منتدى الشهيد العظيم مارجرجس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى الشهيد العظيم مارجرجس


 
البوابةالرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 تفسير الإنجيل بحسب مرقس

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير الإنجيل بحسب مرقس   تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Emptyالأربعاء يوليو 02, 2008 5:16 pm

سؤال حول شخص المسيح
إن كان قد سأل الأعمى عما يراه ليحثه على طلب المزيد والتمتع باستنارة عينيه بصورة أكمل، الآن في الطريق بين قرى قيصرية فيلبس سأل تلاميذه ليهبهم استنارة إيمانية ليدركوا شخصه هو، فينعموا به، ويروه بعيني الإيمان المستنيرتين.
"سأل تلاميذه قائلاً لهم: من يقول الناس إني أنا.
فأجابوا: يوحنا المعمدان، وآخرون إيليا، وآخرون واحد من الأنبياء.
فقال لهم: وأنتم من تقولون إني أنا؟
فأجاب بطرس وقال له: أنت المسيح.
فإنتهرهم كي لا يقولوا لأحد عنه" [27-30].
لقد سألهم لكي يكشف لهم عن شخصه ويدفعهم للاعتراف به بعد إدراكهم له بإعلان إلهي، فيمجدوه أكثر من العامة. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [لقد قادهم إلى مشاعر أسمى وأفكار أعلى بخصوص شخصه حتى لا يكونوا كبقية الجموع.] لذلك يعلق القديس جيروم على قول السيد: "وأنتم من تقولون إني أنا؟" بقوله أن التلاميذ لم يعودوا بعد من الناس لكنهم صاروا به آلهة، [كأنه يقول لهم أنهم كبشر قد فكروا في أمور بشرية وأنتم كآلهة من تقولون إني أنا؟]
لقد رأينا في دراستنا للأصحاح السادس (14-16) أن هيرودس قال عنه أنه يوحنا المعمدان خلال ضميره المعذب، وآخرون قالوا أنه إيليا خلال شوقهم لمجيء الملكوت المسيحاني كملكوت زمني مادي، وآخرون قالوا أنه أحد الأنبياء بسبب مرارة أنفسهم لغياب الأنبياء عنهم ثلاثة قرون. جاءت هذه الأقوال خلال مشاعر بشرية بحتة، أما بطرس فأدرك سره خلال إعلان إلهي، قائلاً: "أنت هو المسيح ابن الله الحيّ" (مت 16: 16-17).
فيما يلي مقتطفات من تعليق القديس أمبروسيوس عن هذا الموقف:
[يمكننا اعتبار شهادة الجموع له بلا نفع، فقد ظنه البعض إيليا قد قام مؤمنون بمجيئه، وآخرون آمنوا بقيامة يوحنا عالمين أن رأسه قد قطعت، وآخرون أنه واحد من الأنبياء القدامى.
البحث في ذلك (أي في شخص المسيح) أمر يفوق قدرتنا، لكنه يتناسب مع فكر شخص كبولس وحكمته، هذا الذي يكفيه أن يعرف المسيح وإياه مصلوبًا (1 كو 2: 2)، لأنه أية معرفة يشتاق إليها أكثر من أنه المسيح؟ ففي هذا الاسم "المسيح" يتجلى اللاهوت ويُعلن التجسد وأيضًا الآلام.
لقد عرفه بقية التلاميذ، لكن بطرس وحده قال: "مسيح الله" (لو 9: 20)، إذ يشمل هذا الاسم كل شيء، ويعّبر عن طبيعته، ويحوي كل الفضائل.
هل نثير تساؤلات حول كيفية ميلاد الرب بينما يقول بولس أنه لا يعرف شيئًا إلا المسيح وإياه مصلوبًا، ويعترف بطرس أنه مسيح الله! نحن بعيون الضعف البشري نبحث هكذا: متى وكيف وما هي عظمته، أما بولس فيرى في هذه التساؤلات هدمًا لا بناء، لذا لا يريد أن يعرف إلا يسوع المسيح.
عرف بطرس أن في "ابن الله" يكمن كل شيء، فقد دفع الآب كل شيء في يده (يو 3: 35)... لذا فيه الأزلية والعظمة التي للآب.
إني قبلت الإيمان بأنه المسيح ابن الله (مت 16: 16) فلا يجوز لي أن أعرف كيف وُلد، لكن لا يجوز لي أيضًا أن أجهل حقيقة ميلاده.
لتؤمن إذن كما آمن بطرس، فتطوّب أنت أيضًا وتتأهل لسماع الكلمات: "إن لحمًا ودمًا لم يعلن لك لكن أبي الذي في السماوات" (مت 16: 17). فاللحم والدم لا يقبلان إلا الأرضيات، أما من ينطق بأسرار الروح فلا يعتمد على تعاليم اللحم والدم بل على الإعلان الإلهي.
ليتك لا تعتمد على اللحم والدم لتأخذ منهما أوامرك، فتصير أنت نفسك لحمًا ودمًا، وإنما من يلتصق بالرب يكون معه روحًا واحدًا (1 كو 6: 17). يقول الله: لا يدين روحي في الجسد بعد لأن كل تصورات قلبه شريرة (تك 6: 3).
ليسمح الرب ألا يكون السامعون لحمًا ودمًا، بل يكونوا متغربين عن شهوة اللحم والدم، فيردد كل واحد منهم: "لا أخاف، ماذا يصنعه بي الإنسان (أي اللحم والدم)؟" (مز 56: 5).
من يغلب الجسد يصير من أعمدة الكنيسة؛ إن لم يستطع أن يبلغ إلى بطرس فإنه يتمثل به ويتمتع بعطايا الله إذ هي كثيرة، يرد لنا مالا تركناه بل ما هو له.
يحق لنا أن نتساءل: لماذا لم يرَ فيه الجموع إلا إيليا أو إرميا أو يوحنا المعمدان؟
ربما رأيت فيه إيليا لأنه أُختطف إلى السماء؛ لكن المسيح ليس كإيليا إذ لم يُختطف إليها بل جاء منها. الأول أُختطف إلى السماء، أما الثاني فلا يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله (في 2: 6). الأول انتقم بالنار التي طلبها (1 مل 18: 38) والثاني أحب خلاص المسيئين إليه لا هلاكهم.
لماذا اعتقدوا أنه إرميا؟ ربما لأنه تقدس من الرحم (إر 1: 4)، لكن المسيح ليس كإرميا. الأول تقدس، أما الثاني فهو يقّدس، الأول بدأ بميلاده أما الثاني فهو قدوس القديسين.
لماذا ظنه الشعب يوحنا؟ ربما لأن يوحنا عرف الرب وهو في بطن أمه، لكن المسيح ليس كيوحنا. يوحنا سجد وهو بعد في الرحم، والثاني هو المسجود له. الأول عمّد بالماء، وأما المسيح فبالروح. الأول نادى بالتوبة والثاني غفر الخطايا.]
أخيرًا فقد "انتهرهم كي لا يقولوا لأحد عنه" [30]، أما علة انتهاره لهم، فهو لكي يتم المكتوب عنه ويتحقق صلبه، فلو عرفوا رب المجد لما صلبوه. ويقدم لنا القديس أمبروسيوس تعليلاً آخر وهو أنه أراد الكرازة به بكونه المسيح بعد صلبه وقيامته، فيعرفوه المسيح المصلوب عنهم القائم من الأموات، إذ يقول: [منع التلاميذ من الكرازة به كابن الله ليبشروا به بعد ذلك مصلوبًا. هذه هي روعة الإيمان أن نفهم حقيقة صليب المسيح!... فصليب المسيح وحده نافع لي، لأن "به صلب العالم لي وأنا للعالم" (غل 6: 14). إن كان العالم قد صلب لي فأعرف أنه قد مات فلا أحبه، أعرف الفساد الذي يسري في العالم فأتجنبه كرائحة نتنة، أهرب منه كما من الطاعون وأخرج منه قبل أن يؤذيني.]
6. إعلانه عن الصلب
يرى بعض الدارسين أن إنجيل معلمنا مرقس يمكن تقسيمه إلى جزئين رئيسيين متكاملين، القسم الأول يبدأ بالسفر حتى ما قبل سؤال السيد المسيح تلاميذه عما يقول الناس عنه، والثاني يبدأ بهذا السؤال حتى نهاية السفر. القسم الأول يعلن عن شخص السيد المسيح العامل والمعلم الذي يخدم البشرية بالحب والحنان وقد رافقه ظل الصليب، أما القسم الثاني فتبدأ المرحلة العملية لحمل الصليب، يبدأها بالكشف عن ذاته بالقدر الذي يسندهم حتى يتم الصليب، فيتمجد بحبه العملي، وعندئذ يكشف لهم بهاء مجده خلال قيامته وظهوراته وصعوده خاصة بإرسال روحه القدوس الذي يخبرهم بكل شيء.
الحديث السابق، حديث خاص بين السيد وتلاميذه كان مقدمة لإعلان صليبه، إذ يقول الإنجيلي:
"وابتدأ يعلمهم أن ابن الإنسان ينبغي أن يتألم كثيرًا،
ويرفض من الشيوخ ورؤساء الكهنة ويُقتل،
وبعد ثلاثة أيام يقوم.
وقال القول علانية،
فأخذه بطرس إليه وابتدأ ينتهره.
فالتفت وأبصر تلاميذه،
فانتهر بطرس قائلاً:
اذهب عني يا شيطان،
لأنك لا تهتم بما لله، لكن بما للناس" [31-33].
إن كان بطرس الرسول استطاع بإعلان إلهي أن يتعرف على "يسوع" أنه المسيح، وهو في الطريق في قرى قيصرية فيلبس [27]، حيث مركز عبادة البعل والعبادات الوثنية الإغريقية مع السلطة الرومانية، لكن مع هذا لم يكن ممكنًا لبطرس أن يتفهم المسيح كفادٍ يُصلب عن البشرية ويقوم ليقيمها معه، إذ كان الفكر اليهودي يرفض هذا تمامًا، لهذا أسرع السيد المسيح يصحح المفهوم.
يمكننا تلخيص الاعتقاد اليهودي بخصوص مجيء المسيا في النقاط التالية:
أ. يسبق مجيء المسيح حلول ضيقة شديدة على العالم يسبب له خرابًا، كما تحل الحروب في العالم والإضطرابات وسفك للدماء... هذه كلها أشبه بالمخاض الذي يحل بالمرأة عندما تلد طفلاً.
ب. وسط هذا الخراب الذي يمس حياة الإنسان والحيوان والطير حتى الأسماك يظهر إيليا النبي ليهيئ الطريق للمسيح. ويعتبر مجيء إيليا أمرًا أساسيًا، حتى أن اليهود في احتفالهم للفصح كانوا يتركون كرسيًا خاليًا يسمونه "كرسي إيليا"، إذ يتوقعون دخوله في أحد أعياد الفصح فجأة.
ج. يظهر المسيا نفسه، ليس مولودًا من بشر، لكنه يأتي رجلاً جبارًا يقدم من السماء في كمال الرجولة والنضج ليخلص شعبه.
د. بمجيئه يهيج الملوك ضده ويقومون بثورة عليه، ويدبرون حربًا ينهزمون فيها ويظهر فيها المسيح كأعظم غالب في البشرية يبيد أعداءه.
ه. إذ تُعلن غلبته على الأمم يقوم بتجديد أورشليم وتطهيرها، أو تنزل أورشليم جديدة بأعمدة جديدة؛ فيها يجتمع اليهود من كل العالم كسادة للبشرية، إذ تنحني البقية الباقية من الأمم لهم في مذلة، ويعيش اليهود بفرح شديد، حتى أن موتاهم يقومون ليشاركوهم هذا الفرح الجديد. بهذا يرى اليهود بفكرهم المادي المتعصب أنه يحل السلام والبرّ الأبديان في العالم.
هذا الفكر اليهودي لن يقبل مطلقًا سرّ الصليب ولا انفتاح باب الإيمان للأمم، لهذا انتهر بطرس سيده عندما تحدث عن الألم والصليب.
يعلق القديس أمبروسيوس على كلمات السيد المسيح لتلاميذه بخصوص آلامه وصلبه وقيامته، قائلاً: [لقد عرف مقدار الجهد الذي يحتاج إليه التلاميذ ليؤمنوا بآلامه وقيامته، لذلك استحسن أن يقوم بنفسه بتأكيد آلامه وقيامته لهم، وليكون ذلك بداية وسببًا لميلاد الإيمان فيهم.]
ويلاحظ هنا أن الإنجيلي يخبرنا بأن السيد علّم تلاميذه التزامه أن يتألم كثيرًا ويرفض ويقتل وبعد ثلاثة أيام يقوم، لكنه لم يقل لنا تفاصيل الحديث، كيف أكدّ لهم السيد الحاجة إلى الألم والصلب والقيامة. هل حدثهم عن رموز العهد القديم ونبواته، أم قدم لهم الفهم اللاهوتي لعمله الخلاصي؟
على أي الأحوال كشف لهم السيد المسيح أنه لم يكن ممكنًا أن يتحقق الصلاح بموت أحدٍ إلا ابن الإنسان، القادر أن يقتل الموت نفسه ويقوم. يقول القديس أمبروسيوس: [لم يبلغ أحد إلى العظمة التي تؤهله لرفع خطايا العالم كله، لا أخنوخ ولا إبراهيم ولا إسحق الذي قدم نفسه للموت لكنه لا يقدر أن يغفر الخطايا. من هو ذاك الذي بموته تموت كل الخطايا؟ لا يمكن لأحد من الشعب ولا من القيادات أن يقوم بهذا، إنما اختار الآب الابن، ابن الله الذي هو فوق الجميع، أن يقدم نفسه عن الجميع. وكان هو نفسه يحب أن يموت، إذ هو أقوى من الموت، وقادر أن يخلص الآخرين. الذي قام من بين الأموات بلا عون، غلب الموت دون مساندة من إنسانٍ أو خليقةٍ، قام غالبًا الموت، نازعًا الشهوات، إذ لم يعرف قيود الموت.]
7. إعلانه عن شركة الصليب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير الإنجيل بحسب مرقس   تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Emptyالأربعاء يوليو 02, 2008 5:16 pm

إعلانه عن شركة الصليب
انتهر السيد المسيح بطرس، لأنه لم يقبل صلب السيد، بل دعاه هو وإخوته لشركة الصليب معه، إذ قال لهم: "من أراد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني. فإن من أراد أن يخلص نفسه يهلكه، ومن يهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل فهو يخلصها. لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟ أو ماذا يعطي الإنسان فداء عن نفسه؟ لأن من استحى بي وبكلامي في هذا الجيل الفاسق الخاطيء فإن ابن الإنسان يستحي به متى جاء بمجد أبيه مع الملائكة القديسين" [34-38].
أولاً: سألهم أن يحملوا معه الصليب بإنكار ذواتهم... وإنكار الذات إنما يعني أن لا يتعاطف الإنسان مع ذاته، فلا يرتبك لمستقبله ولا يخشى المرض أو الضيق أو الموت، إنما يكون جاحدًا لنفسه عنيفًا مع الأنا، غير مترف في ملذات جسده. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم [لم يقل "يعتزل الإنسان ذاته" بل ما هو أكثر "ينكر نفسه"، كما لو كان ليس هناك ما يربطه بذاته، فإنه يواجه الخطر ويتطلع إليه كما لو أن الذي يواجهه آخر غيره، هذا بالحقيقة هو اعتزال الإنسان ذاته... أما إنكار الإنسان ذاته فقد أظهره بقوله "يحمل صليبه"، ويعني به أنه يقبل حتى الموت المشين.]
إننا ننكر أنفسنا متى تجنبنا ما هو قديم فينا مجاهدين لننال على الدوام ما هو جديد حتى نبلغ إلى قياس قامة ملء المسيح (أف 4: 13).
يقول القديس أغسطينوس: [إن كان الإنسان بحبه لذاته يصير مفقودًا، فبالتأكيد بإنكاره ذاته يوجد!... لينسحب الإنسان من ذاته لا لأمور زمنية وإنما لكي يلتصق بالله.]
ثانيًا: إذ حث تلاميذه على إنكار الذات وحمل الصليب قدم لهم المكافأة، فمن يعترف به بحياته وحمله الصليب يتقبل عند مجيء السيد المسيح الأخير شركة أمجاده، أما من يستحي بصليبه هنا يرفض وصيته في هذا العالم فسيستحي منه ابن الإنسان في يوم مجده العظيم، ويحسبه كمن هو غير معروف لديه، وكما يقول القديس جيروم: [الله لا يعرف الشرير، إنما يعرف البار.]
وقد قال السيد المسيح في وصفه لمجيئه الأخير: "متى جاء بمجد أبيه مع الملائكة القديسين" وكما يقول القديس أمبروسيوس: [ليظهر أن عظمة الآب ومجده هما ذات عظمة الابن ومجده... تأتي الملائكة في خضوع، أما هو فيأتي ممجدًا! هم يأتون كتابعين، أما هو فيجلس على عرشه! هم يقفون، وهو يجلس! إن استعرنا لغة المعاملات اليومية من الحياة البشرية نقول أنه القاضي وهم العاملون في المحكمة.]
1 في تلك الايام اذ كان الجمع كثيرا جدا و لم يكن لهم ما ياكلون دعا يسوع تلاميذه و قال لهم
2 اني اشفق على الجمع لان الان لهم ثلاثة ايام يمكثون معي و ليس لهم ما ياكلون
3 و ان صرفتهم الى بيوتهم صائمين يخورون في الطريق لان قوما منهم جاءوا من بعيد
4 فاجابه تلاميذه من اين يستطيع احد ان يشبع هؤلاء خبزا هنا في البرية
5 فسالهم كم عندكم من الخبز فقالوا سبعة
6 فامر الجمع ان يتكئوا على الارض و اخذ السبع خبزات و شكر و كسر و اعطى تلاميذه ليقدموا فقدموا الى الجمع
7 و كان معهم قليل من صغار السمك فبارك و قال ان يقدموا هذه ايضا
8 فاكلوا و شبعوا ثم رفعوا فضلات الكسر سبعة سلال
9 و كان الاكلون نحو اربعة الاف ثم صرفهم
10 و للوقت دخل السفينة مع تلاميذه و جاء الى نواحي دلمانوثة
11 فخرج الفريسيون و ابتداوا يحاورونه طالبين منه اية من السماء لكي يجربوه
12 فتنهد بروحه و قال لماذا يطلب هذا الجيل اية الحق اقول لكم لن يعطى هذا الجيل اية
13 ثم تركهم و دخل ايضا السفينة و مضى الى العبر
14 و نسوا ان ياخذوا خبزا و لم يكن معهم في السفينة الا رغيف واحد
15 و اوصاهم قائلا انظروا و تحرزوا من خمير الفريسيين و خمير هيرودس
16 ففكروا قائلين بعضهم لبعض ليس عندنا خبز
17 فعلم يسوع و قال لهم لماذا تفكرون ان ليس عندكم خبز الا تشعرون بعد و لا تفهمون احتى الان قلوبكم غليظة
18 الكم اعين و لا تبصرون و لكم اذان و لا تسمعون و لا تذكرون
19 حين كسرت الارغفة الخمسة للخمسة الالاف كم قفة مملوة كسرا رفعتم قالوا له اثنتي عشرة
20 و حين السبعة للاربعة الالاف كم سل كسر مملوا رفعتم قالوا سبعة
21 فقال لهم كيف لا تفهمون
22 و جاء الى بيت صيدا فقدموا اليه اعمى و طلبوا اليه ان يلمسه
23 فاخذ بيد الاعمى و اخرجه الى خارج القرية و تفل في عينيه و وضع يديه عليه و ساله هل ابصر شيئا
24 فتطلع و قال ابصر الناس كاشجار يمشون
25 ثم وضع يديه ايضا على عينيه و جعله يتطلع فعاد صحيحا و ابصر كل انسان جليا
26 فارسله الى بيته قائلا لا تدخل القرية و لا تقل لاحد في القرية
27 ثم خرج يسوع و تلاميذه الى قرى قيصرية فيلبس و في الطريق سال تلاميذه قائلا لهم من يقول الناس اني انا
28 فاجابوا يوحنا المعمدان و اخرون ايليا و اخرون واحد من الانبياء
29 فقال لهم و انتم من تقولون اني انا فاجاب بطرس و قال له انت المسيح
30 فانتهرهم كي لا يقولوا لاحد عنه
31 و ابتدا يعلمهم ان ابن الانسان ينبغي ان يتالم كثيرا و يرفض من الشيوخ و رؤساء الكهنة و الكتبة و يقتل و بعد ثلاثة ايام يقوم
32 و قال القول علانية فاخذه بطرس اليه و ابتدا ينتهره
33 فالتفت و ابصر تلاميذه فانتهر بطرس قائلا اذهب عني يا شيطان لانك لا تهتم بما لله لكن بما للناس
34 و دعا الجمع من تلاميذه و قال لهم من اراد ان ياتي ورائي فلينكر نفسه و يحمل صليبه و يتبعني
35 فان من اراد ان يخلص نفسه يهلكها و من يهلك نفسه من اجلي و من اجل الانجيل فهو يخلصها
36 لانه ماذا ينتفع الانسان لو ربح العالم كله و خسر نفسه
37 او ماذا يعطي الانسان فداء عن نفسه
38 لان من استحى بي و بكلامي في هذا الجيل الفاسق الخاطئ فان ابن الانسان يستحي به متى جاء بمجد ابيه مع الملائكة القديسين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير الإنجيل بحسب مرقس   تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Emptyالأربعاء يوليو 02, 2008 5:17 pm

الأصحاح التاسع
الملكوت العملي
إذ يقدم لنا الإنجيلي مرقس شخص المسيح كخادم عامل لحساب البشرية، فإنه إذ يقترب من أحداث الصليب يكشف لنا عن ملكوته العملي الذي لأجله يعمل لينعم به على مؤمنيه:
1. الوعد برؤية ملكوت الله 1.
2. الملكوت والتجلي 2-13.
3. الملكوت ومقاومة إبليس 14-29.
4. الملكوت والصليب 30-32.
5. الملكوت والتواضع 33-37.
6. الملكوت واتساع القلب 38-50.
1. الوعد برؤية ملكوت الله
"وقال لهم: الحق أقول لكم أن من القيام ههنا قومًا لا يذوقون الموت حتى يروا ملكوت الله قد أتى بقوة" [1].
جاء هذا الوعد كتتمة لحديث السيد المسيح عن حمل الصليب واهتمام الإنسان بخلاص نفسه والتمتع بمجد ملكوت الله عند مجيء ابن الإنسان. الآن يتساءل البعض: كيف تحقق هذا الوعد؟ هل وُجد من معاصري السيد المسيح من لم يذق الموت حتى يرى ملكوت الله آتيًا بقوة؟
أولاً: يرى البعض أن هذا الوعد قد تحقق بتمتع ثلاثة من التلاميذ بتجلي السيد المسيح، خاصة وأن الحديث عن التجلي جاء بعد الوعد مباشرة. فالتجلي في حقيقته تمتع بمجد السيد المسيح وبهائه الإلهي بالقدر الذي احتمل التلاميذ رؤيته. يقول القديس أمبروسيوس: [عاين بطرس ويوحنا ويعقوب مجد القيامة فلم يعرفوا الموت.]
ثانيًا: يرى البعض أن "ملكوت الله" الذي أتى بقوة إنما الكرازة بالإنجيل وسط الأمم، فقد دعيت كنيسة العهد الجديد "ملكوت الله". وقد شاهد بعض التلاميذ هذا المجد العظيم وهم بعد في الجسد، إذ تمتعوا بيوم الخمسين حين حّل الروح القدس في العلية، ونظروا الهيكل القديم قد تحطم بينما انطلقت الكرازة إلى كثير من عواصم العالم الوثني. رأوا ملكوت الله معلنًا في حياة الناس ضد مجد العالم الزائل.
ثالثًا: يرى آخرون أن هذا الوعد الإلهي قائم على الدوام، يتمتع به المؤمنون في كل جيل، حين تدخل نفوسهم إلى بهاء مجد الله الداخلي، ويُعلن الملكوت فيهم دون أن يذوقوا موت الخطية أو يغلبهم إبليس (الموت). يقول القديس يوحنا سابا: [طوبى للنفس التي جمعت نفسها من الطياشة الخارجة عنها، ودخلت داخلها ونظرت ربنا وهو متكئ على كرسيه الذي هو العقل، وقبلت منه وصية جديدة أعني الحب الروحي الذي هو كمال الناموس.]
يقدم لنا القديس أمبروسيوس ذات المعنى حين يعلن أن الإنسان في ضعفه يحتاج لا أن يتمتع بوعد أبدي فحسب وإنما يذوق عربون هذا الوعد هنا في الحياة الحاضرة. فما وعد به السيد هنا إنما يقدمه لكل إنسان يكون قائمًا معه، أي يتمتع بحضرة الرب والشركة معه، فلا يذوق موت الروح، بل ينعم بقوة الملكوت الإلهي في حياته الحاضرة هنا كعربون للملكوت الأبدي، فمن كلماته:
[بينما يرتفع الرب بالروح يشير إليها بمكافأة الفضيلة، وبينما يلوح لنا عن الفائدة التي نجنيها من احتقار أمور هذا العالم يؤازر ضعفنا البشري بتقديم مكافأة حتى في هذه الحياة.
بالتأكيد شاق عليك جدًا أن تحمل الصليب، وتعرض حياتك للأخطار، وجسدك للموت، وتتخلى عن ذاتك، لتنال ما لا تملكه هنا. صعب على البشر أن يعيشوا على الرجاء وحده، فيتعرضوا للمخاطر من أجل التطلع إلى بركات الحياة المقبلة، متخلين عن الخيرات الحاضرة، لذلك إذ لم يشأ الرب الحنون الطيب أن يسقط أحد تحت نير اليأس أو القلق... يسند الضعف بالخيرات الحاضرة، ويسند القوة بالخيرات المقبلة... (بمعنى يعيننا هنا بعربون الملكوت الداخلي، ويكافئنا في الأبدية بكمال مجد الملكوت).
إن كنا نريد ألا نهاب الموت فلنقف حيث المسيح، ليقول لنا نحن أيضًا: الحق أقول لكم أن من القيام ههنا قومًا لا يذوقون الموت... فمن نالوا الشركة مع المسيح لا يذوقون الموت. سيموت الجسد لكن تبقى الروح حية.
ما معنى يذوق الموت؟ يوجد أناس يذوقون خبز الدموع (مز 126: 2) وآخرون يأكلون من سموم التنين، أما نحن فلنا الخبز الحقيقي الذي نزل من السماء (يو 16: 51). من يحفظ كلام الله لا يذوق هذا الخبز (الموت)!...
من هو الإنسان الذي لا يذوق الموت إن كانت لا قيامة إلا بعد الموت؟... يوجد أناس أموات وهم يعيشون هنا، كما يوجد أحياء حتى وإن ماتوا، إذ قيل "وإن مات يتكلم بعد" (1 تي 5: 6). كما قيل: ليبتلعهم الموت ولينحدروا إلى الهاوية (مز 55: 16). الذين ينحدرون أحياء في الهاوية هم الخطاة الذين تحدرهم الخطية إلى الهاوية، أما الأحياء الذين لا تنتهي حياتهم: "إله إسحق وإله يعقوب، ليس الله إله أموات بل إله أحياء" (مت 22: 32).
لم يمت بطرس إذ أبواب الجحيم لن تقوى عليه، ولا مات يعقوب ويوحنا ابنا الرعد اللذان عاينا المجد الأسني، فلم تستطيع أمور هذا العالم أن تخضعهما بل سحقاها تحت أقدامهما. لتكن أنت أيضًا كبطرس الخادم الأمين المسالم، فتفتح أبواب الكنيسة وتهرب من أبواب الموت. كن كابني الرعد، كيف؟ عندما لا تتأمل الأرضيات، بل تسند رأسك على صدر المسيح، عندما لا تتأثر بأمور هذه الحياة بل بالعكس تسيطر عليها بقوة الروح التي لك. لتتزلزل الأرض أمامك ولا تمسك بك. لتسيطر على الجسد بقوة الروح، فتقمعه وتستعبده. ستكون ابن الرعد إن كنت ابن الكنيسة، يقول لك المسيح من فوق خشبة الصليب: "هوذا أمك".]
2. الملكوت والتجلي
إذ وعد السيد المسيح تلاميذه أن بعضًا من القيام معه يعاينون ملكوت الله آتيًا بقوة لم يحدد أسماء الذين يتمتعون بهذه الرؤيا، حتى لا يثير الحسد أو الغيرة بينهم. والآن نراه يأخذ بطرس ويعقوب ويوحنا ويصعد بهم إلى جبل عالٍ منفردين وحدهم [2] ليعلن لهم بهاء لاهوته. وقد سبق لنا الحديث بشيء من الإفاضة عن أحداث التجلي مع تعليقات كثير من الآباء، وذلك أثناء دراستنا لإنجيل معلمنا متى (17: 1-8)، والآن أكتفي ببعض تعليقات بسيطة ومختصرة:
أولاً: يرى القديس يوحنا الذهبي الفم أن ما كتبه الإنجيليون عن التجلي إنما قدر ما تستطيع اللغة أن تعبر، إذ كان المنظر أعظم من أن تسجله ألفاظ بشرية، إذ يقول: [لو أنه أضاء كالشمس لما سقط التلاميذ، إذ هم يرون الشمس كل يوم ولا يسقطون، لكنه أضاء بأكثر بهاء من الشمس... فلم يحتملوا بهاءه، لذلك سقطوا على الأرض.]
ثانيًا: يقول الإنجيلي: "بعد ستة أيام أخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا، وصعد بهم إلى جبل عالٍ منفردين وحدهم" [2]. سبق فرأينا أن انقضاء هذه الأيام الستة قبل التمتع بالتجلي تشير إلى كمال جهادنا على الأرض لننال كمال المكافأة بالدخول إلى شركة المجد الإلهي. ويرى القديس أمبروسيوس أن هذه الأيام الستة تشير إلى ستة آلاف سنة لنعبر إلى القيامة العامة، بينما يرى العلامة أوريجينوس في هذه الأيام الستة تشير إلى راحتنا الحقيقية في الرب بعبورنا ستة أيام الخليقة ودخولنا إلى اليوم السابع أو السبت الروحي.
ما أجمل كلمات القديس أمبروسيوس وهو يدعونا للتمتع بالتجلي الداخلي: [من يرتفع فوق العالم، فوق أزمنة الدهر، ويثبت في الأعالي يتطلع إلى ثمار الأبدية التي للقيامة العتيدة. إذن فلنتخطى أعمال الحياة حتى نستطيع أن نرى الله وجهًا لوجه.]
أما هؤلاء الثلاثة الذين تمتعوا بمحبة الرب والارتفاع معه على جبل عالٍ للتمتع ببهائه فهم بطرس ويعقوب ويوحنا، وكما سبق فقلنا يشيرون إلى الإيمان العامل بالمحبة، بدون الإيمان الحي العامل بالمحبة لن نستطيع معاينة مجده. وقد لاحظ القديس أمبروسيوس أن هذه العطية قدمت لهم بعد الحديث الشخصي الذي تم بين السيد وتلاميذه، فاعترفوا على لسان بطرس الرسول أنه المسيح، وكأن هذا التجلي جاء مكافأة لهذا الاعتراف. يقول القديس أمبروسيوس: [سيتمتع ببركات القيامة هؤلاء الذين سبقوا فاعترفوا بالمسيح، فلا يقوم الأشرار في مجمع الصديقين (مز 1: 5) بل يعاقبون بالدينونة التي سقطوا تحتها.] ويرى ذات القديس أن اختيار ثلاثة هو انفتاح لباب مراحم الله والتمتع بأمجاده للجنس البشري دون تمييز بين يهودي وأممي، إذ يمثل الثلاثة أبناء نوح الثلاثة الذين جاء الجنس البشري كله من نسلهم. هذا الفكر أيضًا نادى به القديس هيلاري أسقف بواتييه.
يرى القديس أمبروسيوس في اختيار ثلاثة من تلاميذه إشارة إلى الحاجة للإيمان بالثالوث القدوس، إذ يقول: [لا يستطيع أحد أن يعاين مجد القيامة إن لم يؤمن بسرّ التثليث بإيمان ثابت صادق.] ولعل اختيار ثلاثة تلاميذ يشير إلى حاجتنا إلى الحياة المقامة في المسيح يسوع القائم في اليوم الثالث، بهذه الحياة الجديدة نرتفع على جبل تابور لنعلوا فوق الموت، متمتعين ببهاء القيامة العاملة في داخلنا.
ثالثًا: في نص منسوب للقديس يوحنا الذهبي الفم قيل أن ملامح السيد المسيح عند تجليه بقيت كما هي لكن أُعلن بهاء مجده. لقد بقى السيد المسيح بجسده، لكن الجسد حمل طبيعة جديدة مملوءة بهاءً ومجدًا، هكذا نحن أيضًا في القيامة العامة نحمل ذات الجسد الذي شاركنا جهادنا، له ذات الملامح لكنه يتسم بسمة المجد الفائق الذي يهبه له الله ليناسب الحياة السمائية الأبدية.
رابعًا: ماذا يعني بقوله: "وتغيرت هيئته قدامهم" [2] إلا أن المجد الذي أُعلن بتجليه ليس بالأمر الجديد عليه ولا بهبة خارجية قُدمت له، إنما هو مجرد إعلان لمجد خفي فيه ظهر في هذه اللحظات قدامهم. وكأن التغير أمر لا يخص طبيعة السيد، إنما يخص أعين التلاميذ التي انفتحت لتعاين ما تستطيع معاينته.
ما أحوجنا أن ننفرد بالسيد المسيح في أعماقنا الداخلية ليفتح عن عيوننا الروحية ونرى ذاك المصلوب الذي قيل عنه: "كعرق من أرض يابسة، لا صورة له ولا جمال فننظر إليه، لا منظر فنشتهيه" (إش 53: 2) إنه أبرع جمالاً من بني البشر (مز 45). هذا الذي قيل عنه: "محتقر ومخذول من الناس" (إش 53: 3)، مشتهى كل الأمم (حج 2: 7). في هذا يقول القديس أمبروسيوس: [تحمل كافة هذه الأمور في طياتها أسرارًا ومعانٍ صحيحة، فإنه حسب قدرتك يصغر الكلمة أو يكبر بالنسبة لك، فإن لم تصعد إلى القمة بحذر فائق لن تُعلن لك "الحكمة ولا تنكشف أمامك معرفة الأسرار، ولا تظهر لك أمجاد كلمة الله وجماله، إنما يظهر لك كلمة الله كما في الجسد لا منظر له ولا جمال (إش 53: 2) يظهر لك كإنسان أضناه الألم، يحتمله لأجل ضعفنا. يظهر لك مثل كلمة غلفتها ملابس الحرف ولا ترقى إلى قوة الروح.]
خامسًا: يقول الإنجيلي: "وصارت ثيابه تلمع بيضاء جدًا كالثلج، لا يقدر قصّار على الأرض أن يبيض مثل ذلك" [3].
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير الإنجيل بحسب مرقس   تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Emptyالأربعاء يوليو 02, 2008 5:17 pm

خامسًا: يقول الإنجيلي: "وصارت ثيابه تلمع بيضاء جدًا كالثلج، لا يقدر قصّار على الأرض أن يبيض مثل ذلك" [3].
ما هذه الثياب التي تلتصق بالسيد فتلمع ببهاء إلا كنيسته، كما يقول القديس أغسطينوس. هذه هي سمة المؤمنين الحقيقيين، البهاء الفائق، إذ يقول البابا غريغوريوس (الكبير): [لأن في علو بهاء السماوات العليا، الذين يضيئون بحياة البرّ يلتصقون به، إذ قصد بثيابه الذين يجعلهم ملاصقين له.]
يقدم لنا القديس أمبروسيوس تفسيرًا آخر لهذه الثياب البهية، إذ يقول: [ربما كانت ثياب الكلمة هي العظات عن الكتب المقدسة، فهي بمثابة رداء الفكر الإلهي. فكما ظهر لبطرس ويوحنا بمظهر مختلف وكانت ثيابه تلمع بيضاء، هكذا تتضح الآن أمامك معاني الكتب الإلهية وتصبح الكلمة الإلهية كالثلج لا يقدر قصار على الأرض أن يبيض مثل ذلك.] كأنه إذ ترتفع أفكارنا مع ربنا يسوع المسيح لنوجد معه، ويعلن حلوله فينا تتجلى كلماته فينا ببهاء سماوي لا يُعبر عنه. هذا البهاء ليس من صنع قصّار على الأرض، إنما من صنع القصّار السماوي، أي الروح القدس غافر الخطية، الذي يغسلنا بدم الابن الوحيد فنبيض أكثر من الثلج (مز 50).
سادسًا: كان ظهور موسى وإيليا معه يحمل معان كثيرة سبق لنا عرضها. يقدم لنا القديس يوحنا الذهبي الفم تعليلاً لظهورهما وهو إذ قالت الجموع عنه أنه إيليا أو واحد من الأنبياء أراد أن يظهر موسى النبي وإيليا معه أمام التلاميذ ليدركوا الفارق بينه وبين خدامه. أيضًا أُتهم ككاسر للناموس ومجدف ينتحل مجد الآب أحضر موسى مستلم الناموس وإيليا الغيور على مجد الرب ليعلن افتراء المتهمين له.
لعله أيضًا أراد بظهورهما قبل الصلب أن يعلن لتلاميذه أنه يجب ألا يخافوا من الصليب، فقد قبله بإرادته، وإلا ما تمت أحداثه. فإنه أعظم من موسى الذي أنقذ الشعب من يد فرعون، ومن إيليا الذي أرسل نارًا من السماء أحرقت قائدي الخمسين ورجالهما.
سابعًا: اشتهى بطرس أن يقيم ثلاثة مظال مادية للحماية، فجاءت سحابة صغيرة تظللَّهم، ليدرك أنه في القيامة لا نحتاج إلى مظال مصنوعة بأيد بشرية، ولا إلى منازل مادية، وإنما يظللنا مجد الله نفسه، الذي لا يسبب ظلالاً مظلمة بل بالعكس يهب بهاءً ومجدًا. يقول القديس أمبروسيوس [مصدر هذا الظل روح الله الذي لا يظلم قلوب البشر بل يكشف لها عن الخفيات. هذا ما نجده في موضع آخر حيث يقول الملاك: "وقوة العلي تظللك"... لم توجد السحابة بسبب رطوبة الجبال المدخنة (مز 103: 32) ولا بخار الهواء المتكثف، ولا غطت السماء بظلمة مرهبة، وإنما كانت سحابة نيرة لا تبللنا بالأمطار والسيول ولا تغمرنا بطوفان، وإنما نداها الذي يرسله كلمة الله يغمر قلوب البشر بالإيمان.]
ثامنًا: "فجاء صوت من السحابة، قائلاً: هذا هو ابني الحبيب، له اسمعوا. فنظروا حولهم بغتة ولم يروا أحدًا غير يسوع وحده معهم" [7-8].
ماذا يريد صوت الآب: "هذا هو ابني الحبيب، له اسمعوا" إلا أن نقبل كلمة الله المتجسد في حياتنا، نسمع له، ونثبت فيه فنصير نحن أنفسنا أبناء الآب المحبوبين له. غاية الآب أن يرانا ممجدين في ابنه، وكما يقول القديس أمبروسيوس: [إذ نعاين مجد الله بوجوه مكشوفة نتغير نحن أنفسنا إلى تلك الصورة عينها (2 كو 3: 8).]
وللقديس أمبروسيوس أيضًا تعليق جميل على العبارة الإنجيلية التي بين أيدينا، إذ يقول: [لما كان الصوت وُجد يسوع وحده، فبعد أن كانوا ثلاثة وُجد يسوع وحده. رأوا في البداية ثلاثة، أما في النهاية فرأوا واحدًا. بالإيمان الكامل يصير الكل واحدًا كما طلب يسوع من الآب: "ليكون الجميع واحدًا" (يو 17: 21). ليس موسى وإيليا وحدهما واحدًا في المسيح، وإنما نحن أيضًا واحد في جسد المسيح الواحد (رو 12: 5)... ولعل هذا أيضًا يشير إلى أن الناموس (موسى) والأنبياء (إيليا) مصدرهما الكلمة... لأن غاية الناموس هي المسيح للبرّ لكل من يؤمن (رو 10: 4).]
إذن غاية التجلي أن يلتقي المؤمنين جميعًا كأعضاء في الجسد الواحد خلال الثبوت في المسيح والتمتع بالعضوية في جسده الواحد، فنُحسب بحق أبناء الله المحبوبين والممجدين فيه.
تاسعًا: "وفيما هم نازلون من الجبل أوصاهم أن لا يحدثوا أحدًا بما أبصروا، إلا متى قام ابن الإنسان من الأموات" [9]. يعلل القديس هيلاري أسقف بواتييه هذه الوصية الإلهية بقوله: [أمرهم فيما يخص ما رأوه حتى يمتلئوا بالروح القدس ويشهدوا للروحيات.] هذه الوصية بلا شك أربكتهم، فقد عرفوا أنه المسيح وشهدوا له بذلك، وبحسب الفكر اليهودي المسيح لا يموت، فماذا عني بقوله: "متى قام ابن الإنسان من الأموات"؟
لم يشكوا في أنه المسيح بل بدأوا يتشككون فيما تسلموه عن الكتبة والفريسيين بخصوص المسيح، لهذا سألوا: "لماذا يقول الكتبة أن إيليا ينبغي أن يأتي أولاً؟" [11]. لعلهم بهذا السؤال يعبرون عن الفكر اليهودي إذ كان مشغولاً بإيليا كمهيئ للطريق للمسيح الذي لا يموت. كانوا يعتقدون أن إيليا لا يزال يعمل لأجل إسرائيل في السماء، وأنه يظهر قبل مجيء المسيح بثلاثة أيام، في اليوم الأول يقف على أحد الجبال العالية ويرفع مرثاة على الأرض الخراب، ويعلن أن سلامًا يحل بالأرض، وفي اليوم الثاني يعلن أن خيرًا يحل بها، وفي اليوم الثالث أن خلاصًا يحل بها، عندئذ يأتي المسيح ليخلص إسرائيل، فلا مجال للموت ولا للقيامة!
سحبهم السيد من فكرهم المادي من نحو مجيء إيليا والمسيح، مؤكدًا أن كل ما اشتهاه الآباء والأنبياء يتحقق في أيامهم وأن إيليا قد جاء، ولكن ليس حسب الفكر الحرفي المادي، وأن المسّيا أيضًا جاء لكنه لا يملك زمنيًا، وإنما خلال الألم والصليب. يقول السيد: "إن إيليا يأتي أولاً، ويرد كل شيء، وكيف هو مكتوب عن ابن الإنسان أنه يتألم كثيرًا ويُرذل. لكن أقول لكم: إن إيليا أيضًا قد أتى، وعملوا به كل ما أرادوا، كما هو مكتوب عنهم"[ 12-13].
كأنه يقول: لقد وضعوا كل رجائهم في مجيء إيليا لا المسيح، وقد جاء إيليا وعوض السماع له قتلوه، وجاء المسيح وعوض الإيمان به يقتلونه. بمعنى آخر يطالبهم السيد المسيح بمراجعة أنفسهم لإدراك الأمور بفهمٍ روحيٍ وإيمانٍ جديدٍ.
لقد جاء إيليا، إذ يقول الملاك بخصوص القديس يوحنا المعمدان "ويتقدم أمامه بروح إيليا وقوته" (لو 1: 17). وكما يقول العلامة أوريجينوس إنه يوحنا الذي يحمل سمات إيليا لا شخصه. يقول الأب ثيوفلاكتيوس: [مرة أخرى انتهر يوحنا الرذيلة، كان غيورًا ومتوحدًا كإيليا، أما هم فلم يسمعوا له بكونه كإيليا، بل قتلوه بطريقة شريرة وقطعوا رأسه.] يقول القديس أمبروسيوس: [عاش إيليا في البرية وكذا يوحنا. كانت الغربان تعول الأول، أما الثاني ففي البرية داس كل إغراء للملاهي وأحب الفقر وأبغض الترف. الواحد لم يسع لكسب رضاء آخاب الملك، والثاني ازدرى برضاء هيرودس الملك. رداء الأول شق مياه الأردن (2 مل 2: 14)، والثاني جعل هذه المياه مغسلاً يهب خلاصًا. الأول يظهر مع الرب في المجد والثاني يحيا مع الرب على الأرض. الأول يسبق مجيء الرب الثاني، والثاني يسبق مجيء الرب الأول. الأول أسقط الأمطار على أرض جفت لمدة ثلاث سنوات، والثاني غسل تراب أجسادنا في مياه الإيمان خلال ثلاث سنوات. تسألونني: ما هي هذه السنوات الثلاث؟ فأجيبكم بما قيل "هوذا ثلاث سنين آتي أطلب ثمرًا في هذه التينة ولم أجد" (لو 13: 7)... السنة الأولى هي عهد الآباء حيث بلغ الحصاد مدى لم يتحقق بعد ذلك، والسنة الثانية هي عهد موسى والأنبياء، ثم السنة الثالثة لمجيء إلهنا ومخلصنا "ليكرز بسنة الرب المقبولة" (لو 4: 19).]
3. الملكوت ومقاومة إبليس
بينما صعد السيد المسيح بثلاثة من تلاميذه إلى جبلٍ عالٍ يعلن لهم ملكوته آتيًا بقوة، نجد بعضًا من التلاميذ يقفون في عجز أمام إخراج روح نجس أخرس، حتى جاء السيد يكشف لهم عن الحاجة إلى الصوم والصلاة كطريق للصراع ضد إبليس والغلبة عليه بالرب واهب النصرة. وكأن الملكوت ليس مجرد رؤيا يتمتع بها التلاميذ على جبل تابور، لكنه أيضًا ثمرة جهاد روحي ضد عدو الخير بالرب الغالب.
ويلاحظ في هذا العمل الآتي:
أولاً: بينما كان بطرس على الجبل يشتهي البقاء هناك [5] ينعم بمجد السيد المسيح ويتمتع بالرؤيا السماوية إذا بالسيد ينزل به مع التلميذين الآخرين ليروا جمعًا كثيرًا حول التلاميذ وكتبة يحاورونهم [14]. أما علة الحوار فهو عجز التلاميذ عن إخراج روح نجس أخرس من إنسان معذب منذ صباه [21].
ما أجمل أن ينفرد المؤمن بسيده لينعم بالتأملات الروحية والتعزيات السماوية في مخدعه كما على جبل تابور، حتى يشتهي لو بقى عمره كله متأملاً بلا انقطاع، ورؤيا سماوية بلا توقف. لكننا مادمنا في الجسد يلزمنا ان ننزل إلى الميدان للعمل أيضُا من أجل كل نفس معذبة؛ فلا عجب إن رأينا حتى كبار النساك والمتوحدين يهتمون بخلاص النفوس. يقول القديس المتوحد يوحنا سابا: [مرذول قدام الله من يبغض الخاطي.]
الخدمة الروحية هي جزء لا يتجزأ من حياة المؤمن، أيا كان عمله في الكنيسة أو وضعه، سواء كان كاهنًا أو راهبًا أو واحدًا من أفراد الشعب؛ وإن اختلفت الوسائل في ممارسة هذه الخدمة الروحية!
ثانيًا: يقول الإنجيلي: "رأى جمعًا كثيرًا حولهم وكتبه يحاورونهم" [14]. هذا الوصف الإنجيلي لا يمثل لحظة معينة من الزمن، إنما يسجل لنا صورة لا تنقطع، فعلى الدوام يتطلع السيد المسيح ليرى جمعًا كثيرًا حول تلاميذه يشتاقون بالبساطة أن يتمتعوا بعطية المسيح لهم، كما يرى أيضًا كتبة مقاومين يحاورونهم، فلا يقف السيد مكتوف الأيدي، إنما يهب كنيسته على الدوام أن تُشبع الجمع من عطايا سيدها، وأن تقف بثبات أمام مقاوميها.
ليتنا لا نضطرب إذ نشعر بالمسئولية الملقاة على عاتق الكنيسة من جهة جموع البشرية المتعطشة والجائعة تطلب ارتواءً وشعبًا، ومن وجهة المقاومين للحق بكل طريقة، فإن عريس الكنيسة حال في وسطها يشبع الجائعين ويبكم المقاومين. لهذا يترنم المرتل قائلاً: "الله في وسطها فلن تتزعزع" (مز 46: 5)، كما يوصينا السيد نفسه، "فمتى أسلموكم فلا تهتموا كيف أو بما تتكلمون، أنكم تُعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به، لأن لستم أنتم المتكلمين، بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم" (مت 10: 19-20).
ثالثًا: وبخ السيد المسيح تلاميذه لعجزهم عن إخراج الروح النجس، قائلاً: "أيها الجيل غير المؤمن، إلى متى أكون معكم؟ إلى متى أحتملكم؟" [19]. وبخهم على عدم إيمانهم وقام هو نفسه بالعمل. هو المسئول عن الكنيسة بكونها عروسه يوبخ خدامها عن كل تقصير في إيمانهم أو عملهم ويقوم هو بالعمل.
لنعرض على ربنا يسوع كل أعمالنا لكي وإن وبخنا على ضعفاتنا لكنه يكمل كل نقص فينا.
رابعًا: إذ وبخ تلاميذه طلب تقديم الابن المُصاب بروح شرير، وإذ رأى السيد "للوقت صرعه الروح فوقع على الأرض يتمرغ ويُزبد" [20]. لماذا سمح للشيطان أن يصرعه؟ لا يحتمل السيد أن يرى إنسانًا يتعذب، لكنه قد سمح لهذا المسكين أن يتألم إلى حين، لكي يدفع أباه للإيمان كما قال الذهبي الفم، فقد قال الأب: "إن كنت تستطيع شيئًا فتحنن علينا وأعنا" [22]. أجاب السيد بأن مفتاح الشفاء في أيدي الإنسان إن آمن، إذ قال له: "إن كنت تستطيع أن تؤمن، كل شيء مستطاع للمؤمن" [23]. في إيمان مصحوب بتواضع صرخ الأب بدموع: "أومن يا سيد، فأعن عدم إيماني" [24]. كأن السيد المسيح سمح للابن أن يتألم قليلاً ليبرز إيمان أبيه، ويدفعه بالأكثر إلى التواضع، طالبًا أن يعين الرب عدم إيمانه، وليعلن أيضًا سلطان الإنسان بالإيمان.
ولعل السيد المسيح سمح أيضًا بذلك لكي يكشف عن قسوة إبليس وجنوده، وكما يقول الأب ثيؤفلاكتيوس: [سمح للابن أن يهيج لكي نعرف شر إبليس الذي يود قتله لو لم ينقذه الرب]. ولذات السبب سأل السيد والد الشخص: "كم من الزمان منذ أصابه هذا؟ فقال: منذ صباه، وكثيرًا ما ألقاه في النار وفي الماء ليهلكه" [21-22]. فإن عدو الخير لا يرحم طفلاً ولا شيخًا، ولا رجلاً ولا امرأة، بل يشتاق أن يدفع بالكل إلى نار الشهوات، أو يسحبهم إلى تيارات مياه العالم ليهلكهم. يحاربنا على الدوام بالمتناقضات، بالنار والماء، إن هربنا من فخ يقيم آخر. على أي الأحوال إن كان الشيطان يدفعنا للنار والماء المهلكين، فإن ربنا يسوع يقدم لنا روحه القدوس الناري خلال المعمودية ليقتل النار الشريرة بنار إلهية، ويفسد مياه العدو بالأردن المقدس!
خامسًا: عجيبة هي محبة السيد المسيح، ففي وسط أعماله الفائقة يبرز فضائل الآخرين مهما بدت قليلة أو تافهة. فإن كان قد شفى الولد، لكنه أبرز حب أبيه له، وإيمانه، وأيضًا تواضعه. أقول ليت لنا قلب هذا الأب نحو كل نفس معذبة فلا نستريح حتى نقدمها بروح الإيمان المتواضع وحده والمملوء حبًا لذاك القادر أن يخلصها. يقول الأب ثيؤفلاكتيوس: [من يربط نفسه بقريبه برباط الحب يكون له ملحًا، ويكون في سلام مع أخيه.]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير الإنجيل بحسب مرقس   تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Emptyالأربعاء يوليو 02, 2008 5:17 pm

سادسًا: هذا الأب الذي يئن بدموع ويصرخ لإنقاذ ابنه يمثل نفس كل مؤمن التقى مع الرب وعرف خلاصه العجيب فلا يحتمل عذاب النفوس الجاحدة التي سقطت تحت أسر عدو الخير منذ الصبا، إذ جاءت إلى العالم منذ البداية تحمل الخطية الجدية فتقول مع المرتل: بالآثام حبل بيّ، وبالخطايا ولدتني أمي. ولعل هذا الابن يشير إلى الأمم الذين عاشوا منذ طفولتهم تحت سلطان عدو الخير خلال الرجاسات الوثنية.
سابعًا: يعلق البابا غريغوريوس (الكبير) على عبارة: "فصار كميت، حتى قال كثيرون أنه مات" [26] بقوله: [من يتحرر من سلطان الروح الشرير يُحسب كميت، لأنه كان خاضعًا للشهوات الجسدية والآن يميت في داخله هذه الحياة الجسدانية ويظهر للعالم كميت. الذين لا يعرفون كيف يعيشون حسب الروح يظنون أن من لا يسلك بالشهوات الجسدية ميت تمامًا.] هذه هي نظرة العالم إلى يومنا هذا نحو الروحيين، إذ يحسبونهم محرومين من متعة الحياة وأموات!
ثامنًا: إذ دخل السيد المسيح بيتًا سأله تلاميذه على إنفراد: لماذا لم نقدر نحن أن نخرجه؟ فقال لهم: "هذا الجنس لا يمكن أن يخرج بشيء إلا بالصلاة والصوم" [29]. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [لقد خشوا لئلا يكونوا قد فقدوا العطية التي وُهبت لهم، إذ كانوا قد نالوا سلطانًا على الأرواح النجسة.]
حقًا لقد تمتع التلاميذ بالسلطان، لكن يلزمهم إضرام الموهبة المجانية بالحياة التقوية بالصلاة مع الصوم، للتمتع بشركة عميقة مع الله في ابنه.
يحدثنا القديس يوحنا سابا عن فاعلية الصلاة، قائلاً: [مفاتيح الخزائن موضوعة في أيديكم لكي تأخذوا وتعطوا، حتى تحيوا آخرين وأيضًا]، [قدّس فراشك بالصلاة ورفرفة الروح القدس عليك، فتفوح رائحة أعضائك مثل الطيب.] كما يحدثنا أيضًا عن الصوم باعتدال: [لا تملأ بطنك كثيرًا لئلا يعذبك الزنا، ولا تضعف جسدك لئلا يفرح مبغضوك. أمسك طقس الاعتدال، وأنت تسلك في الطريق الملوكي، وبغير خوف يكون مسيرك.]
4. الملكوت والصليب
كانت أحداث الصليب تقترب، لذلك ففي أكثر من مرة كان السيد يختلي بتلاميذه، ليؤكد لهم ضرورة تسليمه وقتله وقيامته. حقًا في المرة السابقة انتهره بطرس (8: 32)، أما في هذه المرة فلم يفهموا القول وخافوا أن يسألوه [32]، إذ لم يكن ممكنًا للفكر البشري أن يتقبل قيام ملكوت الله على خشبة العار (الصليب)!
الصليب الذي لم يحتمل التلاميذ السماع عنه، إذ ذاقوه وأدركوا فاعليته فيهم أحبوه وحملوه مع عريسهم المصلوب بفرحٍ وسروًر.
يقول القديس أغسطينوس: [لا يوجد مشهد أعظم وأعجب من منظر ربنا يسوع المسيح ابن الله... لقد غلب العالم كله كما نرى أيها الأحباء... لقد قهر... لا بقوة عسكرية بل بجهالة الصليب!... لقد رُفع جسده على الصليب، فخضعت له الأرواح.] ويقول القديس مار أفرام السرياني: [بالشجرة التي قتلنا بها (الشيطان) أنقذنا الرب!]
5. الملكوت والتواضع
إن كان السيد قد رسم لنا طريق خلاصنا بصليبه الذي جاء مخالفًا تمامًا لما ظنه البشر، ففي محبته يشتاق أن يحملنا معه في طريقه الخلاصي خلال التواضع.
لقد ظن العالم أن الكرامة الزمنية والسلطة هما طريق الملكوت، لكن الصليب يعلن التواضع سمة ملكوت الله، لذلك إذ كان التلاميذ يتحاجون في الطريق في من هو الأعظم [24]، نادى السيد المسيح الإثني عشر وقال لهم: "إذا أراد أحد أن يكون أولاً فيكون آخر الكل وخادمًا للكل. فأخذ ولدًا وأقامه في وسطهم ثم احتضنه، وقال لهم: من قبل واحدًا من أولاد مثل هذا باسمي يقبلني، فليس يقبلني أنا بل الذي أرسلني" [35-37].
لقد وضع السيد المسيح يده على جرحنا البشري القديم، ألا وهو حب الإنسان للكرامة الزمنية والتسلط. فضح جرحنا مقدمًا لنا نفسه مثالاً ودواءً! فقد بدأ أولاً بإعلان الجرح عندما سألهم عما كانوا يتكلمون فيه ليعلن أنه كلمة الله العارف الخفايا والناظر الكل، فاحص القلوب والكِلى. إذ كشف الجرح أعطى الدواء بتعليمه عن مفهوم الرئاسة الروحية خلال التواضع الممتزج حبًا. ثم قدم لهم مثلاً عمليًا باحتضانه ولدًا ليقبلوا هم البشرية بروح الحب كطفلٍ يحتضنوه ويغسلوا قدميه، فيصيروا خدامًا لا أصحاب سلطة. أما المثل العملي للآخرين فقد وضح بقوله أنه من يقبله لا يقبله هو، بل الذي أرسله، مع أنه واحد مع الآب! في حب ممتزج بالطاعة يقدم الابن الآب وإن كان لا ينفصلان قط!
فيما يلي بعض مقتطفات للآباء بخصوص الخدمة الحقيقية وروح التواضع:
v ناقش التلاميذ في الطريق من يكون رئيسًا، أما المسيح نفسه فنزل ليعلمنا التواضع. فإن الرئاسات تجلب التعب، أما التواضع فيهب راحة!
القديس جيروم
v يريدنا ألا نغتصب الرئاسات لأنفسنا، بل نبلغ العلويات السامية بالتواضع... يا لعظمة التواضع، إذ تربح لنفسها سكنى الآب والابن والروح القدس.
الأب ثيؤفلاكتيوس
v حثهم على التواضع والبساطة بنفس المنظر، لأن هذا الولد طاهر من الحسد والمجد الباطل ورغبة الترأس.
القديس يوحنا الذهبي الفم
v التواضع رفع موسى، أما المتكبرون فابتلعتهم الأرض.
v التواضع هو أرض حاملة للفضائل، فإن نُزع التواضع هلكت كل الفضائل.
v آباؤنا الجبابرة مهدوا لنا الطريق، إذ لبسوا التواضع الذي هو رداء المسيح، وبه رفضوا الشيطان وربطوه بقيود الظلمة.
v البس التواضع كل حين، وهو يجعلك مسكنًا لله.
القديس يوحنا سابا
6. الملكوت واتساع القلب
إذ حدثنا عن الملكوت الإلهي كيف نخدمه بالتواضع خلال الصليب، خشي لئلا يفهم ذلك بطريقة سلبية لذلك كشف ربنا يسوع المسيح هنا عن التزام أبناء الملكوت للعمل بقلبٍ متسعٍ. فإن كان السيد المسيح نفسه جاء إلى الصليب في اتساع قلب للبشرية لاق بأبنائه أن يحملوا ذات سمته.
قال له يوحنا: "يا معلم رأينا واحدًا يخرج الشياطين باسمك، وهو ليس يتبعنا، فمنعناه، لأنه ليس يتبعنا" [38]. لعل القديس يوحنا لم يمنعه عن غيرة منه أو حسد، لكنه اشتاق أن تكون لهذا الإنسان تبعية للسيد المسيح ولقاء معه، ولا يكون مستغلاً لاسم السيد المسيح في إخراج الشياطين. لكن السيد قال له: "لا تمنعوه، لأنه ليس أحد يصنع قوة باسمي ويستطيع سريعًا أن يقول عليّّ شرًا. لأن من ليس علينا فهو معنا، لأن من سقاكم كأس بارد باسمي لأنكم للمسيح فالحق أقول لكم أنه لا يضيع أجره" [39-41].
هذا الحديث يكشف أن ذاك الذي كان يخرج الشياطين لم يكن ضد المسيح لا بفمه ولا بقلبه، بل كان يعمل لحساب المسيح بإيمان صادق، وإن لم تكن قد أُتيحت له الفرصة للتبعية الظاهرة. إيماننا لا يقوم على أساس تعصبي وتحكم في الآخرين، بل اتساع القلب للكل والوحدة مادام الكل يعمل خلال إيمان مستقيم. وحدتنا الكنسية المسكونية لا تقوم على تجمعات، وإنما على وحده الإيمان الحيّ.
هذا ونلاحظ أن السيد قد تحفظ في كلماته، إذ يوجد أيضًا من يصنع قوات باسم المسيح لكنه يضمر شرًا في قلبه كالهراطقة مسببي الانقسامات والأشرار في حياتهم العملية. يقول السيد نفسه "كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم يا رب أليس باسمك تنبأنا، وباسمك صنعنا قوات كثيرة؟ فحينئذ أصرح لهم: أني لا أعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلي الإثم" (مت 7: 22-23).
بهذا القلب المتواضع والمتسع بالحب يلزم أن نسلك دون أن نعثر الآخرين، وفي نفس الوقت دون أن نتعثر بسبب الآخرين، أي ليكن قلبنا متسعًا بالحب، لا على حساب خلاص إخوتنا الأصاغر، ولا على حساب خلاص نفوسنا.
فمن جهة تحذيرنا من عثرة الصغار يقول: "من أعثر أحد الصغار المؤمنين بي، فخير له لو طوّق عنقه بحجر رحىَّ وطرح في البحر" [42]. بمعنى آخر يليق بنا أن تكون قلوبنا متسعة، فنحتمل ضعفات الآخرين كصغارٍ نترفق بهم ولا نعثرهم في الإيمان. ويقدم لنا البابا غريغوريوس (الكبير) تفسيرًا لهذه العبارات بقوله أن حجر الرحى يُشير إلى العلماني الذي يرتبك بأمور هذه الحياة فيدور حول نفسه كما حول حجر رحى في مللٍ وتعبٍ بلا هدف ولا راحة، أما الطرح في أعماق البحر فيعني أشر أنواع العقوبة، وكأنه خير لذلك الذي يرتدي ثوب العمل الكرازي أو الخدمة ويعثر الصغار أن يترك وظيفته ويصير علمانيًا، فإنه حتى وإن نال أشر أنواع العقوبة فسيكون له أفضل من إعثار الآخرين وهو خادم، لأنه بدون شك إن سقط بمفرده تكون آلامه في جهنم أكثر احتمالاً.
بقدر ما يتسع قلبنا بالحب لا نُعثر صغار نفوس، ويلزمنا بحكمة أيضًا أن نهرب من النفوس المعثرة لنا، لكن دون إدانة لهم، إذ يقول: "وإن أعثرتك يدك فأقطعها، خير لك أن تدخل الحياة أقطع، من أن تكون لك يدان وتمضي في جهنم إلى النار التي لا تطفأ، حيث دودهم لا يموت، والنار لا تُطفأ" [43-44]. وما يقوله عن اليد يكرره بخصوص الرجل والعين أيضًا. وقد سبق لنا تفسير مفهوم اليد والرجل والعين روحيًا، لذا نكتفي بعبارة القديس يوحنا الذهبي الفم [لا يتحدث هنا عن أعضائنا الجسدية بل عن أصدقائنا الملازمين لنا جدًا، والذين يحسبون ضروريين لنا كأعضاء لنا، فإنه ليس شيء يضرنا مثل الجماعة الفاسدة (الصداقات الشريرة).]
أخيرًا يختم حديثه عن فاعلية المسيحي باتساع قلبه نحو الكل، مشبهًا إياه بالملح الذي يُصلح الآخرين من الفساد، قائلاً: "لأن كل واحد يُملح بنارٍ، وكل ذبيحة تُملح بملح. الملح الجيد، ولكن إذا صار الملح بلا ملوحة، فبماذا تصلحونه، ليكن في أنفسكم ملح، وسالموا بعضكم بعضًا" [49-50]. كأنه يقول أن الملح يفقد كيانه إن فقد ملوحته التي بها يُصلح الطعام، هكذا المسيحي يفقد كيانه كمسيحي إن فقد حبه للغير ومسالمته للآخرين. الحب ليس سمة أساسية في حياتنا بل هو بعينه حياتنا، بدونه نفقد وجودنا المسيحي.
ماذا يعني بقوله "كل واحد يُملح بنار"؟ في العهد القديم كانت الذبائح يلزم أن تُملح قبل تقديمها على المذبح لتحرق، هكذا إن كانت حياتنا ذبيحة حب، فالله لن يقبلها ما لم تكن مملحة بملح الحب الأخوي.
1 و قال لهم الحق اقول لكم ان من القيام ههنا قوما لا يذوقون الموت حتى يروا ملكوت الله قد اتى بقوة
2 و بعد ستة ايام اخذ يسوع بطرس و يعقوب و يوحنا و صعد بهم الى جبل عال منفردين وحدهم و تغيرت هيئته قدامهم
3 و صارت ثيابه تلمع بيضاء جدا كالثلج لا يقدر قصار على الارض ان يبيض مثل ذلك
4 و ظهر لهم ايليا مع موسى و كانا يتكلمان مع يسوع
5 فجعل بطرس يقول ليسوع يا سيدي جيد ان نكون ههنا فلنصنع ثلاث مظال لك واحدة و لموسى واحدة و لايليا واحدة
6 لانه لم يكن يعلم ما يتكلم به اذ كانوا مرتعبين
7 و كانت سحابة تظللهم فجاء صوت من السحابة قائلا هذا هو ابني الحبيب له اسمعوا
8 فنظروا حولهم بغتة و لم يروا احدا غير يسوع وحده معهم
9 و فيما هم نازلون من الجبل اوصاهم ان لا يحدثوا احد بما ابصروا الا متى قام ابن الانسان من الاموات
10 فحفظوا الكلمة لانفسهم يتساءلون ما هو القيام من الاموات
11 فسالوه قائلين لماذا يقول الكتبة ان ايليا ينبغي ان ياتي اولا
12 فاجاب و قال لهم ان ايليا ياتي اولا و يرد كل شيء و كيف هو مكتوب عن ابن الانسان ان يتالم كثيرا و يرذل
13 لكن اقول لكم ان ايليا ايضا قد اتى و عملوا به كل ما ارادوا كما هو مكتوب عنه
14 و لما جاء الى التلاميذ راى جمعا كثيرا حولهم و كتبة يحاورونهم
15 و للوقت كل الجمع لما راوه تحيروا و ركضوا و سلموا عليه
16 فسال الكتبة بماذا تحاورونهم
17 فاجاب واحد من الجمع و قال يا معلم قد قدمت اليك ابني به روح اخرس
18 و حيثما ادركه يمزقه فيزبد و يصر باسنانه و ييبس فقلت لتلاميذك ان يخرجوه فلم يقدروا
19 فاجاب و قال لهم ايها الجيل غير المؤمن الى متى اكون معكم الى متى احتملكم قدموه الي
20 فقدموه اليه فلما راه للوقت صرعه الروح فوقع على الارض يتمرغ و يزبد
21 فسال اباه كم من الزمان منذ اصابه هذا فقال منذ صباه
22 و كثيرا ما القاه في النار و في الماء ليهلكه لكن ان كنت تستطيع شيئا فتحنن علينا و اعنا
23 فقال له يسوع ان كنت تستطيع ان تؤمن كل شيء مستطاع للمؤمن
24 فللوقت صرخ ابو الولد بدموع و قال اؤمن يا سيد فاعن عدم ايماني
25 فلما راى يسوع ان الجمع يتراكضون انتهر الروح النجس قائلا له ايها الروح الاخرس الاصم انا امرك اخرج منه و لا تدخله ايضا
26 فصرخ و صرعه شديدا و خرج فصار كميت حتى قال كثيرون انه مات
27 فامسكه يسوع بيده و اقامه فقام
28 و لما دخل بيتا ساله تلاميذه على انفراد لماذا لم نقدر نحن ان نخرجه
29 فقال لهم هذا الجنس لا يمكن ان يخرج بشيء الا بالصلاة و الصوم
30 و خرجوا من هناك و اجتازوا الجليل و لم يرد ان يعلم احد
31 لانه كان يعلم تلاميذه و يقول لهم ان ابن الانسان يسلم الى ايدي الناس فيقتلونه و بعد ان يقتل يقوم في اليوم الثالث
32 و اما هم فلم يفهموا القول و خافوا ان يسالوه
33 و جاء الى كفرناحوم و اذ كان في البيت سالهم بماذا كنتم تتكالمون فيما بينكم في الطريق
34 فسكتوا لانهم تحاجوا في الطريق بعضهم مع بعض في من هو اعظم
35 فجلس و نادى الاثني عشر و قال لهم اذا اراد احد ان يكون اولا فيكون اخر الكل و خادما للكل
36 فاخذ ولدا و اقامه في وسطهم ثم احتضنه و قال لهم
37 من قبل واحدا من اولاد مثل هذا باسمي يقبلني و من قبلني فليس يقبلني انا بل الذي ارسلني
38 فاجابه يوحنا قائلا يا معلم راينا واحدا يخرج شياطين باسمك و هو ليس يتبعنا فمنعناه لانه ليس يتبعنا
39 فقال يسوع لا تمنعوه لانه ليس احد يصنع قوة باسمي و يستطيع سريعا ان يقول علي شرا
40 لان من ليس علينا فهو معنا
41 لان من سقاكم كاس ماء باسمي لانكم للمسيح فالحق اقول لكم انه لا يضيع اجره
42 و من اعثر احد الصغار المؤمنين بي فخير له لو طوق عنقه بحجر رحى و طرح في البحر
43 و ان اعثرتك يدك فاقطعها خير لك ان تدخل الحياة اقطع من ان تكون لك يدان و تمضي الى جهنم الى النار التي لا تطفا
44 حيث دودهم لا يموت و النار لا تطفا
45 و ان اعثرتك رجلك فاقطعها خير لك ان تدخل الحياة اعرج من ان تكون لك رجلان و تطرح في جهنم في النار التي لا تطفا
46 حيث دودهم لا يموت و النار لا تطفا
47 و ان اعثرتك عينك فاقلعها خير لك ان تدخل ملكوت الله اعور من ان تكون لك عينان و تطرح في جهنم النار
48 حيث دودهم لا يموت و النار لا تطفا
49 لان كل واحد يملح بنار و كل ذبيحة تملح بملح
50 الملح جيد و لكن اذا صار الملح بلا ملوحة فبماذا تصلحونه ليكن لكم في انفسكم ملح و سالموا بعضكم بعضا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير الإنجيل بحسب مرقس   تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Emptyالأربعاء يوليو 02, 2008 5:18 pm

الباب الثالث
خدمته في البرية
ص 10
الأصحاح العاشر
الطريق الصعب
جاء السيد المسيح خادمًا للبشرية، موضوع حبه، غير أن كثيرين تعثروا فيه لأنه جاء يقدم الصليب طريقًا ضيقًا لبلوغ مجد الملكوت. في هذا الأصحاح يقدم لنا الإنجيلي أمثلة حية لصعوبة الطريق الذي قدمه السيد:
1. منع التطليق لغير العلة 1-12.
2. قبول الأطفال بالحب 13-16.
3. الغني والتبعية للمسيح 17-27.
4. الترك والتبعية للمسيح 28-34.
5. ترك حب الرئاسات 35-45.
6. الحاجة إلى تفتيح الأعين 46-52.
1. منع التطليق لغير العلة
حتى الأصحاح السابق كان الإنجيلي مرقس يحدثنا عما نطق به السيد وما عمله واحتمله في الجليل. ومع بداية هذا الأصحاح بدأ حديثه عن السيد في اليهودية إذ عبر الأردن من جهة الشرق، وقد دُعيت هذه المنطقة باليهودية تمييزًا لها عن السامرية والجليل والمدن الخمس وغيرها. وهناك في اليهودية وجد مقاومات كثيرة كما أعلن عن صعوبة الطريق الضيق الذي يسلكه، والذي يحمل مؤمنيه إليه لينطلق بهم إلى مجد ملكوته.
أحد مظاهر ضيق هذا الطريق الملوكي هو تقديم الوصية الصعبة، إذ لم يأتِ السيد لكي يرضي الناس حسب أهوائهم، وإنما لكي يرفعهم إلى مستوى لائق كأبناء لله، لهم الوصية التي تبدو أحيانًا مستحيلة. أحد بنود هذه الوصية مفهوم الحياة الزوجية كحياة فائقة لا تفصلها إلا علة الزنا.
يقول الإنجيلي: "فتقدم الفريسيون وسألوه: هل يحل للرجل أن يطلق امرأته؟ ليجربوه. فأجاب وقال لهم: بماذا أوصاكم موسى؟ فقالوا: موسى أذن أن يكتب كتاب طلاق فتطلق. فأجاب يسوع، وقال لهم: من أجل قساوة قلوبكم كتب لكم هذه الوصية. ولكن من بدء الخليقة ذكرًا وأنثى خلقهما الله..." [2-6].
كثيرًا ما كان الفريسيون يترددون عليه لا للتعرف على حقيقة أمره أو التمتع بالحق، وإنما لأنهم خشوا إن تركوه يلتف كله حوله، فكانوا يترددون في الغالب كجماعات يقدمون الأسئلة المتوالية بقصد إرباكه أمام الجموع. والآن إذ أدركوا في تصرفاته المملوءة حبًا وحنانًا أنه لا يسمح بالطلاق، خاصة وأنه سبق فأعلن ذلك (مت 5: 31-32)، لذا قدموا هذا السؤال لكي يتصيدوا له خطأ، إن وافق بالطلاق أو رفضه. لكن السيد وهو يرفض الطريق السهل، طريق الطلاق، ليدخل بمؤمنيه في طريق الوصية الصعبة أجابهم بحكمة من جهة الآتي:
أولاً: أراد أن ينزع من قلوبهم وأفكارهم إباحة الطلاق، فجاءت إجابته غير مباشرة حتى لا يسقط في شباكهم، إذ كرّم الناموس موسى بقوله: بماذا أوصاكم موسى؟ وكأنه لا يتجاهل ما قد سبق فأعلنه خلال نبيه موسى، وإنما يكشف أعماق الناموس ليدخل بهم إلى روح الناموس لا حرفه.
ثانيًا: حين قدم لهم السؤال تركهم يجاوبون ليرد عليهم من إجابتهم عينها، فقد قالوا: موسى أذن أن يكتب كتاب طلاق فتطلق. كأن موسى لم يأذن بالطلاق إنما أذن أن يكتب كتاب طلاق فتطلق، وهنا يوجد فارق بين التعبيرين، فإن الإذن بالطلاق يجعل منه أمرًا سهلاً، أما كونه يأذن بكتابة كتاب الطلاق أولاً، فيعني أن الرجل قبل أن يطلق امرأته يلزمه أن يذهب إلى أحد الكتبة ليكتب له كتاب الطلاق، وكان يلزم أن يكون هؤلاء الكتبة من العقلاء يباحثونه الأمر، ويهدئون من غضبه ما استطاعوا ويلجأون إلى كبار عشيرته أو سبطه إن احتاج الأمر، فيلطفون من الموقف، محاولين مصالحة الرجل مع امرأته.
حقًا لقد خشي الله وهم في طفولة حياتهم الروحية لئلا يقتل الرجل امرأته، أو ينحرف إلى العبادات الوثنية التي تبيح له بالطلاق، فسمح له بالطلاق، ولكن بعد تروٍ. لهذا يكمل السيد المسيح حديثه بقوله: "من أجل قساوة قلوبكم كتب لكم هذه الوصية". وكأن الوصية الموسوية ليست أمرًا بالطلاق، لكنها سماح به في حدود لأجل قسوة قلوبهم التي لم يكن يلزم أن تكون هكذا.
ولكي يؤكد لهم السيد ذلك ردهم إلى الناموس الطبيعي الذي أقامه الله في بدء الخليقة، قائلاً: "ولكن من بدء الخليقة ذكرًا وأنثى خلقهما الله. من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته. ويكون الاثنان جسدًا واحدًا، إذًا ليس بعد أثنين بل جسد واحد. فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان" [6-9]. كأنه في بدء الخليقة قبل السقوط لاق بالإنسان أن يقبل زوجته ليكون معها جسدًا واحدًا، أما وقد فسدت طبيعة الإنسان، ودخلت إليه قسوة القلب، فلم يعد هذا الناموس يناسبه إذ حسبه حرمانًا وطريقًا صعبًا، فسمح له الله بكتابة كتاب الطلاق لتهدئته. والآن جاء السيد المسيح لا ليُقدم وصايا جديدة، إنما بالأكثر طبيعة جديدة فيها تنتزع قسوة القلب، ويُرد الإنسان إلى الحياة الأولى النقية، فيتقبل الوصية التي ظنها صعبة كالامتناع عن الطلاق، وصية إلهية سهلة تليق بإنسانه الجديد، لأنها تحمل صورة الزواج الروحي القائم بين السيد المسيح والكنيسة عروسه الواحدة الوحيدة! في هذا يقول الرسول بولس: "من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدًا واحدًا؛ هذا السّر عظيم، ولكنني أنا أقول من نحو المسيح والكنيسة" (أف 5: 31-32).
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [لو أن الله أراد أن تُنزع امرأة لتُجلب أخرى لخلق (لآدم) نساء كثيرات. الله لم يربط الرجل بامرأة واحدة فحسب، وإنما أمره أيضًا أن يعتزل والديه ويلتصق بامرأته، قائلاً: "من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته". يظهر من هذا التعبير استحالة تحطيم الزواج (بالتطليق)، إذ يقول "يلتصق".]
يقول القديس أمبروسيوس لمن يرغب في تطليق زوجته: [خف الله وأصغِ لناموس الرب: "الذي جمعه الله لا يفرقه إنسان" )مت 19: 6 ). إنك لا تهدم وصية سماوية، إنما تهدم عمل الله.]
إن كان الزواج المسيحي هو ثمرة عمل الله (مت 19: 6)، فبالأولى الزواج الروحي بين النفس وعريسها، هذا الذي يقوم به روح الله القدوس ويتممه في استحقاقات الدم، فلا يليق بنا أن نحطمه خلال إنكار الإيمان علانية بسبب ضيق أو اضطهاد ولا خلال سلوكنا برفض الوصية، وإلا نكون قد مارسنا طلاقًا ممقوتًا.
2. قبول الأطفال بالحب
إن كان الفريسيون قد جاءوا إلى السيد المسيح يسألونه بخصوص الطلاق بقصد سيء، قد يكشفوا للجموع أنه يصَّعب الطريق ويكسر الناموس، فإن الجموع على العكس أدركت محبته وتلامست مع بساطته، فجاءت إليه بالأطفال تسأله أن يضع يديه عليهم ويباركهم.
"وقدموا إليه أولادًا لكي يلمسهم،
وأما التلاميذ فانتهروا الذين قدموهم.
فلما رأى يسوع ذلك اغتاظ، وقال لهم:
دعوا الأولاد يأتون إليّ، ولا تمنعوهم،
لأن لمثل هؤلاء ملكوت الله.
الحق أقول لكم: من لا يقبل ملكوت الله مثل ولد فلن يدخله.
فاحتضنهم، ووضع يديه عليهم، وباركهم" [13-16].
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير الإنجيل بحسب مرقس   تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Emptyالأربعاء يوليو 02, 2008 5:19 pm

يقول القديس كيرلس الكبير: [لقد انتهرهم التلاميذ الطوباويون ليس لأنهم كانوا يحسدون الأطفال، بل حسبوا في هذا تقديم احترام له كمعلمٍ لهم، ومنع التعب غير اللازم، ولأجل اهتمامهم الشديد بحفظ النظام.] بنفس المعنى يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [لقد منعهم التلاميذ عن إحضار أولادهم، إذ حسبوا هذا لا يليق بكرامة المسيح... لكن مخلصنا وقد أراد أن يعلم تلاميذه فكر التواضع والوطء بالقدمين على الكبرياء الزمني احتضن الأولاد ونسب إليهم ملكوت الله.] ويقول القديس أمبروسيوس [لم يفعل التلاميذ ذلك بقسوة قلب أو سوء نية من نحو الأطفال بل كانت لهم غيرة كخدام ساهرين خشية أن تزحمه الجموع، ففي موضع آخر قالوا: "يا معلم الجموع يضيقون عليك" (لو 8: 45).]
لقد أراد التلاميذ للسيد المسيح الطريق السهل المكرّم، رافضين مضايقة الأطفال الصغار ومتاعبهم، أما السيد فقدم لهم طريقه الصعب البسيط، يلتزم به التلاميذ والرسل كما الشعب أيضًا، فإنه إذ يحتضن الأطفال وهم في ذلك الحين يمثلون طبقة محتقرة بلا حقوق، يكشف أن المعلم لا يطلب كرامة ومجدًا لنفسه، إنما يطلب نفسًا تلتصق بالرب، حتى وإن كانت نفس طفل أو عبد أو لص! إنه طريق الحب للجميع لا طلب الكرامة. ولا يقف الأمر عند هذا الحد باحتضان الأطفال، إنما جعل من الطفل مثلاً ما لم نبلغه لن ندخل الملكوت. هكذا كرّم السيد الطفولة إذ صار نفسه طفلاً بتجسده، والآن يطالب التلاميذ - قادة الكنيسة - أن يبلغوا مع الشعب إلى الطفولة ليكون لهم نصيب في الملكوت معهم.
v حقًا ذهن الطفل نقي من آلام الخطية، لهذا يليق بنا أن نمارس بكامل حريتنا ما يفعله الأطفال بالطبيعة.
القديس يوحنا الذهبي الفم
v لم يقل "لهؤلاء"، بل قال: "لمثل هؤلاء ملكوت الله"، أي للذين لهم في نيتهم كما في تصرفاتهم ما للأطفال بالطبيعة من بساطة وعدم الأذية. فالطفل لا يبغض، ولا يحمل نية شريرة، حتى إن ضربته والدته لا يعتزل عنها، وأن ألبسته ثيابًا رخيصة يراها أفضل من الثوب الملكي، هكذا من يسلك في طرق الكنيسة أمه الصالحة، لا يكرم شيئًا أكثر منها، حتى ملذاته بكونها ملكة الكل، لذلك يقول الرب: "من لا يقبل ملكوت الله مثل ولد فلن يدخله"
الأب ثيؤفلاكتيوس بطريرك بلغاريا
v لا يقصد بالطفولة هنا تفضيل سن عن آخر، وإلا صار النمو (في العمر) هدمًا، وما كنت أشتهي بلوغ سن النضوج مادام يسلبني تعبي في ملكوت السماوات، ولما سمح الله لنا بالنمو مادام هذا النمو ينمي الرذائل لا الفضيلة، ولما اختار الرب تلاميذه ناضجين بل أطفالاً. لكن الأطفال لا يعرفون أسرارًا ولا خداعًا ولا رد الإساءة بالإساءة ولا يطلبون الغنى، ولا يمتلكهم حب الكرامة.
الجهل بالأمور (كالطفل الذي لا يفهم شيئًا) لا يهب الفضيلة بل يسيء إليها، هكذا لا تتمجد عفتنا عن عجز (كالطفل العاجز عن الشهوة)... الفضيلة ليست عجزًا عن ممارسة الخطية، إنما هي رفض له ومثابرة في الجهاد لكي نرجع إلى طبيعتنا وطفولتنا.
إذن لا يشير الرب إلى الطفولة هنا كسنٍ معينٍ، وإنما كحب للامتثال ببساطة الطفولة...
v لنهرب إذن من الكبرياء ولنقتدي ببساطة الأطفال، فالحق يتعارض مع الكبرياء بينما توافقه البساطة وترفعه بتواضعها.
القديس أمبروسيوس
v لا يريدنا المسيح أن نكون بلا فهم بل يريدنا أن نفهم كل ما هو نافع وضروري لخلاصنا بطريقة كاملة. فإنه حتى الحكمة تعد أنها ستعطي "البسطاء ذكاءً والشاب بدء معرفة وتدبيرًا" (أنظر أم 1: 4). وقد وجدت الحكمة في سفر الأمثال أشبه بمن ترفع صوتها عاليًا، وتقول: "لكم أيها الناس أنادي وصوتي إلى بني البشر، أيها البسطاء تعلموا الذكاء، ويا جهال ضعوا قلبًا فيكم" (انظر أم 8: 4)...
لكن كيف يكون الإنسان بسيطًا وحكيمًا في نفس الوقت؟ هذا ما يوضحه لنا المخلص في موضع آخر بقوله: "كونوا حكماء كالحيات، وبسطاء كالحمام" (مت 10: 16)، وبنفس الطريقة يكتب الطوباوي بولس: "أيها الإخوة لا تكونوا أولادًا في أذهانكم، بل كونوا أولادًا في الشر، وأما في الأذهان فكونوا كاملين" (1 كو 14: 20).
يلزمنا أن نفحص ما معنى أن نكون أولادًا في الشر، وكيف يصير الرجل هكذا بينما يكون في الذهن رجلاً ناضجًا. الطفل معرفته قليلة جدًا، وأحيانًا معدومة تمامًا، لذا فهو بريء من جهة فساد الشر، ونحن أيضًا من واجبنا أن نسعى لكي نتمثل بهم في هذا الأمر بانتزاع عادات الشر عنا تمامًا، فيُنظر إلينا كرجال ليس لهم حتى معرفة بالطريق التي تقود للغش، ليس لنا إدراك للمكر أو الخداع، بل نكون بسطاء وأبرياء نمارس اللطف والتواضع الذي لا يقدّر، ونكون مستعدين لاحتمال السخط والضغينة. بهذا نؤكد أننا نحمل سمات من هم لا يزالون أولادًا.
بينما تكون شخصيتنا بسيطة وبريئة، يليق بنا أن نكون كاملين في الذهن، فيتأسس فهمنا بثباتٍ ووضوحٍ على من هو بالطبيعة والحق خالق المسكونة، الله الرب...
يقوم كمال الذهن الرئيسي على الإيمان، فلا يكون فهمنا فاسدًا، وأما الأمر الثاني والمجاور لهذا الكمال الرئيسي والقريب منه وملازم له، فهو المعرفة الواضحة للطريق السلوكي الذي يفرح الله الذي تعلمناه بالإنجيل، الطريق الكامل الذي بلا لوم (هنا يميز القديس بين السالكين طريق الرب الإنجيلي وبين النبلاء في السلوك خلال الفلسفات التي يمكن أن تخدع). من يسلك هذا الطريق يمارس حياة البساطة والبراءة، ومع ذلك فهم يعرفون أية أراء (إيمانية) يتمسكون بها وأي أعمال حقة يمارسونها. مثل هؤلاء يدخلون الباب الضيق، فلا يرفضون الأتعاب التي تلزم للتقوى في الله واللازمة لتقود إلى الحياة الممجدة. هكذا بحق يتقدمون إلى اتساع فيض طريق الله ويبتهجون بعطاياه، ويربحون لأنفسهم ملكوت السماوات بالمسيح الذي لله الآب الحمد والسلطان بالمسيح معه، ومع الروح القدس إلى أبد الأبد. آمين.
القديس كيرلس الكبير
ليتنا إذن نتمثل بالأطفال في الشر لا في الذهن، فنقبل بإيمان صادق أن يمد الرب نفسه يده ليضمنا إليه ويحملنا على منكبيه، ويدخل بنا إلى صليبه خلال الباب الضيق، فتنفتح لنا سماواته في داخلنا وننعم بأمجاده فينا، ونعيش ملكوته الأبدي بفرحٍ حقيقيٍ ومجيدٍ.
إذ نعود إلى تقديم الأطفال ليباركهم السيد نذكر ما قاله القديس كيرلس الكبير إذ يرى الأطفال وقد وضع الآباء الأساقفة أيديهم على رؤوسهم لنوال نعمة الروح القدس (التثبيت) بعد المعمودية، لا من بشر بل من السيد المسيح نفسه، إذ يقول: [حتى وقتنا الحاضر يُقدم الأطفال للمسيح فيباركهم خلال الأيدي المكرسة. مثال هذا العمل قائم حتى اليوم وقد جاء إلينا خلال عادة المسيح مؤسسها.]
وللعلامة أوريجينوس تعليق لطيف على تقديم الأطفال لنوال البركة، إذ يقول: [إن رأى إنسان يقوم بعمل التعليم في الكنيسة أحدًا يحضر له بعضًا من أغبياء هذا العالم ومن الطبقات الدنيا والضعفاء، هؤلاء الذين بسبب هذا يُحسبون أطفالاً وصغارًا، ليته لا يمنعه من تقديمهم للمخلص لئلا يكون عمله بلا تمييز.]
3. الغني والتبعية للمسيح
هكذا تتكشف ملامح الطريق الجديد في بساطته أيضًا لغير الروحيين، إذ هو طريق المسيح المصلوب، وصيته تبدو صعبة تحمل في أعين الجسدانيين حرمانًا، ودعوته تحتضن الأطفال المحتقرين - في ذلك الحين - وتدعونا للطفولة في بساطتها ونقاوتها، والآن إذ يلتقي به شاب غني ارتبط قلبه بثروة هذا العالم حرمه هذا الثقل من العبور مع السيد خلال باب الحب للدخول إلى الطريق الضيق. فالغنى في ذاته ليس شرًا، لكنه يمثل ثقلاً للنفس المتعلقة به، يفقدها حياتها وينزعها عن الالتصاق بمخلصها.
يروي لنا الإنجيلي قصة هذا اللقاء، فيقول:
"وفيما هو خارج إلى الطريق ركض واحد وجثا له، وسأله:
أيها المعلم الصالح، ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟
فقال له يسوع: لماذا تدعوني صالحًا،
ليس أحد صالحًا إلا واحد وهو الله.
أنت تعرف الوصايا:
لا تزن، لا تقتل، لا تسرق،
لا تشهد بالزور، لا تسلب، أكرم أباك وأمك" [17-19].
خرج السيد المسيح إلى الطريق ليجد الشاب الغني المُمسك بحب المال هناك، فمع غناه يوجد في الطريق كمن محتاج يطلب شبعًا ولا يجد. شعر الشاب بالجوع والعطش فركض مسرعًا نحو السيد وجثا له وسأله: "أيها المعلم الصالح ماذا أعمل لأرث الحياة الصالحة؟" وإذ كان الشاب لم يدرك بعد أنه المسيح ابن الله، عاتبه السيد: "لماذا تدعوني صالحًا، ليس أحد صالحًا إلا واحد وهو الله!" إنه لم ينف عن نفسه الصلاح فقد دعا نفسه الراعي الصالح (يو 10: 11؛ لو 2: 15)، لكنه يرفض أن يلقبه الشاب هكذا ظنًا أنه لقب للتفخيم كعادة اليهود في معاملاتهم مع القيادات الدينية، ينعتوهم بصفات خاصة بالله نفسه. وكأنه أراد من الشاب أن يراجع حساباته الداخلية من جهة إيمانه به، وثانيًا ألا يستخدم الألفاظ الخاصة بالله لتكريم الإنسان.
يقول القديس أمبروسيوس: [عندما قال: "أيها المعلم الصالح"، قالها بمعنى الصلاح الجزئي لا المطلق مع أن صلاح الله مطلق وصلاح الإنسان جزئي، لذا أجابه الرب: لماذا تدعوني صالحًا، وأنت تنكر إني أنا الله؟ لماذا تدعونني صالحًا والله وحده هو الصالح؟ لم ينكر الرب أنه صالح، بل يشير إلى أنه هو الله... إن كان الآب صالحًا فذاك أيضًا صالح، لأن كل ما للآب فهو له (يو 17: 10)... أليس صالحًا من يدبر صلاح النفس التي تطلبه؟ أليس صالحًا من يشبع بالخير عمرك (مز 103: 5)؟ أليس صالحًا من قال "أنا هو الراعي الصالح"؟ (يو 10: 11).]
ويقول القديس كيرلس الكبير: [لقد اقترب وتظاهر بالحديث اللطيف، إذ دعاه معلمًا ووصفه صالحًا، وقدم نفسه كمن يشتهي التلمذة له، إذ قال: "ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟" لاحظ كيف مزج التملق بالخداع والخبث كمن يمزج الإفسنتين بالعسل، حاسبًا أنه بهذا يقدر أن يخدعه. عن مثل هؤلاء قال أحد الأنبياء القديسين: "لسانهم سهم قتال بالغش؛ بفمه يكلم صاحبه بسلام وفي نفسه عداوة" (أر 9: 8). وأيضًا يقول المرتل الحكيم عنهم: "فمهم مملوء لعنة ومرارة" (مز 10: 7)، وأيضًا: "ألين من الزيت كلماته وهي سيوف (حراب)" (مز 55: 21). لقد داهن يسوع، وحاول أن يخدعه، مظهرًا أنه خاضع له. لكن العالم بكل شيء أجاب: "لماذا تدعونني صالحًا؟ ليس أحد صالحًا إلا واحد وهو الله"، إذ مكتوب: "الأخذ الحكماء بحيلتهم" (أي 5: 13). ها أنت ترى كيف برهن السيد أن (الشاب) لم يكن حكيمًا ولا متعلمًا مع أنه رئيس لليهود (لو 18: 18). كأنه يقول له: أنت لا تؤمن إني الله، وارتدائي للجسد قد ضللك، فلماذا تنعتني بما يليق بالطبيعة العلوية وحدها مع أنك لا تزال تحسبني إنسانًا مثلك، وليس أعظم من الطبيعة البشرية؟ فإن الله وحده بطبيعته التي تسمو على الكل يُنسب إليه الصلاح بالطبيعة، الصلاح غير المتغير. أما الملائكة ونحن الذين على الأرض فصالحون بتمثلنا به أو بالحري بشركتنا معه... هو بالحق صالح، صالح مطلقًا، أما الملائكة والبشر فصالحون بكونهم خلقوا هكذا مشاركين في صلاح الله كما قلت... على أي الأحوال كأنه يقول له: أبدو لك إني لست حقًا الله، وها أنت بجهل وغباوة تنسب لي ما يخص الطبيعة الإلهية، في الوقت الذي فيه تحسبني إنسانًا مجردًا، الكائن الذي لا ينسب له الصلاح كطبيعة غير متغيرة، إنما يقتنيه حسب الإرادة الإلهية.]
إذ سأله الشاب عن الحياة الأبدية وجهه السيد إلى الوصايا، قائلاً: "أنت تعرف الوصايا: لا تزن، لا تقتل، لا تشهد بالزور، لا تسلب، أكرم أباك وأمك" [18-19]؛ فإننا لا نستطيع التمتع بالحياة الأبدية خارج الوصية الإلهية.
لقد جاءت إجابة السيد المسيح على خلاف ما توقع هذا الشاب رئيس مجمع يهودي، إذ يقول القديس كيرلس الكبير: [توقع رئيس المجمع أن يسمع المسيح يقول: كُف يا إنسان عن كتابات موسى، أترك الظل، فإنها كانت رموزًا ليس إلا، واقترب بالحري إلى وصاياي، التي أقدمها بالإنجيل. لكنه لم يجب هكذا إذ أدرك بمعرفته الإلهية غاية ذاك الذي جاء ليجربه. فكما لو لم تكن له وصايا أخرى بجانب الوصايا التي أعطيت لموسى أرسل إليهم (المجمع) الرجل (الرئيس) قائلاً له: "أنت تعرف الوصايا"، ولئلا يظن أنه يتحدث عن وصايا خاصة به عدّد الوصايا الواردة في الناموس، قائلاً: "لا تزن، لا تقتل، لا تشهد بالزور".]
على أي الأحوال إذ بحكمة أجابه السيد حتى لا يتصيد هذا الرئيس الشاب على السيد أنه كاسر للناموس، فإنه في نفس الوقت سحبه نحو الوصية الإلهية كمصدر للتمتع بالحياة الأبدية. وكما يقول القديس مرقس الناسك أن السيد المسيح نفسه مختفي في الوصية فمن يمارسها عمليًا يكشفه داخلها. بمعنى آخر إن كانت الحياة الأبدية هي تمتع بالمسيح "الحياة" عينها، فإننا نلتقي به عمليًا متى آمنا به خلال دخولنا إلى أعماق الوصية لنجده سّر تقدسينا ونقاوتنا وحياتنا.
أعلن الشاب أنه قد حفظ الوصايا منذ حداثته فأحبه المسيح، وكما يقول العلامة أوريجينوس: [لقد أحبه أو قبّله، مظهرًا تثبيت الحق في عمله بقول الشاب أنه حفظها كلها... إذ رآه قد أجاب بضمير صالح.]
ربما يتساءل البعض كيف يحب إنسانًا أو يقّبله وهو يعلم أنه لا يتبعه؟ نجيب على هذا أنه أحب فيه البداية الحسنة لكنه لا يحب انحرافه فيما بعد. أحب فيه ما استحق أن يُحب ليدفعه لما هو أعظم، لكن ليس إلزامًا ولا قهرًا، إنما بكامل حريته. لقد أحبه وقدم له الوصية التي تبلغ به إلى الكمال: "يعوزك شيء واحد. اذهب بع كل مالك، وأعطِ الفقراء، فيكون لك كنز في السماء. وتعال اتبعني حاملاً الصليب" [21].
من تعليقات الآباء على قول السيد بخصوص ترك محبة العالم وحمل الصليب:
v حسنًا قال "يكون لك كنز" ولم يقل "حياة أبدية"، أنه يتحدث في أمر الغنى وتركه، مظهرًا أنه يتمتع بما هو أعظم مما ترك بقدر ما السماء أعظم من الأرض.
القديس يوحنا الذهبي الفم
v ليس من انطلقت في نفسه وفي عظامه محبة المسيح ويقدر أن يحتمل قذارة الشهوة المرذولة... ليس من سُبى عقله بحُسن رب الكل يقدر أن يسبيه شيء من هذا العالم بشهواته.
v الذين ذاقوا عظمة حلاوته صاروا مبغضين كل نعيم.
v كمال الوصايا هو الصليب، يعني نسيان شهوات العالم وإهمالها، مع اشتياق وتلهف وحب للرحيل، كقول القديس بولس: "لي اشتهاء أن انطلق وأكون مع المسيح، ذاك أفضل جدًا" (في 1: 23).
القديس يوحنا سابا
أمام هذه الوصية الإلهية وقف الشاب متعثرًا... فقد رأى طريق السيد المسيح صعبًا، لأن محبته للمال قد حرمته من الدخول، إذ يقول الإنجيلي: "فاغتم على القول، ومضى حزينًا، لأنه كان ذا أموالٍ كثيرةٍ" [22]. تألم السيد المسيح لهذا المنظر حين رأى أمور هذا العالم التي خلقها الله للإنسان كي يستعملها استعملته هي لحسابها عبدًا، وعِوَض أن تسنده أذلت قلبه، وربطته في شباك التراب وفخاخه، لهذا "نظر يسوع حوله، وقال لتلاميذه: ما أعسر دخول ذوي الأموال إلى ملكوت الله" [23]. إذ تحير التلاميذ "قال لهم: يا بني، ما أعسر دخول المتكلين على الأموال إلى ملكوت الله. مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله" [24-25].
لقد كشف لهم أن العيب لا في الغنى إنما في القلب المتكل على الغنى!
v قال الرب هذا لتلاميذه الفقراء الذين لا يملكون شيئًا ليعلمهم ألا يخجلوا من فقرهم، مبررًا لهم لماذا لم يسمح لهم أن يملكوا شيئًا.
القديس يوحنا الذهبي الفم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير الإنجيل بحسب مرقس   تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Emptyالأربعاء يوليو 02, 2008 5:21 pm

يقدم لنا القديس أمبروسيوس تفسيرًا رمزيًا لكلمات السيد المسيح: "مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله" بالقول بأن الجمل يشير إلى شعوب الأمم (إش 30: 6) وثقب الإبرة يشير إلى طريق الصليب الضيق، وكأن دخول الأمم خلال طريق السيد المسيح الضيق لهو أيسر من دخول الأمة اليهودية التي تمثل الغنى من جهة تمتعها بالناموس والآباء والأنبياء والوعود الخ. إلى ملكوت الله!
ويرى القديس كيرلس الكبير أن كلمة "جمل" هنا تشير إلى الحبال السميكة التي يستخدمها البحارة في السفن، هذه التي لا يمكن أن تدخل في ثقب إبرة.
إذ سمع التلاميذ كلمات السيد المسيح "بهتوا إلى الغاية، قائلين بعضهم لبعض: فمن يستطيع أن يخلص؟ فنظر إليهم يسوع وقال: عند الناس غير مستطاع، ولكن ليس عند الله، لأن كل شيء مستطاع عند الله" [26-27]. لقد أدرك التلاميذ صعوبة الطريق بسبب إغراءات المال، لكن رب المجد كشف لهم أنه ليس شيء غير مستطاع لدى الله، فإن كان يسمح لأحد بالغنى، فإنه يقدر بنعمته أن يحول هذا الغنى للخير، كما حوّل غنى إبراهيم ويوسف وغيرهما لمجده. الحاجة إلى واحد، الله الذي يسند النفس، ويجتذبها من كل حبال الشر، ويهبها إمكانية العمل لحساب مملكة الله.
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [سبب قوله أن الله هو العامل، الكشف عن أن من يضعه الله في هذا الطريق (الغنى) يحتاج إلى نعمة عظيمة، مظهرًا أنه ستكون المكافأة عظيمة للغني الذي يتبع التلمذة للمسيح.]
4. الترك والتبعية للمسيح
إذ رأى التلاميذ الشاب لا يحتمل الوصية الخاصة بالترك مع التبعية للمسيح، تساءلوا ماذا يكون نصيبهم وقد تركوا كل شيء وتبعوه، إذ "ابتدأ بطرس يقول له: ها نحن تركنا كل شيء وتبعناك" [28]. لقد تركوا أمورًا قليلة وتافهة، لكنها تمثل كل شيء عندهم. تركوا بقلوبهم الكل وتبعوه. لذلك أجابهم السيد إجابة عامة، مشجعًا الدخول في الطريق الصعب، طريق التخلي عن كل شيء بقوله: "الحق أقول لكم، ليس أحد ترك بيتًا أو إخوة أو أخوات أو أبًا أو أمًا أو امرأة أو أولادًا أو حقولاً لأجلي ولأجل الإنجيل، إلا ويأخذ مئة ضعف الآن في هذا الزمان: بيوتًا وإخوة وأخوات وأمهات وأولادًا وحقولاً مع اضطهادات، وفي الدهر الآتي الحياة الأبدية. ولكن كثيرون أولون يكونون آخرين، والآخرون أولين" [29-31].
v يبدو لي أنه بهذه الكلمات أراد أن يحدثهم عن الاضطهادات بطريقة غير مكشوفة، إذ يحدث أن يحاول كثير من الآباء أن يغروا أولادهم على الشر، وتغري النساء رجالهن.
القديس يوحنا الذهبي الفم
v لا يذهب جندي إلى معركة مع زوجته.
القديس جيروم
v لاحظ كيف دفع كل سامعيه إلى رجاء أكيد... مؤكدًا وعده بقسم، بقوله كلمة "الحق" قبل إعلانه عن الوعد...
الأقوياء في الذهن، الذين يفضلون محبة المسيح، يتمسكون بالإيمان بشغف، ويسعون بحماس أن يقتنوا الانتساب لبيته خلال العلاقة الروحية، غير مبالين بالحروب والانقسامات التي يثيرها عليهم أقرباؤهم حسب الجسد. بهذا يترك الناس بيوتهم وأقرباءهم من أجل المسيح ليربحوا اسمه بكونهم يُدعون مسيحيين، بل وبالحري من أجل مجده، لأن اسمه غالبًا ما يعني مجده.
لننظر بعد ذلك بأية كيفية من يترك بيته أو أباه أو أمه أو إخوته أو حتى زوجته يقبل أضعافًا في هذا الزمان الحاضر. هل يصير زوجًا لزوجات كثيرات أو يجد على الأرض آباء كثيرين عِوَض الأب الواحد، وهكذا بالنسبة للقرابات الجسدية؟ لسنا نقول هذا، إنما بالحري إذ نترك الجسديات والزمنيات نتقبل ما هو أعظم، أقول نتقبل أضعافًا مضاعفة لأمور كانت لدينا...
كل واحد منا نحن الذين نؤمن بالمسيح ونحب اسمه إن ترك بيتًا يتقبل المواضع التي هي فوق. وإن ترك آبًا يقتني الآب السماوي. إن ترك إخوته يجد المسيح يضمه إليه في أخوة له. إن ترك زوجة يجد له بيت الحكمة النازل من فوق من عند الله، إذ كتب: "قل للحكمة أنتِ أختي، وأدع الفهم ذا قرابة" (أم 7: 4). فبالحكمة (كزوجة) تجلب ثمارًا روحية جميلة، بها تكون شريكًا في رجاء القديسين وتُضم إلي صحبة الملائكة. وإذ تترك أمك، تجد أمًا لا تقارن، أكثر سموًا، "أورشليم العليا التي هي أمنا (جميعًا) فهي حرة" (غل 4: 26)... فإن من يُحسب مستحقًا لنوال هذه الأمور يُحسب وهو في العالم سامٍ وموضع إعجاب، إذ يكون مزينًا بمجد من قبل الله والناس. هذه الأمور واهبها هو ربنا كلنا ومخلصنا، تحسب أضعاف مضاعفة بالنسبة للزمنيات والجسديات.
القديس كيرلس الكبير
v من يتبع المسيح تخف عنه الآلام العالمية والملذات الأرضية، متقبلاً إخوة وشركاء له في الحياة، يرتبط بهم ارتباطًا روحيًا، فيقتني حتى في هذه الحياة حب أفضل مئة مرة عن (الحب المتأسس على الرباط الدموي).
بين الآباء والأبناء والإخوة والزوجات والأقارب يقدم الرباط لي مجرد القربى، لهذا فهو قصير الأمد وينحل بسهولة... أما الرهبان (إذ يتركون الزواج) يحتفظون بوحدة باقية في ألفة، ويملكون كل شيء في شركة عامة بينهم، فيرى كل إنسان أن ما لإِخوته هو له، وما له هو لإخوته، فإذا ما قارنا نعمة الحب التي لنا هكذا بالنسبة للحب الذي يقوم على مجرد الرباطات الجسدانية فبالتأكيد نجده أعذب وألذّ مئة ضعف.
هكذا أيضًا نقتني من العفة الزيجية (حيث ترتبط النفس بالرب يسوع كعريس لها) سعادة تسمو مئات المرات عن السعادة التي تتم خلال إتحاد الجنس. وعوض الفرح الذي يختبره الإنسان بملكيته حقلاً أو منزلاً يتمتع ببهجة الغنى مئات المرات بكونه ابن الله يملك كل ما يخص الآب الأبدي، واضعًا في قلبه وروحه مثال الابن الحقيقي القائل: "كل ما للآب هو لي" (يو 16: 15)... إنه يربح لنفسه كل شيء، منصتًا كل يوم لإعلان الرسول: "كل شيء لكم" (1 كو 3: 22).
الأب إبراهيم
إذ حدثهم عن الترك من أجل الإنجيل أعلن لهم أنه هو أولاً يترك لأجلهم، مسلمًا نفسه لأحداث الصليب، حيث يسلمه الكتبة ورؤساء الكهنة للأمم فيهزأون به ويجلدونه ويتفلون عليه ويقتلونهk وفي اليوم الثالث يقوم [32-34].
v لقد أظهر أنه يركض ليواجه آلامه، ولا يرفض الموت لأجل خلاصهم.
v قال هذا ليثبت قلوب تلاميذه، حتى إذ يسمعون مقدمًا ما سيحدث يكونون في حالة أفضل مما لو سمعوا بعض الأحداث، بهذا لا ينزعجون عندما يحزنون؛ وأيضًا ليظهر لهم أنه يتألم باختياره، إذ يعرف الخطر الذي يلاحقه لا يهرب منه مع أن في قدرته أن يفعل ذلك... لكنه أخذ تلاميذه على إنفراد، إذ يليق إن يعلن سرّ آلامه لمن هم مقربين إليه جدًا.
الأب ثيؤفلاكتيوس بطريرك بلغاريا
v لقد عدّد لهم ما سيحدث له... حتى لا يضطربوا إذ تكون لهم الأحداث مفاجئة!
القديس يوحنا الذهبي الفم
v لكي يعد مخلص الكل أذهان تلاميذه مقدمًا أخبرهم بما سيحل به من آلام على الصليب، وموت في الجسد، وذلك قرب صعوده إلى أورشليم، كما أضاف أيضًا أنه يحب أن يقوم، ماسحًا الألم، طامسًا عار الآلام بقوة المعجزة (القيامة). فإنه لأمر مجيد يليق بالله أن يحطم قيود الموت ويرد الحياة. فقد حملت له القيامة شهادة انه هو الله وابن الله كما عبّر الحكيم بولس... بهذه الطريقة قطع عنهم الأفكار غير اللائقة مقدمًا ونزع كل فرصة للعثرة.
القديس كيرلس الكبير
5. ترك حب الرئاسات
بدأ الإعلان عن الطريق الصعب بالكشف عن الوصية الصعبة، ثم أعلن لهم عن الحاجة إلى احتضان الأطفال والضعفاء بالحب الروحي العملي، وأيضًا تحدث عن التخلي، ليس فقط عن محبة المال، وإنما حتى عن العلاقات القرابية إن صارت عثرة في الطريق. والآن فإن أخطر صعوبة تواجه الخدام هي التخلي عن حب الرئاسات.
"تقدم إليه يعقوب ويوحنا ابنا زبدي قائلين:
يا معلم، نريد أن تفعل كل ما طلبنا.
فقال لهما: ماذا تريدان أن أفعل لكما؟
فقالا له: اعطنا أن نجلس واحد عن يمينك،
والآخر عن يسارك في مجدك" [35-37].
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [إذ سمع التلاميذ المسيح يتكلم عن ملكوته كثيرًا ظنوا أن ملكوته يقوم قبل موته، والآن إذ هو يتحدث عن موته معلنًا لهم عنه مقدمًا. جاءه التلميذان ليتمتعا بكرامات الملكوت.] كما يقول [سؤال المسيح لهما: ماذا تريدان ليس عن جهل منه للأمر، وإنما ليلزمهما بالإجابة، فيفتح الجرح ويقدم له الدواء.]
أجابهما السيد: "لستما تعلمان ما تطلبان" [38]. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [كأنه يقول لهما أنكما تتحدثان عن الكرامات بينما أتكلم أنا عن الصراعات والمتاعب. إنه ليس وقت المكافأة الآن بل هو وقت الدم والمعارك (الروحية) والمخاطر، لذلك أضاف: "أتستطيعان أن تشربا الكأس التي أشربها أنا، وأن تصطبغا (تتعمدا) بالصبغة التي أصطبغ بها أنا؟" [38]. لقد سحبهما من طريق سؤالهما إلى الالتزام بالشركة معه لتزداد غيرتهما.] يقول الأب ثيؤفلاكتيوس: [لقد قصد بالكأس والصبغة (المعمودية) الصليب، الكأس هي الجرعة التي نتقبلها بواسطته بعذوبة، والمعمودية هي علة تطهيرنا من خطايانا. وقد أجاباه بغير إدراك قائلين له: "نستطيع"، إذ حسباه يتحدث عن كأس منظورة وعن المعمودية التي كان اليهود يمارسونها التي هي الغسالات قبل الأكل.]
لقد تسرعا في الإجابة كما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم إذ ظنا أنهما ينالان كرامة الملكوت فورًا، لذلك أجابهما: "أما الكأس التي أشربها أنا فتشربانها، وبالصبغة التي أصطبغ بها أنا تصطبغان. وأما الجلوس عن يميني وعن يساري فليس لي أن أعطيه إلا للذين أُعِدَ لهم" [39-40]. وكأنه يقول لهما ستنعمان بالآلام معي والاستشهاد أيضًا، لكن أمر تمتعكما بأمجاد الملكوت فهو أمر إلهي يوهب لكما لا حسب فكركما المادي إنما حسب خطة الله الخلاصية.
في قوله "ليس لي أن أعطيه إلا للذين أعد لهم" يعلن دور الآب في يوم الرب العظيم، إذ هما يعملان معًا... يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [مع أنه هو الذي يدين، لكنه يظهر بهذه العبارة بنوته الأصلية.]
يقول الإنجيلي: "ولما سمع العشرة ابتدأوا يغتاظون من أجل يعقوب ويوحنا" [41]، فقد دفعتهم المشاعر البشرية إلى الحسد. هذا هو المرض الذي يوجهه عدو الخير بين الخدام؛ حب الرئاسات والكرامة الزمنية. لهذا "دعاهم يسوع، وقال لهم: أنتم تعلمون أن الذين يحسبون رؤساء الأمم يسودونهم، وأن عظماءهم يتسلطون عليهم. فلا يكون هكذا فيكم، بل من أراد أن يصير فيكم عظيمًا، يكون لكم خادمًا، ومن أراد أن يصير فيكم أولاً، يكون للجميع عبدًا، لأن ابن الإنسان أيضًا لم يأتِ ليُخدم بل ليخدم، ويبذل نفسه فدية عن كثيرين" [42-45].
v لنتبع المسيح ربنا، فإن من يقول أنه يؤمن به يلزم أن يسلك كما سلك ذاك (1 يو 2: 6). لقد جاء المسيح ليخدم لا ليُخدم. لم يأت ليأمر وإنما ليطيع؛ لم يأتِ لكي تُغسل قدماه بل لكي يغسل هو أقدام تلاميذه. جاء لكي يُضرب لا ليضرب، يحتمل ضعفات الآخرين ولا يصفع أحدًا، ليُصلب لا ليصلب... إذن لنتمثل بالمسيح، فمن يحتمل الضعفات يتمثل به، وأما من يضرب الآخرين فيمتثل بضد المسيح.
القديس جيروم
6. الحاجة إلى تفتيح الأعين
إذ كان السيد خارجًا إلى أريحا، منطلقًا إلى أورشليم ليدخل إلى الآلام ويحمل الصليب عنا التقى بأعميين، ذكر القديس مرقس احدهما بالاسم "بارتيماوس بن تيماوس". كان هذا الأعمى "جالسًا على الطريق يستعطى. فلما سمع أنه يسوع الناصري، ابتدأ يصرخ ويقول: يا يسوع ابن داود ارحمني. فانتهره كثيرون ليسكت، فصرخ أكثر كثيرًا: يا ابن داود ارحمني. فوقف يسوع وأمر أن يُنادي، فنادوا الأعمى قائلين له: ثق، قم، هوذا يناديك. فطرح رداءه وقام، وجاء إلى يسوع. فأجاب يسوع وقال له: ماذا تريد أن أفعل بك؟ فقال له الأعمى: يا سيدي أن أبصر. فقال له يسوع: اذهب، إيمانك قد شفاك. فللوقت أبصر، وتبع يسوع في الطريق" [46- 52].
لهذا العمل الإلهي أهميته الخاصة، فمن جهة أنه تم في الطريق حيث كان السيد مسرعًا نحو الصليب، وكأنه أراد أن يعلن غاية آلامه تفتيح عيني البشرية الداخليتين، أي بصيرتها القلبية، لتعاين أمجاد ملكوته القائم على صلبه وقيامته. ومن جانب آخر جاء هذا العمل يعلنه الإنجيلي بعد رفض الشاب الغني التبعية للمسيح وانشغال التلاميذ بالمراكز الأولى والتمتع بالكرامات الزمنية. وكأن طريقه الصعب يحتاج إلى عمله الإلهي ليهب النفس استنارة داخلية، فتتعرف على ملامح الطريق وتسلك فيه. وقد قدم لنا الإنجيلي تفاصيل تفتيح عيني هذا الأعمى لما حمله هذا العمل من مفاهيم روحية عميقة:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير الإنجيل بحسب مرقس   تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Emptyالأربعاء يوليو 02, 2008 5:23 pm

أولاً: تم تفتيح العينين عند أريحا على الطريق... ويرى القديس جيروم أن اسم المدينة ملائم للموقف، فإن معناه "قمر" أو "أناثيما"، أي "محروم"، حيث كان السيد منطلقًا إلى أورشليم ليحتمل الآلام والحرمان بالجسد لأجل خلاصنا.
كان الأعمى جالسًا على الطريق يستعطى. فإن كان طريق العالم سهلاً وطريق الرب صعبًا، لكن الأول يفقد النفس بصيرتها وحيويتها فيجعلها كمن في الطريق خاملة بلا عمل، تجلس في خيبة أمل تستعطي الآخرين.
ثانيًا: كانت صرخات الأعمى: "يا يسوع ابن داود" تعلن إيمانه به أنه المسيا المنتظر، الموعود به. إنه ابن داود الذي تترقبه الأجيال. يقول القديس كيرلس الكبير: [إذ تربى في اليهودية، وكان بحسب الميلاد من هذا الجنس لم تهرب من معرفته النبوات الواردة في الناموس والأنبياء بخصوص المسيح. لقد سمعهم يسبحون هذه العبارة من المزامير: "أقسم الرب لداود بالحق لا يرجع عنه، من ثمرة بطنك أجعل على كرسيك" (مز 132: 11). لقد عرف أيضًا أن الطوباوي إشعياء النبي قال: "ويخرج قضيب من جزع يسى وينبت (يزهر) غصن من أصوله" (إش 11: 1)، وأيضًا قال: "ها العذراء تحبل وتلد ابنًا، وتدعو اسمه عمانوئيل، الذي تفسيره الله معنا" (إش 7: 14؛ مت 1: 23). فإنه إذ آمن أن الكلمة بكونه الله تنازل بإرادته ليولد حسب الجسد من عذراء مقدسة، اقترب منه كما من الله، وقال له: "ارحمني يا ابن داود"... لقد شهد أيضًا لمجده بسؤاله عملاً لا يقوم به غير الله وحده.]
ثالثًا: كانت الجموع تحيط بالسيد وتزحمه جسديًا، وعندما أراد الأعمى أن يلتقي به إيمانيًا لم يجد من الجموع إلا المقاومة، إذ قيل: "فانتهره كثيرون ليسكت"، وأمام هذه المقاومة: "صرخ أكثر فأكثر"، من واعز إيمانه الذي لا يُغلب.
حتى في داخل الكنيسة حينما يود إنسان أن يلتقي بالسيد خلال الروح قد يجد مقاومة وروح النقد تثبط الهمم، لكن النفس التي تتمسك بالإيمان الحيّ تشعر باحتياجها للمخلص، فتزيدها المقاومة صلابة، ويزداد صراخها الداخلي أكثر فأكثر، فيكرمها السيد المسيح بدعوتها أن تقترب منه وتتمتع بحضرته كما بعمله الداخلي فيها. يقول القديس كيرلس الكبير: [لتفهموا من هذا يا أحبائي أن الإيمان يدخل بنا إلى حضرة المسيح، ويقدمنا إلى الله (الآب) فنُحسب مستحقين لكلماته.]
رابعًا: إذ أمر السيد أن يُنادي، تحولت القوى المقاومة إلى قوة عاملة، إذ نادوه قائلين: ثق، قم، هوذا يناديك.
إن كانت هذه الجموع تشير أيضًا إلى الجسد الذي كثيرًا ما يقاوم النفس حين تود الالتقاء مع مخلصها ببث روح الخمول والتراخي، لكن النفس المثابرة تستعطف المخلص فيحول الجسد إلى آلات برّ تعين النفس في لقائها مع الرب. لهذا يقول القديس يوحنا سابا: [يتنعم الجسد والنفس معًا في الرب بالمحبة والفرح.]
خامسًا: طرح الأعمى رداءه وقام وجاء إلى يسوع. إنه تدريب يومي تقوي، فيه يطرح المؤمن أعمال الإنسان القديم كرداء، ويتمتع بالقيامة مع السيد ليكون دومًا معه وفي حضرته.
سادسًا: سأله السيد: ماذا تريد أن أفعل بك؟ ليس من عدم معرفة، إنما ليعلن إيمانه أمام الجميع، وليؤكد أنه يعطي من يسألونه.
سابعًا: تمتع بالبصيرة فتبع يسوع في الطريق، وكما يقول القديس جيروم:[أنتم أيضًا تستردون بصيرتكم أن صرختم إليه وطرحتم رداءكم القذر عنكم عند دعوته لكم... دعوة يلمس جراحكم ويمر بيديه على أعينكم، فإن كنتم قد وُلدتم عميان من البطن، وإن كانت أمهاتكم قد حبلت بكم بالخطية فهو يغسلكم بالزوفا فتطهرون، يغسلكم فتصيرون أبيض من الثلج (مز 51: 5، 7).]
1 و قام من هناك و جاء الى تخوم اليهودية من عبر الاردن فاجتمع اليه جموع ايضا و كعادته كان ايضا يعلمهم
2 فتقدم الفريسيون و سالوه هل يحل للرجل ان يطلق امراته ليجربوه
3 فاجاب و قال لهم بماذا اوصاكم موسى
4 فقالوا موسى اذن ان يكتب كتاب طلاق فتطلق
5 فاجاب يسوع و قال لهم من اجل قساوة قلوبكم كتب لكم هذه الوصية
6 و لكن من بدء الخليقة ذكرا و انثى خلقهما الله
7 من اجل هذا يترك الرجل اباه و امه و يلتصق بامراته
8 و يكون الاثنان جسدا واحدا اذا ليسا بعد اثنين بل جسد واحد
9 فالذي جمعه الله لا يفرقه انسان
10 ثم في البيت ساله تلاميذه ايضا عن ذلك
11 فقال لهم من طلق امراته و تزوج باخرى يزني عليها
12 و ان طلقت امراة زوجها و تزوجت باخر تزني
13 و قدموا اليه اولادا لكي يلمسهم و اما التلاميذ فانتهروا الذين قدموهم
14 فلما راى يسوع ذلك اغتاظ و قال لهم دعوا الاولاد ياتون الي و لا تمنعوهم لان لمثل هؤلاء ملكوت الله
15 الحق اقول لكم من لا يقبل ملكوت الله مثل ولد فلن يدخله
16 فاحتضنهم و وضع يديه عليهم و باركهم
17 و فيما هو خارج الى الطريق ركض واحد و جثا له و ساله ايها المعلم الصالح ماذا اعمل لارث الحياة الابدية
18 فقال له يسوع لماذا تدعوني صالحا ليس احد صالحا الا واحد و هو الله
19 انت تعرف الوصايا لا تزن لا تقتل لا تسرق لا تشهد بالزور لا تسلب اكرم اباك و امك
20 فاجاب و قال له يا معلم هذه كلها حفظتها منذ حداثتي
21 فنظر اليه يسوع و احبه و قال له يعوزك شيء واحد اذهب بع كل ما لك و اعط الفقراء فيكون لك كنز في السماء و تعال اتبعني حاملا الصليب
22 فاغتم على القول و مضى حزينا لانه كان ذا اموال كثيرة
23 فنظر يسوع حوله و قال لتلاميذه ما اعسر دخول ذوي الاموال الى ملكوت الله
24 فتحير التلاميذ من كلامه فاجاب يسوع ايضا و قال لهم يا بني ما اعسر دخول المتكلين على الاموال الى ملكوت الله
25 مرور جمل من ثقب ابرة ايسر من ان يدخل غني الى ملكوت الله
26 فبهتوا الى الغاية قائلين بعضهم لبعض فمن يستطيع ان يخلص
27 فنظر اليهم يسوع و قال عند الناس غير مستطاع و لكن ليس عند الله لان كل شيء مستطاع عند الله
28 و ابتدا بطرس يقول له ها نحن قد تركنا كل شيء و تبعناك
29 فاجاب يسوع و قال الحق اقول لكم ليس احد ترك بيتا او اخوة او اخوات او ابا او اما او امراة او اولادا او حقولا لاجلي و لاجل الانجيل
30 الا و ياخذ مئة ضعف الان في هذا الزمان بيوتا و اخوة و اخوات و امهات و اولادا و حقولا مع اضطهادات و في الدهر الاتي الحياة الابدية
31 و لكن كثيرون اولون يكونون اخرين و الاخرون اولين
32 و كانوا في الطريق صاعدين الى اورشليم و يتقدمهم يسوع و كانوا يتحيرون و فيما هم يتبعون كانوا يخافون فاخذ الاثني عشر ايضا و ابتدا يقول لهم عما سيحدث له
33 ها نحن صاعدون الى اورشليم و ابن الانسان يسلم الى رؤساء الكهنة و الكتبة و يحكمون عليه بالموت و يسلمونه الى الامم
34 فيهزاون به و يجلدونه و يتفلون عليه و يقتلونه و في اليوم الثالث يقوم
35 و تقدم اليه يعقوب و يوحنا ابنا زبدي قائلين يا معلم نريد ان تفعل لنا كل ما طلبنا
36 فقال لهما ماذا تريدان ان افعل لكما
37 فقالا له اعطنا ان نجلس واحد عن يمينك و الاخر عن يسارك في مجدك
38 فقال لهما يسوع لستما تعلمان ما تطلبان اتستطيعان ان تشربا الكاس التي اشربها انا و ان تصطبغا بالصبغة التي اصطبغ بها انا
39 فقالا له نستطيع فقال لهما يسوع اما الكاس التي اشربها انا فتشربانها و بالصبغة التي اصطبغ بها انا تصطبغان
40 و اما الجلوس عن يميني و عن يساري فليس لي ان اعطيه الا للذين اعد لهم
41 و لما سمع العشرة ابتداوا يغتاظون من اجل يعقوب و يوحنا
42 فدعاهم يسوع و قال لهم انتم تعلمون ان الذين يحسبون رؤساء الامم يسودونهم و ان عظماءهم يتسلطون عليهم
43 فلا يكون هكذا فيكم بل من اراد ان يصير فيكم عظيما يكون لكم خادما
44 و من اراد ان يصير فيكم اولا يكون للجميع عبدا
45 لان ابن الانسان ايضا لم يات ليخدم بل ليخدم و ليبذل نفسه فدية عن كثيرين
46 و جاءوا الى اريحا و فيما هو خارج من اريحا مع تلاميذه و جمع غفير كان بارتيماوس الاعمى ابن تيماوس جالسا على الطريق يستعطي
47 فلما سمع انه يسوع الناصري ابتدا يصرخ و يقول يا يسوع ابن داود ارحمني
48 فانتهره كثيرون ليسكت فصرخ اكثر كثيرا يا ابن داود ارحمني
49 فوقف يسوع و امر ان ينادى فنادوا الاعمى قائلين له ثق قم هوذا يناديك
50 فطرح رداءه و قام و جاء الى يسوع
51 فاجاب يسوع و قال له ماذا تريد ان افعل بك فقال له الاعمى يا سيدي ان ابصر
52 فقال له يسوع اذهب ايمانك قد شفاك فللوقت ابصر و تبع يسوع في الطريق
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير الإنجيل بحسب مرقس   تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Emptyالأربعاء يوليو 02, 2008 5:24 pm

الباب الرابع
خدمته في أورشليم
ص 11 - ص 13
الأصحاح الحادي عشر
دخول أورشليم
اعتدنا في هذا السفر أن نرى السيد المسيح المنسحب في الغالب من الجماهير، المُبكم الأرواح الشريرة لكي لا تخبر عنه، السائل المتمتعين بأشفيته ألا ينطقوا بشيء، لكننا في هذا الأصحاح نجده لأول مرة يعطي اهتمامًا للإعداد لدخوله أورشليم على نفس المستوى لإعداد للفصح (14: 13-16). إنه يدخل في موكب عظيم ارتجت له المدينة كلها، ولم يكن هذا العمل بقصد طلب مجد عالمي أو نوال كرامة أو سلطة، إنما هو موكب روحي يمس حياتنا الداخلية وخلاصنا الأبدي.
1. موكب نصرته 1-10.
2. شجرة التين العقيمة 11-14.
3. غيرته على هيكله 15-19.
4. يبوسة شجرة التين 20-26.
5. سؤاله عن سرّ سلطانه 27-31.
1. موكب نصرته
في دراستنا للإنجيل بحسب متى تلامسنا مع السيد المسيح كملكٍ حقيقيٍ، جاء ليتربع على القلب خلال صليبه، فرأينا في دخوله أورشليم (مت 21) الموكب الملوكي الذي انطلق به السيد ليملك على خشبة الصليب، مقدمًا حياته عن شعبه. والآن في دراستنا لإنجيل مرقس الرسول ماذا نرى في هذا الموكب؟
كانت الأصحاحات السابقة أشبه بدعوة لقبول السيد المسيح العامل بالألم، صاحب السلطان، يأمر الشياطين فتخرج ويلمس المرضى فتهرب الأمراض، الكل يخضع ويطيع. أما الآن فإنه منطلق إلى أورشليم ليحقق ما سبق وأعلنه مرة ومرات أن ابن الإنسان ينبغي أن يتألم. إنه يدخل إلى معركة ضد عدو الخير لحساب البشرية، ليهبها فيه قوة الغلبة والنصرة ويدخل بها إلى أورشليمه العليا ومقدساته السماوية، إلى حضن أبيه. انطلق بموكبٍ عظيمٍ، ليس اشتياقًا إلى مجد زمني، وإنما للإعلان عن موكب النصرة العام للكنيسة الثابتة فيه. بمعنى آخر أن هذا الموكب إنما هو موكب الكنيسة الجامعة منذ آدم إلى آخر الدهور، ينطلق خلال الاتحاد بالرأس ليقبل الحياة المتألمة وشركة الصلب، فينعم بالنصرة في الرب والقيامة به وفيه.
"ولما قربوا من أورشليم إلى بيت فاجي وبيت عنيا عند جبل الزيتون
أرسل اثنين من تلاميذه" [1].
بدأ السيد نفسه يعد الموكب عندما اقتربوا من أورشليم إلى بيت فاجي وبيت عنيا، وكأن طريق آلامه وصلبه وبالتالي آلامنا وصلبنا معه ليس خطة بشرية ولا هو مجرد ثمرة لأحقاد الأشرار وتدابيرهم للمقاومة والقتل، إنما هو طريق يعد له الرب نفسه، ويسمح به لننال فيه قوة القيامة وبهجتها خلال الصليب. ما نلاقيه من آلام، وما نتعرض له من تجارب في حياتنا ليس محض صدفة أو قدر نسقط تحت نيره، إنما هو طريق يمهد له الرب لنسلك في موكب نصرته ونبلغ أورشليمه معه وفيه.
بقوله: "ولما قربوا من أورشليم" يعلن أن الطريق مهما بدا لنا ضيقًا وكربًا لكنه قصير للغاية، فإن أورشليم السماوية ليست ببعيدة عنا بل هي قريبة منا جدًا، أو نحن صرنا قريبين منها جدًا بدخولنا موكب آلام المسيح، لهذا كانت كلمات السيد المسيح الأولى في كرازته: "قد كمل الزمان، واقترب ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا بالإنجيل" (1: 15؛ مت 4: 17). وهذا ما أعلنه السابق له الذي أعد له الطريق، بقوله للشعب: "توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات" (مت 3: 2)، وهي ذات الكلمات التي وضعها السيد في أفواه تلاميذه حينما أرسلهم للكرازة (مت 10: 7).
لقد جاء السيد المسيح ليقود موكب الصليب بنفسه، به صرنا قريبين من أورشليمه الحقيقية، ملكوته السماوي، لندخل به فيها، قائلين مع الرسول: "ولكن شكرًا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين، ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان" (2 كو 2: 14).
أما بدء الموكب فهو قريتا "بيت فاجي وبيت عنيا"، لم يذكر قرية واحدة منها إنما يصر الإنجيلي على ذكر القريتين معًا، فإن رقم 2 كما يقول القديس أغسطينوس يشير إلى المحبة لله والناس، فبفلسين قدمت الأرملة كل حب قلبها في خزانة الرب، وبالدينارين أعلن السامري الصالح أعماق محبته للجريح. ونحن لا نقدر أن نبدأ موكب الصليب، ولن يكون لنا موضع في جسد السيد المسيح المتألم والممجد ما لم نبدأ بالقريتين، ونلتقي به في موكبه خلال الحب. الصليب ليس ظلمًا يسقط علينا، ولا تجربة تحل بنا، لكنه انفتاح القلب الداخلي بالحب لله والناس بلا تمييز ولا محاباة ليتسع للجميع فنحمل سمة المصلوب الذي قيل عنه: "ونحن أعداء قد صولحنا مع الله بموت ابنه" (رو 5: 10). بالحب الحقيقي حتى للمقاومين والأعداء البشريين واتساع القلب للبشرية كلها يضمنا الروح القدس إلى موكب الصليب، لنمارس شركة الحب الإلهي خلال الألم، وننعم بالغلبة الروحية حين نرى أنفسنا وقد اشتهينا أن نجلس في آخر صفوف الموكب، لنفرح بالنفوس المتقدمة في الرب والممجدة به، قائلين مع الرسول بولس: "فإني كنت أود لو أكون أنا نفسي محرومًا من المسيح لأجل إخوتي" (رو 9: 3). هذا الذي إذ يرى شعب الله وقد دخل الموكب السماء يحسب مجدهم مجدًا له، وفرحهم فرحه، فيقول لهم بصدقٍ: "يا سروري وإكليلي" (في 4: 1).
إن كانت "فاجي" تعني "الفك"، "وعنيا" تعني "العناء" أو الطاعة، فإننا ننطلق مع السيد في موكبه إن قبلنا الوصية الخاصة بالفك أو الخدّ الآخر، حين نحوله بالحب للضاربين (مت 5: 39)، وإن قبلنا بفرحٍ كل عناء وألم في طاعة كاملة لله، وكأن القريتين تشيران إلى حياة الحب العملي الممتزجة بالآلام.
أما قوله "عند جبل الزيتون" فكما يرى كثير من الدارسين أن ارتباط الموكب بجبل الزيتون يعلن عن طبيعة هذا الموكب أنه "موكب مسياني". ثلاثة أمور أعطت لدخول السيد أورشليم فهمًا مسيحانيًا: ارتباطه بجبل الزيتون، وإرساله لإحضار جحش، والإشارة إلى مملكة داود. هذه الأمور الثلاثة كشفت عن طبيعة الموكب أنه ليس موكب رجل حرب وإنما موكب المسيّا المخلص، موكب الرب نفسه، كما سبق فأنبأ زكريا النبي: "تقف قدماه في ذلك اليوم على جبل الزيتون الذي قدام أورشليم من الشرق، فينشق جبل الزيتون من وسطه ونحو الشرق ونحو الغرب واديًا عظيمًا جدًا... ويأتي الرب إلهي وجميع القديسين معك" (زك 14: 4-5). فجبل الزيتون هو جبل أو تل الزيت الذي للدهن، يعلن عن مجيء الممسوح الذي يغرسنا كأشجار زيتون خضراء في بيت الله (مز 52: 9)، يغرسها على جبله المقدس كفردوس حقيقي في جنة عدن الروحية نحو الشرق (تك 2: 8)، فيشرق علينا بنور صليبه. لهذا كانت توقعات اليهود أن مجيء المسيا مرتبط بجبل الزيتون كما أكد ذلك المؤرخ اليهودي يوسيفوس في أكثر من موضع.
لا ندهش مما حمله هذا الموكب من مواقف ومناظر رائعة وكثيرة، لكن الإنجيلي أعطى اهتمامًا خاصًا بإحضار الجحش الذي يركبه السيد، إذ يقول في شيء من التفصيل:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير الإنجيل بحسب مرقس   تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Emptyالأربعاء يوليو 02, 2008 5:27 pm

وقال لهما اذهبا إلى القرية التي أمامكم،
فللوقت وأنتما داخلان إليها تجدان جحشًا مربوطًا،
لم يجلس عليه أحد من الناس،
فحلاه وأتيا به.
وإن قال لكما أحد: لماذا تفعلان هذا؟
فقولا: الرب محتاج إليه،
فللوقت يرسله إلى هنا.
فمضيا ووجدا الجحش مربوطًا عند الباب خارجًا على الطريق فحلاّه" [2-4].

أرسل السيد بنفسه تلميذيه لإحضار الجحش الذي أعطاهما وصفًا لموضعه ولحالته، كما وضع في فمهما ما يقولان به لمن يسألهما عن تصرفهما. فقد حمل هذا كله مفاهيم روحية تمس موكب نصرتنا من جهة:أولاً: اهتمام الإنجيلي بإبراز دخول السيد المسيح راكبًا على جحش، يعلن أن موكب السيد هو موكب أصحاب العيون المفتوحة، فقد أعتاد الرومان أن يلتفوا حول القادة أصحاب السلطان الذين لهم المركبات الحربية العنيفة، بينما ترقب كثير من اليهود في القائد الجديد أن يأتي بموكبه من السماء، وكما قال الحاخام يوشيا بن لاوي (حوالي سنة 250م) إن كان إسرائيل مستحقًا فيأتي المسيا راكبًا سحاب السماء أم كان غير مستحق فيأتي في تواضع راكبًا أتانًا. أما الإنجيلي مرقس فيقدم لنا على خلاف النظريتين السابقتين، يقدم لنا المسيا راكبًا على جحش حتى يستطيع أصحاب العيون النقية وحدهم أن يدركوا حقيقة القادم إلى أورشليم، بكونه ذاك الذي تنبأ عنه زكريا النبي أنه يأتي راكبًا على أتان وجحش ابن أتان (زك 9: 9). هذا ما أوضحه القديس يوحنا الإنجيلي إذ علق على دخول السيد المسيح راكبًا على جحش بقوله: "وهذه الأمور لم يفهمها تلاميذه أولاً، ولكن لما تمجد يسوع حينئذ تذكروا أن هذه كانت مكتوبة عنه، وأنهم صنعوا هذه له" (يو 12: 16)، وكأنه حتى التلاميذ لم يدركوا حقيقة الموكب قبل انفتاح أعينهم بالروح القدس ليفهموا أسرار المسيا وتحقيق النبوات في شخصه.ثانيًا: يتحدث السيد المسيح عن الجحش الذي طلبه: تجدان جحشًا مربوطًا لم يجلس عليه أحد من الناس". فإن كان كثير من آباء الكنيسة قد رأوا في الأمم وقد دخلت إلى الحياة الحيوانية وغباوة الجحش بسبب انحرافاتهم ورجاساتهم المُرَّة، فقد قبل السيد هذه الأمم لتكون عرشًا له، وكأنها قد صارت له "سحاب السماء" الذي يأتي قادمًا عليه.
يصفه السيد المسيح أنه مربوط، فقد ظن الرومان أنهم أحرار أصحاب السلاطين في العالم، ولم يدركوا أنهم في حاجة إلى تلاميذ السيد المسيح يكرزون لهم بإنجيل الخلاص لكي يفكوا رباطاتهم الداخلية، ويصيروا عرشًا إلهيًا يحل الرب عليه. أما قوله "لم يجلس عليه أحد" فكما يقول العلامة أوريجينوس أن الأمم لم يسبق لهم عبادة الله الحيّ، ولا تسلموا شريعته، ولا عرفوا مواعيده كما تمتع اليهود، إنهم بلا خبرة روحية وكأنه لم يجلس عليهم أحد. ولعل تعبير "لم يجلس عليه أحد" يعلن عن طبيعة الموكب أنه ديني سماوي روحي إلهي، فالكهنة والعرافون إذ رأوا ما حلّ بالفلسطينيين بسبب تابوت العهد؛ قالوا: "أعطوا إله إسرائيل مجدًا لعله يخفف يده عنكم... فالآن خذوا واعملوا عجلة واحدة جديدة وبقرتين مرضعتين لم يعلهما نير، واربطوا البقرتين إلى العجلة... وخذوا تابوت الرب، واجعلوه على العجلة... وأطلقوه فيذهب" (1 صم 6: 7). هكذا عرف كهنة الأمم والعرافون أن الموكب الإلهي يتطلب عجلة جديدة وبقرتين لم يعلهما نير،الأمر الذي يعرفه داود النبي الذي طلب من منتخبي إسرائيل: "أركبوا تابوت الله على عجلة جديدة" (2 صم 6: 3). وعندما أراد إليشع النبي أن يطرح ملحًا في المياه الردية لإصلاحها كرمز للسيد المسيح الذي يصلح العالم احتاج إلى صحن جديد يضع فيه الملح (2 مل 2: 20). وهكذا النفس التي يسكنها الرب لتكون عروسًا له يلزم أن تكون عذراء (مت 25: 1) ليست لآخر غيره. ولهذا السبب وهب السيد المسيح كنيسته روحه القدوس الذي ينزع الإنسان القديم ويهب الإنسان الجديد الذي على صورة خالقه ليكون بالحق عرشًا جديدًا لله لم يجلس عليه أحد. حتى إن أخطأنا وفتحنا باب القلب لآخر، فإن عمل الروح القدس هو التجديد المستمر حتى يجد الرب القلب جديدًا على الدوام، ليس من يقتحمه ولا من يغتصبه، إنما يكون عرشًا يملك عليه وحده لا يجلس عليه آخر.ثالثًا: كتب القديس أثناسيوس الرسول ميمرًا خاصًا بإرسالية التلميذين لحلّ الجحش بكونها إرسالية رمزية لفك رباطات الأمم من الرجاسات الوثنية والدنس، إذ قال: [يا أحبائي، حلّ الجحش موهبة! إنها موهبة تعطي للعظماء، لا عظمة الجسد، بل عظمة الإيمان والمحبة والعقل والفضيلة، مثلما شُهد به عن موسى أنه صار عظيمًا في شعبه... فإنه من كان عظيمًا يقدر أن يحل الجحش!... ليتني أكون مثلهما أستطيع أن أفك قيود الحاضرين لأن كل واحد منا مقيد بقيود الخطية كما شهد الكتاب قائلاً إن كل أحد مربوط بجدائل خطاياه. لنبتهل إذن لكي يرسل الرب يسوع تلاميذه إلينا فيحلوننا من القيود المكبلين بها جميعًا، إذ بعضنا مقيد بحب الفضة وآخر بقيود الزنا، وآخر بالسكر، وآخر بالظلم.]
هكذا يرى القديس أثناسيوس في هذا العمل صورة رمزية للتمتع بالحل من الخطايا خلال السلطان الرسولي، وذلك حسب وصية السيد المسيح وبكلمته. الحلّ هو موهبة إلهية وعطية يقدمها الله نفسه خلال كهنته!رابعًا: "وجد الجحش مربوطًا عند الباب خارجًا على الطريق" [4]. لقد وجدناه خارجًا عند الباب على الطريق، وكأنه يمثل الابن الضال الذي اشتهى أن ينطلق من بيت أبيه، فخرج خارجًا وصار كمن هو على قارعة الطريق ليس من يضمه إليه ولا من يهتم به. على أي الأحوال جاء المسيا كمن خرج من سمواته وهو مالئ السماء والأرض، وانطلق إلى ذاك الذي عند الباب خارجًا على الطريق ليمسك به بالحب ويضمه إليه ويرده إلى البيت من جديد.
يرى القديس أثناسيوس الرسولي في هذا الأمر صورة رمزية للإنسان الأول، آدم، الذي طرد من الفردوس فصار كمن في قرية محاذية لأورشليم، يقف عند الطريق لا يقدر بذاته أن يرجع إلى جنة عدن، إذ يقول: [لقد أُرسلا ليحلا الجحش، لأن حضور مخلصنا ووده للبشر إنما هو استدعاؤنا ثانية من القرية المحاذية إلى أورشليم المدينة السمائية، لأنه حسب ظني أنه من أجل المعصية الصائرة من آدم أُخرج من الفردوس ونُقل إلى القرية المحاذية، لأن الله أخرج آدم وأسكنه بإزاء جنة النعيم.]

ويقول القديس أمبروسيوس: [وجداه مربوطًا عند الباب لأن من هو ليس في المسيح يكون خارجًا في الطريق، أما من كان في المسيح فلا يكون خارجًا.]خامسًا: طلب السيد المسيح من تلميذيه أن يقولا: "الرب محتاج إليه". يليق بصاحبه أن يقدمه للرب مادام الرب محتاج إليه، كما قدمت الأرملة فلسيها اللذين من أعوازها، لأن الرب يطلب من اعوازها لا من فضلاتها. إنه محتاج إلى قلوبنا، لنرد له حبه بالحب.
يرى القديس أثناسيوس الرسولي أنه لم يكن للجحش صاحب واحد بل أصحاب كثيرون، لعله يقصد بذلك الخطايا التي ملكت عليه، فصار عبدًا لها وفي قبضة يدها. لكن متى طلب الرب ماله لا تستطيع الخطايا ولا الشياطين إلا أن تستسلم، بل وتهرب!
نقتطف هنا بعض عبارات سجلها لنا القديس أثناسيوس في هذا الشأن:
[كان للجحش أصحاب كثيرون، لأن أصحاب الجحش قالوا للتلاميذ: لِمَ تحلوا الجحش؟
ولعلهم قالوا لهم: أما تبصرون يا قوم كيف هو مربوط وهو مسلم إلينا فلِمَ تأخذوه منا؟ إنه يساعدنا في عملنا، لِمَ تنزعوا أملنا...؟ أنكم تريدون أن تعدمونا هذا، وهذا إن انحل من القيود فنحن لا محالة نُقيد عوضًا عنه، وإن عتق هذا فنحن نُشجب بدله، لأن الشياطين كانوا خائفين لما أبصروا الجحش انحل، واضطربت القوى المضادة لما أتى ربنا يسوع المسيح وعلموا بقدومه. تفرقوا وفزعوا لما سمعوا الرب يقول لتلاميذه قد أعطيتكم سلطانًا تدسوا الحيات والعقارب وعلى كل قوة العدو. رهبوا لما سمعوا يقول انطلقوا وتلمذوا كل الأمم، وعمدهم بسم الآب والابن والروح القدس، وخشوا لئلا يكون هذا هو الذي ينير الظلمة، لأنهم سمعوا النبي قائلاً: الشعب الجالس في الظلمة أبصر نورًا عظيمًا.]
[خيرات عظيمة منحنا الرب إياها لأنه لم يحل قيودنا من الخطية فقط بل منحنا سلطانًا أن ندوس الحيات والعقارب وكل قوة العدو لأن الشرير وضابطي ظلمة هذا العالم أسرونا فقيدونا وربطونا بقيود لا تنحل ولم يكونوا يسمحون لنا أن نسلك الطرق الصالحة، كنا معهم مقيدين وهم أيضًا بحذائنا جلوس. قوم أشرار وسادة قساة لكن ربنا ومخلصنا يسوع المسيح أقبل ليعطي إطلاقًا للمأسورين والبصر للعميان.]
[قال أصحاب الجحش للتلاميذ: لِمَ تحلّون الجحش؟ فأجاب التلاميذ أن صاحبه محتاج إليه... انظر إلى إجابة التلاميذ الحكيمة فإن أصحاب الجحش الكذبة لما سمعوا أن صاحب الجحش الحقيقي في حاجة إليه ولوا ظهورهم ولم يجيبوا بل أسرعوا إلى رئيسهم الشرير ليخبروه بالأمور التي عرضت... هناك المؤامرة على الرب، لأن هناك التأمت القوى الرديئة، هناك محفل الأشرار كي يتم قول النبي: "قامت ملوك الأرض والرؤساء اجتمعوا معًا على الرب وعلى مسيحه" لأن الأبالسة قالوا لرئيسهم الشرير ماذا نصنع؟ الجحش قد حُل ومضى إلى صاحبه، ومن الآن ليس تحت طاعتك ولا تملكه. فكر إبليس ماذا يصنع بيسوع واجتمع الفريسيون والكهنة إلى دار قيافا، واشتركوا في الرأي على المسيح ليهلكوه... فإذ قد تحررنا من استعباد الشيطان فلنعرف المحسن إلينا ربنا يسوع المسيح له المجد إلى الأبد آمين.]

يقول القديس أمبروسيوس: [لم يكن له الصاحب الواحد بل كثيرون. لقد ربطه غرباء لكي يمتلكونه، لكن المسيح حله لكي يحتفظ به، إذ هو يعلم أن العطايا (الحلّ) أقوى من القيود.] ويقول الأب ثيؤفلاكتيوس: [الذين منعوهما هم الشياطين، وهم أضعف من التلاميذ.]سادسًا: من هما هذان التلميذان الذي أرسلهما السيد ليحلا البشرية إلا الكرازة بالخلاص خلال العهدين القديم والجديد، فقد وهب الرب شعبه كلمته لتدخل بنا إلى التمتع بالمصالحة، في العهد القديم خلال الرموز والظلال، وفي العهد الجديد خلال الحق.
لعل إرسال تلميذين يشيران إلى "الحب"، فنحن نعلم أن رقم 2 يشير إلى "الحب"، إذ لا يستطيع أحد أن يتمتع بالحل من خطاياه ما لم يكن إيمانه عاملاً بالمحبة! إن أحببنا الله والناس، إنما ننال غفران خطايانا، وننعم بالدخول إلى أحضان الله بالمحبة! لهذا يقول الكتاب: "ويل لمن هو وحده" (جا 4: 10)، فعند خروج الشعب من مصر قادة اثنان (موسى وهرون)، وأيضًا عندما أرسل يشوع ليتجسس أرض الموعد أرسل اثنين، وتابوت الرب كان يُحمل بعصوين، والرب نفسه كان يكلمهم خلال كاروبين، ونحن نسبح للرب بالذهن والروح، وفي إرسالية التلاميذ أرسلهم السيد المسيح اثنين اثنين.
إذ أحضر التلميذان الجحش يقول الإنجيلي: "ألقيا ثيابهما فجلس عليه، وكثيرون فرشوا ثيابهم في الطريق" [7-8]. وقد رأينا أن وضع الثياب تحته يشير إلى قبوله ملكًا عليهم كما حدث مع ياهو بن يهوشفاط (2 مل 9: 13). ولعل هذا التصرف أيضًا يشير إلى ما فعله الرسل مع الأمم، فقد ألقوا عليهم ثيابهم، أي تعاليمهم الرسولية والحياة الفاضلة في الرب وتفسير الكتب المقدسة لكي تستر حياتهم بعد عريّ هذا زمانه، فيصيرون عرشًا لله يجلس عليه ويملك. هذه الثياب لا تزال الكنيسة تلقيها على كل قلبٍ متعرٍ مرتعش بردًا لتحوله كرسيًا للسيد يستريح عليه! أما فرش الثياب في الطريق تحت قدميه فيشير إلى خضوع الجسد للرب بعد أن كان خاضعًا للشهوات الرجسة. كثيرون فرشوا ثيابهم في الطريق من أجل الرب، فالشهداء فرشوا أجسادهم خلال قبولهم سفك دمائهم من أجل الإيمان كطريق يسلك عليه الرب خلال البسطاء الذين قبلوا الإيمان، وأيضًا النساك الروحيون فرشوا أجسادهم بالنسك الروحي الإنجيلي، فصارت حياتهم طريقًا يسير الرب عليه عبر الأجيال، وهكذا الكارزون والعلمانيون حتى الأطفال يقدرون أن يلقوا بثيابهم تحت قدمي الرب في الطريق ليسير عليها.
يقول القديس أمبروسيوس: [فرش التلاميذ ثيابهم الخاصة تحت خطوات المسيح إشارة للإنارة في كرازتهم بالإنجيل، لأنه كثيرًا ما أشارت الملابس في الكتب الإلهية إلى الفضائل.]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير الإنجيل بحسب مرقس   تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Emptyالأربعاء يوليو 02, 2008 5:28 pm

يقول القديس أمبروسيوس: [فرش التلاميذ ثيابهم الخاصة تحت خطوات المسيح إشارة للإنارة في كرازتهم بالإنجيل، لأنه كثيرًا ما أشارت الملابس في الكتب الإلهية إلى الفضائل.]
يكمل الإنجيلي حديثه هكذا: وآخرون قطعوا أغصانًا من الشجر، وفرشوها في الطريق. والذين تقدموا والذين تبعوا كانوا يصرخون قائلين: أوصنا، مبارك الآتي باسم الرب" [8-9]. قلنا أن الذين تقدموا موكب السيد هم آباء العهد القديم وأنبياؤه، والذين تبعوه هم رجال العهد الجديد ورسله وتلاميذه، فالكل - رجال العهدين - التفوا حوله يطلبون خلاصه. الأولون ساروا معه خلال الرموز وكلمة النبوة، والآخرون يسيرون معه خلال الكرازة بالإنجيل، لكنه موكب واحد مركزه المسيح الواحد، الذي يحلّ في وسط كنيسته الممتدة منذ بدء الخليقة إلى نهاية الدهور.
ويرى الأب ثيؤفلاكتيوس أن هذا الموكب خاص بالسيد المسيح يتحقق داخل النفس المؤمنة بالأعمال الفاضلة في الرب، فلا يكفي أن نحتفل به بالأعمال السابقة التي سلكنا فيها من أجله، وإنما يتحقق الاحتفال أيضًا بدوام العمل الروحي كأعمال لاحقة لحساب مجد الرب.
على أي الأحوال فإن هذا الموكب يذكرنا بعيد المظال، حيث كانت الجماهير تخرج إلى الحقول كل يوم من أيام العيد لترجع إلى الهيكل في موكب عظيم تحمل أغصان الشجر، وكانت تجتمع حول المذبح لتلوح بها في هتافات جماعية مفرحة وتهليلات روحية طالبين من الرب خلاصه، قائلين: "أوصنا" أو "هوشعنا".
حقًا لم يكن يوم أحد الشعانين موافقًا عيد المظال اليهودي، لكن الشعب وهو لا يدري كان يرى في السيد المسيح تحقيقًا لكل نبواتهم، فيه يتحقق الفصح بكونه الذبيحة الفريدة التي تعبر بهم لا من عبودية فرعون، بل من أسر إبليس إلى حرية مجد أولاد الله، وفيه يتحقق عيد المظال، فيحملون سعف النخيل وأغصان الشجر، ويترنمون بليتوريجية العيد. ففي المسيح ننعم ببهجة عيد المظال حيث ندرك أننا نعيش كغرباء ونزلاء في جسد أشبه بمظلة من العشب تنتهي لننعم به جسدًا روحانيًا في يوم الرب. ونسكن في مسكن أبدي غير مصنوع بيد، كقول الرسول: "لأننا نعلم أنه إن نقض بيت خيمتنا الأرضي فلنا في السماوات بناء من الله بيت غير مصنوع بيد أبدي" (2 كو 5: 1).
كانت الجماهير تمسك بأغصان الشجر كما في عيد المظال، والتي كانت تسمى بالفعل "أوصنا" أو "هوشعنا" لارتباطها بصرخات الشعب، طالبين خلاص الله وعونه.
كان الكل يهتف للسيد المسيح بصرخات ليتورجية عيد المظال التي كانت تدوي حول المذبح. وكأن الجماهير وهي تعيد بعيد المظال الحقيقي ترى في المسيح المذبح والذبيحة، فتتهلل إذ جاء وقت خلاصها. ولعل المرتل قد رأى ذات المنظر حين ترنم بذات الصرخات الليتورجية حين قال: "هذا هو اليوم الذي صنعه الرب، نبتهج ونفرح فيه. آه يا رب خلصنا (أوصلنا)! آه يا رب أنقذ (أوصنا)! مبارك الآتي باسم الرب! باركناكم من بيت الرب! الرب هو الله، وقد أنار لنا. أوثقوا الذبيحة بربط إلى قرون المذبح" (مز 118: 24-26). لقد عيّد المرتل عيد المظال حين أنار الله عينيه فرأى الرب هو الله، وأدرك سرّ الذبيحة التي أُوثقت بربط إلى الصليب "قرون المذبح".
لكي يُظهر الإنجيلي أن الموكب خاص بالمسيا المنتظر قدم أحد علاماته الرئيسية وهو ارتباطه بداود النبي، إذ كانت أحد الجماهير تقول: "مباركة مملكة أبينا داود الآتية باسم الرب، أوصنا في الأعالي" [10]. إنه موكب المسيا الموعود به بكونه ابن داود، وهو موكب سماوي، إذ جاء من هو "في الأعالي". إنها مملكة الله نفسه! يقول الأب ثيؤفلاكتيوس: [دعوا مملكة المسيح مملكة داود، لأن المسيح جاء من نسل داود، كما أن داود يُشير إلى صاحب اليدّ القوية، إذ من يده قوية كيد الرب الصانعة عجائب هذا مقدارها!]
والعجيب أن السيد المسيح لم يهرب من الموكب، ولا منع الجموع من دعوته ملكًا، معلمًا إياهم أنه ملك، لكن ليس من هذا العالم ولا على مستوى أرضي، إنما هو ملك سماوي طريقه الصليب والموت. لقد جاءت هتافات الجماهير متناغمة مع كلمات رئيس الملائكة جبرائيل يوم الحبل بالسيد المسيح: "يعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لملكه نهاية" (لو 1: 32-33).
أما قطع سعف النخيل وأغصان الشجر واستخدامها في موكب السيد المسيح فشير إلى اقتطافنا كلمات الآباء الروحية وتعاليمهم الأصيلة من أفواههم بكونهم النخيل الروحي والأشجار السماوية المغروسة في فردوس الكنيسة الحية، نستخدمها في موكب السيد المسيح الداخل إلى أورشليم قلبنا الداخلي. يقول الأب ثيؤفلاكتيوس: [ليتنا نفرش أيضًا طريق حياتنا بالأغصان التي نقطفها من الأشجار، أي نتمثل بالقديسين الذين هم أشجار مقدسة. من يمتثل بهم في فضائلهم يكون كمن قطع أغصانًا لنفسه.]
2. شجرة التين العقيمة
أمران صنعهما السيد المسيح عند دخوله أورشليم، هما تطهير الهيكل ولعن شجرة التين، وهما في الحقيقة عملان متكاملان يحملان معنى واحد. ألا وهو هدم السيد المسيح للحرفية القاتلة التي تمس الإنسان القديم لإقامة هيكل جديد أساسه العمل الروحي العميق والمتجدد.
إذ تساءل كثير من الدارسين عن السبب الذي لأجله لعن السيد شجرة التين كرست الكنيسة قراءتها يوم اثنين البصخة (أسبوع الآلام) وليلة الثلاثاء حول "شجرة التين" هذه لتعلن عن المفاهيم اللاهوتية الروحية التي تمس هذه الشجرة.
شجرة التين في المفهوم الإنجيلي ترمز لإسرائيل (إر 8: 13؛ هو 9: 10؛ يوئيل 1: 7؛ حز 17: 24؛ مي 7: 1-6)... هذه الشجرة - إسرائيل - إذ رفضت مسيحها المخلص سقطت تحت لعنة الجحود، هذه اللعنة لم تحل بهم سريعًا، وإنما ثمرة جحود طويلة، بدأ منذ نشأتها حتى مجيء المخلص. هذا ولم يقف الله مكتوف الأيدي أمام ما حلّ بإسرائيل القديم، فقد أقام إسرائيل الجديد شجرة التين المثمرة.
أبرزت قراءات يوم الاثنين من البصخة المقدسة وليلة الثلاثاء الأمور التالية:
أولاً: بدأت القراءات بإعلان الله كخالق للعالم (تك1-2)، فإن كانت شجرة التين قد يبست، إنما هي شجرة من عمل يدّي الخالق الذي يحبها ويعتز بها، ولا يشتهي سوى خلاصها، أما سرّ يبوسها فهو إصرار على الجحود، حرمان نفسها بنفسها عن الله مصدر حياتها.
إن كانت قصة شجرة التين ترعب النفس، إذ تخشى السقوط تحت اللعنة، لكن الكنيسة ترفع قلبنا بالرجاء نحو المخلص، بكونه الخالق ومجدد طبيعتنا، لا ينتقم لنفسه ولا يحمل من نحونا إلا كل حب. إن أردنا الخلاص نجد الأذرع الأبدية القديرة تنتظرنا لتنشلنا وتجدد حياتنا.
ثانيًا: ربما نتساءل إن كان الله هو خالق الشجرة فلماذا يلعنها؟ وتأتي الإجابة في بدأ النبوات من نفس يوم الاثنين بإعلان أن الله قد فصل النور عن الظلمة (تك 1)، وكأن ما حّل بالشجرة من لعنة إنما هو ثمر طبيعي لعزل الخير عن الشر، لذلك جاءت القراءات تركز على روح التمييز أو الإفراز لنكون كخالقنا الصالح نميز الخير عن الشر. يقول إشعياء النبي: "ويل للقائلين للخير شرًا، وللشر خيرًا، الجاعلين الظلام نورًا، والنور ظلامًا، القائلين عن الحلو مرًا، وعن المرّ حلوًا" (إش 5: 20). كما حذرتنا القراءات من الخلط بين عبادة الله والعجل الذهبي، كما فعل بنو إسرائيل (خر 32).
الله المحب لا يطيق هلاك خليقته لذا يدعونا دائمًا للخلاص من السقوط تحت اللعنة برجوعنا إليه فيرجع هو إلينا (زك 1: 1)، هاربين من اللعنة التي جبلناها لأنفسنا بدخولنا في الله ملجأنا.
سرّ اللعنة أو اليبوسة هو فقدان الحكمة الحقيقة، لذا جاءت القراءات في ساعات يوم اثنين البصخة عن الشجرة اليابسة توجه أنظارنا إلى ضرورة اقتناء الحكمة (ابن سيراخ 1؛ إش 5؛ حك 1: 1-9؛ أم 1). "لا تدخل في نفس شريرة ولا تحل في جسم خاطيء" (حك 1)، فإن كانت إسرائيل قد تدنست نفسًا وجسدًا لا تجد الحكمة لها موضعًا فيه، فيفقد إسرائيل بركته وتحل به اليبوسة.
ثالثًا: إن كان السيد قد نطق بالحكم فصارت الشجرة تحت اللعنة بسب جحودها وشرها، فإن القراءات تؤكد حقيقة علاقة السيد بشعبه، فتدعوه "حبيب كرمه" (إش 5: 1) ، كما يقول الرب: "ضعوا في قلوبكم أني أحببتكم" (مل 1)، ويؤكد: "لأن إسرائيل صغير وأنا أحببته" (هو 10). في مرارة يقول: "كم مرة أردت أن أجمع بنيكِ، كما يجمع الطائر فراخه تحت جناحيه، فلم تريدوا" (لو 13).
إن كان الله لا يطيق الطلاق، لكن إسرائيل المحبوب لديه كعروس قد ألزمه أن يكتب له الطلاق (إش 50: 1-3).
هكذا لم تسقط الشجرة تحت اللعنة عن تسرع في الحكم، فإن مصدر الحكم هو خالقها وأب الكل، المشتاق أن يضم أولاده تحت جناحيه، والعريس السماوي الذي لا يطيق طلاق عروسه. لكن ما حدث هو من عمل الشجرة ذاتها، حكمت على نفسها بنفسها.
يمكننا أيضًا أن نضيف بأن هذا العمل فريد في حياة السيد المسيح، فلم نسمع قط أنه لعن شجرة أخرى أو سمح بتأديب قاسي على إنسان، لكننا نراه في الأناجيل كلها السيد المترفق والمتحنن، الذي يشعر بضعفات الخطاة ويسندهم حتى يقوموا، فإن جاءت هذه القصة الواحدة وتكررت في الأناجيل إنما لتؤكد أنه وهو السيد المترفق الذي جاء ليخلص لا ليدين، هو أيضًا الديان! إنه يود ألا يسقط أحد تحت اللعنة واليبوسة لذا لم يلعن سوى هذه الشجرة.
رابعًا: في صلاة الساعة التاسعة يوم اثنين البصخة يذكر سقوط الإنسان في الفردوس وطرده من هنا (تك 2-3)، وكأن الكنيسة تعلن أن الله قد غرس شجرة التين هذه "إسرائيل" كما في فردوس إلهي لتحيا مثمرة بالروح والحق، فإن كانت قد حرمت نفسها بنفسها من الثمر الروحي فلا يجوز بقاءها بعد فيه بل تُطرد وتسقط تحت اللعنة. وقد جاءت في عظة القديس الأنبا شنودة رئيس المتوحدين: [الرب لم يغرس في الفردوس الأشجار الصالحة وغير الصالحة، بل غرسه من الأشجار الصالحة فقط، ولم يغرس فيه أشجارًا غير مثمرة أو رديئة الثمر. وليس هذا فقط، بل والناس أنفسهم الذين جعلهم هناك عندما خالفوا لم يحتملهم بل أخرجهم منه، فمن هذا اعملوا أيها الإخوة الأحباء أنه لا يجب أن تُملأ مساكن الله المقدسة من الناس الأشرار والصالحين كما في العالم المملوء من الخطاة والظالمين والقديسين والأنجاس، ولكن الذين يخطئون لا يتركهم فيها، بل يخرجهم. أنا أعرف أن الأرض كلها هي للرب، فإن كان بيته كباقي الأرض، فما هي ميزته إذن على غيره؟ فإن كنت وأنا الكاهن أعمل الشر كما يعمله الأشرار على الأرض، فلا يحق لي أن أدعى كاهنًا.]
بعد أن قدمنا لقصة شجرة التين العقيمة حسبما قدمتها لنا الكنيسة في أسبوع الآلام نعود إلى نص الإنجيل مرقس:
"فدخل يسوع أورشليم والهيكل،
ولما نظر حوله إلى كل شيء،
إذ كان الوقت قد أمسى،
خرج إلى بيت عنيا مع الاثنى عشر" [11].
كان الموكب متجهًا إلى أورشليم، إلى الهيكل، فإنه يريد أن يقود شعبه إلى مقدساته السماوية خلال المذبح الذي بالهيكل، أي خلال الصليب. ولما كان الهيكل هو مقدسه "نظر حوله إلى كل شيء"... فهو الإله الغيور الذي لا يطيق في بيته فسادًا أو شرًا، بل عيناه تجولان وتفحصان كل شيء لتفرز المقدسات عن النجاسات وتطرد الأخيرة. ونظر حوله لعله يطلب من يستضيفه في أورشليم فلم يجد.
إذ جاء وقت المساء لم يجد الرب راحته في أورشليم كلها بالرغم من اتساعها وسكنى الكثيرين من رجال الدين فيها، لكنه وجد راحته مع تلاميذه في قرية صغيرة هي "بيت عنيا" أو بيت العناء أو بيت الطاعة. هذه هي البقية القليلة التي تحتمل العناء، وتقبل الصليب خلال الطاعة، فيجد الرب راحته مع تلاميذه في حياتهم.
"وفي الغد لما خرجوا من بيت عنيا جاع.
فنظر شجرة تين من بعيد عليها ورق،
وجاء لعله يجد فيها شيئًا،
فلما جاء إليها لم يجد شيئًا إلا ورقًا،
لأنه لم يكن وقت التين.
فأجاب يسوع وقال لها:
لا يأكل أحد منك ثمرًا بعد إلى الأبد" [12-14].
لقد جاع السيد المسيح، وكما يقول القديس أغسطينوس: [أي شيء يجوع إليه المسيح أو يعطش سوى أعمالنا الصالحة؟] لقد جاع عبر الأجيال مشتهيًا أن يجد ثمرًا مفرحًا للسماء، لكن شجرة التين، أي الأمة الإسرائيلية التي قدم لها كل الإمكانيات للإثمار أنتجت ورقًا ظاهرًا دون ثمر.
يتساءل البعض: لماذا طلب السيد المسيح ثمرًا في غير أوانه، وإذ لم يجد لعن الشجرة؟
يجيب البعض أن فلسطين قد عُرفت بنوعين من شجرة التين، فإنه وإن كان الوقت ليس وقت تين بوجه عام، لكن وجود الورق على الشجرة يعني أنها من النوع الذي ينتج ثمرًا مبكرًا، وأنه مادام يوجد ورق كان يجب أن تحمل الثمر. ولعل في هذا الأمر أيضًا إشارة إلى حالة العالم في ذلك الحين، فإنه لم يكن وقت تين، إذ كان العالم حتى ذلك الحين لا يحمل ثمرًا روحيًا حقيقيًا، لأنه لم يكن قد تمجد السيد بصليبه، ليقدم ثمر طاعته للآب. وكان يليق بالأمة اليهودية وقد سبقت العالم الوثني في معرفة الله واستلام الشريعة والنبوات أن تقدم ثمرًا، فأخرجت أوراقًا بلا ثمر، لذا استحقت أن تجف لتحل محلها شجرة تين العهد الجديد المثمرة.
يقول القديس كيرلس الأورشليمي أن السيد المسيح يعرف تمامًا أنه ليس وقت للتين، لكنه جاء لا ليلعن الشجرة في ذاتها، إنما لينزع اللعنة التي حلت بنا بلعنه للأوراق التي بلا ثمر.
ويجيب القديس يوحنا الذهبي على التساؤل: كيف يأمر السيد بيبوسة شجرة التين ولم يكن وقت للتين؟ قائلاً أنه لأمر تافه أن نهتم بلعن شجرة ولا نتأمل ما قصده الرب بهذا العمل المعجزي لنمجده!
3. غيرته على هيكله
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير الإنجيل بحسب مرقس   تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Emptyالأربعاء يوليو 02, 2008 5:28 pm

3. غيرته على هيكله
إذ دخل السيد أورشليم اتجه إلى هيكله لنراه يمسك سوطًا (يو 2: 16) ليطهره من البائعين والمشترين من الصيارفة وباعة الحمام. اعتدنا في الأصحاحات السابقة أن نرى السيد المسيح في وداعته ورقته وحنانه يترفق بالجميع ويحتضن الأطفال. أما الآن فنراه حازمًا كل الحزم مع مفسدي هيكله، إنه يحقق ما قد صنعه رمزيًا بشجرة التين، بطرده الأشرار من الهيكل.
نستطيع أن نتفهم موقف السيد إن تأملنا القراءات الكنسية الخاصة بالساعتين اللتين تليان أحد الشعانين (التاسعة والحادية عشر) وأيضًا الساعات الخاصة بليلة الاثنين من البصخة المقدسة، فإنها وإن كانت تدور حول "تطهير السيد للهكيل" تكشف ماذا يعني ذلك الأمر، هذه التي يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
أولاً : إن كان السيد قد دخل أورشليم راكبًا على جحش لم يجلس عليه أحد من الناس [2]، إنما يريد أن يقيم كل شيء جديدًا. أراد أن يحطم أعمال الإنسان القديم تمامًا ليقيم فينا هيكله الجديد، الإنسان الجديد الذي يتجدد حسب صورة خالقه (كو 3: 10). فبينما كان اليهود وخاصة قياداتهم المختلفة قد انشغلت بمظاهر العبادة الخارجية، فامتلأ الهيكل من الصيارفة وباعة الحمام، كانت عين الرب تتجه إلى إقامة هيكله جديدًا في النفوس خلال ذبيحته الفائقة، فنسمع صفنيا النبي يقول: "لأن الرب قد أعد ذبيحته وقدس مدعويه... انتقم من جميع الذين يتظاهرون على الأبواب الخارجية الذين يملأون بيت الرب إلههم ظلمًا وخبثًا" (صف 1). وكأن الله لا يبالي بكثرة العدد الذين يتجمهرون عند الأبواب الخارجية بشكليات العبادة وتقديم تقدمات بلا روح، لكنه يود أن يسحب الكل إلى ذبيحته، ويعلن تقديس مدعويه بدمه الطاهر!
ويرى القديس كيرلس الكبير أن اليهود وقد انشغلوا بالطقس الموسوي في عبادتهم في الهيكل لم يمارسوه بالروح بل بالحرف الجامد، فجاء الرب يهدم الحرف ليقيم الروح الجديد.
ثانيًا: أن كان طرد باعة الحمام وقلب موائد الصيارفة قد سبب حزنًا ومرارة في قلوب الكثيرين، إنما يحول الله هذا المرارة إلى عذوبة، والحزن إلى تهليل، وذلك بإقامة الإنسان الجديد المقدس بالدم عوض الإنسان القديم الذي تحطم، لذا جاء في نبوة الساعة الأولى "صوت صارخ من باب المذبوحين وتهليل في الباب الثاني" (صف 1). أما سرّ تحويل الحزن إلى تهليل فهو حبة الحنطة التي تموت بدفنها لتقوم حاملة ثمارًا جديدة بفيضٍ (يو 12).
ثالثًا: إن كان السيد قد صنع سوطًا ظاهرًا لتطهير الهيكل، ففي الحقيقة أرسل روحه القدوس الناري الذي يحرق أعمال الإنسان القديمة، ويهب في المعمودية الإنسان الجديد، ويبقى عاملاً على الدوام ليحطم فينا إنساننا الترابي الأرضي يقيمنا سمائيين، لذا جاء في نبوات الساعة الثالثة قول صفنيا النبي: "بنار غيرته تفنى الأرض كلها" (صف 1). إنه في غيرته يرسل روحه الناري، فيفنى فينا ما هو أرضي، ليقيم فينا ما هو ساوي.
رابعًا: كان يعمل في الهيكل بسلطانٍ، فلم يستطع أحد أن يقاومه إذ يقوم بتطهير الهيكل. وقد جاءت نبوة الساعة التاسعة تكشف عن سرّ طرد الأشرار من هيكله، ألا وهو شرهم نفسه وفسادهم، إذ قيل بميخا النبي: "قم انطلق لأنه ليست هذه هي راحتك، لقد هلكتم هلاكًا من أجل النجاسة وهربتم وليس من يطردكم" (مي 2: 3-10) إن كان السيد قد طردهم لكن في الحقيقة دخوله إلى هيكله أفسد على الأشرار بهجتهم الزمنية، فلم يعد الهيكل موضع راحة، صاروا هاربين وليس من يطردهم إلا شرهم الذي فعلوه وإصرارهم على عدم التوبة.
خامسًا: من هم باعة الحمام إلا رجال الدين الذين يبيعون مواهب الروح القدس (ورمزه الحمامة) بالمال، حيث تستخدم السيمونية في السيامات (أي نوال الدرجات الكهنوتية مقابل المال)، أو تستغل خدمة الله الروحية للمكسب المادي أو الأدبي.
باعة الحمام أيضًا هم الذين يبيعون ما نالوه في مياه المعمودية - عمل الروح القدس - بسبب شهوات الجسد وارتكاب الخطايا، فيفقدون الطهارة ويستحقون الطرد من الهيكل. أما الصيارفة فهم الذين يبيعون كلمة الله بمالٍ، أي يستخدمون الكرازة بالحق لنفع زمني.
يعلق القديس أمبروسيوس على طرد الباعة من الهيكل، قائلاً: [الله لا يريد أن يكون هيكله موضعًا لتلاقي الباعة بل مسكنًا للقداسة، معلمًا ألا تُعطى وظيفة الكهنوت بمال بل توهب مجانًا. تأمل تخطيط الرب لهذا الأمر: ابتدأ يُخرج الذين كانوا يبيعون ويشترون والصيارفة الذين كانوا يطلبون الغنى دون تمييز بين الخير والشر. مال الرب هو الكتب الإلهية، لأنه عندما سافر وزع الوزنات على العبيد (سلمهم كلمته) (مت 25: 14؛ لو 19: 13)، ولعلاج الجريح قُدم ديناران لصاحب الفندق (لو 10: 35)، لأنه بالعهدين تُشفى جراحاتنا (فطرد الصيارفة الأشرار إنما يشير إلى طرد القيادات الدينية التي تقتني الكتب المقدسة لتتاجر فيها لحسابهم الخاص)... ينذرنا أيضًا بطرد باعة الحمام، إذ لا يجوز لمن نالوا نعمة الروح القدس أن يتاجروا فيها، فقد قال: "مجانًا أخذتم مجانًا أعطوا" (مت 10: 8). لما ظن سيمون أنه يستطيع ان يشتري موهبة التقديس بفضه أجابه بطرس: "لتكن فضتك معك للهلاك لأنك ظننت أن تقتني موهبة الله بدراهم" (أع 8: 20).]
4. يبوسة شجرة التين
في الصباح تطلع التلاميذ إلى شجرة التين فوجدوها يابسة، وفي دهشة قال بطرس: "يا سيدي انظر! التينة التي لعنتها قد يبست. فأجاب يسوع، وقال لهم: ليكن لكم إيمان بالله. لأني الحق أقول لكم أن من قال لهذا الجبل انتقل وانطرح في البحر ولا يشك في قلبه بل يؤمن أن ما يقوله يكون، فمهما قال يكون له" [21-23].
يرى الدارسون أن الجبل المتحرك يشير إلى كل ما هو صعب، هذا وكان الحاخامات اليهود يحسبون من يفسر نصًا كتابيًا صعبًا محركًا الجبل.
ما هو هذا الجبل الذي بالإيمان ينتقل وينطرح في البحر إلا شخص ربنا يسوع المسيح، الجبل غير المقطوع بيدين، الذي يملأ الأرض كلها (دا 3: 35، 45). فبالإيمان ينتقل إلى النفس، كما إلى البحر ويقيم فيها. ولعل هذا الانتقال يشير إلى انتقاله من الأمة اليهودية إلى بحر الشعوب الأممية ليقيم في وسطها، ويجعل منها كنيسة له مقدسة.
يحدثنا القديس كيرلس الأورشليمي عن فاعلية الإيمان بقوله: [الإيمان يصنع معجزات داخل النفس في لحظات سريعة. هذه الذي تستنير به وتتمتع برؤية الله، وقدر الإمكان تتطلع إليه وتبلغ أطراف المسكونة. إنها تنظر الدينونة ونوال المكافأة الموعود بها قبل أن ينتهي هذا العالم.]
إن كانت الصلاة النابعة عن قلب مؤمن تنقل الجبل الإلهي إليه ليعطي بحره الداخلي هدوءً وسلامًا، فلكي تكون الصلاة فعّاله ومستجابة يقول السيد: "ومتى وقفتم تصلون فاغفروا إن كان لكم على أحد شيء لكي يغفر لكم أيضًا أبوكم الذي في السماوات زلاتكم" [25]. بمعنى آخر إن كان يلزم لاستجابة الصلاة أن تنبع عن قلب مؤمن إيمانًا عمليًا، فعلامة هذا الإيمان العملي هو الغفران للآخرين فيما هو عليهم، فننال غفران أبينا لنا، وتتنقى قلوبنا... لقد أراد الرب أن تكون الاستجابة في أيدينا فإن سمعنا للآخرين يسمع الله لنا، وما نحكم به عليهم يُحكم علينا، وكما يقول القديس كبريانوس: [لم يعد هناك أي أساس للعذر... عندما تُدان بذات حكمك، فتنال ما تفعله أنت.]
لكي ننعم بنوال طلبتنا يلزم أن يرتبط إيماننا بالحياة المقدسة في الرب، وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [كيف أؤمن أنني أنال طلبتي؟ بعدم سؤالي شيئًا يضاد ما هو مستعد أن يهبه، أو سؤال شيء غير لائق بالملك العظيم، أو شيء زمني، بل أطلب البركات الروحية كلها، وأيضًا إن كنت اقترب إليه بدون غضبٍ وبأيدٍ طاهرة، أيدٍ مقدسة، أيدٍ تُستخدم في العطاء المقدس، اقترب إليه هكذا فتنال طلبتك دون شك.]
5. سؤاله عن سرّ سلطانه
اضطرب رؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ إذ رأوه بمفرده استطاع أن يطهر من كل الصيارفة وباعة الحمام والمفسدين، عاملاً بسلطان ومهابة، فجاءوا إليه يسألونه: "بأي سلطان تفعل هذا؟ ومن أعطاك هذا السلطان حتى تفعل هذا؟" [28]. بمعنى آخر من أقامك معلمًا أو من سامك رئيس كهنة؟ وضعوا هذا السؤال ليصطادوه بكلمة، فإن قال أنه سلطانه الذاتي يمسكوه كمجدفٍ، وإن قال أنه من آخر يتشكك الناس فيه، إذ رأوه يعمل أعمالاً إلهية! لذلك أجابهم السيد المسيح على سؤالهم بسؤال بخصوص معمودية يوحنا، هل من السماء أم من البشر، وإذ وجدوا أنفسهم قد سقطوا كما في فخ لم يجيبوا بما في قلوبهم.
يقول القديس كيرلس الكبير: [اقتربوا إليه بشرٍ يسألونه: "من أعطاك هذا السلطان؟. ماذا يعني هذا؟ يقولون: أنك تعلم في الهيكل وأنت من سبط يهوذا لا تُحسب بين الخدام كالكهنة الذين يخدمون الهيكل، فماذا تعلم بما هو كريه لوصايا موسى ولا تتفق مع الشريعة التي أُعطيت لنا قديمًا؟ لنقل للناطقين بهذا: هل هذا العمل لدغ ذهنكم، وأثار فيكم الحسد البغيض؟ اخبروني: أتتهمون معطي الناموس أنه مفسد؟... أخبروني أيخضع الله لناموسه؟ هل وضع وصاياه التي نطق بها خلال أنبيائه القديسين لأجلنا أم لأجل نفسه؟... لقد قال الله بوضوح (خلال أنبيائه) أن شرائع موسى (الطقسية) تنتهي وتقوم شريعة جديدة يقدمها المسيح: "ها أيام تأتي يقول الرب وأقطع مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهدًا جديدًا، ليس كالعهد الذي قطعته مع آبائهم يوم أمسكتهم بيدهم لأخرجهم من أرض مصر حين نقضوا عهدي فرفضتهم يقول الرب" (إر 31: 31-32). لقد وعد بعهد جديد، وكما قال الحكيم بولس: "فإذ قال جديدًا عتق الأول، وأما ما عتق وشاخ فهو قريب من الاضمحلال" (عب 8: 13). فإذ شاخ القديم كان بالضرورة أن يحتل الجديد موضعه، وقد تحقق هذا لا بواسطة أحد الأنبياء القديسين بل بالحري بواسطة رب الأنبياء.]
يرى أيضًا القديس كيرلس الكبير أن السيد المسيح قدم لهم سؤالاً بخصوص معمودية يوحنا، إذ اعتاد اليهود أن يتهموا الأنبياء الحقيقيين أنهم كذبة. فإذ ارتبك الفريسيون وخافوا من اتهام يوحنا أنه نبي كاذب توقفوا عن الإجابة، فأعلنوا أنهم لا يطلبون الحق، ولا يستحقون أن يتعرفوا عليه، لهذا لم يجيبهم السيد على سؤالهم أيضًا. ويقدم لنا القديس أغسطينوس تعليلاً لعدم إجابة السيد سؤالهم بقوله: [أغلقوا الباب على أنفسهم بادعائهم الجهل لما يعرفون، لهذا لم يفتح لهم لأنهم لم يقرعوا، إذ قيل "اقرعوا يفتح لكم" (مت 7: 7). أما هم فليس فقط لم يقرعوا، إنما أنكروا ما يعرفونه، فأحكموا غلق الباب في وجوههم.]
1 و لما قربوا من اورشليم الى بيت فاجي و بيت عنيا عند جبل الزيتون ارسل اثنين من تلاميذه
2 و قال لهما اذهبا الى القرية التي امامكما فللوقت و انتما داخلان اليها تجدان جحشا مربوطا لم يجلس عليه احد من الناس فحلاه و اتيا به
3 و ان قال لكما احد لماذا تفعلان هذا فقولا الرب محتاج اليه فللوقت يرسله الى هنا
4 فمضيا و وجدا الجحش مربوطا عند الباب خارجا على الطريق فحلاه
5 فقال لهما قوم من القيام هناك ماذا تفعلان تحلان الجحش
6 فقالا لهم كما اوصى يسوع فتركوهما
7 فاتيا بالجحش الى يسوع و القيا عليه ثيابهما فجلس عليه
8 و كثيرون فرشوا ثيابهم في الطريق و اخرون قطعوا اغصانا من الشجر و فرشوها في الطريق
9 و الذين تقدموا و الذين تبعوا كانوا يصرخون قائلين اوصنا مبارك الاتي باسم الرب
10 مباركة مملكة ابينا داود الاتية باسم الرب اوصنا في الاعالي
11 فدخل يسوع اورشليم و الهيكل و لما نظر حوله الى كل شيء اذ كان الوقت قد امسى خرج الى بيت عنيا مع الاثني عشر
12 و في الغد لما خرجوا من بيت عنيا جاع
13 فنظر شجرة تين من بعيد عليها ورق و جاء لعله يجد فيها شيئا فلما جاء اليها لم يجد شيئا الا ورقا لانه لم يكن وقت التين
14 فاجاب يسوع و قال لها لا ياكل احد منك ثمرا بعد الى الابد و كان تلاميذه يسمعون
15 و جاءوا الى اورشليم و لما دخل يسوع الهيكل ابتدا يخرج الذين كانوا يبيعون و يشترون في الهيكل و قلب موائد الصيارفة و كراسي باعة الحمام
16 و لم يدع احدا يجتاز الهيكل بمتاع
17 و كان يعلم قائلا لهم اليس مكتوبا بيتي بيت صلاة يدعى لجميع الامم و انتم جعلتموه مغارة لصوص
18 و سمع الكتبة و رؤساء الكهنة فطلبوا كيف يهلكونه لانهم خافوه اذ بهت الجمع كله من تعليمه
19 و لما صار المساء خرج الى خارج المدينة
20 و في الصباح اذ كانوا مجتازين راوا التينة قد يبست من الاصول
21 فتذكر بطرس و قال له يا سيدي انظر التينة التي لعنتها قد يبست
22 فاجاب يسوع و قال لهم ليكن لكم ايمان بالله
23 لاني الحق اقول لكم ان من قال لهذا الجبل انتقل و انطرح في البحر و لا يشك في قلبه بل يؤمن ان ما يقوله يكون فمهما قال يكون له
24 لذلك اقول لكم كل ما تطلبونه حينما تصلون فامنوا ان تنالوه فيكون لكم
25 و متى وقفتم تصلون فاغفروا ان كان لكم على احد شيء لكي يغفر لكم ايضا ابوكم الذي في السماوات زلاتكم
26 و ان لم تغفروا انتم لا يغفر ابوكم الذي في السماوات ايضا زلاتكم
27 و جاءوا ايضا الى اورشليم و فيما هو يمشي في الهيكل اقبل اليه رؤساء الكهنة و الكتبة و الشيوخ
28 و قالوا له باي سلطان تفعل هذا و من اعطاك هذا السلطان حتى تفعل هذا
29 فاجاب يسوع و قال لهم و انا ايضا اسالكم كلمة واحدة اجيبوني فاقول لكم باي سلطان افعل هذا
30 معمودية يوحنا من السماء كانت ام من الناس اجيبوني
31 ففكروا في انفسهم قائلين ان قلنا من السماء يقول فلماذا لم تؤمنوا به
32 و ان قلنا من الناس فخافوا الشعب لان يوحنا كان عند الجميع انه بالحقيقة نبي
33 فاجابوا و قالوا ليسوع لا نعلم فاجاب يسوع و قال لهم و لا انا اقول لكم باي سلطان افعل هذا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير الإنجيل بحسب مرقس   تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Emptyالأربعاء يوليو 02, 2008 5:31 pm

الأصحاح الثاني عشر
مقاومته في أورشليم
دخل السيد المسيح إلى أورشليم ليحمل الصليب من أجلنا، فتجمعت القيادات الشريرة وتكاتفت ضده، إذ في صراحته كشف لهم عن فساد رعايتهم وحبهم للسلطة، مفحمًا إياهم. لكنه وسط هذا الجو الصعب وُجدت أرملة مجهولة فتحت قلبها البسيط بالحب لله، فقدمت أعظم من الجميع، فلسين هما كل أعوازها.
1. الكرامون المغتصبون 1-12.
2. سؤال بخصوص الجزية 13-17
3. الصدوقيون والقيامة 18-27.
4. الكتبة والوصية 28-40.
5. الأرملة المحبة والفلسان 41-44.
1. الكرامون المغتصبون
إذ سّد السيد المسيح أفواه مجربيه بسؤالهم عن معمودية يوحنا أراد أن يظهر شرهم ومقاومتهم له وما تحمله من نتائج بتقديمه مثل الكرامين المغتصبين، ويُلاحظ في هذا المثل الذي سبق لنا الحديث عنه في تفسير مت 21: 33 الآتي:
أولاً: لعل أول ما يلفت أنظارنا في المثل أنه يشَّبه الله الآب بإنسان غارس كرم، إذ يقول: "إنسان غرس كرمًا، وأحاطه بسياج، وحفر حوض معصرة، وبنى برجًا حصينًا، وسلمه إلى كرامين وسافر" [1]. محبة الله للإنسان فائقة، فهو خليقته الأرضية الفائقة والمدلّلة، وهبها صورته مثاله وحتى بعد معاندتها بحث عنها وجرى وراءها، وقدم لها كل إمكانية للعودة إلى أحضانه، مقدمًا ابنه فدية عنها، والآن يشبّه الله الآب بالإنسان، الأمر الذي فيه تُعلن عن نظرته المكرمة للإنسان.
ثانيًا: أبرز المثل تقديس الله الإنسانية، فإذ يشَّبه نفسه بالإنسان الذي غرس كرمًا يقول، "سلمه إلى كرامين وسافر" [1]. لا بمعنى ترك المكان، إذ هوحاضر في كل موضع، ولا تُنزع رعايته عن كرمه إذ هو مهتم بكل صغيرة وكبيرة، إنما "سافر" بمعنى ترك الكرامين يعملون بكمال حريتهم، أعطاهم المسئولية كاملة علامة حبه للنضوج مع تقديره للحرية الإنسانية، فقد أقام كرامين ليعملوا كرجال ناضجين مسئولين أمامه.
ثالثًا: في هذا المثل أعلن السيد المسيح لمقاوميه أنه ليس فقط يعرف ما بداخلهم من روح مقاومة للحق، وإنما يعرف مقدمًا ما سيحل به منهم بكونه الوارث الذي لا يطيقه الكرامون الأردياء. فهو لا يخاف اضطهادهم له، بل جاء لكي يكمل كأسهم الشرير، وينزع عنهم الكرم ليُسلم إلى آخرين [9]. لقد دعا نفسه بالحجر المرفوض من البنائين، لكن هذا الرفض لا يقلل من شأنه، إذ صار رأس الزاوية [10].
يرى القديس أغسطينوس في هذا المثل أنه إذ ثار الأشرار على الابن الوارث، وأرادوا قتله لم يقاوم، بل قال: "أنا اضطجعت" (مز 3: 5). نام مسلمًا جسده في أيدي مضطهديه ليسمروه على الصليب، ويطعنوه بالحربة في جنبه لكي تقوم الكنيسة فيه كما قامت حواء من جنب آدم عندما كان في سُبات.
رابعًا: قدم لنا كثير من الآباء تفسيرًا تفصيليًا لهذا المثل، وقد سبق لي ترجمة تفسير القديس كيرلس الكبير له في دراستنا لإنجيل متى مع بعض آباء آخرين. لذا أكتفي هنا بعرض آراء آباء آخرين. ففي نص منسوب للقديس جيروم [الكرمة هي بيت إسرائيل، والسور هو حراسة الملائكة، والبرج هو الهيكل، والكرامون هم الكهنة]، بينما يرى الآب ثيؤفلاكتيوس أن [السور هو الشريعة التي منعت امتزاجهم بالغرباء.]
ويقدم لنا القديس أمبروسيوس التعليق التالي:
[يذكر إشعياء بوضوح أن كرم رب الجنود هو بيت إسرائيل (إش 5: 7)، موجد هذا الكرم هو الله الذي سلمه وسافر بعيدًا، لا بمعنى أن الرب سافر إلى مكان آخر، إذ هو دائمًا حاّل في كل مكان، لكنه يظهر وجوده واضحًا جدًا في الذين يحبون، ويظل بعيدًا عن الذين يتركونه.
يذكر إنجيل متى أنه أحاطه بسياج (مت 21: 33؛ مر 12: 1)، أي قوّاه بسياج العناية الإلهية ليحفظه من هجوم الوحش الروحي.
حفر معصرة، لأن أسرار آلام المسيح تبدو كالخمر الجديدة... وقد ظن الجمع أن التلاميذ سكارى حين نالوا الروح القدس (أع 2: 13). حفر حوض معصرة لكي يُسكب فيه الثمر الداخلي.
بنى برجًا، إذ وهبهم الناموس.
في زمن الإثمار أرسل عبيده؛ حسنًا فعل إذ أرسلهم في زمن الإثمار لا زمن الحصاد، لأن اليهود لم يقدموا أي ثمر... ولم تمتلئ معاصر اليهود من الخمر، بل سُفك دم نابوت في هذه الكرمة (1 مل 21: 13)، وتنبأ دمه أنه سيكون لهذه الكرمة شهداء كثيرون... أرسل الله كثيرين، فردهم اليهود بلا كرامة ولا منفعة، لا يحملون منهم ثمرًا. أخيرًا أرسل إليهم ابنه الوحيد، فأرادوا التخلص منه بكونه الوارث، فأنكروه وقتلوه صَلْبًا.]
انتقل القديس أمبروسيوس من الحديث عن اليهود ككرم الرب الذي أهمله قادته الروحيون إلى الحديث عن النفس أو حياة المؤمن في كنيسة العهد الجديد بكونها كرم الرب الذي قدم له السيد كل إمكانيات للإثمار. وها هو يطلب الثمر! فمن كلماته:
[اعتاد الكرَّام الرحوم أن يهتم بهذا الكرم ويشذّبه وينقيه مما تكدس من كتل الحجارة. تارة يحرق بالشمس خبايا (شهوات) جسدنا، وأخرى يروي الكرم بالمطر، ويسهر عليه حتى لا تنبت الأرض شوكًا ولا يكسوها أوراق كثيرة، فيضغط غرور الكلمات الباطلة على الفضائل وينزع نموها، ويبطل نضوج البساطة وكل سمة صالحة.
ليحفظنا الله من أجل نهاية هذا الكرم الذي يسنده الرب المخلص، حارسًا إياه ضد كل خداع الدهر بسياج الحياة الأبدية...
هوذا حصادنا! ففي غمار السعادة والأمان يملأ البعض أحشاءهم الداخلية من عنب الكرم اللذيذ. وليدقق آخرون في هبات السماء، وليبصر الكثيرون ثمار البركات الإلهية عند أقدام إرادتهم بعد خلع نعالهم فيصبغوا أقدامهم العارية بالخمر الذي ينهمر عليهم، لأن الموضع الذي هم فيه أرض مقدسة (حز 3: 5)...
سلام لك أيها الكرم الثمين من أجل هذا الحارس، فقد تقدست بدم الرب الثمين، وليس بدم نابوت، ولا بدم أنبياء بلا حصر.
مات نابوت ولم يتهاون في ميراث آبائه، أما أنت فلأجلنا غرست استشهاد جموع الشهداء، ولأجلنا ذاق الرسل صليب الرب، لهذا أثمروا إلى أقاصي الأرض.]
2. سؤال بخصوص الجزية
في دراستنا لإنجيل متى (22: 15-22) رأينا القادة اليهود وقد أدركوا أن أمثال السيد المسيح تكشف جراحاتهم الخفية لم يلجأوا إلى الطبيب الحقيقي لإبرائهم، بل تكاتفوا معًا بالأكثر على مقاومته، فاتفق بعض من الفريسيين والهيرودسيين أن يسألوه بخصوص الجزية، هل تقدم لقيصر أم لا، حتى إذا ما رفض تقديمها حُسب مثير فتنة ضد الدولة الرومانية، وإن قبل تقديمها نفرت منه الجموع، وفقدت ثقتها فيه كمخلص لهم من المستعمر الغريب الجنس. وقد جاءت إجابة السيد المسيح تمس أعماق نفوسنا من جهة الآتي:
أولاً: يقول القديس أمبروسيوس: [يعملنا الرب في هذا المكان الحكمة في إجابتنا على الهراطقة أو اليهود. يقول في موضع آخر: "كونوا حكماء كالحيات" (مت 10: 16). ويفسر الكثيرون هذه العبارة هكذا: كما كانت الحية النحاسية (عد 21: 8) تعلن عن صليب المسيح الذي نزع سم الحية الشريرة، هكذا يليق بنا أن نكون حكماء كالمسيح، بسطاء كالروح (رمزه الحمامة).]
ثانيًا: لقد ظن هؤلاء الأشرار أنه يهين السلطات، فيجدوا فرصة لتسليمه، والعجيب أن السيد بحكمة حث سامعيه على الخضوع للسلطان الزمني في الرب، وتقديم الكرامة لمن له الكرامة، والجزية لمن لهم الجزية (رو 7: 1-7)، ومع ذلك كان اتهامه أمام بيلاطس: "إننّا وجدنا هذا يفسد الأمة، ويمنع أن تُعطي جزية لقيصر، قائلاً أنه هو مسيح ملك" (لو 23: 2). وفي هذا لم يدافع السيد عن نفسه. لقد قدم مبدأ الخضوع للسلطات، ليس عن خوف، ولا للدفاع عن نفسه، وإنما كمبدأ يمارسه المسيحي حتى وإن أُتهم بخلاف ما يمارس!
ثالثًا: يرى كثير من القديسين أن مبدأ "أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله" [17]، وإن كان في معناه الظاهر يعني التزام المؤمنين بتقديم واجباتهم بأمانة نحو الدولة والحاكم، لا عن خوف، ولا عن مضض، وإنما كتنفيذ للوصية الإلهية، فإن هذا المبدأ يحمل فهمًا روحيًا عميقًا. إن كانت نفوسنا تحمل صورة الله، نصير نحن عملته يتقبلها بفرح. وإن حملت صورة العالم نصير عملة العالم، ولا يجد الرب له فينا موضع راحة أو سرور.
يقول القديس أمبروسيوس: [طلب دينارًا وسألهم عن الصورة، لأن صورة الله تختلف عن صورة العالم. هكذا ينذرنا الرسول: "كما لبسنا صورة الترابي سنلبس أيضًا صورة السماوي" (1 كو 15: 49)... لا تجد صورة قيصر في بطرس القائل ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك (مر 3: 13)، ولا تجدها عند يعقوب ولا يوحنا لأنهما ابنا الرعد، لكنك تجدها في البحر. إن كان بطرس لا يحمل صورة قيصر، فلماذا دفع الجزية؟ إنه لم يدفعها مما له (بل من البحر) حيث أرجع للعالم ما كان للعالم. وأنت أيضًا إن أردت أن لا يكون لقيصر شيء عليك فلا تقتني ما للعالم بل اقتن البركات... إن أردت ألا تكون مدينًا للملك الأرضي أترك كل أموالك واتبع المسيح.]
رابعًا: يقول العلامة أوريجينوس في هذا المبدأ الإلهي أنه يليق بنا أن نقدم للجسد (قيصر) جزيته أي ضرورياته، أما لله فنهبه نفوسنا مقدسة بالكامل.
3. الصدوقيون والقيامة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير الإنجيل بحسب مرقس   تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Emptyالأربعاء يوليو 02, 2008 5:33 pm

الصدوقيون والقيامة
من هؤلاء الصدوقيون الذين جاءوا إلى السيد المسيح يجربوه؟ هم فرقة يهودية دينية أرستقراطية، رأى بعض الربانيين أنهم ينتسبون إلى مؤسس فرقتهم صادوق الذي عاش حوالي عام 300 ق.م، لكن الرأي السائد أنهم ينتسبون إلى صادوق رئيس كهنة في عصر داود وسليمان، وفي عائلته حُفظت رئاسة الكهنوت حتى عصر المكابيين، فدُعي خلفاؤه وأنصاره صدوقيين. هذه الفرقة كما يقول المؤرخ يوسيفوس كانت مناقضة للفريسيين، كانوا متعلمين وأغنياء أصحاب مراكز. كانوا يحتلون مركز القيادة في القرنين الرابع والثالث قبل الميلاد، في العصرين الفارسي واليوناني. أحبوا الثقافة اليونانية، واهتموا بالسياسة أكثر من الدين، وكان من أثر هذا إنهم أنكروا قانونيه أسفار العهد القديم بخلاف أسفار موسى الخمسة، كما استخفوا بالتقليد على خلاف الفريسيين الذين حسبوا أنفسهم حراسًا لتقليد الشيوخ.
ظن الصدوقيون أن أسفار موسى الخمسة ليس فقط لا تذكر شيئًا عن القيامة من الأموات، وإنما ما جاء بخصوص الزواج الناموسي حينما يموت رجل فتلتزم زوجته أن ترتبط بأخيه أو وليه متى كانت بلا أطفال، حتى تنجب للميت طفلاً يرثه ويقيم اسمه؛ ظنوا في هذا إعلانًا وتأكيدًا لعدم القيامة من الأموات. وكما يقول سفر الأعمال: "لأن الصدوقيين يقولون أنه ليس قيامة و ملاك ولا روح، وأما الفريسيون فيقرون بكل ذلك" (أع 23: 8).
إتفق الصدوقيون مع الفريسيين على مقاومة السيد، لكن كل واحد بطريقته. جاءه الصدوقيون يقدمون له قصة خيالية، فيها يتصورون امرأة تزوجت ومات رجلها دون أن تنجب أولادًا، فتزوجت أخاه وإذ مات تزوجت بالأخ الثاني فالثالث حتى السابع، ولم تنجب، وآخر الكل ماتت المرأة أيضًا، ففي القيامة متى قاموا لمن منهم تكون زوجة، لأنها كانت زوجة للسبعة؟
جاءت إجابة السيد المسيح مزدوجة:
أولاً: في العدد 25 لم يظهر لهم غباوتهم بإنكار القيامة، وإنما في فهمهم للقيامة، فقد تعلق قلبهم بالسياسة والعالم فحسبوا القيامة حياة زمنية مادية، مع أنه "متى قاموا لا يُزوِّجون ولا يَتزوًّجون، بل يكونون كملائكة في السماوات" [25]. لا وجه للمقارنة بين حياة نعيشها هنا حسب الجسد بفكر مادي، وحياة ننتظرها على مستوى ملائكي سماوي.
ثانيًا: إذ ظنوا أن أسفار موسى الخمسة تنكر القيامة، أكدها لهم من ذات الأسفار، حيث دعت إبراهيم وإسحق ويعقوب أحياء بعد موتهم بنسب الله لهم. يقول: "أفما قرأتم في كتاب موسى في أمر العليقة كيف كلمه الله قائلاً: أنا إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب. ليس هو إله أموات بل إله أحياء" [26-27].
يعلق القديس كيرلس الكبير على تصرف الصدوقيين هذا بقوله:
[اقتربوا من المسيح مخلصنا كلنا، الذي هو الحياة والقيامة، وكانوا يسعون لتحطيم القيامة بكونهم أناسًا متكبرين وغير مؤمنين، اخترعوا قصة مشحونة جهلاً، ونظموا افتراضات جامدة، بها سعوا بطريقة شريرة وعنيفة أن يفسدوا رجاء العالم كله. نحن نؤكد أن رجاء كل العالم في القيامة من الأموات التي المسيح هو بكرها وأول ثمارها، لذلك إذ يجعل الحكيم بولس قيامتنا تقوم على قيامة السيد يقول: "لأنه إن كان الموتى لا يقومون، فلا يكون المسيح قد قام" (1 كو 15: 16)، كما يقدم فكرًا عكسيًا فيقول: "إن كان المسيح يُكرز به أنه قام من الأموات، فكيف يقول قوم بينكم ليس قيامة أموات؟" (1 كو 15: 12). الذين قالوا بهذا هم الصدوقيون الذين نتحدث عنهم الآن.
على أي الأحوال كان سؤال الصدوقيون بلا معنى، السؤال برمته لا يتفق مع الكتب المقدسة الموحى بها، وجاءت إجابة مخلصنا تؤكد تمامًا غباوة قصتهم وتجعلنا نستخف بوهمهم والفكرة التي يقوم عليها هذا الوهم...
قال الله عن الذين رقدوا: "من يدّ القبر أفديهم، من الموت أخلصهم، أين دينونتك يا موت؟ أين شوكتك يا قبر؟" (هو 13: 14 الترجمة السبعينية). الآن ما يقصده بدينونة الموت وشوكته قد أخبرنا به الطوباوي بولس بقوله: "أما شركة الموت فهو الخطية، وقوة الخطية هي الناموس" (1كو 15: 56)، إذ يقارن الموت بالعقرب، شوكتها هي الخطية وبسمها تقتل النفس. يقول أن الناموس هو قوة الخطية، إذ في موضع آخر يعترض: "بل لم أعرف الخطية إلا بالناموس" (رو 7: 7)، "إذ حيث ليس ناموس ليس أيضًا تعدٍ" (رو 4: 15). لهذا السبب يستبعد مؤمنيه من وصاية الناموس الذي يدين ويبطل شوكة الموت التي هي الخطية، فإنه إذ ينزع الخطية بالتبعية يرحل الموت معها، إذ الموت صادر عنها وبسببها جاء إلى العالم.
إذ أعطى الله وعدًا: "من يدّ القبر أفديهم، من الموت أخلصهم اتفق الأنبياء الطوباويون مع هذا المرسوم العلوي، فتحدثوا معنا لا برؤيا قلبهم ولا بمشيئة إنسان بل عن فم الله كما هو مكتوب (راجع إر 23: 16) إذ يعلن الروح القدس المتكلم فيهم حكم الله وإرادته القديرة غير المتغيرة في كل أمر. يحدثنا إشعياء النبي: "تحيا أمواتك، يقوم الذين في القبور، سيبتهج الذين في الأرض، لأن طلك يشفيهم" (إش 26: 19 الترجمة السبعينية). على ما أعتقد أن الطل هو قوة الروح القدس واهب الحياة، أو تلك الفاعلية التي تبطل الموت، الصادرة عن الله والحياة.
يقول أيضًا داود الطوباوي في المزامير عن الذين على الأرض: "تأخذ روحهم فيموتون وإلى ترابهم يعودون. ترسل روحك فتخلقهم وتجدد وجه الأرض" (مز 104: 29). ألم تسمع عن عمل الروح القدس ونعمته واهبة الحياة، هذا الذي سيجدد وجه الأرض؟ فإنه يقصد بوجه الأرض جمالها، وبجمال طبيعة البشر عدم الفساد، إذ قيل: "يُزرع في فساد ويُقاوم في عدم فساد، يزرع في هوان ويقاوم مجد، يزرع في ضعف ويقاوم قوة" (1 كو 15: 42-43). مرة أخرى يؤكد لنا إشعياء النبي أن الموت الذي دخل بسبب الخطية لا يستعيد قوته على سكان الأرض أبديًا، إنما يبطل خلال قيامة المسيح من الأموات، حيث يجدد المسكنة، ويردها إلى ما كانت عليه، كما هو مكتوب: "خلق الله كل شيء في عدم فساد" (حك 1: 4)، قائلاً: "يُبلع الموت إلى الأبد، ويمسح السيد الرب الدموع عن كل الوجوه، وينزع عار شعبه عن كل الأرض" (إش 25: 8). عار الشعب هو الخطية، إذ تُنزع يبطل الموت ويرحل الفساد من وسط الشعب، وإذ ينتهي الموت تُنزع دموع كل أحد ويتوقف النحيب، فلا توجد علة بعد للبشر من جهة البكاء والنحيب.
هكذا لدينا الكثير من الأسانيد في تفنيد جحود اليهود، لكننا لننظر إلى ما قاله لهم المسيح: حقًا إن أبناء هذا العالم الذين يعيشون الحياة الجسدانية العالمية مليئة بالشهوات من أجل الإنجاب، لذا يزوَّجون ويزوَّجون، أما الذين يبلغون الحياة المختارة المكرمة والحاملة كل سمو والمتأهلة للقيامة المجيدة العجيبة فبالضرورة تفوق حياة البشر في هذا العالم. إنهم يعيشون في حضرة الله كقديسين، يصيرون مساوين للملائكة، أبناء الله. إذ تُنزع عنهم كل شهوة جسدية ولا يكون للذة الجسد موضع فيهم بل يتشبهون بالملائكة القديسين يمارسون الخدمة الروحية لا المادية كأرواح مقدسة، وفي نفس الوقت يتأهلون لمجدٍ كذاك الذي يتمتع به الملائكة.
برهن المخلص على جهل الصدوقيين المطّبق، مقدمًا لهم موسى معلمهم الديني كمعلم بالقيامة من الأموات بطريقة واضحة تمامًا، إذ يقدم لنا الله القائل في العليقة: "أنا إله إبراهيم وإله إسحق وإله يعقوب". إله من هو أن كان هؤلاء - كما يظنون - لا يعيشون بعد؟إنه إله أحياء، لذلك سيقومون عندما تجلبهم يمين الله القدير، ليس وحدهم بل وكل الذين هم على الأرض. عدم الإيمان بهذا يليق بجهل الصدوقيين، لا بمحبي المسيح. أما نحن فنؤمن بالقائل: "أنا هو القيامة والحياة" (يو 11: 25)، هذا الذي يقيم الأموات: "في لحظة، في طرفة عين عند البوق الأخير، فإنه سيبوق، فيُقام الأموات عديمي الفساد ونحن نتغير" (1 كو 15: 52). سيغيرنا مخلصنا كلنا إلى عدم الفساد، إلى المجد والحياة غير الفاسدة، هذا الذي به وله المجد والحمد والسلطان مع الله الآب والروح القدس إلى أبد الأبد، آمين.]
المفهوم الرمزي للمرأة التي تزوجت سبعة رجال
في دراستنا لحديث السيد المسيح مع الصدوقيين أثناء دراستنا لإنجيل متى (22: 23-33)، رأينا هذه المرأة التي تزوجت السبعة إخوة ولم تنجب تشير إلى الكنيسة التي عاشت زمانًا (رقم 7) بأعمال الناموس. لكنها لم تأتِ بثمر روحي حتى ماتت عن أعمال الناموس لتحيا بالنعمة على مستوى ملائكي روحي. ويقدم لنا أحد النصوص المنسوبة للقديس جيروم تفسيرًا رمزيًا آخر، جاء فيه [من هي هذه المرأة التي لم تنجب من الإخوة السبعة والتي ماتت في النهاية إلا المجمع اليهودي الذي فارقه الروح السباعي (إش 11: 2) الذي ملأ السبعة آباء البطاركة، والتي لم يُترك لها نسل إبراهيم أي يسوع المسيح! فمع أنه وُلد لهم لكنه وُهب للأمم! لقد ماتت هذه المرأة عن المسيح، فلا ترتبط في القيامة بأي واحد من البطاركة السبعة، وإني أقصد برقم سبعة صحبة المؤمنين جميعًا. على العكس هذا قيل بإشعياء أن سبع نساء يمسكن برجلٍ واحدٍ (إش 4: 1)، أي السبعة كنائس التي يحبها الرب وينتهرها ويؤدبها، فتتعبد له بإيمان واحد.]
4. الكتبة والوصية
"فجاء واحد من الكتبة وسمعهم يتحاورون،
فما رأى أنه أجابهم حسنًا، سأله:
أية وصية هي أول الكل.
فأجابه يسوع: أن أول كل الوصايا هي اسمع يا إسرائيل،
الرب إلهنا رب واحد.
وتحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك،
هذه الوصية الأولى.
وثانية مثلها، هي تحب قريبك كنفسك،
ليس وصية أعظم من هاتين" [28-32].
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير الإنجيل بحسب مرقس   تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Emptyالأربعاء يوليو 02, 2008 5:33 pm

إن كان الفريسيون والصدوقيون والهيرودسيون قد جاءوا إلى السيد بخبثٍ ليجربوه، كي يصطادوه بكلمة كمثير فتنة ضد الحاكم الروماني أو ككاسرٍ للناموس الموسوي، فإن محاوراتهم للسيد جذبت كثيرين للتمتع بمفاهيم جديدة، الأمر الذي أثار هذا الكاتب ليقدم سؤالاً كثيرًا ما تناقش فيه رجال الدين المتعلمون خاصة الكتبة، ولعله أيضًا في عرضه السؤال أراد أن يجرب السيد (مت 22: 34-35؛ لو 10: 25)، إذ حسبه يميز بين وصايا الناموس وبعضها البعض، أو يقدم وصية من عنده كأعظم مما ورد في الناموس. وإن كان السيد لم يوبخ هذا الكاتب بل بالحري أجابه بحكمة إلهية فائقة مقدمًا أساسًا روحيًا لمفهوم الوصية، يمكن تلخيصه في الآتي:
أولاً: أن الوصايا تمثل وحدة واحدة لا يمكن فصلها عن بعضها البعض، فبينما يطلب الكاتب وصية أول الكل يقدم السيد المسيح وصيتين على مستوى واحد، ملتحمتين معًا، تمسان علاقتنا بالله خلال إيماننا به واعترافنا بوحدانيته، وحبنا له بلا حدود، وعلاقتنا بقريبنا الذي نحبه كأنفسنا. وقد كشف لنا إنجيل لوقا من هو قريبنا بمثل السامري الصالح (لو 10).
بمعنى آخر لا انفصال بين الإيمان بالله والاعتراف به وبين حبنا له، ولا انفصال بين علاقتنا بالله وعلاقتنا بإخوتنا. وكأن الوصية هي تمتع بسمة حياة داخلية يعيشها الإنسان في أعماقه وتُعلن خلال إيمانه وشوقه نحو الله ومعاملاته مع الناس.
في نص منسوب للقديس جيروم جاء: [هذا السؤال يمثل وحدة مشكلة عامة للمتعلمين في الناموس، وهو أن الوصايا الواردة في الخروج واللاويين والتثنية مختلفة. وقد قدم السيد وصيتين وليس وصية واحدة وكأنهما ثديان على صدر العروس بهما تنتعش طفولتنا... لقد أشار إلى أول الوصايا العظمى التي يجب على كل واحد منا أن يعطيها المكان الأول في قلبه، كأساس للتقوى، وهي معرفة وحدة اللاهوت والاعتراف بها مع ممارسة العمل الصالح الذي يكمل بحب الله والقريب.]
ثانيًا: إن كان الحب هو جوهر الوصية، فإن هذا الحب ليس تصرفًا خارجيًا نبرزه فحسب، إنما يمثل حياة تمس كل إمكانياتنا، وتمس كياننا "نحب من كل النفس"، وتمس عواطفنا وأحاسيسنا الداخلية "من كل القلب"، وتمس فكرنا "من كل الفكر" وأيضًا تمس تصرفاتنا الظاهرة "من كل قدرتك". وكأن الحب يعني تقديس الإنسان بكليته بروح الله القدوس ليحمل صورة طبيعة خالقه في داخله، بكون "الله محبة" (1 يو 4: 8)، نحمل حياته وسماته عاملة في النفس والقلب والفكر والجسد وكل الطاقات والمواهب!
الوصية هي تمتع وتجاوب مع روح الله القدوس الذي يشكلنا على الدوام، ويرفعنا من مجد إلى مجد، لعلنا نبلغ قياس قامة ملء المسيح (أف 4: 13).
يقول الأب ثيؤفلاكتيوس: [انظر كيف يعدد كل قوى النفس، إذ توجد القوة الحية في النفس التي شرحها بقوله "من كل النفس"، لهذه القوة ينسب الغضب والرغبة هذه التي يجب تسليمها للحب الإلهي. كما توجد قوة أخرى تسمى "القوة الطبيعية"، ولها يُنسب النمو والانتعاش، والتي يجب أيضًا تسليمها لله إذ قيل: "من كل قلبك". وأيضًا قوة ثالثة هي العليقة والتي تدعى "الفكر" التي يجب تسليمها أيضًا بالكامل.]
على أي الأحوال يبدو أن خلافًا دار بين فئات اليهود أنفسهم، فالبعض ركز على أهمية الشرائع الطقسية خاصة تقديم الذبائح، والآخر على الجانب الإيماني، وثالث على الجانب السلوكي العملي. وقد جاء السيد المسيح ليؤكد الحاجة إلى تغيير شامل في النفس والقلب والفكر مع تجاوب كل طاقات الإنسان وإمكانياته مع هذا التغير الداخلي. وقد أعجب الكاتب بالإجابة، قائلاً: "بالحق قلت لأنه (الله) واحد وليس آخر سواه. ومحبته من كل القلب، ومن كل الفهم، ومن كل النفس ومن كل القدرة، ومحبة القريب كالنفس هي أفضل من جميع المحرقات والذبائح" [32-33]. أجابه السيد: "لست بعيدًا عن ملكوت الله" [34]، لكنه لم يقل له: "في داخلك ملكوت الله"، إذ عرف الكاتب ملامح الطريق، لكن لم يكن قد دخله بعد ولا تمتع به.
المسيح كابن داود وربه:
إذ توقفت الحوارات كقول الإنجيلي: "ولم يجسر أحد بعد ذلك أن يسأله" [34]، بدأ السيد يحدث الجماهير من خلال كلمات الكتبة أنفسهم ليكشف لهم عن طريق خلاصهم به، إذ يقول الإنجيلي:
"ثم أجاب يسوع وقال وهو يعلم في الهيكل:
كيف يقول الكتبة أن المسيح ابن داود؟
لأن داود نفسه قال بالروح القدس:
قال الرب لربي: اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئًا لقدميك.
فداود نفسه يدعوه ربًا، فمن أين هو ابنه؟" [35-37]
يتحدث الآن السيد المسيح عن نفسه علانية ولأول مرة ليعلن الآتي:
أولاً: أنه المسيا ابن داود وفي نفس الوقت ربه. تعرف عليه داود منذ أجيال طويلة، لا من ذاته وإنما بالروح القدس إنه موضوع النبوات ومشتهى الآباء!
ثانيًا: إن كانت القوى قد تكاتفت لا لمحاورته فحسب، وإنما أيضًا لقتله صلبًا، فإنهم يقاومون الآب أيضًا الذي يضع الأعداء تحت قدمّي الابن، ليس عن ضعف في الابن، وإنما عن وحدة العمل بين الآب والابن. وكأن السيد يطالبهم قبل الدخول في أحداث الطريق أن يراجع كل إنسان نفسه لئلا تسحبه الأحداث ليصير مقاومًا للحق ومعاندًا لله. أما قوله "اجلس عن يميني" فيعني أنه يحمل قوته، ولا يعني تفاوتًا في الكرامة. فإن كان الآب يخضع الأعداء تحت قدمي الابن، فالابن أيضًا يخضع الأعداء تحت قدمي الآب، إذ يمجد أباه على الأرض (يو 15: 4).
يقول القديس أمبروسيوس: [كل ما للآب هو للابن.. نحن نميز الآب عن الابن في اختلاف الأقانيم لكنهما واحد في القدرة، الواحد في الآخر... مجد الآب لا يضمحل في الابن، وجمال الابن أن يرى فيه كمال الآب، إنهما واحد في القدرة.] ويقول القديس كيرلس الكبير: [ونحن أيضًا نضع ذات السؤال لفريسي الأزمنة الأخيرة (النساطرة)، ليت هؤلاء الذين ينكرون أن المولود من القديسة العذراء هو بعينه ابن الله الآب وأنه هو الله، مقسمين المسيح إلى ابنين، ليشرحوا لنا كيف يكون ابن داود ربه، ليس لربوبيه بشرية بل لاهوتية. فإن جلوسه عن يمين الآب هو تأكيد وعربون المجد الأسمى. فإذ لهما عرش واحد لهما كرامة واحدة، والمتوجان بكرامة واحدة لهما طبيعة واحدة.]
ثالثًا: إن كان السيد قد أُتهم باتهامات كثيرة أثناء خدمته، لكنه يتمجد بخضوع أعدائه تحت قدميه في يومه العظيم، وكما يرى القديس كيرلس الكبير أن السيد المسيح قصد بهذا الحديث أن يسحب قلوب تلاميذه من الفكر الفريسي الذي يهتم بالمجد الزمني ليطلبوا المجد الأبدي مع مسيحهم. بمعنى آخر إن كان السيد قاومه كثيرون في خدمته للبشرية وإعلان مجده الأبدي، هكذا من يتبعه يحتمل المقاومات هنا من أجل الأبديات. لهذا السبب، يكمل الإنجيلي حديثه هكذا:
"وقال لهم في تعليمه:
تَحَرَّزوا من الكتبة الذين يرغبون المشي بالطيالسة، والتحيات في الأسواق.
والمجالس الأولى في المجامع،
والمتكآت الأولى في الولائم.
الذين يأكلون بيوت الأرامل، ولِعِلَّةٍ يُطيلون الصلوات.
هؤلاء يأخذون دينونة أعظم" [38-40].
حذر تلاميذه من أن يضعوا قلوبهم في ثيابهم أي في المظاهر الخارجية، فقد اعتاد أن يخفي بعض رجال الدين اليهودي شرهم وخبثهم تحت الزيّ الخارجي، فينالون الكرامة الزمنية وهم يحملون قلوب ذئبية. لهذا نجد القديس يوحنا الذهبي الفم كثيرًا ما يوبخ نفسه، قائلاً: "عجبي من أسقف يخلص!"، حتى يكون - وهو رئيس أساقفة - في حذرٍ دائمٍ من ذاته. بمعنى آخر ثياب الكهنوت في ذاتها لا تبرره، بل بالحري تدينه إن لم يحمل في قلبه مجدًا داخليًا. بذات الروح قال الراهب المتوحد القديس يوحنا سابا: [يا رجل الله حتى متى بالسواد فقط (ربما قصد الزي الرهبنة) تعزى نفسك؟ كن كلك لهيبًا وأحرق جميع الذين حولك لترى المجد الخفي داخلك]، [ويل لي، لأني إلى الآن أعزي نفسي بالسواد فقط.]
يقول القديس ثيؤفلاكتيوس: [لقد اعتادوا أن يسيروا مرتدين ثيابًا مكرمة لكي ينالوا تكريمًا عظيمًا بسببها، ويتبعون نفس الأمر في أشياء كثيرة تقودهم للمجد الزمني.]
وما يقوله السيد المسيح بخصوص الرغبة في المشي بالطيالسة يذكره بخصوص الرغبة في التمتع بتحيات الناس ونوال المتكآت الأولى، وفي إطالة الصلوات عمدًا. غير أن السيد لم يهاجم الملبس في ذاته، ولا تحيات الناس، ولا الجلوس في المتكآت الأولى أو إطالة الصلوات، إنما هاجم الفكر الداخلي والشهوة العميقة للتصرف هكذا من أجل المجد الباطل، بينما يحمل الإنسان قلبًا قاسيًا حتى يستبيح لنفسه أن يأكل حق الأرامل.
5. الأرملة المحبة والفلسان
إن كانت كل قوى القيادات اليهودية قد تكاتفت معًا لمقاومة السيد، فقد وُجدت أرملة فقيرة مملوءة حبًا لله والناس قدمت كل أعوازها - أي فلسين - في خزانة الهيكل، فحسبها الرب أفضل من مقدمي الذهب الكثير والفضة، إذ قال: "الحق أقول لكم أن هذه الأرملة الفقيرة قد ألقت أكثر من جميع الذين ألقوا في الخزانة. لأن الجميع من فضلتهم ألقوا، وأما هذه فمن إعوازها ألقت كل ما عندها كل معيشتها" [44-43].
في نص منسوب للقديس جيروم يرى الكاتب في نفسه أنه هو الأرملة الفقيرة إذ يقدم في قلوب الناس كما في خزانة الهيكل فلسين هما الشرح المبسط للإيمان التابع عن العهدين القديم والجديد، يجد له مكانًا في قلوب سامعيه بالروح القدس ليترجمه الروح إلى حياة عملية في الفكر والقول والعمل.
ويرى الأب ثيؤفلاكتيوس هذه المرأة رمزًا للنفس المؤمنة التي ترملت إذ مات رجلها الأول الذي باعت نفسها له أي إبليس، وتقدمت لعريسها الجديد بالفلسين أي النفس والجسد، تقدمهما خلال التواضع والنسك، تهبه كل حياتها ليعمل فيها.
ويرى القديس أغسطينوس في الفلسين (رقم 2) إشارة للحب، فإننا لا نستطيع نقترب إلى مقدسات الله، ولا يتطلع الرب إلى تقدماتنا أن لم تنبع عن قلب متسم بالحب لله والناس. بالحب ننعم بالمقدسات وتكريم الرب لنا.
هذا وقد فتحت هذه الأرملة الباب أمام جميع المؤمنين لإدراك مفهوم العطاء الحقيقي. إنه عطاء القلب الداخلي الذي يفرح قلب الله، وليس مجرد العطاء الظاهر، فمن كلمات الآباء في هذا الشأن:
v ألم تفق (هذه الأرملة) فيض غناك بسبب استعدادها الداخلي؟ كتب الحكيم بولس شيئًا من هذا النوع: "لأنه إن كان النشاط موجودًا (الإرادة حاضرة)، فهو مقبول على حسب ما للإنسان، لا على حسب ما ليس له" (2 كو 8: 12). ليس فقط الغني ينال نعمة من الله بتقديمه ثمرًا للإخوة، فإن مخلص الجميع يقبل ذبيحته، وإنما أيضًا يهب نعمة للذي يقدم قليلاً لأنه يملك القليل، ولا يخسر الأخير شيئًا بسبب قلة ما يملكه. فإن الله ناظر الكل يمدح استعداده الداخلي ويقبل نيته ويجعله مساويًا للغني، بل بالحري يهبه إكليلاً أعظم كرامة مما للغني.
القديس كيرلس الكبير
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير الإنجيل بحسب مرقس   تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Emptyالأربعاء يوليو 02, 2008 5:34 pm

أتقول ليس لك قدرة على تقديم أعمال رحمة؟... فَلَكَ لسان، أيا كان فقرك فلك قدمان بهما تزور المريض وتفتقد في السجن. لك سقف تستقبل تحته غرباء. ليس هناك عذر قط لمن لا يمارس عمل الرحمة.
القديس يوحنا الذهبي الفم
v ما اشترت به الأرملة بفلسين اشتراه بطرس بتركه الشباك (مت 4: 20)، وزكا بتقديمه نصف أمواله (لو 19: 8).
v أي شيء يا إخوة أكثر قدرة من أنه ليس فقط زكا اشترى ملكوت السماوات بنصف أمواله (لو 19: 8)، وإنما اشترته الأرملة بفلسين، ليملك الاثنان نصيبًا متساويًا؟ أي شيء أقدر من هذا أن ذات الملكوت الذي يتأهل له الغني بتقديم كنوزه يناله الفقير بتقديم كأس ماء بارد! (مت 10: 42)
v قليل هو مالها، لكن عظيم هو حبها.
القديس أغسطينوس
v من يقدم نفسه لله إنما يقدم كل شيء له دفعة واحدة.
v مع كونها أرملة فقيرة، لكنها كانت أغنى من كل شعب إسرائيل.
v مثل هذه التقدمات لا تُقدر بوزنها، بل بالإرادة الصالحة التي قُدمت بها.
القديس جيروم
1 و ابتدا يقول لهم بامثال انسان غرس كرما و احاطه بسياج و حفر حوض معصرة و بنى برجا و سلمه الى كرامين و سافر
2 ثم ارسل الى الكرامين في الوقت عبدا لياخذ من الكرامين من ثمر الكرم
3 فاخذوه و جلدوه و ارسلوه فارغا
4 ثم ارسل اليهم ايضا عبدا اخر فرجموه و شجوه و ارسلوه مهانا
5 ثم ارسل ايضا اخر فقتلوه ثم اخرين كثيرين فجلدوا منهم بعضا و قتلوا بعضا
6 فاذ كان له ايضا ابن واحد حبيب اليه ارسله ايضا اليهم اخيرا قائلا انهم يهابون ابني
7 و لكن اولئك الكرامين قالوا فيما بينهم هذا هو الوارث هلموا نقتله فيكون لنا الميراث
8 فاخذوه و قتلوه و اخرجوه خارج الكرم
9 فماذا يفعل صاحب الكرم ياتي و يهلك الكرامين و يعطي الكرم الى اخرين
10 اما قراتم هذا المكتوب الحجر الذي رفضه البناؤون هو قد صار راس الزاوية
11 من قبل الرب كان هذا و هو عجيب في اعيننا
12 فطلبوا ان يمسكوه و لكنهم خافوا من الجمع لانهم عرفوا انه قال المثل عليهم فتركوه و مضوا
13 ثم ارسلوا اليه قوما من الفريسيين و الهيرودسيين لكي يصطادوه بكلمة
14 فلما جاءوا قالوا له يا معلم نعلم انك صادق و لا تبالي باحد لانك لا تنظر الى وجوه الناس بل بالحق تعلم طريق الله ايجوز ان تعطى جزية لقيصر ام لا نعطي ام لا نعطي
15 فعلم رياءهم و قال لهم لماذا تجربونني ايتوني بدينار لانظره
16 فاتوا به فقال لهم لمن هذه الصورة و الكتابة فقالوا له لقيصر
17 فاجاب يسوع و قال لهم اعطوا ما لقيصر لقيصر و ما لله لله فتعجبوا منه
18 و جاء اليه قوم من الصدوقيين الذين يقولون ليس قيامة و سالوه قائلين
19 يا معلم كتب لنا موسى ان مات لاحد اخ و ترك امراة و لم يخلف اولادا ان ياخذ اخوه امراته و يقيم نسلا لاخيه
20 فكان سبعة اخوة اخذ الاول امراة و مات و لم يترك نسلا
21 فاخذها الثاني و مات و لم يترك هو ايضا نسلا و هكذا الثالث
22 فاخذها السبعة و لم يتركوا نسلا و اخر الكل ماتت المراة ايضا
23 ففي القيامة متى قاموا لمن منهم تكون زوجة لانها كانت زوجة للسبعة
24 فاجاب يسوع و قال لهم اليس لهذا تضلون اذ لا تعرفون الكتب و لا قوة الله
25 لانهم متى قاموا من الاموات لا يزوجون و لا يزوجون بل يكونون كملائكة في السماوات
26 و اما من جهة الاموات انهم يقومون افما قراتم في كتاب موسى في امر العليقة كيف كلمه الله قائلا انا اله ابراهيم و اله اسحق و اله يعقوب
27 ليس هو اله اموات بل اله احياء فانتم اذا تضلون كثيرا
28 فجاء واحد من الكتبة و سمعهم يتحاورون فلما راى انه اجابهم حسنا ساله اية وصية هي اول الكل
29 فاجابه يسوع ان اول كل الوصايا هي اسمع يا اسرائيل الرب الهنا رب واحد
30 و تحب الرب الهك من كل قلبك و من كل نفسك و من كل فكرك و من كل قدرتك هذه هي الوصية الاولى
31 و ثانية مثلها هي تحب قريبك كنفسك ليس وصية اخرى اعظم من هاتين
32 فقال له الكاتب جيدا يا معلم بالحق قلت لانه الله واحد و ليس اخر سواه
33 و محبته من كل القلب و من كل الفهم و من كل النفس و من كل القدرة و محبة القريب كالنفس هي افضل من جميع المحرقات و الذبائح
34 فلما راه يسوع انه اجاب بعقل قال له لست بعيدا عن ملكوت الله و لم يجسر احد بعد ذلك ان يساله
35 ثم اجاب يسوع و قال و هو يعلم في الهيكل كيف يقول الكتبة ان المسيح ابن داود
36 لان داود نفسه قال بالروح القدس قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى اضع اعداءك موطئا لقدميك
37 فداود نفسه يدعوه ربا فمن اين هو ابنه و كان الجمع الكثير يسمعه بسرور
38 و قال لهم في تعليمه تحرزوا من الكتبة الذين يرغبون المشي بالطيالسة و التحيات في الاسواق
39 و المجالس الاولى في المجامع و المتكات الاولى في الولائم
40 الذين ياكلون بيوت الارامل و لعلة يطيلون الصلوات هؤلاء ياخذون دينونة اعظم
41 و جلس يسوع تجاه الخزانة و نظر كيف يلقي الجمع نحاسا في الخزانة كان اغنياء كثيرون يلقون كثيرا
42 فجاءت ارملة فقيرة و القت فلسين قيمتهما ربع
43 فدعا تلاميذه و قال لهم الحق اقول لكم ان هذه الارملة الفقيرة قد القت اكثر من جميع الذين القوا في الخزانة
44 لان الجميع من فضلتهم القوا و اما هذه فمن اعوازها القت كل ما عندها كل معيشتها
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير الإنجيل بحسب مرقس   تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Emptyالخميس يوليو 03, 2008 9:37 am


الأصحاح الثالث عشر
علامات المنتهى
دخل السيد المسيح إلى أورشليم ليعلن حبه لنا عمليًا بالصليب، لكي يدخل بنا إلى أورشليمه السماوية وينعم علينا بأمجاده الأبدية.
في الأصحاحات السابقة تلمسنا عمل السيد المسيح الذي جاء ليهدم الإنسان القديم الترابي، ويقيم فينا الإنسان الجديد الروحي الذي على صورة خالقه. بنفس الروح إذ يتحدث عن مجيئه الأخير يكشف عن هدم الأبنية القديمة لننعم ببناء أبدي غير مصنوع بيد. أما علامات المنتهى الواردة هنا، فقد سبق شرحها خلال فكر الآباء عند دراستنا لإنجيل متى (ص 24)، وقد جاءت هنا بذات الترتيب والفكر:
1. هدم الهيكل القديم 1-2.
2. ظهور مسحاء كذبة 3-6.
3. قيام حروب وحدوث كوارث 7-8.
4. حدوث مضايقات 9-13.
5. رجسة الخراب 14.
6. وصايا للدخول في الملكوت 15-18.
7. الضيقة العظمى 19-20.
8. ظهور أنبياء كذبة 21-23.
9. انهيار الطبيعة 24-25.
10. مجيء ابن الإنسان 26-27.
11. مثل شجرة التين المخضرة 28-29.
12. تأكيد مجيئه 30-31.
13. عدم معرفة الساعة 32.
14. الدعوة للسهر 33-37.
مقدمة
جاء هذا الحديث الخاص بعلامات المنتهى في جلسة خاصة للسيد مع تلاميذه وحدهم، في لقاء هادىء بعد دخوله أورشليم وتطهيره الهيكل ولعن شجرة التين، خاصة وأن أحداث الآلام والصلب كانت قد اقتربت جدًا، فما غاية هذا الحديث؟
يمكننا أن نتعرف على غاية هذا الحديث الودي من خلال قراءات يوم الثلاثاء من البصخة المقدسة (أسبوع الآلام)، حيث ركزت الكنيسة نظر أولادها في هذا اليوم على مجيء السيد المسيح الأخير.
أولاً: لعل ما يلفت نظرنا في قراءات الساعة الأولى من هذا اليوم ما أعلنه الله في سفر الخروج (ص19) أنه حمل شعبه كما على أجنحة النسور لا لينقلهم من أرض العبودية وينطلق بهم إلى أرض الموعد، بل ينقلهم إليه هو شخصيًا، إذ يقول: "وأنا حملتكم على أجنحة النسور، وجئت بكم إليّ" (خر 19: 4).
لعل التلاميذ إذ رأوا السيد المسيح حازمًا كل الحزم في تطهير الهيكل، وفي لعنه شجرة التين تملكهم روح اليأس، وخشي كل منهم لئلا يكون نصيبهم كشجرة التين، لهذا جاء حديثه هنا يطمئن التلاميذ، أنه يعد لهم سماواته مقدمًا لهم علامات مجيئه، وإن كانت مرة لكنها مطمئِنة. إن كان قد حمل آباءهم كما بأجنحة النسور ليجيء بهم إليه، فإنه يرسل لهم روحه القدوس ليحملهم فوق كل الأحداث لينعموا بلقائه الأخير على السحاب.
يؤكد لنا السيد: "أنتم من أسفل وأما أنا فمن فوق. أنتم من هذا العالم، وأما أنا فلست من هذا العالم" (يو 8: 23). كأنه يؤكد لنا أننا غير قادرين بذواتنا أن نرتفع إليه لنلتقي معه على سحاب السماء، لكنه هو من فوق يقدر أن يضمنا إليه، فيجعلنا حاملين سمته: "لست من هذا العالم". به ترتفع قلوبنا التي تصير ليست من هذا العالم، أي تحمل سمته، فتدخل معه في شركة أمجاده. لعله أيضًا أراد أن يعلن بعلامات المنتهى المرة أنه سمح بها لكي يدفعنا دفعًا إلى الانطلاق من هذا العالم، أي نخلع عنا محبة الزمنيات، ونترك سمتنا أننا من هذا العالم، فنقدر أن نلتقي مع ذاك الذي ليس من هذا العالم.
حقًا إن العلامات التي قدمها لتلاميذه مرهبة جدًا، لكن إشعياء النبي يقول: "لولا أن رب الجنود أبقى بنا بقية صغيرة لصرنا مثل سدوم وشابهنا عمورة" (إش 1: 9). وكأن التلاميذ هم البقية الصغيرة التي تعجز عن الخلاص بذاتها لكن مراحم رب الجنود تترفق بها. بمعنى آخر ملكوته السماوي قد أُعد للبقية الصغيرة التي يهتم الله نفسه بها، إذ يقول: "لا تخف أيها القطيع الصغير لأن أباكم قد سرّ أن يعطيكم الملكوت" (لو 12: 32).
هكذا أبرزت القراءات اهتمام الله نفسه بتقديم الملكوت. ولعل سرد السيد المسيح لتلاميذه علامات مجيئه بما تحمله من مرارة إنما ليعلن لهم أنه يعرف أن الطريق ضيق للغاية وكرب، لكنه في يديه، أو هم في قبضة يده يحفظهم حتى يجتاز بهم وينطلق بهم إليه.
ثانيًا: عرض السيد المسيح لعلامات المنتهى على تلاميذه ليس فقط يؤكد لهم دور الله نفسه واهتمامه بملاقاتهم معه على السحاب، وإنما دور المؤمنين أيضًا. جاءت هذه العلامات تحمل في مجملها هدمًا تامًا للحياة الزمنية بل وللطبيعة إعلانًا لحياة أفضل أبدية.
حملت قراءات الساعة الثالثة من يوم الثلاثاء من البصخة المقدسة تحذيرًا من الشبع من هذا العالم والاهتمام ببناء بيوت جميلة (تث 8)، تدفعنا نحو اختيار طريق خدمة الرب حيث تنتظرنا التجارب (ابن سيراخ 2: 1)، وتؤكد لنا أنه لا يُترك حجر على جدر إلا ويُنقض (مت 24). كأن الكنيسة وهي تقدم لنا علامات المنتهى ترسم لنا الطريق الإنجيلي للتمتع بالمسيح القادم على السحاب فتطالبنا ألا تمتليء بطوننا الداخلية بسكر هذا العالم وملذاته، ولا يرتبك ذهننا ببناء بيوت أرضية ونزينها كمن يستقر على الأرض أبديًا، إنما بالحري نمسك بصليب ربنا يسوع المسيح لنحمل التجارب بقلب متسع، ونهدم كل حجر في داخلنا، ليقيم الله فينا بناءً جديدًا يليق بنفوس منطلقة نحو أورشليم العليا، تتحد بعريس سماوي.
ثالثًا: السيد المسيح في حديثه مع تلاميذه عن علامات المنتهى، بالرغم مما قدمه من طريق طويل وشاق للغاية لكنه بسلطان ألهب قلوبهم غيرة للدخول فيه؛ لهذا السبب تقدم لنا الكنيسة في قراءات يوم الثلاثاء من البصخة قصتين غاية في الأهمية: لقاء إيليا مع الله وسماعه صوته الإلهي لا خلال الريح العاصف الشديد ولا الزلزلة ولا النار بل خلال النسيم الهادئ اللطيف (1 مل 19: 4-9)، وتمتع نوح بالخلاص في الفلك وسط الطوفان. تمثل قصة إيليا الحاجة إلى الغيرة المقدسة للقاء مع الله، لكنها غيرة ملتهبة داخلية تقوم خلال النفس الهادئة في الرب، التي تحمل سماته حيث لا يصيح ولا يسمع أحد صوته في الشوارع (إش 42: 2؛ مت 12: 19). أما فلك نوح فيلتحم بغيرة إيليا ليترجم أعماقنا الداخلية واشتياقنا القلبي لملاقاة الرب إلى عمل جاد، فنقبل صليب الرب عمليًا كمن يدخل الفلك مع عائلته وحيواناته وطيوره لينعم باللقاء مع الله وسط هياج العالم الشديد والطوفان المهلك للكثيرين. هذا الفلك يمثل البيت الجديد الذي نقطنه هنا فيحملنا، مرتفعًا بنا فوق المياه، لذلك جاءت القراءات تحدثنا عن بيت الحكمة (أم 9: 1-11) المؤسس على الأعمدة السبعة التي هي أعمال الروح القدس.
بمعنى آخر، لكي نلتقي بربنا يسوع القادم على السحاب يليق بنا ونحن هنا على الأرض أن نتدرب بالروح القدس الذي فينا أن نسكن الفلك الذي يرفعنا إلى فوق، وأن نقطن الجبال العالية، إذ يقول النبي: "أصعد على جبل عال يا مبشر صهيون" (إش 40: 9) كما جاء في نبوات ذات اليوم، حينئذ ننعم مع دانيال (ص 7) برؤية السيد القادم على السحاب.
رابعًا: أخيرًا لكي تلهب الكنيسة شوقنا للتمتع بهذا اللقاء الأبدي تحدثنا عن بهاء المجد الذي ننعم به حينذاك، فتقتبس في قراءاتها ما قاله إشعياء: "نور القمر كنور الشمس" (إش 30: 26)، وما قاله السيد نفسه: "كل من له يعطى فيزداد" (مت 25: 29). بمعنى آخر ما نناله من بهاء داخلي هنا يكون عربونًا لبهاء أعظم أبدي، فإن صرنا بالرب قمرًا نصير هناك شمسًا، وإن صار لنا مكافأة داخلية فإن ما يُعطى لنا هنا يزداد هناك.
بجانب هذا الفكر الكنسي تجاه ما ورد في هذا الأصحاح نود أن نوضح سمات أخرى لهذا المقال:
أولاً: يُعتبر ما ورد في هذا الأصحاح أحد المقالين الطويلين للسيد المسيح في هذا الإنجيل، الأول ورد في الأصحاح الرابع (1-34). وقد لاحظ بعض الدارسين في المقال الذي بين أيدينا أنه اختلف في طابعه عن بقية أحاديث السيد المسيح، فدعاه البعض "الرؤيا الصغيرة Little Apocalypse" وإن كان البعض الآخر رفض تمامًا هذه التسمية، متطلعًا إلى المقال أنه لم يقم على رؤيا معينة، إنما هو حديث مفتوح خاص بين السيد المسيح العالم بالأسرار وتلاميذه.
ثانيًا: لا يستطيع القارئ المعاصر - مهما كانت قراءاته أو معرفته - أن يدرك أثر هذا الحديث على نفسية الإنسان اليهودي في أيام السيد المسيح من جهة خراب الهيكل، فقد كان الهيكل هو كل شيء في حياته، يمثل ملكوت الله وعلامة حلول الله في وسط شعبه ورضاه عليه. يتعلق اليهودي بالهيكل تمامًا، ويحسب أي مساس به علامة غضب الله الشديد نحو شعبه كله! لهذا كان لائقًا أن يكشف الرب عن دمار العالم المادي كله كطريق تمهيدي لمجيء المسيح الأخير على السحاب، ودمار الهيكل المادي لإقامة هيكل الرب الروحي.
ثالثًا: هذا المقال في حقيقته لم يقدمه السيد لنتعرف على الأزمنة والأوقات، ولا كعملٍ نبوي به نتعقب الأحداث، لكنه مقال يكشف عن أسرار المستقبل جاء بقصد عمل رعوي، فيه يحث السيد المسيح كنيسته على الجهاد المستمر وتخطي العقبات التي تقوم على الدوام حتى مجيئه، كما يحذرنا من المسحاء والأنبياء الكذبة، ويوصينا بالسهر الدائم ترقبًا لمجيئه!
رابعًا: أخيرًا يرى كثير من الدارسين أنه "حديث ختامي" أو "وداعي" قدمه السيد المسيح لأربعة من خاصته، كما اعتاد بعض آباء وأنبياء العهد القديم أن يفعلوا هكذا قبيل موتهم مثل إسحق (تك 27)، ويعقوب (تك 49)، وموسى (تث 31: 28 الخ، 32)، ويشوع (يش 24)، وصموئيل (1صم 12)، وداود (1أي 28-29)، وطوبيا (طو 14).
هذا الحديث الوداعي الخاص - إن صح تسميته - بجانب حديثه الوداعي العام لتلاميذه (يو14-16) يختلف تمامًا عن كل حديث وداعي قديم قدمه أحد الآباء أو الأنبياء قبل موته. فاسحق ودّع ابنيه في شيخوخته وهو فاقد البصر لا يميز يعقوب من عيسو، أما يسوع رب المجد فيحدث تلاميذه قبل الصلب بقوة معلنًا أن قوات الظلمة لن تحطم خطته لخلاص البشرية، فاتحًا بصيرتهم الداخلية لمعاينته قادمًا على السحاب ليحملهم إلى مجده. ويعقوب يتحدث مع أبنائه لتأسيس شعب الله على الأرض، أما رب المجد فيعُلن تأسيس ملكوته الأبدي. وموسى يوصي شعبه بعد أن حُرم من الدخول معهم إلى أرض الموعد، أما يسوع المسيح فيأتي ليحملهم إلى مجده الفائق. وهكذا بقية الآباء والأنبياء، ما قد عجزوا عن تقديمه لأنفسهم اشتهوه لإخوتهم وأولادهم وشعبهم، أما السيد المسيح فهو الرأس المنطلق إلى أمجاده ليحمل مؤمنيه جميعًا إلى حضن أبيه في قوة.
الآن نعود إلى النص الإنجيلي راجيًا الرجوع إلى تفسير الأصحاح الرابع والعشرين من إنجيل معلمنا متى البشير منعًا من التكرار، مشتاقًا أن يلهب الرب أعماقنا جميعًا لشهوة الالتقاء معه عند مجيئه إلينا في اليوم العظيم.
1. هدم الهيكل القديم
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير الإنجيل بحسب مرقس   تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Emptyالخميس يوليو 03, 2008 9:38 am

هدم الهيكل القديم
"وفيما هو خارج من الهيكل، قال له واحد من تلاميذه:
يا معلم، انظر ما هذه الحجارة؟ وما هذه الأبنية.
فأجاب يسوع وقال له: أتنظر هذه الابنية العظيمة؟
لا يُترك حجر على حجر لا يٌنقض" [1-2].
هذا السؤال قدمه أحد التلاميذ فيما كان السيد المسيح يخرج من الهيكل، فقد كانت أبنية الهيكل العظيمة بملحقاته تشغل ذهن اليهود كعلامة رضا الرب عنهم. لقد بدأ بناء الهيكل الثاني في عهد زرُبابل بسماح كورش ملك الفرس الذي أحسن لليهود وسمح لهم بالعودة من السبي والبدء في بناء الهيكل في القرن السادس ق.م، وقد امتاز الهيكل الجديد عن القديم بضخامته وإن كان أقل منه في الفخامة. وفي أيام هيرودس قبل ميلاد السيد المسيح، حوالي سنة 20 ق.م. بدأت عملية ترميم ضخمة بقيت حتى حوالي سنة 60م أي قبل خرابه بحوالي سبع سنوات كما يقول المؤرخ اليهودي يوسيفوس، موقعه حاليًا الحرم الشريف أو قبة الصخرة في مدينة أورشليم القديمة.
تم هذا التساؤل فيما كان السيد "يخرج" من الهيكل، أما سرّه فغالبًا أن هذا التلميذ أراد أن يسمع من فم معلمه ما جال في خواطر التلاميذ أن السيد جاء ليطهر الهيكل حتى يجعله مركز مملكته وقصره الملوكي، من خلاله يملك على العالم. فجاءت إجابة السيد المسيح تحطم خواطرهم المادية تمامًا، على نقيض ما كانوا يتوقعون، فقد استغل السيد المسيح هذا السؤال ليعُلن لتلاميذه عن إزالة الهيكل تمامًا، وخراب أورشليم، بل ونهاية العالم المادي كله حتى يسحب قلوبهم إلى الملكوت الروحي والمجد السماوي الأخروي.
يقول القديس كيرلس الكبير: [توقع (التلاميذ) أن يُعجب بالمنظر حين يراه، لكنه هو الله، عرشه السماء. أقول في لطفه لم يعطِ اهتمامًا للأبنية الأرضية بكونها تافهة بل وتُحسب كلا شيء تمامًا، إن قورنت بالمواضع العلوية. لقد أوقف الحوار الخاص بهذه الأبنية ووجهه إلى ما هو لازم لنفعهم. إن كان الهيكل بالنسبة لهم يستحق أن ينال كل الإعجاب، لكنه في الوقت المناسب يُخرب من أساساته حين يهدمه الرومان وتُحرق أورشليم بالنار، فينال إسرائيل جزاءه لقتله الرب، فقد حلت بهم هذه الأمور بعد صلب المخلص.]
لكن السيد وهو ينطق بهذا لا يطلب الانتقام¡ ولا يشتهي خراب مقاوميه، إنما بكونه كلمة الله يُعلن حقيقة الأحداث حتى يكشف لتلاميذه معالم الطريق. فمن جهة يلزمهم ألا يربطوا قلوبهم بحجارة وأبنية بل بهيكل روحي داخلي يسكنه الرب ويقيم فيه ملكوته ومن جهة أخرى يلزم هدم الحجارة من الفكر الحرفي فلا نسلك بالناموس حرفيًا بل ننعم به بالروح خلال هدم الحرف القاتل. أخيرًا فإنه يلزم أن ننعم بهدم هيكل إنساننا القديم تمامًا ولا يترك عمل من أعماله أو حجر على حجر إلا وينقض. هذه هي خبرتنا في مياه المعمودية حيث يحطم روح الله القدوس إنساننا القديم لكي لا يكون له أثر في حياتنا. فإن سلكنا بروح الله يقوم في داخلنا البناء الروحي الجديد الذي من عمل نعمة الله المجانية، أما إن عادت قلوبنا تطلب ما هو وراء يصير في داخلنا هيكل الخطية القديم وتتحول حياتنا إلى عمود ملح كامرأة لوط ونفقد بهاء ملكوت الرب فينا وأمجاده الفائقة.
يقول القديس أمبروسيوس: [تشير هذه الكلمات إلى هيكل سليمان وهدمه بواسطة الأعداء قبل زمن الدينونة، لأنه لا يوجد عمل لأيدينا إلا ويتآكل ويُقاوم فيهلك أو تلتهمه النيران. وتشير أيضًا إلى مجمع يهودي... حيث يُهدم الهيكل المادي المنظور الذي للناموس المادي، وأيضًا الفصح المادي المنظور... ويصبح الهيكل روحيًا، والناموس روحيًا، والفصح أيضًا روحيًا.]
2. ظهور مسحاء كذبة
"وفيما هو جالس على جبل الزيتون تجاه الهيكل،
سأله بطرس ويعقوب ويوحنا وأندراوس على انفراد:
قل لنا متى يكون هذا؟
وما هي العلامة عندما يتم جميع هذا؟
فأجابهم يسوع وابتدأ يقول: انظروا لا يضلكم أحد.
فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين: أني أنا هو،
ويضلون كثيرين" [3-6].
كان حديث السيد المسيح عن خراب الهيكل فرصة ليتحدث مع أربعة من تلاميذه على انفراد حديثًا خاصًا، هؤلاء الأربعة هم الذين اختارهم السيد ودعاهم للتلمذة قبل بقية التلاميذ، دعاهم اثنين فاثنين. وكما سبق فرأينا أنهم يمثلون الفرس المنطلقة بالمركبة الإلهية نحو السماء، أي المرتفعة بالكنيسة كمركبة نارية ملتهبة تنطلق من مجدٍ إلى مجدٍ نحو الحضن الإلهي. أو يمثلون أربعة حجارة حية أقامها السيد لبناء كنيسته الحيةّ. ولعل هؤلاء الأربعة يشيرون إلى الفضائل الأربعة اللازمة للكنيسة لتتمتع بمعرفة أسرار مجيئه الأخير: بطرس يشير إلى صخرة الإيمان، ويعقوب أي التعقب يشير إلى الجهاد أو المصارعة بلا توقف، ويوحنا أي الله حنان يشير إلى نعمة الله وحنانه، وأنداروس يعني "الجدية" أو "الرجولة" يشير إلى الانطلاق نحو الأبدية في جدية بلا تراخي. بمعنى آخر تمتع هؤلاء التلاميذ الأربعة بهذا الحديث الإلهي الخاص بمجيئه حتى ننعم نحن به إن كان في داخلنا هؤلاء الأربعة: الإيمان الذي يرفعنا عن الأرضيات نحو المسيّا المخلص، الجهاد العملي النابع عن إيماننا بالذي أحبنا، نعمة الله التي تتكئ عليها لتنقلنا من الأرضيات وترفعنا إلى الأبديات وأخيرًا الجدية في الطريق، إذ لا يعمل الله في المتهاونين.
وقد تم هذا الحديث حين كان السيد المسيح جالسًا على جبل الزيتون تجاه الهيكل، ولم يكن هذا بلا معنى، فجبل الزيتون هو الجبل الذي يقف عليه الرب بقدميه في يوم الرب ليبيد الشر (زك 14: 4)؛ وهو الجبل الذي شرقي المدينة، عليه رفع الكاروبيم أجنحته وانطلق بالمركبة الإلهية لتفارق لا الهيكل وحده وإنما كل مدينة أورشليم (حز 11: 22-23). على هذا الجبل أعلن الرب مفارقته للهيكل القديم رافعًا أنظارنا إلى الهيكل الجديد الذي يقوم هو نفسه ببنائه في داخلنا، حيث يقيم ملكوته السماوي داخلنا.
جبل الزيتون أيضًا هو كنيسة الله المقدسة التي يُغرس فيها المؤمنون كأشجار زيتون في بيت الرب، فيها يجلس الرب نفسه مع مؤمنيه ليحملهم إلى أسراره الإلهية الفائقة. يكشف لهم عن هدم الهيكل القديم، وقيام هيكل جديد في داخلهم لا يقدم ولا يشيخ، بل يتجدد على الدوام بروحه القدوس.
أول علامة لمجيئه هي ظهور مسحاء وأنبياء كذبة لخداع البشرية، فيقيمون مملكة إبليس تحت ستار المسيح أو اسم الله. لعل السيد بدأ بها لخطورتها، ففي كل جيل يعمل عدو الخير بطرق كثيرة لخداع الكثيرين وسحبهم عن مملكة الله والتمتع بخلاصه.
قدم لهم هذه العلامة في بداية حديثه عن نهاية الأزمنة وإعلان ملكوته الأبدي ليكشف لهم أن طريق الملكوت ضيق للغاية، يتطلب جهادًا لا ينقطع مع قوات الظلمة. فإن كان التلاميذ قد حزنوا حين سمعوا بخراب الهيكل تمامًا ونقض كل حجارته، فتساءلوا عن الزمان الذي يتحقق فيه ذلك، لعلهم ينعمون مع السيد في ملكوته ويكون لهم نصيب معه في الهيكل قبل خرابه الشامل سحب السيد المسيح قلوبهم من الحزن على هدم حجارة وأبنية إلى الاستعداد لمقاومة عدو الخير نفسه الذي يطلب هدم ملكوت الله في كل نفس. لذلك يقول معلمنا بولس الرسول: "أخيرًا يا إخوتي تقوّوا في الرب وفي شدة قوته، البسوا سلاح الله الكامل لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس، فإن مصارعتنا ليست مع دم ولحم، بل مع الرؤساء مع السلاطين، مع ولاة العالم على ظلمة هذا الدهر مع أجناد الشر الروحية في السماويات" (أف 6: 10-12).
كأن السيد المسيح يحذر تلاميذه طالبًا منهم ألا يرتبكوا بهدم الهيكل، بل بالحري يحذروا خداعات العدو الشرير الذي يقاوم تحت ستار اسم المسيح نفسه، مؤكدًا: "انظروا لا يضلكم أحد، فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين: إني أنا هو، ويضلون كثيرين".
قال يوسيفوس المؤرخ اليهودي أن مزورين كثيرين وسحرة جذبوا إليهم كثيرين إلى البرية يخدعونهم، فمنهم من جنّ، ومنهم من عاقبه فيلكس الوالي. من بينهم ذلك المصري الذي ذكره الأمير حين قال لبولس الرسول: "أفلست أنت المصري الذي صنع قبل هذه الأيام فتنة، وأخرج إلى البرية أربعة الآلاف الرجل من القتلة؟" (أع 21: 38).
إن كان كلمة الله يقدم كل الحب عمليًا ليجتذب النفوس إليه بالحق لتنعم بالاتحاد معه، فإن عدو الخير يخدع الكثيرين، ويضللَّهم بإرساله كثيرين يدعون التقوى ليضلوا النفوس، بل وأحيانًا يحملون اسم المسيح نفسه.
يحذرنا الشهيد كبريانوس ليس فقط من عدو الخير الذي يختفي أحيانًا تحت اسم المسيح للخداع، وإنما من أنفسنا لئلا نحمل نحن اسم المسيح دون قوته، قائلاً: [كما أنه يخدع بالاسم وهو ليس المسيح حقيقة، هكذا من (يحمل الاسم) ولا يسكن في حق إنجيله والإيمان به لا يكون بحق مسيحيًا.]
3. قيام حروب وحدوث كوارث
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير الإنجيل بحسب مرقس   تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Emptyالخميس يوليو 03, 2008 9:38 am

قيام حروب وحدوث كوارث
"فإن سمعتم بحروب وبأخبار حروب فلا ترتاعوا،
لأنها لابد أن تكون.
ولكن ليس المنتهى بعد.
لأنه تقوم أمة على أمة، ومملكة على مملكة،
وتكون زلازل في أماكن وتكون مجاعات واضطرابات.
هذه مبتدأ الأوجاع" [8].
هذه العلامة تسبق هدم الهيكل على يدّي تيطس الروماني، فقد التهبت المملكة الرومانية بنيران الحروب في الفترة ما بين صعود السيد المسيح وخراب الهيكل، منها الحرب التي اشتعلت في الإسكندرية حوالي عام 38م بين المصريين واليهود المقيمين فيها، والحرب التي نشبت في سلوكية وقُتل فيها خمسون ألفًا من اليهود. كما حدث هياج شديد بين اليهود والسامريين، وحدثت مجاعات كالتي تنبأ عنها أغابوس (أع 11: 28) وحدثت عام 49م. وتفشى وباء في روما عام 65م مات به ثلاثون ألفًا، كما حدثت زلازل في كريت عام 46م، وفي روما عام 51م، وفي أفاميا سنة 53م وفي لاذقية فريجية عام 60م، وفي أورشليم سنة 67م الخ.
هذه العلامة من ظهور حروب وانقسامات وزلازل ومجاعات واضطرابات تسبق أيضًا نهاية العالم ومجيء السيد المسيح، فكلما اقترب اليوم الأخير شعر عدو الخير بانهيار مملكته وقيام ملكوت الله الأبدي في كنيسته السماوية يبذل كل طاقاته لسحب النفوس إليه وجذبهم عن السيد المسيح فيربكهم بأعمال بشرية محطمة للإنسان كالحروب وهياج الطبيعة نفسها كالزلازل والمجاعات، أما النفس الثابتة في المسيح فلا تضطرب، بل ترتفع فوق كل الأحداث الزمنية لتنعم بعربون ملكوته وتختبر سلامه الفائق.
بنفس الفكر لا يطيق عدو الخير لقاءك مع مخلصك، فيثير حولك الكثير من الأحداث ليشغلك عنه ويحرمك من تجليه في قلبك. ليتك لا ترتبك بالحروب التي في داخلك ولا بالمجاعات والزلازل، بل ثق في السيد المسيح واهب السلام والشبع والراحة الحقيقية.
يقول القديس أمبروسيوس: [بجوار الأوبئة والحروب والمجاعات نجد حروبًا أخرى يتعرض لها المسيحي هي حروب مختلف الشهوات والصراع بين الرغبات... فتارة تثيرنا الشهوة، وأخرى تشتعل العاطفة، وتارة يرعبنا الخوف، وأخرى تحاول أجناد الشر التي في السماويات (أف 6: 12) أن تخيفنا، أما الإنسان الشجاع فيقول: "إن قام عليّ جيش لا أخاف لأنك أنت معي" (مز 26: 3). يقف حتى وإن قام ضده جليات العملاق ليفترسه، يقوم وسط رعب الآخرين كداود المتواضع الذي ألقى أسلحة الملك على الأرض (1صم 17) وأمسك بمقلاع الإيمان الحقيقي، ليضع فيه حجر الإيمان الطاهر، به يكسر تجّبر المضطهد ويستهين بتهديداته، ولا يخشى سلطانه، فاستحق أن يتحدث عنه المسيح... يتقدم هذا الغالب الذي ضرب جليات بسيفه هو. يقبل الموت من أجل المسيح، فيهرب أمامه الفلسطينيون وتتقدم الفتيات كالنسور، وهن يقلن: "ضرب شاول ألوف وداود ربوات" (1 صم 18: 7). هذا دليل على أن الذين يغلبون هذا العالم سيسبقون الملوك.]
4. حدوث مضايقات
لا تقف العلامات عند الضيقة الخارجية العامة من حروب ومجاعات وأوبئة وزلازل، لكنها تدخل إلى ضيقة خاصة بالمؤمن نفسه، ليحمل صليب الرب، إذ يقول: "فانظروا إلى نفوسكم، لأنهم سيسلمونكم إلى مجالس، وتُجلدون في مجامع، وتقفون أمام ولاة وملوك من أجلي شهادة لهم. وينبغي أن يُكرز أولاً بالإنجيل في جميع الأمم. فمتى ساقوكم ليسلموكم، فلا تعتنوا من قبل بما تتكلمون ولا تهتموا، بل مهما أُعطيتم في تلك الساعة فبذلك تكلموا، لأن لستم أنتم المتكلمين بل الروح القدس. وسيسلم الأخ أخاه إلى الموت، والأب ولده. ويقوم الأولاد على والديهم ويقتلونهم. وتكونون مبغضين من الجميع من أجل اسمي، ولكن الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص" [9-13].
"المضايقات" بالنسبة لمؤمن ليست مجرد علامة وسط علامات كثيرة لمجيء السيد، إنما هي المناخ الحيّ الذي فيه يتجلى الرب المصلوب داخل القلب. فالضيق هو قبول صليب ربنا يسوع المسيح ليُعلن ملكوته داخلنا. الضيق ليس بالأمر العارض في حياة المؤمن لكنه يلازم المؤمن على الدوام حتى يعبر من هذا العالم كما من الضيقة العظيمة (رؤ 7: 14). هذا ما أعلنه لنا الرب بوضوح، وكما يقول الأب ثيؤفلاكتيوس: [نطق بهذا لكي بسماعهم عنه يستعدون لاحتمال الاضطهادات والشرور بصبر عظيم.]
ويلاحظ في هذا الحديث الإلهي الآتي:
أولاً: يقول الرب: "انظروا إلى نفوسكم"، بمعنى آخر مهما اشتدت الضيقة، وأيا كان مصدرها سواء من أصحاب سلاطين كالولاة والملوك أو من المقربين جدًا كالآباء والأبناء أو الإخوة فإن سرّ القوة أو الضعف يتوقف على أعماق النفس الداخلية. إن نظرنا بالإيمان إلى نفوسنا الداخلية نجد فيها رب المجد مالكًا بمجد داخلي وبهاء فلا تستطيع الضيقة أن تجتاز إلى نفوسنا بل تبقى في الخارج! يمكننا أن نقول إن انفتحت بصيرتنا على السماء الداخلية لا تقدر الأرض بكل خداعها وإمكانياتها أن تلحق بنا، بل يرفعنا الروح القدس فوق التراب ويحملنا أعلى من التيارات الزمنية ويحفظنا في سلام إلهي فائق.
ثانيًا: إن كان الضيق يحل بالضرورة، فالكرازة بالإنجيل أيضًا لن تتوقف. وكأن ربنا يسوع يطمئننا أن عمل الله على الدوام يُقاوم، لكنه بالمقاومة يزداد قوة ويتجلى بأكثر بهاء.
ثالثًا: يتحول الضيق إلى شهادة للمضايقين أنفسهم، ففيما يحسبون أنهم قادرون أن يكتموا صوت الحق بالسلطان الزمني والعنف، إذا بالحق يتجلى أمامهم، ويزداد صوته وضوحًا في فكرهم. هذا ما رأيناه حين أراد هيرودس أن يكتم أنفاس القديس يوحنا المعمدان، فصار صوت يوحنا يدوي في أذنيه حتى بعد استشهاده.
رابعًا: إن مصدر الضيق الحقيقي ليس البشر، وإنما الحرب القائمة بين الله وإبليس، لهذا يليق بنا ألا نهتم بما نتكلم به، بل كما قال السيد: "لستم أنتم المتكلمون بل الروح القدس". روح الله هو قائد الكنيسة الذي أرسله الابن الصاعد إلى السماوات من عند أبيه ليتسلم تدبير الكنيسة وقيادتها.
5. رجسة الخراب
يقدم لنا السيد المسيح "رجسة الخراب" التي تحدث عنها دانيال النبي (دا 12: 11، راجع 9: 27، 11: 31) كعلامة خراب الهيكل، وأيضًا علامة من علامات نهاية الأزمنة ومجيء السيد المسيح الأخير. ويمكننا تلخيص الآراء في رجسة الخراب هكذا:
أولاً: يرى بعض الآباء والدارسين أن رجسة الخراب تشير إلى دخول العدو بجنوده إلى الهيكل وتدنيسه قبل هدمه وحرق المدينة بالنار. يقول الأب ثيؤفلاكتيوس: [ربما يعني برجسة الخراب دخول الأعداء إلى المدينة بالقوة.]
ثانيًا: جاء في سفر المكابيين الأول (1: 54) إلى تحقيق رجسة الخراب هذه عندما أقام أنتيخوس ابيفانيوس تمثال زيوس أولمبياس على مذبح المحرقة في الهيكل عام 167 ق.م (راجع أيضًا 2 مك 6: 2). ويرى البعض أن هذه الرجسة تكررت، فوضع بيلاطس تمثال قيصر في الهيكل، وحاول كالجولا Caligula أن يقيم لنفسه تمثالاً في هيكل أورشليم عام 40م تقريبًا، كما أقيم أيضًا تمثال لأدريان في قدس الأقداس نفسه لوقت طويل.
ثالثًا: رفض فريق من المفسرين الرأيين السابقين إذ يروا أن النص اليوناني لا يشير إلى رجسة خراب خلال إقامة تمثال أو دخول جنود وثنيين، إنما إلى ظهور شخص حقيقي ضد المسيح يقيم نفسه إلهًا في الهيكل كقول الرسول بولس في الرسالة الثانية إلى أهل تسالونيكي. وكأن هذه العلامة تشير إلى ظهور ضد المسيح الذي يقيم نفسه في هيكل الرب معبودًا.
6. وصايا للدخول في الملكوت
إذ قدم السيد لكنيسته علامات المنتهى من حلول ضيقات كالحروب والمجاعات والأوبئة والزلازل، وحلول مضايقات خاصة من أجل الكرازة بالإنجيل، وأعلن عن ظهور أنبياء كذبة ومسحاء خاصة ضد المسيح، وهبها وصايا خاصة تسندها في هذا الجو الصعب حتى يجتاز الضيقة المستمرة وتعبر به إلى ملكوته. سبق لنا الحديث عن هذه الوصايا في دراستنا لإنجيل متى الإصحاح الرابع والعشرين، لكننا نقول هنا أن هذا النص يحمل معنيين:
أولاً: المعنى الحرفي، فقد قيل أن المسيحيين إذ رأوا علامات اقتراب خراب الهيكل هربوا من اليهودية وانطلقوا إلى الجبال كوصية سيدهم، فخلصوا من محاصرة تيطس لأورشليم ولم يسقطوا تحت الضيق الذي تمرر به اليهود.
ثانيًا: المعنى الرمزي وهو لقاؤنا مع السيد المسيح القادم إلى قلوبنا ليتجلى كما على سحاب السماء، فيلزمنا أن ننطلق من يهودية الحرف القاتل إلى جبال الروح، لنعيش في حرية الإنجيل لا عبودية حرف الناموس. إن كان الرب يعلن لتلاميذه انه لا جدوى من مقاومة الرومان ولا من مسالمتهم ولا يمكن الاختفاء منهم في مدينة بل يلزم الهرب منهم على الجبال، هكذا يليق بنا إذ تشتد حروب الشيطان علينا ألا نقف أمامه ولا نهادنه بل نهرب إلى الرب نفسه بكونه الجبل المقدس الذي يحملنا فيه.
في نص منسوب للقديس جيروم جاء: [هروبنا إلى الجبال يعني الصعود إلى أعالي الفضيلة حتى لا نهبط إلى أعماق الخطية.]
هكذا من ارتفع إلى السطح، أي صعد على سلم الفضيلة، وصار على السطح، يرى مع الرسول بطرس الملاءة النازلة من السماء (أع 10: 11) لا يعود ينزل إلى الطبقات السفلى، ولا يطلب السفليات. بمعنى آخر من ارتفع فوق الأعمال الجسدانية وعاش في الروحيات يتنسم هواء الحرية النقي ويرى السماوات مفتوحة أمام عينيه فلا ينزل إلى مناقشاته القديمة ولا يطلب شهوات الجسد وأمور هذا العالم الزمني.
هكذا من انطلق إلى حقل الكرازة فلا يرجع عن الخدمة ولا يعود يهتم بثوبه، أي بالجسديات.
أما عن قوله "ويل للحبالى والمرضعات في تلك الأيام"، فيقول الأب ثيؤفلاكتيوس أنه يشير إلى ما فعلته اليهوديات في ذلك الوقت إذ طبخ النساء أطفالهن من شدة الجوع. ولعل الحبالى والمرضعات يشرن إلى النفوس التي لا تنضج بعد ولا أنجبت ثمار الروح، فلا تحتمل الضيقة ولا تقدر على الهروب بل تكون مثقلة كالحامل أو المرضعة.
يُطلب منا أن نصلي ألا يكون هربنا في شتاء، وكما يقول الأب ثيؤفلاكتيوس: [يلزمنا أن نتجنب الخطية بحرارة لا ببرود وخمول.]
7. الضيقة العظمى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير الإنجيل بحسب مرقس   تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Emptyالخميس يوليو 03, 2008 9:39 am

الضيقة العظمى
"لأنه يكون في تلك الأيام ضيق
لم يكن مثله منذ ابتداء الخليقة التي خلقها الله إلى الآن ولن يكون.
ولو لم يقصر الرب تلك الأيام لم يخلص جسد،
ولكن لأجل المختارين الذين اختارهم قصّر الأيام" [19-20].
حقًا إنها الضيقة العظمى التي يشهدها العالم بظهور ضد المسيح مقاومًا الكنيسة في العالم، لكنها ضيقة بسماح من الله لا تفلت من عنايته. يقصرّها الله من أجل مختاريه حتى لا تنهار نفوسهم.
في العهد القديم كان الله يسمح بالضيقات تشتد لأجل توبة الساقطين، لكنه يعود فيترفق حتى لا تنحل الباقية التي التصقت بالرب وسط جيل ملتوٍ وشعب معاند. وفي أيام خراب الهيكل اشتدت الضيقة جدًا وقد وصفها المؤرخ يوسيفوس المعاصر لها بكلمات مرة وقاسية فذكر أن الرومان كانوا يأتون باليهود ويصلبونهم بالمئات في هزء وسخرية حتى ضاقت الساحات بالصلبان، واشتد الجوع بالنساء حتى طبخن أطفالهن. وكانوا يلقون بالكهنة عراة في الوحل ويقدمونهم طعامًا للحيوانات المفترسة. وقد قصرّ الرب الأيام من أجل المسيحيين الهاربين من اليهودية إلى الجبال حتى لا تلحق بهم. أما في أواخر الأيام حين يأتي ضد المسيح، فيحارب الكنيسة في كل موضع ولا يسمح لمؤمن أن يبيعٍ أو يشتري ما لم يضع سمة الوحش على جبهته أو يده اليمنى. ويقصرّ الله أيضًا الأيام من أجل المختارين.
بنفس الروح في حياة كل واحد منا يسمح الله لنا بالضيق يشتد حتى الهزيع الأخير وحين نظن أنه لا نجاة، يتجلى على المياه محطمًا الأمواج، معلنًا ذاته لنا كمخلص للنفس والجسد معًا.
8. ظهور أنبياء كذبة
"حيئنذ إن قال لكم أحد هوذا المسيح هنا أو هوذا هناك فلا تصدقوا.
لأنه سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة،
ويعطون آيات وعجائب لكي يضلوا لو أمكن المختارين أيضًا.
فانظروا أنتم، ها أنا قد سبقت وأخبرتكم بكل شيء" [21-23].
هذا هو مركز الحديث، أن عدو الخير لا يتوقف عبر الأزمنة عن مقاومة ملكوت الله بكل قوة، خاصة في الأيام الأخيرة، مستخدمًا كل وسيلة للتضليل، كما فعل السحرة في أيام موسى. في الأيام الأخيرة يتفنن عدو الخير في عمل الآيات والعجائب لكي يضل لو أمكن المختارين، لكن الله يحفظ مختاريه.
v كثيرون ينسبون لأنفسهم اسم المسيح ليخدعوا إن أمكن حتى المؤمنين.
الأب ثيؤفلاكتيوس
v عندئذ سُيحل الشيطان، فيعمل بكل قوته خلال ضد المسيح بطريقة باطلة ومدهشة... إنه يخدع الحواس الميتة بأوهام فيظهر كمن يعمل أعمالاً في الحقيقة هو لم يعملها؛ أو ربما يفعل عجائب حقيقية لكنها تضلل الناس عن الحق، إذ يحسبونها قوة إلهية.
القديس أغسطينوس
v لماذا يقول: "إن أمكن" كما لو كان يُشك فيهم مع أن الرب يعرف مقدمًا ما سيحدث؟ فإنه يحدث أحد أمرين: إن كانوا مختارين لا يمكن أن يضلوا وإن أمكن أن يضلوا فهم ليسوا مختارين... (قال هذا لإبراز مدى تضليل هؤلاء الكذبة).
البابا غريغويوس (الكبير)
9. انهيار الطبيعة
"وأما في تلك الأيام بعد ذلك الضيق فالشمس تظلم،
والقمر لا يعطى ضوءه.
ونجوم السماء تتساقط،
والقوات التي في السماوات تتزعزع" [24-25].
يرى كثير من الآباء أن هذه الأمور تتحقق بطريقة حرفية قبيل مجيء السيد المسيح على السحاب، فينهار العالم المادي تمامًا ليظهر الملكوت السماوي الأبدي.
جاءت هذه الصورة معلنة في سفر إشعياء النبي (ص 13: 9-13) تعلن عن يوم الرب القريب كيومٍ قاسٍ بسخط وحمو غضب، يبيد كل ما هو أرضي وما هو مادي! ولعله إذ يربط خراب الأرض وزعزعتها بزلزلة السماوات وفقدان كواكبها نورها، يود أن يعلن أن الذين في مجدهم حسبوا أنفسهم قد صاروا شمسًا أو قمرًا أو كواكب متلألئة لن يفلتوا من غضب الرب وإدانته لهم. هذا الفكر واضح ليس في إشعياء وحده ولكن في كثير من الأنبياء:
"فإن نجوم السماوات وجبابرتها لا تبرز نورها. تظلم الشمس عند طلوعها، والقمر لا يلمع بضوئه، وأعاقب المسكونة على شرها والمنافقين على إثمهم، وأبطل تعظم المستكبرين وأضع تجبر العتاة... لذلكأزلزل السماوات، وتتزعزع الأرض من مكانها في سخط رب الجنود" (إش 13: 10-13).
"ويفنى كل جند السماوات، وتلتف السماوات كدرج، وكل جندها ينتثر كانتثار الورق من الكرمة والسُقاط من التينة" (إش 34: 4).
"وعند إطفائي إياك أحجب السماوات، وأظلم نجومها، وأغشي الشمس بسحاب، والقمر لا يعطي ضوءه، وأظلم فوقك كل أنوار السماء المنيرة، وأجعل الظلمة على أرضك يقول السيد الرب" (حز 32: 7-8). لعله هنا يشير إلى المؤمن وقد رفض نعمة الله بإصراره على الشر وقبوله خداعات العدو الشرير لم يعد مستحقًا أن يتمتع بنور شمس البرّ أي عمل المسيح فيه، ويحرم من نور القمر وضوئه أي من البركات الكنسية، كما يفقد التمتع بأنوار نجوم السماء إذ لا ينعم بشركة مع السمائيين أو القديسين. هكذا يفقد كل بركة وكل استنارة وتتحول أعماقه كما إلى أرض مظلمة لا ترى بصيصًا من النور السماوي.]
"يكون في ذلك اليوم، يقول السيد الرب، إني أغيب الشمس في الظهر، وأقتم الأرض في يوم نور.وأحوّل أعيادكم نوحًا وجميع أغانيكم مراثي" (عا 8: 9-10).
"قدامه ترتعد الأرض وترجف السماء. الشمس والقمر يظلمان، والنجوم تحجز لمعانها" (يؤ 2: 10).
على أن الأحوال إذ يظهر السيد المسيح شمس البرّ، والكنيسة عروسه القمر السماوي، والمؤمنون كواكب أبدية، تختفي الشمس وتظلم القمر وتحجز النجوم لمعانها أمام هذا المنظر السماوي الأبدي الجديد.
في نص منسوب للقديس جيروم يرى انهيار الطبيعة هنا هو انهيار روحي للنفوس التي قبلت ضد المسيح وسقطت تحت سلطانه الشرير ففقدت في حياتها كل استنارة داخلية، إذ يقول: [تظلم الشمس بسبب برود قلوبهم كما في فصل الشتاء، ولا يعطى القمر ضوءه بصفاء في ذلك الوقت، ونجوم السماء تحجز ضوءها عندما يختفي كل نسل إبراهيم الذي يشبّه بنجوم السماء (تك 22: 17)، وقوات السماء تثور للانتقام عندما يأتون مع ابن الإنسان في مجيئه.]
10. مجيء ابن الإنسان
"وحينئذ يبصرون ابن الإنسان آتيًا في سحاب بقوة كثيرة ومجد،
فيرسل حينئذ ملائكته ويجمع مختاريه من الأربع الرياح
من أقصاء الأرض إلى أقصاء السماء" [27].
إذ ينحل العالم المنظور المادي يُعلن العالم الجديد غير المنظور السماوي وذلك بحضور كلمة الله المتجسد في سحاب بقوة كثيرة ومجد. يرى القديس أغسطينوس أن مجيئه في السحاب إنما يعني مجيئه في كنيسته كل يوم التي حملت السمة السماوية وارتفعت عن الفكر الزمني فصارت سحابًا سماويًا. يأتي الرب محمولاً على سحابة القديسين التي تحدث عنها الرسول بولس، قائلاً: "لنا سحابة من الشهود مقدار هذه محيطة بنا" (عب 12: 1).
يأتي رب المجد مع ملائكته كحصّادين يجمعون الثمار من أربع جهات المسكونة، ويرى القديس أغسطينوس أن الرب يجمع بملائكته آدم الذي سبق فتشتت في العالم فصار في المشارق والمغارب والشمال والجنوب، فكلمة آدم في اليونانية تحوي أربعة حروف هي الحروف الأولى للجهات الأربع:
الشرق Amatole، الغرب Dysis، الشمال Arctos، الجنوب .Mesembria
كأن الله يرى آدم وقد صار مبعثرًا في كل جهات المسكونة يجمعه ليرده لا إلى جنة عدن وإنما إلى الملكوت السماوي الأبدي.
من كلمات الآباء عن هذا المجيء:
v بحق نؤمن أنه سيأتي ليس فقط بذات الجسد، وإنما على السحاب، يأتي كما صعد إذ استقبلته سحابة عند صعوده (أع 10: 11).
v رؤية ابن الإنسان (الناسوت) تظهر للأشرار، أما اللاهوت فلا يظهر إلا لأنقياء القلب وحدهم هؤلاء الذين يعاينونه الله (مت 5: 8). لا يستطيع الأشرار أن يروا ابن الله بكونه مساويًا للآب، لكن ينظره الكل الأبرار والأشرار وهو يدين الأحياء والأموات.
القديس أغسطينوس
v لا يأتي المسيح خفية ولا بطريقة غامضة بل بكونه الله الرب، يأتي في مجد يليق باللاهوت ليحوّل كل شيء إلى ما هو أفضل. إنه يجدد الخليقة ويعيد تشكيل طبيعة الإنسان.
القديس كيرلس الكبير
11. مثل شجرة التين
إذ قدم لنا العلامات الخاصة لمجيئه شبهها بأوراق شجرة التين التي متى ظهرت نعرف أن الصيف قريب. ما هو هذا الصيف الذي يقترب منّا إلا الأبدية التي تلتهب بنيران الحب الإلهي، ولا يعرف البرود الروحي له فيها موضعًا؟
فهم كثير من الدارسين منذ عصر مبكر أن هذه الشجرة التي متى اخضر ورقها نعرف أن الصيف قريب هي الشعب اليهودي الذي صار كشجرة التينة التي سقطت تحت اللعنة بسبب جحودها (مر 15: 13-14). فإذ تعود إليها الحياة خلال عودتها للإيمان مرة أخرى في أواخر الدهور نعرف أن الزمان قد اقترب. هذا التفسير قام على كلمات الرسول بولس: "إن القساوة قد حصلت جزئيًا لإسرائيل إلى أن يدخل ملء الأمم، وهكذا سيخلص جميع إسرائيل" (رو 11: 25-26).
جاءت أحداث وتصريحات كثيرة في الكتاب المقدس تعلن عن عودة اليهود في نهاية الأزمنة إلى قبول السيد المسيح بعد أن يكتشفوا خطأهم بصلبه ورفضهم إياه. فمن تلك الأحداث عودة مريم أخت موسى وهرون إلى المحلة بعد أن أصابهم البرص وبقيت سبعة أيام خارج المحلة ولم يرتحل الشعب حتى أُرجعت مريم (عد 12: 15). ففي رأي العلامة أوريجينوس أن مريم هنا تشير إلى الشعب اليهودي الذي أُصيب ببرص عدم الإيمان فصار خارج المحلة، حتى يعود في أواخر الدهور إلى المحلة من جديد مع كنيسة الأمم في العالم كله!
12. تأكيد مجيئه
أكد السيد المسيح مجيئه بقوله: "الحق أقول لكم لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله. السماء والأرض تزولان، ولكن كلامي لا يزول" [30-31].
تحقق قول السيد حرفيًا إذ شاهد بعض السامعين إن لم يكن جميعهم الأحداث الخاصة بخراب الهيكل وتحطيم أورشليم. أما بقية الأحداث فقد تحققت فعلاً بقبول الأمم للسيد المسيح في حياتهم وأنه قد جاء يعلن مجده في داخلهم.
عبارة السيد المسيح التي بين أيدينا ألهبت الكنيسة في عصر الرسل، إذ حسبوا أنهم يعيشون في آخر الأزمنة بمعنى أنهم يشاهدون مجيئه على السحاب. وكان لهذا الإحساس أثر على حياتهم وسلوكهم وعبادتهم كما على مشاعرهم وأحاسيسهم، فعاش الغالبية بفكر إسخاتولوجي أي انقضائي؛ عاشوا على الأرض بأجسادهم أما قلوبهم فكانت في السماء.
13. عدم معرفة الساعة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير الإنجيل بحسب مرقس   تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Emptyالخميس يوليو 03, 2008 9:39 am

. عدم معرفة الساعة
قبل أن يختم حديثه بالدعوة للسهر أراد أن يوجه أنظار تلاميذه إلى عدم الانشغال بمعرفة الأزمنة والأوقات، إنما بالاستعداد بالسهر المستمر وترقب مجيئه، لهذا قال: "وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بها أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الابن إلا الآب" [32].
هل يجهل السيد المسيح الساعة؟
أولاً: يقول القديس أمبروسيوس أن السيد المسيح هو الديان وهو الذي قدم علامات يوم مجيئه لذا فهو لا يجهل اليوم. هذا وإن كان يوم مجيئه هو "السبت" الحقيقي الذي فيه يستريح الله وقديسوه فكيف يجهل هذا اليوم وهو "رب السبت" (مت 12: 18)؟
ثانيًا: يرى القديس أغسطينوس أن السيد المسيح لا يجهل اليوم، إنما يعلن أنه لا يعرفه، إذ لا يعرفه معرفة من يبيح بالأمر. لعله يقصد بذلك ما يعلنه أحيانًا مدرس حين يُسأل عن أسئلة الامتحانات التي وضعها فيجيب أنه لا يعرف بمعنى عدم إمكانيته أن يُعلن ما قد وضعه، وأيضًا إن سُئل أب اعتراف عن اعترافات إنسان يحسب نفسه كمن لا يعرفها. يقول القديس أغسطينوس: [حقًا إن الآب لا يعرف شيئًا لا يعرفه الابن، لأن الابن هو معرفة الآب نفسه وحكمته، فهو ابنه وكلمته وحكمته. لكن ليس من صالحنا أن يخبرنا بما ليس في صالحنا أن نعرفه... إنه كمعلم يعلمنا بعض الأمور ويترك الأخرى لا يعرفنا بها. إنه يعرف أن يخبرنا بما هو لصالحنا ولا يخبرنا بالأمور التي تضرنا معرفتها.]
كما يقول: [قيل هذا بمعنى أن البشر لا يعرفونها بواسطة الابن، وليس أنه هو نفسه لا يعرفها، وذلك بنفس التعبير كالقول: "لأن الرب إلهكم يمتحنكم لكي يعلم" (تث 13: 3)، بمعنى أنه يجعلكم تعلمون. وكالقول: "قم يا رب" (مز 3: 7)، بمعنى "اجعلنا أن نقوم"، هكذا عندما يُقال أن الابن لا يعرف هذا اليوم فذلك ليس لأنه لا يعرفه وإنما لا يظهره لنا.]
بنفس الفكر يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [بقوله "ولا ملائكة" يسد شفاهم عن طلب معرفة ما لا تعرفه الملائكة، وبقوله "ولا الابن" يمنعهم ليس فقط من معرفته وإنما حتى عن السؤال عنه.]
هكذا أيضًا قال الأب ثيؤفلاكتيوس: [لو فقال لهم أنني أعرف الساعة لكنني لا أعلنها لكم لأحزنهم إلى وقت ليس بقليل لكنه بحكمة منعهم من التساؤل في هذا الأمر.] وقال القديس هيلاري أسقف بواتييه: إن السيد المسيح فيه كنوز المعرفة، فقوله إنه لا يعرف الساعة إنما يعني إخفاءه كنوز الحكمة التي فيه.
ثالثًا: يرى القديس إيريناؤس أنه وإن كان السيد المسيح العارف بكل شيء لم يخجل من أن ينسب معرفة يوم الرب للآب وحده كمن لا يعرفه، أفلا يليق بنا بروح التواضع أن نقتدي به حين نُسأل في أمور فائقة مثل كيفية ولادة الابن من الآب أن نُعلن أنها فائقة للعقل لا نعرفها.
14. دعوة للسهر
ختم السيد المسيح حديثه عن مجيئه الأخير بدعوة تلاميذ لحياة السهر ترقبًا للقاء معه: "انظروا. اسهروا وصلوا، لأنكم لا تعلمون متى يكون الوقت. كأنما إنسان مسافر ترك بيته، وأعطى عبيده السلطان، ولكل واحد عمله، وأوصى البواب أن يسهر. اسهروا إذًا لأنكم لا تعلمون متى يأتي رب البيت، أمساء أم نصف الليل أم صياح الديك أم صباحًا. لئلا يأتي بغتة فيجدكم نيامًا" [33-36].
يقول الأب ثيؤفلاكتيوس: [يعلمنا أمرين: السهر والصلاة، فإن كثيرين منا يسهرون لكنهم يقضون الليل في الشر.]
يطالبنا السيد أن نسهر الليل كله لئلا يأتي السيد بغتة فيجدنا نيامًا، هنا يقسم الليل إلى أربعة أقسام كل قسم عبارة عن 3 ساعات (مساء، نصف الليل، صياح الديك، صباحًا)، وإن كان اليهود في فلسطين يفضلون تقسيمه إلى ثلاثة أقسام (لو 12: 38). على أي الأحوال واضح أن السهر الذي يسألنا السيد إياه يعني يقظة القلب الداخلي، ليقول المؤمن: "أنا نائمة وقلبي مستيقظ".
1 و فيما هو خارج من الهيكل قال له واحد من تلاميذه يا معلم انظر ما هذه الحجارة و هذه الابنية
2 فاجاب يسوع و قال له اتنظر هذه الابنية العظيمة لا يترك حجر على حجر لا ينقض
3 و فيما هو جالس على جبل الزيتون تجاه الهيكل ساله بطرس و يعقوب و يوحنا و اندراوس على انفراد
4 قل لنا متى يكون هذا و ما هي العلامة عندما يتم جميع هذا
5 فاجابهم يسوع و ابتدا يقول انظروا لا يضلكم احد
6 فان كثيرين سياتون باسمي قائلين اني انا هو و يضلون كثيرين
7 فاذا سمعتم بحروب و باخبار حروب فلا ترتاعوا لانها لا بد ان تكون و لكن ليس المنتهى بعد
8 لانه تقوم امة على امة و مملكة على مملكة و تكون زلازل في اماكن و تكون مجاعات و اضطرابات هذه مبتدا الاوجاع
9 فانظروا الى نفوسكم لانهم سيسلمونكم الى مجالس و تجلدون في مجامع و توقفون امام ولاة و ملوك من اجلي شهادة لهم
10 و ينبغي ان يكرز اولا بالانجيل في جميع الامم
11 فمتى ساقوكم ليسلموكم فلا تعتنوا من قبل بما تتكلمون و لا تهتموا بل مهما اعطيتم في تلك الساعة فبذلك تكلموا لان لستم انتم المتكلمين بل الروح القدس
12 و سيسلم الاخ اخاه الى الموت و الاب ولده و يقوم الاولاد على والديهم و يقتلونهم
13 و تكونون مبغضين من الجميع من اجل اسمي و لكن الذي يصبر الى المنتهى فهذا يخلص
14 فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي قائمة حيث لا ينبغي ليفهم القارئ فحينئذ ليهرب الذين في اليهودية الى الجبال
15 و الذي على السطح فلا ينزل الى البيت و لا يدخل لياخذ من بيته شيئا
16 و الذي في الحقل فلا يرجع الى الوراء لياخذ ثوبه
17 و ويل للحبالى و المرضعات في تلك الايام
18 و صلوا لكي لا يكون هربكم في شتاء
19 لانه يكون في تلك الايام ضيق لم يكن مثله منذ ابتداء الخليقة التي خلقها الله الى الان و لن يكون
20 و لو لم يقصر الرب تلك الايام لم يخلص جسد و لكن لاجل المختارين الذين اختارهم قصر الايام
21 حينئذ ان قال لكم احد هوذا المسيح هنا او هوذا هناك فلا تصدقوا
22 لانه سيقوم مسحاء كذبة و انبياء كذبة و يعطون ايات و عجائب لكي يضلوا لو امكن المختارين ايضا
23 فانظروا انتم ها انا قد سبقت و اخبرتكم بكل شيء
24 و اما في تلك الايام بعد ذلك الضيق فالشمس تظلم و القمر لا يعطي ضوءه
25 و نجوم السماء تتساقط و القوات التي في السماوات تتزعزع
26 و حينئذ يبصرون ابن الانسان اتيا في سحاب بقوة كثيرة و مجد
27 فيرسل حينئذ ملائكته و يجمع مختاريه من الاربع الرياح من اقصاء الارض الى اقصاء السماء
28 فمن شجرة التين تعلموا المثل متى صار غصنها رخصا و اخرجت اوراقا تعلمون ان الصيف قريب
29 هكذا انتم ايضا متى رايتم هذه الاشياء صائرة فاعلموا انه قريب على الابواب
30 الحق اقول لكم لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله
31 السماء و الارض تزولان و لكن كلامي لا يزول
32 و اما ذلك اليوم و تلك الساعة فلا يعلم بهما احد و لا الملائكة الذين في السماء و لا الابن الا الاب
33 انظروا اسهروا و صلوا لانكم لا تعلمون متى يكون الوقت
34 كانما انسان مسافر ترك بيته و اعطى عبيده السلطان و لكل واحد عمله و اوصى البواب ان يسهر
35 اسهروا اذا لانكم لا تعلمون متى ياتي رب البيت امساء ام نصف الليل ام صياح الديك ام صباحا
36 لئلا ياتي بغتة فيجدكم نياما
37 و ما اقوله لكم اقوله للجميع اسهروا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير الإنجيل بحسب مرقس   تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Emptyالخميس يوليو 03, 2008 9:40 am


الأصحاح الرابع عشر
الإعداد للصليب
في الأصحاح السابق جلس السيد المسيح على جبل الزيتون ليعلن لأربعة من تلاميذه علامات المنتهى، ساحبًا قلوبهم إلى سماواته، مؤكدًا لهم أنه يرعى مختاريه بالرغم مما يجتازونه من ضيقات خاصة في أواخر الدهور. وجاء الأصحاح الذي بين أيدينا يقدم لنا صورة للبشرية التي لا تطيق السيد المسيح فتريد أن تطرده. اجتمع رؤساء الكهنة مع الكتبة يطلبون قتله لكنهم خافوا الشعب؛ ووجد يهوذا التلميذ الفرصة سانحة لتسليم سيده من أجل قليل من الفضة. هكذا بينما يفتح السيد سماواته مشتاقًا أن يجمع الكل فيها، إذا بالقيادات الدينية حتى بين تلاميذه من يسلمه للموت.
لكن وسط هذه الصورة المؤلمة وُجدت امرأة محبة تسكب الطيب كثير الثمن على رأس السيد ليمتلئ بيت سمعان الأبرص برائحته الذكية، ومع هذا لم تسلم هذه المرأة من النقد اللاذع.
على أي الأحوال إذ اقترب الفصح كانت الأمور تجري نحو الصليب لذبح الفصح الحقيقي، القادر أن يعبر بنا خلال آلامه وموته إلى قوة قيامته:
1. تدبير رؤساء الكهنة والكتبة قتله 1- 2.
2. كسر قارورة الطيب 3-9.
3. خيانة يهوذا 10-11.
4. وليمة الفصح 12-16.
5. إعلان عن الخيانة 17-21.
6. تأسيس الأفخارستيا 22-26.
7. إعلان عن شك التلاميذ فيه 27-31.
8. ذهابه إلى جثيسيماني 32-42.
9. القبض عليه 43-52.
10.محاكمته دينيًا 53-65.
11.إنكار بطرس 66-72.
1. تدبير رؤساء الكهنة والكتبة قتله
"وكان الفصح وأيام الفطير بعد يومين،
وكان رؤساء الكهنة والكتبة يطلبون كيف يمسكونه بمكر ويقتلونه.
لكنهم قالوا ليس في العيد، لئلا يكون شغب في الشعب" [1-2].
يميز العهد القديم بين عيد الفصح وعيد الفطير، فكان خروف الفصح يُذبح في اليوم الرابع عشر من الشهر الأول في المساء، ويبدأ عيد الفطير في الخامس عشر لمدة أسبوع. لكن ارتبط العيدان معًا في ذهن اليهود وكأنهما صارا عيدًا واحدًا، لهذا يُستخدم تعبير "عيد الفطير" ليشمل الفصح أيضًا، كما يطلق اسم "الفصح" على عيد الفطير أيضًا.
لقد اتفق رؤساء الكهنة والكتبة على تدبير خطة لقتل السيد المسيح بعد العيد خوفًا من الجماهير، ولم يدركوا أن السيد المسيح قد جاء فصحًا عن العالم، بل هو الفصح الحقيقي ذُبح في العيد. كان رب المجد يتمم خطته الخلاصية بفرح وسرور مستهينًا بالخزي ليقبل كل نفس إليه، وكان قادة الفكر اليهودي يتممون خطتهم للخلاص منه وطرده لا من أورشليم، بل من الأرض كلها، بقتله!
مساكين هم رؤساء الكهنة والكتبة، فقد التهبت قلوبهم بالحسد، فلم ينشغلوا بالإعداد الروحي لعيد الفصح. إذ كان يليق بهم أن يرشوا الكتاب المقدس بالدم وأيضًا قوائم أفكارهم، ويضعوا الخيط القرمزي على باب صلواتهم ويربطوه على قلوبهم، فيدركوا أن السيد المسيح الذي ظهر في أيامهم هو الفصح الحقيقي.
خلال حسدهم الشرير لم يتعرفوا على الحمل الحقيقي، ولا فهموا الذبيحة الرمزية التي بين أيديهم بكل أسرارها، هذه التي أدركها الآباء وعاشوها. ففي نص منسوب للقديس جيروم جاء [لقد رُمز لآلام المسيح وخلاص الشعب من الجحيم بذبيحة الحمل وعبور الشعب البحر منطلقين من مصر. لقد افتقدنا (في عيد الفصح) حين كان القمر في كماله إذ لم يكن في المسيح أي نصيب للظلمة. لنأكل جسد الحمل الذي بلا عيب، هذا الذي ينزع خطايا العالم، لنأكله في بيت واحد، أي في الكنيسة الجامعة المرشوشة بالحب والحاملة سلاح الفضيلة.]
كان رؤساء الكهنة والكتبة يدبرون قتله ولم يدركوا أنهم حتى في شرهم يتممون خطة السيد المسيح الذي حدد بنفسه يوم آلامه ليصلب في عيد الفصح!
2. كسر قارورة الطيب
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير الإنجيل بحسب مرقس   تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Emptyالخميس يوليو 03, 2008 9:41 am

كسر قارورة الطيب
"وفيما هو في بيت عنيا في بيت سمعان الأبرص وهو متكئ
جاءت امرأة معها قارورة طيب نادرين خالص كثير الثمن،
فكسرت القارورة وسكبته على رأسه" [3].
كان السيد في بيت عنيا، أي في بيت العناء أو الألم، عيناه تنظران إلى الصليب بسرور، كقول الرسول بولس: "الذي من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهينًا بالخزي" (عب 12: 2). وكان يرى التحركات الضخمة والسريعة بين جميع القيادات اليهودية المتضاربة، تعمل معًا لأول مرة بهدف واحد، هو الخلاص منه! وسط هذا الجو المّر وُجدت امرأة استطاعت أن تلتقي به في بيت سمعان الأبرص لتقدم حبها الخالص وإيمانها الحيّ العملي، لتتقبل من السيد مديحًا ومجدًا أبديًا!
التقت بالسيد في بيت سمعان الأبرص، وقد دُعي هكذا لأنه كان أبرصًا وطهره السيد، وقد حمل هذا الاسم تذكارًا لما كان عليه ليمجد السيد المسيح الذي طهّره.
ولعل بيت سمعان الأبرص يشير إلى الكنيسة التي ضمت في داخلها من الشعوب والأمم أولئك الذين سبقوا فتنجسوا ببرص الخطية وقد طهرههم السيد بدمه المبارك! في هذه الكنيسة توجد امرأة، لم يذكر الإنجيلي اسمها ولا مركزها إذ هي تشير إلى كل نفس صادقة في لقائها مع السيد.
تشير قارورة الطيب الناردين الخالص كثير الثمن إلى الحب الداخلي، حب النفس لمخلصها، هذا الذي رائحته تملا الكنيسة كلها وترتفع إلى السماوات عينها، إن كسرت القارورة، أي احتمل الإنسان الألم وقبل الموت اليومي من أجل المصلوب.
إن كان اسم السيد المسيح دهن مهراق (1: 2)، فاحت رائحته الذكية حين أُهرق دمه مجتازًا المعصرة وحده، فإن الكنيسة بدورها تقدم حياتها مبذولة كقارورة طيب منكسرة لتعلن رائحة محبتها الداخلية.
أما عن سكب الطيب على رأس السيد، ففي نص منسوب للقديس جيروم قيل أن المرأة سكبت الطيب من القدمين حتى بلغت الرأس، لكن الإنجيلي حسبها سكبته على رأسه. ولعل ذلك يشير إلى نظرة السيد المسيح إلى أعمال المحبة أنها جميعًا تقدم لحسابه. فما قدمه للفقراء والمساكين والمرضى والمسجونين والمتضايقين والحزانى من أعمال محبة إنما يتقبله السيد المسيح نفسه كرأسٍ الكل. بمعنى آخر نحن نسكب الطيب على الأعضاء فيُنسب هذا العمل إلى الرأس، ويحسبنا سكبناه عليه.
لم يطق يهوذا محب الفضة هذا العمل الكنسي المفرح، إذ كان يود أن يُقدم ثمن القارورة له ليضعه في الخزانة لحساب الفقراء فينهبه. لهذا أثار تبرمًا وسط المحيطين به، إذ يقول الإنجيلي: "وكان قوم مغتاظين في أنفسهم، فقالوا: لماذا كان تلف الطيب هذا؟ لأنه كان يمكن أن يُباع هذا بأكثر من ثلاث مئة دينار ويعطى للفقراء وكانوا يؤنبونها" [5].
لم يهتم يهوذا أنه يفقد حياته كلها وخلاصه الأبدي، لكنه أثار نفوس التلاميذ لأجل ما يراه فقدانًا بالنسبة لأكثر من ثلاثمائة دينار!
في نص منسوب للقديس جيروم ورد التفسير للقصة بمفهوم رمزي، إذ قيل:
[سمعان الأبرص يعني العالم الذي كان دنسًا (أبرصًا بعدم الإيمان) لكنه تحوّل إلى الإِيمان. المرأة بقارورة الطيب إيمان الكنيسة القائلة: "أفاح نارديني رائحته" (نش 1: 12). دُعي ناردين خالص بكونه الإِيمان الثمين. البيت الذي امتلأ من رائحته هو السماء والأرض. أما كسر القارورة فهو كسر الشهوات الجسدية عند الرأس الذي به تشكّل الجسد كله، فقد تنازل الرأس وأخلى ذاته حتى يستطيع الخاطيء أن يبلغ إليه. هكذا انطلقت المرأة من القدمين إلى الرأس، ونزلت من الرأس إلى القدمين، أي بلغت بالإِيمان إلى المسيح وأعضائه.]
لقد حسب يهوذا هذا الطيب خسارة، لأن يساوي أكثر من ثلاثمائة دينار، ولم يدرك أن ما قد حسبه خسارة هو ربح في عيني الرب الذي يشتاق أن يتقبل من كل إنسان ذات الطيب. فان رقم 300 يشير إلى تقديس الإنسان تقديسًا كاملاً خلال الطاعة لوصية الله في الداخل والخارج فإن كان رقم 300 هو محصلة (10×10×3)، فإن رقم 10 الأولى تشير إلى طاعة الوصية (الوصايا العشر)، ورقم 10 الثاني يشير إلى تقديس الحواس الخفية (خمسة حواس) والظاهرة، ورقم 3 يشير إلى تقديس النفس والجسد والروح بالتمتع بالحياة المقامة التي في المسيح يسوع الذي قام في اليوم الثالث، كما يشير رقم 3 إلى تقديس النفس والجسد والروح خلال الإيمان بالثالوث القدوس.
على أي الأحوال إن كانت هذه المرأة قد انتقدها الناس لكنها تمتعت بمديح الرب نفسه الذي أعلن ارتباط قصتها بالكرازة بإنجيله في العالم كله!
أخيرًا فان قصة سكب الطيب على السيد المسيح وردت في الأناجيل الأربعة (مت 26: 6؛ مر 14: 3؛ لو 7: 21؛ يو 12: 3). وواضح من الأناجيل أن سكب الطيب تكرر أكثر من مرة، وقد اختلفت الآراء في تحديد شخصيات هؤلاء النسوة اللواتي سكبن الطيب، غير أن الرأي السائد هو:
أولاً: المرأة المذكورة في إنجيل يوحنا هي مريم أخت لعازر.
ثانيًا: المرأة المذكورة في إنجيل لوقا هي خاطئة قامت بهذا العمل إثناء خدمة السيد.
ثالثًا: المرأة المذكورة في إنجيلي متى ومرقس سكبت الطيب في أيام البصخة، يرى البعض أنها غير الخاطئة، ويرى آخرون أنها هي بعينها الخاطئة سكبته وهي خاطئة تطلب بدموع المغفرة وأخرى تقدمه طيب حب وشكر أثناء البصخة، بل ويرى آخرون أنها مريم أخت لعازر ومرثا.
3. خيانة يهوذا
"ثم أن يهوذا الإسخريوطى واحدًا من الإثنى عشر
مضى إلى رؤساء الكهنة ليسلمه إليهم.
ولما سمعوا فرحوا ووعدوه أن يعطوه فضة،
وكان يطلب كيف يسلمه في فرصة موافقة" [10-11].
إن كانت الكنيسة تضم امرأة بسيطة تكسر القارورة لتسكب الطيب ناردين كثير الثمن على رأس السيد فيمتلئ البيت من رائحته الذكية، فإنه يختفي حتى من بين التلاميذ من يسلمه في أيدي الأعداء. فالكنيسة تضم في داخلها قديسين هم أعضاء حقيقيون في جسد المسيح، كما تضم من لهم اسم المسيح في الخارج أما قلوبهم فمنحلة عنه تمامًا. هؤلاء بالحقيقة ليسوا أعضاء بل هم مفروزون منها حتى ولو لم يفرزهم أحد!
والعجيب أن الخائن يحمل اسم يهوذا، وهو اسم ذات السبط الذي خرج منه السيد المسيح بالجسد، فبينما يقدم لنا يهوذا الأسد الخارج ليحطم عدو الخير الأسد الذي يجول زائرًا يلتمس من يبتلعه (1 بط 5: 8)، إذا بالشيطان يقتنص تلميذًا يحمل ذات الاسم ليكون أداة لتسليم الرب.
إن كان اسم "يهوذا" معناه "يحمد" أو "يعترف"، فإن يهوذا هذا يمثل الذين يحملون اسم المسيح، كهنة أو شعبًا، يحمدون الرب بلسانهم ويعترفون بالإيمان بشفاههم أما قلوبهم وأعمالهم فأداة للتحطيم. إنهم كعدو الخير الذي قيل أنه يؤمن ويرتعب (يع 2: 19)، لكنه لا يحمل في قلبه حبًا بل عداوة وبغضة. مثل هؤلاء أخطر من الأعداء الخارجين، فإنه ما كان يمكن لرؤساء الكهنة أن يقبضوا على السيد بدون يهوذا! أقول هذا لكي نحذر لا الآخرين بل أنفسنا، فإنه لا يستطيع عدو الخير الخارجي (إبليس) أن يأسر مسيحنا الداخلي أو يصلبه ويشهر به ما لم نسلمه نحن له. لهذا يحذرنا السيد المسيح: "أعداء الإنسان أهل بيته" (مت 10: 36)، أي حياته الداخلية وإرادته الشريرة.
حين يفسد "يهوذنا" أي "إيماننا" بانحلاله عن الحب، يُسلم القلب للعدو، ويصلب السيد المسيح مرة أخرى ويشَّهر به... أما ثمن هذا فقليل من الفضة الغاشة يعده بها العدو.
يا للعجب يسلم القلب الخائن مسيحه، كلمة الله، الفضة المصفاة سبع مرات (مز 12: 6) مقابل فضة غاشة من أيدٍ شريرة! يُقدم السماوي أسيرًا، لينعم بقليل من الأرضيات يعود فيتركها ويشنق نفسه!
فيما يلي بعض تعليقات الآباء على قصة خيانة يهوذا:
v لماذا تخبرني عنه "الإسخريوطي"؟... لأنه يوجد تلميذ آخر يدعى يهوذا الغيور، أخ يعقوب، خشي (الإنجيلي) لئلا يحدث خلط بينهما، فميّز الواحد عن الآخر. لكنه لم يقل عنه "يهوذا الخائن" حتى يعلمنا إلا نندد بأحد، بل نتجنب اتهام الآخرين. على أي الأحوال بقوله "واحد من الإثني عشر" أبرز بشاعة جريمة الخائن، إذ وجد سبعون آخرون لم يمتثل أحدهم به ولا اشترك معه في تصرف كهذا. أما هؤلاء الإثنا عشر الذين اختارهم السيد كانوا الجماعة الملوكية خرج منها هذا الخائن الشرير.
v يا للجنون! نعم فإن محبة المال التي للخائن وطمعه جلبا كل هذا الشر.
محبة المال تستولي على النفوس التي تتقبلها، وتقودها إلى كل طريق عندما تقيدها، وتنسى النفوس كل شيء وتجعل أذهانها في حالة جنون!
لقد أُسر يهوذا مجنون محبة المال هذا، فنسى المحادثات ومائدة المسيح وتلمذته وتحذيرات المسيح وتأكيداته.
القديس يوحنا الذهبي الفم
v كان واحدًا من الإثنى عشر في العدد، في الاستحقاق حسب الجسد لا الروح!
ذهب إلى رئيس الكهنة بعد أن خرج ودخله الشيطان. كل كائن يتحد بمثاله!
v لقد وعد أن يخون السيد كما سبق فقال الشيطان لسيده: "لك أعطي هذا السلطان" (لو 4: 6)...
هم وعدوه بالمال، فخسروا حياتهم التي خسرها هو أيضًا باستلامه المال.
نص منسوب للقديس جيروم
v يقول: "واحد من الاثني عشر". هذا أمر غاية في الأهمية إذ يوضح خطية الخيانة بأكثر جلاء، فإن الذي كرّمه مساويًا إياه بالبقية وزينه بالكرامات الرسولية، وجعله محبوبًا، وضمه للمائدة المقدسة... صار طريقًا ووسيلة لقتل المسيح.
القديس كيرلس الكبير
4. وليمة الفصح
كما اهتم السيد المسيح بدخوله أورشليم، فأرسل تلميذين يحضران له الأتان والجحش، نجده هنا في اليوم الأول من الفطير، إذ كانوا يذبحون الفصح أرسل اثنين من تلاميذه إلى المدينة، فيلاقيهما إنسان حامل جرة ماء، غالبًا هو القديس مرقس كما جاء في التقليد القبطي، يتبعاه وحيثما يدخل يطلبان رب البيت أن يريهما العلية التي يعداها ليأكل السيد الفصح مع تلاميذه. هذه العلية الكبيرة هي علية القديسة مريم والدة القديس مرقس، وقد صارت أول كنيسة مسيحية في العالم، حيث أقام فيها السيد المسيح بنفسه سرّ الإفخارستيا، وفيها كان يجتمع التلاميذ، وقد حّل علليهم الروح القدس في يوم الخمسين في ذات الموضع.
يلاحظ في النص الذي بين أيدينا الآتي:
أولاً: اهتم التلاميذ بالتمتع بوليمة الفصح مع معلمهم، إذ قالوا له: "أين تريد أن نمضي ونعد الفصح؟" [12]. وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [بينما كان يهوذا يخطط كيف يسلمه، كان بقية التلاميذ يهتمون بإعداد الفصح.] وقد كشف لنا هذا السؤال ليس فقط أن السيد لم يكن له مسكن يقيم فيه ليعد فيه الفصح بل حتى تلاميذه لم يكن لهم مساكن يستقرون فيها، بل وجدوا استقرارهم وراحتهم في معلمهم ربنا يسوع المسيح.
لم يستأذن التلاميذ المعلم لكي يذهب كل واحدٍ إلى عائلته يشترك معها في وليمة الفصح، إنما أدركوا أنهم قد صاروا به عائلة واحدة حتى وإن كانوا من أسباط متنوعة، يلتقون معًا فيه لينعموا بالفصح الواحد؛ هكذا ارتبطوا في وحدة حقه أساسها الاتحاد مع مخلصهم بالحب، رفعتهم إلى ما هو أعظم من وحدة الرباط الدموي.
في سؤال التلاميذ أيضًا تسليم كامل للمخلص، يسألونه في كل صغيرة وكبيرة، ليست لهم شهوة أن يذهبوا إلى موضع معين يقترحونه عليه، لكن شهوتهم الوحيدة أن يوجدوا معه على الدوام.
ثانيًا: أرسل السيد اثنين من تلاميذه ليعدوا الفصح، هما بطرس ويوحنا (لو 22: 8). فإن كان رقم 2 يشير إلى الحب، فإننا لا نستطيع أن نقدم للسيد المسيح قلبنا عُلية يقيم فيها ذبيحة صليبه بدون الحب. هذا وإن كان بطرس يمثل الإيمان ويوحنا يمثل المحبة فإن السيد أرسل الإيمان العامل بالمحبة ليهيئ كل قلب بسيط كعلية يجتمع فيها بنفسه مع تلاميذه، يقيم فيها مذبحة الخفي، ويتقدم هو كرئيس يعلن صليبه ويؤسس فيها ملكوته الروحي.
ثالثًا: لم يخبرهما السيد المسيح عن اسم صاحب العلية، إذ كان معروفًا لهم، ألا وهو والد القديس مرقس الرسول. لكنه اكتفى بتقديم علامة، قائلاً: "اذهبا إلى المدينة فيلاقيكما إنسان حامل جرة ماء. اتبعاه. وحيثما يدخل فقولا لرب البيت: إن المعلم يقول أين المنزل حيث آكل الفصح مع تلاميذي" [13-14]. فلماذا اكتفى السيد بتقديم هذه العلامة:
أ. يرى القديس كيرلس الكبير أن الشيطان قد دخل قلب يهوذا وكانت جريمة قتل مخلصنا المسيح قد ثارت فيه، لذلك أخفى السيد اسم صاحب العلية حتى لا يخطط يهوذا لتسليم السيد وهو في العلية.
ب. يقدم القديس كيرلس الكبير تفسيرًا آخر، بقوله: [ربما تكلم بهذا ليعني سرًا ضروريًا: وهو حيث يوجد الماء في المعمودية المقدسة يقيم المسيح. كيف وبأي وسيلة؟ بكونها تحررنا من كل نجاسة ، فنغتسل بها من أدناس الخطية، فنصير هيكل الله المقدس ونشاركه طبيعته الإلهية بواسطة شركة الروح القدس. فلكي يستريح المسيح فينا ويقطن داخلنا لنتقبل المياه المخلصة، معترفين بالإيمان الذي يبرر الأشرار، ويرفعنا إلى أعلى حتى نحسب نحن "علية". فإن الذين يسكنهم المسيح بالإيمان لهم فكر عالٍ مرتفع، لا يرغبون في الزحف على التراب، أقول ويرفضون البقاء على الأرض طالبين على الدوام السمو في الفضيلة. قيل: "أقوياء الله برتفعون على الأرض"، "لأن ليس لنا هنا مدينة باقية لكننا نطلب العتيدة" (عب 13: 14)، فبينما يسيرون على الأرض إذا بأفكارهم تستقر في العلويات، ويكون مسكنهم في السماويات (في 3: 20).]
يتحدث الأب ثيؤفلاكتيوس عن جرة الماء هذه فيقول: [من يعتمد يحمل جرة ماء، ومن يحمل معمودية علية يستريح إن عاش بتعقل، ينال راحة كمن يدخل في بيت.]
لكي ننعم بفصح المسيح يلزمنا أن ننعم بمياه المعمودية فترفعنا إلى علية الروح عوض الحرف القائل، وكما يقول الآب ثيؤفلاكتيوس: [رب البيت هو العقل الذي يشير إلى العلية الكبيرة أي إلى الأفكار العلوية، التي بالرغم من علوها لكنها لا تحمل كبرياءً ولا مجدًا باطلاً، بل تعد وتُهيأ خلال التواضع. هناك، في فكر كهذا يُعد فصح المسيح بواسطة بطرس ويوحنا أي خلال العمل والتأمل.]
أيضًا يقول القديس أمبروسيوس [ليت الرب يسمح لي أنا أيضًا أن أحمل جرة الماء كما فعل رب البيت صاحب العلية المفروشة‍! ماذا أقول عن الماء؟ كان "روح الرب يرف على وجه المياه" (تك 1: 2). أيتها المياه التي علت فوق الكون الذي تدنس بالدم البشري وكنتِ رمزًا للمعمودية العلوية! أيتها المياه التي وُهبت أن يكون لها سرّ المسيح فتغسل الكل!... أنت تبتدئين ثم تكملين الأسرار، فيكِ البداية وأيضًا النهاية!]
رابعًا: يكمل السيد حديثه قائلاً: "فهو يريكما علية كبيرة مفروشة مُعدة، هناك أعد لنا" [15]. يقول القديس أمبروسيوس: [العلية المفروشة تشير إلى عظم استحقاق صاحبها، حتى أن الرب نفسه مع تلاميذه يستطيعون أن يستريحوا فيها، أو تشير إلى زينة فضائله العالية.]
5. إعلانه عن الخيانة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
يوستين21
عضو ملكى
عضو ملكى
يوستين21


عدد الرسائل : 1043
العمل/الترفيه : مراقب مالى
المزاج : هادى
تاريخ التسجيل : 08/03/2008

تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: تفسير الإنجيل بحسب مرقس   تفسير الإنجيل بحسب مرقس - صفحة 2 Emptyالخميس يوليو 03, 2008 9:41 am

. إعلانه عن الخيانة
"ولما كان المساء جاء مع الاثني عشر.
وفيما هم متكئون يأكلون قال يسوع:
الحق أقول لكم أن واحدًا منكم يسلمني، الآكل معي.
فابتدأوا يحزنون ويقولون له واحدًا فواحدًا. هل أنا؟ وآخر هل أنا.
فأجاب وقال لهم: هو واحد من الاثني عشر الذي يغمس معي في الصحفة.
إن ابن الإنسان ماضٍ كما هو مكتوب عنه،
ولكن ويل لذلك الرجل الذي به يُسلم ابن الإنسان.
كان خير لذلك الرجل لو لم يولد" [17-21].
إذ سبق فأعلن السيد المسيح أكثر من مرة عن تسليمه وموته وقيامته ليسند تلاميذه عندما يواجهون الأحداث نراه الآن يعلن عن "الخيانة" ليعطي مسلمه فرصة التوبة والرجوع إن أراد. حقًا لقد سبق الكتاب فأنبأ عن الخائن، لكن لم يلزم الله يهوذا أن يخون، ولا يمكن له أن يحتج بأن فيه تحققت النبوة عن الخيانة، فإن سابق معرفة الله للأمر لا تلزمه بالتنفيذ ولا تعفيه من المسئولية. ولو أن قلب يهوذا تحرك بالتوبة لتمت أحداث الصليب بطريقة أو أخرى يخططها الرب دون هلاك يهوذا.
في إعلان السيد المسيح عن الخيانة لم يذكر اسم الخائن حتى لا يحرج مشاعره وأحاسيسه لعله يرجع عن رأيه، وفي نفس الوقت أعطى علامة عندما ابتدأ التلاميذ يحزنون حتى لا يسقطوا في اليأس. كان السيد لطيفًا ورقيقًا حتى مع الخائن، لكنه أيضًا حازمًا وصريحًا معه، مستخدمًا كل أسلوب للحث على التوبة. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [واضح أنه لم يعلن عنه صراحة حتى لا يجعله في عارٍ أشد، وفي نفس الوقت لم يصمت تمامًا لئلا يظن أن أمره غير مكشوف، فيسرع بالأكثر لعمل الخيانة بجسارة.]
إذ أعلن السيد عن هذه الخيانة المُرة ابتدأ كل تلميذ يسأل المعلم: هل أنا؟ فمع ثقتهم في أنفسهم أنهم لن يخونوا السيد، لكن ثقتهم في كلمات الرب أعظم من ثقتهم في أنفسهم، فتشكك كل واحد في نفسه وخشي لئلا يسقط في هذا العمل الشرير.
قدم لهم السيد الإشارة "الذي يغمس في الصحفة"، ثم أعلن في حزم عن مصير هذا الخائن المسكين. يقول القديس كيرلس الكبير: [وبُخ يهوذا الخائن الذي كان يأكل معه بالكلمات التي قالها المسيح... لعله في فقدانه التام للحس، أو بالحري إذ امتلأ بكبرياء إبليس، حسب أنه قادر على خداع المسيح بالرغم من كونه الله. ولكن كما قلت كان مقتنعًا بكونه شريرًا تمامًا ومبغضًا لله وخائنًا ومع ذلك فمن قبيل اللطف انضم إلى المائدة وحُسب كأنه مستحق للطف الإلهي حتى النهاية، بهذا صارت دينونة أعظم. فقد قال المسيح في موضع آخر خلال المرتل: "لأنه ليس عدوي يعيرني فأحتمل، ليس مبغضي تعظّم علىّ فأختبئ منه، بل أنت إنسان عديلي أليفي وصديقي، الذي معه كانت تحلو لنا العشرة إلى بيت الله كنا نذهب في الجمهور (اتفاق)" (مز 55: 12-14)" .]
6. تأسيس الإفخارستيا
كانت أحداث الصلب تجري حول السيد المسيح، هذه التي أعلن عنها بكونها طريق الخلاص الذي يقدمه السيد نفسه، فقد قدم لكنيسته عبر الأجيال جسده المصلوب القائم من الأموات ودمه المبذول عفرانًا للخطايا. قدم لكنيسته ذبيحة الصليب الواحدة غير المتكررة خلال سرّ الإفخارستيا، مائدة الرب واهبة الحياة.
"وفيما هم يأكلون أخذ يسوع خبزًا وبارك وكسر وأعطاهم،
وقال: خذوا كلوا هذا هو جسدي.
ثم أخذ الكأس وشكر وأعطاهم فشربوا منها كلهم.
وقال لهم: هذا هو دمي الذي للعهد الجديد،
الذي يسفك من أجل كثيرين" [22-24].
ماذا يعني بقوله فيما يأكلون إلا أنه بعدما أكلوا الفصح اليهودي قدم الفصح الجديد، وقد سبق الرمز المرموز إليه. قدم أولاً الفصح الناموسي حتى لا يُحسب كسرًا للناموس، ثم انطلق بهم إلى الفصح الحق: جسده ودمه المبذولين من أجل العالم كله!
يقول الأب ميليتو من ساردس: [وتحقق سرّ الفصح في جسد الرب... فقد أُقتيد كحمل، وذبح كشاه، مخلصًا إيانا من عبودية العالم (مصر)، ومحررنا من عبودية الشيطان كما من فرعون خاتمًا نفوسنا بروحه، وأعضاءنا الجسدية بدمه... إنه ذاك الواحد الذي خلصنا من العبودية إلى الحرية ومن الظلمة إلى النور، ومن الموت إلى الحياة ومن الطغيان إلى الملكوت الأبدي... إنه ذاك الذي هو (الفصح) عبور خلاصنا... هو الحمل الصامت الذي أخذ من القطيع وأُقتيد للذبح في المساء، ودُفن بالليل... من أجل ذلك كان عيد الفطير مرًا، كما يقول كتابكم المقدس: تأكلون فطيرًا بأعشاب مرة، مّرة لكم هي المسامير التي استخدمت، مّر هو اللسان الذي جدف، مّرة هي الشهادة الباطلة التي نطقتم بها ضده.]
قدم السيد جسده ودمه المبذولين لتلاميذه معلنًا لهم أنه مُقبل على الصليب بإرادته، وبخطته الإلهية ليهب مؤمنيه غفران الخطايا والإتحاد معه... هذه العطية هبة قائمة عبر العصور تتمتع بها كنيسة المسيح، وتتقبلها من يدّي المخلص نفسه. في هذا يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [حتى الآن المسيح الملاصق لنا الذي أعد المائدة هو بنفسه يقدسها. فإنه ليس إنسان يحول القرابين إلى جسده ودمه، بل المسيح نفسه الذي صُلب عنا. ينطق الكاهن بالكلمات، لكن التقديس يتم بقوة الله ونعمته. بالكلمة التي نطق بها: "هذا هو جسدي" تتقدس القرابين.]
ويقول القديس أمبروسيوس: [المسيح هو بعينه الذي يعلن خلال الكاهن هذا هو جسدي.]
إذ سلمهم السيد هذا السرّ العظيم قال لهم: "الحق أقول لكم أني لا أشرب بعد من نتاج الكرمة إلى ذلك اليوم حينما أشربه جديدًا في ملكوت الله" [25]. وقد سبق لنا تفسير هذه العبارة في دراستنا لسفر اللاويين (10: 9) حيث رأينا السيد يشرب نتاج الكرمة أي يفرح حين يكمل المختارون في ملكوت الله.
يختم الإنجيلي حديثه عن سرّ الإفخارستيا بقوله:
"ثم سبحوا وخرجوا إلى جبل الزيتون" [26].
إذ قدم السيد المسيح جسده ودمه مبذولين عن خلاص الآخرين، ذبيحة حب فريدة، سبح مع تلاميذه ربما بتسابيح الفصح المفرحة، معلنًا أن العلية قد امتلأت فرحًا وحمد‌ًا لله. أقول إن عليتنا الداخلية تمتلئ بالفرح الإلهي وبالتسابيح الفائقة إن قبلت في داخلها مسيحها المصلوب، وإن حملت سماته فيها. بمعنى آخر كلما قدم حياته الداخلية مبذولة بالحب من أجل الآخرين في المسيح يسوع، امتلأت حياته تسبيحًا لا بالفم واللسان فحسب، وإنما تتحول كل أعضاء جسده وأحاسيسه وأعماق نفسه إلى قيثارة في يدي الروح القدس، ينشد عليها ربنا يسوع نفسه تسابيح فصحه وصليبه، يتقبلها الآب سيمفونية سماوية مبهجة. وعلى العكس كلما تقوقع الإنسان حول ذاته يطلب ما لنفسه. مهما حفظ من تسابيح ونطق بترانيم يملأ الضيق نفسه ويحطم اليأس رجاءه.
الآن إذ قدم السيد جسده ودمه المبذولين لتلاميذه ليحملوا حياته المبذولة فيهم ويسلكوا حاملين صليبه، وهبهم أن يسبحوا بفرحه ويبتهجوا بخلاصه، ثم انطلق بهم "إلى جبل الزيتون".
لعله أخرجهم إلى جبل الزيتون، الجبل الذي قلنا قبلاً قد ارتبط بالمسيا، إذ هو ممسوح لا بزيت بل بروحه القدوس لخلاصنا. حملهم إلى جبل ليشاركوه عمله، خاصة في أمور ثلاثة:
أولاً: في بكائه على أورشليم وتنهده من أجلها حين جلس على جبل الزيتون متطلعًا إلى المدينة وهو يقول "يا أورشليم، يا أورشليم، يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها، كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها ولم تريدوا". إنه يطلبنا أن نجلس معه نتأمل البشرية الساقطة لنئن بالدموع من أجل كل نفس لعلها ترجع وتقبل احتضان الرب بصليبه.
ثانيًا: في جبل الزيتون في ضيعة جثسيماني [32] دخل السيد كما في لقاء مع الآب يتسلم كأس الصليب من يديه مع مرارته الشديدة. وكأن السيد يريدنا لا أن نقف عند التنهدات والصرخات، وإنما يلزم أن نحني رؤوسنا معه لنحمل صليبنا العملي من يدي الآب، فيكون لنا دورنا الإيجابي في خدمة الملكوت خلال الصليب.
ثالثًا: على جبل الزيتون جلس السيد المسيح مع بعض تلاميذه حين أروه الأبنية العظيمة التي للهيكل (مت 24: 13) فأعلن لهم أنه لا يُترك حجر على حجر إلا وينقض، محدثًا إياهم عن علامات مجيئه، وكأنه أراد أن يسحب قلوبهم من الخدمة الظاهرية إلى خدمة اللقاء مع ربنا يسوع. وبالفعل على ذات الجبل أخذ تلاميذه، وهناك باركهم وصعد، وجاء الملاك يبشرهم أنه كما صعد هكذا من المشارق أيضًا يعود من المشارق.
نستطيع أن نقول أن خروجنا مع ربنا يسوع المسيح على جبل الزيتون، إنما لكي نمارس معه محبته لشعبه، ونمد يدنا للعمل الإيجابي لحساب ملكوته، ونترقب على الدوام هدم هيكل إنساننا القديم والتمتع بالهيكل الأبدي، أو حلول السيد المسيح المستمر حتى يأتي على السحاب ليحمل الكنيسة كلها معه عروسًا له.
7. إعلانه عن شك التلاميذ فيه
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
تفسير الإنجيل بحسب مرقس
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 2 من اصل 3انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2, 3  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشهيد العظيم مارجرجس :: المنتديات الكتابية :: الكتاب المقدس-
انتقل الى: