الكتاب المقدس، وقوة تأثيرهأشرنا فيما سبق إلى المشابهة بين الكلمة الحي المتجسد؛ ربنا يسوع المسيح في تأثيره العجيب، وبين تأثير الكلمة المكتوبة بالوحي. والواقع إن الكتاب المقدس كأنه يشير إلى الأعمال العظيمة التي عملها فى الإنسانية مما نسمعه وننظره ويقول نفس ما قاله المسيح مرة لرسل يوحنا المعمدان « اذهبا وأخبرا . . . بما تسمعان وتنظـران؛ العمى يبصرون، والعرج يمشون، والبرص يطهرون، والصم يسمعون، والموتى يقومون، والمساكين يبشرون. وطوبى لمن لا يعثر فيَّ » (مت 11: 4-6).
بل ويستطيع المؤمن أن يشير إلى كتاب الكتب هذا قائلاً ما قالته السـامرية عن المسيح: هلموا انظروا (كتاباً) قال لى كل ما (نويت)، أليس هذا كتاب الله؟!
يقول الرسول « لأن كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين، وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ ومميزة أفكـار القلب ونياته » (عب4: 12).
حقيقة لا تقبل الجدل أنه لا يوجد فى كل العالم كتاب مثل الكتـاب المقدس له من الأعداء ومن المحبين العدد الذي لا يُحصى من الملايين!! لماذا يعادونه ويكرهونه؟! لأنه الحق - لو لم يكن قد وصل إلى ضمائرهم وبكتّهم ما كانت لهم حاجة إلى إجهاد أنفسهم في مقاومته، فكما قال رجل الله داربى "الناس لا يسلحون أنفسهم ضد القش بل ضد السيف الماضي الذي يرتعبون من مضاء حديه".
وإلى أي حد يحبونه؟ إلى الحد الذي جعل الآلاف من المؤمنين تضحي بكل شيء حتى الحياة من أجله. إن من يقرأ التاريخ يقف بإعجاب خشوعي أمام العديد من الرجال والنساء على مر الأجيال والقـرون، الذين جُـلِدوا أو نُشِروا أو أُحرِقوا أو ماتوا بالجوع أو الصلب لسبب إيمانهم بأن الكتاب المقدس هو كتاب الله.
منذ أعوام، عندما كانت الشيوعية لا زالت تسيطر على دول الاتحاد السوفيتي، أُلقى القبض على شابة مسيحية فى روسيا اسمها عايدة بتهمة مجاهرتهـا وكـرازتها بالمسيح، وقضت في أحد معسكرات الاعتقال 4 سنوات. وعندما سُئلت بعد ذلك عن أصعب ما كان في السجن، فإنها لم تتحدث عن الطعام،ولا البرد، ولا الوحدة. لكنها قالت "هو أن تعيش بدون الكتاب المقدس5"
لماذا أحب كل هؤلاء الكتاب المقدس إلى هذا الحد؟ السبب لأنه كتاب غير عادى. إنه كتاب الله، رسالة السماء. وكما تعلو السموات عن الأرض هكذا يعلو هو عن سائر الكتب!
مرة وقف أحد المبشرين يعظ، فقاطعه فيلسوف كان حاضراً الاجتماع بالقـول إنك تعظ من الكتاب المقدس معتبراً إياه كلمة الله. فمن قال لك إنه كذلك؟ رد المبشر عليه بهدوء طالباً منه إن كان بوسعه أن يحضر إلى الاجتماع في اليوم التالي ومعه شخص واحد كان معروفاً فى المدينة بفساده وشره، ولما قرأ فلسفاته أو أية فلسفة أخرى تغيرت حياته إلى حياة جديدة فاضلة؛ وفى المقابل لذلك فإنه (أى المبشر) مستعد أن يحضر معه عشـرات ممن كانوا أشـراراً وسكيرين وتعساء جداً لكن الكتاب المقدس بدّل حياتهم إلى حياة التقوى والسعادة.
أليست هذه حقيقة واقعة؟ أليس لكلمة الله تأثير عجيب في النفوس؟! ومرة ثانية نتساءل لماذا يكره الناس الكتاب المقدس؟
حدث مرة أن سافر رجل من أمريكا مع ابن أخيه فى رحلة تجارية، وكان معهما مبلغ كبير من المال. وكان عليهما أن يجتازا منطقة نائية غير مأهولة بالسكان فى وسط غابات أمريكا. وإذ أرخى الليل سدوله على المسافرين أخذا يبحثان عن أقرب مأوى يأويان إليه. فرأيا من بعيد كوخاً، اتجها إليه وقرعا بابه. ولما فتح لهما رجل قروي عجوز، هو صاحب الكوخ، سألا إن كانا بوسعهما أن يبيتا ليلتهما عنده. فرحب بهما، وقادهما إلى غرفة بسيطة كان عليهما أن يفترشا أرضها ليبيتا هناك. قرر الرجل أن يتناوب هو وابن أخيه السهر لحراسة الثروة التي معهما. لكن - وفى أثناء نوبة نوم الرجل - لاحظ أن ابن أخيه يستعد أيضاً للنوم. فذكره بما اتفقا عليه من ضرورة سهر أحدهما لحراسة المال. فقال له الشاب: لا حاجة لنا إلى ذلك، فإننا هنا في أمان نحن وأموالنا، فلقد رأيت صاحب البيت يقرأ في الكتاب المقدس مع أفراد أسرته، ثم يصلي طالباً البركة والراحة لهم ولضيوفهم!!!
وكم من شعوب بدائية وهمجية حولتها كلمة الله إلى شعوب راقية! يُذكَر أن رجلاً كـان قبلاً من آكلي لحوم البشر، كان جالساً يقرأ في كتابه المقدس بخشـوع، فمر عليه أحد الأوربيين الملحدين، وسأله عن الكتاب الذي يقرأه. فأجاب الرجل البربري : أنا أقرأ كتاب الله. فردّ عليه المتمدن قائلاً: هذه سخافات تغلبنا عليها قبلكم، ولابد أنكم يوماً تعرفون الحق مثلنا. فأجابه الرجل البربري: لولا هذه السخافات في نظرك لكنت اليوم طعامي في غذائي، لكن ما تسميه أنت سخافات كان له الفضل في تغيير حياتي! نعم كم غيرت كلمة الله من حياة الكثيرين. واليوم حدث العكس بالأسف، فما التشويـش الحاصل فى العالم إلا نتيجة انصراف تلك الشعوب وتحولها بعيداً عن الكتاب المقدس.
ونحن نقول ما قاله المسيح مرة « من ثمارهم تعرفونهم؛ هل يجتنون من الشوك عنباً أو من الحسك تيناً؟ » (مت7: 16). ألم يتغير الشاب الماجن أغسطينوس إلى أشهر قديسي المسيحية بفضل هذا الكتاب؟ إن آية واحدة هي تلك الواردة في رومية 13: 11 كانت كافية لإحداث تغيير كامل في حياة أغسطينوس! ونحن نعـرف أن الميـاه لا تعلو فوق مصدرها. لو لم يكن هذا الكتاب سماوياً لما أمكنه أن يغير حياة الملايين إلى حياة القداسة والتقوى!
قال خادم الرب توري أنه عندما يتقابل مع أفاضل النـاس الذين لهم علاقة حية مع الله ومع الكتاب المقدس فإنه يقول لهم عادة أشكر الله لأجـل إيمانكم بالكتاب المقدس لأن هذا يقوى إيماني أيضاً. كما أنه عندما يتقابل مع الذين لا يؤمنون بالكتاب المقدس ويلاحظ فسـاد سلوكهم وشر أفعالهم فإنه يقول فى نفسه: إنى أشكر الله أيضاً، فهؤلاء الناس هم أيضاً يزيدون إيماني فى الكتاب المقدس!
وكلمة الله ليس فقط تغير الحياة بل تملؤها بالسعادة. تحـدث "سبرجن" عن سيدة عجوز كانت تجلس لتبيع الفاكهة، وكانت تصرف وقت فراغها فى قراءة الكتاب المقدس، عندما سألها أحد الزبائن "ماذا تقرأين؟" فقالت "أقرأ كلمة الله" -أجابها: "كلمة الله! ومن أدراك إذا كانت هذه كلمة الله؟" ارتبكت المرأة فى البداية، لكنها سألته "أفي إمكانك أن تبرهن لي أن الشمس ساطعة؟" فقال "ما أيسر ما تطلبين. فإن برهاني على ذلك هو ما تشعرني به من دفئها وما أراه من نورها" فأجابت المرأة وقد شاع الفرح في قسمات وجهها "والكتاب المقدس هو كلمة الله لأنه يبعث فيَّ الدفء والنور"!!
قال عنه رجل الله داربي6 "فرحى، وتعزيتي، وطعامي، وقوتي لنحو ثلاثين سنة كان هو الكتاب المقدس الذي قبلته بلا أدنى ريب ككلمة الله".
مرة أرسل واحد من الملحدين إلى مؤمن شاب مجموعة من الكتب التي تنكر وجود الله، ونصحه أن يقرأ في هذه الكتب الأدبية، لا في ذلك الكتاب البالي المسمى بالكتاب المقدس. فرد عليه المسيحي قائلاً: عزيزي، إذا عرفت أي كلام أفضل من موعظة الجبل، أو من مثل الابن الضال، أو إذا كان لديك أية موضوعات تعزي النفس وتطمئنها أفضـل من مزمور 23، أو وقع تحت سمعك أو بصرك أية كتابات تلقي الضوء على المستقبل، وتكشف لنا قلباً أكثر لطف وصلاح من قلب الآب أفضل مما يفعله العهد الجديد، فإني أرجوك أن ترسلها إليَّ7!
وبعد، فإننا بصدد الحديث عن هذا الكتاب العظيم، نذكر تلك الحادثة للشاعر والقصصي الإنجليزي الشهير "والتر سكوت" الذي عاش من عام 1771 إلى 1832 وكانت مكتبته العامرة تحتوى على نحو 20 ألف كتاب. قال وهو على فراش الموت لصديقه لوكهارت أن يقـرأ له في الكتاب. ولما نظر ذاك إلى المكتبة الضخمة وما فيها من كتب عديدة سأله "أي كتاب تقصد؟" أجابه السير والتر "لا يوجد إلا كتاب واحد يجب أن ندعوه الكتاب، وهو الكتاب المقدس8".
صدقت يا والتر. إن الكتاب المقدس هو كتاب الكتب لأنه هو كلمة الله. ومع بطرس يقول كل مؤمن للرب يسوع:
« يا رب إلى من نذهب؟ كلام الحياة الأبدية عندك!!» (يو 6: 68).