القبض عليه
إذ دخل السيد المسيح إلى البستان ليتسلم كأس الألم من أجل البشرية كلها أعلن لتلاميذه: "قد أتت الساعة، هوذا ابن الإنسان يُسلم إلى أيدي الخطاة. قوموا لنذهب، هوذا الذي يسلمني قد اقترب" [41-42].
خرج إلى البستان حتى يسلم نفسه بالطاعة للقيود، فيفك الرباطات التي قيدت البشرية خلال عصيان آدم. في البستان جاء السيد إلى تلاميذه ثلاث مرات فيجدهم نيامًا، وكأنهم يمثلون البشرية الساقطة تحت ثقل الخطية بالفكر والقول والعمل أيضًا. من أجل هذه البشرية يتقدم السيد ليسلم نفسه للأشرار فينام على الصليب عوضًا عنهم! يقول القديس أغسطينوس: [قبضوا على ذاك الذي يمكنهم أن يتحرروا من ربطهم. ولعله كان من بينهم من استهزأ به، لكن منهم أيضًا من خلص بواسطته، هؤلاء يقولون: "قد حللت ربطي" (مز 116: 16).]
"وللوقت فيما هو يتكلم أقبل يهوذا واحد من الإثني عشر،
ومعه جمع كثير بسيوف وعصى من عند رؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ.
وكان مسلمه قد أعطاهم علامة قائلاً:
الذي أقبله هوهو، امسكوه وامضوا به بحرص.
فجاء للوقت وتقدم إليه قائلاً: يا سيدي يا سيدي، وقبَّله.
فألقوا أيديهم عليه وامسكوه.
فأستل واحد من الحاضرين السيف وضرب عبد رئيس الكهنة، فقطع أذنه" [43-47].
مرة أخرى إذ يتحدث عن يهوذا يؤكد أنه من الاثني عشر ليعلن عن بشاعة جريمته وتجاسره، خاصة وأنه جعل من "القبلة" علامة لتسليمه.
حقًا حينما سأل النبي بروح النبوة المسيّا المجروح: "ما هذه الجروح في يدك؟" (زك 13: 6)، أجاب في مرارة: "هي التي جرحت بها في بيت أحبائي" (زك 13: 6).
يعلق القديس أمبروسيوس على عتاب السيد المسيح لتميذه: "يا يهوذا، أبقبلة تُسلم ابن الإنسان؟" (لو 22: 48)، قائلاً: [تعبير رائع عن القوة الإلهية، درس عظيم في الفضيلة! لقد كشف الخيانة ومع ذلك لم يبخل عنه بطول أناته عليه. لقد أظهرت يا رب من هو الذي يسلمك وكشفت سره وأعلنت عمن يُسلّم أنه "ابن الإنسان"، وكأنك تقول: لأجلك أيها الخائن أخذت أنا هذا الجسد الذي تسلمه!... كأنه يعاتب الخائن في مشاعر كلها حنان: "يا يهوذا أبقبلة تسلم ابن الإنسان؟" بمعني آخر: أتجرحني بعربون الحب؟ أتسفك دمي بعلامة الحب، وتسلمني للموت بعلامة السلام؟ وأنت الخادم تسلم سيدك، وأنت التلميذ تسلم معلمك وتخون جابلك؟ حقًا ينطبق هذا القول عن الخائن: "غاشة هي قبلات العدو" (أم 27: 6)... وتقبل المسيح هذه القبلة لا عن رياء إنما ليظهر أنه لا يهرب من الخائن، فيزداد هلاك الخائن بعدم رفض السيد علامات الحب منه، فقد قيل: "ومعمبغضي السلام كنت صاحب السلام" (مز 119: 6).
في نص منسوب للقديس جيروم [أعطى يهوذا قبلة كعلامة، بغش مميت، كما قدم قايين تقدمة غاشة بغيضة.]
يعلق القديس كيرلس الكبير على تصرف يهوذا هذا بقوله:
[كثيرة هي الآلام (الخطايا) ومرة تلك التي تثير حربًا ضد نفس الإنسان، وتدخل معها في صراع لا يُحتمل، لتهوي بها إلى ممارسة أعمال دنيئة، أما أشر هذه الآلام فهي محبة المال، أصل كل الشرور، التي سقط في فخاخها العنيفة التلميذ الخائن، حتى قبل أن يصير خادمًا لغش الشيطان، ويكون أداة في أيدي رؤساء مجمع اليهود الأشرار في هياجهم ضد المسيح...
من أجل الدراهم التي بلا ثمن كّف عن أن يكون مع المسيح وفقد رجاؤه في الله وكرامته والأكاليل والحياة والمجد المعد لتابعي المسيح الحقيقيين وحقه أن يملك معه...
لقد أعطى لهؤلاء القتلة علامة، قائلاً: "الذي أقبله هو". لقد نسي تمامًا مجد المسيح، وفي غباوته الكاملة ظن أنه يبقى متسترًا عندما يُقدم قبلة التي هي علامة الحب، بينما يحمل في قلبه خداعًا مرًا وشريرًا. فإنه حين كان في صحبة المسيح مخلصنا مع بقية الرسل في رحلاته، غالبًا ما سمعه يسبق فيخبرهم بالأمور المقبلة بكونه الله العالم بكل شيء، وقد سبق فأخبره عن عمل خيانته، إذ قال للرسل القديسين: "الحق أقول لكم إن واحدًا منكم يسلمني". كيف إذن تبقى نيته مخفية؟ لا، بل كانت الحية في داخله تصارع الله، كان مسكنًا للشيطان، إذ قال أحد الإنجيليين أنه إذ كان متكئًا على المائدة مع بقية التلاميذ وأعطاه المخلص لقمة غمسها في الصحفة "دخله الشيطان".]
قدم يهوذا قبلة مملوءة غشًا أمام الجمع الكثير حاملي السيوف والعصي، وكأنه بيوسف الذي باعه إخوته للغرباء... وقد حاول بطرس أن يدافع عن سيده فاستل سيفًا وضرب عبد رئيس الكهنة، فقطع أذنه... لكن السيد انتهره على ما ارتكبه، ولم يترك العبد في آلامه بل شفاه.
يقول القديس كيرلس الكبير [لا يريدنا أن نستخدم سيوفًا في مقاومة أعدائنا، بل بالحري نستخدم الحب مع التعقل، فنغلب مقاومينا بقوة. ويقدم لنا بولس تعليمًا مشابهًا بقوله: "هادمين ظنونًا وكل علو يرتفع ضد معرفة الله ومستأسرين كل فكر إلى طاعة المسيح" (2 كو 10: 5). لأن الحرب من أجل الحق روحية، والسلاح اللائق بالقديسين هو عقلي ومملوء بمحبة الله. يليق بنا أن نلبس درع البرّ وخوذة الخلاص، وترس الإيمان وسيف الروح الذي هو كلمة الله (أف 6: 14-17).]
ويقدم لنا القديس أمبروسيوس بعض التعليقات على قطع أذن العبد نذكر منها:
[ضرب بطرس عبد رئيس الكهنة، لكن الرب شفى الجراحات الدامية وأحل محلّها الأسرار الإلهية.
جُرح عبد رئيس هذا العالم وخادم قوات هذا الدهر... جُرح في أذنه لأنه لم ينصت لصوت الحكمة...
قطع بطرس الأذن ليعلم أن من ليس له الأذن الروحية لا يستحق أن تكون له حتى الأذن الملموسة. وقد أرجع الرب له الأذن مؤكدًا ما قاله إشعياء أن الشفاء ممكن بالتوبة حتى للذين جرحوا الرب في آلامه (إش 6: 10)...
لماذا قطع بطرس الأذن؟ لأنه أخذ مفاتيح ملكوت السماوات، هو يقطع وهو يحّل! أخذ سلطان الربط والحل، فيقطع أذن من يسمع رديًا بسيف روحي، يقطع الأذن الداخلية عن الفهم الخاطئ...
كثيرون يظنون أن لهم الآذان وهم بلا آذان. ففي الكنيسة يكون للجميع آذان، أما خارجها فلا يكون لهم.]
يكمل الإنجيلي حديثه عن القبض على السيد المسيح، هكذا:
"فأجاب يسوع وقال لهم:
كأنه على لص خرجتم بسيوف وعصى لتأخذوني.
كل يوم كنت معكم في الهيكل أعلّم ولم تمسكوني،
ولكن لكي تكمل الكتب.
فتركه الجميع وهربوا.
وتبعه شاب لابسًا إزارًا على عريه فأمسكه الشبان.
فترك الإزار وهرب عريانًا" [48-52].
يرى القديس كيرلس الكبير أن في قوله هذا يؤكد لهم أنه كان يسهل عليهم بالأولى أن يمسكوه في الهيكل حين كان يُعَلِم كل يوم، لكنهم لم يفعلوا هذا إذ لم يكن بعد قد سمح لهم، فإن كان يسلم نفسه لهم الآن إنما بإرادته في الوقت الذي اختاره مناسبًا للصلب، لهذا قال لهم: "ولكن هذه ساعتكم وسلطان الظلمة" [بمعنى أنكم قد منحتم وقتًا قصيرًا (ساعة) فيه يكون لكم سلطان عليّ. ولكن كيف أُعطي لكم هذا السلطان؟ وبأية وسيلة؟ بإرادة الآب المتفقة مع إرادتي. لقد أردت أن أخضع نفسي لآلامي من أجل خلاص العالم وحياته. لكم ساعة ضدي، قليلة جدًا ومحدودة، هي ما بين أحداث الصليب الثمين والقيامة من بين الأموات. وهذا هو السلطان الذي أُعطى للظلمة، لكن "الظلمة" هو اسم الشيطان بكونه ليلاً دامسًا وظلمة، فيقول عنه الطوباوي بولس: "إله هذا الدهر قد أعمى أذهان غير المؤمنين لئلا تضيء لهم إنارة إنجيل مجد المسيح" (2 كو4: 4). إذن أُعطى للشيطان ولليهود السلطان أن يثوروا ضد المسيح، لكنهم حفروا لأنفسهم حفرة الهلاك.]
أما الشاب الذي هرب عريانًا فهو القديس مرقس كاتب الإنجيل جاء في نص منسوب للقديس جيروم: [كما ترك يوسف ثوبه وهرب عريانًا من المرأة الزانية، ليت من يريد الهروب من أيدي الأشرار ينزع من فكرة كل شيء ويهرب وراء المسيح.]
10. محاكمته دينيًا
إذ سلم السيد المسيح نفسه بين يدّي هؤلاء الثائرين ضده، اقتادوه إلى بيت رئيس الكهنة قيافا ليُحكم عليه دينيًا أنه مستوجب الموت.
كان قيافا رئيس كهنة ذلك العام، ويروي عنه يوسيفوس أنه اشترى هذا المركز من الحاكم الروماني، إذ كان هذا المنصب حسب الشريعة يتمتع به الشخص مدى الحياة إلا أن الدولة الرومانية في ذلك الوقت كانت تنصب رئيس الكهنة أو تعزله حسبما تشاء، وقد تنبأ عن عمل السيد المسيح الخلاصي وهو لا يدرى ، إذ يقول الإنجيلي يوحنا: "فقال لهم واحد منهم وهو قيافا، كان رئيسًا للكهنة في تلك السنة: أنتم لستم تعرفون شيئًا، ولا تفكرون أنه خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها. ولم يقل هذا من نفسه، بل إذ كان رئيسًا للكهنة في تلك السنة، تنبأ أن يسوع مزمع أن يموت عن الأمة، وليس عن الأمة فقط بل ليجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحد" (يو 11: 49-52). أما النبوة الثانية فلم تكن بالكلام بل بالتصرف إذ يقول الإنجيلي: "فمزق رئيس الكهنة ثيابه وقال: ما حاجتنا بعد إلى شهود؟" [63]... فقد أعلن نهاية الكهنوت اللاوي أو الموسوي بتمزيق ثيابه كرئيس كهنة! بينما لم يستطع حتى الجند الرومان أن يمزقوا ثوب المسيح في لحظات الصلب، مزق رئيس الكهنة اليهودي الأفود، ما كان يجب حسب الناموس ألا تمزق... فحكم لا على نفسه فقط بل وعلى نهاية الكهنوت اللاوي ككل!
بتمزيق ثيابه أعلن قيافا اشمئزازه من كلمات السيد المسيح التي حسبها تجديفًا، فحكم عليه الجميع أنه مستوجب الموت [64]، غير أنه لم يكن لهم أو لرئيسهم قوة التنفيذ، فأخذوا السيد إلى الحاكم الروماني (يو 18: 28) ليأمر بصلبه. هذا وقد اشترك قيافا بعد قيامة السيد المسيح في الحكم على القديسين بطرس ويوحنا (أع 4: 6)، وقد طرده الرومان من وظيفته عام 36م.
"فمضوا بيسوع إلى رئيس الكهنة،
فإجتمع معه جميع رؤساء الكهنة والشيوخ والكتبة.
وكان بطرس قد تبعه من بعيد إلى داخل رئيس الكهنة،
وكان جالسًا بين الخدام يستدفئ عند النار" [53-54].
كان يليق بدار رئيس الكهنة أن يكون كنيسة مقدسة تشهد للسيد المسيح أمام العالم، تسحب كل نفس للاقتراب إلى كلمة الله بلهيب الروح القدس الناري لتشبع من سرّ الحياة، لكنه خلال الحسد ومحبة العالم تحول داره إلى موضع للحكم على السيد المسيح بالموت. وعوض أن تقترب فيه النفوس إلى المسيّا المخلص بقي بطرس بعيدًا عن مخلصه. وعوض نار الروح القدس أُشعلت نار الشهوة الشريرة يستدفئ بها عبيد هذا العالم وخدامه.
إن كنا في مياه المعمودية قد صرنا جميعًا كهنة وملوكًا، نحمل الكهنوت العلماني أو العام الذي به يكون لنا ملء الدالة للوقوف أمام الآب في ابنه، ونقدم ذبائح الحمد والتسبيح في قلوبنا كما على مذبح الرب الداخلي. لقد تمتعنا بالروح القدس الناري بسرّ المسحة المقدسة "الميرون"، فليتنا لا نسلم دارنا الداخلي لعدو الخير، وعِوَض تجلي الرب فيه يُحكم عليه كما بالصليب ثانية، وعوض النار السماوية المقدسة تشتعل نيران الخطية القاتلة (هو 7: 4). بهذا يصير بطرسنا الداخلي بعيدًا عن الرب، يجالس خدام هذا العالم، ويستدفئ بنارهم الشريرة، فينكر سيده مرة ومرات بقسمٍ!
بحث رئيس الكهنة وكل المجمع عن شهود ضد يسوع ليحكموا عليه بالموت، لكن شهادتهم لم تتفق معًا [55-56]، كأنهم بامرأة فوطيفار التي اشتهت أن تسلم يوسف للموت بشهادة زور.
وُجه للسيد المسيح إتهامان هما:
الاتهام الأول: "نحن سمعناه يقول إني أنقض هذا الهيكل المصنوع بالأيادي وفي ثلاثة أيام أبني آخر غير مصنوع بأيادٍ" [58]. هذا الاتهام في حقيقته يحمل شهادة زور، فإنه لم يقل "إني انقض هذا الهيكل"، بل قال "انقضوا"، كما لم يقل: "هذا الهيكل مصنوع بالأيادي" بل "هذا الهيكل" إذ كان يتحدث عن هيكل جسده. لقد فهموا الكلمات بغير معناها الحقيقي، لكن هذه الشهادة على أي الأحوال بالرغم من بطلانها أكدت حديثه عن موته وقيامته في اليوم الثالث، فصارت ركيزة حية للكرازة بعد قيامته.
الاتهام الثاني: حين أجاب السيد على رئيس الكهنة الذي سأله: "أأنت المسيح ابن المبارك؟" [61]، "قال يسوع: أنا هو، وسوف تبصرون ابن الإنسان جالسًا عن يمين القوة، وآتيًا في سحاب"، لم يحتمل رئيس الكهنة الإجابة فمزق ثيابه، وقال: "ما حاجتنا بعد إلى شهود؟ قد سمعتم بالتجاديف" [63-64].
كان الاتهام الأول معتمدًا على شهادة زور، أما الاتهام الثاني فاعتمد على جهل مطبق وعدم إدراك لكلمات السيد المسيح نفسه. تعثر المجمع بالشهادة الأولى الخاصة بهدم هيكل جسده وقيامته، ولم يحتمل أن يسمع عن مجد ابن الله في السماء ومجيئه الأخير، وحسبوا هذا تجديفًا يستوجب الموت. لعلهم بالاتهام الأول حسبوه محطمًا للناموس، إذ يريد نقض الهيكل، مقللاً من شأنه، بقوله أنه مصنوع بالأيادي، وبالاتهام الثاني حسبوه مجدفًا.
يقول الإنجيلي: "أما هو فكان ساكتًا، ولم يجب بشيء" [61]. ويقول القديس أغسطينوس إنه كان صامتًا أثناء محاكمته في أكثر من موقف، تارة أمام رئيس الكهنة، وأخرى أمام بيلاطس، وثالثة أمام هيرودس. ففيه يتحقق القول: "لم يفتح فاه، كشاه تـُساق إلى الذبح" (إش 53: 7)، كما يقول: شُبّه بالحمل حتى يُحسب في صمته بارًا غير مذنب. لذلك إذ اجتاز المحاكمة لم يفتح فاه، وقد فعل هذا كحمل، بمعنى أنه لم يكن شخصيًا ذي ضمير شرير ارتكب خطايا، بل في وداعته قُدم ذبيحته عن خطايا الآخرين.
لقد ثار رئيس الكهنة وغضب بسبب صمت السيد، قائلاً: "أما تجيب بشيء؟ ماذا يشهد به هؤلاء عليك؟ [60]، غير أن السيد لم يهدف بصمته أن يُثير أحدًا، إنما صمت لأنه يعرف أنهم لا ينتفعون بكلماته، بل يطلبون فيها فرصة يمسكونها عليه، فصمت لعلهم يراجعون أنفسهم فيما يفعلون. في صمته صمت من أجل الحب، وحينما تحدث تكلم بكلمات قليلة معلنًا حقيقة شخصه حتى لا يكون لهم عذر فيما يصنعونه. بمعنى آخر إن صمت أو تكلم يفعل ذلك بدافع الحب لا المقاومة أو الانتقام.
سأله رئيس الكهنة: "أأنت المسيح ابن المبارك؟" بمعنى "أأنت ابن الله؟" فأجاب السيد ملقبًا نفسه "ابن الإنسان"، معلنًا أنه ابن المبارك المتأنس، مؤكدًا أن تأنسه لا يفصله عن الآب، ولا ينزع عمله الإلهي كديان يأتي في سحاب السماء، ويظهر جالسًا عن يمين القوة، أي يمين الآب.
أخيرًا إذ حكم الجميع أنه مستوجب الموت بقى في الدار حتى الصباح يحتمل الإهانات، إذ يقول الإنجيلي: "فابتدأ قوم يبصقون عليه، ويغطون وجهه ويلكمونه، ويقولون له تنبأ، وكان الخدام يلطمونه" [65]. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [إني أفخر بهذه الأمور، ليس فقط أنه أقام آلاف الموتى، وإنما احتمل هذه الآلام.] ويقول القديس كيرلس الكبير: [هذا الذي هو نسمة كل الأرواح المقدسة في السماوات يُحتقر كواحدٍ منا، محتملاً اللطمات بصبرٍ، خاضعًا لسخرية الأشرار، مقدمًا نفسه لنا في كمال طول الأناة، أو بالحري معلنًا وداعته الإلهية العظيمة التي لا تُقارن... لقد سخروا به كمن هو إنسان جاهل مع أنه واهب كل المعرفة، وناظر للخفيات فينا.]
11. إنكار بطرس