الأصحاح الثالث والعشرون
الصديق المصلوب
من أجل الصداقة التي يطلبها السيد المسيح احتمل الآلام، وقبل المحاكمة، وحمل الصليب، واجتاز الموت، ودفن في القبر حتى يحملنا إليه أصدقاء إلى الأبد.
1. محاكمته أمام بيلاطس 1-7.
2. محاكمته أمام هيرودس 8-12.
3. إصرار اليهود على صلبه 13-25.
4. الصليب وسمعان القيرواني 26.
5. الصليب والنائحات 27-31.
6. صلبه بين لصين 32-43.
7. تسليم الروح 44-49.
8. دفنه 50-56.
1. محاكمته أمام بيلاطس
جاء السيد المسيح ليصالح الإنسان مع الآب، يستر خطاياه بدمه، أما الإنسان فاتهمه أنه مثير للشغب، وصاحب فتنة، إذ يقول الإنجيلي: "قام كل جمهورهم، وجاءوا به إلى بيلاطس. وابتدأوا يشتكون عليه، قائلين إننا وجدنا هذا يفسد الأمة، ويمنع أن تُعطى جزية لقيصر، قائلاً: إنه هو مسيح ملك" [1-2].
يذكر الإنجيلي لوقا الاتهام المدني بكل وضوح، ففي المجمع الديني أُتهم بالتجديف، وهنا أمام بيلاطس كان الاتهام أنه محرض الشعب على عدم دفع الجزية لقيصر وإقامة نفسه ملكًا، مع أنه إذ سُئل قبلاً، أجاب: "أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله"، وحينما أرادوا أن يخطفوه ليقيموه ملكًا، اختفى من بينهم!
يقول القديس كيرلس الكبير: [قادوا يسوع إلى بيلاطس، وهم أيضًا أنفسهم سُلموا للجند الرومان الذين احتلوا أرضهم واقتحموا مدينتهم حيث الموضع المقدس المكرم، وسلم سكانها للسيف والنار. لقد تحقق فيهم نبوات الأنبياء القديسين، إذ يقول أحدهم: "ويل للشرير شر، لأن مجازاة يديه تُعمل به" (إش 3: 11)، ويقول آخر: "كما فعلت يفعل بك، عملك يرتد على رأسك" (عو 15).]
بلا شك سمع بيلاطس عن السيد أنه نادى بتقديم "ما لقيصر لقيصر"، وإذ رأى السيد المسيح إنسانًا معدمًا لا يمكن أن يقيم نفسه ملكًا سأله ربما في استخفافٍ أو كعملٍ شكليٍ:
"فسأله بيلاطس قائلاً: أنت ملك اليهود.
فأجابه وقال: أنت تقول.
فقال بيلاطس لرؤساء الكهنة والجموع:
"إني لا أجد علّة في هذا الإنسان" [3-4].
يقول القديس كيرلس الكبير: [اخترعوا عدة اتهامات، وأثاروها ضد المسيح، اتهامات كاذبة لا يمكن التدليل عليها. لكنهم بهذا أكدوا إنهم أشر من الوثني، فإن بيلاطس برّأه من كل عيب، قائلاً: "إني لا أجد علّة في هذا الإنسان"، هذا ما نطق به ليس مرة واحدة بل ثلاث مرات.]
إذ لم يستطع القادة أن يثيروا الوالي ضده بالمنطق، "كانوا يشدّدون قائلين: إنه يهيج الشعب، وهو يعلِّم في كل اليهودية، مبتدئًا من الجليل إلى هنا" [5].
لعلهم بهذا أرادوا أن يهددوا الوالي بأن الموقف لا يُحد خلال منطقة نفوذه، وإنما أيضًا يمتد إلى مناطق أخرى، فإن لم يحكم هو عليه سيحكم آخر غيره، فيصير الوالي في عيني قيصر متهاونًا في حق قيصر، يترك صانعي الفتنة والشغب بلا محاكمة. ولعله لهذا السبب أيضًا أرسله بيلاطس إلى هيرودس والي الجليل حتى متى برأّه أو حكم عليه يكون معه شهادة والٍ آخر تسنده أمام قيصر. هذا وبحسب القانون الروماني يقف كل إنسان ليحاكم أمام والي منطقته، فلم يرد بيلاطس أن يتعدى اختصاصات هيرودس بالرغم من وجود عداوة قائمة بينهما. وكأن بيلاطس احترم القانون الأرضي برضا وسلمه لوالٍ آخر، بينما لم يحترم قادة اليهود الشريعة الإلهية مسلّمين السيد المسيح للصلب وحكم الموت ظلمًا.
هذا ونلاحظ أن السيد المسيح لم يدافع عن نفسه بكلمة، فقد حسب الحق الذي فيه مُعلن بصمته ولا يحتاج إلى كلمات تشهد له. هذا ما يعلنه الإنجيلي في لقاء السيد المسيح مع هيرودس كما سنرى [9]. إنه جاء ليسحب قلوبنا بحبه لا ليدافع عن نفسه.
2. محاكمته أمام هيرودس
"وأما هيرودس فلما رأى يسوع فرح جدًا،
لأنه كان يريد من زمان طويل أن يراه لسماعه عنه أشياء كثيرة،
وترجّى أن يرى آية تصنع منه.
وسأله بكلامٍ كثيرٍ فلم يجبه بشيء.
ووقف رؤساء الكهنة والكتبة يشتكون عليه باشتدادٍ.
فاحتقره هيرودس مع عسكره واستهزأ به،
وألبسه لباسًا لامعًا، وردّه إلى بيلاطس.
فصار بيلاطس وهيرودس صديقين مع بعضهما في ذلك اليوم
لأنهما كانا من قبل في عداوة بينهما" [8-12].
يلاحظ في هذا اللقاء بين السيد المسيح وهيرودس الآتي:
أولاً: أراد هيرودس أن يتأكد مما سمعه عن السيد المسيح، لذا فرح جدًا أن يراه، لا ليتمتع به ويقتني الحق، وإنما ليشاهد آيات وعجائب، أما السيد فلم يأتِ لاستعراض آيات، وإنما لخلاص النفوس، لذا التزم بالصمت، ولم يجب حتى على اتهامات المشتكين، فاحتقره هيرودس ورجاله واستهزؤا به..
ثانيًا: في محاكمته سواء أمام رئيس الكهنة أو بيلاطس أو هيرودس اتجه إلى الصمت ليتم فيه القول: "لم يفتح فاه، كشاةٍ تُساق إلى الذبح" (إش 53: 7).
v شُبّه بالحمل حتى يُحسب في صمته بارًا غير مذنب.
القديس أغسطينوس