رأسكم، هكذا ولدتكم الكنيسة، لأن الكنيسة هي أيضًا أم وعذارء، أم في أحشاء حبنا، وعذراء في إيمانها غير المزعزع. هي أم لأمم كثيرة الذين يمثِّلون جسدًا واحدًا، وذلك على مثال العذراء أُم الكثيرين وفي نفس الوقت هي أُم للواحد.]
يقول القدّيس كيرلس الكبير: [لنُطوِّب مريم دائمة البتوليّة بتسابيح الفرح، التي هي نفسها الكنيسة المقدَّسة.]
رابعًا: يحدّد الإنجيل اسم المدينة التي جاء إليها الملاك ليلتقي بالقدّيسة العذراء مريم، وهى "ناصرة". مدينة في الجليل بشمال فلسطين، تبعد 88 ميلاً شمال أورشليم، و15 ميلاً جنوب غربي طبريّة. عاش فيها القدّيس يوسف والقدّيسة العذراء مريم، وقد قضى السيِّد المسيح القسط الأوفر من الثلاثين عامًا الأولى في حياته فيها (لو 3: 23؛ مر 1: 9)، فدُعيَ بالناصري (مت 12: 11؛ مر 1: 24). إذ بَدَأ رسالته رفضَهُ أهلها مرّّتيْن (لو 4: 28-31؛ مت 4: 13؛ 13: 54-58؛ مر 6: 1-6). تقع على تل (لو 4: 29)، ولم يكن لها أهميّة تُذكر، فلم ترد في العهد القديم، ولا في وثائق الدول العظمى قبل مجيء المسيح، ولا في كتابات المؤرِّخ اليهودي يوسيفوس. لعلَّ كلمة "ناصرة" تعني "قضيب" أو "غصن"... ولهذا السبب كثيرًا ما دُعي السيِّد المسيح بالغُصن.
خامسًا: جاءت تحيّة الملاك: "سلامٌ لكِ أيَّتها الممتلئة نعمة، الرب معك، مباركة أنت في النساء" [28].لم تكن بالتحيّة العاديّة وإنما جاءت تحيَّة فريدة، حملت كل معنىالفرح، فالكلمة اليُّونانيّة "شيريه" التي تُرجمت هنا "سلام" ورد فعلها حوالي 80 مرة في الترجمة السبعينيّة للعهد القديم، تُرجم نصفها "يفرح" والنصف الآخر استخدم للتعبير عن فرح شعب الله بعمل مثير يمس خلاصهم. وكأن القدّيسة مريم قد نالت باسم الكنيسة كلها التي هي عضو فيها فرحًا فائقًا خلال تجسّد الله الكلمة وحلوله فيها.
فيما يلي بعض التعليقات للآباء على هذه التحيّة الفريدة:
v انفردت بدعوتها "الممتلئة نعمة"، إذ وحدها نالت النعمة التي لم يقتنيها أحد آخر غيرها، إذ امتلأت بمواهب النعمة.
القدّيس أمبروسيوس
v هذا الميلاد مطلقًا هو نعمة، فيه تمَّ الاتِّحاد، اتِّحاد الإنسان بالله، والجسد بالكلمة... لم تكن الأعمال الصالحة هي الاستحقاق لتحقيقه.
القدّيس أغسطينوس
v التحفت بالنعمة الإلهيّة كثوب،
امتلأت نفسها بالحكمة الإلهيّة،
في القلب تنعَّمت بالزيجة مع الله،
وتسلَّمت الله في أحشائها!
الأب ثيؤدسيوس أسقف أنقرة
سمعت القدّيسة مريم الملاك يقول لها: "الرب معكِ"، وكان لهذا التعبير مفهومه الخاص بالنسبة لها، فقد ذاقت معيّة الله على مستوى فريد، إذ حملت كلمة الله في أحشائها، وقدَّمت له من جسدها ودمها!
"مباركة أنت في النساء"... وكما يقول العلامة أوريجينوس: [الفرح الذي بوَّق به جبرائيل لمريم نزع حكم الحزن الصادر من الله ضد حواء]، [كما بدأت الخطيّة بالمرأة وبعد ذلك عبرت إلى الرجل، هكذا بدأت البشارة بالنسوة (مريم واليصابات).]
سادسًا: "فلما رأتهُ اضطربت من كلامه وفكَّرت ما عسى أن تكون هذه التحيّة. فقال لها الملاك: لا تخافي يا مريم، لأنك قد وجدت نعمة عند الله" [29-30].
يقول القدّيس جيروم: [لقد اضطربت ولم تستطع أن تجاوبه، إذ لم يسبق لها أن قدَمت تحيّة لرجلٍ من قبل، لكنها إذ عرفته من هو أجابته، هذه هي التي كانت تخاف الحديث مع رجل، صارت تتحدَّث مع ملاك بلا خوف.]
هكذا يرى كثير من الآباء أن السيِّدة العذراء كنموذج حيّ للعذارى اللواتي تكرَّسن للعبادة يسلُكن بحياءٍ شديدٍ، ولا يلتقين برجالٍ، بل يقضين حياتهنَّ في بيوتهنَّ أو في بيوت العذارى، لا يتعاملْن مع الرجال. لكننا لا نستطيع أن ننكر أن مع ما اتَّسَمت به العذراء من حياء شديد وتكريس كامل لحساب الرب، وعدم رغبتها في الزواج، كما يظهر من قولها للملاك: "كيف يكون لي هذا وأنا لست أعرف رجلاً" لكنها كانت الإنسانة الفعّالة في الجماعة المقدَّسة. فعّالة بصلواتها وتقواها، وفعّالة أيضًا بقبولها عطيّة الله الفائقة (تجسّد الكلمة في أحشائها)، وفعّالة في الخدمة، ففي أول معجزة للسيِّد المسيح طلبت منه "ليس لهم خمر" (يو 2: 3)، ورافقت السيِّد حتى الصليب، وبعد الصعود كانت مع التلاميذ تسندهم. فالبتوليّة لا تعني السلبيّة، إنما إيجابيّة الحّب الباذل المُعلن خلال العبادة والعمل، في حدود مواهب الإنسان التي يتسلّمها من الرب نفسه. لذلك يقول القدّيس أغسطينوس: [لا تكرم البتوليّة من أجل ذاتها، وإنما لانتسابها لله.]
سابعًا: جاء الوعد الإلهي للقدّيسة مريم على لسان الملاك:
"وها أنت ستحبلين وتلدين ابنًا وتسمِّينه يسوع.
هذا يكون عظيمًا وابن العلي يُدعى،
ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه،
ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد،
ولا يكون لمُلكه نهاية" [31-33].
تمتَّعت القدّيسة مريم بهذا الحبل الإلهي، إذ تجسّد ابن العلي فيها، هذا الذي ترقبه رجال العهد القديم كملكٍ يجلس على كرسي داود ويملك أبديًا، وكمخلِّصٍ لذا يدعى "يسوع" الذي يعني "يهوه خلاصي".
v ليس من يشبه والدة الإله، فإنَّك وأنت تسكنين الأرض صرِت أُمًا للخالق.
(بارالكس) لحن البركة
v إن كان ابن الله قد صار ابنًا لداود، فلا تشك يا ابن آدم أنك تصير ابنًا لله.
إن كان الله قد نزل أعماقًا كهذه، فإنَّه لم يفعل هذا باطلاً، إنما ليرفعنا للأعالي!
وُلد بالجسد، لكي تولد أنت ثانية حسب الروح.
وُلد من امرأة، لكي تصير أنت ابنًا لله.
القدّيس يوحنا ذهبي الفم
ثامنًا: إذ سمعت القدّيسة مريم الوعد الإلهي بروح التواضع وفي إيمان، دُهشت إذ كان الوعد فريدًا لم يُسمع في الكتب المقدَّسة إنسانًا ناله، لهذا تساءلت:
"كيف يكون هذا وأنا لست أعرف رجلاً؟!.
فأجاب الملاك، وقال لها:
الروح القدس يحلُّ عليكِ، وقوّة العليّ تظلِّلك،
فلذلك أيضًا القدِّوس المولود منك يُدعى ابن الله" [34-35].
أ. يظهر من حديث العذراء أنها قد نذرت البتوليّة، فلو أنها كانت تود الزواج لما قالت هكذا، بل تقول: "متى يكون هذا؟!" منتظرة تحقيق الوعد خلال الزواج. لقد وضعت في قلبها أن تكون بتولاً للرب، فحلّ البتول فيها، ليُقدِّس فيها بتوليّة الكنيسة الروحيّة. وكما يقول القدّيس أغسطينوس: [اليوم تحتفل الكنيسة البتول بالميلاد البتولي... فقد أكّد السيِّد المسيح بتوليّة القلب التي يريدها للكنيسة أولاً خلال بتوليّة جسد مريم. فالكنيسة وحدها هي التي تستطيع أن تكون بتولاً فقط حين ترتبط بعريس، ألا وهو ابن البتول، إذ تقدِّم له ذاتها تمامًا.]
ب. يقول القدّيس أمبروسيوس: [لم ترفض مريم الإيمان بكلام الملاك، ولا اعتذرت عن قبوله، بل أبدت استعدادها له، أما عبارة: "كيف يكون هذا؟" فلن تنم عن الشك في الأمر قط، إنما هو تساؤل عن كيفيّة إتمام الأمر... إنها تحاول أن تجد حلاً للقضيّة... فمن حقِّها أن تعرف كيف تتم الولادة الإعجازيّة العجيبة.] لذلك جاءت إجابة الملاك لها تكشف عن سرّ عمل الله فيها لتحقيق هذه الولادة: "الروح القدس يحلُّ عليك، وقوّة العليِّ تظلِّلك، فلذلك أيضًا القدِّوس المولود منك يُدعى ابن الله".
الروح القدس يحلُّ عليها لتقديسها، روحًا وجسدًا، فتتهيَّأ لعمل الآب الذي يُرسل ابنه في أحشائها يتجسّد منها. حقًا يا له من سرّ إلهي فائق فيه يًعلن الله حبُّه العجيب للإنسان وتكريمه له!
أما هذا الإعلان أحنت رأسها بالطاعة لتقول: "هوذا أنا أَمَة الرب ليكن لي كقولك" [38]. شك زكريَّا الكاهن في إنجاب زوجته، والبتول آمنت، وفي طاعتها قبِلت عمل الله، وكما يقول القدّيس أمبروسيوس: [لقد سَمت بإيمانها على الكاهن؛ فالكاهن أخطأ وتوارى، والعذراء قامت بإصلاح الخطأ.] هكذا صمت زكريَّا بسبب شكِّه وحملت العذراء بالكلمة المتجسّد أو النطق الإلهي الذي لن يصمت.
يرى القدّيس إيريناؤس أن طاعة القدّيسة مريم قد حلَّت موضع عِصيان أُمِّها حواء؛ الأخيرة بعِصيانها عقَّدت الأمر، وجاءت ابنتها تحِل العقدة بالطاعة.
ويرى اللاهوتيون أنه في هذه اللحظات التي قدَّمت الطاعة لله والخضوع قبلت التجسُّد، إذ لم يكن ممكنًا أن يتم التجسّد بغير إرادتها وقبولها للعمل، إذ يقدِّس الله الحريّة الإنسانيّة.
يقول القدّيس أمبروسيوس: [إنها تصف نفسها أَمََة للرب مع أنها اُختيرت أُمًا له، فإنَّ الوعد الذي تحقّق لم يُسقطها في الكبرياء.] ويقول القدّيس أغسطينوس أن السيِّد المسيح المتواضع لا يُعلِّم أُمة - في الحبل به- الكبرياء بل التواضع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:09 pm

. لقاء مريم باليصابات
إن كانت القدّيسة مريم قد صارت ممثَّلة للبشريّة المؤمنة، أو ممثَّلة للكنيسة بكونها قبلت الإيمان بوعد الله وانحنت ليحل كلمة الله فيها، فإنَّها إذ تمتَّعت بالكلمة داخلها لم تستطع إلا أن تنطلق "بسرعة إلى الجبال إلى مدينة يهوذا" [39]،لتلتقي بنسيبتها اليصابات... صورة حيّة للكنيسة الحاملة للعريس فيها، والتي لن تستريح، بل تنطلق عَبر الأجيال كما على الجبال لكي تقدّم عريسها لكل نفس في العالم.
حسب المنطق البشري كان يلزمها أن تتوارى، وتبحث الأمر في نفسها كما مع خطيبها، لتدبير أمر الحبل والميلاد، لكنها وقد حملت ذاك الذي يحمل هموم العالم ويدبِّر كل الأمور لم تفكر فيما هو لنفسها، بل بروح الخدمة انطلقت إلى الجبال إلى مدينة يهوذا تخدم اليصابات.
إن حملنا مسيحنا في داخلنا ننطلق بقلب منفتح ونخرج عن "الأنا" متَّسعة قلوبنا بالحب للجميع، مشتهين خدمة الجميع!
يلاحظ في هذا اللقاء المبارك الآتي:
أولاً: حسب المنطق البشري يبحث الفقير عن الغَني، والمحتاج عمن يسد له احتياجه، والتلميذ عن معلِّم، أما حسب المنطق الإلهي فالكبير يطلب الصغير ويبحث عنه، لكي يضمُّه بالحب ويحمله على منكبيه. هكذا "الله أحبَّنا أولاً"، لقد بادر بالحب ونزل إلينا، إذ لا نقدر نحن أن نرتفع إليه. هو ينحني ليحملنا من التراب وينتشلنا من الأعماق ليدخل بنا إلى أحضان الآب ويرفعنا إلى سماواته. وهكذا إذ يحل فينا نجرى نحو الضعفاء ونبحث عن الكل لخدمتهم.
يقول العلامة أوريجينوس: [الممتازون يتقدَّمون إلى من هم أقل امتيازًا لمنحهم بعض المزايا. هكذا جاء المخلِّص إلى يوحنا ليقدِّس المعموديّة. وبمجرد أن سمعت مريم رسالة الملاك أنها ستحبل بالمخلِّص، وأن ابنة خالتها اليصابات حُبلى "قامت وذهبت بسرعة إلى الجبال ودخلت بيت اليصابات" [39-40]. يسوع وهو في بطن العذراء يُسرع بتقديس يوحنا المعمدان الذي كان لم يزل بعد في بطن أُمّه.] ويقول القدّيس أمبروسيوس: [من كان أرفع منزِلة يزور الأقل؛ مريم ذهبت إلى اليصابات، ويسوع ذهب إلى يوحنا إذ أراد يسوع أن يقدِّس معموديّة يوحنا بنفسه ليعتمد.]
إن حملنا مسيحنا القدِّوس نتقدَّس فننطلق إلى كل موضع مشتاقين أن يقدِّس الكل معنا!
ثانيًا: يقول العلامة أوريجينوس: [استحقَّت مريم أن تكون والدة الإله، فصار عليها أن تصعد الجبال وتبقى في المرتفعات.] وأيضًا يقول القدّيس أمبروسيوس: [أغريب على تلك التي امتلأت بالله أن ترتفع سريعًا إلى أعلى؟!]
ثالثًا: إذ حملت القدّيسة مريم كلمة الله محب البشر، جاء لقاؤها مع اليصابات رقيقًا للغاية، تحمل روح الخدمة في تواضع، لذلك يطالب القدّيس أمبروسيوس في تفسيره لإنجيل متى أن تتعلَّم العذارى من القدّيسة مريم رقتها وتواضعها وتكريمها للكبار. ما أحوجنا اليوم إلى إدراك أن نوالنا نعم الله، خاصة الرتب الكهنوتيّة، يلزم أن يدفعنا للخدمة المتواضعة بلا حب للكرامة أو التسلُّط، إنما بشوق لغسل الأقدام برقَّة!
رابعًا: دخلت مريم بيت اليصابات تحمل عريسها في أحشائها، لذلك إذ سلَّمت عليها يقول الإنجيلي: "فلما سمعت اليصابات سلام مريم ارتكض الجنين في بطنها، وامتلأت اليصابات من الروح القدس" [41].
أقول ليتنا في زياراتنا ولقاءاتنا مع الآخرين نحمل إليهم مسيحنا القدِّوس الذي يبهج أحشاءهم الداخليّة، ويلهب روحه القدِّوس فيهم، عوض أن نحمل معنا أفكارًا شرِّيرة وكلمات إدانة فنملأهم غمًا ونطفئ الروح في داخلهم.
وقد لاحظ الدارسون أن كلمة "ارتكَض" بالعبريّة جاءت بمعنى "رقص"، هي ذات الكلمة التي استخدمت حين رقص داود النبي أمام التابوت.
v أسألك أن تقبل الحبل به وأن ترقص أمامه، إن لم يكن في الرحم كيوحنا فعند استقرار التابوت كما فعل داود.
القدّيس غريغوريوس النزينزي
v بدون شك إذ امتلأت اليصابات من الروح القدس إنما ذلك لأجل ابنها يوحنا، الذي كان لا يزال في بطن أمه امتلأ من الروح القدس. وإذا تقدَّس الابن بعد ذلك امتلأت اليصابات أيضًا من الروح القدس.
العلامة أوريجينوس
v ظهرت في الحال بركات زيارة مريم ووجود الرب، لأنه عندما سمعت اليصابات صوت سلام مريم ارتكَض الجنين بابتهاج في بطنها وامتلأت من الروح القدس.
كانت اليصابات أول من سمع صوت مريم، لكن يوحنا كان أول من تأثر بالنعمة...
عرفت اليصابات قدوم مريم، وشعر يوحنا بوجود المسيح،
المرأة شعرت بوجود المرأة، والجنين شعر بوجود الجنين،
وبينما كانتا تتحدَّثان عن النعمة، كان الجنينان يحقّقان في الداخل عمل المراحم الإلهيّة.
الطفل ارتكَض ثم امتلأت الأم، إذ لم تمتلئ قبل الطفل...
القدّيس أمبروسيوس
v إذ امتلأ يوحنا من الروح القدس تقدَّس وهو في بطن أُمِّه لكي يعمد الرب.
إنه لم يكن يمنح الروح لكنه كان يبشِّر بالذي يمنحه، إذ كان يقول: "أنا أعمِّدكم بماء للتوبة، ولكن الذي يأتي بعدي... هو سيعمِّدكم بالروح القدس ونار" (مت 3: 11). لماذا بالنار؟ لأن الروح القدس نزل على شكل ألسنة كأنها من نار (أع 2: 3). بهذا الخصوص قال الرب بفرح: "جئت لأُلقى نارًا على الأرض، فماذا أريد لو اضطربت؟!" (لو 12: 49).
v عمل هذا الروح في اليصابات. أنه يعرف العذارى وصديق المتزوِّجين أيضًا إن كان زواجهم شرعيًا.
القدّيس كيرلس الأورشليمي
خامسًا: إن كان ابتهاج الجنين في الأحشاء يشير إلى الثمر الروحي الداخلي في النفس، فإنَّ الجسد أيضًا يشترك مع النفس في هذا الثمر، لذلك انطلق لسان القدّيسة اليصابات يُعلن عمَّا في داخلها منسجمًا ومتناغمًا معه، إذ "صرخت بصوتٍ عظيم،ٍ وقالت: مباركة أنتِ في النساء ومباركة هي ثمرة بطنك. فمن أين لي هذا أن تأتي أُم ربِّي إليّ؟! فهوذا حين صار صوت سلامك في أذني ارتكض الجنين بابتهاج في بطني. فطوبى للتي آمنت أن يتم ما قيل لها من قبل الرب" [42-45].
بينما كان العالم كله يجهل كل شيء عن البشارة للقدّيسة مريم، إذ بالقدّيسة اليصابات تُعلن أُمومة مريم لربِّها، بالرغم من عدم وجود أيّة ظاهرة لهذا الحدث الإلهي. والأمر المُدهش أن هذه الأحداث العجيبة من ارتكاض الجنين مبتهجًا وامتلاء اليصابات بالروح القدس وشهادتها لأمومتها لربِّها تمَّت بمجرد إصغاء اليصابات لسلام مريم، وكأن ابن الله الساكن في أحشاء القدّيسة مريم قد تكلَّم بنفسه على لسان أُمِّه، وعمل خلال تصرُّفاتها.
لقد طوَّبت اليصابات مريم لأنها صارت أُمًّا لله خلال تجسّد الكلمة، وقد بقيت الكنيسة عبر الأجيال تطوَّبها، فقد وقف القدّيس كيرلس الكبير يتحدَّث أمام آباء مجمع أفسس، قائلاً: [السلام لمريم والدة الإله، الكنز الملوكي للعالم كله، المصباح غير المنطفئ، إكليل البتوليّة، صولجان الأرثوذكسيّة، الهيكل غير المفهوم، مسكن غير المحدود، الأم وعذراء. السلام لك يا من حملتِ غير المُحوى في أحشائك البتوليّة المقدَّسة.]
يعلِّق العلامة أوريجينوس على كلمات اليصابات وعلى لسانها، قائلاً:
[أيُّ عمل حسن قمْتُ به؟ أو ما هي أهميّة الأعمال التي مارِسْتُها حتى تأتي أم ربي لرؤيتي؟!
هل أنا قدّيسة؟! أيُّ كمال أو أيَّة أمانة داخليّة بموجبها استحقّقتُ نيل هذا الامتياز: زيارة أم ربِّي إليَّ؟!]
ويعلِّق القدّيس أمبروسيوس قائلاً على لسانها:
["من أين لي"، بمعنى أنها لفرصة عظيمة أن تأتي أم ربِّي إليَّ، أعترف إني لا استحقُّها.
"من أين لي"، أي فضَّل لي، أو أيّ عمل قمتُ به، أو أيّ حق هو لي... فإنَّي أشعر بالمعجزة وأتلمَّس السرّ.]
6. تسبحة العذراء
إذ انطلق لسان اليصابات يطوِّب العذراء لأنها آمنت بالمواعيد، وحملت كلمة الله في أحشائها، انطلق أيضًا لسان العذراء بالتسبيح لله. وهكذا تحوّل اللقاء إلي مُمارسة لحياة تعبُّديّة على مستوى تسبيحي ملائكي، يمجِّد الله ويُعلن أسراره الفائقة بفرح.
"فقالت مريم: تعظِّم نفس الرب،
وتبتهج روحي بالله مخلِّصي" [46-47].
يقول العلامة أوريجينوس: [قبل ميلاد يوحنا تنبَّأت اليصابات، وقبل ميلاد الرب مخلِّصنا تنبَّأت مريم. وكما بدأت الخطيّة بالمرأة ثم بلغت إلي الرجل، هكذا بدأ الخلاص في العالم بواسطة نساء العالم، تغلَّبْن على ضعف جنسهن. لننظر الآن نبوَّة العذراء وهي تقول: "تُعظِّم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلِّصي"، فإنَّ النفس والروح يشتركان في التعظيم.]
لقد أساءت حواء إلى خالقها حين شوَّهت روحها بالعصيان، وأفسدت خليقة الله الصالحة، فلم تعد حياتها تمجّد الخالق ولا أعماقها تُعلن عن بهائه. وقد جاءت القدّيسة مريم تحمل كلمة الله في أحشائها، يردّ لنفسها جمالها الأول، وتصير روحها مبتهجة بكونها صورة الله ومثاله.
يقول العلامة أوريجينوس: [يحدّث تساؤل: كيف تعظِّم نفسي الرب؟ حقًا إن كان الرب لا يقبل الزيادة ولا النقصان إنما بلا تغيير، فإلى أي مدى يمكن لمريم أن تقول هذا؟: "تعظِّم نفسي الرب"؟... كلما كبرت صورة (المسيح فيَّ) وصارت بهيّة بأعمالي وأفكاري وأقوالي، تكون قد كبرت صورة الرب وتمجّد... وكما أن صورة الرب تزداد بهاءً فينا، فإنَّنا إذ نخطئ تصغر الصورة وتبهت...]
أما قول العذراء "تبتهج روحي بالله مخلِّصي" فيحمل مفهومًا لاهوتيًا هامًا أن القدّيسة مريم مع سموِّها العظيم تحتاج إلى "الخلاص" كسائر البشر، وتبتهج به، إذ وُلدت تحمل الخطيّة الأصليّة (الجديّة) التي ورثناها عن أبوينا الأوَّلين. لقد أدركت القدّيسة سّر تمتُّعها بالنعمة الإلهيّة، إذ قالت: "نظر إلى تواضع أمته". لم تقل أن الله نظر إلى صلواتها أو أصوامها أو سهرها أو عدلها أوحكمتها، لكنة "نظر إلى تواضع أَمَتِه". لقد عرفت الطريق الذي به تنطلق إلى مراحم الله وتغتصب عطاياه وهو "التواضع". فإن كان عدو الخير قد فقد مركزه خلال الكبرياء، فقد جعل الكبرياء فخًا يقتنص به كل بشر إلى ملكوت ظلمته، حارمًا إيَّاه من خالقه مصدر حياته وعلَّة بهجته.
"فهوذا منذ الآن جميع الأجيال تطوِّبني، لأن القدير صنع بي عظائم واسمه قدِّوس، ورحمته إلى جيل الأجيال للذين يتَّقونه" [48-50]. لقد أدركت القدّيسة مريم عظمة العطيّة التي نالتها إذ تمتَّعت بواهِب العطايا نفسه، تحمله في أحشائها، لذا جميع الأجيال (جميع المؤمنين عبر العصور) يطوِّبونها من أجل عمل الله معها. وها هي الكنيسة قد امتلأت ليتورجياَّتها بتطويبها، مُعلنه عمل الله فيها ومعها بتجسُّد الكلمة مخلِّص العالم.
إننا نطوِّبها عبر العصور، لا كعذراءٍ عاشت ثم ماتت، وإنما كعذراء تجلّى في حياتها عمل الله الخلاصي الفائق. فكل مؤمن يتطلَّع إليها فيرى فيها نعمة الله الفائقة التي وُهبت للبشريّة. إن كانت العذراء قد تمتَّعت بأمومة للسيِّد المسيح إذ حملته متجسِّدا في أحشائها كما حملته بالإيمان في قلبها، فإنَّ النفس التي تتمتَّع بالشركة مع الله تنعم أيضًا بنوع من الأمومة، لذلك يقول الأب ميثودوسيوس: [الكنيسة في حالة تمخُّض إلى أن يتشكَّل المسيح ويولد داخلنا. فكل قدّيس يتمتَّع بشركة مع المسيح كأنما يولد المسيح فيه من جديد!]
ويقول القدّيس أمبروسيوس: [احرص أن تتمِّم مشيئة الآب لكي تكون أُمًا للمسيح (مر 3: 35).]
يعلِّق القدّيس كيرلس الكبير على بقيّة تسبحة العذراء، قائلاً: [صنع قوّة بذراعه، شتَّت المستكبرين بفكر قلوبهم" [51]:
[تشير مريم "بالذراع" إلى الرب يسوع المسيح الذي ولدَته، "وبالمستكبرين" إلى إبليس وجنوده الذين أغواهم الكبرياء فسقطوا في حضيض الذُل والمسكَنة، بل وتشير مريم أيضًا بالمستكبرين إلى حكماء الإغريق الذين أبوا أن يقبلوا جهالة المسيحيّة كما اِدَّعوا، وإلى جمهور اليهود الذين لم يؤمنوا بيسوع المسيح فتفرَّقوا في أطراف الأرض.
أنزل المسيح الأعزَّاء عن الكراسي، فقد تضعضع سلطان إبليس وجنوده فلم يعودوا يملكون العالم بأن يحفظوا في أسرهم جمهور الجنس البشري. وسقط الكتبة والفرِّيسيُّون اليهود من مجدهم العالي، لأنهم تكبَّروا عن قبول السيِّد المسيح.
"أنزل الأعزاء عن الكراسي، ورفع المتَّضعين" [52].
غرق جنود إبليس وحكماء الإغريق وكتبة اليهود وفرِّيسوهم في بحر العظمة الفارغة والخيلاء الكاذبة، فأذلَّهم الله ورفع عليهم قومًا اِتَّضعت قلوبهم وخلُصت ضمائرهم، فقد أُعطوا "سلطانًا ليدوسوا الحيَّات والعقارب وكل قوّة العدو ولا يضرُّهم شيء" (لو 10: 19)، ولا تؤثِّر فينا المؤامرات الدنيئة التي يحرِّك أطرافها أولئك المتكبِّرون الغادرون.
ألم تكن لليهود يومًا ما دولة واسعة الأطراف، ونظرًا لعدم إيمانهم انكمشوا حيث هم الآن، أما الأمم فقد ساعدهم إيمانهم على تبوُّء منزلة عالية ومكانة سامية.
"أشبع الجياع خيرات، وصرف الأغنياء فارغين" [53].
يقصد بالجياع الجُبْلة البشريّة، فإنَّ جميع الناس ماعدا اليهود أعوزهم مجد الله، وذاقوا مرارة الجوع. لم يكن هناك من بين الناس سوى اليهود الذين استمتعوا بلذَّة الناموس، وتثقَّفت عقولهم بتعاليم الرسل والأنبياء، إذ "لهم التبنِّي والمجد والعهود والمواعيد" (رو 9: 4). ولكن قادهم غرورهم إلى هاوية الشموخ والكبرياء، فرفضوا السجود للإله المتجسِّد، فلا عجب أن عادوا بلا إيمان ولا علم ولا رجاء ولا نعمة، فقد نُبذوا من أورشليم الأرضيّة، وطُردوا من حياة المجد والنعمة التي ظهرت، لأنهم لم يقبلوا سلطان الحياة وصلبوا رب المجد، وهجروا ينبوع الماء الحّي، ولم يقدِّروا قيمة الخبز الحّي النازل من السماء. فلا غرابة بعد ذلك إن ذاقوا مرارة جوع لا يضارعه جوع آخر، ويحرق لسانهم عطش دونه أي عطش آخر، لأن جوعهم وعطشهم لم يكونا بماديِّين ملموسين، ولكنهما معنويَّان روحيَّان، أو كما يقول عاموس: "هوذا أيام تأتي يقول السيِّد الرب أُرسل جوعًا في الأرض لا جوعًا للخبز ولا عطشًا للماء بل لاِستماع كلمات الرب" (عا 8: 11).
أما الوثنيُّون الذين آمنوا فكثيرًا ما آلمهم الظمأ الروحي وتملَّك أفئدتهم سلطان البؤس والشقاء، فقد أُشبِعت نفوسهم من دسم الكلمة الإلهيّة وارتوت قلوبهم بالماء الحيّ الشافي، لأنهم قبلوا الرب يسوع المسيح، فحظوا بالمواعيد التي كانت لليهود قبلاً.
"عضَّد إسرائيل فتاة ليذكر رحمة" [54].
لم يُعضَّد إسرائيل حسب الجسد وهو الذي امتاز بالكبرياء والخيلاء، وشمَخ بأنفه معتمدًا على حسَبه ونسبِه، بل عضَّد إسرائيل حسب الروح، ذلك الذي يُقدِّر قيمة هذا الاسم فيعمل على رِفعته وإِكرامه، وذلك بالثقة بالله وبالإيمان بابنه والحصول على نعمه التبني من الرب يسوع، طبقًا لمواعيد الله مع أنبياء العهد القديم وبطاركته.
وتُشير الآية أيضًا إلى جمهور اليهود بالجسد، وهم أولئك الذين آمنوا بالرب يسوع المسيح، فإنَّ الله جلّ شأنه وعد إبراهيم قائلاً: "ويتبارك في نسلك جميع قبائل الأرض"، لأنه حقًا "ليس يمسك الملائكة بل يمسك نسل إبراهيم" (عب 2: 16).]
أخيرًا إذ أورد التسبحة قال: "فمكثت مريم عندها ثلاثة أشهر، ثم رجعت إلى بيتها" [56].
يعلِّق العلامة أوريجينوس على هذا القول الإنجيلي هكذا: [إن كان حضور مريم عند اليصابات وسلامها لها كافيان أن يجعلا الجنين يرتكِض مبتهجًا، واليصابات تتنبَّأ بعد أن امتلأت بالروح القدس... إن كان هذا قد تّم في ساعة واحدة، يمكننا أن نتخيَّل التقدَّم العظيم الذي أحرزه يوحنا خلال الثلاثة شهور التي مكثتهم مريم عند اليصابات. فإن كان في لحظة واحدة أو على الفور ركض الطفل في أحشاء أُمه، أو بمعنى آخر قفز متهلَّلاً وامتلأت اليصابات من الروح القدس، أفليس من المعقول أن اليصابات ويوحنا قد ازدادا في النمو خلال الثلاثة أشهر، وهما بالقرب من والدة الإله، والمخلِّص نفسه حاضر! في هذه الأشهر الثلاثة كان يوحنا يتقوَّى في حلبة الأبطال، ويُعِّد وهو في بطن أُمه لميلاد عجيب وتثقيف أعجب!... إذ عاش في البريّة إلى أن حان وقت ظهوره لإسرائيل.]
بنفس المعنى يقول القدّيس أمبروسيوس: [أيّة قامة في تقديرنا يستطيع أن يبلغها الجنين من وجود مريم في بيته هذه الفترة الطويلة؟!... هكذا كان النبي يأخذ المسحة المقدَّسة ويتهيَّأ للمعركة الكبرى.]
[size=16]
7. ميلاد يوحنا وخِتانهيوحنا.]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:09 pm

7. ميلاد يوحنا وخِتانه
"وأما اليصابات فتمَّ زمانها لتلد، فولدت ابنًا.
وسمع جيرانها وأقرباؤها أن الرب عظَّم رحمته لها،
ففرحوا معها" [57-58].
إذ تمتَّعت اليصابات بحنان الله ونعمته (يوحنا) في أحشائها وامتلأت بالروح القدس، تُرجِم ذلك عمليًا بظهور الطفل يوحنا في الزمن المحدََّد، الذي فرَّح قلوب الكثيرين. وهكذا يلزمنا نحن أيضًا أن نترجم ما نحمله من نِعم إلهيّة في أعماقنا إلى ثمر خارجي يُفرِّح السمائيِّين والأرضيِّين.
ميلاد القدّيس يوحنا فرَّح القلوب وأطلقها نحو تمجيد الله ببهجة صادقة. يقول القدّيس أمبروسيوس: [في ميلاد القدّيسين يعِمْ الفرح بين الجميع، إذ هو بركة للكل.]
إذ جاء وقت الختان أرادوا تسميتة "زكريَّا" على اسم والده، أما والدته التي امتلأت من الروح القدس فقالت: "يوحنا"، وزكريَّا نفسه إذ طلب لوحًا من الشمع وكتب الاسم "يوحنا" دون اتِّفاق سابق مع امرأته، انفتح لسانه في الحال ليتنبَّأ. وكأنه إذ تسلّم روح الله قيادة الموقف لم يَصر للزوجين ـ زكريَّا واليصابات ـ ثمرًا مشتركًا هو يوحنا، وإنما أيضًا صار لهم الفكر الواحد في الرب.
ويمكننا أيضًا أن نقول حين يتسلَّم روح الرب قيادة حياتنا تنسجم فينا اليصابات مع زكريَّا في الفكر والعمل، أي ينسجم الجسد (اليصابات) مع النفس (زكريَّا) ليعملا معًا بفكرٍ واحدٍ مقدَّسٍ.
الآن إذ تمتَّع زكريَّا بعطيّة الله له "يوحنا"،
"في الحال اِنفتح فمه ولسانه وتكلَّم وبارك الله.
فوقع خوف على كل جيرانهم،
وتحدَّث بهذه الأمور جميعها في كل جبل اليهوديّة.
فأودعها جميع السامعين في قلوبهم قائلين:
أترى ماذا يكون هذا الصبي؟!
وكانت يد الرب معه" [64-66].
حينما ننعم بحنان الله ينفتح فمنا الداخلي، وينطق لساننا بتهليل. نبارك الرب لا بكلمات بشريّة إنما بقوّة الله، حتى يقع خوف الله على من هم حولنا. المؤمن الحقيقي خلال تلامسه مع الله يحمل فرحًا وبهجة،ٍ وتتحوّل حياته كلها إلى فم داخلي مسبِّح، هذا التسبيح يهز السمائيِّين طرَبًا ويحطِّم عدو الخير، وكأن قوّة الله تتجلّى فيه.
صار ميلاد يوحنا كرازة، وإن كانت قد بدأت في غموض لكن "يد الرب" أي الابن الكلمة صار مرافقًا له يسنده، إذ ينطلق به إلى البريَّة، وهناك يعوله ويهتم به حتى يظهر لإسرائيل في الزمن المحدَّد.
8. نبوَّة زكريَّا الكاهن
تمتَّع زكريَّا الكاهن بحنان الله ونعمته (يوحنا)، فانطلق بلسانه يبارك الرب تحت قيادة الروح القدس، إذ رأى خطة الله الخلاصيَّة لا تشمله وحده، ولا عشيرته بل تضم الكل.
"وامتلأ زكريَّا أبوه من الروح القدس وتنبَّأ قائلاً:
مبارك الرب إله إسرائيل،
لأنه افتقد وصنع فداء لشعبه" [68].
يعلِّق العلامة أوريجينوس هكذا: [عندما امتلأ زكريَّا من الروح القدس تنبَّأ نبوَّتين عامِّتين: الأولى خاصة بالمسيح، والثانية خاصة بيوحنا المعمدان وظهوره. ويظهر من كلماته أنه يتحدَّث عن المخلِّص كقائم فعلاً وموجود في العالم، يليه الحديث عن يوحنا.]
ويقول أمبروسيوس: [الرجل الصامت زمانًا طويًلا يتنبَّأ! هذا هو ملء نعمة الله التي جعلت من الناكرين (المتشكِّكين) ممجِّدين له! ليته لا يفقد أي إنسان ثقته، ولا ييأس بتأمَّله في خطاياه السابقة، متذكرًا البركات الإلهيّة.]
يتنبَّأ عن السيِّد المسيح، قائلاً:
"وأقام لنا قرن خلاص في بيت داود فتاة.
كما تكلَّم بفم أنبيائه الذين من الدهر" [69-70].
يقول القدّيس چيروم: [القرن في الكتاب المقدَّس يعني مملكة أو سلطانًا.] ويقول القدّيس غريغوريوس النزينزي: [عندما انطرحنا إلى أسفل، رُفع قرن خلاصنا لأجلنا.]
ويقول القدّيس كيرلس الكبير: [لا تشير كلمة "قرن" إلى القوّة فحسب، بل وإلى السلطان الملكي، فإنَّ المسيح مخلِّصنا الذي ظهر من أسرة داود الملك هو ملك الملوك وقوّة الآب العظيمة.] ويقول العلامة أوريجينوس: [بالحقيقة جاء قمَّة الخلاص من بيت داود، فقد جاءت النبوَّة صدى للقول بأن الكرامة قد زُرعت على القمَّة. وأيّة قمِّة. يسوع المسيح الذي كُتب عنه: "أقام قرن خلاص في بيت داود فتاة، كما تكلَّم بفم أنبيائه القدّيسين".]
"خلاص من أعدائنا، ومن أيدي جميع مبغضينا" [71].
يقول العلامة أوريجينوس: [ليس المقصود هنا الأعداء الجسديِّين، بل الأعداء الروحيِّين، وبالفعل جاء يسوع قويًا في المعركة ليُهلك جميع أعدائنا وينقذنا من حبائلهم، ويحرِّرنا من أعدائنا وجميع مبغضينا.]
"ليصنع رحمة مع آبائنا، ويذكر عهده المقدَّس" [72].
يقول القدّيس كيرلس الكبير: [المسيح هو الرحمة والعدل، لأننا نلنا به الرحمة، فتبرِّرنا بأن محا خطايانا بإيماننا به.] ويقول العلامة أوريجينوس: [أظن أن مجيء الرب المخلِّص قد أفاد إبراهيم وإسحق ويعقوب (آبائنا) بغفران الله لهم، إذ لا يمكن بأن هؤلاء الرجال الذين تنبَّأوا عن هذا اليوم وفرحوا به لم يستفيدوا بمجيء المخلِّص والميلاد الإعجازي... لماذا نخشى من القول بأن مجيئه قد أفاد آباءنا؟!]
مجيء المخلِّص يُعلن رحمة الله مع آبائنا ويحقّق مواعيده المستمرَّة، والتي ظهرت بوضوح في أيام إبراهيم الذي دخل مع الله في عهدٍ مقدََّسٍ وبقسَم، إذ يقول:
"القسَم الذي حلف لإبراهيم أبينا.
أن يعطينا إننا بلا خوف مُنقذين من أيدي أعدائنا نعبده.
بقداسة وبرِّ قدَّامه جميع أيام حياتنا" [73-75].
هذا العهد الذي تحقّق بمجيء المسيح يحمل شقَّين: الشِق الأول هو الغلبة على أعدائنا الروحيِّين، أي قوَّات الظلمة بدون خوفٍ، فقد حطَّم السيِّد فِخاخهم وحطَّم سلطانهم تحت أقدامنا، إن حملناه في داخلنا. والشِق الثاني والملازم للأول فهو دخولنا في الميراث، نعبد الرب بقداسةٍ وبرٍّ، أي نحمل طبيعة جديدة نعيشها كل أيام حياتنا.
هذا بخصوص النبوَّة عن السيِّد المسيح، أما عن القدّيس يوحنا المعمدان، فقال:
"وأنتَ أيها الصبي نبيّ العليّ تُدعى،
لأنك تتقدَّم أمام وجه الرب لتُعد طرقة.
لتعطي شعبَه معرفة الخلاص بمغفرة خطاياهم.
بأحشاء رحمة إلهنا التي بها افتقدنا المُشرق من العلاء.
ليضيء على الجالسين في الظلمة وظلال الموت،
لكي يُهدي أقدامنا في طريق السلام" [76-79].
وفيما يلي تعليقات بعض الآباء على هذه النبوَّة:
v "وأنت أيها الصبيّ نبيّ العليّ تُدعى" [76]. أرجو أن تلاحظوا أيضًا أن المسيح هو العليّ، وأن يوحنا المعمدان يتقدَّم المسيح بميلاده وعمله، فلماذا إذن ينكرون لاهوت المسيح؟ (يعني الأريوسيين).
"ليُضيء على الجالسين في الظلمة وظلال الموت" [79].
كان يوحنا المعمدان نورًا ساطعًا وسط اليهوديّة، فقد ورد "رتَّبْت سراجًا لمسيحي" (مز 132: 171).
وفي شريعة موسى أُضيءَ أحد الأسرجة في خيمة الاجتماع على الدوام كرمزٍ ليوحنا.
ولكن اليهود بعد أن اجتمعوا حول معموديّة يوحنا ردْحًا من الزمن هجروه وتركوه... وبذلوا ما في وسعهم في إطفاء السراج المنير الساطع. فلا غرابة إن كان المسيح يصف يوحنا المعمدان بالقول: "كان هو السراج الموقَد المُنير، وأنتم أردتم أن تبتهجوا بنوره ساعة" (يو 5: 35).
"لكي يهدي أقدامنا في طريق السلام" [79].
كان العالم يتخبَّط في دياجير الظلام الحالك والجهل الفاضح، ومنعت سحابة الجهل جمهور الناس من رؤية السيِّد المسيح الفادي، إله الحق والعدل، إلا أن رب الجميع ظهر للإسرائيليُّين نورًا لهم وشمسًا لنفوسهم.
القدّيس كيرلس الكبير
v اِعتقد أن زكريَّا أسرع بتوجيه الكلام إلى الطفل، لأنه كان يعلم أن يوحنا سوف يذهب ليعيش في البراري، وأنه لن يتمتَّع بعد ذلك بوجوده، وبالفعل "كان في البراري إلى يوم ظهوره لإسرائيل" [80].
موسى أيضًا عاش في البراري، لكن بعد هروبه من مصر وكان عمره أربعين عامًا... أما يوحنا فمنذ ولادته ذهب إلى البراري، هذا الذي قيل عنه أنه أعظم مواليد النساء، وقد استحق أن يثقَّف بتربية ممتازة.
العلامة أوريجينوس
v قد يظن البعض أن في هذا مبالغة، إذ يوجَّه الحديث إلى طفلٍ ابن ثمانية أيام، لكننا نستطيع أن نُدرك أن هذا في الإمكان، إذ سمع الجنين صوت مريم قبْل ولادته. ولما كان يوحنا نبيًا فإنَّ للأنبياء آذانًا أُخر يفتحها روح الله ولا يفتحها نُموّ الجسد. كان يوحنا قادرًا على الفهم إذ سبق فركض بابتهاج في بطن أُمّه.
القدّيس أمبروسيوس
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:10 pm

القدّيس أمبروسيوس
1 اذ كان كثيرون قد اخذوا بتاليف قصة في الامور المتيقنة عندنا
2 كما سلمها الينا الذين كانوا منذ البدء معاينين و خداما للكلمة
3 رايت انا ايضا اذ قد تتبعت كل شيء من الاول بتدقيق ان اكتب على التوالي اليك ايها العزيز ثاوفيلس
4 لتعرف صحة الكلام الذي علمت به
5 كان في ايام هيرودس ملك اليهودية كاهن اسمه زكريا من فرقة ابيا و امراته من بنات هرون و اسمها اليصابات
6 و كانا كلاهما بارين امام الله سالكين في جميع وصايا الرب و احكامه بلا لوم
7 و لم يكن لهما ولد اذ كانت اليصابات عاقرا و كانا كلاهما متقدمين في ايامهما
8 فبينما هو يكهن في نوبة فرقته امام الله
9 حسب عادة الكهنوت اصابته القرعة ان يدخل الى هيكل الرب و يبخر
10 و كان كل جمهور الشعب يصلون خارجا وقت البخور
11 فظهر له ملاك الرب واقفا عن يمين مذبح البخور
12 فلما راه زكريا اضطرب و وقع عليه خوف
13 فقال له الملاك لا تخف يا زكريا لان طلبتك قد سمعت و امراتك اليصابات ستلد لك ابنا و تسميه يوحنا
14 و يكون لك فرح و ابتهاج و كثيرون سيفرحون بولادته
15 لانه يكون عظيما امام الرب و خمرا و مسكرا لا يشرب و من بطن امه يمتلئ من الروح القدس
16 و يرد كثيرين من بني اسرائيل الى الرب الههم
17 و يتقدم امامه بروح ايليا و قوته ليرد قلوب الاباء الى الابناء و العصاة الى فكر الابرار لكي يهيئ للرب شعبا مستعدا
18 فقال زكريا للملاك كيف اعلم هذا لاني انا شيخ و امراتي متقدمة في ايامها
19 فاجاب الملاك و قال له انا جبرائيل الواقف قدام الله و ارسلت لاكلمك و ابشرك بهذا
20 و ها انت تكون صامتا و لا تقدر ان تتكلم الى اليوم الذي يكون فيه هذا لانك لم تصدق كلامي الذي سيتم في وقته
21 و كان الشعب منتظرين زكريا و متعجبين من ابطائه في الهيكل
22 فلما خرج لم يستطع ان يكلمهم ففهموا انه قد راى رؤيا في الهيكل فكان يومئ اليهم و بقي صامتا
23 و لما كملت ايام خدمته مضى الى بيته
24 و بعد تلك الايام حبلت اليصابات امراته و اخفت نفسها خمسة اشهر قائلة
25 هكذا قد فعل بي الرب في الايام التي فيها نظر الي لينزع عاري بين الناس
26 و في الشهر السادس ارسل جبرائيل الملاك من الله الى مدينة من الجليل اسمها ناصرة
27 الى عذراء مخطوبة لرجل من بيت داود اسمه يوسف و اسم العذراء مريم
28 فدخل اليها الملاك و قال سلام لك ايتها المنعم عليها الرب معك مباركة انت في النساء
29 فلما راته اضطربت من كلامه و فكرت ما عسى ان تكون هذه التحية
30 فقال لها الملاك لا تخافي يا مريم لانك قد وجدت نعمة عند الله
31 و ها انت ستحبلين و تلدين ابنا و تسمينه يسوع
32 هذا يكون عظيما و ابن العلي يدعى و يعطيه الرب الاله كرسي داود ابيه
33 و يملك على بيت يعقوب الى الابد و لا يكون لملكه نهاية
34 فقالت مريم للملاك كيف يكون هذا و انا لست اعرف رجلا
35 فاجاب الملاك و قال لها الروح القدس يحل عليك و قوة العلي تظللك فلذلك ايضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله
36 و هوذا اليصابات نسيبتك هي ايضا حبلى بابن في شيخوختها و هذا هو الشهر السادس لتلك المدعوة عاقرا
37 لانه ليس شيء غير ممكن لدى الله
38 فقالت مريم هوذا انا امة الرب ليكن لي كقولك فمضى من عندها الملاك
39 فقامت مريم في تلك الايام و ذهبت بسرعة الى الجبال الى مدينة يهوذا
40 و دخلت بيت زكريا و سلمت على اليصابات
41 فلما سمعت اليصابات سلام مريم ارتكض الجنين في بطنها و امتلات اليصابات من الروح القدس
42 و صرخت بصوت عظيم و قالت مباركة انت في النساء و مباركة هي ثمرة بطنك
43 فمن اين لي هذا ان تاتي ام ربي الي
44 فهوذا حين صار صوت سلامك في اذني ارتكض الجنين بابتهاج في بطني
45 فطوبى للتي امنت ان يتم ما قيل لها من قبل الرب
46 فقالت مريم تعظم نفسي الرب
47 و تبتهج روحي بالله مخلصي
48 لانه نظر الى اتضاع امته فهوذا منذ الان جميع الاجيال تطوبني
49 لان القدير صنع بي عظائم و اسمه قدوس
50 و رحمته الى جيل الاجيال للذين يتقونه
51 صنع قوة بذراعه شتت المستكبرين بفكر قلوبهم
52 انزل الاعزاء عن الكراسي و رفع المتضعين
53 اشبع الجياع خيرات و صرف الاغنياء فارغين
54 عضد اسرائيل فتاه ليذكر رحمة
55 كما كلم اباءنا لابراهيم و نسله الى الابد
56 فمكثت مريم عندها نحو ثلاثة اشهر ثم رجعت الى بيتها
57 و اما اليصابات فتم زمانها لتلد فولدت ابنا
58 و سمع جيرانها و اقرباؤها ان الرب عظم رحمته لها ففرحوا معها
59 و في اليوم الثامن جاءوا ليختنوا الصبي و سموه باسم ابيه زكريا
60 فاجابت امه و قالت لا بل يسمى يوحنا
61 فقالوا لها ليس احد في عشيرتك تسمى بهذا الاسم
62 ثم اوماوا الى ابيه ماذا يريد ان يسمى
63 فطلب لوحا و كتب قائلا اسمه يوحنا فتعجب الجميع
64 و في الحال انفتح فمه و لسانه و تكلم و بارك الله
65 فوقع خوف على كل جيرانهم و تحدث بهذه الامور جميعها في كل جبال اليهودية
66 فاودعها جميع السامعين في قلوبهم قائلين اترى ماذا يكون هذا الصبي و كانت يد الرب معه
67 و امتلا زكريا ابوه من الروح القدس و تنبا قائلا
68 مبارك الرب اله اسرائيل لانه افتقد و صنع فداء لشعبه
69 و اقام لنا قرن خلاص في بيت داود فتاه
70 كما تكلم بفم انبيائه القديسين الذين هم منذ الدهر
71 خلاص من اعدائنا و من ايدي جميع مبغضينا
72 ليصنع رحمة مع ابائنا و يذكر عهده المقدس
73 القسم الذي حلف لابراهيم ابينا
74 ان يعطينا اننا بلا خوف منقذين من ايدي اعدائنا نعبده
75 بقداسة و بر قدامه جميع ايام حياتنا
76 و انت ايها الصبي نبي العلي تدعى لانك تتقدم امام وجه الرب لتعد طرقه
77 لتعطي شعبه معرفة الخلاص بمغفرة خطاياهم
78 باحشاء رحمة الهنا التي بها افتقدنا المشرق من العلاء
79 ليضيء على الجالسين في الظلمة و ظلال الموت لكي يهدي اقدامنا في طريق السلام
80 اما الصبي فكان ينمو و يتقوى بالروح و كان في البراري الى يوم ظهوره لاسرائيل
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:11 pm

الأصحاح الثاني
ميلاد الصديق السماوي
لم يجد الصديق السماوي له موضعًا في منزل يُولد فيه، فجاءنا في مزود، لكنه فتح أبواب السماء ليسمع البسطاء الصوت الملائكي يهنِّئهم بالفرح العظيم الذي يعّم الشعب. يُدخل به كطفل إلى الهيكل فيفتح عينيّ سمعان الشيخ الذي اِشتهى بفرح أن ينطلق إلى الفردوس بعد إدراكه للنور الذي يُعلن للأمم؛ ويفتح لسان حَنَّة النبيّة بالتسابيح. وفي سن الثانية عشر دخل الهيكل يُبهت الشيوخ بتعاليمه.
1. ميلاد صديقنا 1-7.
2. البشارة للرعاة 8-20.
3. ختان السيِّد 21.
4. تقديم الذبيحة 22-24.
5. تسبحة سمعان الشيخ 25-35.
6. تسبحة حَنَّة بنت فنوئيل 36-38.
7. العودة إلى الناصرة39-40.
8. يسوع في الهيكل 41-52.
1. ميلاد صديقنا
في الأصحاح السابق رأينا خِطة الله العجيبة بالإعداد لميلاد صديقنا السماوي، فقد انفتحت السماء لتُرسل رئيس الملائكة جبرائيل يبشِّر زكريَّا بميلاد يوحنا السابق للسيِّد، ويبشِّر فتاة الناصرة العذراء بالحبل المقدَّس. امتلأت اليصابات من الروح القدس عند سماعها سلام مريم وابتهج الجنين في أحشائها راكضًا، وانفتح لسان زكريَّا بالتسبيح شاكرًا لله ومباركًا إله إسرائيل، لا من أجل ميلاد يوحنا بل من أجل من جاء يوحنا ليهيئ له الطريق، فقد رأى الآباء والأنبياء الذين رقدوا يتهلَّلون لتحقيق الله وعده المقدَّس بمجيء المسيَّا المخلِّص، والآن يحدّثنا في بساطة عن ميلاد السيِّد، موضَّحا كيف استخدم الله حتى الوسائل البشريّة مثل "الاكتتاب الروماني المصطبغ بالصبغة اليهوديّة"، لتحقيق أهدافه الإلهيّة وإتمام النبوات، إذ يقول الإنجيلي:
"وفي تلك الأيام صدر أمر من أوغسطس قيصر بأن يُكتتب كل المسكونة.
وهذا الاكتتاب الأول جرى إذ كان كيرينيوس والي سوريّة.
فذهب الجميع ليُكتَتبوا كل واحد إلى مدينته.
فصعد يوسف أيضًا من مدينة الناصرة إلى اليهوديّة
إلى مدينة داود التي تدعى بيت لحم،
لكونه من بيت داود وعشيرته" [1-4].
في أيام الإمبراطور كايس أو اكتافيوس كايبياس الذي وهبه مجلس الأعيان لقب "أوغسطس" ويعني باللاتينية "المبجّل" صدر الأمر باكتتاب "كل المسكونة"، أي جميع الدول الخاضعة للدولة الرومانيّة التي كانت تسيطر على العالم المتمدِّن في ذلك الحين. كان هذا أمر لإشباع شهوة عظمة الإمبراطور، ليبرز امتداد نفوذه وسلطته لكي يسنده في جمع الجزيّة. وكان الاكتتاب حسب النظام الروماني يمكن أن يتم في أي موضع دون حاجة لانتقال كل إنسان إلى مدينته التي نشأ فيها. لكن الرومان وقد أرادوا مجاملة اليهود أمروا بإجرائه حسب النظام اليهودي، حيث يسجِّل كل إنسان اسمه في موطنه الأصلي. وهكذا التزم يوسف ومريم أن يذهبا إلى "بيت لحم" في اليهوديّة لتسجيل اسميهما لكونهما من بيت داود وعشيرته.
كان تنفيذ الأمر شاقًا على يوسف الشيخ ومريم الحامل، خاصة وأن المدينة قد اكتظَّت بالقادمين فلم يجدوا موضعًا في فندق، واضطرَّا أن يبيتا في مذود لتلد القدِّيسة مريم هناك. تحقَّق ذلك حسب الظاهر بناء على الأمر الإمبراطوري بالاكتتاب مع حمل سِمة يهوديّة في طريقة تنفيذه، لكن الحقيقة الخفيّة أن ما تم كان بخطة إلهيّة سبق فأعلنها الأنبياء، إذ قيل: "أما أنتِ يا بيت لحم أفراثَة وأنتِ صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطًا على إسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل" (مي 5: 2).
فيما يلي تعليقات بعض الآباء إلى العبارات السابقة:
v "وفي تلك الأيام صدر أمر أوغسطس قيصر بأن يكتتب المسكونة"... [1-3]. وُلد المسيح إذن في بيت لحم في حكم أوغسطس قيصر وكان قد أصدر امرًا بإحصاء دولته. ولكن قد يسأل سائل: لِم أتى الكاتب الحكيم على ذكر هذه المسائل؟ والجواب على ذلك أنه كان لابد من تعيين الزمن الذي وُلد فيه المخلِّص، فقد ورد "ولا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون وله يكون خضوع شعوب" (تك 49: 10)، بل وكان يجب تعليمنا أنه لم يكن على بني إسرائيل عند ميلاد الفادي ملك من بيت داود، فقد خضعت اليهوديّة في ذلك العصر لصوْلجان الحكم الروماني.
"لكونه من بيت داود وعشيرته" [4].
أشار الإنجيل المقدَّس إلى نسب يوسف لنقف على تسلسله من داود الملك جدُّه الأعلى، بل وأن هذه الأشياء الجليلة تُثبت أيضًا أن مريم العذراء من سبط يهوذا وإليه ينتسب بيت داود، لأن الشريعة الإلهيّة حصرت الزواج في السبط الواحد بمعنى أن الزوج والزوجة لا يُعقد زواجهما إلا إذا كانا من سبط واحد. ومفسر الحقائق السمائيّة الرسول العظيم بولس يعلن هذا العرف، إذ شهد أن السيِّد "طلع من سبط يهوذا" (عب 7: 14).
"مع مريم امرأته المخطوبة وهي حُبلى" [5].
يقول الإنجيليُّون المقدَّسون أن مريم كانت مخطوبة ليوسف وهذا يدل على أن الحبل تم خلال مدة الخطوبة، وأن عمانوئيل وُلد بمعجزة لا تتَّفق مع النواميس الطبيعيّة المعروفة، لأن مريم العذراء لم تحبل من زرعٍ بشريٍ. وسبب ذلك أن المسيح هو "باكورة الجميع"، هو آدم الثاني، كما ورد في الأسفار المقدَّسة، فقد وُلد بالروح القدس حتى ينقل إلينا بميلاده الروحي النعمة والحق، إذ شاء الله ألا نُسمى بعد أبناء الإنسان بل أبناء الله مخلِّصنا حسب الميلاد الروحي الجديد بالمسيح أولاً، لأنه يتقدَّمنا في كل شيء، كما يقول الحكيم بولس في كو 1: 15.
القدِّيس كيرلس الكبير
v ماذا يفيدني هذا الأمر الذي يرويه بخصوص "الاكتتاب الأول" للمسكونة كلها في عهد أوغسطس قيصر، حيث أخذ يوسف مريم زوجته الحامل وذهبا وسط كل العالم ليُسجِّلا في هذا السجل الخاص بالاكتتاب عن مجيء يسوع إلى العالم؟
كان مجيئه يدل على سرٍّ، إذ كان يجب أن يُسجِّل اسم يسوع في هذا الاكتتاب، يسجل مع الكل لكي يخلِّص كل البشريّة ويقدِّسها واهبًا إيَّاهم أن يعيشوا معه في حياة واحدة! كان يريد بهذا السجل أن تُسجَّل أسماء الكل معه في سفر الحياة (في 4: 3)؛ كل الذين يؤمنون به يكتب أسماءهم في السماوات (لو 10: 20) مع القدِّيسين.
العلامة أوريجينوس
v ما هي العلاقة بين صدور أمر من سلطة بشريّة وميلاد المسيح إلا الإعلان عن التدبير الإلهي، فقد كان الأمر البشري مصدره المشيئة الإلهيّة، وكان يجب أن ينفذ باسم الملك السماوي لا الأرضي.
هنا يكمن عمل الإيمان باكتتاب النفس... إذ يليق بكل إنسان أن يُكتتب كل أيام حياته في المسيح... هذا الأمر بالاكتتاب لا يصدر عن أوغسطس بل عن المسيح للمسكونة كلها... إذ "للرب الأرض وملؤها، المسكونة وكل الساكنين فيها" (مز 23: 1). أوغسطس لم يحكم قبائل الغوط ولا الشعب الأرمني، أما المسيح فيملك على الجميع.
القدِّيس أمبروسيوس
انتقل القدِّيس يوسف مع القدِّيس مريم إلى "بيت لحم" الذي يعني "بيت الخبز"، ليُولد هناك "خبز الحياة". وقد سُجل اسمه مع البشر في الاكتتاب ليشاركنا كل شيء حتى في التعداد يُحسب كواحدٍ منا، إذ قيل: "وأُحصيَ مع آثمة" (إش 53: 12)، فنُحصَى نحن في كتابِه الإلهي، ونُحسب أصدقاؤه. هناك في بيت لحم ولدت العذراء، إذ قيل:
"وبينما هما هناك تمَّت أيامها لتلد.
فولدت ابنها البكر وقمّطته وأضجعته في المذود،
إذ لم يكن لهما موضع في المنزل" [6-7].
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:11 pm

فيما يلي تعليقات بعض الآباء على تعبير "ابنها البكر"، وعلى ولادته في مذود.
v هنا نقول إن كل ابن وحيد هو بكر. ولكن ليس كل بكر هو وحيد. فنحن نفهم أن كلمة بكر لا تعني فقط من يتبعه آخرون، ولكنها تعني عمومًا كل من لم يسبقه أحد في الميلاد. فالرب يقول لهرون "كل فاتح رحم من كل جسد يقدَّمونه للرب من الناس ومن البهائم يكون لك. غير أنك تقبل فداء بكر الإنسان وبكر البهيمة النجسة تقبل فداءه" (عد 18: 15). فإنَّ كلام الله يحدّد أن البكر هو كل فاتح رحم. وإلا فإذا كان اللفظ يعني فقط من له إنسانًا أصغر منه فإنَّه يتعذَّر إذن على الكهنة تحديد من هو البكر حتى يولد بعده إنسان آخر، لئلا لا يولد بعده أحد، فلا يُدعى بعد بكر لأنه وحيد!
ويقول الكتاب أيضًا: "وفداؤه من ابن شهر تقبله حسب تقويمك فضة خمسة شواقل على شاقل القدس. هو عشرون جيرة. ولكن بكر البقر أو بكر الضأن أو بكر المعز لا تقبل فداءه. أنه قدسٌ. بل ترش دمه على المذبح..." (عد 18: 16-17). وهكذا تقضي الوصيّة بأن نقدِّس لله كل فاتح رحم من الحيوانات الطاهرة، أما الحيوانات النجسة فإنَّها تُفدى ويُعطى ثمنها إلى الكاهن. فكيف أميز الحيوان البكر؟ أم لعلي أقول للكاهن: من أدراك أن هذا الذي بكر؟! فربَّما يولد بعده آخرون، وربَّما لا يُولد. انتظر حتى يأتي الثاني، وإلا فليس لك عليّ شيء! أليست هذه حماقة يرفضها الجميع، لأن من البداهة أن البكر هو كل فاتح رحم سواء كان له أخوة أم لا؟!
القدِّيس جيروم
v معنى ابنها البكر أي أول مولود، فلا يقصد به أنه أخ من بين عدة إخوة، ولكن واحد من بين الأبكار، فإنَّ الأسفار الإلهيّة تستعمل كلمة بكر أو أول في مواضع شتَّى، ولم يقصد بالكلمة إلا واحد فقط، فقد ورد "أنا الأول والآخر ولا إله غيري" (إش 44: 6).
فأُضيفت كلمة أول إلى المولود للدلالة على أن العذراء لم يكن لها ابن سوى يسوع ابن الله على حد قول الوحي "أنا أيضًا أجعله بكرًا أعلى من ملوك الأرض" (مز 89: 27)، ويقول أيضًا الحكيم بولس "وأيضًا متى أُدخل البكر إلى العالم يقول: فلتسجد له كل ملائكة الله" (عب 1: 6).
وكيف دخل المسيح البكر إلى العالم وهو بعيد عن العالم بطبيعته، ويختلف عن الجُبْلة البشريّة بطبيعتها؟
دخله بأن الله صار إنسانًا، ومع أنه ابن الله الوحيد إلا أنه بكر لنا، لأننا جميعنا اخوة له وبذلك أصبحنا أبناء الله.
لاحظوا أن المسيح يُدعى بكرًا بالنسبة لنا. وابن الله الوحيد بالنسبة للإله الواحد، فالمسيح ابن الله الوحيد لأنه كلمة الآب، فليس له إخوة يشاركونه هذه البنوَّة، لأن الابن متَّحد مع الآب، إله واحد لا غيره ولكن المسيح بكر لنا لأنه شاء فنزل إلى مستوى المخلوقات الطبيعيّة، ولذلك تجدون الأسفار الإلهيّة تشير إلى المسيح ابن الله بالقول: "الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب" (يو 1: 18). أما إذا استعمل الكتاب المقدَّس كلمة البكر فإنَّ الوحي يفسِّرها بما يبيِّن مضمونها فورد "ليكون هو بكرًا بين إخوة كثيرين" (رو 8: 29)، وورد أيضًا "بكر من الأموات" (كو 1: 18).
المسيح بكر من الأموات لأنه شاركنا في كل شيء ما عدا الخطيّة ولأنه أقام جسده من فساد الموت.
أضف إلى ذلك أن المسيح بطبيعته هو ابن الله الوحيد، إله من إله، ووحيد من وحيد، ونور من نور، ولكنه بكر بالنسبة لنا حتى أن كل من يشبهه يخلص به فهو البكر ونحن إخوته.
v وجد الله الإنسان قد انحطَّ إلى مستوى الحيوان ولذلك وضع نفسه كطعام في المذود حتى إذا نبذنا الطبيعة الحيوانيّة ارتفعنا إلى درجة الفهم والإدراك التي تليق بالطبيعة الإنسانيّة، فباقترابنا إلى المذود، إلى مائدته الخاصة لا نجد طعامًا ماديًا بل خبزًا سمائيًا هو الجسد الحيّ.
القدِّيس كيرلس الكبير
v كرّم المذود، فإنَّك وإن كنت قد فقدت الحس (صار الإنسان كحيوانٍ) تجد في المذود الكلمة طعامًا لك.
القدِّيس غريغوريوس النزينزي
v وُلد في مذود ليرفعكم إلى المذبح،
جاء إلى الأرض ليرفعكم إلى السماء،
لم يجد له موضعًا إلا في مذود البقر، لكي يعد لكم منازل في السماء (يو 14: 2)، وكما يقول الرسول: "إنه من أجلكم افتقر وهو الغني لكي تستغنوا أنتم بفقره" (2 كو 8: 9). فميراثي هو فقر المسيح، وقوَّتي هي ضعف المسيح.
القدِّيس أمبروسيوس
v أيها الرهبان، لقد وُلد الرب على الأرض ولم يكن له حتى قلاية يُولد فيها، ولا موضع في الفندق.
الجنس البشري كله له موضع، والرب عند ميلاده ليس له موضع.
لم يجد له موضعًا بين البشر، لا في أفلاطون ولا في أرسطو، إنما وجد له موضعًا بين البسطاء والأبرياء في المذود... لهذا قال الرب في الإنجيل: "للثعالب أوْجِرة ولطيور السماء أوْكار، وأما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه".
القدِّيس جيروم
2. البشارة للرعاة
تمََّت ولادة السيِّد المسيح في المذود بعيدًا عن الأنظار، لم يسمع عنها الملوك والعظماء، ولا أدركها الكهنة ورؤساء الكهنة وجماعات الكتبة والفرِّيسيين والناموسيِّين والصدِّوقيِّين. هكذا استقبلت الأرض خالقها في صمتٍ رهيبٍ، لكن لم يكن ممكنًا للسماء أن تصمت، فقد جاء ملاك الرب إلى جماعة من الرعاة الساهرين الأمناء في عملهم، وربَّما كانوا في بساطة قلوبهم منشغلين بخلاصهم، جاءهم ووقف بهم ومجد الرب أضاء حولهم [9]، فخافوا خوفًا عظيمًا.
"فقال لهم الملاك: لا تخافوا،
فها أنا أبشركم بفرحٍ عظيمٍ يكون لجميع الشعب.
إنه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلِّص هو المسيح الرب.
وهذه لكم العلامة تجدون طفلا مقمَّطًا مُضجعًا في مذود" [10-12].
فيما يلي بعض تعليقات الأباء علي هذه البشارة المفرحة:
v أعلن جمهور الأنبياء ولادة المسيح بالجسد وأخذ صورة إنسان في ملء الأزمنة، وأنشدت جماهير السماء أنشودة الفرح والتهليل بميلاد المخلِّص الفادي، وكان الرعاة في بيت لحم أول من بُشِّروا بهذا النبأ السار. هؤلاء الرعاة هم رمز للرعاة الروحيِّين الذين يظهر لهم الرب يسوع المسيح فيبشِّرون باسمه في كل مكان كما بشَّر رعاة بيت لحم بالمسيح في بلدتهم هذه علي أثر سماعهم أنشودة الفرح والابتهاج من الملائكة الأطهار، فكان الملائكة كما ترى أول من أعلنوا ميلاد المسيح للعالم، ونادوا بمجد المسيح، وهو الإله المتأنِّس من امرأة بحالة عجيبة.
وقد يسأل أحد فيقول: كان المسيح طفلاً ملفوفًا بقماطٍ وضيعٍ، وموضوعًا في مذود، فلِمَ القوَّات السمائيّة تبجِّلُه إلهًا وربًّا؟
أيها الإنسان تعمَّق في فهم السرّ العظيم. لقد ظهر الله كما تظهر أنت، واِتَّخذ جسم عبد من الرقيق، ولكن لم تنفصل عنه أُلوهيَّته بحال من الأحوال. ألا تفهم أن ابن الله الوحيد تجسّد ورضيَ أن يولد من امرأة حبًا فينا ليَطرح اللعنة التي حلَّت علي المرأة الأولي، فقد قيل لها "بالوجع تلدين أولادًا" (تك 3: 16)؟! بولادة المرأة عمانوئيل المتجسّد اِنحلَّ رباط اللعنة عنها!
وليس ذلك فحسب، ولكن يقول الحكيم بولس "لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطيّة والموت، لأنه ما كان الناموس عاجزًا عنه فيما كان ضعيفًا بالجسد، فالله إذ أرسل ابنه في شِبه جسد الخطيّة، ولأجل الخطيّة دان الخطيّة في الجسد، لكي يتم حُكم الناموس فينا نحن السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح" (رو 8: 3-4).
وما هو المُراد بالقول "شِبه جسد الخطيّة" ؟
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:12 pm

هو المُراد بالقول "شِبه جسد الخطيّة" ؟
يُراد به أن ناموس الخطيّة كامن في الجسد مع الأهواء الباطلة والميول الفاسدة، ولكن ما أن تجسّد المسيح واِتَّخذ صورتنا أصبح جسده مقدَّسًا وطاهرًا. إذن أصبح المسيح مثلنا، ولكن ليس فيه ميولنا الباطلة، إذ تحرَّر المسيح من جميع الرغبات والنزعات الفاسدة التي تقودنا إلى فعل المُحرَّم المرذول والدنيء الممقوت. فكلما رأيت الطفل يسوع ملفوفًا بالأقمطة فلا تنظره وهو بالجسد، بل دقِّق النظر في مجده الإلهي. وارتفع بعقلك إلى سماء السماوات لتشاهد مجده الفائق "وهو جالس علي كرسي عالٍ ومرتفعٍ" (إش 6: 1)، وتسمع أناشيد السيرافيم مقدِّمين المجد والإكرام والسجود والعبادة للرب يسوع المسيح الذي يملأ الأرض بمجده وعظمته.
أنظر مجد المسيح علي الأرض وقد تلألأ بالنور، وسطع علي الرعاة، وجمهور الملائكة ينشدون أناشيد الفرح والسرور. فقد تنبَّأ موسى منذ قرون عديدة فقال: "تهلَّلوا أيها الأمم شعبه".
ألم يولد أنبياء كثيرون ولكن لن تتهلَّل الملائكة في ميلاد أحدهم كما تهلَّلت عند ميلاد المسيح لأن هؤلاء الأنبياء كانوا من البشر مثلنا خُدامًا لله وحاملين الكلمة، ولكن لم يكن هذا شأن المسيح لأنه إله ورب مُرسل الأنبياء والقدِّيسين. أو كما يقول المرنِّم: "لأنه من في السماء يعادل الرب بين أبناء الله" (مز 89: 6). فإنَّ المسيح شاء ومنحنا البنوَّة نحن الذين تحت نير العالم وبطبيعتنا أرِقَّاء، أما المسيح فهو الابن الحقيقي، فهو بطبيعته ابن الله الآب حتى بعد تجسّده، فقد ظلَّ كما قلت لكم كما كان قبلاً رغمًا عن أخذه جسدًا لم يكن له قبلاً. وما أقوله هو عين الصِدق فإنَّ إشعياء يؤكِّد متنبِّئًا: "ها العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه عمانوئيل. زِبدًا وعسلاً يأكل، متى عرف أن يرفض الشرّ ويختار الخير، لأنه قبل أن يَعرف الصبي أن يَرفض الشرّ يختار الخير" (إش 7: 14-15).
وما معنى هذا كله؟ معناه أن المسيح وهو بعد طفل رضيع أكل زبدًا وعسلاً، ولأنه هو الله المتجسّد، عرف فقط الخير وتجرَّد من خطيّة الإنسان، وهذه الصفة لا تلازم إلا الله العليّ فقد ورد "ليس أحد صالحًا إلا واحد وهو الله" (لو 18: 10)، أو كما تنبَّأ إشعياء "فاقتربت إلى النبيّة فحبلت وولدت ابنًا، فقال لي الرب ادع اسمه مهير شلال حاش بز (أي اَسرع واْسِر أسرًا واَغنم غنيمة) لأنه قبل أن يعرف الصبي أن يدعو يا أبي ويا أمي تحمل ثروة دمشق" (إش 8: 3). وبولادة المسيح كُسرت شوكة إبليس ونُهبت محلَّته، وقد صار له أنصار كثيرون في دمشق يعبدونه ويسجدون له، ولكن لما ولدت العذراء يسوع المسيح اضمحلَّت قوّة إبليس وتلاشى حُكمة الظالم الغشوم، فإنَّ الوثنيِّين أنفسهم علموا بظهور كوكب الصبح الرب يسوع، وسافر رسلهم "المجوس" من الشرق إلى أورشليم، ولم يكن لهم معلِّم سوى السماء، ولا مهذِّب سوى النجم. فلا تنظروا إذن إلى الطفل المولود في المزود كأنه رضيع فقط، بل انظروا إليه إلهًا غنيًا قديرًا وفاديًا، مخلِّصا عظيمًا يفوق الأجناد السمائيّة قوّة واِقتدارًا، فحقَّ له أن تنادي الملائكة بولادته في فرح وسرور وابتهاج وحبور، فما أجمل تحيَّات الملائكة للطفل يسوع وهم ينشدون.
القدِّيس كيرلس الكبير
v لاحظوا جذور ميلاد الكنيسة، فقد وُلد المسيح والرعاة يسهرون، هؤلاء الذين يحرسون الخراف التي جاءت من الأمم في حظيرة الرب فلا تهاجمها الوحوش... يستطيع الرعاة أن يسهروا كما علَّمهم الراعي الصالح. الرعيّة هي الشعوب، والليل هو العالم، والرعاة هم الكهنة.
القدِّيس أمبروسيوس
v نزل ملاك الرب من السماء وأعلن عن ميلاده.
ها نحن نرى ملاك الرب قد دُعي ليُبشر بميلاد المسيح،
فلم يذهب إلى أورشليم، ولا بحث عن الكتبة والفرِّيسيين، ولا دخل مجمع اليهود، لكنه بحث عن رعاة يحرسون حراسة الليل للقطيع...
v جاء ملاك الرب للرعاة وكلَّمهم: اسمعوا يا ملائكة الكنائس فإنَّ ملاك الرب لا يزال ينزل من السماء ليُعلن لكم: "إنه وُلد لكم اليوم مخلِّص هو المسيح الرب". حقًا لو لم يأتِ هذا المخلِّص لما استطاع رعاة الكنائس أن يعتنوا برعيَّتهم من أنفسهم. فاشلة هي رعايتهم إن لم يرعها المسيح معهم! ها نحن بصدد قراءة ما جاء عن الرسل: "نحن فلاحة الله"، فالراعي الصالح هو ذاك الذي يتبع سيِّده الراعي الصالح، فيعمل مع الله (الآب) ومع المسيح.
العلامة أوريجينوس
v هوذا الملائكة ترتِّل، ورؤساء الملائكة تغنِّي في انسجام وتوافق...
الشاروبيم يسبِّحون تسابيحهم المفرحة، والسيرافيم يمجِّدونه.
الكل اتَّحد معًا لتكريم ذلك العيد المجيد، ناظرين الإله على الأرض، والإنسان في السماء؛ الذي من فوق يسكن هنا على الأرض لأجل خلاصنا، والإنسان الذي هو تحت يرتفع إلى فوق بالمراحم الإلهيّة!
هوذا "بيت لحم" تضاهي السماء، فتسمع فيها أصوات تسبيح الملائكة من الكواكب، وبدلاً من الشمس أشرق شمس البر في كل جانب.
القدِّيس يوحنا ذهبي الفم
v اليوم ابتهج الحرَّاس، لأن الساهر (دا 4: 13) جاء لإيقاظنا.
من يستطيع أن ينام الليلة التي فيها العالم كله ساهرًا؟!
لقد جلب آدم النُعاس على العالم بالخطيّة، لكن الساهر نزل لإيقاظنا من نوم الخطيّة العميق.
v الليلة اتَّحد الحرَّاس العلويُّون مع الحرَّاس الساهرين (الأرضيِّين)، فقد جاء "الحارس" ليخلق حُرَّاسًا وسط الخليقة!
هوذا، فإنَّ الحرَّاس الساهرين قد صاروا زملاء الحرَّاس العلويِّين. انشدوا بالتسبيح مع السيرافيم!
طوبى لمن يصير قيثارة لتسبيحك، فإنَّ نعمتك تكون هي مكافأته!
v لقد نطق الحراس العلويُّون بالسلام للحراس الساهرين.
لقد جاء الحراس العلويُّون يعلنون البشائر المفرحة للساهرين!...
لقد امتزج الحرَّاس بالحرَّاس، وفرح الكل لأن العالم جاء إلى الحياة!
القدِّيس مار أفرام السرياني
هكذا أرسل الرب ملاكه يبشِّر الرعاة الحارسين بالفرح العظيم، "لجميع الشعب"، ولم يكن هذا الملاك ناقلاً للرسالة فحسب، إنما كان شريكًا مع البشريّة في فرحهم هو وجميع الطغمات السمائيّة، إذ انفتحت السماء لتنزل جوقة من الملائكة تشاركنا بهجتنا الروحيّة. يقول الإنجيل:
"وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوي
مسبِّحين الله وقائلين:
المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام
وبالناس المسرة (الإرادة الصالحة)" [13-14].
v "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس الإرادة الصالحة". في السماء (الأعالي) لا توجد خطيّة إنما يوجد تمجيد وتسبيح دائم وترنُّم بغير ملل، أما على الأرض حيث ملك العصيان وتسلَّط النزاع والانقسام، فصارت الحاجة ماسة إلى السلام الذي يُقتنى بالصلاة، هذا الذي لا يحل بكل الناس وإنما بذوي الإرادة الصالحة.
القدِّيس جيروم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:12 pm

v ذكر ظهور الجند السماوي الذين تبعوا رئيس الجند؛ ولمن يرسل الملائكة الكرامة إلا لربِّهم كما قيل: "سبِّحوا الرب من الأعالي"؟!
القدِّيس أمبروسيوس
v إن أردت أن تتعلَّم شيِّئًا من الشاروبيم أو السيرافيم فلتسمع أنشودة قداسته السريّة، فإنَّ السماء والأرض مملوءتان من مجده (إش 6: 3).
القدِّيس يوحنا ذهبي الفم
لقد سحبت هذه الأنشودة الملائكيّة نظر الكنيسة فاشتاقت أن تسبِّح بها مع الجند السماوي، لهذا استخدمت في صلاة باكر كما جاء في "دساتير الرسل"، ولا زلنا نستخدمها في تسبحة باكر، فنبدأ يومنا بالتهليل مع الملائكة من أجل عمله الفائق خلال تجسّده الإلهي.
علّق القدِّيس أغسطينوس كثيرًا على تعبير "وبالناس الإرادة الصالحة"، مؤكدًا تقديس الله للحرِّية الإنسانيّة، ليكون لنا الإرادة الصالحة عن اختيار لا عن قسْرٍ، وفي موضع آخر يقول: [البرّ ينتمي للإرادة الصالحة.]
إذ مضت الملائكة تشاور الرجال معًا منطلقين بشوق وبسرعة [16] ليلتقوا بهذا المولود العجيب. جاءوا يشهدون بما قيل لهم عنه، فصاروا كارزين به، إذ قيل:
"وكل الذين سمعوا تعجَّبوا ممَّا قيل لهم من الرعاة" [18].
يقول القدِّيس أمبروسيوس: [أسرع الرعاة في البحث عن يسوع بلا تراخٍ، فقد آمن الرعاة بكلمات الملاك...] ويقدَّم لنا القدِّيس مار أفرام صورة مُبهجة للقاء الرعاة بالطفل الراعي، إذ يقول:
[جاء الرعاة حاملين أفضل الهدايا من قطعانهم: لبنًا لذيذًا ولحمًا طازجًا وتسبيحًا لائقًا... أعطوا اللحم ليوسف، واللبن لمريم، والتسبيح للابن!
أحضروا حملاً رضيعًا، وقدَّموه لخروف الفصح!
قدَّموا بكرًا للابن البكر، وضحيّة للضحيّة، وحملاً زمنيًا للحمل الحقيقي.
إنه لمنظر جميل أن ترى الحمل يُقدَّم إليه الحمل!...
اقترب الرعاة منه وسجدوا له ومعهم عصِيِّهم. حيُّوه بالسلام، قائلين: السلام يا رئيس السلام. هوذا عصا موسى تسبِّح عصاك يا راعي الجميع، لأن موسى يسبِّح لك. مع أن خرافه قد صارت ذئابًا، وقطيعه كما لو صار تنِّينًا!
أنت الذي يسبِّحك الرعاة، إذ صالحت الذئاب والحملان في الحظيرة!]
تأثَّرَت جدًا القدِّيسة مريم بهذا اللقاء، وكما يقول الإنجيلي: "وأما مريم فكانت تحفظ جميع هذه الكلمات متفكِّرة به في قلبها" [19].ويعلّق القدِّيس أمبروسيوس على ذلك بقول: [من كلمات الرعاة تحصد مريم عناصر إيمانها.] كما يقول: [إن كانت مريم قد تعلَّمت في مدرسة الرعاة، فلماذا ترفض أنت أن تتعلَّم في مدرسة الكهنة، وإن كانت مريم قد حفظت السرّ... فلماذا تريد أنت التعليم أكثر من الصمت؟]
3. ختان السيِّد
في دراستنا لسفر التكوين رأينا التزام كل ذكر ابن لإبراهيم أن يُختتن، علامة العهد المقدَّس مع الله ودخوله إلى العضويّة في الجماعة المقدَّسة (تك 15). وكل من لا يُختتن تُنزع نفسه من وسط الشعب المقدَّس. لكن إذ جاء كلمة الله متجسّدًا لم يكن محتاجًا للختان لنفعٍ خاص به، وإنما وقد قبِل أن ينحني بإرادته كصديقٍ حقيقيٍ لنا، خاضعًا مثلنا تحت الناموس (غل 4: 4) يرفعنا من تحت الناموس، إذ هو وحده غير الكاسر للناموس. إذن ختان السيِّد هو خطوة جديدة يسلكها الرب في طريق الصليب والإخلاء، بخضوعه للناموس من أجلنا، مكمِّلاً كل برٍّ (مت 3: 15).
فيما يلي تعليقات بعض الآباء على ختان السيِّد:
v خُتن الطفل الذي تكلَّم عنه إشعياء: "لأنه يولد لنا ولد ونُعطى ابنًا" (إش 9: 6)، وقد صار تحت الناموس ليعتق الذين تحت الناموس (1 كو 9: 5).
القدِّيس أمبروسيوس
v الآن نجده مطيعًا لناموس موسى، وبعبارة أخرى نجد الله المشرِّع ينفِّذ القانون الذي شاء فسنَّه! أو كما يقول الحكيم بولس: "لما كنَّا قاصرين كنَّا مُستعبَدين تحت أركان العالم، ولكن لما جاء مِلء الزمان أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبنِّي" (غل 4: 3-5).
فالمسيح إذن افتدانا من لعنة الناموس نحن الذين كنَّا عبيدًا للناموس، وأظهرنا عجزًا تامًا في العمل بشرائعه.
وكيف افتدانا؟... بحفظه وصايا الناموس. وبعبارة أخرى أطاع المسيح الفادي عِوضًا عنَّا الله الآب، إطاعة تامة، كما هو مكتوب: "لأنه كما بمعصيّة الإنسان الواحد جُعل الكثيرون خطاة، هكذا أيضًا بإطاعة الواحد سيُجعل الكثيرون أبرارًا" (رو 5: 19).
سلَّم المسيح نفسه للناموس أُسوَة بنا، لأنه يليق به أن يكمِّل كل برّ، واتَّخذ صورة عبدٍ وأصبح واحدًا منَّا نحن الذين بطبيعتنا تحت نير الناموس، بل دفع نصف الشاقل، وهو المقدار الذي فرضته الحكومة الرومانيّة على أفراد الشعب...
مع أن المسيح هو ابن الله، ولكن لا مفر من دفع هذا المبلغ، لأنه رضيَ أن يتَّخذ صورتنا...
فإذا ما رأيت المسيح يُطيع الناموس فلا تتألّم ولا تضع المسيح الحُر في زمرة العبيد الأرِقَّاء، بل فكّر في عمق السرّ العظيم، سرّ الفداء والخلاص!
ترون أنه خُتن في اليوم الثامن، وهو اليوم الذي عُيِّن للاختتان الجسدي طبقًا للناموس، وقد سُمِّيَ الفادي "يسوع"، ومعنى هذه الكلمة "مخلِّص" الشعب!
القدِّيس كيرلس الكبير
4. تقديم ذبيحة
يقول القدِّيس كيرلس الكبير:
[وبعد ختان المسيح انتظرت مريم يوم تطهيرها، وعند تمام الأربعين يومًا من الميلاد حملت أورشليم السيِّد المسيح، الله الكلمة، الذي يجلس عن يمين الآب. وهناك مثَّل في الحضرة الإلهيّة على صورة إنسان كما نمثل نحن، وطبقًا للناموس اُعتبِر بكرًا، فقد اعترف الناموس حتى قبل تجسّد الفادي بمركز البكر الممتاز فكان يُعتبر مقدَّسًا ويُكرَّس لله ويقدِّم ذبيحة للعزَّة الإلهيّة. حقًا ما أعظم وأعجب سرّ الخلاص والفداء: "يا لعمق غِنى الله وحكمته وعلمه" (رو 11: 33). إن الذي في حضن الآب، ذلك الابن القدِّوس الذي يشارك الآب في العرش السمائي والذي به خُلقت الأشياء بأسرها، يخضع لما تتطلَّبه الطبيعة البشريّة، ويقدَّم الذبيحة لأبيه الإله العظيم، وهو الذي تعبده الخليقة طُرًا، وتمجّده مع أبيه السماوي كل حين!
وماذا كانت تقدمة المسيح؟ قضى الناموس أن كل بكر يقدِّم ذبيحة هي "زوج يمام أو فرخا حمام". وما الذي يشير إليه اليمام والحمام؟ تعالوا معي ندرس هذه الإشارة.
إن اليمام أكثر طيور الحقل جلبة وضوضاء، بينما الحمام طائر وديع هادئ. كان الفادي كذلك، فقد أظهر لنا منتهى اللطف والرحمة، وكان أيضًا كيمامة يسير في كل مكان ليملأه عطفًا ورقَّة وبركة وعزاء، فإنَّه مكتوب في سفر نشيد الأناشيد "صوت اليمامة سُمع في أرضنا" (نش 2: 12). فالمسيح اسمعنا كلمة الإنجيل وهي كلمة الخلاص للعالم أجمع.
قُدِّم اليمام والحمام ذبيحة إذن كما أن المسيح الابن مثَل أمام الله الآب في الهيكل، فكنت ترى في موضع واحد الرمز والحقيقة.
قدَّم المسيح نفسه رائحة زكيّة عطرة لكي يقدَّمنا نحن إلى الله الآب، وبذلك محا العداء الذي اُستحكمت حلقاته بين الإنسان والخالق على أثر تعدِّي آدم على شريعة الله العظيم، ونزع سلطان الخطيّة الذي استعبدنا جميعًا، فإنَّنا نحن الذين كنَّا نصرخ في الزمن القديم، كل منَّا ينادي الله قائلاً: "التفت إليّ وارحمني" (مز 25: 16).]
ويقول القدِّيس يعقوب السروجي:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:12 pm

ويقول القدِّيس يعقوب السروجي:
[أُعطيَ الناموس لموسى على الجبل مع أبيه، وأتى ليكمِّل الترتيب الذي علم بأقنومه.
أتى للختان لكي لا يكفُر أحد بتأنُّسِه، وأتى بالذبيحة ليُري أنه ليس غريبًا عنَّا.
تقدَّم باليمام الذي صاغ رمزه!
حملت مريم قابل الكل مع قربانه، ليأتي بالذبيحة لهيكل القدس حسب الناموس. حمل يوسف الفراخ، وجاء من أجل الصبي، ولبيت القدس صعد ليقدِّم كالناموسي.]
ويقول القدِّيس أمبروسيوس:
[هذا هو معنى المكتوب: "إن كل ذكر فاتح رحم يدعى قدِّوسًا للرب" (خر 13: 12). لقد كانت كلمات الشريعة رمزًا لثمرة بطن العذراء القدِّوس الحقيقي الذي بلا دنس، يؤيِّد ذلك كلمات الملاك: "القدِّوس المولود منك يُدعى ابن الله" (لو 1: 35). فالعذراء لم تحبل بزرعٍ بشريٍ، بل من الروح القدس الذي حلّ فيها وقدّسها. والرب يسوع هو الوحيد الكُلي القداسة بين المولودين من النساء...
ولكن كيف يمكننا أن ندعو كل ذكر قدِّوسًا بينما نلاحظ أن كثيرين منهم كانوا أشرارًا؟! هل كان آخاب قدِّوسًا؟... لكن هذا هو القدِّوس الذي فيه تتحقَّق الأسرار التي رمزت إليها الشريعة، ألا وهو المخلِّص المنتظر الذي به وحده يمكن للكنيسة المقدَّسة البتول أن تلد شعبًا لله برحم مفتوح ولميراث بلا دنس، هذا الذي وحده خرج من أحشاء العذراء.]
إذن إذ قدَّمت العذراء الابن البكر قدِّوسًا للرب، إنما قدَّمت ذاك الذي من أجله جعلت الشريعة كل ذَكَر فاتح رحم قدِّوسًا كرمزٍ له.
5. تسبحة سمعان الشيخ
تتلخَّص قصَّة سمعان الشيخ كما وردت في التقليد الكنسي في أنه كان أحد الاثنين وسبعين شيخًا من اليهود الذي طلب منهم بطليموس ترجمة التوراة إلى اليونانيّة، والتي سُمِّيت بالترجمة السبعينيّة. قيل أنه أثناء الترجمة أراد أن يستعيض كلمة "عذراء" في نبوَّة إشعياء النبي: "ها العذراء تحبل..." بكلمة "فتاة"، إذ تشكَّك في الأمر، فظهر له ملاك الرب وأكّد له أنه لن يموت حتى يرى مولود العذراء هذا. وبالفعل إذ أُوحى له الروح القدس حمل الطفل يسوع على يديه وانفتح لسانه بالتسبيح، مشتهيًا أن ينطلق من هذا العالم بعد معاينته بالروح خلاص جميع الشعوب والأمم.
قَدَّمت لنا أحداث الميلاد بالحقيقة صورة مفرحة لصداقة ربنا يسوع مع الجميع، فها عذراء فقيرة تحبل وتلد رمزًا للكنيسة التي تنعم بالعذراويّة الروحيّة خلال اتِّحادها بالعريس البتول فتُنجب أولادًا بتوليِّين روحيًا، والعاقر الشيخة تلد، والكاهن الصامت يسبِّح، والجنين في الأحشاء يرتكض وحَنَّة الأرملة تمجِّد الله وسمعان الشيخ البار المتوقِّع تعزيّة إسرائيل يقوده الروح ليحمل صديقه السماوي بين ذراعيه...
اسم "سمعان" يعني "المُستمع" أو "المُطيع" فيشير إلى المؤمنين الطائعين من اليهود الذين طال بهم الزمن مترقِّبين تحقيق النبوَّات، والتمتَّع بذاك الذي هو مشتهى الأمم. وإذ قادهم الروح القدس إلى الهيكل حملوا السيِّد بين أذرعتهم واشتهوا بصدق أن يخرجوا من العالم بعد ما استراحت قلوبهم من جهة خلاص الشعوب وإعلان مجد الله بين الأمم.
v إن كانت امرأة قد لمست ملابسه الخارجيّة (هُدب ثوبه) فشُفيت في الحال، فأي نفع ناله سمعان الذي حمله على ذراعيه وتهلَّل بالفرح؟!
إنه يحمل الطفل الآتي ليحرِّر المأسورين ويخلِّصهم من رباطات الجسد. إنه يعلم أنه لا يوجد من يُخرجه من سجن الجسد مع الوعد بالحياة الأبديّة إلا هذا الطفل الذي بين يديه. إليه وجّه الحديث: "الآن يا سيِّد تطلق عبدك حسب قولك بسلام". لأنه منذ زمان طويل لم أحمل السيِّد المسيح، لم أضمُّه بين ذراعيّ. كنت مسجونًا ولم أستطع أن أفك رباطاتي.
هذه الكلمات لا تخص سمعان وحده، إنما تخص كل البشريّة التي تنتظره...
v لم يدخل سمعان الهيكل اِعتباطًا أو محض الصدفة، إنما ذهب منقادًا بروح الله... وأنت أيضًا إن أردت أن تأخذ المسيح وتضمُّه بين ذراعيك وتتأهَّل للانطلاق من السجن جاهد أن يقودك الروح ويدخل بك في هيكل الله. هناك يوجد يسوع، داخل الكنيسة في الهيكل المقام من الحجارة الحيّة.
العلامة أوريجينوس
v بالتأكيد أكّد برهانًا وحمل شهادة أن لخدام الله سلامًا وحرِّيَّة وراحة هادئة، فعندما ننسحب من زوابع هذا العالم نبلغ ميناء مدينتنا وأمننا الأبدي، عندما يتحقَّق هذا الموت نبلغ الخلود.
الشهيد كبريانوس
v سمعان انطلق؛ لقد تحرَّر من عبوديّة الجسد. الفخ انكسر والطير انطلق.
القدِّيس غريغوريوس النيسي
v الآن إذ حمله سمعان الكاهن على ذراعيه ليقدَّمه أمام الله أدرك أنه ليس هو الذي يقدَّمه، بل سمعان يُقدِّم لله بواسطته. فالابن لا يقدِّمه العبد لأبيه، إنما بالحري الابن يقدِّم العبد لربِّه... الذي ينطلق لله بسلام إنما يُقدِّم تقدِمة للرب!
القدِّيس مار أفرام السرياني
v حُمل المسيح إذن إلى الهيكل وهو بعد طفل يُحضَن، وما وقع نظر سمعان المغبوط على الطفل يسوع حتى أخذه على ذراعيه، وبارك الله وقال: "الآن تطلق عبدك يا سيِّد حسب قولك بسلام لأن عينيّ قد أبصرت خلاصَك الذي أعددته قدَّام وجه جميع الشعوب، نور إعلان للأمم، ومجدًا لشعبك إسرائيل". فإنَّ سرّ الفداء كان منذ القدَّم وقبل تكوين العالمين، ولكن لم يُعلن إلا في آخر الزمان فكان نورًا للساكنين في الظلمة، أولئك الذين تملكهم يد الشيطان القويّة "الذين عبدوا المخلوق دون الخالق" (رو 1: 25)، الذين ألّهوا التنِّين مصدر الشرّ والإثم وأطاعوا طغمة الشيَّاطين النجسة وسجدوا لها كما يسجدون للإله الواحد، رغمًا عن كل هذا دعا الله هؤلاء الأقوام إلى نور ابنه الحقيقي، إذ يقول النبي: "أُصفِّر لهم وأجمعهم لأني قد فديتهم ويكثرون كما كثروا، وأزرعهم بين الشعوب فيذكرونني في الأراضي البعيدة" (زك 10: 8). حقًا إن الذين ضلَّوا هم شعب كثير إلا أن الله دعاهم وقبلهم وافتداهم ونالوا كضمان للسلام نعمة التبنِّي بيسوع المسيح.
زُرع الرسل الأطهار بين الشعوب وماذا كانت النتيجة؟ اقترب كل من كان بعيدًا إلى العرش الإلهي، حتى أن بولس الرسول يبعث برسالة إليهم يقول فيها: "الآن في المسيح يسوع أنتم الذين كنتم بعيدين صرتم قريبين بدم المسيح" (أف 2: 13). وباقتراب هؤلاء الناس إلى المسيح سيتمجَّدون به كما وعدهم الله الآب.
يقول: "وأقوِّيهم بالرب فيسلكون باسمه" (زك 10: 12)، ويقول المرنِّم المغبوط في هذا الصدد: "يارب بنور وجهك يسلكون، باسمك يبتهجون اليوم كله، وبعد ذلك يرتفعون" (مز 89: 15-16) ويتضرَّع النبي إرميا إلى الرب، فيقول: "يا رب عزِّي وحصْني وملجأي في يوم الضيق. إليك تأتي الأمم من أطراف الأرض ويقولون إنما ورث آباؤنا كذبًا وأباطيل وما لا منفعة فيه" (إر 16: 19).
كان المسيح إذن نورًا ومجدًا لإسرائيل، ومع أن بعض اليهود ضلُّوا الطريق وجهلوا الكتب وأنكروا المسيح، إلا أن قومًا منهم خلصوا وتمجَّدوا بيسوع وكان على رأسهم الرسل المقدَّسون الذين أضاءوا بنورهم مصباح الإنجيل في أقاصي الأرض.
والمسيح مجد إسرائيل أيضًا لأنه يُنسب إليهم حسب الجسد مع أنه "على الكل إلهًا مباركًا إلى الأبد" (رو 9: 5).
القدِّيس كيرلس الكبير
ويلاحظ في تسبحة سمعان الشيخ الآتي:
أولاً: يعلن عموميّة الخلاص وجامعيّة الكنيسة، فإنَّ كان شعبه إسرائيل الذي تجسّد منه وحلّ في وسطه قد تمجَّد، وقبِل بعض اليهود الإيمان به خاصة الاثنى عشر رسولاً، لكن إسرائيل الجديد ضم من كل الأمم، إذ أعلن انفتاح ذراعيّ الله بالحب العملي على الصليب لأجل كل الأمم، إذ يقول:
"لأن عينيّ قد أبصرتا خلاصك (صليبك)،
الذي أعددته قدَّام وجه جميع الشعوب.
نور إعلان للأمم" [30-32].
هذه النظرة الروحيّة تلقَّفتها الكنيسة بفرح، فقد قيل:
v علّق على الشجرة ذاك الذي يجمع الكل فيه.
v إذ فقدناه خلال شجرة، فبالشجرة أيضًا أُعلن للجميع، مظهرًا نفسه الارتفاع والطول والعرض والعمق، وكما أخبرنا أحد السالفين أنه أعاد الاتِّحاد بين الشعبين في الله خلال انبساط يديه. فقد كانت هناك يدان إذ وُجد شعبان منتشران إلى أقاصي الأرض، ووُجدت رأس واحدة، إذ يوجد إله واحد.
القدِّيس إيريناؤس
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:13 pm

القدِّيس إيريناؤس
v الصليب هو طريق رباط المسكونة.
القدِّيس غريغوريوس أسقف نيصص
v الصليب هو سُلم يعقوب، هذه الشجرة ذات الأبعاد السماويّة ارتفعت من الأرض إلى السماء، أقامت ذاتها غرسًا أبديًا بين السماء والأرض، لكي ترفع المسكونة... وتضم معًا أنواع مختلفة من الطبيعة البشريّة.
القدِّيس هيبوليتس
إن كانت الكنيسة في بهجتها بالتسبحة الملائكيّة (المجد لله في الأعالي...) صارت تترنَّم بها كل صباح، فإنَّ في فرحها بهذه التسبحة التي لسمعان الشيخ (الآن يا سيِّد تُطلق عبدك...) صارت تتغنَّى بها في تسبحة نصف الليل كما في تسبحة النوم.
ثانيًا: إذ سمع يوسف والقدِّيسة مريم هذه التسبحة كانا يتعجَّبان، لأنه ما أعلنه لهما الله عند البشارة صار معلنًا لسمعان الكاهن والشيخ بصورة واضحة. وإذ تمتَّعا ببركة سمعان الكاهن، وجَّه هذا الشيخ حديثه للقدِّيسة مريم، قائلاً: "ها إن هذا قد وُضع لسقوط وقيام كثيرين في إسرائيل ولعلامة تقاوم" [34].
إن كان الله الآب قد أرسل ابنه لخلاص العالم (يو 3: 16) خلال علامة الصليب، لكن ليس الكل يقبل هذه العلامة ويتجاوب مع محبَّة الله الفائقة، بل يقاوم البعض الصليب ويتعثَّرون فيه. هذا ومن ناحية أخرى فإنَّ سقوط وقيام الكثيرين يشير إلى سقوط ما هو شرّ في حياتنا لقيام ملكوت الله فينا، فعمل السيِّد المسيح أن يهدم الإنسان القديم ليُقيم الإنسان الجديد؛ يقتلع الشوك ليغرس في داخلنا شجرة الحياة.
هذا الفكر من جهة سقوط وقيام كثيرين في إسرائيل، أي سقوط الجاحدين وقيام المؤمنين، وسقوط الشرّ فينا لقيام برّ الله داخلنا قد وضَّح في كتابات الآباء، إذ جاء فيها:
v "لأننا رائحة المسيح الزكيّة لله في الذين يخلُصون وفي الذين يهلَكون" (2 كو 2: 15). يقول سواء في الذين يخلُصون أو الذين يهلِكون يستمر الإنجيل في عمله اللائق؛ وكما أن النور وإن كان يحسب عَمَى بالنسبة للضعيف لكنه يبقى نورًا... والعسل في فم المرضى مُرّ لكنه في طبعه حلو؛ هكذا للإنجيل رائحته الزكيّة حتى وإن كان البعض يهلك بسبب عدم إيمانهم به، لأنه ليس هو السبب في هلاكهم إنما ضلالهم هو السبب... بالمخلِّص يسقط ويقوم كثيرون لكنه يبقى هو المخلِّص حتى وإن هلك ربوات... فهو لا يزال مستمرًا في تقديم الشفاء.
القدِّيس يوحنا ذهبي الفم
v هوذا سمعان يتنبَّأ بدوره أن ربَّنا يسوع المسيح قد جاء لسقوط وقيام كثيرين حتى يجازي أعمال الأبرار والأشرار، ويعطي كل واحد حسب أعماله كديّان حقيقي وعادل، إما بالعذاب أو بالحياة.
القدِّيس أمبروسيوس
v في رأيي أن الرب هو لسقوط وقيام الكثيرين (لو 1: 34)، ليس لأن البعض يسقط والبعض الآخر يقوم، إنما يسقط فينا ما هو شرّ ويقيم فينا ما هو أفضل. مجيء الرب محطَّم للشهوات الجسديّة ومقيم لسمات النفس الصالحة، وكما يقول بولس: "حينما أنا ضعيف فحينئذٍ أنا قوي" (2 كو 12: 10). في الشخص نفسه يوجد ما هو ضعيف وما هو قوي، إذ يكون ضعيفًا في الجسد وقويًا في الروح…
الذي يقوم تسقط خطيَّته وتموت بينما يحيا في البرّ ويقوم، هذا هو ما تمنحه إيَّانا النِعم الخاصة بإيماننا بالمسيح.
ليسقط فينا ما هو شرِّير لكي يجد ما هو أفضل الفرصة ليقوم! فإن لم يسقط الزنا عنَّا لا تقوم الطهارة فينا. وإن لم يتحطَّم فينا ما هو مخالف للعقل لن يبلغ عقلنا إلى الكمال. هذا هو معنى "لسقوط وقيام كثيرين".
القدِّيس باسيليوس الكبير
إذن السيِّد المسيح الذي هو حجر الزاويّة المختار الكريم الذي أقامه الآب في صهيون، لكي من يؤمن به لن يخزى (رو 2: 9)، إذ سقط علي غير المؤمن سحقه، وإن سقط غير المؤمن عليه يترضَّض (لو 20: 18). هذا الحجر الكريم يُعلن في صهيوننا الداخليّة، فيحطِّم فينا كل فسادٍ ويسحق كل شرٍ، لكي يقوم بناء الله الداخلي في استقامة وبرّ. إنه الحجر الذي لا يقوم علي أساس خاطئ، لذلك به "يسقط ويقوم كثيرون"!
وحينما نتحدّث عن السيِّد المسيح إنما نتحدّث عنه بكونه "المصلوب"، إذ يكمل سمعان الشيخ حديثه قائلاً: "لعلامة تقاوم"، وكما يقول القدِّيس باسيليوس الكبير: [نفهم بلياقة العلامة في الكتاب المقدَّس أنها الصليب.] ويقول القدِّيس كيرلس الكبير: [أما العلامة التي تُقاوم فيقصد بها علامة الصليب، إذ يقول الحكيم بولس: "لكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوبًا لليهود ولليونانيِّين جهالة، وأما عندنا نحن المخلَّصين فهي قوّة الله" (1 كو 1: 18)، فترون أن علامة الصليب عند قوم جهالة وعند آخرين رحمة وحياة.]
مرة أخري يرى القدِّيس باسيليوس الكبير أن العلاقة التي قاومها الهراطقة هي "حقيقة تجسُّد المسيح" فالبعض قالوا أنه جسد سماوي منكرين حقيقة التجسُّد وذلك كالغنوسيِّين، والبعض قال أنه جسد موجود قبل كل الدهور، وآخرون قالوا أن المسيح بدأ وجوده من مريم، أي أنكروا لاهوته.
ثالثًا: إن كان السيِّد المسيح الذي جاء لخلاص العالم قد صار موضع مقاومة، فإنَّ القدِّيسة مريم تشارك ابنها الصليب بكونها تمثِّل الكنيسة، التي تحمل صورة عريسها المصلوب المقاوَم. إذ يقول: "وأنتِ أيضًا يجوز في نفسك سيف. لتعلَن أفكار من قلوب كثيرين" [35]. وكما يقول القدِّيس كيرلس الكبير: [يُراد بالسيف الألم الشديد الذي لحق بمريم وهي ترى مولودها مصلوبًا، ولا تعلم بالكليّة أن ابنها أقوى من الموت، وأنه لابد من قيامته من القبر، ولا عجب أن جهلت العذراء هذه الحقيقة فقد جهلها أيضًا التلاميذ المقدَّسون، فلو لم يضع توما يده في جنب المسيح بعد قيامته، ويجس بآثار المسامير في جسم يسوع لما صدق أن سيِّده قام بعد الموت.] وجاء في قطع الساعة التاسعة: [عندما نظرت الوالدة الحمل والراعي مخلِّص العالم علي الصليب معلَّقا، قالت وهي باكية: أما العالم فيفرح لقبوله الخلاص، وأما أحشائي فتلتهب عند نظري إلى صلبوتك الذي أنت صابر عليه من أجل الكل يا ابني وإلهي.]
يقدَّم لنا القدِّيس أمبروسيوس مفهومًا آخر للسيف الذي يجوز في نفس القدِّيسة مريم، ألا وهو "كلمة الله" التي يليق بنا أن نتقبَّلها في أعماقنا كسيفٍ ذي حدين (عب 4: 12)، تفصل الشرّ عن الخير الذي يقوم... [لم يذكر الكتاب ولا التاريخ أن مريم استشهدت، غير أن السيف المادي لا يجوز في الروح بل في الجسد، إنما كلمة الله قويّة وفعّالة وأمضى من كل سيف ذي حدِّين، وخارقة إلى النفس والروح (عب 4: 12).]
رابعًا: ماذا يعني بقوله "لتُعلن أفكار من قلوب كثيرة" [35]؟ إن كان السيف - سواء الألم أو كلمة الله - يجتاز نفس القدِّيسة مريم، فإنَّ هذا يفضح فكر الكثيرين وقلوبهم، مثل الكتبة والفرِّيسيِّين الذين يتظاهروا بحفظ الناموس والغيرة علي الشريعة، فإنَّهم أمام الله مع القدِّيسة مريم تنفضح حقيقتهم الداخليّة، ويظهر رياءهم الباطل.
6. تسبحة حنة بنت فنوئيل
كان يلزم أن تفرح كل الفئات بالطفل العجيب، فيقدَّم لنا الإنجيلي لوقا حنَّة الأرملة كنبيَّة تسبِّح له، وكأنها تقوم بهذا الدور نيابة عن فئة الأرامل.
إن كان سمعان يحضر إلى الهيكل ككاهنٍ ليخدم في نوبته، فإنَّ هذه الأرملة كانت ملازمة للهيكل لا تفارقه "عابدة بأصوام وطلبات ليلاً ونهارًا" [37]،حوالي 84 عامًا. إذ رأت الطفل "وقفت" [38] بالرغم من شيخوختها إذ ناهزت المائة عام، وانطلق لسانها بالتسبيح، وانفتح فمها بروح النبوَّة.
كتب القدِّيس جيروم إلى الأرملة فيوريا Furia ، مقدَّما لها حنَّة مثلاً حيًا، إذ يقول:
[أتريدين أن تعرفي ما يجب أن تكون عليه الأرامل؟ لنقرأ الإنجيل بحسب لوقا، فإنَّه يقول: "وكانت نبيّة حنَّة بنت فنوئيل من سبط أشير". فإنَّ كلمة "حنَّة" تعني "نعمة (حنان الله)"، وفنوئيل في لساننا يعني "وجه الله"، "وأشير" يمكن ترجمتها "غنى" أو "طوباويّة"، وكانت منذ صباها قد تحمَّلت الترمُّل لمدة 84 عامًا لا تفارق الهيكل، عابدة بأصوام وطلبات ليلاً ونهارًا لذلك نالت النعمة روحيًا وتقبَّلت لقب "ابنة وجه الله" وتمتَّعت بنصيب في "الطوباويّة والغنى" إذ تنسب له.]
7.العودة إلى الناصرة
"ولما أكملوا كل شيء حسب ناموس الرب،
رجعوا إلى الجليل إلى مدينتهم الناصرة.
وكان الصبي ينمو ويتقوَّى بالروح ممتلئًا حكمة،
وكانت نعمة الله عليه" [39-40].
إن كان الحبل بالسيِّد المسيح وميلاده قد أفرح السماء والأرض؛ ابتهج السمائيُّون وانطلقوا إلى الأرض يطوِّبونها، وفرح البشر من بسطاء كالرعاة وحكماء كالمجوس وكهنة كزكريَّا وسمعان الشيخ، ونساء متزوِّجات كأليصابات وعذارى كمريم وأرامل كحنَّة بنت فنوئيل وأطفال كيوحنا المعمدان الخ. فإنَّه بعد دخوله الهيكل في سن الأربعين يومًا عاد إلى الناصرة في جوّ من الهدوء الشديد ليُمارس الحياة البشريّة كواحدٍ منَّا؛ وكما يقول القدِّيس يوحنا ذهبي الفم لم يردْ أن يُظهر معجزات في طفولته وصبوَّته حتى بدأ الخدمة لكي يمارس حياتنا معلنًا حقيقة إخلائه. يؤكِّد هذا ما قاله الإنجيلي يوحنا في تحويل الماء خمرًا في عرس قانا الجليل، معلنًا أنها أول آية صنعها يسوع (يو 3).
لقد حمل ناسوتنا، فصار مثلنا بالرغم من عدم انفصاله قط عن لاهوته. بسبب هذا الناسوت قيل: "وكان الصبي ينمو ويتقوَّى بالروح ممتلئًا حكمة، وكانت نعمة الله عليه" [40].وفيما يلي بعض التعليقات للآباء علي هذه العبارة وأيضًا علي قوله: "وأما يسوع فكان يتقدَّم في الحكمة والنعمة عند الله والناس" [52].
v يشير القول "يتقدُّم الصبي في الحكمة والقامة والنعمة" إلى طبيعته البشريّة، ولذلك فإنَّي أرجو أن تفكِّروا في عمق نظريّة الفداء، فقد تحمَّل الله الكلمة أن يولد إنسانًا، مع أنه بطبيعته الإلهيّة لا بداية له ولا يحدّه زمان، فهو الإله الكامل الذي قبل أن يخضع لقانون النمو الجسماني، ويتقدَّم في الحكمة وهو إله الحكمة، فانظر إلى المسيح الآن وقد أصبح مثلنا فصار الله إنسانًا والغني فقيرًا والعالي ذليلاً. إن الله الكلمة أخلى ما فيه بقبوله الطبيعة البشريّة. كان لله الكلمة أن يتَّخذ جسدًا من امرأة، فيصبح بمجرد ولادته رجلاً نامي الأعضاء كامل الأنسجة، ولكن لو حدث ذلك لكان من قبيل اللعب التخيُّلي، ولذلك سار الصبي علي قوانين الطبيعة البشريّة فكان يتقدَّم في الحكمة والقامة والنعمة.
ولكن لا تتألّموا إذ سُئلت: "كيف يتقدَّم الله وينمو؟ وكيف يمكن الله الذي يهب الملائكة والناس نعمة يُمنح حكمة ونعمة؟
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:14 pm

ولكن لا تتألّموا إذ سُئلت: "كيف يتقدَّم الله وينمو؟ وكيف يمكن الله الذي يهب الملائكة والناس نعمة يُمنح حكمة ونعمة؟
أرجو أن تفكِّروا في العبارات التي وردت في الإنجيل توضيحًا لهذا السرّ العجيب، فإنَّ الإنجيلي الحكيم لم يُشر بآيتيه السابقتين إلى الكلمة وهي الطبيعة الإلهيّة، بل أشار في غير لبس أو غموض إلى المسيح، وقد وُلد إنسانًا من امرأة، واتَّخذ صورتنا، وصار صبيًا بشريًا. في هذه الحالة يقول الإنجيلي عنه "إنه كان يتقدَّم في الحكمة والقامة والنعمة"، فترون أن جسم الصبي نما طبقًا للنواميس الطبيعيّة، وعقله تقدَّم ماشيًا مع النمو الجسماني.
نما الجسم في القامة، وتقدَّمت النفس في الحكمة، أما الله فبطبيعته الإلهيّة كامل لأنه مصدر الحكمة والكمال.]
القدِّيس كيرلس الكبير
v كلمات الإنجيل تصف بوضوح ربَّنا أنه ينمو بخصوص إنسانيَّته.
القدِّيس غريغوريوس أسقف نيصص
v لقد حّل اللاهوت في جسم بشري... بل وفي نفس بشريّة أيضًا... "كان ينمو"... لقد أخلي ذاته وأخذ شكل العبد (في 2: 7) ...
وبالقدرة التي بها أخلى ذاته نما أيضًا فظهر ضعيفًا لأنه استطاع في حبه أن يأخذ جسدًا ضعيفًا واستطاع أيضًا أن ينمو ويتقوّى...
أخلي ابن الله ذاته، وبنفس القُدرة امتلأ حكمة وكانت نعمة الله عليه...
امتلأ نعمة لا في شبابه، إنما كان يُعلِّم الجموع وهو بعد صبي كان عجيبًا في كل شيء، عجيبًا في صبُوَّته فامتلأ بملء حكمة الله.
العلامة أوريجينوس
v يضيف النص: "وكانت أُمُّه تحفظ جميع هذه الأمور في قلبها" [51]. لقد عرفت مريم أن هناك أشياء تفوق ما للإنسان الطبيعي فحفِظت في قلبها كل كلمات ابنها... كانت تراه ينمو ويتقوَّى في النعمة أمام الله والناس... كان يسوع ينمو في الحكمة، وكان يظهر أكثر حكمة من سنة إلى أخرى...
العلامة أوريجينوس
v التقدَّم هنا خاص بالجسد، إذ هو يتقدَّم، فيه يتقدَّم إعلان اللاهوت للذين يرونه، وإذ كان اللاهوت يُعلن أكثر فأكثر لذلك كانت نعمته تتزايد في أعين كل البشر. كطفلٍ حُمل إلى الهيكل، إذ صار صبيًا بقي هناك يناقش الكهنة في الشريعة، وإذ نما جسده أعلن الكلمة ذاته فيه. لذلك اعترف به بطرس ثم البقيّة: "أنت هو ابن الله" (مت 16: 16؛ 27: 54)... نمو الحكمة هنا لا يعني نمو "الحكمة" ذاته إنما تقدَّم ناسوت في الحكمة (بإعلانها)... لذلك قيل: "الحكمة بََنََت بيتها" (أم 19: 1) وأعطت لذاتها نموًا لبيتها.
القديس أثناسيوس الرسولي
8. يسوع في الهيكل
لم تروِِ لنا الأناجيل المقدَّسة شيئًا عن شخص السيِّد المسيح منذ عودته من مصر وهو طفل، ربَّما في الثالثة من عمره وحتى بدء الخدمة في سن الثلاثين سوى قصَّة دخوله الهيكل في سن الثانية عشر من عمره. هذه القصة الفريدة تكشف لنا عن صبُوَّة السيِّد المسيح وتقدِّم لنا الكلمات الأولى التي نطق بها السيِّد المسيح في الأناجيل: "ألَم تعلِّما أنه ينبغي أن أكون فيما لأبي"، وهي تكشف لنا عن طاعته وخضوعه لأُمّه القدِّيسة مريم.
ويلاحظ في هذه القصَّة الآتي:
أولاً: أمرت الشريعة أن يذهب كل الرجال اليهود إلى أورشليم في كل سنة ليحتفلوا بعيد الفصح (خر 13: 17، تث 16: 16) يقضون هناك ثمانية أيام (عيد الفصح وعيد الفطير معًا)، وكان المسافرون يسيرون على قافلتين، احداهما للنساء في المقدِّمة والثانية للرجال في المؤخِّرة، وكان الصِبيَّان يسيرون إِما مع الرجال أو النساء. لذلك فإنَّه إذ اِنقضى اليوم الأول في العودة اِقتربت القافلتان واِلتقى يوسف بمريم كل منهما يسأل الآخر عن الصبي، إذ حسب كل منهما أنه مع الآخر، وقد بقيا يومًا كاملاً يسألان عنه بين الرجال والنساء، وإذ لم يجداه قرَّرا العودة إلى أورشليم حيث قضيا يومًا ثالثًا، لذا يقول النجيلي: "وبعد ثلاثة أيام وجداه في الهيكل جالسًا في وسط المعلِّمين، يسمعهم ويسألهم" [46].
لا نعرف شيئًا عن حديث السيِّد المسيح مع المعلِّمين وهو في الثانية عشر من عمره، لكننا نعرف أن "كل الذين سمعوا بُهتوا من فهمه وأجوبته" [47]، وأن القدِّيسة مريم والقدِّيس يوسف إذ "أبصراه اِندهشا" [48].لعلَّه كان يتحدَّث معهم بخصوص الفصح الحقيقي، فيكشف لهم عن الحاجة للانطلاق من خروف الفصح الرمزي إلى الحقيقي، أو كان يحدّثهم عن "العبور" لا من أرض مصر إلى كنعان، بل من الجحيم إلى الفردوس، أو لعلَّه كان يحدّثهم عن الحاجة إلى المسيَّا ويكشف لهم النبوَّات... على أي الأحوال كان يتحدَّث بسلطانٍ، فيُبهت السامعين. بلا شك رأت القدِّيسة مريم عجبًا، حتى يقول الإنجيلي: "وكانت أُمّة تحفظ جميع هذه الأمور في قلبها" [51].
حدَّد الإنجيلي أنهما وجداه بعد ثلاثة أيام في الهيكل جالسًا في وسط المعلِّمين [46]، فإنَّ كان رقم 3 كما رأينا في دراستنا لسفر يشوع تُشير للإيمان بالثالوث القدِّوس، كما تشير لقيامة المسيَّا من الأموات، فإنَّه لا يمكن للكنيسة أن تُلقي بعريسها في هيكله المقدَّس إلا خلال الإيمان الثالوثي، أو التلامس مع عمل الثالوث القدِّوس في حياتها، وخلال خبرة الحياة المُقامة مع المسيَّا. بمعنى آخر لن نستطيع أن نلتقي بالسيِّد وننعم بصداقته الفائقة في مقدَّساته ما لم نتقدَّس بالإيمان الثالوثي، ونحيا بحياته المُقامة فينا!
إن قبِلنا الإيمان الثالوثي عمليًا، فتمعُنًا بأبوَّة الآب، وانفتح قلبنا لفداء الابن، ونلنا شركة روحه القدِّوس، إن صارت لنا الحياة السماويّة المقامة في المسيح نرى السيِّد نفسه في قلبنا كما في هيكله يقود كل مناقشاتنا الداخليّة، يعلمنا ويدربَّنا كمعلمٍ صاحب سلطان، يقود القلب بكل عواطفه، والفكر بكل أبعاده، والجسد بكل أحاسيسه! لنبصره مع أُمّه القدِّيسة مريم ونندهش معها من أجل عمله فينا!
ثانيًا: يعلّق العلامة أوريجينوس على بحث القدِّيسة مريم والقدِّيس عن الصبي يسوع، قائلاً:
[وفي الثانية عشر من عمره بقيَ في أورشليم ولم يعلم أبواه إذ ظنَّاه بين الرفقة... وكانا يطلبانه بين الأقرباء والمعارف ولكنهما لم يجداه... بحث عنه أبواه، يوسف الذي نزل معه إلى مصر، لم يجده... فإنَّنا لا نجد يسوع ونحن بين الأهل والمعارف حسب الجسد، لا نجده في العائلة الجسديّة... يسوعي لن أجده بين الجموع.
أنظر أين وُجد يسوع حتى تأخذ مريم ويوسف معك في البحث عنه فتجده. يقول لنا الإنجيل: وبعد ثلاثة أيام وجداه في الهيكل، لم يجداه إلا في الهيكل، كان جالسًا في وسط المعلِّمين يسمعهم ويسألهم. وأنت أيضًا اِبحث عن يسوع في هيكل الله. اِبحث عنه في الكنيسة. اِبحث عنه عند المعلِّمين الذين لا يبرحون الهيكل. اِبحث عنه هناك فستجده. لكن إن اِدَّعى أحد موهبة التعليم وليس له يسوع فهو معلِّم بالاسم فقط، لا تجد عنده يسوع... إننا نجد يسوع عند المعلِّمين الحقيقيِّين كقول البشير...
الرب يسوع كان يسأل أحيانًا ويجيب أحيانًا، فكان عظيمًا في أسئلته. ونحن نتضرَّع إليه حتى نسمعه يسألنا ويجيبنا...
لنبحث عنه بجهد عظيم مقترنًا بالعذاب، عندئذ نجده، إذ يقول الكتاب: "هوذا أبوك وأنا كنَّا نطلبك معذَّبين". لا تبحث عن يسوع في تراخِ وفتور وتردّد كما يفعل البعض، فإنَّ هؤلاء لا يجدوه.]
كما يقول أيضًا:
[لا اِعتقد أنهما كانا معذَّبين لاِعتقادهم أن الصبي قد فُقد أو مات، فلم يكن ممكنًا لمريم أن تشك هكذا، وهو الذي حُبل به من الروح القدس، وبشَّر به الملاك، وسجد له الرعاة، وحمله سمعان، ولا يمكن أن تنتاب نفس يوسف هذا الفكر، وهو الذي أمره الملاك أن يأخذ الطفل ويهرب به إلى مصر وسمع هذه الكلمات: "لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك لأن الذي حُبل به فيها من الروح القدس" (مت 1: 20). لا يمكن أن يخَف يوسف على الطفل وهو متيقِّن أنه الله (الكلمة). إذن فعذاب الأبوين وسؤالهما له مغزى آخر قد لا يستشفُّه القارئ العادي...
لقد بحثا عن يسوع وذُهلا لمجرَّد التفكير أنه ابتعد عنهما، أو تركهما وذهب إلى موضع آخر، أو ربَّما صعد إلى السماء لينزل في الوقت المناسب...
أنت أيضًا إن فقدت ابن الله يومًا ما اِبحث عنه أولاً في الهيكل... اِسرع واِسرع إلى الهيكل هناك تجد يسوع الكلمة والحكمة، أي ابن الله]
ثالثًا: يعلّق القدِّيس أغسطينوس على كلمات القدِّيسة مريم: "هوذا أبوك وأنا" [48]، معلنًا أنها مع ما نالته من كرامة بتجسُّد كلمة الله في أحشائها سلكت بروح التواضع أمام يوسف فقدَّمته عنها قائلة: "أبوك وأنا". وهي تعلم أنه ليس من زرعه، لكنها خلال الحب الروحي الذي ملاْ العائلة المقدَّسة حسبته أباه وقدَّمته عن نفسها.
رابعًا: أول كلمات نطق بها السيِّد كما جاء في الأناجيل المقدَّسة هي: "لماذا كنتما تطلباني، ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون فيما لأبي؟!" [49]. هذه الكلمات تكشف عن طبيعة السيِّد المسيح وعن رسالته كما تحدَّد لنا ملامح السلوك اللائق:
أ. فمن جهة طبيعة السيِّد المسيح، فهو وإن كان لا يتعرَّض على نسبِهِ لمريم ويوسف، إذ قالت له أُمّه: "هوذا أبوك وأنا كنَّا نطلبك معذَّبين" [48]، إذ كان يوسف أبًا له حسب الشريعة من أجل التبنِّي وان كان ليس من زرعه، وكانت مريم أُمَّه حسب الجسد، لكنه هو الذي العلي... يؤكِّد علاقته بالآب "ينبغي أن أكون فيما لأبي" معلمنا أنه ابن الله الآب!
من جهة ناسوته ينسب للقدِّيسة مريم لأنها حملته، أخذ منها جسدًا، لكنه لا ينسب جسديًا ليوسف إنما من أجل خدمته له وارتباطه المملوء محبَّة للقدِّيسة مريم إذ قيل:
v أطلق الإنجيل لقب "أبواه" على العذراء لأنها حملته ويوسف الذي خدمه.
العلامة أوريجينوس
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:15 pm

العلامة أوريجينوس
v كما أن مريم دُعيت أمًا ليوحنا في المحبَّة وليس لأنها انجبته، هكذا دُعي يوسف أبًا للمسيح لا لأنه أنجبه، وإنما لاهتمامه بإعالته وتربيته.
القدِّيس كيرلس الأورشليمي
v بسبب الأمانة الزوجيّة اِستحق الاثنان أن يُلقبَّا "والديّ يسوع"، إذ كانا هكذا حسب الذهن والهدف وليس حسب الجسد. فإن كان أحدهما والده في الهدف لكن الآخر أي أُمّه كانت والدته بالجسد أيضًا، وقد دعي الاثنان أبواه حسب تواضعه لا سموُّه، حسب ضعفه (ناسوته) لا حسب لاهوته.
القدِّيس أغسطينوس
لكن كلماته مع القدِّيسة مريم تؤكِّد لاهوته، إذ يقول: "ينبغي أن أكون فيما لأبي" [49].
v هنا يشير المسيح إلى أبيه الحقيقي ويكشف عن ألوهيَّته.
القدِّيس كيرلس الكبير
v للمسيح بنوَّتان، واحدة من الآب والأخرى من مريم، الأولى إلهيّة مرتبطة بأبيه، والثانية تمَّت بولادته من مريم إذ تنازل إلينا.
القدِّيس أمبروسيوس
ب. يرى علماء التربية وعلم النفس أن كلمات السيِّد هذه: "لماذا كنتما تطلباني، ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون فيما لأبي؟" بمثابة ثورة جديدة في عالم الطفولة، فقد كان يسوع "خاضعًا لهما" [51]، علامة الطاعة الكاملة لوالديه وكما يقول القدِّيس أمبروسيوس: [هل كان يمكن لمعلِّم الفضيلة أن لا يقوم بوجباته لهما؟! فإنَّه لم يخضع عن ضعف وإنما عن حب.] هكذا قدَّم هذا الصبي الفريد مثلاً حيًا لطاعة الأولاد لوالديهم... وكما كتب القدِّيس جيروم للراهبة أوستخيوم: [أطيعي والديك ممتثلة بعريسك.] ويقول العلامة أوريجينوس: [لنتعلَّم يا أبنائي الخضوع لوالدينا.... خضع يسوع وصار قدوة لكل الأبناء في الخضوع لوالديهم أو لأولياء أمورهم إن كانوا أيتام... إن كان يسوع ابن الله قد خضع لمريم ويوسف أفلا أخضع أنا للأسقف الذي عيَّنه لي الله أبًا؟!... ألا أخضع للكاهن المختار بإرادة الله؟] إن كان السيِّد المسيح قد قدَّم درسًا علميًا ومثلاً حيًا للخضوع والطاعة للوالدين، فقد أعلن بكلماته "لماذا كنتما تطلبانني ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون فيما لأبي؟ أنه من حق الطفل أو الصبي أن يسلك في رسالته حسب مواهبه وإمكانيَّاته ولا يكون آلة بلا تفكير في يديّ الوالدين. بمعنى آخر يليق بالوالدين أن يتعاملا مع ابنهما لا كامتداد لحياتهما يشكِّلانه حسب هواهما وأمنيَّاتهما، وإنما يوجِّهانه لتنمية مواهبه وقدراته... يعاملانه كشخص له مقوِّمات الشخصيّة المستقلَّة وليس تابعًا لهما.
لم تكن القوانين والشرائع الدينيّة أو المدنيّة حتى اليهوديّة في ذلك الحين تُعطي الطفولة حقًا للحياة بما لكلمة "حياة" من معنى إنساني حُر، إنما كانت بعض القوانين تبيح للوالدين أن يقتلا الطفل أو يقدَّماه محرقة للآلهة، كما كان يفعل عابدي الإله ملوك أو ملوخ... وقد جاء السيِّد يُعلن أن الطفل من حقُّه ممارسة الحياة حسب ما يناسب شخصه ومواهبه وإمكانيَّاته. وإنني أُرجئ الحديث في هذا الأمر إلى بحث خاص يُنشر في كتاب "الحب العائلي" إن شاء الرب وعشنا.
خامسًا: يعلّق العلامة أوريجينوس على قول الإنجيلي: "فلم يفهما الكلام الذي قاله لهما، ثم نزل معهما وجاء إلى الناصرة" [50-51]، قائلاً:
[لم يدركا مغزى كلمات يسوع: "ينبغي أن أكون فيما (لبيت) أبي"، أي أن أكون في الهيكل...
بيت يسوع هو الأعالي، لذا فيوسف ومريم إذ لم يكونا بعد قد بلغا كمال الإيمان لم يستطيعا بعد أن يحلِّقا معه في الأعالي، لذلك يقول الكتاب: "ثم نزل معهما" [51]. كثيرًا ما ينزل يسوع مع تلاميذه ولا يبقى على الدوام على الجبل...]
أخيرًا نختم حديثنا عن السيِّد المسيح في الهيكل بالكلمات التي سجَّلها القدِّيس چيروم للئيَّته Laeta بخصوص تربيتها لابنتها بأولاً Paula:
[ليتها تنمو مع عريسها في الحكمة والقامة أمام الله والناس (2: 52)! لتذهب مع والديها إلى هيكل أبيها الحقيقي، ولا تخرج معهما من الهيكل. ليطلبانها بين طرق العالم وسط الجماهير والأقرباء فلا يجدانها هناك، بل يجدانها في مقادس (هيكل) الكتاب المقدَّس، تسأل الأنبياء والرسل عن مفاهيم الزواج الروحي الذي تكرَّست له!]
1 و في تلك الايام صدر امر من اوغسطس قيصر بان يكتتب كل المسكونة
2 و هذا الاكتتاب الاول جرى اذ كان كيرينيوس والي سورية
3 فذهب الجميع ليكتتبوا كل واحد الى مدينته
4 فصعد يوسف ايضا من الجليل من مدينة الناصرة الى اليهودية الى مدينة داود التي تدعى بيت لحم لكونه من بيت داود و عشيرته
5 ليكتتب مع مريم امراته المخطوبة و هي حبلى
6 و بينما هما هناك تمت ايامها لتلد
7 فولدت ابنها البكر و قمطته و اضجعته في المذود اذ لم يكن لهما موضع في المنزل
8 و كان في تلك الكورة رعاة متبدين يحرسون حراسات الليل على رعيتهم
9 و اذا ملاك الرب وقف بهم و مجد الرب اضاء حولهم فخافوا خوفا عظيما
10 فقال لهم الملاك لا تخافوا فها انا ابشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب
11 انه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب
12 و هذه لكم العلامة تجدون طفلا مقمطا مضجعا في مذود
13 و ظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوي مسبحين الله و قائلين
14 المجد لله في الاعالي و على الارض السلام و بالناس المسرة
15 و لما مضت عنهم الملائكة الى السماء قال الرجال الرعاة بعضهم لبعض لنذهب الان الى بيت لحم و ننظر هذا الامر الواقع الذي اعلمنا به الرب
16 فجاءوا مسرعين و وجدوا مريم و يوسف و الطفل مضجعا في المذود
17 فلما راوه اخبروا بالكلام الذي قيل لهم عن هذا الصبي
18 و كل الذين سمعوا تعجبوا مما قيل لهم من الرعاة
19 و اما مريم فكانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به في قلبها
20 ثم رجع الرعاة و هم يمجدون الله و يسبحونه على كل ما سمعوه و راوه كما قيل لهم
21 و لما تمت ثمانية ايام ليختنوا الصبي سمي يسوع كما تسمى من الملاك قبل ان حبل به في البطن
22 و لما تمت ايام تطهيرها حسب شريعة موسى صعدوا به الى اورشليم ليقدموه للرب
23 كما هو مكتوب في ناموس الرب ان كل ذكر فاتح رحم يدعى قدوسا للرب
24 و لكي يقدموا ذبيحة كما قيل في ناموس الرب زوج يمام او فرخي حمام
25 و كان رجل في اورشليم اسمه سمعان و هذا الرجل كان بارا تقيا ينتظر تعزية اسرائيل و الروح القدس كان عليه
26 و كان قد اوحي اليه بالروح القدس انه لا يرى الموت قبل ان يرى مسيح الرب
27 فاتى بالروح الى الهيكل و عندما دخل بالصبي يسوع ابواه ليصنعا له حسب عادة الناموس
28 اخذه على ذراعيه و بارك الله و قال
29 الان تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام
30 لان عيني قد ابصرتا خلاصك
31 الذي اعددته قدام وجه جميع الشعوب
32 نور اعلان للامم و مجدا لشعبك اسرائيل
33 و كان يوسف و امه يتعجبان مما قيل فيه
34 و باركهما سمعان و قال لمريم امه ها ان هذا قد وضع لسقوط و قيام كثيرين في اسرائيل و لعلامة تقاوم
35 و انت ايضا يجوز في نفسك سيف لتعلن افكار من قلوب كثيرة
36 و كانت نبية حنة بنت فنوئيل من سبط اشير و هي متقدمة في ايام كثيرة قد عاشت مع زوج سبع سنين بعد بكوريتها
37 و هي ارملة نحو اربع و ثمانين سنة لا تفارق الهيكل عابدة باصوام و طلبات ليلا و نهارا
38 فهي في تلك الساعة وقفت تسبح الرب و تكلمت عنه مع جميع المنتظرين فداء في اورشليم
39 و لما اكملوا كل شيء حسب ناموس الرب رجعوا الى الجليل الى مدينتهم الناصرة
40 و كان الصبي ينمو و يتقوى بالروح ممتلئا حكمة و كانت نعمة الله عليه
41 و كان ابواه يذهبان كل سنة الى اورشليم في عيد الفصح
42 و لما كانت له اثنتا عشرة سنة صعدوا الى اورشليم كعادة العيد
43 و بعدما اكملوا الايام بقي عند رجوعهما الصبي يسوع في اورشليم و يوسف و امه لم يعلما
44 و اذ ظناه بين الرفقة ذهبا مسيرة يوم و كانا يطلبانه بين الاقرباء و المعارف
45 و لما لم يجداه رجعا الى اورشليم يطلبانه
46 و بعد ثلاثة ايام وجداه في الهيكل جالسا في وسط المعلمين يسمعهم و يسالهم
47 و كل الذين سمعوه بهتوا من فهمه و اجوبته
48 فلما ابصراه اندهشا و قالت له امه يا بني لماذا فعلت بنا هكذا هوذا ابوك و انا كنا نطلبك معذبين
49 فقال لهما لماذا كنتما تطلبانني الم تعلما انه ينبغي ان اكون في ما لابي
50 فلم يفهما الكلام الذي قاله لهما
51 ثم نزل معهما و جاء الى الناصرة و كان خاضعا لهما و كانت امه تحفظ جميع هذه الامور في قلبها
52 و اما يسوع فكان يتقدم في الحكمة و القامة و النعمة عند الله و الناس
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:16 pm

الأصحاح الثالث
الإعلان عن الصديق السماوي
قبل أن يحدّثنا عن عمل هذا الصديق السماوي خاصة مع الفئات المرذولة والمنبوذة حدّثنا عن طبيعة هذا الصديق، معلنًا عنها خلال السابق له "يوحنا المعمدان"، وخلال شهادة السماء نفسها "العماد"...
1. ظهور يوحنا المعمدان 1-6.
2. الحث على التوبة 7-14.
3. شهادة عن المسيح 15-20.
4. عماد السيِّد 21-22.
5. نسب السيِّد المسيح 23-27.
1. ظهور يوحنا المعمدان
نظرًا لأهميّة الدور الذي يقوم به القدِّيس يوحنا المعمدان، حتى اهتم رجال العهد القديم بالتنبؤ عنه، يحدّثنا الإنجيلي لوقا عن تاريخ ظهوره كحقيقة واقعة تمت، وعن طبيعة عمله، وعن شهادته عن السيِّد المسيح. فمن جهة تاريخ ظهوره قال:
"وفي السنة الخامسة عشرة من سلطنة طيباريوس قيصر،
إذ كان بيلاطس بنطس واليًا على اليهودية،
وهيرودس رئيس ربع على الجليل،
وفيلبس أخوه رئيس ربع على إيطوريَّة وكورة تراخونيتس،
وليسانيوس رئيس ربع على الأبليّة.
في أيام رئيس الكهنة حنان وقيافا
كانت كلمة الله على يوحنا بن زكريَّا في البرِّيَّة" [1-2].
عند البشارة بالحبل به حدَّد الوحِّي الإلهي التاريخ بإعلاناسم ملك اليهوديَّة الذي تم فيه ذلك الحدث (1: 5)، أما في بداية ظهوره للعمل فأعلن اسم الإمبراطور الروماني، والوالي الروماني وثلاثة رؤساء كل منهم رئيس ربع (حيث قُسِّمت اليهوديَّة إلى أربعة أقسام) واسمي رئيس الكهنة... بين هؤلاء جميعًا من رؤساء زمنيِّين ودينيِّين لم يوجد من تأهَّل لتكون عليه كلمة الله إلا يوحنا الذي تربَّى في البرِّيَّة.
ولعلَّه ذكر هذه الأسماء ليظهر ما بلغ إليه إسرائيل من مذلَّة، فلم يعد فقط خاضعًا للإمبراطور الروماني، إنما تقسَّمت مملكة إسرائيل إلى أربعة أقسام يحكمها ولاة رومانيُّون، حتى رئيس الكهنة كان الحاكم الروماني هو الذي يقيمه! هذا الذل المرير هو أحد علامات مجيئ المسيح، إذ قيل: "لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون" (تك 49: 10). وسط هذا الجو القاتم ظهر يوحنا يهييء الطريق للسيِّد المسيح، وكما يقول القدِّيس أمبروسيوس ظهر الصوت يهييء الطريق للكلمة.
يعلّق القدِّيس أمبروسيوس على كلمات الإنجيلي لوقا: "كانت كلمة الله على يوحنا بن زكريَّا في البرِّيَّة" [2]، قائلاً بأن كلمة الله، أي السيِّد المسيح، كان يعمل سرِّيًا في يوحنا وهو في البرِّيَّة قبل أن يعمل في كنيسته، التي كانت برِّيَّة مقفرة، فغرسها بأشجار مقدَّسة جاء بها من وسط الشعوب، كانت قبلاً عاقرًا فصار لها أولاد (إش 54: 1).
يمكننا أن نقول بينما كان الرومان يسيطرون على اليهود حتى في الأمور الدينيّة إذ أقال الحاكم الروماني رئيس الكهنة "حنَّان" وأقام " قيافا" عوضًا عنه كان الله يدبر لهم ما هو أعظم، لا أن يحطَّم المملكة الرومانيّة ويقيم إسرائيل من مذلَّة زمنيّة، إنما يعد يوحنا في وسط البرِّيَّة بطريقة خفيّة ليهيء الطريق لإسرائيل كما للرومان لكي يقبلا العضويّة في جسد المسيح المقدَّس، يرتبطان معًا بالرأس الواحد على مستوى فائق، على صعيد الأبديّة التي لا تنتهي.
قد تسوَدْ الحياة في وجهك وتظن أن الشرّ قد ساد وحطَّم المؤمنين، لكن في كل زمان يعمل الله في وسط البرِّيَّة القاحلة ليقيم منها فردوسًا مقدَّسا يضم أشجارًا من كل أُمَّة وشعب ولسان!
من جهة منطقة عمله وطبيعة خدمته يقول:
"فجاء إلى جميع الكورة المحيطة بالأردن
يكرز بمعموديّة التوبة لمغفرة الخطايا" [3].
منطقة عمله "الكورة المحيطة بالأردن"، ولعلَّ كلمة "كورة" تعني منطقة مستديرة، وهي محيطة بالأردن، لأن جوهر رسالته هو "العماد"، المرتبط بالتوبة، جاء يوحنا بمعموديَّته يهيئ الطريق لمعموديّة السيِّد المسيح لا لمغفرة الخطايا فحسب، وإنما للتمتَّع بروح البنوَّة لله وحلول الروح القدس فينا، حتى ننعم بصداقة مع السيِّد على مستوى الاتِّحاد الحق وشركة أمجاده.
هذا العمل الذي قام به المعمدان لم يتحقَّق بطريقة عشوائيّة، لكنه جاء جزءًا من خطة الله الخلاصيّة، سبق فنظرها الأنبياء من بعيد وتحدّثوا عنها، إذ يقول الإنجيلي:
"كما هو مكتوب في سفر أقوال إشعياء النبي القائل:
صوت صارخ في البرِّيَّة،
اَعدُّوا طريق الرب،
اِصنعوا سبله مستقيمة.
كل وادٍ يمتلئ وكل جبل وأكَمَة ينخفض،
وتصير المُعوجَّات مستقيمة، والشِعاب طرقًا سهلة.
ويبصر كل بشرٍ خلاص الله" [4-6].
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:16 pm

ويبصر كل بشرٍ خلاص الله" [4-6].
أولاً: إن كان السيِّد المسيح هو "كلمة الله"، فإن يوحنا مجرَّد الصوت الذي يعد الطريق للكلمة. إن كان السيِّد المسيح هو "الحق" عينه، فيوحنا صوت يدوي في البرية لقبول الحق خلال "السبل" أو الطرق المستقيمة. إنه ينادى للنفوس اليائسة التي تشبه الوديان المنخفضة أن تمتلئ رجاءً، والنفوس المتشامخة كالجبل أو الأكَمَة أن تتَّواضع... بهذا يتمتَّع الكل بالخلاص. ولعلَّه يقصد بالوديان "الأمم" التي حطَّمتها الوثنيّة وأفقدتها كل رجاء في الرب، بالجبل والأكَمَة "شعب إسرائيل ويهوذا" الذي تعجرف، فالدعوة موجَّهة للجميع... "يبصر كل بشر خلاص الله".
ثانيًا: كانت الدعوة متَّجهة إلى التوبة العمليّة والسلوك: "تصير المعوجَّات مستقيمة والشِعاب طرقًا سهلة"، دعوة لترك كل طريق معْوج أو مُلتو، فإنه لن يبصر أحد الخلاص وهو قابع في شرِّه واعوجاج حياته،
ثالثًا: جاءت كلمة "بشَرْ" هنا في الأصل اليوناني "جسد"، وكما يقول القدِّيس أغسطينوس: [اعتاد الكتاب المقدَّس أن يصف الطبيعة البشريّة بقوله "كل جسد".] وأيضًا: [لا يعني جسدًا بدون نفس ولا عقل، بل "كل جسد" تعني "كل إنسان".]
رابعًا: إن دعوة يوحنا لا تزال قائمة في كل نفس، فإن أعماقنا لن تبصر خلاص الله ما لم نسمع صوت يوحنا في داخلنا يملأ قلوبنا المنسحقة بالرجاء، ويحطِّم كل عجرفة وكبرياء، ويحول مشاعرنا الداخليّة عن المعوجَّات ويجعل شِعابنا العميقة سهلة!
خامسًا: لما كان إنجيل لوقا موجَّها لليونان، فقد اقتبس كلمات إشعياء النبي هنا التي تفتح أبواب الرجاء لكل الأمم، إذ يقول: "ويَبصر كل بشر خلاص الله". وكما يعلِّق القدِّيس كيرلس الكبير، قائلاً: [وكل إنسان أبصر خلاص الله الآب، لأنه أرسل ابنه فاديًا ومخلِّصًا، ولم يقتصر الأمر على قومٍ دون آخرين، فإن عبارة "كل بشَر" تُطلق على جميع شعوب العالم بأسره، فلا يراد بها شعب بني إسرائيل فحسب، بل جميع الناس في أقاصي الأرض قاطبة، لأن رحمة المخلِّص غير محدودة، فلم تخلِّص أُمَّة دون أخرى بل اِفتدى المسيح جميع الأمم، وأضاء بنوره على كل الذين في الظلمة. وهذا هو الذي قصد إليه المرنِّم: "كل الأمم الذين صنعتهم يأتون ويسجدون أمامك يا رب ويمجِّدون اسمك" (مز 86: 9)، بينما في الوقت نفسه تخْلص البقيّة الباقية من الشعب الإسرائيلي كما أعلن موسى، إذ قال: "تهلَّلوا أيها الأمم شعبه" (تث 32: 43).]
2. الحث على التوبة
"وكان يقول للجموع الذين خرجوا ليعتمدوا منه:
يا أولاد الأفاعي، من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي.
فاصنعوا ثمارًا تليق بالتوبة،
ولا تبتدئوا تقولون في أنفسكم لنا إبراهيم أبًا،
لأني أقول لكم أن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولادًا لإبراهيم.
والآن قد وُضعت الفأس على أصل الشجر،
فكل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا تقطع وتلقى في النار" [7-9].
ويلاحظ في هذا النص الآتي:
أولاً: خروج الجموع بأعدادٍ وفيرةٍ للمعموديّة لم يكن في ذاته يُفرِّح قلب القدِّيس يوحنا المعمدان، ولا يحسبه نجاحًا للخدمة، إنما كان يلزم أن ترتبط المعموديّة بالتوبة العمليّة النابعة عن الإيمان الحق، وفي المسيحيّة يرتبط العماد بالإيمان العملي، وإن قُدِّمت للأطفال فيتعهَّد الإشْبين، وغالبًا ما يكون أحد أو كلا الوالدين هما الإشْبينين، يتعهدان بتربية الطفل في الإيمان المسيحي العملي.
جاء في مقالات القدِّيس كيرلس الأورشليمي لطالبي العماد: [هل دخلتَ لأن الحارس لم يمنعك... أم لأنك تجهل الزي اللائق بدخولك الوليمة؟!... اُخرج الآن بلياقة واُدخل غدًا وأنت أكثر اِستعدادًا.] [حقًا أن العريس يدعو الجميع بغير تمييز لأن نعمة الله غنيّة، وصوت الرسل يعلو صارخًا لكي يجمع الكل؛ لكن العريس نفسه يقوم بفرز من دخلوا معه في علاقة زوجيّة رمزيّة. آه! ليته لا يسمع أحد ممَّن سُجِّلت أسماءهم هذه الكلمات: يا صاحب كيف دخلت إلى هنا وليس عليك لِباس العرس ( مت 22: 12).]
ثانيًا: دعاهم "أولاد الأفاعي"، قائلاً: "يا أولاد الأفاعي، من أراكم تهربوا من الغضب الآتي؟!" [7].وقد أخذ هذا التشبيه من واقع البيئة التي عاش فيها، إذ تكثر الأفاعي في البراري. ولعلَّه يقصد بالأفاعي هنا اِتِّسامهم بثلاث سِمات: الأولى: حب الأذيَّة للآخرين، فالأفعى سامة وقاتلة للإنسان. حب الأذى حتى للمقرَّبين فيقال أن بعض الأنواع من الأفعى تأكل الصِغار الأم. كما تزحف الأفعى على بطنها فتُمثِّل الفكر الترابي الأرضي.
v يُقصد بهذه الكلمات شرور اليهود الذين تدنَّسوا بسِموم قلوبهم الشرِّيرة، هؤلاء الذين أحبُّوا معوجَّات الأفاعي وجحورها المُختفية في باطن الأرض، عوضًا عن محبَّتهم لأسرار معرفة الله، ومع ذلك فإن الكلمات: "من أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي" تشير إلى رحمة الله التي وهبتهم فرصة للتوبة عن خطاياهم، متوسِّلاً إليهم موضَّحًا لهم بأمانة كاملة الدنيويّة الرهيبة العتيدة.
يقصد يوحنا بـ "أولاد الأفاعي" اليهود كجنس لا كأفراد، فقد قيل: "كونوا حكماء كالحيَّات" (مت 10: 16)، فقد وُهبت لهم الحكمة الطبيعيّة، لكنهم اِستغلُّوها لذواتهم دون التفكير في ترك خطاياهم.
القدِّيس أمبروسيوس
v حسنًا دعاهم أولاد الأفاعي، إذ يُقال أن ذلك الحيوان عند ولادته تأكل الصغار بطن أُمِّها وتُهلكها فيخرجون إلى النور، هكذا يفعل هذا النوع من الناس، إذ هم قتلة آباء وقتلة أُمَّهات (1 تي 1: 9) يبيدون معلِّميهم بأيديهم.
القدِّيس يوحنا ذهبي الفم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:17 pm

ثالثًا: يسألهم ألا يتَّكلوا على نسبهم الجسدي لإبراهيم: "لا تبتدئوا تقولون في أنفسكم لنا إبراهيم أبًا"، إنما يليق بهم أن يحملوا البنوَّة لإبراهيم خلال السلوك العملي فكأبناء حقيقيِّين يتمثِلون بإيمانه كما بسلوكه، وإلا فإن الله قادر أن يُقيم من الحجارة أولادًا لإبراهيم، وقد أقام بالفعل، ويبقى على الدوام يقيم من الحجارة أولادًا لإبراهيم، أقام في العهد القديم من أحشاء سارة العاقر والتي تشبه الحجر إسحق ونسله غير المُحصى أولادًا لإبراهيم، ولا يزال يُقيم من القلوب المتحجِّرة قلوبًا مؤمنة تحمل البنوَّة لإبراهيم أب المؤمنين.
v أنذرهم أن يتأيَّدوا لا بنُبل جنسهم بل ببريق أعمالهم، فالمولد لا يُعطي أي اِمتياز ما لم يزكِّيه ميراث الإيمان.
v كان الله يستعد لتليين قسوة قلوبنا ليصنع من هذه الحجارة شعبًا مؤمنًا.
القدِّيس أمبروسيوس
v ما فائدة الحسب والنسب إذا كان الأبناء لا يسيرون في طريق الشرف والنبل كما يسير أجدادهم وأسلافهم؟! لذلك يقول المخلِّص: "لو كنتم أولاد إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم" (لو 8: 39)، يريد الله أن تكون القرابة مؤسَّسة على الأخلاق والأعمال، لأنه من العبث أن تفتخر بالوالدين الصالحين المقدَّسين، وأنت قاصر عن بلوغ شأنهم في الصلاح والفضيلة.
v يطلق يوحنا المعمدان المغبوط لفظة الحجارة على الأمم، لأنهم لم يعرفوا المسيح الذي بطبيعته إله، فجنحوا عن عبادة الله وسجدوا للخليقة لا الخالق، ولكن المسيح دعاهم فلبُّوا دعوته، وأصبحوا أبناء لابراهيم، واعترفوا بإيمانهم بيسوع بأُلوهيّة المخلِّص يسوع المسيح.
القدِّيس كيرلس الكبير
v يستطيع الله أن يجعل من الحجارة أولادًا لإبراهيم؛ يشير هنا إلى الأمم، إذ هم حجارة بسبب قسوة قلوبهم، لنقرأ: "وأنزع قلب الحجر عن لحمك وأعطيكم قلب لحم" (خر 36: 26)، فالحجر صورة القسوة، واللحم رمز اللطف. لقد أراد أن يظهر قوّة الله القادر أن يخلق من الحجارة الجامدة شعبًا مؤمنًا.
القدِّيس چيروم
رابعًا: يستخدم أسلوب التهديد بالعقوبة: "والآن قد وُضعت الفأس على أصل الشجر، فكل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا تُقطع وتُلقي في النار" [9].
v لنتمثل بالأشجار المثمرة، فتنمو فضائلنا تسندها جذور التواِضع المستمر، ولنرتفع عن الأرضيَّات ونحمل في القمَّة أعمال التوبة المثمرة، فلا يأتي فأس المزارع ليقطع الغُصن البرِّي (غير المُثمر)، إذ "ويل لي إن كنتُ لا أبشِّر" (1كو 5: 6)، هذا ما نطق به الرسول، أما أنا فأقول: ويلٌ لي إن كنت لا أبكي على خطاياي؛ ويلٌ لي إن كنت لا "أقوم في نصف الليل لأشكرك على أحكام عدلك" (مز118: 12)؛ ويلٌ لي إن وشيْت بقريبي؛ ويلٌ لي إن كنت لا أنطق بالحق.
هوذا الفأس على أصل الشجرة، فليْتها تنمو وتقدِّم ثمر الشكر وثمرة التوبة.
هوذا الرب يقف يجني الثمار ويَهب الحياة عِوض الثمر، ويكتشف الشجرة التي لم تثمر ولها ثلاث سنوات (لو 13: 7). إنه لم يجد ثمرًا لليهود، لعلَّه يجد فينا ثمرًا، إذ هو مزمع أن يقطع من لا ثمار لهم حتى لا يشغلوا الأرض باطلاً.
ليجاهد من هم بلا ثمر أن يكون لهم في المستقبل ثمر، فإن زارع الأرض الطيِّب يشفع فينا نحن الذين بلا ثمر وبلا نفع لكي تُترك لنا فرصة، ويطيل الله أناته علينا لعلَّنا نقدر أن نقدِّم بعضًا من الثمار.
القدِّيس أمبروسيوس
v وتشير الفأس إلى سخط الله وغضبه من جراء تعدِّي اليهود على المسيح وعظَم جرمهم ضد السيِّد، فيقول زكريَّا في هذا الصدد: "في ذلك اليوم يعظم النوح في أورشليم كنوح هدد رمون..." (زكريَّا 12: 11) ويخاطب إرميا أورشليم أيضًا فيقول: "زيتونة خضراء ذات ثمر جميل الصورة دعا الرب اسمك، بصوت ضجَّة عظيمة أوقد نارًا عليها فانكسرت أغصانها ورب الجنود غارِسك قد تكلَّم شرًا" (إر 11: 16)، ويمكنكم فوق ذلك أن تضيفوا إلى هذا القول مثَل التينة في الأناجيل المقدَّسة، لأنه لمَّا كانت شجرة التينة غير مثمرة فإن الله شاء فجفَّت جذورها،
ولاحظوا أن المعمدان لا يقول "إن الفأس" وُضعت في "داخل" أصل الشجرة بل على أصل الجذور، ويراد بذلك أن الأغصان ذبُلت وهوَت، أما النبات فلم يُستأصل من جذوره، لأنه توجد بقيّة من شعب إسرائيل تابت إلى الله فخلُصت ولم تهلك هلاكًا أبديًا.
القدِّيس كيرلس الكبير
ما هي هذه الفأس التي توضع على أصل الشجرة لتقطعها وتُلقيها في النار إلاّ كما يقول القدِّيس چيروم "السيف ذي الحدِّين"، كلمة الله التي تقطع كل ما هو غير مُثمر فينا، كلمة الله قويَّة وفعّالة قادرة أن تحطِّم فينا كل عُقْم لتُقيم فينا بالدم الطاهر ثمارًا حيَّة.
خامسًا: إذ هدَّد بقطع الشجرة التي بلا ثمر من جذورها والإلقاء بها في النار، أوضح أن الثمر هو "الحب العملي" أو الرحمة، إذ يقول:
"وسأله الجموع قائلين: فماذا نفعل؟
فأجاب وقال لهم: من له ثوبان فليُعطِ من ليس له،
ومن له طعام فليُفعل هكذا" [10-11].
لقد سأله عشَّارون وجند أيضًا، وكانت وصيَّته لهم تتركَّز في الرحمة والحب العملي، إذ طلب من العشَّارين لا أن يتركوا عملهم، بل في أمانة لا يستغلُّوا مركزهم، فيجمعوا ضرائب أكثر ممَّا يجب لحسابهم الخاص، كما لم يطلب من الجند أن يتركوا عملهم، بل لا يستغلُّوا وظيفتهم فيظلموا الآخرين، أو يَشُوا بأحدٍ، إنما يكتفون بالعمل بأمانة، ولا يطلبوا سِوى أجرتهم (اِكتفوا بعلائفكم).
v أجاب يوحنا المعمدان إجابة واحدة تناسب كل عمل بشري... الرحمة هي فضيلة عامة، والمبدأ الأساسي الذي يجب أن يُعمل به في كل مكان ويمارسه كل سن، فلا يستثني منه الفرِّيسي ولا الجندي ولا الفلاح... لا الغني ولا الفقير، إذ الجميع مدعوُّون أن يُعطوا من ليس معهم، لأن الرحمة هي كمال الفضائل.
القدِّيس أمبروسيوس
v حقًا لم يمنعهم من الخدمة كجنودٍ عندما أمرهم أن يكتفوا بأجورهم حسب الخدمة.
القدِّيس أغسطينوس
3. شهادته عن المسيح
كان الشعب اليهودي غريبًا، فبينما نجده قد رفض السيِّد المسيح، ولم يكن قادرًا على قبوله مخلِّصًا وفاديًا نراه يظن في يوحنا أنه "المسيح"، إذ يقول الإنجيلي: "وإذ كان الشعب ينتظر، والجميع يفكِّرون في قلوبهم عن يوحنا لعلَّه المسيح..." [15]ولعل السببفي ذلك ما رأوه في يوحنا من تقشُّف شديد في أكلِه وشُربه وملبسه وحزمه في تبكيته الخطاة، فظنَّوه أنه قادر أن يخلِّصهم من الرومان متى قام بدور قيادي حاسم.
عجيب هو الإنسان فإنه كثيرًا ما يرفض حب الله الفائق ويستهين بطول أناته منجذبًا للمخلوق دون الخالق! لكن يوحنا في أمانته لم يقبل أن يسلب مجد المسيح، رافضًا بشدَّة التكريم الزائد غير اللائق به، شاهدًا عن المسيح الحقيقي، معلنًا أنه ليس هناك مجال مقارنة بين السيِّد المسيح وبينه، وبين معموديَّة السيِّد ومعموديَّته، إذ "أجاب يوحنا الجميع قائلاً: أنا أعمِّدكم بماء، ولكن يأتي من هو أقوى منِّي، الذي لست أهلاً أن أحل سيور حذائه، هو سيعمِّدكم بالروح القدس ونار. الذي رفْشُه في يده وسينقِّي بيٍدَرَه، ويجمع القمح إلى مخزنه، وأما التِبن فيحرِقه بنارٍ لا تُطفأ" [16-17].
يقول القدِّيس يوحنا ذهبي الفم: [هذا هو دور الخادم الأمين ليس فقط لا ينسبلنفسه كرامة سيِّده، بل يمقت ذلك عندما يقدِّمها له كثيرون.]
يقول العلامة أوريجينوس: [كان كل الشعب معجبًا به ويحبُّه، فمن المؤكَّد أن يوحنا كان إنسانًا غريبًا يستحق إعجابًا شديدًا من كل الناس، فقد كانت حياته مختلفة تمامًا عن بقيّة الناس... فمحبَّتهم له كان لها ما يبرِّرها، لكنهم تجاوزوا الحد المعقول في محبَّتهم، إذ تساءلوا إن كان هو المسيح. والرسول بولس كان يخشى مثل هذا الحب غير الروحي الذي غيَّر موضعه، إذ يقول عن نفسه: "ولكن أتحاشى لئلاّ يظن أحد من جِهتي فوق ما يراني أو يسمع منِّي، ولئلاّ أرتفع من فرط الإعلانات" (2 كو 12: 6-7)... وأنا نفسي أتألّم من هذه المغالاة في كنيستنا، فالغالبيّة يحبُّونني أكثر ممَّا اَستحق ويمدحون أحاديثي وتعاليمي... وإن كان البعض على العكس ينتقد وعظنا وينسبوا إليّ آراء ليست لي... فإن الذين يبالغون في حبِّنا والذين يبغضوننا كلاهما لا يحتفظون بقانون الحق، هؤلاء يكذبون في حبِّهم المُبالغ وأولئك في كراهيَّتهم، لذلك يجب أن نضع ضوابط للحب ولا نتركه في حريّة يحملنا هنا وهناك... فقد جاء في سفر الجامعة: "لا تكن بارًا كثيرًا ولا تكن حكيمًا بزيادة، لماذا تخرب نفسك؟!" (جا 7: 16).... فلا تحب إنسانًا "من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوَّتك"، ولا تحب ملاكًا هكذا من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قوَّتك، إنما أتبع كلام الرب واحفظ تعليمه: "تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك ومن كل فكرك" (لو 10: 27).]
ويقول القدِّيس أمبروسيوس: [لم يقصد يوحنا بهذه المقارنة إثبات أن المسيح أعظم منه، فليس من وجه للمقارنة بين الله وإنسان... يوحنا لم يشأ أن يقارن نفسه بالمسيح إذ قال: "لست مستحقًا أن أحل سِيور حذائه"... ربَّما أراد القدِّيس يوحنا أن ينقص من شأن الشعب اليهودي بقوله: "ينبغي أن ذلك يزيد وأني أنا أنقص" (يو 3: 30)، كان ينبغي أن ينقص الشعب اليهودي حتى يزداد الشعب المسيحي في المسيح.]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:17 pm

يقول القدِّيس كيرلس الكبير:
[دُهش الناس لما رأوا من الجلال الرائع في عيشة يوحنا الهادئة، عظمة أخلاق وسِمو تقوى وصلاح، فقد هال الشعب اليهودي سِمو يوحنا ورُقيِّه في عيشته وتعاليمه، حتى ظنَّوا أنه لابد وأن يكون المسيح الذي أشار إليه الناموس بمختلف الرموز، ووصفه كثير من الأنبياء والرسل، إلا أن يوحنا سرعان ما لاحظ ظنونهم حتى وقف يبدِّدها بحزمٍ وعزمٍ، فأعلن في غير لبس أنه ما هو إلا خادم لسيِّده، وأن المجد والكرامة والسجود والعظمة لا تليق إلا بالمسيح الذي اسمه يفوق كل اسم.
عَلَم يوحنا أن المسيح أمين لكل من يخدمه، فما على الخادم إلاّ أن يعلن الحق والصدق، إذ الفرق شاسع بين الخادم وسيِّده، أي بين يوحنا والمسيح ولذلك يقول: "أنتم أنفسكم تشهدون لي أني قلت لست أنا المسيح بل أني مرسل أمامه" (يو 3: 28)، فحقًا أن يوحنا عظيم في رسالته وعظيم في شهادته، فقد كان رائع الجلال ككوكب الصباح الذي يعلن شروق الشمس من وراء الأفق.
أراد يوحنا أن يثبت للملأ أنه دون سيِّده مرتبة ومقامًا، فقال: "أنا أعمِّدكم بماء، ولكن يأتي من هو أقوى منِّي الذي لست أهلاً أن أحل سيور حذائه" (3: 16).
حقًا أن الفرق شاسع بين المسيح ويوحنا، بل لا تصح المقارنة بينهما، ولذلك صدَق المعمدان المغبوط رغمًا عن سِمو فضيلته وكريم خلقه بأنه "غير أهل لأن يحل سِيور حذائه"، لأنه إذا كانت القوَّات السمائيّة والعروش والسيرافيم المقدَّسة تقف حول عرش المسيح الإلهي مقدِّمة له المجد والتسبيح، فمن ذا الذي يستطيع من سكان الأرض أن يقترب من الله؟! نعم يحب الله الإنسان فهو رؤوف به رحوم عليه، ولكن يجب ألا ننكر بأي حال من الأحوال بأننا لا شيء بالنسبة له فنحن بشر ضعفاء جهلاء.]
ويقول القدِّيس يوحنا ذهبي الفم: [إنه عالٍ جدًا ولا أستحق أن أُحُسب أقل عبد عنده، فإن حلْ سيور الحذاء هو أكثر الأعمال وضاعة.]
ويقدَّم لنا الأب غريغوريوس (الكبير) تفسيرًا رمزيًا لكلمات القدِّيس يوحنا المعمدان: فيرى في حذاء السيِّد إشارة إلى الجسد الذي اِلتحف به، فإن حلْ سيوره إنما يعني فكْ أسرار التجسُّد، إذ يشعر نفسه عاجزًا عن إدراك هذا السرْ الإلهي وبحثه، بينما يقدِّم لنا القدِّيس چيروم تفسيرًا آخر وهو أن يوحنا المعمدان لا يتجاسر أن يمد يده ليحل سيور حذاء سيِّده، لأن السيِّد يريد عروسه المترمِّلة ولا يرفضها، إذ جاء في الشريعة أن الوليّ الذي يرفض الأرملة كزوجة ليُقيم منها نسلاً للميِّت يخلع نعليْه أمام شيوخ المدينة ويُعطيه لمن يَقبل الزواج منها، كما فعل وليّ راعوث (را 4: 7-8). مسيحنا لن يخلع نعليْه ليعطيهما لأحد، إذ يوَد أن يقتنينا عروسًا له، ويشترينا بحبُّه ودمه المبذول.
لم يجد القدِّيس يوحنا وجهًا للمقارنة بينه وبين سيِّده، ولا بين معموديَّته ومعموديّة سيِّده، إذ قال: "أنا أعمِّدكم بماء... هو سيعمِّدكم بالروح القدس ونار" [16].
v الماء يطهِّر الجسد، والروح يطهِّر القلب من الخطايا، نحن نقوم بالعمل الأول ونصلِّي لكي يتم العمل الثاني حيث ينفخ الروح في الماء فيقدِّسه، الماء وحده ليس دليلاً على التطهير وإن كان الاثنان لا ينفصلان: الماء والروح، لذلك اِختلفت معموديّة التوبة (ليوحنا) عن معموديّة النعمة التي تشمل العنصرين، أما الأولى فتشمل عنصرًا واحدًا. إن كان كل من الجسد والروح يشتركان في الخطيّة فالتطهير لازم لكيهما.
القدِّيس أمبروسيوس
v المعموديّة هي الكُور العظيم الممتلئ نارًا، فيها يُسبك الناس ليصيروا غير أموات.
القدِّيس يعقوب السروجي
v الروح القدس هو نار كما جاء في أعمال الرسل، إذ حلّ على المؤمنين على شكل ألسنة ناريّة. وهكذا تحقَّقت كلمة المسيح: "جئت لأٌلقي نارًا على الأرض، فماذا أريد لو إضطرَمَت؟!" (لو 12: 49). يوجد تفسير آخر وهو أننا نعتمد حاليًا بالروح، وبعد ذلك (في يوم الرب) بالنار كقول الرسول: "ستمتَحِن النار عمل كل واحد ما هو" (1 كو 3: 13).
القدِّيس چيروم
v يقول يوحنا ذلك ثانية للدلالة على ضعفه وجهله "أنا أعمِّدكم بماء ولكن هو سيعمِّدكم بالروح القدس ونار" (لو 3: 16)، وهذا برهان جليل على أُلوهيّة المسيح، لأنه من خاصيَّات يسوع الذي يفوق الكل قوَّته على منح الناس الروح القدس حتى أن كل من يقبله يتمتَّع بالطبيعة الإلهيَّة، ولكن لاحظوا أن هذه القوّة في يسوع المسيح لم يمنحها ولم يرسلها أحد بل هي له وفيه، وخاصة به، إذ ورد "يعمِّدكم بالروح القدس". فالله الكلمة المتأنِّس هو ثمرة الله الآب، فلا يعترض أحد بأن الذي يُعمِّد بالروح القدس هو الله الكلمة، وليس ذاك الذي أتى من ذُرِّيَّة داود، فلم يشاء أن يقسِم المسيح ابنين، فقد وصف الكتاب المقدَّس هؤلاء الناس بأنهم: "حيوانات ومعتزلون بأنفسهم ولا روح لهم" (يه 19).
وما معنى ذلك كله؟ يجب أن نؤكِّد تمام التأكيد غيرَ مكتَرثين بنقض أو اِعتراض بأن الله الكلمة يَمنح الروح القدس الذي له، لكل من كان جديرًا بهذه الهِبة
وحتى لما تأنَّس الله الكلمة وهبنا الروح القدس، لأنه ابن الله الوحيد الذي صار جسدًا، فهو والآب واحد بطريقة لا يًدركها العقل ولا يحدَّها الوصل، يقول المعمدان "لست أهلاً أن أحلْ سِيور حذائه" ثم يعطف على ذلك قوله "هو سيعمِّدكم بالروح القدس ونار"، فمن الواضح أنه كانت هناك قدمان للبس الحذاء،غير مرتبطة بالجملة السابقة، وما معنى القدمان قبل وبعد التجسد؟؟؟؟؟؟؟ ولا يمكن للإنسان العاقل أن يفترض أن المسيح كان يلبس قبل تجسُّده حذاء فلم يحدث ذلك إلا عند تجسُّده، ولما كان المسيح بتجسُّده لم يكُف عن أن يكون إلهًا، وجب أن يعمل أعمالاً تليق بأُلوهيَّته، فأعطى الروح القدس لكل الذين آمنوا، لأنه هو واحد وشخص واحد وفي الوقت نفسه إله وإنسان أيضًا...
القدِّيس كيرلس الكبير
إذ أعلن عن معموديّة المخلِّص، تحدّث كديَّان: "الذي رفْشُه في يده، وسينقِّي بيدَرَه، ويجمع القمح إلى مخزنه، وأما التبن فيحرقه بنار لا تُطفأ" [17].
v تكشف الإشارة إلي رفْشْ المسيح إلى سلطانه في تمييز عمل كل واحد. حينما يُذَرِّي القمح يفصل الفارغ عن الملآن، المثمر عن الذي بلا ثمر بفضل نسمة الهواء... سيميِّز الرب في يوم الدينونة بين الأعمال المثمرة بفضائل ممتلئة وبين الأعمال الفارغة، فيدعو الكاملين إلى الوطن السماوي... بينما يمقُت القَشْ ولا يحب الأعمال العقيمة، لذلك: "قدَّامه تذهب نار" (مز 97: 3)، [لكنها نار من طبيعة غير مؤذيّة تحرق أيضًا أعمال الظلمة وتُظهر بريق أعمال النور.]
القدِّيس أمبروسيوس
v أريد أن أكشف عن السبب الذي لأجله يمسك ربَّنا الرفْشْ وعن النفخة التي ترفع التِبن ليتطاير هنا وهناك، بينما القمح الأكثر ثقْلاً يبقى في مكانه...
الهواء على ما أظن يعني التجارب التي تكشف المؤمنين، إن كانوا تِبنًا أو قمحًا، لأنه عندما تحل بنفسك بعض التجارب، فليست التجربة هي التي تجعل المؤمنين تبنًا أو قمحًا، إنما إن كنتم تبنًا خفيفًا بلا إيمان تكشف التجارب عن طبيعتك المختفية؛ وعلى العكس إن واجَهْتُم التجربة بشجاعةٍ فليست التجربة هي التي تجعلكم أوفياء صابرين، إنما تكشف عن فضيلة الصبر والقوّة التي فيكم وكانت مختفية.
v عندما تهبْ العاصفة لا يمكنها أن تزعزع المبنى المٌقام على الصخر، إنما تكشف عن ضعف حجارة المبنى المزعزع المُقام على الرمل.
العلامة أوريجينوس
v يشبِّه يوحنا سكان الأرض بسنابل الحنطة وبالأحرى يقارنهم بقمح في حقل دَرَّاس. فإن كُلاً منَّا ينمو كسُنبلة قمح، وقد بين ربَّنا مرَّة وهو يخاطب الرسل المقدَّسين هذه الحقيقة، فقال لهم: "إن الحصاد كثير، ولكن الفعَلة قليلون، فاُطلبوا من رب الحصاد أن يُرسل فعَلة إلى حصاده" (لو 10: 2). نحن الذين نعيش على الأرض نُسمَّى سنابل الحنطة وقمحًا وحصادًا، وهذا الحصاد يملك عليه الله لأنه رب الجميع. لكن تأمَّلوا في كلام المعمدان المغبوط فإنه يصف حقل الدَرَّاس بأنه ملك المسيح، فهو الذي ينقِّي بيدَرَه ويجمع القمح إلى منزله ويحرق التبن بنار لا تُطفأ. فالقمح هو رمز للأخيار الذين ثبتوا في إيمانهم ورسخوا في عقيدتهم، أما التِبن فُيشير إلى أولئك الناس الذين ضعُفت عقولهم وسقُمَت قلوبهم، فأصبحوا قلقين تهب عليهم الرياح فتفرِّقهم...، فلا غرابة بعد ذلك إن جُمع القمح في مخزنه لأنه جدير بأن يُحفظ في مكان أمين بعناية الله له ورحمته ونعمته، ولكن التِبن يُحرق بنار لا تُطفأ إذ لا يساوي قلامة ظفر.
القدِّيس كيرلس الكبير
v هذا التِبن لا يُهلك من هم حنطة الرب، والذين هم قليلون، إن قورنوا بالآخرين، لكنهم هم جمع عظيم.
القدِّيس أغسطينوس
أبرز الإنجيلي لوقا عمل القدِّيس يوحنا المعمدان الرئيسي، وهو الشهادة للسيِّد المسيح وعمله الخلاصي، ومعموديَّته بالروح القدس، وقد جاءت هذه الشهادة ممتزجة بكلمة التبكيت للتوبة مع بث روح الرجاء، مبشِّرًا إيَّاهم برحمة الله، إذ يقول: "وبأشياء أُخر كثيرة كان يعظ الشعب ويبشِّرهم" [18].
لم تكن كرازته وعظاته خاصة بالعامة فحسب، إنما اِمتدَّت إلى الرؤساء بلا مُداهنة ولا مُجاملة. يقول:
"أما هيرودس رئيس الرُبع فإذ توبَّخ منه لسبب هيروديَّا امرأة فيلبس أخيه،
ولسبب جميع الشرور التي كان هيرودس يفعلها.
زاد هذا أيضًا على الجميع أنه حبس يوحنا في السجن" [19-20].
لقد سبق فدرسنا قصَّة سجن يوحنا بواسطة هيرودس، الذي أراد أن يكتم أنفاس الحق، ويقيِّد الكلمة والوصيّة بالسجن والقيود والسيف، فكان الصوت يزداد علوًّا خلال الضيق، وكيف صار هذا رمزًا لمحاولة اليهود تقييد الكلمة النبويّة (يوحنا النبي) ومنعها من الإعلان عن المسيَّا.
4. عماد السيِّد
أن كان يوحنا قد شهد للسيِّد ولمعموديَّته، فإنه إذ قبل الجموع القادمة إليه لتعتمد جاء السيِّد نفسه يعتمد:
"ولما اِعتمد جميع الشعب اِعتمد يسوع أيضًا،
وإذ كان يصلِّي اِنفتحت السماء.
ونزل عليه الروح القدس بهيئة جسميّة مثل حمامة،
وكان صوت من السماء قائلاً:
أنت ابني الحبيب بك سُررت" [21-22].
فيما يلي بعض تعليقات الآباء على معموديّة السيِّد:
v جاء إلى المعموديّة بدون خطيّة تمامًا، وهكذا لم يكن بدون الروح القدس، لقد كُتب عن خادمه وسابقه يوحنا نفسه أنه من بطن أمه يمتلئ من الروح القدس (لو 1: 15)، فإن كان وقد وُلد من أبيه (من زرع بشر) تقبَّل الروح القدس وهو يتشكَّل في الرحم، فماذا يمكننا أن نفهم ونعتقد بالنسبة للمسيح نفسه الذي حبل به، لا بطريقة جسدانيّة بل بالروح القدس؟!
القدِّيس أغسطينوس
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:18 pm

لم يّحلْ الروح القدس على جموع اليهود بل على يسوع وحده، إن أردت أن تقبل الروح القدس أيها اليهودي آمن بيسوع فإن الروح القدس حالْ فيه.
القدِّيس جيروم
v المسيح يوُلد، والروح هو المهيئ له!
إنه يعتمد، والروح يشهد له!
إنه يُجرب، والروح يقوده (4: 1، 18)!
إنه يصنع معجزات، والروح يرافقها!
إنه يصعد إلى السماء، والروح يحل محلُّه!
القدِّيس غريغوريوس النزينزي
v لم يعتمد الرب ليتطهَّر... الذي لم يعرف خطيّة له سلطان على التطهير، بهذا كل من يدفن في جرن المسيح يترك فيه خطاياه...
v شرح الرب نفسه سبب عماده: "اسمح الآن لأنه ينبغي لنا أن نكمِّل كل برْ" (مت 3: 15). من بين مراحمه الكثيرة بناؤه الكنيسة، فبعد الآباء والأنبياء نزل الابن الوحيد وجاء ليعتمد، هنا تظهر بوضوح الحقيقة الإلهيّة التي ذُكرت بخصوص "الكنيسة"، وهي إن لم يبنِ الرب البيت فباطلاً تعب البنَّاؤون". إذ لا يستطيع الإنسان أن يبني ولا أن يحرس: "إن لم يحرُس الرب المدينة، فباطل سهِر الحُرَّاس" (مز 126: 1). إني أتجاسر فأقول أنه لا يستطيع الإنسان أن يسلك في طريق ما لم يكن الرب معه يقوده فيه، كما هو مكتوب: "وراء الرب إلهكم تسيرون وإيَّاه تتَّقون" ( تث 13: 4)، "الرب يقود خُطى الإنسان" (حك 20: 24)... الآن تُخلق الكنيسة... يقول "اسمح الآن"، أي لكي تُبني الكنيسة، إذ يليق بنا أن نكمِّل كل برْ.
v اغتسل المسيح لأجلنا، أو بالحرى غسلنا نحن في جسده، لذا يليق بنا أن نُسرع لغسل خطايانا...
v دُفن وحده ولكنه أقام الجميع،
نزل وحده ليرفعنا جميعًا،
حمل خطايا العالم وحده ليطهِّر الكل في شخصه، وكما يقول الرسول: "نقُّوا أيديكم إذن وتطهَّروا" (يع 4: 8)، فالمسيح غير محتاج إلى التطهير، تطهَّر لأجلنا.
القدِّيس أمبروسيوس
v هل كان المسيح في حاجة إلى العماد المقدَّس؟ وأية فائدة تعود عليه من ممارسة هذه الفريضة؟ فالمسيح كلمة الله، قدُّوس من قدُّوس كما يصفه السيرافيم في مختلف التسبيحات (إش 3: 6)، وكما يصفه الناموس في كل موضع، ويتَّفق جمهور الأنبياء مع موسى في هذا الصدد.
وما الذي نستفيده نحن من العماد المقدَّس؟ لا شك محو خطايانا، ولكن لم يكن شيء من هذا في المسيح، فقد ورد: "الذي لم يفعل خطيَّة ولا وُجد في فمِه مكْر" (1 بط 2: 22)، "قدُّوس بلا شرْ ولا دنَس قد اِنفصل عن الخطاة وصار أعلى من السماوات" (عب 7: 26).
ولكن رُبَّ سائل ضعُف إيمانه يقول: هل اعتمد الله الكلمة وهل كان المسيح في حاجة إلى موهبة الروح القدس؟ كلاَّ لم يكن شيء من ذلك. ما اعتمد المسيح إلا لتعليمنا بأن الإنسان الذي من ذرِّيّة داود وهو المتَّحد بالله الابن عُمد وقبِل الروح القدس. فلماذا تقسِمون غير المقسُوم إلى ابنين وتقولون أنه عُمد في سن الثلاثين فأصبح مقدَّسًا.
ألم يكن المسيح مقدَّسًا حتى بلغ الثلاثين من عمره؟ من هو الذي يرضى بقولكم هذا، وأنتم تُلبِسون الحق بالباطل، وتزيِّفون العقيدة بالزيغ والريب إذ يوجد "رب واحد يسوع المسيح" (1 كو 8: 6)، ولذلك نُعلن على رؤوس الأشهاد: إنه لم ينفصل من روحه لمَّا اِعتمد، لأن الروح القدس وإن كان ينبثق من الله الآب فإنه يخُص أيضًا الله الابن، إذ "من مِلئِه نحن جميعًا أخذنا" (يو 1: 16). بل وكثيرًا ما سُميَ الروح القدس روح المسيح، مع أنه منبثق من الله الآب على حد قول الرسول بولس: "فالذين هم في الجسد لا يستطيعون أن يُرضوا الله، وأما أنتم فلستم في الجسد بل في الروح، إن كان روح الله ساكنًا فيكم... يهب الروح القدس لكل من كان جديرًا به، إذ قال: "بما أنكم أبناء الله أرسل الله روح ابنه إلى قلوبكم صارخًا يا أبَا الآب" (راجع غل 4: 6)، فبالرغم من أن الروح القدس ينبثق من الله الآب، فإن المسيح الكلمة ابن الله الوحيد الذي يشترك مع الآب في العظمة والسلطان لأنه بطبيعته ابن حقيقي يرسل الروح القدس إلى الخليقة ويهبه لكل من كان جديرًا به، إذ قال: "حقًا كل ما للآب هو لي" (16: 15)...
كان من الضروري إذن أن الله الكلمة وقد أفرغ نفسه بتواضعه بأن يتَّخذ صورتنا ويكون شبهنا، فهو بِكرُنا في كل شيء، ومثالُنا الذي نحتذي به في كل أمر، وعليه فلكي يعلِّمنا قيمة العماد وما فيه من نعمة وقوّة بدأ بنفسه وتعمَّد، ولما تعمَّد صلَّى، لنتعلَّم يا أحبائي أن الصلاة ضروريّة، فيصلِّي كل حين من أصبح جديرًا بنعمة العِماد المقدَّس.
ويصف الإنجيلي السماء بأنها اِنفتحت كما لو كانت مُغلقة، فإن المسيح يقول: "مِن الآن ترون السماء مفتوحة وملائكة الله يصعدون وينزِلون على ابن الإنسان" (يو 1: 51)، لأن طغمة الملائكة في السماء، وبني الإنسان على الأرض يظلِّلهم جميعًا علَم واحد، ويخضعون لراعٍٍ واحد هو السيِّد المسيح. اِنفتحت السماء فاقترب الإنسان من الملائكة المقدَّسين. نزل الروح القدس إشعارًا منه بأنه وُجدت خليقته ثانية. حلّ أولاً على المسيح الذي قبِل الروح القدس لا من أجل نفسه بل من أجلنا نحن البشر، لأننا به وفيه ننال نعمة فوق نعمة.
فترون أن المسيح حبًا في خلاصنا وفدائنا أخذ صورتنا، وفي هذه الصورة إخلاء ما بعده إخلاء للطبيعة الإلهيّة، وكيف يمكن أن يكون فقيرًا إن لم ينزل إلى درجة فقرنا وعوْزنا، وكيف كان يمكن أن يُخلي نفسه إذا لم يقبل اِحتمال الطبيعة البشريّة؟!
والآن وقد أخذْنا المسيح مثلْنا الأعلى فلِنقترب إلى نعمة العماد الأقدس، وبذلك نجرُؤ على الصلاة بجِدٍ وحرارة، ونرفع أيدينا المقدَّسة إلى الله الآب، فيفتح لنا كُوَى السماوات...
القدِّيس كيرلس الكبير
v هؤلاء ظهروا كمنفصلين لفهمنا، لكنهم بالحقيقة ثالوث غير منفصل.
القدِّيس أغسطينوس
v لنتأمَّل الآن في سر التثليث، فإذ نقول أن الله واحد لكننا نعترف بالآب والابن... الذي أعلن أنه ليس وحده بقوله: "وأنا لست وحدي لأن الآب معي" (16: 32)... والروح القدس حاضر، الثالوث القدِّوس لن ينفصل قط.
القدِّيس أمبروسيوس
5. نسب السيِّد المسيح
في دراستنا للإنجيل بحسب متَّى (الأصحاح الأول) سبق لنا المقارنة بين نسب السيِّد المسيح كما ورد في إنجيل متَّى مع ما ورد في إنجيل لوقا، لذلك نكتفي بتقديم ملخَّص مع إبراز جوانب أخرى:
أولاً: القديس متَّىكيهودي يكتب لإخوته اليهود اِهتم بإبراز السيِّد المسيح بكونه "ابن داود"، المسيَّا الملك المنتظر، وأنه ابن إبراهيم الذي به تحقَّقت العهود والمواعيد الإلهيّة، أما القديس لوقا وهو يكتب للأمم فيهتم بإبراز أنه أب كل البشريّة.
ثانيًا:قلنا أن القديس متَّىالإنجيلي إذ يقدِّم لنا النسب قبل أحداث الميلاد،حيث أخلى كلمة الله ذاته بالتجسُّد، جاء النسب تنازليًّا من إبراهيم حتى يوسف خطيب مريم، أما في إنجيل القديس لوقا فجاء النسب بعد عماد السيِّد حيث فيه رفعنا إلى البنوَّة لله لذلك جاء النسب تصاعديًا من يوسف حتى آدم "ابن الله".
يقول العلامة أوريجينوس: [اِبتدأ متَّى بذكر الأنساب مبتدئًا بإبراهيم ليصل إلى القول: "أمَّا ولادة يسوع فكانت هكذا" لأنه يهتم ويفرح بذلك الذي جاء إلى العالم... أما لوقا فيصعد بالأنساب ولا ينزل بها، فإنه إذ تحدَّث عن عِماده اِرتفع (بنا) إلى الله نفسه.]
يقول القدِّيس أمبروسيوس: [لم يذكر لوقا الأنساب في البداية، بل بعد حادثة العماد، إذ أراد أن يُظهر بذلك أن الله هو أبونا جميعًا بالمعموديّة، كما أكَّد أن المسيح أتى من قِبل الله (الآب) بحسب نسبه، مُظهِرًا أنه ابنًا للآب بالطبيعة وبالنعمة وبالجسد (إذ جاء من نسل آدم ابن الله)، وقد أوضح البُنوَّة الإلهيّة بشهادة الآب: "هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررت".]
لنفس السبب يكرِّر القديس متَّى البشير كلمة "وُلد"، قائلاً مثلاً "إبراهيم وَلد" إسحق... أما الإنجيلي لوقا فيكرِّر كلمة "ابن"...، فالأول يُعلن تسلُّل الخطيّة إلينا خلال الولادات البشريّة، وقد جاء السيِّد الذي بلا خطيّة يحمل خطايا الأجيال كلها، أما القديس لوقا فيرفعنا إلى البُنوَّة لنبلغ "البُنوَّة لله".
ثالثًا: الاختلاف بين الأسماء المذكورة في الإنجيلين يرجع إلى اِستخدام أحدهم النسب الطبيعي حسب الجسد، والآخر حسب الناموس، كأن ينسب الطفل لوالدين أحدهما أبوه حسب الطبيعة والآخر حسب الشريعة. ففي الشريعة إن مات رجل بلا أولاد تتزوَّج امرأته ولِيَّها، ويكون الولد الأول منسوبًا للميِّت حسب الشريعة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:18 pm

كما أوضح القدِّيس أمبروسيوس أن الإنجيلي متَّى ذكر النسب من جهة سليمان أما الإنجيلي لوقا فمن جهة ناثان، الأول أراد تأكيد نسبه الملوكي والثاني نسبه الكهنوتي: [فهو مَلِك بالملوك وكاهن بالكهنة، لكن مُلكه إلهي وكهنوتُه فائق، ولهذا السبب أيضًا صار الثور رمز الإنجيلي لوقا لأنه تكلَّم كثيرًا عن الكهنوت.
رابعًا: يرى العلامة أوريجينوس أن القديس متَّى أورد أسماء نساء خاطئات وأمميَّات في الأنساب، لأنه جاء يحمل خطايانا ولا يستنكف من نسبه لأحد، أما القديس لوقا فإذ ذكر الأنساب بعد العماد لا نجد أسماء نساء خاطئات، إذ يريد أن يرفع الكل فوق مستوى الضعف.
تحدّثنا قبلاً كيف يريد الله في الكل "رجال ونساء" أن يكونوا رجالاً لا من جهة الجنس، وإنما من جهة الرجولة أو النُضج الروحي، بلا تدليل النساء ولا ضعف الأطفال.
خامسًا: يرى العلامة أوريجينوس أن قول الإنجيلي "ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة، وهو على ما كان يظن ابن يوسف" [23]. يذكرنا بيوسف بن يعقوب حينما بلغ حوالي الثلاثين من عمره (تك 12: 2) حيث تحرَّر من السجن وصار وكيلاً لفرعون على مخازن القمح يقوم بتوزيعها في وقت الجوع، هكذا السيِّد المسيح إذ يحمل مخازن القمح الروحي من كلمة الشريعة وكتابات الأنبياء، يفيض على تلاميذه الجائعين ليُشبعهم روحيًا من القمح الجديد بلا خمير عتيق!
1 و في السنة الخامسة عشرة من سلطنة طيباريوس قيصر اذ كان بيلاطس البنطي واليا على اليهودية و هيرودس رئيس ربع على الجليل و فيلبس اخوه رئيس ربع على ايطورية و كورة تراخونيتس و ليسانيوس رئيس ربع على الابلية
2 في ايام رئيس الكهنة حنان و قيافا كانت كلمة الله على يوحنا بن زكريا في البرية
3 فجاء الى جميع الكورة المحيطة بالاردن يكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا
4 كما هو مكتوب في سفر اقوال اشعياء النبي القائل صوت صارخ في البرية اعدوا طريق الرب اصنعوا سبله مستقيمة
5 كل واد يمتلئ و كل جبل و اكمة ينخفض و تصير المعوجات مستقيمة و الشعاب طرقا سهلة
6 و يبصر كل بشر خلاص الله
7 و كان يقول للجموع الذين خرجوا ليعتمدوا منه يا اولاد الافاعي من اراكم ان تهربوا من الغضب الاتي
8 فاصنعوا اثمارا تليق بالتوبة و لا تبتدئوا تقولون في انفسكم لنا ابراهيم ابا لاني اقول لكم ان الله قادر ان يقيم من هذه الحجارة اولادا لابراهيم
9 و الان قد وضعت الفاس على اصل الشجر فكل شجرة لا تصنع ثمرا جيدا تقطع و تلقى في النار
10 و ساله الجموع قائلين فماذا نفعل
11 فاجاب و قال لهم من له ثوبان فليعط من ليس له و من له طعام فليفعل هكذا
12 و جاء عشارون ايضا ليعتمدوا فقالوا له يا معلم ماذا نفعل
13 فقال لهم لا تستوفوا اكثر مما فرض لكم
14 و ساله جنديون ايضا قائلين و ماذا نفعل نحن فقال لهم لا تظلموا احدا و لا تشوا باحد و اكتفوا بعلائفكم
15 و اذ كان الشعب ينتظر و الجميع يفكرون في قلوبهم عن يوحنا لعله المسيح
16 اجاب يوحنا الجميع قائلا انا اعمدكم بماء و لكن ياتي من هو اقوى مني الذي لست اهلا ان احل سيور حذائه هو سيعمدكم بالروح القدس و نار
17 الذي رفشه في يده و سينقي بيدره و يجمع القمح الى مخزنه و اما التبن فيحرقه بنار لا تطفا
18 و باشياء اخر كثيرة كان يعظ الشعب و يبشرهم
19 اما هيرودس رئيس الربع فاذ توبخ منه لسبب هيروديا امراة فيلبس اخيه و لسبب جميع الشرور التي كان هيرودس يفعلها
20 زاد هذا ايضا على الجميع انه حبس يوحنا في السجن
21 و لما اعتمد جميع الشعب اعتمد يسوع ايضا و اذ كان يصلي انفتحت السماء
22 و نزل عليه الروح القدس بهيئة جسمية مثل حمامة و كان صوت من السماء قائلا انت ابني الحبيب بك سررت
23 و لما ابتدا يسوع كان له نحو ثلاثين سنة و هو على ما كان يظن ابن يوسف بن هالي
24 بن متثات بن لاوي بن ملكي بن ينا بن يوسف
25 بن متاثيا بن عاموص بن ناحوم بن حسلي بن نجاي
26 بن ماث بن متاثيا بن شمعي بن يوسف بن يهوذا
27 بن يوحنا بن ريسا بن زربابل بن شالتيئيل بن نيري
28 بن ملكي بن ادي بن قصم بن المودام بن عير
29 بن يوسي بن اليعازر بن يوريم بن متثات بن لاوي
30 بن شمعون بن يهوذا بن يوسف بن يونان بن الياقيم
31 بن مليا بن مينان بن متاثا بن ناثان بن داود
32 بن يسى بن عوبيد بن بوعز بن سلمون بن نحشون
33 بن عميناداب بن ارام بن حصرون بن فارص بن يهوذا
34 بن يعقوب بن اسحق بن ابراهيم بن تارح بن ناحور
35 بن سروج بن رعو بن فالج بن عابر بن شالح
36 بن قينان بن ارفكشاد بن سام بن نوح بن لامك
37 بن متوشالح بن اخنوخ بن يارد بن مهللئيل بن قينان
38 بن انوش بن شيت بن ادم ابن الله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:20 pm

الباب الثاني
صديقنا جُرِّب مثلنا
ص4
الأصحاح الرابع
صديقنا يُجُرِّب مثلنا
تمثل الأصحاحات الثلاثة السابقة "سفر التكوين الجديد"، إذ حلَّ كلمة الله المتجسِّد في أحشاء البتول كجنين، ثم صار طفلاً فصبيًا يبارِك الطفولة بحلوله في وسط الأطفال، ويهب حِلقة جديدة للبشريَّة فيه. والأصحاح الرابع يمثِّل سفر الخروج الجديد، فلا ينطلق بالشعب إلى البرِّيَّة 40 عامًا، إنما يدخل بنفسه إليها ليُجُرَّب واهبًا النصرة لشعبه فيه. في القديم تعثَّر الشعب، وهلك في البرِّيَّة بسبب السقطات المستمرَّة، أما الآن، فقدَّم لنا بتجُرَّبته قوَّة وخلاصًا.
1. التجربة في البرِّيَّة 1-13.
2. يسوع في الجليل 14-15.
3. يسوع المرفوض من خاصَّته 16-30.
4. يسوع العامل بسلطان 31-37.
5. شفاء حماة بطرس 38-41.
6. كرازته في مجامع الجليل 42-44.
1. التجربة في البرِّيَّة
في الأصحاحات الثلاثة السابقة رأينا صديقنا السماوي ينزل إلينا يشاركنا كل شيء، صار جنينًا في الأحشاء مثلنا، وخضع للناموس، وإنطلق مع الجموع إلى المعموديَّة، وإذ ليس له خطيَّة يعترف بها، حملنا فيه خليقة جديدة تتمتَّع بالبنوَّة للآب، وتحمل فيها روحه القدُّوس. فما أُعلن في نهر الأردن من أمجاد كان لحسابنا وباسمنا، فيه استرددنا طبيعتنا الأولى الصالحة، وصار لنا حق التمتَّع بالفردوس المفقود واللقاء مع الآب في دالة البنوَّة. الآن إذ صار مثلنا أكَّد هذه الصداقة على صعيد العمل، فانطلق بالروح إلى البرِّيَّة يُجُرَّب أربعين يومًا. عوض البرِّيَّة التي انطلق إليها إسرائيل يحمل روح التذمر المستمر، حملنا هو في جسده إلى البرِّيَّة بطبيعته الغالبة والمنتصرة.
v تعالوا نسبِّح للرب ونرتِّل أناشيد الفرح لله مخلِّصنا، ولِندُس الشيطان تحت أقدامنا، ونهلِّل بسقوطه في المذلَّة والمهانة. لنخاطبه بعبارة إرميا النبي: "كيف قُطعتْ وتحطَّمتْ مطرقة كل الأرض... قد وُجدت وأُمسكت لأنك قد خاصمت الرب" (إر 50: 23-24).
منذ قديم الزمان وقبل مجيء المسيح مخلِّص العالم أجمع والشيطان عدوُّنا الكبير يفكِّر إثمًا وينضح شرًا، ويشمخ بأنفه على ضعف الجبلة البشريَّة، صارخًا "أصابت يدي ثروة الشعوب كعشٍ، وكما يُجمع بيض مهجور جمعت أنا كل الأرض ولم يكن مرفرف جناح ولا فاتح فم ولا مصفِّف" (إش 10: 14).
والحق يُقال لم يجرؤ أحد على مقاومة إبليس، إلا الابن يسوع المسيح الذي سكن المغارة، كافحه كفاحًا شديدًا وهو على صورتنا، ولذلك انتصرت الطبيعة البشريَّة... في يسوع المسيح، ونالت إكليل الظفر والغلبة، ومنذ القِدم يخاطب الابن على لسان أنبيائه عدوُّنا اللدود إبليس بالقول المشهور: "هأنذا عليك أيها الجبل المُهلك، (يقول الرب) المُهلك كل الأرض" (إر 51: 25).
والآن تعالوا معي لنرى كيف يصف الإنجيلي المغبوط يسوع المسيح وهو يقاتل بالنيابة عنَّا مهلك الأرض بأسرها. "أما يسوع فرجع من الأردن ممتلئًا من الروح القدس" (لو 4: 1).
انظروا طبيعة الإنسان في المسيح وقد دهنتها نعمة الروح القدس، وتوَّجتها بالإجلال والإكرام، فإن الله سبق أن وعد قائلاً: "إنّي أسكب روحي على كل بشر" (يوئيل 2: 28). وقد تمَّت هذه النبوَّة لأول مرَّة في يسوع المسيح، لأن الله لم يهب روحه للناس قديمًا، وكانوا ضعاف العقول صغار النفوس، فقد ورد: "لا يدين روحي في الإنسان لزيغانه، وهو بشر" (تك 6: 3). ولكن في المسيح وُجدت خليقة جديدة تقدَّست بالماء والروح، فلم نصبح أولاد لحم ودم، بل أبناء الله الآب، فلنا الآن نعمة التبنِّي، وبهذا العطف الأبوي صرنا شركاء في الطبيعة الإلهيَّة.
فلم يكن بمستغربٍ إذن أن يكون بِكْرنا أول من يتسلَّم الروح القدس، مع أنه هو مانح الروح القدس حتى يهبه لنا نحن إخوته الأعزَّاء. وأشار إلى ذلك بولس الرسول بالقول: "لأن المقدَّس والمقدَّسين جميعهم من واحد، فلهذا السبب لا يستحي أن يدعوهم إخوة قائلاً: "أُخبر باسمك إخوتي" (عب 2: 12).
لذلك يصف الإنجيلي المسيح: "رجع من الأردن ممتلئًا من الروح القدس" (لو 4: 1) وأرجو ألا تنحرفوا عن جادة الحق ولا يُسيئكم القول بأن المسيح الكلمة تقدَّس، بل فكَّروا بالأولى في حكمة الفداء والخلاص، فإن المسيح تأنَّس وتجسَّد لا حبًا في تجنُّب ما اِختصَّ به الإنسان، بل شاركنا في إنسانيَّتنا حتى يزيدنا من غناه، ويشرِّفنا بعظمة مكانته فإن المسيح شاركنا في كل شيء ما عدا الخطيَّة.
القدِّيس كيرلس الكبير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا   تفسير العهد الجديد  إنجيل لوقا Emptyالسبت يوليو 12, 2008 12:21 pm

v كان هدف ربَّنا يسوع المسيح في صومه وخلوته هو شفاؤنا من جاذبيَّة الشهوة، فلأجل الجميع قبِل أن يُجُرَّب من إبليس لنعرف كيف ننتصر نحن فيه.
v جاء الرب ليعتمد لأنه صار للكل كل شيء (1 كو 9: 20). خضع للناموس لأجل الذين هم تحت الناموس، فاختتن ليكسب الذين تحت الناموس، وشارك الذين بلا ناموس في أكلهم ليربح الذين بلا ناموس. صار للضعفاء كضعيفٍ بالآلام التي تحمَّلها في جسده ليربحهم (2 كو 8: 9). فرحًا مع الفرحين، بكاءً مع الباكين (رو 12: 15)، جاع مع الجياع... كريمًا مع الأغنياء وسجينًا مع الفقير (إش 26: 20)، عطش مع السامريَّة (يو 4: 7)، وجاع في البرِّيَّة (مت 4: 6) ليُكفِّر بصومه عن سقوط آدم الأول الذي سبَّبه شهوة الطعام والتلذُّذ به، فشبع آدم من معرفة الخير والشر لضررنا، وجاع المسيح لفائدتنا.
القدِّيس أمبروسيوس
"وكان يُقتاد بالروح في البرِّيَّة،
أربعين يومًا يجُرَّب من إبليس،
ولم يأكل شيئًا في تلك الأيام،
ولما تمَّت جاع أخيرًا" [1-2].
v سكن المسيح البرِّيَّة بالروح، أي روحيًا، وصام فلم يهب الجسم حاجاته الضروريَّة. قد يسأل أحدكم: وأي ضرر ينشأ إن سكن المسيح المدن على الدوام؟ وكيف اِستفاد المسيح من عيشته في البرِّيَّة، وهو لم يكن في حاجة إلى صلاح؟ ولمَ صام المسيح مع أنه لم يكن في حاجة إلى الصوم؟ فقد وُضعت هذه الفريضة لقتل اللذَّات والشهوات وإخضاع ناموس الخطيَّة الذي في داخلنا والمتملُّك على مختلف الانفعالات التي تبعث فينا شهوة الجسد الدنيئة؟ فهل كان المسيح في حاجة إلى الصوم، وهو الذي به قَتل الآب الخطيَّة في الجسد، حتى أن بولس الرسول الحكيم يقول: "لأنه ما كان الناموس عاجزًا عنه فيما كان ضعيفًا بالجسد، فالله إذ أرسل ابنه في شبه جسد الخطيَّة، ولأجل الخطيَّة دان الخطيَّة في الجسد، لكي يتم حكم الناموس فينا، نحن السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح" (رو 8: 3)؟
فالمسيح إذن دان الخطيَّة في الجسد ومحا الإثم الذي تمَلَّك الطبيعة البشريَّة رِدحًا من الزمن؟ مارس المسيح الصوم وهو مقدَّس ونقي بطبيعته لا عيب فيه ولا نقص ولا تغيير ولا ظل دوران! لمَ صام المسيح فاعتزل عيشة المدن وسكن البرِّيَّة وتحمَّل تعب الصوم؟ أن هذا العمل العظيم الذي قام به المسيح هو لتعليمنا يا أحبائي. فقد رسم لنا المسيح الخُطَّة التي يجب علينا انتهاجها، ومهَّد لنا طريقًا قويمًا نسير عليه، هذا الطريق الذي يسير فيه جماعة الرهبان المقدَّسين؟ وإلا كيف كان الناس يعشقون عيشة البراري، ويستفيدون من حياة العُزلة والانفراد ويرون فيها خلاصًا لنفوسهم وسلامًا لأرواحهم؟ إن جماعة الرهبان يهجرون العالم ليبتعدوا عن أمواجه الهائجة وعواصفه الثائرة، ويحرَّروا نفوسهم من الفوضى والاضطراب والغرور والشهوات، أو كما قال يوسف المغبوط يخلع الناس عنهم ما عليهم ليقدِّموا للعالم مقتنياته وممتلكاته. ويشير بولس الرسول إلى أولئك الذين تعوَّدوا العيشة مع المسيح: "ولكن الذين هم للمسيح قد صلبوا الجسد مع الأهواء والشهوات" (غل 5: 24). ويُضيف إلى ذلك قوله بأن عيشة الزهد لابد منها، وأن ثمار هذه العيشة الصوم والتحمُّل ونبذ الأطعمة قليلاً أو كثيرًا فإنه بذلك يمكن قهر الشيطان، ولكن لاحظوا أن المسيح عُمِّد أولاً ثم امتلأ بالروح القدس، وبعد ذلك سكن البرِّيَّة واتَّخذ الصوم سلاحًا له في محاربة إبليس وجنوده، وكل هذا لتعليمنا، حتى ننسج على منواله، ونحتذي منهجه، فعليكم بادئ ذي بدء أن تلبسوا خوذة الله، وتتمنطقوا بدِرع الإيمان، وتتمسَّكوا بصولجان الخلاص. يجب في بداية الأمر أن تُمنحوا قوَّة من الأعالي، وذلك عن طريق العماد المقدَّس، فيمكنكم بهذه أن تسلكوا حياة شريفة مع الله العظيم، ثم بشجاعة روحيَّة تعتزلون الناس للسكن في البراري، ثم تصومون صومًا مقدَّسا، فتقمعون أهواء الجسم، وتهزمون إبليس إذا ما أراد تجريبكم، ففي المسيح إذن نجد كل سلاح نتقوَّى به.
نعم يظهر المسيح بين المقاتلين فيَمنح الجائزة ويتوِّج المنتصرين بإكليل الفوز والغلبة. والآن فلنتأمَّل مصارعات المسيح مع إبليس؟ "صام أربعين يومًا، وجاع أخيرًا".
كيف يجوع المسيح وهو الذي يُشبعنا من دسم نعمته؟ أليس المسيح هو الخبز السماوي الذي نزل من السماء حتى لا يجوع من يتغذى منه؟ صام المسيح "وجاع" لأنه قَبِلَ أن يكون مثلنا، فكان لابد أن يتحمَّل ما يجب أن يتحمَّله إنسان بشري.
القدِّيس كيرلس الكبير
v [يقدِّم لنا مقارنة بين تجرِبة آدم في الفردوس، وتجرِبة آدم الثاني في البرِّيَّة] لنتأمَّل كيف طُرد آدم الأول من الفردوس، ولنعرف كيف رجع آدم الثاني من البرِّيَّة إلى الفردوس، ولنتأمَّل أيضًا كيف تمَّ الإصلاح وبأي ترتيب حدث. وُلد آدم من أرض بكر، ووُلد المسيح من العذراء (البكر)، خُلق آدم على صورة الله، أما المسيح فهو صورة الله (الجوهريَّة). كان للأول سلطان على كل الحيوانات غير العاقلة، أما الثاني فله سلطان على كل شيء.
اتَّصفَت حواء بالتردُّد، واتَّصفت العذراء بالحكمة.
جاءت الشجرة بالموت، وجاء الصليب بالحياة.
كان الأول في الفردوس، أما المسيح فكان في البرِّيَّة، لكنه جاء ليبدِّد ضلال المحكوم عليه ويردُّه للفردوس...
لم يكن ممكنًا أن يتراجع الله عن حُكمه، فتمَّ حُكم الموت في واحد عوض الآخر.
إن كان آدم قد سقط وهو في الفردوس لعدم وجود الراعي، فكيف كان يمكنه أن يجد الطريق وهو في البرِّيَّة بلا راعٍ يقوده؟ ففي البرِّيَّة تكثر التجارب... ويسهل الانحدار نحو الخطيَّة...
أي راع يستطيع أن يعيننا أمام فِخاخ هذه الحياة وخِداعات إبليس "لكي نجاهد ليس ضد لحم ودم، بل ضد الرؤساء والسلاطين وأجناد الشر الروحيَّة في الهواء" (أف 6: 11)؟! هل يُرسل الله ملاكًا وقد سقط بعض الملائكة؟!... هل يرسل ساروفًا، هذا الذي نزل على الأرض وسط شعب نجِس الشِفتين (إش 6: 6)، لم يُطهِّر سوى شَفتيّ نبي واحد بجمرَّة من نار؟! إذن كان يلزم البحث عن راعٍ آخر نتبعه جميعنا؛ فمن هو هذا الراعي العظيم الذي يستطيع أن يهيئ الخير للجميع إلا ذاك الذي هو أعلى من الكل؟! من يرفعني فوق هذا العالم إلا مَن هو فوق العالم؟! من هو هذا الراعي العظيم الذي يستطيع بقيادة واحدة يرعى الرجل والمرأة، اليهودي واليوناني، أهل الختان وأهل الغُرلة، البربري والسكِّيثي (كو 3: 11)، العبد والحر، إلا ذاك الذي هو الكل في الكل؟!
الفخاخ كثيرة أينما ذهبنا، فخاخ الجسد، وفخاخ الناموس (حرفيَّته)، والفخاخ التي ينصبها إبليس على جناح الهيكل وعلى قمَّة الجبل، وفخاخ الفلسفات، وفِخاخ الشهوات، لأن العين الزانية هي فخْ الخاطئ (أم 7: 22)، وفِخاخ محبَّة العالم، وفِخاخ التديُّن (الرياء)، وفِخاخ في حياة الطهارة (احتقار سرّ الزواج)... غير أن أفضل طريقة تحطِّم هذه الفِخاخ هو عرض طُعم لإبليس لينقَضْ على فريسته فينطبق الفخْ عليه، عندئذ نستطيع أن نردِّد: "نصبوا لرجلي فخاخًا فسقطوا فيها" (مز 56: 7). ما هذا الطُعم إلا الجسد... فقد أخذ الرب جسد تواضعنا وضعفنا، ليُعطي فرصة للعدو أن يحاربه فينهزم العدو إبليس...
الآن المسيح في البرِّيَّة يقود الإنسان ويعلِّمه ويشكِّله ويدرِّبه ويدهنه بالمسحة المقدَّسة، وعندما يراه قويًا يقوده إلى المراعي الخضراء المخصبة... أخيرًا يقوده إلى البستان أثناء الآلام، كما هو مكتوب: "تكلَّم يسوع بهذا ثم خرج مع تلاميذه إلى جبل الزيتون، حيث كان بستان دخله مع تلاميذه" (يو 18: 1)... أخيرًا فإن إرجاع الإنسان بقوَّة الرب تؤكِّد لنا هذه الحقيقة التي أبرزها القدّيس لوقا بين كل البشريِّين، بتلك الكلمات التي قالها الرب للِّص: "أنك اليوم تكون معي في الفردوس" (لو 23: 44).
v رجع يسوع ممتلئًا من الروح القدس إلى البرِّيَّة يتحدَّى إبليس، فلو لم يجُرِّبه إبليس لما اِنتصر الرب لأجلي بطريقة سِرِّيَّة، محرِّرا آدم من السبي.
القدِّيس أمبروسيوس
v "لقد أُصعد يسوع إلى البرِّيَّة من الروح"، بلا شك من الروح القدس، ليس كمن هو مُلزم أو من هو أسير، إنما اُقتيد باشتياق إلى المعركة ليُصارع.
القدِّيس جيروم
v يسوع قائدنا سمح لنفسه بالتجربة حتى يُعلِّم أولاده كيف يحاربون.
القدِّيس أغسطينوس
أ. تجربة الخبز
إذ دخل السيِّد المسيح المعركة نيابة عنا، ليغلب باسمنا ولحسابنا، بدأت التجارب بتجربة الخبز، فقد طلب الشيطان من السيِّد المسيح أن يحول الحجر إلى خبز ليأكله في جوعه. من جانب فإن هذه التجربة تقابل تجربة آدم الأول الذي سقط في العصيان خلال الأكل من شجرة معرفة الخير والشر. فجاء السيِّد صائمًا يقاوم العدُو ويغلبه رافضًا السماع له رغم إمكانيَّته من تحويل الحجر إلى خبز، كما حوّل الماء إلى خمر في عرس قانا الجليل. ومن جانب آخر فإن هذه التجربة سمح بها الرب ليُعلن أُبوَّة الشيطان المخادعة للخطاة، فإن الآب الحقيقي لا يقدِّم حجرًا إن طلب منه ابنه خبزًا كقول السيِّد المسيح (لو 11: 11)، أما هذا العدو فيقدِّم حجرًا عوض الخبز ليأكله الإنسان، فيحمل في أحشائه حجرًا قاسيًا!
ليتنا نرفض كل حجر يقدِّمه العدو فلا نأكله كخبز لننمو قساة القلب بلا حب ولا حنو!
يرى العلامة أوريجينوس أن الحجر الذي يقدِّمه العدو هو الهرطقات التي يقدِّمها العدُو كخبزٍ غاشٍ، فنظنَّها كلمة الله المشبعة.
"وقال له إبليس:
إن كنتَ ابن الله فقل لهذا الحجر أن يصير خبزًا.
فأجابه يسوع، قائلاً:
"مكتوب أن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان،
بل بكل كلمة تخرج من فم الله" [3-4].
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تفسير العهد الجديد إنجيل لوقا
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 6انتقل الى الصفحة : 1, 2, 3, 4, 5, 6  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشهيد العظيم مارجرجس :: المنتديات الكتابية :: الكتاب المقدس-
انتقل الى: